|
|
الصفحة السابقةسبب تقليل روايات «الموطّأ»ونقل السيوطيّ في « تنوير الحوالك » عن القاضي أبي بكر بن العربيّ أنّ « الموطّأ » هو الاصل الاوّل، والبخاريّ هو الاصل الثاني. وأنّ مالكاً روي مائة ألف حديث اختار منها في « الموطّأ » عشرة آلاف، ثمّ لم يزل يعرضها علی الكتاب والسنّة ( أي: السنّة العمليّة » حتّي رجعت إلی خمسمائة حديث ـ أي: الحديث المسند ـ [1] ورواية ابن الهباب: ثمّ لم يزل يعرضه علی الكتاب والسُّنّة ويختبرها بالآثار والاخبار حتّي رجعت إلی خمسمائة حديث. وذكر ابن فرحون في « الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب » ( أي: المالكيّ ): قال عتيق الزبيديّ: وضع مالك « الموطّأ » علی نحو من عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر فيه كلّ سنة ويسقط منه حتّي بقي هذا، ولو بقي قليلاً لاسقطه كلّه. [2] وفي ضشرح الزرقانيّ علی « الموطّأ » أ نّه ظلّ يخلصها عاماً فعاماً بقدر ما يري أ نّه أصلح للمسلمين وأمثل في الدين. [3] إلی أن قال: وبين الروايات ( روايات « الموطّأ ») اختلاف كبير من تقديم وتأخير وزيادة ونقص. [4] ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب. قال ابن حزم: في رواية أبي مصعب زيادة علی سائر الموطّآت نحو زيادة عن سائر الموطّآت. وقد علّل الدكتور أحمد أمين سبب هذا الاختلاف، فقال: إنّ مالكاً لم ينته من نسحة يؤلّفها ويقف عندها، بل قد كان دائم التغير فيها، كما روينا من أ نّه كان دائم المراجعة للاحاديث وحذف ما لميثبت صحّته منها. فالذين سمعوا « الموطّأ » سمعوه من مالك في أزمان مختلفة، فكان من ذلك الاختلاف في النسخ، وقد بقي من هذه النسخ بين أيدينا رواية يحيي بن الليثيّ، وهي التي شرحها الزرقانيّ، ورواية محمّد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة. وفيها أشياء كثيرة ليست في! رواية يحيي. وهو يمزج ما روي عن مالك بآرائه فكثيراً ما يقول: قال محمّد. [5] سبب تإلیفه وزمن تإلیف «الموطّأ» [6]أُلّف « الموطّأ » في أواخر عهد المنصور، وكان ذلك في سنة 148 ه. [7] وكان سبب ذلك كما روي الشافعيّ أنّ أبا جعفر المنصور بعث إلی مالك لمّا قدم المدينة وقال له: إنّ الناس قد الختلفوا في العراق، فضع للناس كتاباً نجمعهم عليه، فوضع « الموطّأ ». وفي رواية لغير الشافعيّ أ نّه قال له مع ذلك: اجتنب فيه شواذّ ابن عبّاس، وتشدّدات ابن عمر، ورخص ابن مسعود. [8] فقال له مالك: ما ينبغي يا أميرالمؤمنين أن نحمل الناس علی قول رجل واحد يُخطي ويصيب. وقد كان المنصور كما بيّنا من قبل معيّناً بأمر الحديث ودراسته. وقد أخرج ابن عبدالبرّ أنّ أوّل من عمل كتاباً بالمدينة علی معني « الموطّأ » ـ من ذكر ما أجمع عليه أهل المدينة ـ عبدالعزيز بن عبدالله بن سلمة الماجشون المتوفّي في سنة 164 ه، ونظر فيه مالك قبل أن يضع موطّأه. نقد ابن معين لمالك قال ابن معين: إنّ مالكا لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأي. وقال الليث بن سعد: أحصيتُ علی مالك سبعين مسألة، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول. وقد اعترف مالك بذلك. وأ لّف الدار قطنّي جزءاً فيما خولف فيه مالك من الاحاديث في « الموطّأ » وغيره. وفيه أكثر من عشرين حديثاً. وهو من محفوظات المكتبة الظاهريّة بدمشق. [9] تهرّب مالك من أمر المنصور بتإلیف الرسالةالانحراف التدريجيّ لمالك وركونه إلی المنصورمن الجدير ذكره أنّ مالكاً كان في البداية يمتنع من قبول ما أمره به المنصور، لا نّه كان عافاً بخطره، بَيدَ أ نّه استجاب بعد سنين مضت وبعد تعوّده علی سماع ما كان يُكرَّر عليه. وكان مالك في أوّل أمره طالباً للعلم وعالماً متتبّعاً كما رأينا في ترجمته الواردة في هذا الكتاب، وذكرنا حضوره عند الإمام الصادق عليه السلام ومجالسه معه. لكن رائحة الرئاسة وزعامة فقهاء الحجاز قد زكمته شيئاً فشيئاً حتّي استجاب لامر الدوانيقيّ دعماً لتسلّطه، ولم يأل جهداً في توطيد قواعد عرش ذلك الجبّار السفّاك الذي ليس له مثيل في عصره، ودخل الميدان تدريجاً كالمنصور نفسه في بادي أمره قبل انتقال الحكومة من الاُمويّين إلی العبّاسيّين ( أي: قبل سنة 132 ه ). فقد كان طالباً فاضلاً قانعاً زاهداً، وكان يسافر لطلب العلم وأخذ الرواية. وعُدّ من النموذ جيّين أُولي الفهم والكياسة لكنّه انقلب رأساً علی عقب بعد انتقال الحكم، بخاصّة بعد سنة 136 ه حين تصدّي للامر وأصبح علی رأس السلطة الجائرة. فقد تغيّرت شخصيّته وهويّته حتّي اختدم جميع علومه ـ وكان يري نفسه أعلم أهل زمانه ـ في طريق الانحراف والاعتداء علی الشعب المسكين والاُمّة المستكينة، ولم يبلغ النصاب في ظلمه، بل ضرب الرقم القياسيّ فيه، وفعل كفعل نيرون وسابور ذي الاكتاف. لقد حجّ المنصور ستّ مرّات، وفي سنة مائة وثلاث وخمسين [10] أمر مالكاً وهو بمني أن يدوّن الرسائل العمليّة للناس كافّة في أرجاء بلاده، وفي السنة التي تلتها حجّ ولده المهدي، والتقي بمالك في المدينة وكان قد دوّن كتب « الموطّأ ». وفي سنة مائة وثماني وخمسين [11] مات المنصور في آخر حجّة له، وفي سنة مائة وتسع وستّين مات ولده المهدي، [12] وفي السنة التي أعقبتها حجّ هارون والتقي بمالك في المدينة، وكانت القضايا الواقعة بينه وبين هارون في هذه السنة. وأمّا أوّل سفرة التقي فيها بمالك فقد كانت في سنة مائة وثماني وأربعين هجريّة، أي: السنة التي سُمّ فيها الإمام جعفر الصادق عليه السلام واستشهد. وفي تلك السنة عمّ غبار الغربة أرض الحجاز والمدينة بفقدان وليّ الله الاعظم الإمام المظلوم المعصوم المسموم، والتقي المنصور في مني بجمع من الإعيان وذوي السابقة من أترا به القُدامي الذين جاؤوا الزيارته، وفيهم مالك بن أنس، واقترح علی مالك تصنيف الكتاب، فرفض ذلك في السنة بصراحة، ولم يَرَ فيه صلاح الإسلام والمسلمين. قال ابن قتيبة الدينوريّ في هذا المجال: ذكروا أنّ أبا جعفر أميرالمؤمنين لمّا استقامت له الاُمور، واستولي علی السلطان خرج حاجّاً إلی مكّة، وذلك في سنة ثمان وأربعين ومائة. فلمّا كان بمني أتاه الناس يسلّمون عليه ويهِّنئونه بما أنعم الله عليه. وجاءه رجال الحجاز من قريش وغيرهم وفقهائهم وعلمائهم ممّن صاحبه وجامعه علی طلب العلم ومذاكرة الفقه ورواية الحديث. فكان فيمن دخل عليه منهم مالك بن أنس. فقال له أبو جعفر: يا أبا عبدالله! إنّي رأيت رؤيا! فقال مالك: يوفّق الله أميرالمؤمنين إلی الصواب من الرأي، ويلهمه الرشاد من القول، ويعينه علی خير الفعل! فما رأي أميرالمؤمنين؟! فقال أبو جفعر: رأيت أ نّي أجلسك في هذا البيت، فتكون من عمّار بيت الله الحرام، وأحمل الناس علی علمك، وأعهد إلی أهل الامصار يوفدون إلیك وفدهم، ويرسلون إلیك رسلهم في أيّام حجّهم، لتحملهم من أمر دينهم علی الصواب والحقّ إن شاءالله. وإنّما العلم علم أهل المدينة، وأنت أعلمهم! فقال مالك: أميرالمؤمنين أعلی عيناً، وأرشد رأياً، وأعلم بما يأتي وما يذر. وإن أَذِنَ لي أقول، قلتُ! فقال أبو جعفر: نعم، فحقيقٌ أنت أن يُسمع منك، ويصدر عن رأيك. فقال مالك: يا أميرالمؤمنين! إنئ أهل العراق قد قالوا قولاً تعدّوا فيه طورهم، ورأيتُ أ نّي خاطرتُ بقولي، لا نّهم أهل ناحية. وأمّا أهل مكّة فليس بها أحد، وإنّما العلم علم أهل المدينة، كما قال الإمر. وإنّ لكلّ قومٍ سلفاً وأئمّة. فإن رأي أميرالمؤمنين أعزّ الله نصره إقرارهم علی حالهم فليفعل. فقال أبو جعفر: أمّا أهل العراق ف لاَ يَقْبَلُ أميرالمؤمنين مِنْهُمْ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً، وإنّما العلم علم أهل المدينة. وقد علمنا أ نّك إنّما أردت خلاص نفسك ونجاتها. فقال مالك: أجل يا أميرالمؤمنين! فاعفني يعف الله عنك! فقال أبو جعفر: قد أعفاك أميرالمؤمنين. وأيم الله ما أجد بعد أميرالمؤمنين[13] أعلم منك ولا أفقه[14]! نفهم من هنا أيضاً أنّ الاعمليّة والافقهيّة من جميع الاُمّة من الشروط الاُولي اللازمة للرئيس والإمام الحاكم في الإسلام. وقد تمسّك المنصور بمالك بن أنس واستشهد به بعد نفسه ـ التي سمّاها أميرالمؤمنين ـ تثبيتاً لموقعه. وعلی هذا الاساس كانت عدم دراية الائمّة الاربعة لاهل السنّة وعدم فقاهتهم. وهو ما نبّه عليه العالم المصريّ الشيخ محمود أبو ريّة الذي كان من العامّة وقذف الله النور في قلبه حقّاً، فأحصي في كتابه « أضواء علی السنّة المحمّديّة » كثيراً من أخطاء كتب العامّة وأصحابها. قال: لم يكن الائمّة الاربعة الذين يتبعهم أكثر المسلمين في الاحكام العلميّة مطّلعين علی كتب الحديث، ولا سيّما الإمام أبي حنيفة. ولم يكن الحديث مدوّناً في الاسفار فيأخذه منها. وهو مع ذلك معترف بإمامته واجتهاده عند أتباعه وغيرهم من أهل السنّة. ولميظهر البخاريّ ولا غيره من كتب الحديث إلاّ بعد انقضاء خير القرون. [15] لهذا كان أُسّ العلوم الفقهيّة والحديثيّة والتفسيريّة وغيرها التي تشكّل محور العلوم الإسلاميّة علی قاعدة علوم أهل البيت عليهم السلام، وكان أهمّ معلّم وناشر لها هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام. وكان أصل هذه العلوم وأساسها من المدينة التي كانت موطناً لاهل البيت، ومنهم انتشرت جميع العلوم في كافّة أرجاء العالم، حتّي الائمّة الاربعة لمذاهب العامّة مع إظهارهم الاستقلال، لكنّ جميع علومهم كانت من أهل البيت، سواء الإمام الصادق، أم أبوه وجدّه حتّي يصل الدور إلی مولي الموحّدين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الذي كان فارس الحلبة في ميدان العلم والدراسة والقرآن والادب والخطابة والبلاغة والعلوم الإلهيّة والمعارف السبحانيّة، وقد نوّر العالم بتلك القناديل الوضّاءة والمصابيح المتوهجّة، وأخرج البشريّة من ظلمات الجهل إلی نور العلم والعرفان. ونلحظ إلیوم بعد مضي أربعة عشر قرناً علی عصر أميرالمؤمنين عليه السلام وثلاثة عشر قرناً علی عصر الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّ الكتب تُصنَّف، ويُماط اللثام عن كثير من الجهالات، ويُثبت أنّ كلّ ما كان ويكون فهو من علومهم. ويتّفق الصديق والعدوّ علی ذلك في عصرنا هذا، ويدور الحديث حول عظمة الإمام الصادق بلهجة واحدة. كلام عبد الحليم الجنديّ في انتقال الفقه من المدينة إلی العراققال المستشار عبدالحليم الجنديّ الذي كان من أعضاء المجلس الاعلی للشؤون الإسلاميّة بمصر في كتاب « الإمام جعفر الصادق » بعد بحوث مفصّلة رائعة تستحقّ الاهتمام، مع أ نّه عامّيّ المذهب: ومن المدينة انطلق الفقه الإسلاميّ إلی العراق، حيث أقام عبدالله بن مسعود زماناً معلّماً ووزيراً كما سمّاه عمر. وتعلّم عليه تلاميذه وتلاميذ عليّ، كعبيدة، وعلقمة، والحارث. وعن طريق علقمة تعلّمت مدرسة النخعيّين يتقدّمها الاسود وعبدالرحمن، ويتوسّط عقدها إبراهيم بن يزيد شيخ حمّاد بن أبي سليمان. وفي حلقة حمّاد بالكوفة قضي أبو حنيفة عشرين عاماً يتعلّم، ليصبح عَلَماً علی مدرسة الرأي والقياس الذي قعدّ قواعده الشافعيّ فانتشر في كلّ فروع العلم الإسلاميّ. وهوي أبي حنيفة مع أبناء عليّ معروف، وصلة فكره بزعماء أهل البيت واضحة. وإنّ مذهبه ليقارب المذهب الزيديّ أكثر ممّا يقارب المذهب الحنفيّ غيره من مذاهب أهل السُّنّة كما قيل. ولقد استشهد زيد ـ بن زين العابدين ـ سنة 121. وفي ذلك العهد جلس أبو حنيفة مجلس حمّاد بن أبي سليمان بعد وفاته. وشرع يدوّن بعض مذهبه وكثيراً من الفروع. ثمّ مكن أبو يوسف للمذهب بتولية زملائه القضاء ليلزموا الناس به. ثمّ نشره محمّد بن الحسن بتدوينه في كتبه الشهيرة. وتدوين الفقه في كتاب « المجموع » قد سبق به زيد مدرسة أبي حنيفة. ولعلّ أبا حنيفة تعلّم تدوين الفقه عليه. بل إنّ الجميع قد قلّدوا فيه صنيع أهل البيت أنفسهم. ولديهم الكتب فيها العلم، أحاديث وفقهاً، يتعلّمونه كابراً عن كابر. فالحجاز والعراق قد تضامنا في إنتاج الفقه لتتابعهما بعد ذلك شتّي الحواضر في الفسطاط ودمشق وقرطبة والقيروان، وفي المغرب، وفي المشرق، وفي الاندلس ووسط آسيا. وظاهر من هذا التأريخ أُمور: 1 ـ أنّ المذاهب الفقهيّة جميعاً بما فيها المذاهب الباقية إلی إلیوم لاهل السُّنّة، يتصدّرها في الظهور مذهب أهل البيت علی يد زيد بن عليّ زين العابدين. وكذلك يسبق المذهب الزيديّ مذهب الإمام جعفر الصادق الذي تبعه الائمّة من نسله، وصار يسمّي مذهب الإماميّة. فالصادق صار إماماً أبيه الباقر في العقد الثاني من المائة الثانية. ثمّ كانت وفاته بعد استشهاد عمّه زيد سنة 121 بسبعة وعشرين عاماً، سنة 148. أمّا أبو حنيفة فمات في سجن أبي جعفر المنصور سنة 150. وأمّا مالك فمات بعد أبي حنيفة بتسعة وعشرين عاماً سنة 179. والشافعيّ مات بعد أبي حنيفة بأربعة وخمسين عاماً سنة 204. ولحق بهم ابن حنبل سنة 241. وأصحاب المذاهب الاُخري بين معاصرين لهم أو لا حقين. المذهب الجعفريّ يبطل القياس2 ـ أنّ الإمام جعفراً كما سنري ينهي عن استعمال القياس كمثل ما يرفضه فقهاء المدينة عموماً والمحدّثون خصوصاً. وهم زعماء الفقه في المائة الاُولي. وسنري بعد أن نهي الصادق عن القياس لا يعارض الاجتهاد، بل إنّه ليأمر به، ويبلغ بمنهاجه في الاجتهاد ما يبلغه سواه. وسنري أنّ منهاجه في الاعتبار والاستخلاص هو منهج الفكر الإسلاميّ، نقله عن الفكر العالميّ. 3 ـ أنّ البيئة التي عاش فيها أهل البيت ستّين عاماً بعد مجزرة كربلاء، كانت منجبة، بظهور العلم والعلماء من الرجال والنساء. فشاركت المرأة في العلم من أُمّهات المؤمنين. ووجدت الفقيهات في جيل التابعين وتابعي التابعين من أهل السُّنّة. فتصدّرت نساء أهل البيت سكينة ابنة الحسين ( 117 ). وكانت برزة، تساجل فحول الشعراء، بل الفقهاء. [16] وجملة القول يستفاد من مجموع ما ذُكر أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام كان من حيث الانوار المُلكيّة والملكوتيّة في أعلی قبّة عالم وحدة الحقّ المتعال، وفي ذروة العرفان الاسني، والعلوم المترشّحة من ذات المنّان المقدّسة. وكان كافّة الطلاّب من الاربعة آلاف بعامّة، ومن أمثال هشام بن سالم، وهشام بن الحكم، وأبان بن تغلب ونظرائهم بخاصّة قد أصابوا حظّاً من جميع العلوم الإلهيّة وغيرها. والذين كانوا مثلهم كانوا يعرفونه بالولاية الإلهيّة الكلّيّة المطلقة، وقد رووا أدعيته وأحواله الخاصّة التي تدلّ علی كمال العبوديّة أمام الربّ الجليل، وهي ملازمة للإحاطة العلميّة والسيطرة القدرتيّة والانوار المُلكيّة والملكوتيّة علی عالم الوجود، ودوّنوها في الكتب. والاشخاص الذين لم يعرفوه بهذا المقام كمالك وأبي حنيفة، واعتبروه رجلاً عاديّاً أو نابغة كحدّ أعلی ـ كما ذهب إلی ذلك أحمد أمين المصريّ ـ اكتفوا بعلومه الظاهريّة. وذهبوا إلی أ نّه عالم محترم وشيخ من مشايخ أهل البيت كعبد الله المحض، والحسن المثنّي، والحسن المثلّث. لهذا يحارون في الادعية والروايات التي تعبّر عن أحواله الخاصّة. وخلواته وأسرارها. ويتمرّغون في الوحل كالحمير في فهمها. ولم يعلم هؤلاء المساكين أنّ تلك المعانيّ غزيرة في تضاعيف كتب الصوفيّة، وكتب عرفائهم كمحيي الدين بن عربي، وهذا أمر لايُنكر بالنسبة إلیهم. أمّا ما ذنب الإمام الصادق عليه السلام حتّي يجعلوه أوطأ من أُولئك وأقلّ درجة منهم؟ فهذا شيء لا يعلمه إلاّ هم ومعلّمهم الشيطان الاكبر. كلام قادح لاحمد أمين في الإمام الصادق عليه السلاميقول أحمد أمين بك علی سبيل التهكم والكناية والقدح في ذلك الإمام بالحقّ صلوات الله وسلامه عليه: وكثير من أحاديث الإمامة ونظمها تروي عنه، من أهمّها ما رواه جعفر الصادق عن عليّ بن أبي طالب في كيفيّة خلق العالم، وانتقال النور من آدم إلی نبيّنا صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم، إلی أن قال: ثُمّ انّتَقَلَ النُّورُ إلی غَرائِزِنَا، وَلَمَعَ فِي أَئِمَّتِنَا. فَنَحْنُ أَنْوَارُ السَّمَاءِ وَأَنْوَارُ الاَرْضِ، فِينَا النَّجَاةُ، وَمِنَّا مَكْنُونُ العِلْمِ، وَإلینَا مَصِيرُ الاُمورِ. وَبِمَهْدِيِّنَا تَنْقَطِعُ الحُجَجِ، خَاتِمَةُ الاَئِمَّةِ، وَمَنْقِذُ الاُمَّةِ، وَغَايَةُ النُّورِ، وَمَصْدَرُ الاُمُورِ. فَنَحْنُ أَفْضَلُ المَخْلُوقِينَ، وَأَشْرَفُ المُوحِّدِينَ، وَحُجَجُ رَبِّ العَالِمِينَ، فَلْيَهَنَأبِالنِّعْمَةِ مَنْ تَمَسَّكَ بِوَلاَ يَتِنَا، وَقَبْضَ عُرُوتَنَا. [17] ومن هذا ونحوه يظنّ أنّ فكرة المهديّة، وعصمة الائمّة وتقديسهم وإعلاء شأنهم نبتت في ذلك العصر، عصر الإمام جعفر الصادق. [18] وقال أحمد أمين بك أيضاً: وله أقوال كثيرة منثورة في الكتب تدلّ علی حكمته، وبعد نظره، وسعة علمه. وإنّما قلنا: إنّه لوّن معني الإيمان لوناً خاصّاً لما رُوي عنه من بعض الاضوال التي تدلّ علی أنّ الله جعل لمحمّد نوراً، ثمّ تنقّل هذا النور إلی أهل بيته، كالذي ذكره المسعوديّ من حديث نسبه الإمام جعفر إلی الإمام عليّ، جاء فيه: إنَّ اللَهَ أَتَاحَ نُوراً مِنْ نُورِهِ فَلَمَعَ، وَنَزَعَ قَبَساً مِنْ ضِيَائِهِ فَسَطَعَ.... ثُمَّ اجْتَمَعَ النُّورُ فِي وَسَطِ تِلْكَ الصُّورَةِ الحَنَفِيَّةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ صُورَةَ نَبِيِّنَا مَحُمَّدٍ. فَقَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْتَ المُخْتَارُ المُنتَخَبُ، وَعِنْدَكَ مُسْتُوْدَعُ نُورِي وَكُنُوزُ هِدَايَتِي. مِنْ أَجْلِكَ أُسَطِّحُ البَطْحَاءَ، وَأُمَوِّجُ المَاءَ، وَأَرْفَعُ السَّمَاءَ، وَأَنْصِبُ أَهْلَ بَيْتِكَ لِلْهِدَايَةِ، وَأُوتِيهِمْ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِي مَا لاَ يُشْكِلُ بِهِ عَلَيْهِمْ دَقِيقٌ، وَلاَ يَغِيبُ عَنْهُمْ بِهِ خَفِيٌّ. وَأَجْعَلُهُمْ حُجَّتِي علی بَرِيَّتِي، وَالمُنَبِّهِينَ علی قُدْرَتِي وَوَحْدَانِيَّتِي. ونحو ذلك من الاقوال المنسوبة إلیهم. فكلّ هذا جعلنا ننسب إلی الإمام جعفر الصادق صبغته للإمام صبغة جديدة لم نكن نعرفها من قبل. [19] وقد لاحظنا في أوّل البحث عند تعريف الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّ هذه الحقائق ظهرت من الإمام، بَيدَ أ نّها ليست بمعني صبغة جديدة في الإسلام، وتلوّنه بهذا اللون، بل بمعني إبداء الصبغة الحقيقيّة للإسلام وإبراز اللون الواقعيّ له، إذا لم يكشف عنه، ولمتُبيَّن حقيقة النبوّة المندمجة في الولاية حتّي عصر الإمام. وهذا هو سبب تسمية المذهب بالمذهب الجعفريّ، وهو الصبغة الحقيقية للإسلام مقرونة بنور العرفان وحقيقة الولاية إلی الآن، بل إلی الابد. ولا يبقي من الإسلام بدونه إلاّ الاسم وإلاّ قشور جوفاء. وأمّا كلام أحمد أمين كما أشرنا إلیه فهو واهٍ، إذ ذكر أنّ الائمّة الاثني عشر للشيعة لمّا لم يتولّوا الحكم، فادّعاء العصمة لهم غير مضحك علی عكس بني أُميّة وبني العبّاس للذين لو ادُّعيت لهم العصمة فهذا الادّعاء مهزلة تُقابَل بالضحك، لهذا لم يدّع أحد منهم بالعصمة. [20] فلم يتحرّك أئمّة الشيعة في طريق الباطل ولم يتجاوزا الحقّ مع كمال قدرتهم وغاية إمكانيّاتهم. إنّ النجابة والاصالة والسيادة والكرامة والمجد والفتوّة والمروءة في أهل البيت مشهودة من حيث الاصل عند صغيرهم وكبيرهم، ومع أ نّهم بشراً بَيدَ أنّ هذا المعدن هو غير سائر المعادن. فقد ظهرت من امرأتهم ورجلهم، وعامّيّهم وعالمهم صفات سامية حميدة. وننقل لكم فيما يأتي قصّة عن محمّد بن زيد بن إمام الساجدين عليّ بن الحسين عليهما الصلاة والسلام كنموذج علی ما نقول. فقد سلك هذا الرجل سبيل الإنصاف والفتوّة، ولم يتجاوز الحقّ، ولميقتل أخاً بأخ، ولم يقنّص من ولد بريء بسبب جرم أبيه مع أ نّه كان في ذروة القوّة والإمكانيّات وفي أوج الاستيلاء علی العدوّ الدمويّ المهلك الفتّاك. عظمة محمّد بن زيد في معاملة ابن هشام الامويّقال السيّد علی خان المدنيّ الكبير في « شرح الصحيفة السجّاديّة »: وأمّا محمّد بن زيد فيكنّي أبا جعفر، وأُمّه أُمّ ولد سنديّة، وهو أصغر ولد أبيه. وكان في غاية الفضل ونهاية النبل. فيُحكي أنّ المنصور عرض عليه جوهراً فاخراً وهو بمكّة فعرفه، وقال: هذا جوهر كان لهشام بن عبدالملك، وقد بلغني أ نّه عند أبنه محمّد ولميبق منهم غيره، ثمّ قال للربيع: إذا كان غد وصلّيت بالناس فيا لمسجد الحرام فأغلق الابواب كلّها ووكّل بها ثقاتك، ثمّ افتح باباً واحداً وقف عليه، ولا يخرج إلاّ من تعرفه. ففعل الربيع ذلك. وعرف محمّد بن هشام أ نّه المطلوب، فتحيّر. وأقبل محمّدبن زيد المذكور فرآه متحيّراً وهو لا يعرفه، فقال له: يا هذا أراك متحيّراً، فمن أنتَ؟! قال: ولي الامان؟ قال: ولك الامان، وأنت في ذمّتي حتّي أُخلّصك! قال: أنا محمّد بن هشام بن عبدالملك. فمن أنت؟! قال: أنا محمّد بن زيد. فقال: عند الله أحتسب نفسي إذاً. فقال: لا بأس عليك، فإنّك لستَ بقاتل زيد، ولا في قتلك درك بثأره. الآن خلاصك أولي من إسلامك. ولكن تعذرني في مكروهٍ أتناولك به، وقبيح أُخاطبك به، يكون فيه خلاصك! قال: وأنت ذاك. فطرح بردائه علی رأسه ووجهه وأقبل يجرّه. فلمّا أقبل علی الربيع لطمه لطمات، وقال: يا أبا الفضل! إنّ هذا الخبيث جمّال من أهل الكوفة أكراني جماله ذهاباً وإياباً وقد هرب منّي في هذا الوقت، وأكري قوّاد الخرسانيّة ولي عليه بذلك بيّنة، فضُمَّ إلی حارسَين لئلاّ يفلت منّي. فضمّ إلیه حارسَين فمضيا معه. فلمّا بعد من المسجد، قال له: يا خبيث! تؤدّي إلی حقّي؟ قال: نعم يا بن رسول الله! فقال للحرسَين: انطلقا! ثمّ أطلقه، فقبّبل محمّد بن هشام رأسه، وقال: بأبي أنت وأُمّي اللَهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[21]! ثمّ أخرج جوهراً له قَدْر، فدفعه إلیه، وقال: تشرّفني بقبول هذا! فقال: إنَّا أَهْلُ بَيْتِ لاَ نَقْبَلُ علی المَعْرُوفِ ثَمَناً. وقد تركت لك أعظم من هذا، دم زيد بن عليّ، انصرف راشداً ووارِ شخصك حتّي يرجع هذا الرجل ( المنصور ). فإنّه مجدّ في طلبك. فعُدّت هذه الفعلة من مكارم شيمه وعظيم همّته. [22] ذهب المحدِّث القمّيّ إلی أنّ محمّداً هو أصغر أولاد زيد، وقال: كان كثير الفضل كامل النُّبل، وقصّة فتوّته ومروءته معروفة نقلها الداعي الكبير للسادات والعلويّين، وجعلها أُسوة له، وسار سيرتها. وقد أوردناها في ص 181 من كتاب « منتهي الآمال » عند ذكر أولاد الإمام الحسن عليهالسلام. [23] نماذج الاصالة عند محمّد بن زيد العلويّأقول: إنّ ذلك التعليم والمقتدي كان من أخي الداعي الكبير، لامنه. وتوضيح ذلك أ نّه ذكر ترجمة الداعي الكبير الامير حسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن حسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام مفصّلاً، وأورد أ نّه استولي علی طبرستان سنة 252ه وحكم عشرين سنة. وحكم بعده أخوه محمّد بن زيد الحسنيّ. إلی أن قال: كان محمّد بن زيد فحلاً في العلم والفضل ورجلاً عظيماً في السماحة والشجاعة. وكان العلماء والشعراء يرون فيه ملاذاً لهم. وكان قانونه أ نّه ينتظر بيت المال في آخر كلّ سنة، فمازاد علی النفقات يوزّعه علی قريش والانصار والفقهاء، والقرّاء وسائر الناس، ولم يترك فيه حبّة واحدة. حدث مرّة أ نّه بدأ بعطاء بني عبد مناف في إحدث السنين، وفرغ من عطاء بني هاشم، فدعا طبقة أُخري من عبد مناف. وقام رجل لاخذ العطاء فسأله محمّد بن زيد: من أيّ قبيلة؟! قال: من أولاد عبد مناف. قال: من أيّ بطن؟! قال: من بي أُميّة! قال: من أيّ سلسلة؟! فلم يجب. قال: من بني معاوية؟! قال: أجل. قال: من أيّ أولاده؟! فسكت. قال: من أولاد يزيد؟! قال: نعم. قال: ما أحمقك رجلاً! طمعت في عطاء أولاد أبي طالب وهم يطلبونك بثأر! إن كنتَ جاهلاً بما فعل جدّك فما أغفلك وأجهلك! وإن كنتَ عالماً به فقد أهلكت نفسك! لمّا سمع العلويّون هذه الكلمات نظروا إلیه شزراً وأرادوا قتله. فصاح بهم محمّد بن زيد، وقال: لا تضمروا له سوءاً، فمن آذاه عاقبته. أتظنّون أ نّكم تطلبون بثأر الحسين عليه السلام منه؟! فالله لايؤاخذ أحداً بذنب غيره! اسمعوا حتّي أُحدِّثكم بحديث اعملوا به. أخبرني أبي زيد أنّ المنصور كان قد ذهب إلی مكّة ذات يوم، فأُتي إلیه بجوهر نفيس. وسرد المرحوم المحدِّث القمّيّ هذه الحكاية برمّتها. شعر الشافعيّ في مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلامإنّ ذلك الجوهر النفيس هو وجود الائمّة الذي ميّزهم عن الآخرين، ورفع علم الكرامة علی رؤوسهم كما قرأنا للشافعيّ قوله في قبر موسي بن جعفر عليهما السلام: قَبْرُهُ تِرْقَاقٌ مُجَرَّبٌ. وهو نفسه يتأوّه ويتألّم ويتحسّر علی مقتل سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، ويقول في رثائه: تأَوَّةَ قَلْبِي وَالفُؤَادُ كَئِيبُ وَأَرَّقَ نَوْمِي فَاسُّهَادُ عَجِيبُ فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الحُسَيْنَ رَسَالَةً وَإِنْ كَرِهَتْهَا أَنْفُسٌ وَقُلُوبُ ذَبِيحٌ بِلاَ جُرْمٍ كَأَنَّ قَمِيصَهُ صَبِيغٌ بِمَاءِ الاُرْجُوَانِ خَضِيبُ فَلِسَّيْفِ أَعْوَالٌ وَلِلرُّمْحِ رَنَّةُ وَلِلْخَيْلِ مِنْ بَعْدِ الصَّهِيلِ نَجِيبُ تَزَلْزَلَتِ الدُّنْيَا لآلِ مُحَمَّدٍ وَكَادَتْ لَهُمْ صُمُّ الجِبَالِ تَذُوبُ وَغَارَتْ نُجُومٌ وَاقْشَعَرَّتْ كَوَاكِبٌ وَهُتِّكَ أَسْتَارٌ وَشُقَّ جُيُوبُ يُصَلَّيعلی المَبْعُوثِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ وَيُغْزَي بَنُوهُ إنَّ ذَا لَعَجِيبُ لَئِنْ كَانَ ذَنْبِي حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَذَلِكَ ذَنْبٌ لَسْتُ مِنْهُ أَتُوبُ هُمُ شُفَعَائِي يَوْمَ حَشْرِي وَمَوْقِفِي إذَا مَا بَدَتْ لِلنَّاظِرينَ خُطُوبُ [24] إلیس هذا هو الجلال والعظمة والاُبّهة المعنويّة والكمال الروحاني الذي عبّر عنه أبو هريرة العجليّ أمام جنازة الإمام الصادق عليه السلام كما ذكره المحدِّث القمّيّ؟ وقال: وروي عن عيسي بن داب أ نّه لمّا وُضع جثمان الإمام الصادق عليه السلام علی السرير وحُمل إلی البقيع لدفنه، أنشد أبو هريرة العجليّ الذي كان من شعراء أهل البيت المجاهرين قائلاً: ونحن نقرأ في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللَهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللَهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَهِ.... إلی آخرها. [26] ونقرأ في زيارة الإمام جعفر الصادق والائمّة المدفونين في البقيع عليهم السلام: السَّلاَمُ عَلَيْكُم أئِمَّةُ الهُدَي، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ التَّقوي، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الحُجَجُ علی أَهْلِ الدُّنْيَا. السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا القُوَّامُ فِي البَرِيَّةِ بِالقِسْطِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الصَّفْوَةِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ آلَ رَسُولِ اللَهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ النَّجْوَي، أَشْهَدُ أَ نَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ فِي ذَاتِ اللَهِ، وَكُذِّبْتُمْ وَأُسِيءَ إلیكُمْ فَغَفَرْتُمْ وَأَشْهَدُ أَ نَّكُمْ الائمَّةُ الرَّاشِدُونَ المُهْتَدُونَ، وَأَنَّ طَاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ، وَأَنز قَوْلَكُمُ الصِّدقُ، وَأَ نَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَأَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطَاعُوا. وَأَ نَّكُمْ دَعَائِمُ الدِّينِ، وَأَرْكَانُ الاَرْضِ، لَمْ تَزَالُوا بِعَيْنِ اللَهِ يَنْسَخُكُمْ مِنْ أَصْلاَبِ كُلِّ مُطَهَّرٍ، وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ أَرْحَامِ المُطَهَّرَاتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمْ الجَاهِلَيَّةِ الجَهْلاَءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فِيكُمْ فِتَنُ الاَهْوَاءِ. طِبْتُمْ وَطَابَتْ مَنْبَئُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنَا دَيَّانُ الدِّينِ فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. وَجَعَلَ صَلاَتَنَا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنَا وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِنَا، إذِ اخْتَارَكُمُ اللَهُ لَنَا، وَطَيَّبَ خَلْقَنَا بِمَا مَنَّ عَلَيْنَا مِنْ وَلاَيَتِحكُمْ، وَكُنَّا عِنْدَهُ مُسَمَّيْنَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفِينَ بِتَصْدِيقِنَا إيَّاكُمْ ـ إلی آخر الزيارة. [27] إلیس معني الإرث من جميع الانبياء، ومعني هذه الزيارة واحداً؟ ومفادهما واحداً؟ إلیس مفاد مضامينها ومضمون القصيدة العصماء للشيخ كاظم الاُزريّ رضوان الله عليه واحداً؟ أبيات من القصيدة الاُزريّة في عظمة مقام الائمّةتلك القصيدة التي نُقِل عن شيخ الفقهاء العظام خاتم المجتهدين الفخام الشيخ محمّد حسن صاحب « جواهر الكلام » أ نّه كان يتمنّي أن تُكتب في صحيفة أعماله، وأن يكتب « جواهر الكلام » ـ في المقابل ـ في صحيفة الاُزريّ! من أبياتها: إنَّ تِلْكَ القُلُوبَ أَقْلَقَهَا الوَجْدُ وَأَدْمي تِلكَ العُيُونَ بُكَاهَا كَانَ أَنْكَي الخُطُوبِ لَمْ يُبْكِ مِنِّي مُقْلَةً لَكِنِ الهَوَي أَبْكَاهَا إلی أن قال: [28] لَسْتُ أَنْسَي مَنَازِلَ قُدْسٍ قَدْ بَنَاهَا التُّقَي فَأعْلاَ بِنَاهَا وَرِجَالاً أَعِزَّةً فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَنْ يُعَزَّ حِمَاهَا سَادَةٌ لاَ تُرِيدُ إلاَّ رِضَي اللَهِ كَمَا لاَ يُريدُ إلاَّ رِضَاهَا خَصَّهَا مِنْ كَمَالِهِ بِالمَعَانِي وَبِأَعْلاَ أَسْمَائِهِ سَمَّاهَا لَمْ يَكونُوا لِلْعَرْشِ إلاَّ كُنُوزاً خَافِيَاتٍ سُبْحَانَ مَنْ أَبدَاهَا كَمْ لَهُمْ أَلْسُنٌ عَنِ اللَهِ تُنْبِي هِيَ أَقْلاَمُ حِكْمَةٍ قَدْ بَرَاهَا وَهُمُ الاَعْيُنُ الصَّحِيحَاتُ تَهْدِي كُلَّ عَيْنٍ مَكْفُوفَةٍ عَيْنَاهَا عُلَمَاءٌ أَئِّمَّةٌٍ حُكَمَاءٌ يَهْتَدِي النَّجْمُ بِاتِّبَاعِ هُدَاهَا قَادَةٌ عِلْمُهُمْ وَرَأيُ حِجَاهُمْ مَسْمَعَا كُلِّ حِكْمَةٍ مَنْظَرَاهَا مَا أُبَالی وَلَوْ أُهِيلَتْ علی الاَ رْضِ السَّمَاوَاتُ بَعْدَ نَيْلِ وَلاَهَا [29] قال العلاّمة المجلسيّ في « بحار الانوار » ج 45، ص 288: الطبعة الحديثة وروي أنّ أبا يوسف عبدالسلام بن محمّد القزوينيّ ثمّ البغداديّ قال لابي العلاء المعرّيّ: هل لك شعر في أهل بيت رسول الله؟ فبعض شعراء قزوين يقول فيهم ما لا يقول شعرائ تَنُوخ. فقال له المعرّيّ: وماذا تقول شعراؤهم؟ فقال: يقولون: رَأْسُ ابْنِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ وَوَصِيِّهِ لِلْمُسْلِمِينَ علی قَنَاةٍ يُرْفَعُ وَالمُسْلِمُونَ بِمَنْظَرٍ وَبِمَسْمَعٍ لاَ جَازِعُ مِنْهُمْ وَلاَ مُتَوَجِّعُ أَيْقَظْتَ أَجْفَاناً وَكُنْتَ لَهَا كَرَيً وَأَنَمْتَ عَيْناً لَمْ تَكُنْ بِكَ تَهْجَعُ كَحَلتْ بِمَنْظَرِكَ العُيُونُ عَمَايَةً وَأَصَمَّ نَعْيُكَ كُلَّ أُذْنٍ تَسْمَعُ مَا رَوضَةٌ إلاَّ تَمَنَّتْ أَ نَّهَا لَكَ مَضْجَعٌ وَلِخَطِّ قَبْرِكَ مَوْضِعُ فقال المعرّيّ: وأنا أقول: مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الخُدُودِ أَبَوَاهُ مِنْ عُلْيَا قُرَيْشٍ جَدُّهُ خَيْرُ الجُدُود للّه الحمد وله الشكر فقدتمّ الجزءان السادس عشر والسابع عشر من دورة « معرفة الإمام » من سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة بتأييد الله سبحانه وتسديده بين الطلوعين يوم الاربعاء الاوّل من شهر رجب الحرام سنة ألف وأربعمائة وأربع عشرة من الهجرة المصادف ذكري الميلاد السعيد للإمام باقر العلوم محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام في الارض الرضويّة المقدّسة علی شاهدها أفضل السلام وأكمل التحيّة والإكرام بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ هُوَ المَنَّانُ الجَوَادُ الكَريمُ. ولا يخفي أ نّه لمّا كانت مطالب هذين الجزءين متّسقة متماسكة. وكان جعلها في مجلّد واحد خارجاً عن المألوف، وكان وضعها في جزءين مستقلّين باعثاً علی تشتّت الموضوع، لهذا جعلناها في جزءين هما السادس عشر والسابع عشر، ونقدّمها للقرّاء الكرام بهذا الشكل. وسنقوم بتإلیف الجزء الثامن عشر من هذه الدورة إن شاءالله تعإلی، وَاللَهُ المُسْتَعَانُ. اللَهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ علی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّيبِنَ الطَّاهِرينَ، وَالْعَنْ أَعْدَاءَهُمْ أَجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلی قِيَامِ يَوْمِ الدِّينِ.
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ. ارجاعات [1] ـ «المُسْنَد» مرفوع صحابيّ، بسنده ظاهر الاتّصال. و«المُرْسَل» ما سقط من سنده الصحابيّ، بأن يرويه التابعيّ عن رسول الله مباشرةً. و«الموقوف» ما أُضيف إلی الصحابيّ قولاً أو فعلاً أو نحوه متّصلاً كان أو منقطعاً. و«المرفوع» هو ما أخبر فيه الصحابيّ عن رسول الله. [2] ـ «الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب» ص 25. [3] ـ شرح الزرقانيّ علی «الموطّأ» ج 1، ص 11. [4] ـ قال في ص 297 من «أضواء علی السُّنّة المحمّديّة» ما نصّه: روي عن مالك روايات مختلفة تختلف في ترتيب الابواب، وتختلف في عدد الاحاديث حتّي بلغت هذه الروايات عشرين نسخة، وبعضهم قال: إنّها ثلاثون.* وقال الشيخ عبدالعزيز الدهلويّ** في كتابه «بستان المحدّثين»: إنّ نسخ «الموطّأ» التي توجد في بلاد العرب في هذه الايّام متعدّدة، عدّ منها 16 نسخة، كلّ نسخة عن راوٍ خاصّ. وقال أبو القاسم بن محمّد بن حسين الشافعيّ: الموطّآت المعروفة عن مالك أحد عشر، ومعناها متقارب، والمستعمل منها أربعة: موطّأ يحيي بن يحيي»، و«موطّأ أبي بكر»، و«موطّأ أبي مصعب» ***، و«موطّأ ابن وهب». ثمّ ضعف استعمال الآخرين. * ـ ذكر مثل ذلك الزرقانيّ في شرحه علی «الموطّأ» ج 1، ص 7. ** ـ المتوفّي سنة 1139 ه. *** ـ أبو المصعب الزهريّ كان آخر من روي «الموطّأ» عن مالك لصغر سنه. وعاش بعد مالك 63 سنة. وموطّأ أكمل الموطّآت، لانّ فيه 590 حديثاً بالمكرّر وبإسقاط المتكرّر فيه 559 (ص 17 من كتاب «توجيه النظر»). [5] ـ «ضحي الإسلام» ج 2، ص 215. [6] ـ قال الحافظ ابن عبدالبرّ في كتاب «الانتقاء» ص 41: إنّ محمّد بن سعد قال: سمعتُ مالك بن أنس يقول: لمّا حجّ أبو جعفر المنصور دعاني فدخلتُ علیه. فحادثته وسألني فأجبته، فقال: إنّي عزمتُ أن آمر بكتبك هذه التي وضعت (يعني «الموطّأ») فتنسخ نسخاً، ثمّ أبعث إلی كلّ مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوها إلی غيرها! فإنّي رأيتُ أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم، قال: فقلتُ: يا أميرالمؤمنين لا تفعل هذا! فإنّ الناس قد سبقت إلیهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات. وأخذ كلّ قوم بما سبق إلیهم وعملوا به ودانوا من اختلاف أصحاب رسول الله صلّي الله علیه وآله وغيرهم. وإنّ ردّهم عمّا اعتقدوه شديد. فدع الناس وما هم علیه، وما اختار أهل كلّ بلدٍ لانفسهم، فقال: لعمري، لو طاوعتني علی ذلك لامرتُ به. وفي روايات أُخري أنّ المنصور طلب منه أن يضع للناس كتاباً يتجنّب فيه تشديدات ابن عمر، ورخص ابن عبّاس، وشواذّ ابن مسعود. [7] ـ امتدّ حكم المنصور من سنة 136 إلی سنة 158 ه. فسنة 148 ه أواسط عهده. [8] ـ هذا سهوٌ. والصحيح هو رخص ابن عبّاًس، وشواذّ ابن مسعود. [9] ـ «أضواء علی السُّنّة المحمّديّة، أو دفاع عن الحديث» ص 295 إلی 299، الطبعة الثالثة، دار المعارف بمصر. [10] ـ ذكر ابن قتيبة في «الإمامة و السياسة» ج 2، ص 178، الطبعة الثالثة: أ نّها كانت سنة مائة و ثلاث و ستّين. [11] ـ في «الإمامة والسياسة» ج 2، ص 181: سنة مائة وستّ وستّين. [12] ـ أورد ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة» ج 2، ص 182: أ نّها سنة مائة وثلاث وسبعين. [13] ـ يريد نفسه. [14] ـ «الإمامة والسياسة» ج 2، ص 140 و 141، طبعة مصر، سنة 1328، ج 2، ص 140 و 141؛ و: ج 2، ص 170 و 171، الطبعة الثالثة، مطبعة الحلبيّ. [15] ـ «أضواء علی السُّنّة المحمّديّة» ص 407 و 408، الطبعة الثالثة. [16] ـ «الإمام جعفر الصادق» ص 131 إلی 133، طبعة سنة 1397 ه. [17] ـ المسعوديّ في «مروج الذهب» ج 1، ص 15. [18] ـ «ضحي الإسلام» ج 3، ص 263. [19] ـ «ظهر الإسلام» ج 4، ص 115 و 116. [22] ـ «رياض السالكين» ص 19، الطبعة الحجريّة، وفي الطبعة الحديثة: ج 1، ص 139. قال السيّد الاجل الشارح مؤلّف الكتاب في ذيل هذه الحكاية: قال الشارح: ونسبي ينتهي إلی محمّد بن زيد المذكور. فأنا علی، بن أحمد، بن محمّد معصوم، بن أحمد، بن إبراهيم، بن سلام الله، بن مسعود، بن محمّد، بن منصور، بن محمّد، بن إبراهيم، بن محمّد، بن إسحاق، بن علیئ، بن عرب شاه، بن أمير أنْبَه، بن أميري، بن حسن، بن حسين، بن علی، بن زيد الاعشم، بن علی، بن محمّد، بن علی أبي الحسن نقيب نصيبين، بن جعفر، بن أحمد السكّين، بن جعفر، بن محمّد، بن زيد الشهيد، بن علی، بن الحسين، بن علی، بن أبي طالب أميرالمؤمنين صلوات الله علیهم أجمعين. أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئنِي بمثلهم إذا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ المَجامِعُ «منتهي الآمال» ج 2، ص 46، طبعة علميّة إسلاميّة الرحليّة. [23]ـ «منتهي الآمال» طبعة «علميّة إسلاميّة» الرّحليّة، ج 1، ص 180 ـ 182. وقال في الهامش. نقل السيّد الاجلّ السيّد علی خان رضوان الله علیه هذا المطلب في أوّل شرح الصّحيفة عن محمّد بن زيد الشّهيد. ثمّ قال: محمّد هذا جدّي، وإلیه ينتهي نسبي. ثمّ ذكر نسبه، وقال: أُولئك آبائي فِجِئني بِمِثلْهِمِْ إِذَا جَمَعْتَنَا يَا جَرِيرُ المَجَامِعُ(منه) [24] ـ «المناقب» لابن شهرآشوب، ج 2، ص 232 و 233، الطبعة الحجرية، وفي الطبعة الحديثة، المطبعة العلميّة بقم: ج 4، ص 125 و 135. ووردت هذه الابيات في ج 45، ص 253 من الطبعة الحديثة ل: «بحار الانوار» نقلاً عن «المناقب». ونقل في ص 274 ثمانية أبيات عن أبي منصور الشهردار غير البيتين السادس والتاسع، وأُضيف إلیها بيت في السطر الثاني، وهو قوله: ومِمّا نفي جسمي وشيّب لمّتي تصاريف أيّامٍ لهنَّ خطوبُ [25] ـ «منتهي الآمال» ج 2، ص 104. [26] ـ «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسيّ، ص 501، الطبعة الحجريّة، وفي «المناقب» لابن شهرآشوب، ج 2، ص 234 و 235، الطبعة الحجريّة، روايات أنيقة وعجيبة في زيارته علیه السلام نذكرها فيما يأتي لكمال أهمّيتها: فصل: في زيارته علیه السلام. قال إسحاق بن عمّار: قال الصادق علیه السلام: ليس مَلَك في السماوات والارض إلاّ وهم يسألون الله تعالی أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين علیه السلام ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج. وفي كتاب «الفردوس الاعلی» عن الديلميّ: قال النبيّ صلّي الله علیه وآله: إنّ موسي بن عمران سأل ربّه زيارة قبر الحسين بن علی فزاره في سبعين ألف من ملائكة. فضيلة زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلامأبان بن تغلب عن الصادق علیه السلام قال: وَكَّلَ الله بقبر الحسين علیه السلام أربعة آلاف مَلَكاً شُعثاً غُبْراً يبكونه إلی يوم القيامة. فمن زاره عارفاً بحقّه شَيَّوه حتّي يُبَلِّغوه مأمنه، وإنْ مَرَضَ عادُوه غدوةً وعشيّاً، وإذا مات شَهِدوا جنازته واستغفروا له إلی يوم القيامة. وروي عن الباقر علیه السلام: مَرُوا شيعتنا بزيارة الحسين علیه السلام فإنَّ زيارتَه تدفع الهدم والحرق والغرق وأكل السَّبْع، وزيارته مفترضةٌ علی من أقرّ بالإمامة من الله. إسحاق بن عمّار: قال الصادق علیه السلام: ما بين قبر الحسين إلی السماء السابعة مُختَلَفُ المَلاَئِكَةِ. الكاظم علیه السلام: مَن زار قبر الحسين علیه السلام عارِفاً بحقّه غَفَر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. الصادق علیه السلام: كان الحسين ذات يوم في حجر النبيّ صلّي الله علیه وآله يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة: ما أشدّ إعجابك بهذا الصبيّ! فقال لها: ويلكِ كيف لا أُحبّه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني. أما إنّ أُمّتي ستقتله. فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حججي. قالت: يا رسول الله حجّة من حججك؟! قال: نعم حجّتين من حججي. قالت: حجّتين من حججك؟! قال نعم وثلاث. قال: فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتّي بلغ سبعين حجّة من حجج رسول الله بأعمارها. قال الشاعر: فَحعفرٌ الصادقُ من وُلْدِهِ خَبَّرنا من فضله بالتمام عن جدِّه إنّ لِمَن زاره ثوابُ حِجِّ البيت سبعين عام وفي الرسالة «المقنعة»، و«المزار» للكلينيّ بإسناده عن الرضا علیه السلام قال: من زار قبر أبي عبدالله علیه السلام بشطِّ الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه. نظمه العبديّ: وحديثٌ عن الائمّة فيما قد روينا عن الشيوخ الثقات إنّ من زاره كمن زار ذالعر ش علی عرشه بغير صفات أي: كمن عبدالله علی العرش. انتهت روايات ابن شهرآشوب. [27] ـ «مصباح المتهجّد» ص 496؛ و«مفاتيح الجنان» زيارة أئمّة البقيع علیهم السلام. وذلك هو نفسه تعريف الإمام محمّد الباقر علیه السلام في أبيات له. نقلها المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 46، ص 270 و 271، الطبعة الحديثة، في سياق ترجمته نقلاً عن كتاب الوزير السعيد مؤيّد الدين أبي طالب محمّد بن أحمد بن محمّد بن العلقميّ رحمه الله إلی أن بلغ كلام الإمام علیه السلام إذ قال: أنا رجل علويّ. ثمّ أنشد: فنحن علی الحوض ذُوّادُه نَذودُ ونُسعِد وُرّاده فما فاز مَن فاز إلاّ بنا وما خاب من حُبُّنِا زاده فمن سَرَّنا نال مِنَّا السُّرور ومن ساءَنا ساء ميلاده ومن كان غاصبَنا حَقَّنا فيوم القيامة ميعاده ثمّ قال: أنا محمّد بن علی بن الحسين بن علی بن أبي طالب. («كشف الغمّة» ج 2، ص 351، عن دلائل الحميريّ، عن مالك الجهنيّ). [28] ـ وهذه الابيات هي: كُلَّ يَوْمٍ للحَادِثَاتِ عَوَادٍ لَيْسَ يَقْوَي رَضْوَي علی مُلْتَقَاهَا كَيْفَ يُزْجَي الخَلاَصُ مِنْهُنَّ إلاَّ بِذَمامٍ مِنْ سَيِّدِ الرُّسْلِ طَه مَعْقِلُ الخَائِفِينَ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ أَوْ فَرُ العُرْبِ ذِمَّةً أَوْفَاهَا مَصْدَرُ العِلْمِ لَيْسَ إلاَّ لَدَيْهِ خَبَرُ الكَائِنَاتِ مِنْ مُبْتَدَاهَا فَاضَ لِلْخَلْقِ مِنْهُ عِلْمٌ وَحِلْمٌ أَخَذَتْ مِنْهُمَا العُقُولُ نُهاهَا نَوَّهَتْ بِاسْمِهِ السَّمَاوَاتُ وَالاَ رَضُ كَمَا نَوَّهَتْ بِصُبْحٍ ذُكَاهَا وَغَدَتْ تَنْشُرُ الفَضَائِلَ عَنْهُ كُلُّ قَوْمٍ علی اخْتِلاَفِ لُغَاهَا طَرِبَتْ لاِسْمِهِ الثَّرَي فَاسْتَطَالَتْ فَوْقَ عُلْوِيَّةِ السَّمَا سُفْلاَهَا جَازَ مِنْ جَوْهَرِ التَّقَدُّسِ ذَاتاً تَاهَتِ الاَنْبِيَاءُ فِي مَعْنَاهَا لاَ تُجِلْ فِي صِفَاتِ أَحْمَدَ فِكْراً فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي لَنْ تَرَاهَا أَيُّ خَلْقٍ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنْهُ وَهُوَ الغَايَةُ الَّتِي اسْتَقْصَاهَا قَلَّبَ الخَافِقِينَ ظَهْراً لِبَطْنٍ فَرَأي ذَاتَ أَحْمَدٍ فَاجْتَبَاهَا [29] ـ «ديوان الاُزريّ» ص 129 فما بعدها، طبعة النجف، سنة 1386 ه. والابيات التي ذكرناها مختارة من قصيدة ألفية طويلة بلغت ألف بيت. لكن من المؤسف إذ لم يبق منها إلاّ ( 587 ) بيتاً بسبب أكل حشرة الارضة إيّاها علی ما نقل الباحث آية الله الشيخ محمّد رضا المظفّر في مقدّمتها. والبيت الاوّل الذي ذكرناها هنا: إنَّ تِلْكَ القُلُوبَ أَقْلَقَهَا الوَجْدُ هُو البيت الثامن والثلاثون منها.
|
|
|