|
|
الصفحة السابقةنقد كلام مغنية وأمثاله في علم الغيب عند الائمّةإنّ الكلام الذي نقله مغنية عن الاعلام ـ وله بيان حولهـ بعضه صحيح، وبعضه الآخر غير صحيح، وذلك للاسباب الآتية: أوّلاً: علی الرغم من أنّ الائمّة قد توارثوا علمهم عن آبائهم، عن رسولالله صلّي الله عليه وآله، وكانوا ذوي علم كسبيّ، بَيدَ أنّ هذا العلم مقترن مع علمهم الوجدانيّ الباطنيّ اللدنّيّ بلاريب، وما لميشرق ذلك العلم النوريّ الباطنيّ في القلب، فإنّ العلم الكسبيّ وحده لايحقّق الهدف. إنّهم بشرٌ في غرائزهم وطبائعهم، ولكنّ بشريّتهم لا تحول دون تفتّق قابليّاتهم الذاتيّة وعلمهم الحقيقيّ النابع من الاعماق. ولاتمنع من أن يكونوا ـاختياراً لا اضطراراً وإجباراًـ أُولي ملكاتٍ وعلوم لاينالها كلّ أحدٍ من الناس. وهي الاطّلاع علی المغيبات، وكشف الاسرار، والعلم بالضمائر والنيّات ووقوع الحوادث، وأمثال ذلك. وعندما نشاهد مثل هذه العلوم لدي العلماء بالله وبأمر الله، وهم بين ظهرانينا، فهل يليق بنا أن ننكر ذلك علی أهل البيت، لا لذنبٍ إلاّ لا نّهم أهل البيت، وقد أخذوا علومهم بعضهم عن بعض؟! إنّ أخذ كلّ إمام علومه من الإمام السابق له أمر ثابت لا ريب فيه؛ ولكن هذا لا يعني أنّ الإمام السابق قد بيّن للإمام اللاحق جميع الفروع الجزئيّة اعتباراً من أوّل كتاب الطهارة إلی آخر كتاب الديات، أو عدّ له جزئيّات العلوم العقليّة والمعارف الإلهيّة. بل يعني أنّ الإمام السابق أعطي الإمام اللاحق الكلّيّات والاُصول. أمّا تفرّع الفروع، وشرحها وبسطها وتوسيعها حسب حالاتها المختلفة، ووفقاً للبيئة المناسبة والاُمّة الجديرة المستعدّة، وتمشّياً مع متطلّبات الزمان والمكان، فذلك كلُّه يعود إلی الإمام اللاحق. في ضوء ذلك، فإنّ الوصول إلی الجزئيّات من كلّيّات الكتاب والسنّة يتطلّب منهم ممارسة القوّة العقليّة والإدراك القلبيّ. وهو ما يُعَبَّر عنه بالمشاهدات الغيبيّة، وهم يستأثرون به دون غيرهم. [1] نحن لا نقول: إنّ هذا محال علی سائر الناس، ولكن نقول: إنّ غالب الناس بل معظمهم لا يطوون هذا الطريق، وإنّ استعداداتهم القلبيّة لكشف الغيب تظلّ خافية، بَيدَ أنّ الائمّة عليهم السلام طووا هذا الطريق وتصدّروا فحازوا مقام الإمامة والقيادة. وإذا ما أراد الآخرون أن يطووا هذا الطريق فإنّ صراط الله مفتوح أمامهم، وسيصلون إلی المكان الذي وصل إليه الائمّة، مع أنّ مقام الإمامة والريادة لهم دون غيرهم، وهو غير قابل للزوال والتغيير والتبديل. ثانياً: مـاذا تقـولـون فـي أئـمّة تصـدّوا للإمامة فـي سـنّ الطـفولة ولميُمضوا أيّامهم ولياليهم الطويلة مع آبائهم الاماجد علی امتداد أعمارهم؟! وماذا تقولون في إمام العصر والزمان الذي فقد أباه وهو ابن أربع سنين؟! هل تقولون: إنّه كان يفضي إليه منذ ولادته إلی حين وفاته قوله: قال أبي عَنْ جَدِّي... عن رَسول الله كذا؟! ولو عمّر الإمام مائتي سنة وكان ابنه حيّاً، فإنّ هذا المسائل الجزئيّة لا تنتهي عند حدٍّ معيّن. ماذا تقولون في الإمام الجواد عليه السلام؟! لقد كان ابن سبع أو تسع سنين عند وفاة أبيه الرضا عليه السلام، وأضيفوا إلی ذلك أنّ الإمام الرضا عليه السلام كان نائياً عنه قرابة عامين، ولم يكن هناك ارتباط ظاهريّ بينهما، فالإمام الجواد عليه السلام لم يدرك أباه إلاّ خمس أو سبع سنين. أنتم تقولون في جواب هذا: إنّ علومهم علوم لدنّيّة. وحضور الإمام وغيبته سواء فابن الاربع أو الخمس أو السبع سنين يمكن من خلال انكشاف حقائق التوحيد والمعرفة في قلبه أن يصبح إماماً للاُمّة ومرجعاً لشيوخها الطاعنين في السنّ الذين ليست لهم تلك الدرجة من التوحيد والمعرفة والسعة والإحاطة الكلّيّة، وإلاّ لتحقّق تقدّم المفضول علی الافضل، وسيفقد إشكالكم علی ابن أبي الحديد القائل: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدَّمَ المَفْضُولَ عَلَی الاَفْضَلِ. شأنه وأهمّيّته. وهذا الجواب لا يختصّ بالإمام الجواد والإمام المهديّ عليهما أفضل الصلاة والسلام، بل هو كذلك بالنسبة إلی جميع الائمّة. فالائمّة عليهم السلام أُولو علم كسبيّ ولدنّيّ غير اكتسابيّ. ثالثاً: أنّ الآيات القرآنيّة التي تحصر علم الغيب بالله تعالي هي علی حالها، بَيدَ أنّ المقصود هو الاستقلال. ولكن ما ضرّ لو أنّ الله أعطاه غيره علی سبيل الظهور والمظهريّة دون أن يكون هناك استقلال في البين؟! رابعاً: كان دأب الشيعة وأئمّتهم النظر في الآيات القرآنيّة مترابطةً، وملاحظة عامّها وخاصّها. فإنّ للآيات التي تحصر علم الغيب بالله عموميّتها، بَيدَ أنّ الآيات الكريـمة: عَـ'لِمُ الْغَيْـبِ فَلاَ يُظْـهِرُ عَلَي' غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي' مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ و يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لَـ'تِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي' كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا. [2] خاصّة وتخصّص عموميّتها، ومحصّلة ذلك: الله عالم الغيب ولايُطلع أحداً علی غيبه إلاّ مَن ارتضي من رسول فإنّه يخبره بغيبه. ولمّا كانت هذه الآية تتخصّص في كلّ رسولٍ وكلّ نبيّ، وأنتم تقولون: إنّ جميع صفات الانبياء وعلوم المرسلين ثابتة للائمّة الاثني عشر إلاّ النبوّة كما في الحديث المجمع عليه بين الفريقين: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إلاَّ أَ نَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، فإنّ كافّة مقامات الانبياء ودرجاتهم ثابتة لامير المؤمنين عليه السلام إلاّ النبوّة. وأنّ مزاياه وعلومه ودرجاته عليه السلام برمّتها ثابتة للائمّة الطاهرين عليهم السلام من بعده كما أجمع علی ذلك علماء الشيعة، وأنّ من أهمّ درجاته ومقاماته العلم بالغيب وكشف الاسرار الإلهيّة والاطّلاع علی الخفايا والعلوم الربوبيّة التوحيديّة التي تستوعب سائر المكاشفات المثاليّة. ولقد تحدّثنا في الجزء الحادي عشر، والثاني عشر من هذا الكتاب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام فقط، واستوعب الجزء الثاني عشر كلّه علومه الغيبيّة. وذكرنا في الدرس 166 إلی الدرس 170 منه معلومات لاتُنكَر حول علومه الغيبيّة عليه أفضل صلوات المصلّين، وذلك عند تفسير الآية المباركة: عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي' غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي' مِن رَّسُولٍ. هذا ما يعود إلی علوم الإمام وعلم أمير المؤمنين عليه السلام بشكل عامّ. وأمّا فيما يخصّ علم الجفر الذي حصره ـتبعاً لصاحب « أعيان الشيعة » ـ في علم الحلال والحرام والمصالح الدنيويّة والاُمور الاُخرويّة، وحذف منه المكاشفات الغيبيّة بلا دليل، فينبغي أن نقول في جوابه وجواب مؤلّف « أعيان الشيعة » اللذين ذُكر كلامهما مفصّلاً: لماذا ننكر علم الجفر بمعني الكشف عن حوادث المستقبل، والاطّلاع علی المغيبات عبر بسط الحروف بالاُسلوب الذي علّم فيه رسولالله صلّيالله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام؟! ولِمَ لانعدّه علماً مستقلاّ وكاملاً ـ لا كالجفر المشهور اليوم؟! ـ أمّا في مقام الثبوت، فقاعدة إمكانه العقليّ تقوم علی القانون الآتي: كلّما قَرَعَ سَمْعَك مِنَ الغَرَائِبِ فَذَرْهُ فِي بُقْعَةِ الإمْكَانِ مَا لَمْ يَذُدكَ عَنْهُ قَائِمُ البُرهَانِ. [3] وأمّا في مقام الإثبات، أفلا تكفي الادلّة النقليّة كلّها؟! إثبات علم الغيب بالجفر في كلام الإيجيّ والمير السيّد شريفوألا يكفي كلام الإيجيّ ـوهو من متكلّمي العامّة المحقّقينـ في كتاب « المواقف »، وشهادة المحقّق الجليل المير السيّد شريف الجرجانيّ في « شرح المواقف »، إذ يقول بصراحة مذعناً: إنّ « الجفر » و « الجامعة » كتابان لعليّ عليه السلام قد ذكر فيهما علی طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلی انقراض العالم، وكان الائمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما ـوكان هذا الرجل الكبير من متكلّمي العامّة، وله أفضل حاشية علی كتاب « المطوّل » للتفتازانيّ تدلّ علی تتبّعه واطّلاعه وباعه في اللغة العربيّةـ إنّها شهادة رجل كان الشاعر الشيعيّ فخر الإسلام والتشيّع حافظ الشيرازيّ تلميذه، وكان يحضر درسه بانتظام. [4] ألا تكفي شهادة ابن صبّاغ المالكيّ في كتابه النفيس القيِّم « الفصول المهمّة » الذي يعدّ أحد المصادر المهمّة التي ينقل عنها علماء الشيعة الكبار حتّي الآن؟! ألا يكفي دلالة نصف الاخبار الكثيرة الواردة في هذا المجال، ونحن ذكرناها عن « بصائر الدرجات » للصفّار نقلاً عن المجلسيّ، وهناك قال الإمام الرضا عليه السلام بصراحه: « إنّ الجفر والجامعة يدلاّن علی أنّ هذا الامر ( ولاية العهد ) لا يتمّ »؟! ألا يكفي الكلام المفصّل في « كشف الظنون » وهو لرجل سنّيّ، ونحن نقلناه بتمامه سابقاً؟! ألا يكفي كلام محمّد بن طلحة الشافعيّ في كتاب « مطالب السؤول » وهو من أعاظم علماء السنّة، وكلامه ممّا يحتجّ به علماء الشيعة، إذ يُلحظ في مصنّفاتهم موضوعات عالية وقيِّمة منقولة عن كتابه المذكور؟! ألا يكفي كلام ابن خلدون في مقدّمته، وقد عرضناه بنحو مفصّل. قال فيه: « وقد صحّ عنه ( الإمام الصادق عليه السلام ) أ نّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصحّ كما يقول. وقد حذّر يحيي ابن عمّه زيد من مصرعه وعصاه فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف ». وذكر كلاماً مفصّلاً في شرح وقائع مثلها وقال ما معناه: لا شكّ في صدور مثل هذا عن أهل البيت؟! هذه كلّها من المصادر المهمّة المتقنة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة. وكلامها حجّة للمؤرّخين وأهل السير والمتكلّمين، فضلاً عن مئات الكتب التي صنّفها علماء الشيعة، وذُكر فيها الجفر. ولم يرتابوا في انتسابه إلی أميرالمؤمنين عليه السلام. وقرأنا شعر أبي العلاء المعرّيّ ولاحظنا كيف بيّن الامر ودلّ عليه دفاعاً عن أهل البيت، ورفعاً لتعجّب المشكّكين. وكلّنا نعرف أنّ أبا العلاء كان متشدّداً في البحث، ولم ينقد بسرعةٍ لكلامٍ ما لم يقم عليه الدليل والبرهان. وما أروع ما برهن عليه ابن خلدون في حديثه عن هذا الموضوع! فقال: وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم، فما ظنّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوّة وعناية من الله بالاصل الكريم تشهد لفروعه الطيّبة؟ ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه ـوالله أعلمـ الكشف بما كانوا عليه من الولاية، وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الاولياء في ذويهم وأعقابهم. صعوبة تصديق كثير من المسائل الغيبيّة لغير أهل العرفان من العلماءوحينئذٍ ينبغي أن نقول لصاحب « أعيان الشيعة » وَمَن يَحذُو حَذْوَهُ: إنّ استبعادكم في غير محلّه. ولو كنتم تحضرون درس العارف الكبير المرحوم الآخوند الملاّ حسين قُلي الهمدانيّ في النجف كبعض تلامذته، لتَيسَّر عليكم تصديق هذه الاُمور ونظائرها، ولكن ليس أنتم فحسب، بل كلّ عالم لم يرتو من ذلك المشرب، وقنع بالفقه والاُصول والحديث والتفسير، ولم يشرق قلبه بالانوار الملكوتيّة، ولم يلمس عوالم الغيب شهوداً فإنّه يُمني بهذا الالم. اللهمّ إلاّ أن يعديكم بحث بعض علماء السنّة وكتاباتهم، فيقولون لكم من باب الجدل تبعاً لكلامكم: الدليل علی أحقّيّتنا أنّ كثيراً ما شوهد بيننا عرفاء كبار كان لهم شهود وجدانيّ وعلوم غيبيّة، وأسماؤهم وسيرهم ومناهجهم مسطورة في الكتب، ومذهبهم موجود هذا اليوم. وأمّا أنتم فلاتؤمنون بالانكشافات الباطنيّة والعلوم الشهوديّة لائمّتكم المعصومين الذين ترون أ نّهم خلفاء رسول الله، فعلماؤنا الذين ساروا في طريق العرفان أفضل من أئمّتكم وأعلي شأناً منهم وعندئذٍ ترتبكون، و تبادرون إلی إثبات العلوم الغيبيّة لهم بما فيها علم الجفر بألف دليل ودليل لئلاّ تتخلّفوا عن القافلة! أجل، إنّ هذا الضرب من الاستدلال لا يعطِّر النفوس. ويظلّ هذا الموضوع غامضاً علی المؤمن الشيعيّ ما لم ينهج السلوك العمليّ، ولميسر في طريق أئمّته عليهم السلام. من أجل أن يتوفّر علی معرفتهم. ولم يحضر المرحوم السيّد محسن الامين درس الآخوند، وهو نفسه يأسف علی ذلك. قال في الجزء الرابع من كتاب « معادن الجواهر » ص77: ثمّ اكترينا داراً في محلّة الحويش، وانتقلنا إليها وشرعنا في الدرس والتدريس. وكان جارنا الشيخ ملاّ حسين قلي الهمدانيّ الفقيه العارف الاخلاقيّ المشهور. فحضرتُ يومين في درسه الاخلاقيّ، ثمّ تركتُ وعكفتُ علی دروس الاُصول والفقه، ثمّ ندمتُ علی أن لاأكون حضرتُ درسه الاخلاقيّ إلی آخر حياته. وقد توفّي ونحن في النجف الاشرف. وكان جُلَّ تلاميذه العرفاء الصالحون، وفيهم بعكس ذلك، لانّ الحكمة كماء المطر إذا نزل علی ما ثمره مُرٌّ ازداد مرارةً، وإذا نزل علی ما ثمره حلوٌ ازداد حلاوةً. لا نقصد هنا أنّ تلاميذ الآخوند أُولي جفر يكشفون به المغيبات، بل نقصد أنّ تلاميذه الجيّدين الذين أحاطوا بعالم المثال والعقل كانت جميع الاُمور حاضرة في قلوبهم كلّ لحظة، وهي مشهودة أمام بصائرهم. وهذه منزلة لا يبلغها الجفر والرمل. إنّ القصد هو أنّ تصديق الجفر وأمثاله عمل يسير علی السالك في طريق الله الذي توفّرت له الإحاطة المثاليّة والعقليّة، فلا يطلب دليلاً متقناً دامغاً أبداً، لانّ ثبوته له مسألة مفروغ منها في المراحل الاُولي، إذ يكفيه المقدار الموجود من الادلّة النقليّة لإثباته. إخبار آية الله بهجت ما في ضمير المؤلّفومن الطريف أنّه زارني في مدينة مشهد هذه الايّام أحد العلماء الاعاظم، [5] وذكر في سياق كلامه موضوعاً لا يُحمل إلاّ علی الاطّلاع علی السرائر والاُمور الغيبيّة المثاليّة. علماً أنّي أُصبتُ بنوبة قلبيّة في شهر شوّال سنة 1413 ه فرقدت أربع ليالٍ في غرفة الإنعاش ( تحت المراقبة الخاصّة) وتسع ليالٍ في الردهة العامّة في مستشفي القائم بمدينة مشهد المقدّسة، ثمّ أذِنَ لي الاطبّاء بالخروج من المستشفي والحمد للّه، وجئتُ إلی البيت وها أنا أزاول أعمالي العلميّة نوعاً ما. وذات يوم زارني أحد العلماء الكبار ومعه أحد الطلاّب، وكنت في البيت مع ولدي الاكبر الحاجّ السيّد محمّد صادق. ومن نِعَمِ اللهِ عَلَی أ نّي كنتُ مواظباً علی إقامة الليل تهجّداً وعبادةً وذلك قبل إصابتي بالنوبة القلبيّة، ولكنّي حُرمتُ من هذه النعمة حين مرضي. وعندما عدتُ إلی منزلي فإنّي تركتُ هذه العبادة مدّة لتثاقلي وفتور همّتي وحالة الارق التي تلازمني لساعاتٍ متوالية من الليل. فقال لي الزائر الكريم بعد المجاملات المألوفة والسؤال والاستفسار عن صحّتي وأحوالي من دون تمهيد: رأيتُ في « بحار الانوار » حديثاً من أحد الائمّة، وفيه: قِيَامُ اللَّيْلِ أو صَلاَةُ اللَّيْلِ ( لا أتذكّر بالضبط عبارته ) مَطِيَّةُ اللَّيْلِ. [6] فسكتُّ وكنت أستمع إليه فقط، ويبدو أ نّي لم أتلقَّ ذلك إرشاداً لي، ولمأجد فِيَّ عزماً علی مواصلة صلاة الليل. ودار الحديث حول موضوعاتٍ شتّي، فأعاد كلامه: رأيتُ في « بحار الانوار »: قِيَامُ اللَّيْلِ أو صَلاَةُ اللَّيْلِ مَطِيَّةُ اللَّيْلِ. وقال تعالي في كتابه العزيز: إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْـًا وَأَقْوَمُ قِيلاً.[7] ولمّا كنتُ أعلم أنّ ولدي كان من أهل التهجّد، فعرفت أنّ ذلك الكلام كان موجّهاً لي من أجل تنبيهي وإيقاظي، إذ ينبغي أن لا نترك هذه الصلاة المهمّة، وينبغي ألاّ نزهد عنها وننظر إليها باستخفاف حتّي لو كنّا في حال المرض والتوعّك. فهل يحسن بنا أن نشكّ في علم الائمّة الطاهرين بالغيب والاطّلاع علی السرائر والخفايا كالجفر الذي هو أمرٌ معلوم، في حين أنّنا ننظر هذا الموضوع وأمثاله بأُمّ أعيننا؟ ومـن المناسـب هنـا ـ ونحـن نخـتـم بحـثنا عـن كتـاب «الجـفـر » لاميرالمؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين ـ أن نذكر كلام المستشار عبدالحليم الجنديّ في هذا المجال: قال: أمّا كتاب الجفر المنسوب إلی الإمام الصادق، فيقول عنه ابن خلدون ( 732 ـ 806 ه ) ( 1332 ـ 1406 م ): واعلم أنّ كتاب الجفر كان أصله أنّ هارون بن سعيد البجليّ ـوهو رأس الزيديّةـ كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق. وفيه علم ما سيقع لاهل البيت علی العموم ولبعض الاشخاص منهم علی الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم علی طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم. وكان مكتوباً عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون البجليّ وكتبه وسمّاه الجفر باسم الجلد الذي كُتب عليه، لانّ الجفر في اللغة هو الصغير. ( ولمّا كان قد كتب علی جلد ثور صغير، لذا سُمّي الجفر ). وصار هذا الاسم عَلَماً علی الكتاب عندهم. وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعانيّ مرويّةً عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لمتتّصل روايته ولا عرف عينه. وإنّما يظهر منه شواذّ من الكلمات لايصحبها دليل. ولو صحّ السند إلی جعفر الصادق لكان نِعْم المستند من نفسه أو من رجال قومه. فهم أهل الكرامات. وقد صحّ عنه أنّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما يقول. والروايات متضافرة علی أنّ « الجفر » غير « الجامعة ». والبعض يقول: إنّ الجفر من مؤلّفات علی أملاه عليه النبيّ. وهو جفران: الابيض وهو وعاء من أدم فيه علوم الانبياء والوصيّين والذين مضوا من علماء بني إسرائيل. والاحمر فيه علم الحوادث والحروب. [8] من الطبيعيّ أنّ المؤلّف المحترم يري أنّ كتاب الجفر للإمام الصادق عليه السلام. ونسبه إلی أمير المؤمنين عليه السلام علی قول خاصّ. ولكن كما رأينا هو لامير المؤمنين عليه السلام. وورثه الإمام الصادق عليه السلام كسائر المواريث. الصحيفة التي فيها أسماء الشيعة عند الإمام الصادق هي غير الجفرومن الجدير ذكره أنّ « صحيفة الجفر » هي غير الصحيفة التي كانت عند الإمام الصادق عليه السلام، وفيها أسماء الشيعة كلّهم كما أشار إلی ذلك صاحب « سفينة البحار ».[9] وروي المجلسيّ في « بحار الانوار » عن كتاب « الاختصاص» للشيخ المفيد، عن محمّد بن علی، عن ابن المتوكّل، عن عليّبن إبراهيم، عن اليقطينيّ، عن أبي أحمد الازديّ، عن عبداللهبن فضل الهاشميّ أ نّه قال: كنتُ عند الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام إذ دخل المفضَّل بن عمر. فلمّا بصر به ضحك إليه، ثمّ قال: إلَی يا مفضّل! فَوَ رَبِّي إنِّي لاَحِبُّكَ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكَ! يَا مُفَضَّلُ! لَوْ عَرَفَ جَمِيعُ أَصْحَابِي مَا تَعْرِفُ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ! قال المفضّل: يَا بْنَ رَسُولِ اللَهِ! لَقَدْ حَسِبْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أُنْزِلْتُ فَوْقَ مَنْزِلَتِي. فقال: بَلْ أُنْزِلْتَ المَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَكَ اللَهُ بِهَا. فقال: يَا بْنَ رَسُولِ اللَهِ! فَمَا مَنْزِلَةُ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ مِنْكُمْ؟! قال: مَنْزِلَةُ سَلْمَانَ مِنْ رَسُولِ اللَهِ. فقال: فَمَا مَنْزِلَةُ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ مِنْكُمْ؟! قال: مَنْزِلَةُ المِقْدَادِ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. قال: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَهِ بْنِ الفَضْلِ! إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ، وَصَنَعَنَا بِرَحْمَتِهِ، وَخَلَقَ أَرْوَاحِكُم مِنَّا. فَنَحْنُ نَحِنُّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ تَحِنُّونَ إلَيْنَا! وَاللَهِ لَوْ جَهَدَ أَهْلُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ أَن يَزِيدُوا فِي شِيعَتِنَا رَجُلاً وَيَنْقُصُوا مِنْهُمْ رَجُلاً مَا قَدَرُوا عَلَی ذَلِكَ، وَإنَّهُمْ لَمَكْتُوبُونَ عِنْدَنَا بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ عَشَائِرِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ يَا عَبْدَاللَهِ بْنَ الفَضْلِ! لَوْ شِئْتَ لاَرَيْتُكَ اسْمَكَ فِي صَحِيفَتِنَا؟! قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةٍ فَنَشَرَهَا فَوَجَدْتُهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا أَثَرُ الكِتَابَةِ! فَقُلْتُ يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! مَا أَرَي فِيهَا أَثَرَ الكِتَابَةِ! قَالَ: فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَوَجَدْتُهَا مَكْتُوبَةً وَوَجَدْتُ فِي أَسْفَلِهَا اسْمِي، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْراً. [10] 3 ـ كتاب «الديات» أو «صحيفة الديات» وهو أحد الكتب التي أ لّفها أمير المؤمنين عليه السلام. كان معلّقاً بسيفه دائماً. وفيه مقدار الديات المختلفة للجرائم المتنوّعة. وأُعِدَّ هذا الكتاب ـ علی ما قاله الإمام في مواطن عديدةـ بإملاء رسولالله، وخطّه ( خطّ الإمام ) عليهما الصلاة والسلام. وعندما كان يُسأل الإمام في حالات مخـتلفة: هل نـزل عليـك الوحـي؟! كان يجـيب: لا! ليس عندنا إلاّ هذا المصحف، وهذه الصحيفة المعلّقة بذؤابة السيف، إلاّ أن يمنّ الله علی عبده بفهم كتابه. حديث السيّد حسن الصدر عن كتاب «الديات»قال السيّد حسن الصدر في كتاب « تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام »: وله عليه السلام كتاب سمّاه « الصحيفة » كان في الديات، وكان يعلّقه بسيفه. وعندي منه نسخة. وقد روي البخاريّ في صحيحه عنه في باب كتابة العلم، وباب إثم مَن تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ. [11] وقال الخطيب البغداديّ: ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ ( في لزوم الكتابة وتقييد العلم ). ثمّ روي بسنده عن إبراهيم، عن أبيه أ نّه قال: خَطَبَنَا علی فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرأَهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَهِ تَعَالَي وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ ـ قَالَ: صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي سَيْفِهِ فِيهَا أَسْنَانُ الإبِلِ وَشَيءٌ مِنَ الجِرَاحَات ِـ [12] فَقَدْ كَذَبَ. وفيها: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَی ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيهَا حَدَثاً، أَو آوَي[13] مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالملاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. [14] وَمَنِ ادَّعَي إلَی غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَي إلَی غَيْرِ مَوَالِيهِ [15] فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي بِهَا أَدْنَاهُمْ. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدلاً. [16] وكذلك روي الخطيب بسنده عن طارق أ نّه قال: رأيتُ عليّاً عليه السلام علی المنبر يقول: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَأهُ عَلَيْكُمْ. إلاَّ كِتَابُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذِهِ «الصَّحِيفَةُ». وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي سَيْفٍ، عَلَيْهِ حَلْقَةُ حَدِيدٍ، وَبَكَرَاتُهُ حَدِيدٌ، فِيهَا فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ[17] قَدْ أَخَذَهَا مِن رَسُولِ اللَهِ صَلَّياللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. [18] وتحدّث الشيخ محمود أبو ريّة مفصّلاً عن هذا الكتاب تحت عنوان حديثُ «صَحِيفَةِ علی رَضِي اللَهُ عَنْهُ»، قال فيه: هذا الحديث رواه الجماعة: أحمد، والشيخان، وأصحاب السُّنن بألفاظٍ مختلفة. روايات البخاريّ في «صحيفة الديات»أمّا البخاريّ فقد رواه عن أبي جحيفة في كتاب العلم بلفظ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟! قَالَ: لاَ، إلاَّ كِتَابُ اللَهِ، أَوْ فَهْماً أَعْطَاهُ رَجُلاً مُسْلِماً، أَوْ مَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ»! قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»؟! قَالَ: العَقْلُ، وَفِكَاكُ الاَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. [19] ورواية الكَشْميهَنيّ: وأَنْ لاَ يُقْتَلَ... إلی آخره. وفي كتاب الجهاد بلفظ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحي؟ إلاَّ مَا فِي كِتَابِ اللَهِ؟! قَالَ: لاَ، وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إلاَّ فَهْمَاً يُعْطِيهِ اللَهُ رَجُلاً فِي القُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ»؟! قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ»؟! قَالَ: العَقْلُ، وَفِكَاكُ الاَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ! وفي باب الديات: سَأَلْتُ عَلِيَّاً رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟! فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، مَا عِنْدَنَا إلاَّ مَا فِي هَذَا القُرْآنِ، إلاَّ فَهْماً يُعْطَي رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ! قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟! قَالَ: العَقْلُ، وَفِكَاكُ الاَسِيرِ... إلی آخره. وفي باب حرم المدينة من كتاب الحجّ عن إبراهيم التيميّ، عن أبيه بلفظ: مَا عِنْدَنَا شَيءٌ إلاَّ كِتَابُ اللَهِ وَهَذِهِ «الصَّحِيفَةُ» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَی كَذَا. مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَي مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنُةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَقَالَ: ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ؛ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمَاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وفي باب ذمّة المسلمين من كتاب الجزية بلفظ: خَطَبَنَا علی فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَأَهُ إلاَّ كِتَابُ اللَهِ وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ». قَالُوا: وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَة»؟! فَقَالَ: فِيهَا الجِرَاحَاتُ، وَأَسْنَانُ الإبِلِ، وَالمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَی كَذَا. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَي مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَن تَوَلَّي غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وفي باب إثْمُ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ بلفظ: عَنْ علی قَالَ: مَا كَتبْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إلاَّ القُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ»: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: المَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَی كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً أَوْ آوَي مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَيُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي بِهَا أَدْنَاهُمْ. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَيُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَن وَالَي قَوْماً بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وفي باب إثْمُ مَن تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ بلفظ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَأَهُ إلاَّ كِتَابُ اللَهِ وَغَيْرُ هَذِهِ «الصَّحِيفَة»؛ وَأَخْرَجَهَا فَإذا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَأَسْنَانِ الإبِلِ. وَفِيهَا: المَدِينَةُ حَرَامٌ... إلی آخره. وذكر مسألة الولاء فمسألة الذمّة بمثل ما تقدّم. وفي باب كراهة التعمّق والتنازع والغلوّ في الدين من كتاب الاعتصام بلفظ: خَطَبَنَا علی عَلَی مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍ فَقَالَ: وَاللَهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إلاَّ كِتَابُ اللَهِ وَمَا فِي هَذِهِ «الصَّحِيفَةِ»، فَنَشَرَهَا فَإذا فِيهَا: أَسْنَانُ الإبِلِ؛ وَإذَا فِيهَا المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٌ إلَی كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ... وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ فَعَلَيْهِ.... وَإذَا فِيهَا: مَنْ وَالَي قَوْماً بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ.... (إلاَّ أنَّهُ قَالَ): لاَ يَقْبَلُ اللَهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. هذه روايات البخاريّ ( صاحب « الصحيح » في هذا المجال ). كلام أبو ريّة حول «صحيفة الديات»ثمّ قال الشيخ محمود أبو ريّة: وروايات مسلم وأصحاب السُّنن بمعني روايات البخاريّ. وصرّح مسلم بِحَدَّي المدينة، وهما: عير وثور ( جبلان ). وقال الحافظ ابن حجر في الكلام علی حديث علی رضي الله عنه من طريق إبراهيم التيميّ، عن أبيه: إنّ « الصحيفة » كانت مشتملة علی كلّ ما ورد. أي: فكان يذكر كلّ راوٍ منها شيئاً، إمّا لاقتضاء الحال ذكره دون غيره، وإمّا لانّ بعضهم لم يحفظ كلّ ما فيها، أو لم يسمعه؛ ولا شكّ أ نّهم نقلوا ما نقلوه بالمعني دون التزام اللفظ كلّه، ولذلك وقع الخلاف في ألفاظهم؛ ولم يقل الرواة: « إنّه قرأها عليهم » برمّتها فحفظوها أو كتبوها عنه، بل تدلّ ألفاظهم علی أ نّه كان يذكر ما فيها أو بعضه من حفظه، ومن قرأها لهم كلّها أو بعضها لم يكتبوها، بل حدّثوا بما حفظوا. ومنه ما هو من لفظ الرسول صلّي الله عليه وآله، ومنه ما هو إجمال للمعني كقوله: « العقل، وفكاك الاسير »، فإنّ المراد بالعقل دية القتل. وسمّيت عقل لانّ الاصل فيها أن تكون إبلاً تُعقَلُ، أي: تربط بالعقل في فناء دار المقتول أو عصبته المستحقّين لها. وقوله: « أسنان الإبل » في بعض الروايات، معناه ما يشترط في أسنان إبل الدية أو الصدقة... إلی آخره. وجمله القول: إنّنا لا نعلم أنّ أحداً كَتَب عن أمير المؤمنين ما كان في تلك « الصحيفة » بنصّه، ولا أ نّه هو كتبها بأمر النبيّ صلّي الله عليه وآله، لا نّه قال في رواية قتادة عن أبي حسان: إنّه سمع شيئاً فكتبه. وإذا كان لنا من كلمة نعلّق بها علی أمر هذه «الصحيفة» المنسوبة إلی علی رضي الله عنه، وما جاء فيها من روايات مختلفة في كتب الحديث، فهي أ نّنا لا نطمئنّ إلی ما جاء فيها من روايات مهما كان رواتها. وبحسبك أن تجد ابن حجر قد قال في هذه الروايات ما قال. ومردّ شكّنا إلی أنّ عليّاً رضي الله عنه إذا كان قد أراد أن يكتب عن رسولالله ما يراه نافعاً للدين وللمسلمين، فلا تكفيه مثل هذه « الصحيفة » التي كان يضعها كما يقولون في قراب سيفه؛ وإنّما كان يكتب آلاف الاحاديث في جميع ما يهمّ المسلمين، وهو صادقٌ في كلّ ما يكتب إذا أراد. علی أنّنا قد أفدنا من أخبار هذه « الصحيفة » فائدة كبيرة، إذ أثبتت لنا كيف تفعل الرواية بالمعني فعلها، وأ نّها كانت ضرراً علی الدين وعلي اللغة والادب، كما سنبيّنه قريباً إن شاء الله. [20] إنّنا نهدف من وراء ذكر هذه الاحاديث الكثيرة التي نقلها هذا العالم السنّيّ الواعي من « صحيح البخاريّ » إلی بيان نقطة مهمّة، وهي: أنّ أصل تحقّق هذه « الصحيفة »، بناء علی ما رواه المخالفون من الاحاديث الكثيرة، سندٌ للشيعة في كتابة وتدوين أمير المؤمنين عليه السلام. وأمّا قدحه بالنحو الملحوظ، فلا وجه له، لانّ كلّ راوٍ ذكر طرفاً منه. وكان هذا في مسائل حدود الديات والجراحات ونظائرها. وأمّا جميع المسائل في الشؤون المهمّة المختلفة فقد كانت في كتاب « الجامعة » الذي مرّ شرحه وتفصيله. كما صرّح به أبو ريّة نفسه في قوله: إنّ الشيعة يقولون: إنّ أوّل من جمع الحديث ورتّبه علی الابواب أبو رافع مولي رسول الله. [21] وله كتاب « السُّنن والاحكام والقضايا ». وقالوا: فلا أقدم منه في ترتيب الحديث وجمعه في الابواب. [22] وقال العالم الكبير محمّد الحسين آل كاشف الغطاء النجفيّ في كتاب « المطالعات والمراجعات والردود »: [23] إنّ أوّل من دوّن الحديث ابن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين علی بن أبي طالب عليه السلام، خازنه علی بيت المال، بل الحقّ أنّ أوّل من دوّنه هو نفس أمير المؤمنين عليه السلام كما يدلّ عليه خبر « الصحيفة » في الصحيحين ( صحيح البخاريّ ومسلم).[24] ومن كلام أبو ريّة علی صحيفة أمير المؤمنين عليه السلام مطلب نقله عن السيّد رشيد رضا. قال: نَخْتِمُ هَذَا المُوْضُوعَ بِكَلِمَةٍ قَيِّمَةٍ لِلْعَلاَمَةِ السَّيِّدِ رَشِيدِ رِضَا رَحِمَهُ اللَهُ: إنّ بعض أحاديث الآحاد تكون حجّة علی من تثبت عنده واطمأنّ قلبه بها، ولا تكون حجّة علی غيره يلزم العمل بها. ولذلك لميكن الصحابة يكتبون جميع ما سمعوا من الاحاديث ويدعون إليها؛ مع دعوتهم إلی اتّباع القرآن والعمل به وبالسنّة العمليّة المتّبعة المبيّنة له إلاّ قليلاً من بيان السنّة كـ « صحيفة علی رضي الله عنه » المشتملة علی بعض الاحكام كالدية، وفكاك الاسير، وتحريم المدينة كمكّة... إلی آخره. [25] أجل، لابي ريّة الحقّ، لا نّه أخرج هذه الاحاديث من مصادر العامّة كالبخاريّ ومسلم؛ وبلغ عنادهم في حذف حديث أمير المؤمنين عليه السلام، أو بتره، أو تحريفه، أو إسقاطه درجة صار معهاً غير خافٍ علی أحدٍ، بل لا يخفي علی كثير من علماء السنّة المنصفين. روايات الشيعة حول «صحيفة الديات»ولو راجع أبو ريّة كُتُب الشيعة في هذا المجال، لكان الامر واضحاً كالشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ الضَّاحِيَةِ. ولاقرّ بهذه الحقيقة. كما روي رئيس المحدِّثين صاحب دائرة المعارف الشيعيّة الكبري، أعني جَدُّنَا الاعلي من جانب أُمِّ الوالِد: محمّد باقر المجلسيّ قدّس سرّه في كتاب « بحار الانوار »، عن كتاب « بصائر الدرجات »، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن محمّدبن الفضيل، عن بكر بن كَرَب الصَّيرفيّ قال: سمعتُ أبا عبدالله ( الإمام الصادق ) عليه السلام يقول: مَا لَهُـمْ وَلَكُـمْ؟ وَمَا يُريـدُونَ مِنْكُـمْ وَمَا يَعِيُبـونَكُـمْ؟! يَقُولُـونَ: الرَّافِضَةُ! نَعَمْ وَاللَهِ رَفَضْتُمْ الكَذِبِ وَاتَّبَعْتُمُ الحَقَّ. أَمَا وَاللَهِ إنَّ عِنْدَنَا مَا لاَ نَحْتَاجُ إلَی أَحَدٍ، وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْنَا. إنَّ عِنْدَنَا الكِتَابَ بِإمْلاَءِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَخَطِّ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ، صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً، فِيهَا كُلُّ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ. [26] وفي « بصائر الدرجات » أيضاً بسنده المتّصل عن أبي أراكة أنّه قال: كنّا مع علی عليه السلام بمسكن فحدّثنا أنّ عليّاً عليه السلام ورث من رسولالله صلّي الله عليه وآله السيف، وبعض يقول: البغلة، وبعض يقول: ورث صحيفة في حمائل السيف، إذ خرج علی عليه السلام ونحن في حديثه، فقال: وَأَيْمُ اللَهِ لَوْ أُنْشَطُ وَيُؤْذَنُ لَحَدَّثْتُكُمْ حَتَّي يَحُولَ الحَوْلُ لاَ أُعِيدُ حَرْفاً. وَأَيْمُ اللَهِ إنَّ عِنْدِي لَصُحُفاً كَثِيرَةً قَطَائِعُ [27] رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإنَّ فِيهَا لَصَحِيفَةً يُقَالُ لَهَا: العِيطَةُ [28]، وَمَا وَرَدَ عَلَی العَرَبِ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، وَإنَّ فِيهَا لَسِتِّينَ قَبِيلَةً مِنَ العَرَبِ بَهْرَجَةً مَا لَهَا فِي دِينِ اللَهِ مِنْ نَصِيبٍ. ونقل المجلسيّ في بيانه عن « القاموس » قائلاً: البهرج: الباطل الرديء. والبهرجة أن يعدل بالشيء عن الجادّة القاصدة إلی غيرها. والمبهرج من المياه: المهمل الذي لا يمنع عنه. ومن الدماء: المهدر. [29] «صحيفة الفرائض» من تدوين أمير المؤمنين عليه السلام الرابع4 ـ «صَحِيفَةُ الفَرِائِضِ» أو «صَحِيفَةُ كِتَابِ الفَرَائِضِ» أو «فرائضُ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ» روي المجلسيّ رضي الله عنه في « بحار الانوار » عن « بصائر الدرجات »، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن الحسين، عن أبي مخلّد، عن عبد الملك قال: دَعَا أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِكِتَابِ علی فَجَاءَ بِه ِجَعْفَرٌ مِثْلَ فَخِذِ الرَّجُلِ مَطْوِيٍّ، فَإذَا فِيهِ: إنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ عِقَارِ الرَّجُلِ إذَا هُوَ تُوُفِّيَ عَنْهَا شَيءٌ. فَقَالَ أَبُو جَعْفرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: هَذَا وَاللَهِ خَطُّ علی بِيَدِهِ وَإمْلاَءُ رَسُولِ اللَهِ! [30] قال آية الله السيّد محسن الامين العامليّ: « صحيفة الفرائض» أو « صحيفة كتاب الفرائض » أو فرائض علی عليه السلام كما وقع التعبير بذلك كلّه عنها في الاخبار. ويحتمل أن تكون هي المراد بكتاب علی الوارد في بعض الاخبار؛ ويحتمل غيره. وهذه أيضاً كانت عند الائمّة عليهم السلام ورآها عندهم ثقات أصحابهم. ونُقِلَ كثير من محتوياتها في كتب الشيعة برواية الثقات عن الثقات إلی اليوم. فكانت عند الباقر عليه السلام. روي الشيخ أبو جعفر محمّدبن يعقوب الكلينيّ في « الكافي » عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن عليّبن حديد، عن جميل بن دُرَّاج، عن زرارة قال: أمر أبو جعفر أباعبدالله فأقرأني « صحيفة الفرائض » فرأيتُ جلّ ما فيها علی أربعة أسهم. وروي الكلينيّ أيضاً عن أبي علی الاشعريّ، عن عمر بن أُذينة، عن محمّدبن مسلم قال: أَقْرَأَنِي أَبُو جَعْفَرٍ «صَحِيفَةَ كِتَابِ الفَرَائِضِ» الَّتِي هِيَ إمْلاَءُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَخَطُّ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ وَإذَا فِيهَا: إنَّ السِّهَامَ لاَ تَعُولُ. ورواها الصدوق محمّد بن علی بن بابويه بإسناده. وروي الكلينيّ هذا المضمون بسندين آخرين. وكذلك رواه الشيخ أبو جعفر الطوسيّ بسند آخر. وكانت بعد الإمام الباقر عند ولده الإمام جعفر الصادق عليهما السلام. وروي الشيخ أبو جعفر الطوسيّ بإسناده عن علی بن الحسنبن فضّال، عن علی بن أسباط، عن محمّد بن عمران، عن زرارة قال: أَرَانِي أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «صَحِيفَةَ الفَرَائِضِ» فَإذَا فِيهَا ـ ( الحديث ). والظاهر أنّها هي « الصحيفة » التي كانت عند الباقر عليه السلام. روي الكلينيّ عن علی بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: نَشَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ صَحِيفَةً فَأَوَّلُ مَا تَلَقَّانِي فِيهَا: ابْنُ أَخٍ وَجَدٍّ المَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ (إلي أن قال) فَقَالَ: إنَّ هَذَا بِخَطِّ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَإمْلاَءِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. ورواها الكلينيّ بسند آخر. وقال في آخرها: فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: أَمَا إنَّهُ إمْلاَءُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ وَخَطُّ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ! وروي الصفّار في « بصائر الدرجات » بسنده عن سليمان بن خالد، عن الصادق عليه السلام ( إلی أن قال: ) فَلْيُخْرِجُوا قَضَايا علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَفَرَائِضَهُ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ـ (الحديث). والظاهر أنّ المراد بنو الحسن عليه السلام؛ والمراد بالقضايا إمّا قضاياه في الفرائض والمواريث أو مطلق قضاياه، فتكون قد دوّنت في ذلك الزمان ووجدت عند آله عليهم السلام. [31] «كتاب الستّين» التدوين الخامس لامير المؤمنين عليه السلام5 ـ «كتاب السِّتِّين» ذكر آية الله السيّد محسن الامين العامليّ رضي الله عنه كتاباً أملي فيه أميرالمومنين عليه السلام ستّين نوعاً من أنواع علوم القرآن؛ وذكر لكلّ نوع مثالاً يخصّه. وهو الاصل لكلّ مَن كتب في أنواع علوم القرآن. وهذا الكتاب أورده المجلسيّ في بحاره نقلاً عن أبي عبدالله محمّدبن إبراهيم بن جعفر النعمانيّ في تفسيره للقرآن، ورواه النعمانيّ عن الحافظ ابن عقدة بسنده المتّصل إلی الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أ نّه نسبه إلی أمير المؤمنين عليه السلام. ويبلغ ثلاث عشرة ورقة إلاّ ربع بالقطع الكامل كلّ صفحة منها 27 سطراً، كلّ سطر 23 كلمة. وأشار إلی هذا الكتاب الرافعيّ في كتابه « إعجاز القرآن » فقال: وتزعم الشيعة أنّ عليّاً أملي ستّين نوعاً من أنواع علوم القرآن. وذكر لكلّ نوع منها مثالاً يخصّه. وأنّ ذلك في كتاب يروونه عنه من طرق عدّة، وهو في أيديهم إلی اليوم. وذلك وإن كان قريباً فيما يعطيه ظاهره غَيْرَ أَ نَّهُ بِالحِيلَةِ عَلَی تَقْرِيبِهِ صَارَ أَبْعَدَ مِنْهَا وَأَمْحَضَ فِي الزَّعْمِ ـ انتهي. ونخاله يُشير بذلك إلی ما في كتاب « الشيعة وفنون الإسلام» المذكور فيه هذه العبارة في موضعين، ولكن نفسه لم تطاوعه علی الاعتراف بهذا الكتاب والإذعان بأنّ عليّاً عليه السلام باب مدينة علم المصطفي صلّيالله عليه وآله أملي ستّين نوعاً من أنواع علوم القرآن في كتاب ترويه الشيعة بأسانيدها وهو في أيديها إلی اليوم، وجعل ذلك حيلة علی تقريبه من الحقيقة. يَا سُبْحَانَ اللَهِ! كيف يمكن أن يصدر مثل هذا الكتاب من أميرالمؤمنين وسيّد العلماء والموحّدين ووارث علوم خير النبيّين صلّيالله عليه وآله، ومَن قال في حقّه رسول الله صلّي الله عليه وآله: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا؟! وكيف يمكن أن يصدّق به الرافعيّ ورواته من الشيعة وهو بأيديهم، بل هو بالحيلة علی تقريبه من الحقيقة صار أبعد منها؟! لا يصدّق الرافعيّ بهذا ويقول في حاشية كتابه المذكور: إنّ لبعض المحقّقين من مشايخ الصوفيّة دقائق في التفسير لا تتّفق لغيرهم لسموّ أرواحهم ونور بواطنهم، ومنهم كان الإمام السلطان الحنفيّ صاحب المقام المشهور في القاهرة. سمعه يوماً شيخ الإسلام البلقينيّ يفسِّر آية، فقال: لقد طالعتُ أربعين تفسيراً فما وجدت فيها شيئاً من تلك الدقائقـ انتهي. وحكي الرافعيّ في حاشية كتابه المذكور عن بعض العلماء أنّه استخرج من القرآن الكريم أنّ قوله تعالي: أَلَمْ تَرَ إِلَي' رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ, سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً، [32] إشارة إلی التصوير الشمسيّ. وأنّ قوله تعالي: ثُمَّ اسْتَوَي'´ إلَی السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ، [33] إشارة إلی أنّ مادّة الكون هي الاثير. وأنّ قوله تعالي في السماوات والارض: كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَـ'هُمَا، [34] إشارة إلی أنّ الارض انفتقت من النظام الشمسيّ. وأنّ قوله تعالي: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، [35] إشارة إلی أنّ للجمادات حياة قائمة بماء التبلور. وأنّ قوله تعالي: فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَ ' جًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّي'، [36] دالّ علی تلاقح النبات، إلی غير ذلك. وهذا ليس ببعيد عمّا حواه القرآن من العلوم. وَإنَّ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. [37] ولكن مَن يصدّق بذلك كيف يعظم عليه أن يصدّق بأنّ عليّاً أميرالمؤمنين عليه السلام أملي ستّين نوعاً من علوم القرآن؟ ردّ العلاّمة الامين علی الرافعيّ بشأن «كتاب السِّتِّين»وقال آية الله الامين العامليّ هنا: وقد رأينا من المناسب أن نذكر هنا سندنا إلی هذا الكتاب الذي نرويه به إجازة عن مشايخنا، المتّصل إلی أهل بيت النبوّة عليهم السلام، ونورد نُبذاً منه.... ثمّ قال: لنا عدّة طرق إلی ابن عقدة راوي هذا الكتاب بسنده إلی الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي أسنده إلی أمير المؤمنين عليه السلام. نذكر منها هنا طريقاً واحداً لاتّصال السند به. ويروي المرحوم الامين هنا بسلسلة سنده المتّصل إلی ابن عقدة، وعنه إلی إسماعيل بن جابر، عن الإمام الصادق عليه السلام. ويذكر بالتفصيل أسماء العلماء الواردة في سلسلة الرواية معنعناً؛ إلی أن يصل إلی قول الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام: إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي بَعَثَ مَحمَّد صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَخَتَمَ بِهِ الاَنْبِيَاءَ فَلاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَاباً فَخَتَمَ بِهِ الكُتُبَ فَلاَ كِتَابَ بَعْدَهُ. أَحَلُّ فِيهِ حَلاَلاً وَحَرَّمَ حَرَاماً. فَحَلاَلُهُ حَلاَلٌ إلَی يَوْمِ القيَامَةِ،وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إلَی يَوْمِ القِيَامَةِ. ويذكر المرحوم الامين هنا جميع الانواع الستّين بإيجاز بعضها حسب ألفاظ الرواية. ثمّ يورد بعد ذلك الآيات الخاصّة بالناسخ والمنسوخ، المبيَّنة في هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام. ومن ذلك حكم زنا المرأة في الجاهليّة حيث كانت تُحبس حتّي يأتيها الموت، وزنا الرجل حيث كان يُشتَم ويؤذَي ويُعَيَّر ويُنفي عن المجالس. ونسخ ذلك بآية إقامة حدّ الزنا علی الرجل والمرأة في القرآن الكريم. ومن ذلك العدّة كانت في الجاهليّة علی المرأة سنة كاملة، ثمّ نسخت بالآية التي جعلتها أربعة أشهر وعشرة أيّام. ومن ذلك حكم مداراة المشركين وتحمّل أذاهم، ثمّ نُسخ بآيات الجهاد. ومن ذلك فرض القتال علی المسلمين، إذ جُعل علی الرجل الواحد منهم أن يقاتل عشـرة من المشـركين. ثمّ نسـخ ذلك بآية فرض القتال إذا كان واحد من المسلمين فإنّه يقاتل اثنين من الكافرين. ومن ذلك حكم الإرث بين المسلمين علی أساس الاُخوّة في الدين، ونسخ ذلك بحكمه علی أساس القرابة والرحم. ومن ذلك آيات وجوب الصلاة إلی البيت الحرام، حيث نَسَخَتْ آيات وجوبها إلی بيت المقدس. ومنه آيات القصاص التي نسخت حكم التوراة. ومنه نسخ الاحكام الشاقّة التي كانت علی بني إسرائيل. ومنه نسخ الحكم بوجوب الامتناع عن مباشرة النساء والاكل والشرب في ليالي شهر رمضان المبارك بالآية التي تبيح الاكل والشرب ومباشرة النساء فيها حتّي طلوع الفجر الصادق. وكثير من الآيات المنسوخة بأحكام قرآنيّة جديدة. ثمّ ذكر أمثلة من المحكم والمتشابه؛ وأمثلة من الآيات التي ظاهرها العموم، ومعناها الخصوص؛ والآيات التي ظاهرها الخصوص ومعناها العموم؛ والآيات التي لفظها ماضٍ ومعناها مستقبل؛ وآيات العزائم والرخص، والاحتجاج علی الملحدين، والردّ علی عَبدَة الاصنام، والثنويّة، والزنادقة، والدهريّة، والنصاري، وغير ذلك ممّا فصّله صاحب كتاب « أعيان الشيعة ». وهو يحتوي علی موضوعات رائعة مركّزة. بَيدَ أ نّا اكتفينا بذكر أُصولها هنا مراعاة للإيجاز. [38] 6 ـ كتاب الإمام عليه السلام إلی مالك الاشتر ومحمّد ابن الحنفيّة هذان الكتابان المقطوع صدورهما عن الإمام، وأوّلهما في « نهج البلاغة »، والثاني ذكره صاحب « أعيان الشيعة » في ترجمة الاصبغبن نُباتة، وسائر كتب الإمام الموجودة في « نهج البلاغة »، وغيره يمكن أن نعدّها بمجموعها من مدوّنات الإمام ومصنّفاته، ذلك أنّها رسائل خطّها يراعه المبارك. وقد أحصي المرحوم الامين هذه كلّها، وبعض الكتب التي دوّنها الإسلام في الفقه، كلاّ علی حدة، فبلغت مع « مصحف فاطمة » اثني عشر أثراً. ولكنّا راعينا الإيجاز هنا فاجتزأنا بهذا المقدار بسبب إدغام بعضها في بعض، وعدم ذكر البعض. «مصحف فاطمة» من مدوّنات علی عليه السلام7 ـ «مصحف فاطمة عليها السلام» أو «كتاب فاطمة» الذي هو من الكتب المعتبرة الموثوقة التي كتبها الإمام نفسه آخر كتبه المدوّنة المصنّفة في العدّ والإحصاء، بِحَوْلِهِ وَقوّته ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. ارجاعات [1] ـ ما أجمل كلام السيّد علی خان المدنيّ الشيرازيّ رضي الله عنه في توضيح هذه الحقيقة، إذ قال في شرحه علی الصحيفة، ص 14، الطبعة الرحليّة، و: ج 1، ص 108 إلی 110، طبعة جماعة المدرّسين: قال بعض المحقّقين: اعلم أ نّه ليس المراد ] بقول يحييبن زيد للمتوكّل بن هارون: ولكنّي أعلم أنّ قوله حقّ، أخذه عن آبائه وأ نّه سيصحّ [، ما يفهمه الظاهريّون من الناس ] أنّ الصادق عليه السلام أخذ علمه عن آبائه واحداً بعد آخر حتّي ينتهي إلی رسول الله صلّي الله عليه وآله [ أنّ من شأنهم حفظ الاقوال خلفاً عن سلف حتّي يكون فضلهم علی سائر الناس بقوّة الحفظ للمسموعات أو بكثرة المحفوظات، بل المراد أنّ نفوسهم القدسيّة قد استكملت بنور العلم وقوّة العرفان بسبب اتّباع الرسول صلّي الله عليه وآله بالمجاهدة والرياضة، مع زيادة استعداد أصليّ وصفاء وطهارة في الغريزة فصارت كمرآة مجلوّة يحاذي بها شطر الحقّ بواسطة مرآة أُخري أو بغير واسطة. ألا تري أنّ المرايا المتعدّدة المتحاذية، أو المحاذية لمرآة أُخري هي بحذاء الشمس ينعكس ضوء الشمس إلی جميعها، فهكذا حال مَن اتّبع الرسول حقّ المتابعة يصير محبوب الحقّ كما قال تعالي: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَهُ (الآية 31، من السورة 3: آل عمران)، ومن أحبّه الله تعالي أفاض الله عليه كما أفاض علی حبيبه صلوات الله عليه، لكنّ الفرق ثابت بين المتبوع والتابع. وبالجملة، يجب أن يعلم أنّ علوم الائمّة عليهم السلام ليست اجتهاديّة ولا سمعيّة من طرق الحواسّ، بل علومهم كشفيّة لدنّيّة تفيض علی قلوبهم أنوار العلم والعرفان عن الله سبحانه، لابواسطة أمر مباين من سماع، أو كتابة محسوسة، أو رواية. أو شيء من هذا القبيل. وممّا يدلّ علی ما بيّنّاه وأوضحناه قول أمير المؤمنين عليه السلام: عَلَّمني رسولالله صلّيالله عليه وآله ألف بابٍ من العلم فانفتح لي من كلّ باب ألف بابٍ. («تاريخ دمشق» لابن عساكر، تصحيح محمّد باقر المحموديّ، ج 2، ص 483؛ و«منتخب كنز العمّال» المطبوع بهامش «مسند أحمد بن حنبل» ج 5، ص 43 ). وقول الرسول صلّي الله عليه وآله: أُعطيتُ جوامِعَ الكَلِمِ («مسند أحمد بن حنبل» ج 2، ص 412؛ و«سنن الترمذيّ» ج 4، ص 123، الحديث 1553 ) وأُعطِيَ علی جوامع العلم («الانوار النعمانيّة» ج 1، ص 32 ) ومعني تعليم الرسول له عليه السلام هو إعداد نفسه الشريفة القابلة لانوار الهداية علی طول الصُّحبة ودوام الملازمة بتعليمه وإرشاده إلی كيفيّة السلوك إلی الله تعالي بتطويع النفس الحيوانيّة وقواها لما أمرها بها واستخدمها فيه الروح العقليّ الإلهيّ، وإشارته صلّي الله عليه وآله إلی أسباب التطويع والرياضة حتّي استعدّ عليه السلام للانتقاش بالاُمور الغيبيّة والاءخبار عن المغيبات. وليس التعليم البشريّ، سواء كان المعلّم رسولاً أو غيره هو إيجاد العلم، وإن كان أمراً يلزمه الاءيجاد والاءفاضة من الله تعالي. وفي قوله صلّي الله عليه وآله: وأُعطي علی جوامع العلم («الانوار النعمانيّة» ج 1، ص 32 ) بصيغة البناء للمفعول دليل ظاهر علی أنّ المعطي لعليّ جوامع العلم ليس هو النبيّ صلّي الله عليه وآله، بل الذي أعطاه ذلك هو المعطي للنبيّ جوامع الكلم، وهو الحقّ سبحانه وتعالي، فافهم هذا المقام فإنّه من مزالّ الاقدامـ انتهي كلام بعض المحقّقين. [2] ـ الآيات 26 إلی 28، من السورة 72: الجنّ. [3] ـ مرّ الكلام حول هذا القانون في الجزء الاوّل من كتاب «معرفة المعاد»، القسم الثالث، المجلس الرابع. وجاء في الهامش: هذه العبارة المعروفة للشيخ الرئيس ابن سينا، ونقلت في كثير من كتبه. والمراد من الاءمكان هنا الاحتمال العقليّ لا الاءمكان الذاتيّ. وذكر الشيخ الرئيس في الصفحة الاخيرة من كتاب «الاءشارات» الطبعة الحجريّة، وفي: ج 4، ص 159 و 160، الطبعة الحديثة، الكلام الآتي تحت عنوان النصيحة: إيّاك أن يكون تكيُّسك وتبّرؤك عن العامّة هو أن تنبري منكراً لكلّ شيء. فذلك طيش وعجز. وليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليّته دون الخرق في تصديقك ما لميقم بين يديك بيّنة. بل عليك الاعتصام بحبل التوقّف. وإن أزعجك استنكار ما يوعاه سمعك ما لمتتبرهن استحالته لك، فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلی بقعة الاءمكان ما لميذدك عنه قائم البرهان. [4] ـ إنّ المحقّق الجرجانيّ المذكور في كثير من الكتب هو العالم الرفيع المنزلة المير السيّد علی بن محمّد بن علی الحسينيّ الاستراباديّ. كان متكلّماً بارعاً وحكيماً ماهراً، وكان أفضل عصره في العربيّة. وهو صاحب المصنّفات والحواشي المعروفة، كشرحه علی «الكشّاف»، و«الكافية»، و«الشمسيّة»، و«شرح المطالع»، و«شرح المواقف» للقاضي عضد الاءيجيّ في علم أُصول الكلام، وشرح «المطوّل» للتفتازانيّ علی «مفتاح العلوم» للسكّاكيّ. ولد بشيراز سنة 816 ه. ونقل العالم الجليل الكريم السيّد علی خان في «رياض السالكين» ص 14، 15 من الطبعة الرحليّة سنة 1317، و: ج 1، ص 112، 113 من طبعة جماعة المدرّسين مطلباً حول علم الجفر والجامعة لامير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين. ومن المناسب أن نذكر فيما يأتي فقراته كلّها لاءرشاد أهل النظر والفكر. يقول هذا العالم الكبير: تَتِمَّةٌ: قال المحقّق الشريف في «شرح المواقف» في مبحث تعلّق العلم الواحد بمعلومين: إنّ الجفر والجامعة كتابان لعليّ كرّم الله وجهه قد ذكر فيهما علی طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلی انقراض العالم، وكان الائمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما. وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه علی بن موسي الرضا رضيالله عنهما إلی المأمون: إنّكَ قد عرفتَ من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك فقبلت منك عهدك إلاّ أنّ الجفر والجامعة يدلاّن عليأ نّه لا يتمّ. ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلی أهل البيت. ورأيت بالشام نظماً أُشير فيه بالرموز إلی أحوال ملوك مصر. وسمعتُ أ نّه مستخرج من ذينك الكتابين. (إلي هنا كلام الشريف) وبعض العامّة ينسب الجفر إلی الصادق عليه السلام. قال ابن قتيبة في كتاب «أدب الكاتب»: وكتاب الجفر جلد جفر كتب فيه الإمام جعفر بن محمّد الصادق رضي الله عنهما لاهل البيت كلّ ما يحتاجون إلی علمه وكلّ ما يكون إلی يوم القيامةـ (انتهي). [5] ـ هو سماحة آية الله الشيخ محمّد تقي بهجت الفومنيّ الرشتيّ دام ظلّه العالي. وكان من تلامذة سماحة آية الحقّ وسند التحقيق وعماد العرفان في العصر الاخير في النجف الاشرف المرحوم آية الله الميرزا السيّد علی آغا القاضي الطباطبائيّ قدّس الله تربته الزكيّة. تلميذ له في العرفان والاخلاق. ولم يبق من طلاّب ذلك الفقيد إلاّ هو وسماحة آيةالله الشيخ علی أكبر المرنديّ في مرند، وفضيلة حجّة الإسلام العلاّمة الشيخ الانصاريّ اللاهيجيّ المقيم حالياً في مشهد. أبقاهم الله ذخراً للاءسلام وسنداً للمسلمين، ومتّعنا وجميع المؤمنين بدوام ظلّهم الممدود إلی يوم الورود. وذكرت ترجمة موجزة لسماحة آية الله بهجت الفومنيّ في الجزء الاوّل من كتاب «نور ملكوت القرآن» المطبوع، وهو من دورة أنوار الملكوت، القسم السادس من دورة العلوم والمعارف الإسلاميّة. [6] ـ أصل الحديث: إنّ الوصولَ إلی الله عزّ وجلّ سَفَرٌ لا يُدرَكُ إلاّ بامتطاء الليل، من لميحسن أن يمنع (طعاماً ونوماً) لم يُحسن أن يُعْطِيَ (ثمار إقامة الليل). [7] ـ الآية 6، من السورة 73: المزّمّل. [8] ـ كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص 206 و 207، طبعة جمهوريّة مصر العربيّة، المجلس الاعلي للشؤون الإسلاميّة، القاهرة، 1397 ه. [9] ـ «سفينة البحار» ج 1، ص 15، مادّة صحف. [10] ـ «بحار الانوار» ج 11، ص 224، أحوال الإمام الصادق عليه السلام، طبعة الكمبانيّ، وفي: ج 7، ص 307 أيضاً، أحوال الائمّة عليهم السلام نقلاً عن كتاب «الاختصاص» للشيخ المفيد. [11] ـ آخر الصفحة 279. [12] ـ وما يوافق هذا الحديث راجع: البخاريّ، ج 1، ص 40؛ و«جامع بيان العلم» ج 1، ص 71. وشرح الحديث في «إرشاد الساري» ج 1، ص 166 و 167؛ و«عمدة القاري» ج 1، ص 561 و 562؛ و«فتح الباري» ج 1، ص 182؛ و«شرح الكرمانيّ للبخاريّ»، المكتبة الظاهريّة، الحديث 52، آخر النصف الاوّل. [13] ـ في «الطبقات الكبير» ج 6، ص 77، ما يشبه بعض فقراته ويخالف بعضها الآخر. [14] ـ مثله بلفظ قريب منه عن الاعمش في ذمّ الكلام. (الهرويّ، ص 163 ). [15] ـ في «تذكرة الحفّاظ» ج 4، ص 63، ما يشبه بعض عبارات الحديث ويخالف ï ïبعضها الآخر. [16] ـ مثله باختصار عن الاعمش في «تذكرة الحفّاظ» ج 1، ص 3. و نصّ عليه في «جامع البيان» ج 1، ص 71. [17] ـ مثله بلفظ متقارب عن شريك في ذمّ الكلام للهرويّ، ص 263، وفيه: وعليه سيف حليته من حديد. وفيه أيضاً خبر صحيفة أُخري كانت عند علی عليه السلام. (ردّ الدارميّ علی بشر المريسيّ، ص 130 )؛ و«توجيه النظر» ص 16 و 17؛ وخبر كتاب قضاء علی في «توجيه النظر» ص 8. («تقييد العلم» ص 88 و 89، الطبعة الثانية، نشر دار إحياء السنّة النبويّة). [18] ـ «تقييد العلم» ص 89. [19] ـ من العجب أنّ محمّد عجّاج الخطيب اعترف بهذه الحقيقة في كتاب «السّنة قبل التدوين» ص 345، وقال: وقد اشتهرت صحيفة أمير المؤمنين علی بن أبي طالب التي كان يعلّقها في سيفه، فيها أسنان الاءبل، وأشياء من الجراحات، وحرم المدينة، ولايقتل مسلم بكافر. وقال في الهامش: انظر: «مسند الإمام أحمد» ج 2، ص 35، و 44، و 121، و 131؛ و«فتح الباري» ج 7، ص 83؛ و«ردّ الدارميّ علی بشر» ص 130. وقال صاحب تفسير «المنار» ج 6، ص 470، في سياق تفسير الآية: يا أيّها الرَّسُولُ بلِّغ ما أُنزل إليك من ربّك: ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيحين والسُّنن من سؤال بعض الناس عليّاً المرتضي: هل خَصَّهُمُ الرسول بشيءٍ من الوحي أو علم الدين؟! يعني أهل البيت. ثمّ يسرد سؤال أبي جحيفة الإمام وجواب الإمام عنه علی هذا المنوال. [20] ـ «أضواء علی السنّة المحمّديّة، أو دفاع عن الحديث» ص 94 إلی 96، الطبعة الثالثة، دار المعارف بمصر. [21] ـ أبو رافع مولي رسول الله، واسمه أسلم. وكان للعبّاس بن عبد المطّلب فوهبه لرسولالله، وهو الذي عمل منبر رسول الله من أثل الغابة. وكانت سلمي مولاة رسولالله عند أبي رافع فولدت له عبيد الله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام (الاثل شجر من فصيلة الطرفائيّات. خشبه صلب جيّد تصنع منه القصاع والجفان. والغابة الاجمة. أي: من الشجر المسمّي بالاثل والنابت في الغابة). [22] ـ ص 27 و 28، عن كتاب «الشيعة وفنون الإسلام» لمؤلّفه السيّد حسن الصدر من علماء العراق، مطبعة العرفان بصيدا، سنة 1331. [23] ـ «المطالعات والمراجعات والردود» ص 56. [24] ـ «أضواء علی السنّة المحمّديّة» ص 272 و 379. [25] ـ «أضواء علی السنّة المحمّديّة» ص 379. [26] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 283، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)، و: ج 26، ص 36، الحديث 66، طبعة المطبعة الحيدريّة؛ و«بصائر الدرجات» ص 41. [27] ـ القطيعة أرض الخراج وجمعها قطائع. [28] ـ في نسخة الكمبانيّ: عيطة؛ وفي الطبعة الحيدريّة: عبيطة. [29] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 283، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)، و: ج 26، ص 37، الحديث 67، طبعة المطبعة الحيدريّة؛ و«بصائر الدرجات» ص 41. [30] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 287، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)، و: ج 26، ص 51، الحديث 101، طبعة المطبعة الحيدريّة؛ و«بصائر الدرجات» ص 45. [31] ـ «أعيان الشيعة» الجزء الاوّل، القسم الاوّل، ص 350 إلی 352، الطبعة الثانية، سنة 1363 ه، مطبعة ابن زيدون، دمشق. [32] ـ الآية 45، من السورة 25: الفرقان. [33] ـ الآية 11، من السورة 41: فصّلت. [34] ـ الآية 30، من السورة 21: الانبياء [35] ـ الآية 30، من السورة 21: الانبياء. [36] ـ الآية 53، من السورة 20: طه. [37] ـ اقتباس من الآية 89، من السورة 16: النحل. [38] ـ «أعيان الشيعة» ج 1، ص 318 إلی 330، مطبعة ابن زيدون، دمشق، سنة 1363، الطبعة الثانية.
|
|
|