|
|
الصفحة السابقةردّ الإمام الصادق عليه السلام علی أبي حنيفة قوله بالقياسروي الشيخ الطبرسيّ في « الاحتجاج » عن بشير بن يحيي العامريّ، عن ابن أبي ليلي، قال: دخلتُ أنا والنعمان أبو حنيفة علی جعفر بن محمّد، فرحّب بنا، فقال: يابن أبي ليلي مَن هذا الرجل؟! فقلتُ: جُعلتُ فداك من أهل الكوفة له رأي وبصيرة ونفاذ! قال: فلعلّه الذي يقيس الاشياء برأيه! ثمّ قال: يا نعمان! هل تُحسن أن تقيس رأسك؟! قال: لا! قال: ما أراك تحسن أن تقيس شيئاً! فَهَلْ عَرَفْتَ المُلُوحَةَ فِي العَيْنَيْنِ، وَالمَرَارَةَ فِي الاُذُنَيْنِ، وَالبُرُودَةَ فِي المُنْخَرَيْنِ، وَالعُذُوبَةَ فِيالفَمِ؟! قال: لا! قال: لهل عرفتَ كلمةً أوّلها كفر وآخرها إيمان؟! قال: لا. قال ابن أبي ليلي: جُعِلْتُ فِدَاكَ. لا تدعنا في عمياء ممّا وصفتَ. قال: نَعَمْ، حدّثني أبي عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله قال: إنّ الله خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة، فلولا ذلك لذابتا، ولم يقع فيهما شيء من القذي إلاّ أذابه. والملوحة تلفظ ما يقع في إلیعن من القذي. وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً للدماغ، وليس من دابّة تقع في الاُذُن إلاّ التمست الخروج، ولولا ذلك لوصلت إلی الدماغ فأفسدته. وجعل الله البرودة في المنخرين حجاباً للدماغ. ولولا ذلك لسال الدماغ. وجعل العذوبة في الفم منّاً من الله تعإلی علی ابن آدم ليجد لذّة الطعام والشراب. وأمّا كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان فقول: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ. ثمّ قال: يَا نُعْمَانُ! إيَّاكَ وَالقِيَاسَ! فَإنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ! قَالَ: مَنْ قَاسَ شَيئاً مِنَ الدِّينِ بِرَأيِهِ قَرَنَهُ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَإلی مَعَ إبْلِيسَ، فَإنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَاسَ، حَيْثُ قَالَ: «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»[1]. فَدَعُوا الرَّأْيَ وَالقِيَاسَ فَإنَّ دِينَ اللَهِ لَمْ يُوضَعْ علی القِيَاسِ. [2] قال الدميريّ في كتاب « حياة الحيوان »، مادّة ظبي: وذكر ابن خلّكان في ترجمة جعفر الصادق أ نّه سأل أبا حنيفة: ما تقول في مُحْرِمٍ كَسَرَ رباعية ظبي؟! فقال: يابن بنت رسول الله، لا أعلم ما فيه! فقال: إنَّ الظَّبْيَي لاَ يَكُونُ رَبَاعِياً وَهُوَ ثَنِيٌّ أَبَداً. [3] وقال الجوهريّ في مادّة س ن ن في قول الشاعر في وصف الإبل: فَجَاءَتْ كَسِنِّ الظَّبْي لَمْ أَرَ مِثْلَهَا سَنَاءَ عَلِيلٍ أَوْ حُلُوبَةَ جَائِع أَي: هِيَ ثَنِيَّاتٌ، لانَّ الثَّنِيَّ هُوَ الَّذِي يُلْقِي ثَنِيَّةُ، وَالظَّبْيُ لاَ تَنْبُتُ لَهُ ثَنِيَّةٌ قَطُّ فَهُوَ ثَنِيٌّ أَبَداً. [4] وقال ابن شبرمة: دخلتُ أنا وأبو حنيفة علی جعفر بن محمّد الصادق، فقلتُ: هذا رجل فقيه من العراق! فقال: لعلّه الذي يقيس الدين برأيه!! أهو النعمان بن ثابت؟! قال: ولم أعلم باسمه إلاّ ذلك إلیوم. فقال له أبو حنيفة: نعم أنا ذلك. أَصْلَحَكَ اللَهُ! فقال له جعفر: اتَّقِ اللَهَ، وَلاَ تَقِسِ الدِّينَ بِرَأْيِكَ، فَإنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ بِرَأْيِهِ إبْلِيسُ، وَإذْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ. فَأَخْطَأَ بِقِيَاسِهِ، فَضَلَّ. ثمّ دلّ الإمام عيه السلام علی عجز أبي حنيفة في الجواب عن قياس رأسه إلی جسده، والجواب عن علّة خلق الملوحة في العينين، والمرارة في الاُذنين، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين، وعن كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان ـ كما تقدّم في الرواية السابقة ـ إذ كان يسأله، وهو لميحر جواباً. ثمّ قال له جعفر: وَيْحَكَ! أَيَّمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَهِ إثْماً، قَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَهُ بِغَيْرِ حَقِّ أَوِ الزِّنَا؟! قَالَ: بَلْ قَتْلُ النَّفْسِ! قال جعفر: إنَّ اللَهَ تَعَإلی قَدْ قَبِلَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَا إلاَّ شَهَادَةَ أَرْبَعٍ. فَأَنَّي يَقُومُ لَكَ القِيَاسُ؟! ثمّ قال: أَيُّمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَهِ، الصَّوْمُ أَوِ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ. قال: فَمَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ؟! اتَّقَ اللَهَ يَا عَبْدَاللَهِ وَلاَ تَقِس الدِّينَ بِرَأْيِكَ. فَإنَّا نَقِفُ غَداً وَمَنْ خَلَفَنَا بَيْنَ يَدَي اللَهِ، فَنَقُولُ: قَالَ اللَهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَهِ. وَتَقُولُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ: سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا. فَيَفْعَلُ اللَهُ بِنَا وَبِكُمْ مَا يَشَاءُ. والجواب في أنّ الزنا لا يقل فيه إلاّ أربعة طلباً للستر. وفي أنّ الحائض لاتقضي الصلاة متكرّرة في إلیوم والليلة خمس مرّات بخلاف الصوم فإنّه في السنّة مرّة. والله أعلم. وجعفر الصادق هو جعفر بن محمّد الباقر بن عليّ! زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام. وجعفر أحد الائمّة الاثني عشر علی مذهب الإماميّة من سادات أهل البيت. والُقِّب الصادق لصدقه في مقاله. وله مقال في صنعة الكيمياء، والزجر، والفأل وتقدّم في باب الجيم. في الجَفْرَة عن ابن قتيبة أ نّه قال في كتاب « أدب الكاتب »: إنّ كتاب الجفر جلد جفرة كتب فيه الإمام جعفر الصادق لاهل البيت كلّ ما يحتاجون إلی علمه وكلّ ما يكون إلی يوم القيامة. وكذا حكاه ابن خلّكان عنه أيضاً. وكثير من الناس ينبسبون كتاب الجفر إلی عليّ بن أبي طالب، وهو وهم. والصواب أنّ الذي وضعه جعفر الصادق كما تقدّم. نصائح الإمام الصادق للإمام الكاظم علی ما نقله الدميريّوأوصي جعفر ابن موسي الكاظم، فقال: يَا بنَيَّ احْفَظْ وَصِيَّتِي تَعِيشْ سَعِيداً وَتَمُتْ شَهِيداً! يَا بُنَيَّ إنَّ مَنْ قَسِعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ اسْتَغْنَي، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إلی مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ مَاتَ فَقِيراً. وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللَهُ لَهُ أتَّهَمَ اللَهَ فِي قَضَائِهِ. وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ نَفْسِهِ اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ غَيْرِهِ. يَا بُنَيَّ مَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِهِ إنْكَشَفَتْ عَوْرَاتُ بَيْتِهِ، وَمَن سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ قُتِلَ بِهِ. وَمَنِ احْتَفَرَ لاِخِيهِ بِئْراً سَقَطَ فِيهَا. وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ حَقِرَ. وَمَن خَالَطَ العُلَمَاءَ وَقُرَ. وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمِ. يَا بُنَيَّ قُلِ الحَقَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. وَإيَّاكَ وَالنَّمِيمَةَ فَإنَّهَا تَزْرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي قُلُوبِ الرِّجالِ. يَا بُنَيَّ إذَا طَلَبْتَ الجُودَ فَعَلَيْكَ بِمَادِنِهِ! وروي أ نّه قيل لجعفر الصادق: مَا بَالُ النَّاسِ فِي الغَلاَءِ يَزْدَادُ جُوعُهُمْ بِخِلاَفِ العَادَةِ فِي الرَّخْصِ؟! فَقَالَ: لاِنَّهُمْ خُلِقُوا مِنَ الاَرْضِ وَهُمْ بَنُوهَا، فَإذَا أَقْحَطَتْ أَقْحَطُوا، وَإذَا أَخْصَبَتْ أَخْصَبُوا. وُلِدَ جعفر رحمة الله تعإلی عيه سنة ثمانين من الهجرة، وقيل: سنة ثلاث وثمانين. وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومائة ـ انتهي كلام الدميريّ. [5] من الجدير ذكره أنّ الدميريّ كان شافعيّاً. وأورد في كتاب « حياة الحيوان » موضوعات كثيرة في الردّ علی أبي حنيفة. ونقل في مادّة بَعُوض مطالب نفيسة جدّاً عن الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، منها قال: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: قَبْرُ مُوسَي الكَاظِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ التَّرْيَاقُ المُجَرَّبُ. حوار الإمام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة حول الرأي والقياسأجل، قال الشيخ الطبرسيّ في « الاحتجاج » بعد نقل الرواية التي ذكرناها في القياس آنفاً: وفي رواية أُخري أنّ الصادق عليه السلام قال لابي حنيفة لمّا دخل عليه: مَن أَنْتَ؟! قال: أبو حنيفة. قال عليه السلام: مفتي أهل العراق؟! قال: نعم! قال: بما تُفتيهم؟! قال: بِكِتَابِ اللَهِ. قال: وإنّك لعالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟! قال: نعم! قال: فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ: وَقَدَّرونَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَإلی وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ. [6] أي موضع هو؟! قال أبو حنيفة: هو ما بين مكّة والمدينة! فالتفت أبو عبدالله ( الإمام الصادق عليه السلام ) إلی جلسائه، وقال: نَشَدْتُكُمْ بِاللَهِ هَلْ تَسِيرُونَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَلاَ تَأْمَنُونَ علی دِمَائِكُمْ مِنَ القَتْلِ وَعلی أَمْوَالِكُمْ مِنَ السَّرَقِ؟! فقالوا: اللهّم نعم. فقال أبو عبدالله: وَيْحَكَ يَا أَبَا حَنِيفَةِ! إنَّ اللَهَ لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقّاً! أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ دَخَلَهُ و كَانَ ءَامِنًا».[7] أي موضع هو؟ قال: ذلك بيت الله الحرام. فالتفت أبو عبدالله إلی جلسائه، وقال: نَشَدْتُكُمْ بِاللَهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عَبْدَ اللَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ دَخَلاَهُ فَلَمْ يَأْمَنَا القَتْلَ؟! قالوا: اللهّم نعم. فقال أبو عبدالله عليه السلام: وَيْحَكَ يَا أَبَا حَنِيفَةَ! إنَّ اللَهَ لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقّاً. فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله. إنّما أنا صاحب قياس. قال أبو عبدالله: فانظر في قياسك إن كنتُ مقيساً أيّما أعظم عند الله: القتل أو الزنا؟! قال: بل القتل. وهنا أدان الإمام عليه السلام أبا حنيفة بنفس أُسلوب الاستدلال الوارد في الرواية السابقة حول القتل والزنا، والصلاة والصيام. وبعد ذلك قال له: البَوْلُ أَقْذَرُ أَمِ المَنِيُّ؟! قال: البول أقذر. قال: يجب علی قياسك الغسل من البول دون المنيّ، وقد أوجب الله تعإلی الغسل من المنيّ دون البول. قال: إنّما أنا صاحب رأي. قال عليه السلام: فما تقول في رجل كان له عبد فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة. فدخلا بامرأيتهما في ليلة واحدة، ثمّ سافرا وجعلا امرأيتهما في بيت واحد، وولدتا غلامين. فسقط البيت عليهم، وفقتل المرأتين. وبقي الغلامان. أيّهما في رأيك المالك وأيّهما المملوك؟! وأيّهما الوارث وأيّهما الموروث؟! قال: إنّما أنا صاحب حدود. قال: فما تري في رجل أعمي فقأ عين صحيح، وأقطع قطع يد رجل، كيف يقام عليهما الحدّ؟! قال: إنّما أنا رجل عالم بمباعث الانبياء. قال: فأخبرني عن قول الله لموسي وهارون حين بعثهما إلی فرعون: لَعَلَّهُ و يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي'. [8] ولعلّ منك شكّ؟! قال: نعم! قال: وكذلك من الله شكّ إذ قال: لَعَلَّهُ؟! قال أبو حنيفة: لا علم لي. قال عليه السلام: تَزْعَمُ أَ نَّكَ تُفْتِي بِكِتَابِ اللَهِ وَلَسْتَ مِمَّنْ وَرِثَهُ! وَتَزْعَمُ أَ نَّكَ صَاحِبُ قِيَاسٍ، وَأَوَّلُ مَنْ قَاسَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَهُ، وَلَمْ يُبْنَ دِينُ الإسْلاَمِ علی القِيَاسِ. وَتَزْعَمُ أَ نَّكَ صَاحِبُ رَأْي، وَكَانَ الرَّأْيُ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَوَاباً وَمِنْ دُونِهِ خَطَأَ، لاِنَّ اللَهَ تَعَإلی يَقُولُ: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَرَاكَ اللَهُ [9]، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. وَتَزْعَمُ أَ نَّكَ صَاحِبُ حُدُودٍ، وَمَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ أَوْلَي بِعِلْمِهَا مِنْكَ! وَتَزْعَمُ أَ نَّكَ عَالِمٌ بِمَبَاعِثِ الاَنْبِيَاءِ، وَلَخَاتَمُ الاَنْبِيَاءِ أَعْلَمُ بِمَبَاعِثِهِمْ مِنْكَ! لَوْلاَ أَنْ يُقَالَ: دَخَلَ علی ابْنِ رَسُولِ اللَهِ فَلَمْ يَسأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ! فَقِسْ إنْ كُنْتَ مُقِيساً! قال أبو حنيفة: لا أتكلّم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس! قال: كلاّ. إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك ـ تمام الخبر. [10] وعن عيسي بن عبدالله القرشيّ قال: دخل أبو حنيفة علی أبي عبدالله عليه السلام، فقال: يا أبا حنيفة قد بلغني أ نّك تقيس! فقال: نعم! فقال: لا تَقِسْ فإنّ أوّل من قاس إبليس لعنه الله حين قال: خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ. [11] فقاس بين النار والطين. ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار وعرف ما بين النورين، وصفاء أحدهما علی الآخر. [12] روي محمّد بن يعقوب الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عُمَير، عن عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبان بن تغلب، قال: قُلْتُ لاِبِي عَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَطَعَ إصْبَعاً مِنْ أَصَابِعِ المَرْأَةِ كَمْ فِيهَا؟! قَالَ: عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ. قُلْتُ: قَطَعَ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قُلْتُ: قَطَعَ ثَلاَثاً؟ قَالَ: ثَلاَثُونَ. قُلْتُ: قَطَعَ أَرْبَعاً؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَهِ يَقْطَعُ ثَلاَثاً فَيَكُونَ عَلَيْهِ ثَلاَثُونَ، وَيَقْطَعُ أَرْبَعاً فَيَكُونَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ؟! إنَّ هَذَا كَانَ يَبْلُغُنَا وَنَحْنُ بِالعِرَاقِ فَنَبْرَأُ مِمَّنْ قَالَ وَنَقُولُ: الَّذِي جَاءَ بِهِ شَيْطَانٌ. فَقَالَ: مَهْلاً يَا أَبَانُ؛ هَكَذَا حَكَمَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ إنَّ المَرْأَةَ تُقَابِلُ الرَّجُلَ إلی ثُلْثِ الدِّيَةِ، فَإذَا بَلَغَتِ الثُّلْثَ رَجَعَتْ إلی النصِّْفِ. [13] يَا أَبَانُ إنَّكَ أَخَذْتَنِي بِالقِيَاسِ. وَالسُّنَّةُ إذَا قِيسَتْ مُحِقَ الدِّينُ. [14] قال السيّد رضيّ الدين أبو القاسم عليّ بن موسي بن طاووس الحسنيّ الحسينيّ في كتابه الثمين « الطرائف » بعد شرح مفصّل في إثبات علل بطلان القياس، وتحقيق في مصدره، وطعن علی العاملين به: وقد روي الخطيب في تاريخه، وابن شيرويه الديلميّ قالا: إنّ النبيّ صلّي الله عليه وآله قال: سَتَفْتَرِقُ أُمَّتي علی بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِتْنَةً علی أُمَّتي قَوْمٌ يَقِسُونَ الاُمُور، فَيُحَرِّمُونَ الحَلاَلَ وَيُحَلِّلُونَ الحَرَامَ. [15] وقد وقفت علی كتب علماء عترة نبيّهم، وهم مجمعون علی تحريم العمل بالقياس. وأخبار هؤلاء الاربعة المذاهب في كتبهم الصحاح تشهد أنّ عترة نبيّهم لا يخالفون كتاب ربّهم إلی يوم القيامة. كان أبو بكر لا يجيز العمل بالرأي والقياسثمّ وقد روي علماء الإسلام أخباراً متنظاهرة في المنع من القياس والرأي. فمن ذلك ما رووه عن أبي بكر أ نّه قال: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَهِ بِرَأْيِي؟ ومن ذلك ما رُوي عن عمر بن الخطّاب قال: إيَّاكُمْ وأَصْحَابَ الرَّأْي فَإنَّهُمْ أعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتهُمُ الاَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. ومن ذلك ما رووه عن عمر أ نّه كتب إلی شريح القاضي وهو يؤمئذٍ نائبه عن القضاء: اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَهِ. فَإنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَهِ فَاقْضِ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ. فَإنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَاقْضِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ. فَإنْ لَمْ تَجِدْ فَلاَ عَلَيْكَ أَنْ لاَ تَقْضِي! ومن ذلك ما رووه عن عبدالله بن عبّاس أ نّه قال: لَوْ جَعَلَ اللَهُ لاِحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِرَأْيِهِ لَجَعَلَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَهِ؛ قَالَ اللَهُ لَهُ: «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ»[16] وَقَالَ: «إِنَّا أَنْزَلْنَآ إلیكَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَئ'كَ اللَهُ».[17] وَلَمْ يَقُلْ: بِمَا رَأَيْتَ! وروي النهي عن القياس عن عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، ومسروق بن سيرين، وأبي سلمة بن عبدالرحمن. فلو كان القياس مشروعاً في زمن نبيّهم، ما خفي عن هؤلاء وعن عترة نبيّهم وأتباعهم من العلماء. [18] روايات الشيعة في حرمة العمل بالقياسروي الكُلينيّ في باب النهي عن القول بغير علم بسنده عن عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: إيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ، فَفِيهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ: إيَّاكَ أَنْ تُفْتِي النَّاسَ بِرَأْيِكَ أَوْ تَدِينَ بِمَا لاَ تَعلَمُ! [19] وروي بسنده عن ابن شبرمة، [20] قال: مَا ذَكَرْتُ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ إلاَّ كَادَ أَنْ يَتَصَدَّعَ قَلْبِي: قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَليْهِ وَآلِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَنْ عَمِلَ بِالمَقَائِيسِ فَقَدْ هَلَّكَ وَأَهْلَكَ. [21] وَمَنْ أَفْتَي النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ المَنْسُوخِ، وَالمُحْكَمَ مِنَ المُتَشَابِهَ فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ. [22] وكذلك روي في باب البدع والرأي والمقائيس بسنده عن أبي شيبة الخراسانيّ. قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنَّ أَصْحَابَ المَقَائِيسِ طَلَبُوا العِلْمَ بِالمَقَائِيسِ، فَلَمْ تَزِدْهُمُ المَقَائِيسُ مِنَ الحَقِّ إلاَّ بُعْداً، وَإنَّ دِينَ اللَهِ لاَ يُصَابُ بِالمَقَائِيسِ! [23] وروي أيضاً بسنده عن محمّد بن حكيم، قال: قلتُ لاب الحسن موسي عليه السلام: جُعِلْتُ فداك! فُقِّهنا في الدِّين، وأغنانا الله بكم عن الناس، حتّي أنّ الجماعة منّا لتكون في المجلس، ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما مَنَّ اللَهُ علينا بكم. فربّما ورد علينا الشيء ولم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء. فنظرنا إلی أحسن ما يحضرنا وأوفق الاشياء لما جاءنا عنكم، فنأخذ به؟! فقال: هيهات، هيهات في ذلك! واللهِ هلك من هلك يابن حكيم. قال: ثمّ قال: لَعَنَ اللَهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ! [24] وكذلك روي بسنده عن أبي شيبة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: ضَلَّ عِلْمُ ابْنِ شُبْرُمَةَ عِنْدَ الجَامِعَةِ: إمْلاَءُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَخَطُّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ. إنَّ الجَامِعَةَ لَمْ تَدَعْ لاِحَدٍ كَلاَماً. فِيهَا عِلْمُ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ. إنَّ أَصْحَابَ القِيَاسِ طَلَبُوا العِلْمَ بِالقِيَاسِ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الحَقِّ إلاَّ بُعْداً. إنَّ دِينَ اللَهِ لاَ يُصَابُ بِالقِيَاسِ. [25] وروي بسنده عن زرارة قال: سألتُ أبا عبدالله عليه السلام عن الحلال والحرام، فقال: حَلاَلُ مُحَمَّدٍ حَلاَلٌ أَبَداً إلی يَوْمِ القِيَامَةِ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إلی يَوْمِ القِيَامَةِ. لاَ يَكُونُ غَيْرُهُ وَلاَ يَجِيءُ غَيْرُهُ. وَقَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَا أَحَدٌ ابْتَدَعَ بِدْعَةً إلاَّ تَرَكَ بِهَا سُنَّةً. [26] أجل، بلغنا هذه النقطة في كلامنا عن الشافعيّ الذي كان يخالف الرأي والاستحسان والقياس الظنّيّ. قال محمّد الزُّهَريّ النجّار ـ وهو من علماء الازهر، وأشرف علی طبع كتاب « الاُمّ » للشافعيّ وتصحيحه ـ في مقدّمته علی الكتاب: والذي أوصل الشافعيّ إلی هذه الدرجة تلك الخطوات المحكمة التي انتهجها في حياته العلميّة، ذلك أ نّه تأدّب بأدب البادية ووقف علی علوم اللغة العربيّة فصيحها وغربيها، وحفظ أشعار العرب وأيّامهم، فأصبح حجّةً في اللغة وخصوصاً أشعار الهُذَليِّين. وقال بعد أن فصّل الكلام في ترجمته، وعلومه، ورحلاته: رحلتة الثالثة[27] إلی العراق. وفي خلال هذه السنوات، مات الإمام أبو يوسف في سنة 182. ومات بعده الإمام محمّد بن الحسن سنة 188. ومات هارون الرشيد سنة 193. وبويع المأمون بالخلافة. واشتهر حبّه للعلويّين وعطفه عليهم. فرأي الشافعيّ أن يعود إلی بغداد. وأقام فيها شهراً واحداً، وكان يلقي دروسه في جامعها الغربيّ. وفي 28 شوّال دخل مصر وبقي فيها حتّي مات. وفاة الشافعيّ وشيء من شعرهوتوفّي في ليلة الجمعة الاخيرة من شهر رجب سنة 204 ه بعد العشاء الاخيرة. وتمّ تكفينه ودفنه في غدها. وبعد صلاة العصر خرجت الجنازة، فلمّا وصلت إلی شارع السيّدة نفيسة الآن، خرجت السيّدة نفيسة وأمرتهم بإدخال النعش إلی بيتها، فصلّت عليه وترحمّت. ثمّ سير بالجنازة إلی القُرافة الصغري، وفيها دُفن. كان الشافعيّ الحرّيّة في القناعة، والذلّ كلّ الذلّ في الطلب والسؤال، فيول: العَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنِع والحُرُّ عَبْدٌ إنْ قَنَع[28] فَاقْنَعْ وَلاَ تَقْنَعْ فَلاَ شَيْءٌ يَشِينُ سِوَي الطَّمَعْ فلذلك نجد القناعة والاعتزاز بالرضا بما قسم الله ماثلاً في قوله: أَمْطِرِي لُؤْلُؤاً جِبَالَ سَرَنْدِيـ ـبَ وَفِيضِي آبَارَ تَكْرُورَ تِبْرَا أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قَوْتاً وإذَا مِتُّ لَسْتُ أَعْدَمُ قَبْرَا هِمَّتِي هِمَّةُ المُلُوك وَنَفْسِي نَفْسُ حُرَّةٍ تَرَي المَذَلَّةَ كُفْراً [29] بحث حول أحمد بن محمّد بن حَنْبَل الشَّيْبانيّ المروزيّ البغداديّ قال السيّد المحقّق والعالم المتضلّع السيّد محمّد باقر الخوانساريّ في كتابه « روضات الجنّات »: رابِعُ أَرْبَعَةِ النَّاسِ، وَسَابِعُ سَبْعَةٍ لَيْسَ يَكُونُ بِوَاحِدٍ مِنْه ذمُ القِيَاسُ الإمام عِزُّ الدِّينِ أَبُو عَبْداللَهِ أحمد بن محمّد بن حَنْبَل بن هلال بن أسد الشَّيْبانيّ النَّسل المروزيّ الاصل البَغْداديّ المَنْشَأ والمسكن والخاتمة. ينتهي نسبه غير الميمون إلی ذي الثَّديَّة الملعون رئيس الخوارج علی أميرالمؤمنين عليه السلام. ولهذا اشتهر كونه منحرفاً عن الولاء له عليه السلام بالشدّة مع أ نّه من كبار أئمّة أهل السنّة والجماعة القائلين بخلافته، وفرض اتّباعه وموالاته ولو بعد الثلاثة لامحالة. بل يروي عنه أ نّه قال: أحفظ أو أُحدِّث ممّا قدرويته بالإسناد عن النبيّ صلّي الله عليه وآله ثلاثين ألف، حديث في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وعن الإمام الثعلبيّ المفسّر الآتي ترجمته إن شاءالله تعإلی أ نّه ينقل عن أحمد بن حنبل المذكور أ نّه قال: مَا جَاءَ لاِحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا جَاءَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الفَضَائِلِ. وعن « المناقب » لابن شهرآشوب المازندارنيّ نقلاً عن صاحب كتاب « معرفة الرجال » أ نّه قال: كانت عداوة أحمد بن حنبل لاميرالمؤمنين عليه السلام أنّ جدّه ذاالثَّديّة قتله أميرالمؤمنين عليه السلام يوم النهروان. وأن قد يحتمل أن يكون الباعث علی ذلك أيضاً ما سقف عليه في ذيل ترجمة القاضي ابن خلّكان. وبالجملة فقد ذكر ابن خلّكان بعد الترجمة له ـ قريباً ممّا أسلفتاه ـ أنّ أُمّه خرجت من مرو خراسان حاملاً به، فولدته ببغداد في شهر ربيع الاوّل سنة أربع وستّين ومائة. وقيل: إنّه ولد بمرو، وحُمل إلی بغداد رضيعاً. وكان إمام المحدِّثين. صنّف كتابه « المسند » وجمع فيه ما لم يتّفق لاحد. ونُقل أ نّه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من خواصّ أصحاب الشافعيّ، ولم يزل مصاحبه إلی أن ارتحل الشافعيّ إلی مصر. وقال في حقّه: خرجتُ من بغداد وما خلفت بها أتقي ولا أفقه من ابن حنبل. ودُعي إلی القول بخلق القرآن، فلم يُجب. فضُب وحُبس وهو مُصِرّ علی الامتناع. وكان حسن الوجه ربعةً يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني. في لحيتة شعيرات سود.[30] ثمّ قال صاحب « الروضات »: وليُعْلَم أنّ أحمد هذا كان من القائلين بقِدَم الكلام النفسيّ، والملتزمين لتعددّ القدماء من هذه الجهة، كما هو مذهب الاشاعرة من العامّة. وكان ينكر القول بمخلوقيّة القرآن للّه تعإلی أشدّ الإنكار، مثل من أنكر القول بحدوث الهيولي النفسانيّة من الفلاسفة الذين لم يعتنوا بمدإلیل الآية والاخبار. وقد أجاب عن ذينك الاشتباهين أجلّة أصحابنا المهرة من الاُصوليّين بما لا مزيد عليه. وفي أحاديثتنا المعتبرة أيضاً بنقل الصدوق ابن بابويه القمّيّ رحمه الله في كتابه « التوحيد » وغيره ما يزيدك بصيرةً ببطلان هذا المذهب. ونُقل أنّ نوبة الخلافة لمّا انتهت إلی المعتصم العبّاسيّ الماصر لمولانا الجواد التقيّ عليه السلام، وجعل الامر في الرئاسات الدينيّة إلی الشيخ عبدالرحمن بن إسحاق، وأبي عبدالله أحمد بن داود إلا ياديّ المتولّي قضاء العراق، وكانا مصرّين علی القول بخلق القرآن فلاجرم دعاه المعتصم إلی القول به، وعقد مجلساً لمناظرة الرجلين، وغيرهما من النبلاء الاُصوليّين معه في ذلك، وذلك في شهر رمضان سنة عشرين ومائتين. فلم يلزم بحجاجهم ولا التزم بقولهم كيفما بوحث عليه. فأمر به المعتصم، فضُرب بسياط حتّي غاب عقله، وتقطّع جلده، وحُبس مقيّداً وهو مُصرّ علی الامتناع، وبقي في الحبس مدّة طويلة. وكان هو مع ذلك لم يزل يحضر الجمعة والجماعة. ويُفتي، ويحدِّث إلی أن مات المعتصم، ووليّ الواثق فأظهر ما ظهر من المحنة. وقال لاحمد: لا تجمع إلیك أحداً، ولاتساكن بلداً أنا فيه. فاختفي الإمام أحمد لا يخرج إلی صلاة، ولا إلی غيرها حتّي مات الواثق أيضاً، ووليّ المتوكّل، فأخضره وأكرمه وأطلق له مالاً فلم يقبله، ففرّقه. وأجري علی أهله وولده في كلّ شهر أربعة آلاف، ولم تزل عليهم جارية إلی أن مات المتوكّل. وفي أيّام المتوكّل، ظهرت السُّنّة، وكتب إلی الآفاق برفع المحنة، وإظهار السُّنّة، وبسط أهلها ونصرهم، وتكلّم في مجلسهم بالسُّنّة. من مشاهير المعتزلةقال الصفديّ كما نُقل عنه في « الكشكول » بعد ذكر جملة ممّا أوردناه: ولم يزل المعتزلة في قوّة ونماء إلی أيّام المتوكّل، فخمدوا. ولم يكن في هذه الملّة الإسلاميّة أكثر بدعةً منهم. ثمّ قال: ومن مشاهير المعتزلة: الجاحظ، وأبو الهذيل العلاّف، وإبراهيم بن النَّظَّام، وواصل بن عطاء، وأحمد بن حافظ، وبشر بن المعتمر، ومعمّر بن عبّاد السلميّ، وأبو موسي بن عيسي المرداد المعروف براهب المعتزلة، وثمامة بن الاشرس. وهشام بن عمر، والقُرطبيّ، وأبو الحسن بن أبي عمر، والخيّاط أُستاذ الكعبيّ، وأبو عليّ الجبّائيّ أُستاذ الشيخ أبي الحسن الاشعريّ أوّلاً، وابنه أبو هاشم عبدالسلام، وهؤلاء هم رؤوس مذهب الاعتزال. وغالب الشافعيّة أشاعرة، والغالب في الحنفيّة معتزلة، والغالب في المالكيّة قدريّة، والغالب في الحنابلة حشويّة. ثمّ قال: ومن المعتزلة الصاحب بن عبّاد، والزمخشريّ، والفرّاء النحويّ. وقال صاحب « الروضات »: وأقول: إنّ مراد الناصبة الملعونة من قولهم: رفع المحنة، أو البدعة وإظهار السنّة كلّما يستعملونه: رفع قواعد الشيعة الإماميّة، ونصب مناصب النواصب الطاغية البغيّة كما يشهد به استناد ذلك إلی مثل المتوكّل الدعيّ الزنيم. وقد عرفت ممّا ذكره الصفديّ، وما سوف تعرفه في تصاعيف ما يأتيك أنّ مذهب أهل الاعتزال أقرب ما يكون من مذاهبهم إلی الإماميّة الحقّة، وأنسبها منهم سيّما في الاُصول الاعتقاديّة. ومن أجله اشتبه أمر الصاحب بن عبّاد علی كثير. وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ.[31] ومن المنقول عن ابن عبدالبرّ أ نّه قال: إنّ أحمد هذا كان شيبانيّاً من أنفسهم، وسكن بغداد، وكان فقيهاً محدِّثاً، وغلب عليه علم الحديث والعناية وبطرقه، وكان فاضلاً زاهداً مقّلاً ورعاً ديّناً. وفي « رياض العلماء » أ نّه كان في عصر الإمام محمّد بن عليّ التقيّ عليه السلام. فليلاحظ! وأنت فقد عرفتَ أ نّه توفّي في زمان مولانا الهاديّ أبي الحسن النقيّ عليه السلام، وأدرك برهة من دولة المتوكّل الملعون. وفي « إرشاد القلوب » للديلميّ أنّ أحمد كان تلميذاً لمولانا الكاظم عليه السلام كما أنّ أباحنيفة كان من تلامذة الصادق عليه السلام. وعليه فيكون في طبقة مولانا الرضا عليه السلام، وإن أدرك أربعة من أئمّة أهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. إلی أن قال: ثمّ إنّ من طرائف أخبار الرجل بنقل بعض المصنّفين عن الفاضل الطيّبيّ المشهور، عن جعفر بن محمّد الطيالسيّ أ نّه قال: صلّي أحمد بن حنبل، ويحيي بن معين، وقد كان من أخصّ خواصّه في مسجد الرُّصافة ببغداد، فقام بين أيديهما قاصّ، فقال: حدّثنا أحمد بن حنبل، ويحيي بن معين، قالا: حدّثنا عبدالرزّاق، قال: حدّثنا معمّر، عن قتادةً، عن أنس قال: قال رسول الله صلّي الله عيه وآله: من قال: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ يخلق من كلّ كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه مرجان ـ وأخذ في قصّة طويلة ـ فجعل أحمد ينظر إلی يحيي، ويحيي إلی أحمد، فقال: أنت حدّثته بهذا؟! قال: أحمد بن حنبل ويحيي بن معين. فقال: أنا ابن معين، وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قطّ في حديث رسول الله صلّي الله وآله. فإن كان ولابدّ من الكذب، فعلی غيرنا. فقال الرجل: لم أزل أسمع أنّ يحيي بن معين أحمق، وما علمته إلاّ هذه الساعة. كأنّه ليس في هذه الدنيا يحيي بن معين وأحمد بن حنبل غير كما! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا. قال: فوضع أحمد كمّه علی وجهه، وقال: دعه يقوم. فقام كالمستهزي بهما ـ انتهي. وواصل صاحب « الزوضات » كلامه إلی أن قال: ومن جملة ما حكي عنه صاحب « كشف الغمّة » عليه الرحمة وهو يدلّ علی تبصّره في الواقع، وحسن اعتقاده بالائمّة من آل محمّد عليهم السلام هو ما ذكره فيه بهذه العبارة: لقاء أحمد بأحد مشايخ الشيعة بالكوفةونقلتُ عن كتاب « إلیواقيت » لابي عمر الزاهد، قال: أخبرني بعض الثقات عن رجاله، قالوا: دخل أحمد بن حنبل إلی الكوفة، وكان فيها رجل يظهر الإمامة. فسأل الرجل عن أحمد: ما له لايقصدني؟! فقالوا له: إنّ أحمد ليس يعتقد ما تظهر! فلا يأتيك إلاّ أن تسكت عن إظهار مقالتك له! قال: فقال: لابدئ من إظهاري له ديني، ولغيره! وامتنع أحمد من المجيء إلیه. فلمّا عزم علی الخروج من الكوفة، قالت له الشيعة: يا أبا عبدالله! أتخرج من الكوفة ولم تكتب عن هذا الرجل؟! فقال: ما أصنع به! لو سكت عن إعلانه بذلك كتبتُ عنه. فقالوا: ما نجبّ أن يفوتك مثله. فأعطاهم موعداً علی أن يتقدّموا إلی الشيخ أن يكتم ما هو فيه. وجاؤوا من فورهم إلی المحدِّث ـوليس أحمد معهـ فقالوا: إنّ أحمد عالم بغداد، فإن خرج ولم يكتب عنك، فلابدّ أن يسأله أهل بغداد: لِمَ لَم تكتب عن فلان؟! فتُشهّر ببغداد وتُلعن! وقد جئناك نطلب حاجةً. قال: هي مقضيّة! فأخذوا منه موعداً. وجاؤوا إلی أحمد وقالوا: وقد كفيناك قم معنا! فقام، فدخلوا علی الشيخ، فرحّب بأحمد ورفع مجلسه، وحدّثه ما سأل فيه أحمد من الحديث. فلمّا فرغ أحمد مسح القلم وتهيّأ للقيام. فقال له الشيخ: يا أبا عبدالله! لي إلیك حاجة. قال له أحمد: هي مقضيّة! قال: ليس أُحبُّ أن تخرج من عندي حتّي أُعلمّك مذهبي! فقال له أحمد: هاته! فقال له الشيخ: إنّي أعتقد أنّ أميرالمؤمنين عليّاً صلوات الله عليه كان خير الناس بعد النبيّ صلّي الله عليه وآله. وإنّي أقول: إنّه كان خيرهم، وإنّه كان أفضلهم، وأعلمهم. وإنّه كان الإمام بعد النبيّ صلّي الله عليه وآله. قال: فماتمّ كلامه حتّي أجابه أحمد، فقال: يا هذا وما عليك في هذا القول، فقد تقدّمك في هذا أربعة من أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله: جابر، وأبو ذرّ، والمقداد، وسلمان. فكاد الشيخ يطير فرحاً بقول أحمد. فلمّا خرجنا شكرنا أحمد ودعونا له. هذا ومن جدير ما ينبغي التنبيه لنا عليه في مثل هذا المقام، ويصلح حقّ الإشارة إلیه لجدوي المستفيدين وتبصير العوامّ هو أ نّه إنّما صارت تدور رحي غير الحقّ، وعين الضلال المطلق، والباطل المحقّق علی أعناق الائمّة الاربعة الذين هذا الإمام رابعهم، وسائر القوم تابعهم في زمن دولة السلطان ظاهر بيبرس من كبار ملوك قاهرة مصر المحروسة حين عيّن فيها أربعة قضاة يقضون بين الناس، ويفتون لهم بالحنيفة والمالكيّة والشافعيّة والحنبليّة علی سبيل التوزيع. ومنع عن كلّ ما دون ذلك بمنع بالغ فضيح بحيث قد أُخت له البيعد من كلّ فريق، وشدّدت عليه العقد والمواثيق، ونوديت إلیه الخلائق من كلّ فجّ عميق، وذلك في حدود سنة ثلاث وستّين وستمائه. ثمّ تصرّفت كلّ طائفة منهم في ركن من أركان بيت الله الحرام يقيمون الجماعة في أتباعهم بحذاء ذلك المقام إلی زماننا هذا ـ بل إلی ساعة يوم القيامة ـ وأخذت تتزايد آثار تلك البدعة العظمي، وتتراكم اللوازم الكابرة من تبعات فتنتها الشديدة الكبري. وبلغ الامر في الحميّة علی ذلك إلی حيث لم يتقبّلوا منذ اهتمّ وأصرّ بعض سلاطين الشيعد الإماميّة أن يكون للفرقة الجعفريّة أيضاً هنالك مقام خامس، بل جعل نادر شاه في مقابلة قبولهم إيّاه رفع اللعن والسبّ الشايعين في الشيعة. فلم يتقبّله ملوكهم ولا غيّرت الإماميّة أيضاً سلوكهم. وقد كانت السنيّة القاسطة من قبل استقرار هذا القرار فيهم يتّبعون خطوات المعيّنين من قبل الرشيدَين الملعونَين ( هارون والمأمون ) لإقامة الفتاوي، والاحكام كالقاضي أبي يوسف، ويحيي بن أكثم الشاميّ، وسائر من كان علی طريقة الائمّة الاربعة أو غيرهم من المجتهدين، إلاّ أنّ في دولة الايّوبيّة لم يكن بمصر المحروسة كثير ذكر لغير الشافعيّ المصريّ المطّلبيّ، ومالك بن أنس المدنيّ، كما استفيد من التواريخ. كيفيّة تقليد العامّة قبل الرشيدَين وبعدهماوأمّا من قبل الرشيدَين، فكان الناس يقلّدون أمثال الزهريّ، والثوريّ، ومَعْمَر بن راشد الكوفيّ من الذين ترحّلوا إلی الآفاق في طلب الفقه، والحديث، واخترعوا أساس تقييدهما بالكتب والتصانيف. ثمّ من قبلهم كانوا يتّبعون فقهاء الامصار كابن أبي عليّ الكوفيّ، وابن جُرَيْح، والاوزاعيّ الشاميّ، وأمثالهم التابعين للتابعين للاصحاب. وعن بعض كتب تواريخ العامئة أنّ عامّة أهل الكوفة كان عملهم في عصر مولانا الصادق عليه السلام علی فتاوي أبي حنيفة، وسفيان الثوريّ، ورجل آخر، وأهل مكّة علی فتاوي ابن جُرَيح، وأهل المدينة علی فتاوي مالك ورجل آخر، وأهل البصرة علی فتاوي عثمان وسَوادَة، وغيرهما، وأهل الشام علی الاوزاعيّ، والوليد، وأهل مصر علی ليث بن سعيد، وأهل خراسان علی عبدالله بن المبارك، وكان فيهم من أهل الفتوي غير هؤلاء. إلی أن استقرّ رأيهم بحصر المذاهب في الاربعة في سنة خمس وستّين وثلاثمائة. إلی أن قال صاحب « الروضات »: ثمّ إنّ في كتاب « وفيّات الاعيان» في أواخر ترجمة ابن حنبل: أنّ له أيضاً ولدين عالِمَين، وهما صالح، وعبدالله. فأمّا صالح فتقدّمت وفاته، وأمّا عبدالله فإنّه بقي إلی سنة تسعين ومائتين. وبه كان يكنّي الإمام أحمد ـ انتهي. قلتُ: وكنية عبدالله هذا أبو عبدالرحمن، وله كتاب « المسند » عن أبيه وغيره. وكثر عنه النقل في « العمدة » لابن البطريق الحلّيّ، وغيره. وفي بعض المواضع أنّ صالحاً تولّي القضاء بإصفهان إلی أن توفّي فيها. أحمد بن حنبل يجيز لعن يزيد ويسبّب لعن بعض الصحابةثمّ لِيُعلم أنّ من جملة ما ينبّئك عن قلّة تعصب هذا الصالح بن الطالح، ووالده المذكور أيضاً حكاية يرويها صاحب « الصواعق المحرقة ». وهو في أقصي المراتب من الغصب والعداوة لاهل البيت عليهم السلام بعد ترجيحه القول بعدم كفر يزيد الملعون، واستحقاقه اللعنة تمسّكاً بأنّ الاصل أ نّه مسلم، فنأخذ بذلك الاصل حتّي يثبت عندنا ما يوجب الإخراج عنه، ولم تعلم موته علی الكفر وإن كان كافراً في الحالة الظاهرة لاحتمال أن يختم له بالحُسني فيموت علی الإسلام، وبأنّهم صرّحوا بأنّه لا يجوز لعن فاسق مسلم معلن، وهذا منهم. ولو سلّمنا أ نّه أمر بقتل الحسين وأُسرته، فذلك حيث لم يكن عن استحلال أو كان عنه لكن بتأويل، ولو باطلاً فسق لا كفر. فَضَّ اللهُ فاه فيما تجرّأ علی دين الله في إظهاره، ولم يستحيي من وجه رسول الله صلّي الله عليه وآله في تحقير منزلته ومقداره. وهي أ نّه قال: بَعْدَ الَّلتَيَّا وَالتَّي. ثمّ روي ابن الجوزيّ عن القاضي أبي يعلی الفرّاء أ نّه روي في كتابه « المعتمد في الاُصول » بإسناده إلی صالح بن أحمد بن حنبل. قال: قلتُ لابي: إنّ قوماً ينسبوننا إلی تولّي يزيد. فقال: يا بُنيَّ! وهل يتولّي يزيدَ أحدٌ يؤمن باللَهِ؟! ولِمَ لاتعلن من لعنه الله في كتابه؟! فقلتُ: وأين لعن يزيد في كتابه؟! فقال: في قوله تعإلی: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الاْرْضِ وَتُقَطِّعُو´ا أَرْحَامَكُمْ ء أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَي'´ أَبْصَـ'رَهُمْ. [32] فهل يكون فساد أعظم من القتل؟! وفي رواية: يا بُنيّ! ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه. قال: ثمّ ذكر حديث مَن أَخَافَ أَهولَ المَدِينَةِ أَخَافَهُ اللَهُ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. ولا خلاف أنّ يزيد غزا المدينة بجيش وأخاف أهلها ـ انتهي كلام ابن حجر صاحب « الصواعق المحرقة ». والحديث الذي ذكره رواه مسلم. ووقع من ذلك الجيش من القتل والفساد العظيم، والسبي وإباحة المدينة ما هو مشهور حتّي افتضَّ نحو ثلاثمائة بكر، وقُتل من الصحابة نحو ذلك، ومن قرأ القرآن نحو سبعمائة نفس، وأُبيحت المدينة أيّاماً. وبطلت الجماعة من المسجد النبويّ أيّاماً، فلم يمكن أحد دخول مسجد ها، حتّي دخله الكلاب والذئاب، وبالت علی منبره صلّي الله عليه وآله ـ تصديقاً لما أخبر به. ولم يرض أمير ذلك الجيش إلاّ بأن يبايعوه ليزيد علی أ نّهم حَوَلٌ له إن شاء باع، وإن شاء أعتق. فذكر له بعضهم البيعة علی كتاب الله وسنّة رسوله، فضرب عنقه. وذلك في وقعة الحرَّة السابقة. ومن جملة ما جرّتنا مناسبة الكلام إلی ذكره في مثل هذا المقام هو ما نقله السيّد الجزائريّ في كتابه « المقامات » عن أبن أبي الحديد المعتزليّ البغداديّ في شرحه علی « النهج »، عن يحيي بن سعيد الثقة، قال: حضرتُ عند إسماعيل بن عليّ الحنبلي فقيه الحنابلة ومقدَّمهم ببغداد، إذ دخل عليه رجل حنبلي كان في الكوفة، فقال: يا سيّدي! شاهدتُ يوم زيارة الغدير عند قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ورأيتُ فيه من الفضايح وسبّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة. فقال إسماعيل: أَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ؟! فَوَاللَهِ مَا جَرَّأَهُمْ علی ذَلِكَ وَلاَ فَتَحَ لَهُمْ ذَلِكَ البَابَ إلاَّ صَاحِبُ ذَلِكَ القَبْرِ. فقال: يَا سَيِّدي! فَإنْ كَانَ مُحِقًّاً فَمَا لَنَا نَتَولَّي فُلاَناً وَفُلاَناً؟! وَإن كَانَ مُبْطِلاً فَمَا لَنَا نَتَولاَّه؟! يَنْبَغِي أَنْ نَبْرَأَ إمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا! قال يحيي بن سعيد: فقام إسماعيل مسرعاً ولبس نعله، وقال: لَعَنَ اللَهُ الفَاعِلَ بْنَ الفَاعِلَةِ ـ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ الخَبِثَةَ ـ إنْ كَانَ يَعْرِفُ جَوَابَ هَذِهِ المَسْأَلَةِ! ودخل دار حرمه. فَانْظُرْ إلی' ءَاثَـ'رِ رَحْمَتِ اللَهِ كَيْفَ يُحْيِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَ ' لِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَي' وَهُوَ علی' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [33] ارجاعات [1] ـ الآية 12، من السورة 7: الاعراف. [2] ـ «الاحتجاج» لابي منصور أحمد بن علی بن أبي طالب الطبرسيّ، ج 2، ص 110 إلی 115، طبعة النجف الاشرف، 1386 ه. [3] ـ «وفيّات الاعيان» ج 1، ص 328، طبعة بيروت، تحقيق الدكتور إحسان عبّاس. وحكان القاضي ابن خلّكان عن كشاجم في كتاب «المصائد والمطارد»، وفي آخره قال الإمام لابي حنيفة. أنت تتداهي ولا تعلم أنّ الظبي لا يكون له رباعية وهو ثنيٌّ أبداً؟! علماً أنّ مراد الإمام من الرباعيّة الثنايا في مقدّم الفم، لا الرباعيات الواقعة بين الثنايا والنابين. [4] ـ «صحاح اللغة» ج 2، ص 384، طبعة بولاق، سنة 1382 ه. وفيه أنّ الشاعر أنشد هذه الابيات في وصف الدية المأخوذة. وفي «حياة الحيوان»: شفاء علیل، وفي أصل «الصحاح» سناء قتيلٍ. وقال في «لسان العرب» ج 13، ص 220، العمود الايسر: وقول أبي جرول الجشميّ واسمه هند. رثي رجلاً قتل من أهل العإلیة. فحكم أولياؤه في ديته فأخذوها كلّها إبلا ثنياناً. ثمّ ذكر ما أورده الجوهريّ في «الصحاح». [5] ـ «حياة الحيوان» الطبعة الحجريّة الرحليّة، غير مرقّمة الصفحات. وذكر هذا الموضوع بمناسبة رباعية الظبي في مادّة ظبي. [6] ـ الآية 18، من السورة 34: سبأ. [7] ـ الآية 97، من السورة 3: آل عمران [8] ـ الآية 44، من السورة 20: طه. [9] ـ الآية 105، من السورة 4: النساء: إِنَّا أَنْزَلْنَآ إلیكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَي'كَ اللَهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا. وأمّا الآية فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَهُ، فهي في سورة: المائدة، الآية 48. [10] ـ «الاحتجاج» للشيخ الطبرسيّ، ج 2، ص 115 إلی 118، طبعة النجف. [11] ـ الآية 12، من السورة 7: الاعراف. [12] ـ «الاحتجاج» للشيخ الطبرسيّ، ج 2، ص 118، طبعة النجف. [13] ـ ديَة المرأة نصف دية الرجل. ودية الرجل ألف دينار ذهب ودية المرأة خمسمائة دينار. وأمّا دية أعضاء المرأة وجوارحها فهي تساوي دية أعضاء الرجل وجوارحه ما لم يبلغ مقدار الدية ثلثاً. مثلاً دية الاءصبع متساوية في المرأة والرجل. وهي مائة دينار، وهي ُشر الدية الكاملة، ودية الاءصبعين متساوية أيضاً، وهي مائتا دينار، ودية الاصابع الثلاث متساوية. فيهما أيضاً، لا نّها لم تبلغ الثلث، أي: ثلاثمائة دينار. أمّا دية الاصابع الاربع فلمّا كانت 410 الدية، وتجاوزت الثلث، لهذا يجب أن تحسب دية المرأة في هذا الحدّ نصف دية الرجل. فستكون أربعمائة دينار للرجل، ومائتي دينار للمرأة، وهكذا. ولمّا كانت قيمة عشر إبل مساوية لمائة دينار فقد عُيِّنت في الرواية بمقدار الاءبل. والدية الكاملة هي ألف دينار ذهب، أو عشرة آلاف درهم فضّة، أو مائة بعير، أو ألف رأس غنم، أو مائتا بقرة، أو مائتا حُلّة يمانيّة. [14] ـ «الكافي» ج 7، ص 299 و 300، طبعة مطبعة الحيدريّ. [15] ـ قال العلاّمة الحلّيّ في «منهاج الكرامة» ص 12 إلی 14، طبعة عبدالرحيم، في ردّ آراء العامّة وأفعالهم: وذهبوا (العامّة) إلی أ نّه تعالی آمر وناهٍ في الازل ـولامخلوق عندهـ قائلاً: يَا أَيُّهَا النَّبيّ اتّق الله، يَا أَيُّهَا الذين آمنوا اتّقوا الله، يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم. ولو جلس شخص في منزله ـ ولا غلام عنده ـ فقال: يا سالم قم! ويا غانم كُل! ويا نجاح ادخل! قيل: لمن تنادي؟ فيقول: لعبيد أُريد أن اشتريهم بعد شعرين سنة! نسبه كلّ عاقل إلی السفه والحمق. فكيف يحسن منهم أن ينسبوا الله تعإلی إلیه في الازل؟! وذهب جميع من عدا الإماميّة والاءسماعيليّة إلی أنّ الانبياء والائمّة علیهم السلام غير معصومين، فجوّزوا بعثة من يجوز علیه الكذب والسهو والخطأ والسرقة. فأيّ وثوق يبقي للعامّة في أقاويلهم؟! وكيف يحصل الانقياد إلیهم؟! وكيف يجب اتّباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟! ولم يجعلوا الائمّة محصورين في عدد معيّن، بل قالوا: كلّ من بايع قرشيّاً انعقدت إمامته عندهم، ووجب طاعته علی جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان علی غاية من الكفر والفسوق والنفاق. أهل القياس يبدّلون الحلال والحرام أحدهما بالآخروذهب الجميع منهم إلی القول بالقياس، والاخذ بالرأي، فأدخلوا في دين الله ما ليس منه، وحرّفوا أحكام الشريعة، وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبيّ صلّي الله علیه وآله ولا في زمن صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة، مع أ نّهم نصّوا علی ترك القياس، وقالوا: أَوَّلُّ مَن قَاسَ إبْلِيسُ. وذهبوا بسبب ذلك إلی أُمور شنيعة كإباحة البنت المخلوقة من الزنا، وسقوط الحدّ عمّن نكح أُمّه وأُخته مع علمه بالتحريم والنسب بواسطة عقد يعقده، وهو يعلم بطلانه، وعمّن لفّ علی ذكره خِرقةً وزني بأُمّه أو بنته مع علمه بالتحريم والنسب، وعن اللائط مع أ نّه أفحش من الزنا وأقبح؛ وإلحاق نسب المشرقيّة بالمغربيّ، فإذا زوّج الرجل ابنته وهي في المشرق برجل هو وأبوها في المغرب، ولم يفترقا ليلاً ونهاراً حتّي مضت مدّة ستّة أشهر فولدت البنت في المشرق، التحق نسب الولد بالرجل الذي هو وأبوها في المغرب، مع أ نّه لا يمكنه الوصول إلیها إلاّ بعد سنين متعدّدة، بل لو حبسه السلطان من حين العقد وقيّده، وجعل علیه حفظةً مدّة خمسين سنة، ثمّ وصل إلی بلد المرأة، فرأي جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادها إلی عدّة بطون، التحقوا كلّهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها البتة. وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر في الاءسكار والوضوء به، والصلاة في جلد الكلب، والسجود علی العذرة إلیابسة (نقل العلاّمة هنا صلاة القفّال المروزيّ علی فقه أبي حنيفة عند السلطان محمود بإيجاز) ثمّ قال: وأبا حوا المغصوب لو غيّر الغاصب الصفة، فقالوا: لو أنّ سارقاً دخل بدار شخص له فيه دوابّ ورحي وطعام، فطحن السارق طعام صاحب الدار بدوابّه وأرحيته، ملك الطحن بذلك. فلو جاء المالك ونازعه كان المالك ظالماً، والسارق مظلوماً. فلو تقاتلا، فإن قُتل المالك كان هدراً، وإن قُتل السارق كان شهيداً. وأوجبوا الحدّ علی الزاني إذا كذّب الشهود، وأسقطوه إذا صدّقهم، فأسقطوا الحدّ مع اجتماع الاءقرار والبيّنة. وهذا ذريعة إلی إسقاط حدود الله تعإلی، فإنّ كلّ من شُهِدَ علیه بالزنا فليصدق الشهود ليسقط عنه الحدود؛ وإباحة أكل الكلب، واللواط، وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء، وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر. [16] ـ الآية 49، من السورة 5: المائدة. [17] ـ الآية 105، من السورة 4: النساء. [18] ـ «الطرائف في معرفة مذهب الطوائف» ص 524 إلی 526، طبعة مطبعة الخيّام، قم، سنة 1400 ه. طبعة دار الهجرة وذكر العلاّمة الحلّيّ مثل هذا البحث مع رواياته واستدلاله في كتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق» ص 402 إلی 405. [19] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 42، طبعة حيدري. [20] ـ قال في الهامش: بضمّ المعجمة وسكون الموحّدة وضمّ الراء، وقيل: بفتح المعجمة ـ وربّما يكسر ـ وسكون الموحّدة وضمّ الراء. وهو عبدالله بن شبرمة الكوفيّ، كان قاضياً لابي جعفر المنصور علی سواد الكوفة، وكان شاعراً. [21] ـ قال في «أقرب الموارد» (هَلَّكَه وَأَهْلَكَهُ) جعله يَهْلِكُ، ويقال لمن ارتكب أمراً عظيماً: هَلَّكَتَ وأَهْلَكتَ. [22] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 43، طبعة حيدري. [23] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 56. [24] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 57. [25] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 57. [26] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 58. [27] ـ قال الشيخ محمّد الزهريّ النجّار أيضاً: مؤلّفات الشافعيّ: لمّا دخل الشافعيّ المسجد في بغداد لصلاة المغرب، رأي غلاماً حسن القراءة يصلّي بالناس، فصلّي الشافعيّ خلفه، فسها الغلام في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، فقال له الشافعيّ: أفسدتَ صلاتنا يا غلام. ثمّ بدأ من حينه في وضع كتاب السهو في الصلاة. وقد فتح الله علیه فجاء كتاباً كبيراً سمّاه «الزعفران» نسبة إلی اسم ذلك الغلام الذي سها في الصلاة. وقد روي هذا الكتاب الحسن بن محمّد الزعفرانيّ، وأحمد بن حنبل. وعرف هذا الكتاب ب «الحجّة»، وهو أحد الكتب القديمة التي وضعها الشافعيّ بالعراق. وأ لّف أيضاً في مصر «الرسالة» وهو أوّل كتاب وُضع في أُصول الفقه، ومعرفة الناسخ من المنسوج، بل هو أوّل كتاب في أُصول الحديث. وأ لّف كتاباً اسمه «جماع العلم» دافع فيه عن السُّنّة دفاعاً مجيداً. وأثبت ضروريّة حجّيّة السُّنّة في الشريعة، وكتاب «الاُمّ» و«الاءملاء الصغير» و«الامإلی الكبري»، و«مختصر المزنيّ» و«مختصر البويطيّ»، وغيرها. وكتاب «الرسالة»، و«جماع العلم» حقّقهما ونشرّهما فقيد علم الحديث الشيخ أحمد محمّد شاكر. [28] ـ قَنِعَ ـ قَنَعاً وَقَنَاعَةً وَقُنْعَاناً: رضي بما قُسم له. قَنَعَ ـ قُنُوعاً: سَأَلَ وَتَذَلَّلَ. [29] ـ روي الخطيب في «تاريخ بغداد» ج 2، ص 65 و 66، بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدّثنا علی بن الحسين الهنجانيّ قال: سمعت أبا إسماعيل الترمذيّ يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما تكلّم أحد بالرأي ـ وذكر الثوريّ، والاوزاعيّ، ومالكاً، وأبا حنيفة ـ إلاّ والشافعيّ أكثر اتّباعاً وأقلّ خطأً منه. وروي بسنده أيضاً عن الربيع بن سليمان قال: سمعتُ بعض من يقول: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول: أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعإلی حتّي أذهب بك إلی من لم ترعيناك مثله، فذهب بي إلی الشافعيّ. [30] ـ جميع المطالب المنقولة عن ابن خلّكان موجودة في «وفيّات الاعيان»، ج 1، ص 63 و 64، طبعة دار صادر، تحقيق الدكتور إحسان عبّاس. [31] ـ الآية 14، من السورة 35: فاطر. [32] ـ الآيتان 22 و 23، من السورة 47: محمّد صلّي الله علیه وآله. [33] ـ الآية 50، من السورة 30: الروم. وانظر: «روضات الجنّات» ج 1، ص 51 إلی 54، الحجريّة الرحليّة، وفي طبعد دار المعرفة، بيروت: ج 1، ص 184 إلی 193.
|
|
|