|
|
الصفحة السابقةالولاية شرط عرفان الله وتوحيدهويستبين ممّا تقدّم أنـّه لا شبهة ولا إشكال في ضرورة مقام الولاية في عالم التكوين، وضرورته للصعود وبلوغ مقام التوحيد وعرفان الله؛ وأمّا ولاية رسول الله والائمّة المعصومين سلام الله علی هم أجمعين، فهي ظاهرة ومشهودة من آثارهم وخصائصهم وتطبيق تلك المبادي العامّة المذكورة علی أحوالهم العرفانيّة وملكاتهم الإلهيّة . وهذا يتحقّق عن طريقين: الاوّل: النصوص المأثورة في مقام ولايتهم المسلّم بها ؛ والثاني: المعجزات والكرامات التي تصدر عن وليّ الله خاصّة ؛ ومن المحال أن تصدر عن غير الواجد لمقام الولاية، كإحياء الموتي . وقد ألـّف الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ عامله الله برحمته كتاباً نفيساً قيّماً في هذا الباب سمّاه: «إثباتُ الْهُدَاةِ بِالنُّصُوصِ وَالْمُعْجِزَاتِ». أثبت فيه ولاية وإمامة رسول الله والائمّة الاثني عشر، خلفاء ذلك النبيّ العزيز بالحقّ . وذلك في فصول مستقلّة، عن طريق المعجزة، والنصّ المأثور ؛ جزاه الله عن الإسلام والولاية خير الجزاء. وألـّف المرحوم المحدّث السيّد هاشم البحرانيّ تغمّده الله برحمته كتاباً نفيساً وقيّماً سمّاه: «مَدِينَةُ الْمَعَاجِز» في معجزات أُولئك العظام، وكذلك ألـّف كتاب «غاية المرام» في خصوص ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهو غنيّ عن التعريف حقّاً ؛ وكتاب «غاية المرام» مفخرة من مفاخر الشيعة، ولا مثيل له في عالم العلم والادب الشيعيّ من حيث الشموليّة التي يمتاز بها . أجل، فمن أجل ضرورة الولاية وشرطيّتها في مسير عرفان ربّ العزّة وتوحيده، كان الحديث الشريف المشهور بحديث سلسلة الذَّهَب الذي لايرتاب أحد في صدوره عن الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت علی هم السلام أعنيّ الإمام علی بن موسي الرضا علی هما السلام . وكذلك لا ريب في دلالته علی لزوم الولاية ؛ لانـّنا سنأتي هنا بالنصّ في شرطيّته . ثمّ نخوض في الحديث عنه بحول الله وقوّته . جاء في كتاب « كشف الغمّة » لمؤلّفه علی ّ بن عيسي الإربليّ: قال الفقير إلی الله تعالی جامع هذا الكتاب: نقلت من كتاب لم يحضرني اسمه الآن ما صورته: حديث سلسلة الذهب حسب نقل «تاريخ نيسابور»حدّث المولي السعيد إمام الدنيا وعماد الدين محمّد بن أبي سعدبن عبدالكريم الوزّان في محرّم سنة 596 قال: أورد صاحب كتاب « تاريخ نيسابور » في كتابه: أنّ علی ّ بن موسي الرِّضا علی هما السلام لمّا دخل إلی نيسابور في السفر التي فاض فيها فضيلة الشهادة كان في مهد علی (بَغْلَة شَهْبَاء) علی ها مركب من فضّة خالصة . فعرض له في السوق: الإمامان الحافظان للاحاديث النبويّة: أبوزُرْعَة، ومحمّد بن أسلم الطوسيّ رحمهما الله، فقالا: أيّها السيّد ابن السادة ! أيّها الإمام ابن الائمّة ! أيّها السلالة الطاهرة الرضيّة! أيّها الخلاصة الزاكية النبويّة، بحقّ آبائك الاطهرين، وأسلافك الاكرمين إلاّ ما أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك نذكرك به . فاستوقف البغلة، ورفع المظلّة . وأقرّ عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله صلّي الله عليه و آله وسلّم، والناس علی طبقاتهم قيام كلّهم . وكانوا بين صارخ وباك، وممزّق ثوبه، وممرّغ في التراب، ومقبّل حزام بغلته، ومطوّل عنقه إلی مظلّة المهد إلی أن انتصف النهار، وجرت الدموع كالانهار، وسكنت الاصوات وصاحت الائمّة والقضاة: مَعَاشِرَ النَّاسِ اسْمَعُوا، وَعُوا، وَلاَُتْؤذُوا رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علی هِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في عِتْرَتِهِ، وَأَنْصِتُوا . فأملي صلّي الله عليه هذا الحديث، وعدّ من المحابر أربع وعشرون ألفاً سوي الدويّ . والمستملي أبُو زُرْعَة الرازيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَسْلَم الطوسيّ رحمهماالله. فقال صلّي الله عليه: حدّثني أبي موسي بن جعفر الكاظم، قال: حدّثني أبي جعفرُ بن محمّد الصادق، قال: حدّثني أبي محمّدبنُ علی ّ الباقر، قال: حدّثني أبي علی ّ بن الحسين زَيْنُ العابدين، قال: حدّثني أبي الحسينُ بن علی ّ شَهيدُ أرض كَرْبَلاء، قال: حدّثني أبي أميرالمؤمنين علی ّ بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال: حدّثني أخي وابن عمّي مُحَمَّد رَسُول اللَهِ صَلَّي اللَهُ علی هِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: حدّثني جَبْرَئيل علی هِ السَّلاَمُ قَالَ: سَمِعْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ وَتعالی يَقُولُ: كَلِمَةُ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ حِصْنِي، فَمَنْ قَالَهَا دَخَلَ حِصْنِي ؛ وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي، صَدَقَ اللهُ سُبْحَانَهُ، وَصَدَقَ جَبْرَئِيلُ، وَصَدَقَ رَسُولُهُ، وَصَدَقَ الاْئمَّةُ علی هِمُ السَّلاَمُ. [1] ذكر هذا الحديث الشريف بنصّه المتقدّم كلّ من: المحدّث القمّيّ في « سفينة البحار » عن « كشف الغمّة »، [2] وابن الصبّاغ المالكيّ في « الفصول المُهمَّة » [3]، والمحدّث الامين السيّد محسن الجبل العامليّ في « أعيان الشيعة » . [4] حديث سلسلة الذهب بناءً علی ما نقل قدماء الاصحاببَيدَ أنّ المرحوم الشيخ الصدوق ذكر هذا الحديث في «معاني الاخبار»، و «عيون أخبار الرضا»، وكتاب «التوحيد» . ورواه الشيخ الطوسيّ في «الام إلی»، والشيخ الحُرّ العامليّ في «الجواهر السنيَّة» بألفاظ مختلفة؛ وبأسناد متفاوتة ؛ وفيما يلي ما جاء في تلك الكتب نصّاً: 1 ـ في « معاني الاخبار » ص 370 روي سند الحديث بعينهعنمحمّد ابنموسيالمتوكّل، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الاسديّ،عنمحمّد ابنالحسينالصوفيّ، عن يوسف بن عقيل، عن إسحاق بن رَاهَوَيْه ؛ إلی أن قال: سَمِعْتُ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ ] مِنْ [ عَذَابِي ؛ فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَانَا: بِشُرُوطِهَا وَأَنَا مِنْ شُرُوطِهَا. وذكر المرحوم الصدوق هذا الحديث بعينه في كتاب «ثواب الاعمال» ص7. 2 ـ روي في « معاني الاخبار » ص 371 عن محمّد بن الحسن القطّان، عن عبدالرحمن بن محمّد الحسينيّ، عن محمّد بن إبراهيم بن محمّد الفزاريّ، عن عبد الله بن بحر الاهوازيّ، عن أبي الحسن علی ّ بن عمرو، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن علی ّ بن بلال، عن الإمام علی ّبنِ مُوسَيالرِّضا علی هما السلام بالسند نفسه عن رسول الله صلّي الله عليه و آله وسلّم عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسْرَافِيل، عن اللوح، عن القَلَم: يَقُولُ اللَهُ تَبَارَكَ وَتعالی: وَلاَيُةُ علی بنِ أَبي طالِبٍ صَلَواتُ اللهِ علی هِ حِصْنِي، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ نَارِي . وجاء الحديث في « الجواهر السنيّة » ص 225 عن الصدوق في « الام إلی »، إلاّ أنّ الرواي فيه هو أحمد بن الحسن . 3 ـ ونقل الصدوق في « عيون أخبار الرضا » ص 315 هذا الحديث نفسه الذي نقله في « معاني الاخبار » ص 370، وذلك عن محمّدبنموسي ابنالمتوكّلبدون زيادة ونقصان . ولا يختلف عنه إلاّ في ثلاثة مواضع جزئيّة لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالاختلاف في المعني . الاوّل: جاء اسم محمّد بن الحسين الصَوْلي في سلسلة الرواة . الثاني: قال فيه: سَمِعْتُ اللَهَ جَلَّ جَلاَلُهُ . الثالث: قال فيه: أَمِنَ مِنْ عَذَابِي، وجعل كلمة مِنْ في النصّ، ولميأت في نسخة البدل . ونقل هذا الحديث في « عيون أخبار الرضا » ص 313 و314 بثلاثة أسناد أُخري مع اختلاف يسير ؛ وهذه الاسناد هي: 4 ـ عن أبي سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكّر النيسابوريّ في نيسابور، عن أبي علی الحسين بن علی ّ الخزرجيّ الانصاريّ السعديّ، عن عبد السلام بن صالح أبي الصَلْت الهَرَويّ قال: كُنتُمع علی ّ ابنموسيالرضا علی هما السلام في نيسابور ؛ وكان علی بغلة شهباء أخذ بلجامها محمّد بن رافع، وأحمد بن الحارث، ويَحْييبنيَحْيي،وإسحاق ابنرَاهَوَيْهْ، وغيرهم من أهل العلم، في المربَعَة وقالوا: ... يذكر الحديث هنا بسلسلة سنده المذكور، إلی أن يصل بالسند إلی جبرئيل الذي قال: قَالَ اللَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: إنِّي أَنَا اللهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أنَا فَاعْبُدونِي، مَن جاءَ مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ بِالإخْلاَصِ دَخَلَ فِي حِصْني، وَمَنْ دَخَلَ فِي حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي . 5 ـ عن أبي الحسين محمّد بن علی ّ بن شاه فقيه مَرَوْرديّ، في بيته بَمَروْرود، عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عبّاس عامر الطائيّ في البصرة، عن أبيه، عن علی ّ بن مُوسَي الرِّضَا علی هما السلام وهكذا يستمرّ بالرواية ذاكراً نفس السند إلی أن يقول: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علی هِ وَآلِهِ َوسَلَّمَ يَقُولُ اللَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ حِصْنِي ؛ فَمَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ مِنْ عَذَابِي . 6 ـ عن أبي النصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عُبَيد الضَبِّيّ، عن أبي القاسم محمّد بن عبيد الله بن بابَوَيْه الرجل الصالح، عن أبي محمّد أحمدبن محمّد بن إبراهيم بن هاشم الحافظ، عن الحسن بن علی ّبنمحمّد ابن علی ّبنموسيبن جعفر السيّد المحجوب الذي كان إمام عصره في مكّة، عن أبيه علی ّ بن محمّد النقيّ، عن أبيه محمّد بن علی ّ التقيّ، عن أبيه علی ّبن موسي الرضا علی هم السلام ؛ إلی أن يصل إلی هذا السند ؛ ثمّ يقول: قَالَ اللَهُ سَيِّدُ السَّادَاتِ جَلَّ وَعَزَّ: إنِّي أَنا اللَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنَا ؛ فَمَنْ أَقَرَّ لي بِالتَّوْحِيدِ دَخَلَ حِصْني وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي . ونقل صاحب « الجواهر السنيّة » هذه الرواية عن « عيون أخبار الرضا » في ص 147 . 7 ـ يروي الصدوق في كتاب « التوحيد » ص 25 الرواية التي نقلناها في الرقم (1) عن « معاني الاخبار »، وفي الرقم (3) ـ عن « العيون » بدون أيّ اختلاف؛ عن محمّد بن موسي بن المتوكّل، إلی آخرها، لمّا مرّت الراحلة، قال عليه السلام: بِشَرْطِهَا وَأَنا مِنْ شُرُوطِهَا . ثمّ قال الصدوق: يقول مصنّف هذا الكتاب: مِنْ شُرُوطِهَا الإقْرَارُ لِلرِّضَا علی هِ السَّلاَمُ بِأَنـَّهُ إمَامٌ مِنْ قِبَلِ اللَهِ عزَّ وَجَلَّ علی الْعِبَادِ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ علی هِمْ. وذكر الصدوق هذا التفسير ذاته في ذيل هذه الرواية في كتاب « العيون » . 8 ـ يروي الصدوق في « التوحيد » ص 24 الرواية التي نقلناها في الرقم (5) عن أبي الحسين محمّد بن علی ّ بن الشاه فقيه في مرورود. يرويها نصّاً بلا زيادة ونقصان . ونقلها الحرّ العامليّ في « الجواهر السنيّة » ص156 عن « التوحيد » . 9 ـ يروي الصدوق في « التوحيد » ص 24 الرواية التي نقلناها عن أبي سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكّر النيسابوريّ، يرويها نصّاً بلا زيادة ونقصان . 10 ـ يقول الشيخ الطوسيّ في « الام إلی » ج 2، ص 201: روي لنا جماعة عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو نصر لَيْث بن محمّد بن لَيْث العنبريّ إملاءً عن أصل كتابه، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الصَّمد بن مُزَاحم الهَرَويّ سنة 261 ه، قال: حدّثنا أبو الصَلْت عبد السلام بن صالح الهَرَويّ، قال: كنت مع الرضا عليه السلام عند دخوله نيسابور ؛ ثمّ يذكر القضيّة نفسها مع سلسلة السند، إلی أن يقول: أخبر الروح الامين جبرئيل عن الله تَقَدَّسَتْ أسْمَاؤهُ وَجَلَّ وَجْهُه قال: إنِّي أنَا اللَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنَا وَحْدِي، عِبَادِي فَاعْبُدُونِي، وَلْيَعْلَمْ مَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ اللَهُ مُخْلِصاً بِهَا أَنـَّهُ قَدْ دَخَلَ حِصْنِي وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي . قَالُوا: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ ! وَمَا إخْلاَصُ الشَّهَادَةِ لِلَهِ ؟! قَالَ: طَاعَةُ اللَهِ وَرَسُولِهِ وَوَلاَيَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ علی هِمُ السَّلاَمُ . 11 ـ ذكر (الحرّ العامليّ) في « الجواهر السَّنيّة » طبع النجف ص 222 الرواية التي نقلناها في الرقم (1) عن « معاني الاخبار » ص 370 ؛ وقد نقلها بالاسناد نفسها عن الصدوق في كتاب « الام إلی » ؛ ولكنّه قال عليه السلام: وَأَنَا في شُرُوطِهَا . ثمّ قال الشيخ الحرّ العامليّ: هذا علی تقدير تخفيف النون من قوله: أَنَا في شُرُوطِهَا، و علی تقدير تشديدها، تشتمل جميع الائمّة المعصومين علی هم السلام والمقصود من هذا الباب حاصل علی التقديرين . 12 ـ ويقول في « الجواهر السَّنِيّة » ص 158: قال رسول الله: قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ حِصْنِي، مَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ عَذَابِي . ومقصود الشيخ الحرّ العامليّ من هذا السند كما بيّنه في الصفحة السابقة، هو « أم إلی » الشيخ أبي علی ّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسيّ، عن الشيخ الطوسيّ، قال: حدّثنا أبو محمّد الفحّام السُرَّمَرَّآئيّ، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبد الله المنصوريّ، قال: حدّثنا عمّ أبي موسيبن عيسيبن أحمد بن عيسي المنصوريّ، قال: كنت مرافقاً للإمام علی ّبن موسي الرضا علی هما السلام ـ وروي عنه كثيراً ـ قال علی ّ بن موسي؛ ويذكر سلسلة الرواية حتّي آخرها . 13 ـ في « الجواهر السنيّة » ص 262 يروي عن أبي علی الحسنبن محمّدبن الحسن الطوسيّ في أم إلیه، عن أبيه الشيخ الطوسيّ، قال: حدّثنا أبوالفتح هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار، قال: حدّثنا عبد اللهبنمحمّد ابنعيسيالواسطيّ، قال: حدّثنا محمّد بن معمّر الكوفيّ في واسط، قال حدّثنا أحمد بن مُعَافَا في قصر صبيح، قال: حدّثنا علی ّ بن موسي، عن أبيه، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللوح، عن القلم، عن الله تعالی قال: وَلاَيَةُ علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِصْنِي ؛ مَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ نَارِي . دراسة حول حديث سلسلة الذهبهذه مجموعة من الروايات التي ظفرنا بها ؛ وكما يلاحظ طبعاً، فإنّها ذات مضامين متنوّعة . جاء في بعضها أنّ كلمة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ حصن الله، ومن قالها، دخل الحصن. وفي بعضها الآخر: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ نفسها حصن بشروطها والإمام من شروطها ؛ وفي قسم منها: من لقي الله بشهادة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ مخلصاً، دخل الحصن . وفي قسم آخر: وَلاَيَةُ علی بنِ أَبي طَالِبٍ حصن الله، ومن دخله، أمن ناره . بَيدَ أنـّنا عندما ندقّق ونتمعّن فيها، فإنّنا نقتطف منها ثمرة تمثّل الحقيقة التي عرضناها في تضاعيف البحث، وهي الوصول إلی مقام العرفان والتوحيد الذي لابدّ أن يتحقّق عبر الولاية . أي: أنّ ما يعصم الإنسان ويصونه هو الوصول إلی مقام التوحيد الذي يعبّر عنه بكلمة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ؛ ويتعذّر بلوغ هذا المقام بدون العبور من جسر الولاية التي تمثّل المعني المرآتيّ لله . وفي ضوء ذلك فإنّ الروايات جميعها تتكفّل بتبيان موضوع واحد ؛ وتهدينا إلی اتّجاه واحد . ذلك لانّ قول لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ مقدّمة للوصول إلی لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ . ولايتمّ هذا الوصول الذي يمثّل حقيقة التوحيد إلاّ بالاخلاص ؛ وروايات أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا تبيّن الإخلاص، إذ ينبغي أن يتحقّق لقاء الله بهذا النسق ؛ وإذا اعتبرنا التوحيد بالمعني المرآتيّ والآيتيّ هو الحجاب الاقرب، فإنّه هو الولاية نفسها . وهذا هو مؤدّي الرواية القائلة: وَلاَيَة علی ّ بن أبي طالب حصن، وهو يفضي إلی الامن من النار . الولاية هي المراد بالتوحيد الذي يمثّل ركناً من أركان الإسلامفشرط الوصول إلی التوحيد هو العبور من الولاية ؛ ولذلك فإنّ التوحيد والولاية للسالك شيء واحد . والتوحيد عين الولاية ؛ والولاية عين التوحيد. وهذه هيالحقيقة التي دلّت علی ها الروايات وأشارت إلیها بعبارات خاصّة في كلٍّ منها . وما يماثل هذه الروايات من حيث اختلافها في اللفظ ووحدتها في المفاد والمعني، الروايات التي تدلّ علی أنّ الإسلام بُني علی خمس. فالروايات الشيعيّة تعتبر الولاية أحد هذه الاركان ؛ والروايات المأثورة عن طريق العامّة تري أنّ ذلك الركن هو التوحيد . وفيما يلي بعض هذه الروايات، نذكرها هنا ثمّ نتطرّق إلی مؤدّاها . أمّا عن طريق الشيعة: فقد روي في « الكافي » عن فُضَيل، عن أبي حمزة، وفي « المحاسن » عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن الباقر عليه السلام قال: بُنِيَ الإسْلاَمُ علی خَمْسٍ: علی الصَّلاَةِ، والزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، والْحَجِّ، وَالْوَلاَيَةِ؛ وَمَا نُودِيَ بِشَيءٍ ـ وَلَمْ يُنَادِ بِشَيءٍ ـ كَمَا نُودِيَ بِالْوِلاَيَةِ. [5] وأمّا عن طريق العامّة: فقد روي مسلم في صحيحه بإسناده عن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم: بُنِيَ الإسْلاَمُ علی خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ. [6] تفيد هذه الروايات أنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله وسلّم جعل الإسلام مرتكزاً علی هذه الاركان الخمسة التي يمثّل التوحيد أحدها؛ ولكن لمّا اكتفي العامّة بظاهر الشهادتين، وجعلوا الإقرار بالنبوّة مجرّداً حتّي لو كان مقروناً بمخالفة النبيّ في أمر الولاية، فقد جعلوه أساس الإسلام مكتفين بذلك، لذلك فإنّ الائمّة الطاهرين سلام الله علی هم أجمعين فسّروا الروايات المأثورة عن النبيّ صلّي الله عليه و آله علی أنّ ما ورد فيها من الإقرار بالتوحيد والنبوّة بدون الإقرار بالولاية ليس إلاّ شيء ظاهر؛ وحقيقة الاعتراف بذلك يستلزم الإقرار بالولاية ؛ والدخول في عالم التوحيد مشروط بالعبور من الولاية . وهذان أمران لا ينفصلان بعضهما عن بعض. إنّ حقيقة الإسلام ترتكز علی الولاية، التي تمثّل مفتاح التوحيد في مظاهر الاسماء والصفات والافعال ؛ وتمثّل كذلك باطن النبوّة وجوهرها. كان ما تقدّم بحثاً حول حقيقة الولاية، وعدم انفصالها عن توحيد الباري تعالی شأنه . وقد ضلّ في هذه المسألة طائفتان: الاُولي: هي الطائفة الوَهَابيَّة؛ والثانية: هي الطائفة الشيخيّة . ضلال الوهّابيّة في توحيد ذات الحقّضلال الوهّابيّة عن التوحيد واتّجاهها إلی الشركأمّا الوَهَّابيَّة، فإنّهم يرون أنّ صفات الحقّ تعالی من قدرة، وعظمة، وعلم، وإحاطة، وحياة، وغيرها من الصفات والاسماء، منفصلة عن الموجودات؛ أي: أنـّهم يلغون عنوان الوساطة من الوسائط، والمرآتيّة من مرايا الوجود التي تمثّل مظاهر ومج إلی ذات الحقّ ؛ ولذلك فهم لايرون معني الظهور والتجلّي في عالم الإمكان . فيُمْنَون بإشكال لا منجي لهم منه أبداً إلی يوم القيامة حتّي لو فكّروا بذلك؛ وهذا الإشكال يتمثّل بما يلي: نحن نشاهد موجودات كثيرة في هذا العالم علی سبيل الوجدان والشهود، ونراها متّصفة بالحياة والعلم والقدرة . ولا شبهة وشكّ في ذلك؛ فلانستطيع أن ننكر الموجودات المؤثّرة في هذا العالم . ونقول الآن: إذا اعتبرنا الحياة والقدرة والعلم في ذات الحقّ الازليّة بدون هذه الموجودات والكثرات، فهذا كلام خاطي وجداناً وشهوداً، لانّ وجود هذه الصفات في الموجودات هي من الضروريّات و إلیقينيّات . وإذا اعتبرنا هذه الموجودات ذات قدرة مستقلّة وحياة وعلم مستقلّ، حتّي لو كان ذلك بعطاء من الحقّ، فإنّ ذلك الاعتبار خاطي أيضاً، لانّ هذا الكلام هو عين الشرك والثنويّة وتعدّد الآلهة، وإشكالات أُخري لاتحصي. إنّ عنوان الإعطاء لا ينسجم مع عنوان الاستقلال ؛ لانّ مايستلزمه هذا الكلام هو تولّد الموجودات من ذات الحقّ، وهذا الكلام هو التفويض عينه، ونحن نعلم أنّ الله لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ و كُفُوًا أَحَدٌ. وفي ضوء ذلك، فليس أمامنا أيّ حلّ علميّ وفلسفيّ، إلاّ أن نعتبر الكثرات والموجودات في هذا العالم مَظاهر ومَج إلی لذات الحقّ القدسيّة، أي: أنّ القدرة والحياة والعلم تختصّ بذات الحقّ، وتظهر في هذه الموجودات بالتناسب مع سعتها وضيقها وماهيّتها وهويّتها ؛ أي: أنّ الاستقلال في الوجود منحصر بذات الحقّ القدسيّة، والاستقلال في الحياة، والعلم، والقدرة، وسائر الاسماء والصفات كلّها تختصّ بذات الحقّ، وهي تبعيّة وعرضيّة في غير ذاته ؛ وأصيلة في ذاته، ومرآتيّة وآيتيّة في الموجودات. ومن الطبيعيّ أنـّها تظهر أكثر في الارواح المجرّدة، والنفوس القدسيّة لملائكة الملا الا علی، والنفوس الناطقة المطهّرة للانبياء، والائمّة علی هم السلام، وفي المهديّ قائم آل محمّد، إذ إنّ استيعاب هؤلاء أكثر، وتعبّر هذه المرايا عن ذات الحقّ وصفاته المقدّسة بصورة تامّة . ومن هذا المنطلق، فإنّ القدرة، والعلم، والحياة، في الوقت الذي تختصّ فيه بذات الحقّ، فإنّ ظهورها في هذه المرايا لا يُنكر شهوداً، ولازم وثابت عقلاً . إنّ الظهور والظاهر، والحضور والحاضر شيء واحد ؛ والمعني الحرفيّ مندكّ في المعني الاسميّ . والموجودات جميعها بدون استثناء آيات وعلامات ومعاني حرفيّة بالنسبة إلی ذات الحقّ المتعال ؛ وتصوّر معني الاستقلال للمعني الحرفيّ لايعقل، ويفضي إلی الخُلف في القياس البرهانيّ . إنّ المعني الحرفيّ، والمعني الاسميّ ليسا شيئين مستقلّين ؛ فالمعني الحرفيّ يدلّ علی كيفيّة المعني الاسميّ وخصوصيّته . إنّ التوسّل بالنبيّ الاكرم، والائمّة المعصومين لقضاء الحاجة هو نفس التوسّل بالله لقضائها، وهذا هوالتوحيد عينه . وقد ثبت في الفلسفة المتعالیة والحكمة الإسلاميّة وجود الوَحْدة في الكَثْرة، والكَثرة في الوَحْدَة لذات الحقّ . وكما أنّ لله تبارك وتعالی اسم الاحَديَّة، إذ إنّه مُبرّأ من جميع الاسماء والتعيّنات، ومُنزَّه من كلّ اسم ورسم، وإنّ تلك الاحديّة تدلّ علی الذات البسيطة الصرفة والمجرّدة العارية من كلّ التعلّقات، والمنطبقة علی ها المفهومات، فكذلك له اسم الوَاحِديَّةِ الملاحَظ بملاحظة ظهوره وطلوعه في عالم الاسماء والصفات الكلّيّة والجزئيّة، وظهور جميع العوالم سواء من المُلْكِ أو من المَلَكُوت . يقول الوَهّابيَّة: خلق الله العوالم بلا واسطة ؛ وليس للموجودات العِلْويّة، والملائكة، والارواح القدسيّة المجرَّدة أيّ تأثير في الخلق؛ ولاتتّخذ طابع الوساطة ؛ لذلك فإنّ الاستغاثة بروح رسول الله، والائمّة، والملائكة بما فيهم الملائكة المقرّبون ـ شرك . ونجيب: إلیس الاستغاثة بالارواح الحيّة، مثل النبيّ الحيّ، والإمام الحيّ شركاً ؟ إلیس الاستغاثة بالعالم، والطبيب، والمتخصّص، والفلاّح، والصانع شركاً ؟ فإذا كانت شركاً، لماذا تستغيثون ؟! اتركوا كلّ استغاثة في عالم الطبع، وفي الحياة الدنيا، لتموتوا كلّكم بعد لحظات، وتعودوا إلی ديار العدم حيث موطنكم الاصليّ ! وإن لم تكن شركاً ؛ فما الفرق بين الاستغاثة بالنبيّ الحيّ، أو بروحه بعد الموت ! أو الاستغاثة بالطبيب الجرّاح لاستئصال الزائدة الدوديّة مثلاً! أو الاستغاثة بجبرئيل ! وما الفرق بين تلك الاستغاثة وهذه ! هم يقولون: تلك الاستغاثة شرك ؛ وهذه ليست شركاً ! لانّ أرواح أُولئك لا تُري، ولا تتقولب في قالب حسّيّ ؛ وخلاصة الكلام أنّ الاستغاثة بالاسباب الطبيعيّة والمادّيّة بعيدة عن الشرك ؛ بَيدَ أنّ الاستغاثة بالاُمور المعنويّة والروحانيّة شرك . إنّه لشيء عجاب أن لا نعتبر الاستغاثة بالمادّة القذرة ليست شركاً، ونعتبر الاستغاثة بالنفوس الع إلیة القدسيّة المجرّدة شرك! ونجيب: أنَّ القاعدة العَقْليَّة لا تقبل الاستثناء ؛ ولو كانت الاستغاثة بغيرالله شركاً، فالشرك قائم في كلّ شيء ؛ والخطأ موجود في كلّ شيء . إذَن، كيف تريدون إثبات التوحيد للحقّ بالدليل العقليّ، وأنتم تستثنون في الاُمور المادّيّة والطبيعيّة ؟! إلیس هذا مضحكاً ؟ أو هو مبكٍ علی مسكنتكم وإفلاسكم وخلّو ذات يدكم من علم الحقّ وعرفانه ؟! يقولون: الطواف حول قبر المعصوم شرك ؛ وتقبيل ضريحه المطهّر شرك؛ وتقبيل أعتابه شرك ؛ والسجود علی تربة سيّد الشهداء عليه السلام شرك؛ والتوسّل بالائمّة والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء لقضاء الحوائج شرك. ونجيب: لماذا تعدّ هذه الاشياء شركاً ؟ ما الفرق بين تقبيل الحَجَر الاسْوَد وتقبيل الضريح ؟ وما الفرق بين البيت الذي بناه إبراهيم الخليل عليه السلام باسم الكعبة، وبين المرقد المطهّر للآية الإلهيّة الكبري وصاحب مقام أوْ أَدنَي، وصاحب الشفاعة الكبري، وحامل لواء الحمد؟ لماذا يجوز الطواف هناك، ولا يجوز هنا مع أنّ له ميزاته من حيث الاهميّة؟ [7] لماذا يجوز السجود علی الارض و علی كلّ شيء غيرها، ولايجوز علی التربة المطهّرة للشهيد الحقيقيّ الاوحد للدين والحقّ أبي عبدالله الحسين؟ وإذا كان السجود علی شيء شركاً، فَلِمَ يجوز علی الفراش، والسجّاد، والارض، والحصير ؟ ولكنّه حرام هنا علی وجه الخصوص! يمثّل التوحيد هناك، والشرك هنا ؟! إنّ استغاثتكم بكلّ حيّ هي استغاثتكم بروحه لا بجسمه،فَلِمَ لاتعتبر الاستغاثة بالنفوس الخبيثة الكافرة في الدنيا شركاً، بينما تعتبر شركاً إذا كانت بروح الصدّيقة الطاهرة ؟ هذه أسئلة لا يقدرون علی جوابها، ولم ولن يقدروا علی ذلك . والجواب هو: إذا كان لهذه الاشياء طابع الاستقلال، فكلّها شرك؛ سواء كانت طوافاً حول بيت الله، أو تقبيلاً للحجر الاسود ؛ أو سجوداً علی الفراش والارض العاديّة ؛ أو توسيطاً للطبيب والجرّاح والعالم الاخصّائيّ وإذا لم يكن لها طابع الاستقلال، فليست شركاً ؛ بل هي التوحيد نفسه . إلیس النظر إلی الموجودات في هذا العالم نظراً مستقلاّ شركاً ؟ إنّه الشرك عينه، فالوهّابيّة ـ عبر هذا التنزيه والتقديس الذي يريدونه لذات الحقّـ وقعوا في فخّ الشرك من حيث لا يعلمون ؛ وأصبحوا مِن مَنْ يَعْبُدُ اللَهَ علی ' حَرْفٍ . [8] إنّ النظر إلی الآيات الإلهيّة من حيث الآيتيّة هو النظر ذاته إلی التوحيد؛ وتقبيل الإمام من حيث الإمامة هو الاحترام ذاته لله ؛ وعرض الحاجة علی الارواح المقدّسة من حيث معنويّتها وروحانيّتها وقُربها إلی الله هو نفس عرض الحاجة علی الله، وهو عين التوحيد ؛ وحبّ أحبّاء الله هو حبّ الله نفسه . هذا من منظار الدليل العقليّ، مذهب الوهّابيّة ملازم لإنكار آيات القرآن الصريحةوأمّا من منظار الدليل النقليّ، فنقول: إنّ الآيات والروايات جميعها زاخرة بالمفاهيم السليمة من قبيل: الموجودات وسائط في الوجود والإيجاد، والخلق يتحقّق بالسببيّة، وإلغاء الواسطة في عالم التكوين . مضافاً إلی ذلك، فإنّ إنكار الامر الوجدانيّ هو إنكار للمأثورات الشرعيّة من الكتاب والسنّة . ألسنا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالی: فَالْمُدَبِّر ' تِ أَمْرًا (الآية5 من السورة 79: النازعات)، وقوله: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَـ'حَ لَو ' قِحَ (الآية 22، من السورة 15: الحجر . وقوله: وَاللَهُ الَّذِي´ أَرْسَلَ الرِّيَـ'حَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـ'هُ إلی' بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَ ' لِكَالنُّشُورُ . (الآية 9، من السورة 35: فاطر)وقوله: وَهُوَ الَّذِي´ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاَءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ (الآية 99، من السورة 6: الانعام) . حيث نري في هذه الآيات أنّ الملائكة تدبّر الامر ؛ وأنّ الرياح تثير السحاب، وأنـّها لواقح، تلقّح الاشجار فتثمر ؛ وأنّ نبات كلّ شيء يخرج بواسطة الماء المنزل من السماء . وكذلك الامر في آيات أُخري كثيرة تصرّح أنّ المكوَّنات في الوجود تتكوّن من هذه الاسباب . إذَنْ، كيف يتسنّي لنا أن ننفي السببيّة، وهذه الآيات تثبتها بصراحة؟ أجل، ينبغي أن نقول: إنّ هذه الاسباب كلّها مقهورة ومأمورة لله تأتمر بأمره، ولا تستقلّ بشيء دونه ؛ ونقول في هذه الاسباب، وغيرها من الاسباب المادّيّة والمعنويّة الاُخري: إنّها لا تستقلّ بنفسها ؛ بل هي تمثّل الشفعاء والوسائط للاخذ من الله والإفاضة علی العوالم . يقولون: إنّ الاستغاثة بأرواح الانبياء والائمّة هي استغاثة بالموتي، وهذا لون من التوجّه والنزوع إلی الموتي ؛ ويمثّل ظاهرة صنميّة إذ يطلب الإنسان من الميّت شيئاً بلا أثر محسوس، ويجعله شفيعاً إلی الله ؛ وما هو الفرق بين طلب الحاجة من الصنم، وبين طلبها من موجود بلا أثر ؟ ونجيب: أنّ الآيات القرآنيّة والبراهين العقليّة تنصّ علی أنّ روح الإنسان لا تموت بموته، بل هي حيّة . وبناءً علی تجرّد النفس، فهي لايمكن أن تكون معدوماً بحتاً ؛ والموت هو عبارة عن انتقال من الدنيا إلی الآخرة . ثمّ ألَمْ نقرأ في القرآن الكريم أنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يُرزقون! وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ أَمْوَ ' تًا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (الآية 169، من السورة 3: آل عمران) . يقولون: هذه الآية تخصّ الشهداء ؛ شهداء غزوة أُحُد مثل: حَمْزَة وغيره. ونقول: ألم يكن حَمْزَةُ وغيره من الشهداء تحت نبوّة رسول الله؟ وهل أنّ مقام حمزة أ علی من مقام رسول الله، فيكون حيّاً، ورسولالله ميّتاً؟! لا، ليس كذلك، فرسول الله هو الشهيد علی الشُهَداء، والموكَّل علی أرواح الانبياء . ونحن نسلّم عليه في صلواتنا جميعها قائلين: اَلسَّلاَمُ علی كَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ . وهل يكون المخاطب إلاّ حيّاً سامعاً كلامنا؟ حوار المؤلّف مع بعض علماء السنّة في المسجد الحرامإلغاء عمر متعة الحجّ خلافاً لامر رسول الله الصريحأتذكّر جيّداً أنـّي تشرّفت بالذهاب إلی بيت الله الحرام للمرّة الثانية سنة 1390 هجرية، ومعي اثنان من أبنائي لاداء مناسك الحجّ . وفي صباح ذات يوم جلسنا في زاوية من المسجد الحرام بعد القيام بالطواف المستحبّ لعدّة مرّات ؛ وذلك للزيارة، والنظر إلی البيت، ومراقبة كيفيّة طواف الناس . وبينما نحن كذلك فإذا أحد علماء السنّة أقبل علی نا وعانقنا، وجلس إلی جانبنا ؛ وقدّم لنا نفسه علی أنـّه من مدينة حَلَب في سوريا، واسمه عُمَرْ عادِل مَلاَ حِفْجي، ثمّ تجاذبنا معه أطراف الحديث . وكان التعرّف عليه مناسبة أفضت إلی مجيء عالم آخر من علماء العامّة، كان يقول: إنّه من أئمّة الجماعة في المدينة ؛ سلّم وجلس أمامي؛ تلا ذلك مجيء جماعة كثيرة من أهل السنّة تدريجاً، كلّهم جلسوا إلی جنبنا، فتشكّل من الجمع مجلس تقريباً . عند ذلك سألت عن مُتعة الحجّ فقالوا: لا نتمتّع ما لم نحجّ . قلتُ: نحن نعلم أنّ رسول الله أعلن للناس في حِجَّة الوَداع من علی الصفا أنّ الحجّ قد صار حجّ التمتّع من الآن حتّي يوم القيامة لمن كانت بيوتهم بعيدة عن المسجد الحرام . أي: عندما يحرمون من الميقات، فإنّهم ينوون حجّ العُمْرَة، ويُحِلّون بعد دخولهم مكّة وأداء مناسك العمرة ؛ ولهم عند ذلك التمتّع بالنساء ؛ ثمّ يبقون في مكّة إلی أن يُحرموا منها لاداء مناسك الحجّ والوقوف في عرفات والمشعر . واعترضوا علی النبيّ أنـّهم جاؤوا لاداء مناسك الحجّ وشبابهم معرّسون تحت شجر الاراك ورؤوسهم تقطر من غسل الجنابة ! فقال رسول الله: ما قلته من تلقاء نفسي، إنّما هو حُكم أتي به جبرئيل الآن ! ثمّ شَبَّكَ أصَابِعَهُ، وقال: دخلت العمرةُ في الحجّ إلی يوم القيامة. فمن جاء من مكان بعيد، ف عليه أداء الحجّ والعمرة معاً، ويحلّ بينهما؛ هذا هو حكم الله ! قالوا: نعم، هو كذلك ولكنّ عمر غيّر ذلك لمصلحة ؛ أي: رفع المتعة؛ وأمر قائلاً بأنّ كلّ من أحرم من الميقات، فبنيّة الحجّ ؛ ولا يجوز له التمتّع بالنساء حتّي آخر منسك من مناسك الحجّ . قلتُ: دعونا من قولكم إنّ عُمَر قام بهذا العمل لمصلحة رآها، ولانخوض في هذا البحث ؛ بَيدَ أنـّي أقول: هل أنّ عمل عُمَر حُجّة ؟ وهل يجب علی نا اتّباعه حتّي يوم القيامة ؟! لم يكن عُمَر نبيّاً ؛ ولم ينزل عليه الوحي . فكيف يسوغ لنا أن نُعرض عن كلام رسول الله، وهو وحيٌ من الله يُوحي يأتيه به جبرئيل، ونأخذ بكلام عمر ؟! إنّ عمر قال للناس كلاماً في عصره ؛ فماذا يعنينا نحن منه ؟! وهل أنّ كلام عمر مقدّم علی كلام رسول الله، وجبرئيل، وآيات القرآن؟! وهل يشترك عمر مع رسول الله في حُجّيّة الكلام، حتّي إذا تعارض كلامهما، فإنّا قدّمنا كلام عمر عليه مثلاً ؟ أو أنّ كلامه ينسخ كلام الرسول؟ وبالت إلی، ما لم يتحقّق أحد هذه الاُمور، ولم يثبت ؛ فليس لنا أن نعرض عن حجّيّة كلام رسول الله من وحي تفكيرنا الخاصّ وأذواقنا النفسيّة! وهنا آثر العالمان السنّيّان الصمت ؛ ولم يجيبا بشيء ؛ وخيّم الوجوم علی المجلس برهة . فالتفتُّ إلی الشيخ عُمَر عَادِل، وهو ـ كما قلت ـ من أهل حَلَب، وكان وسيماً للغاية . واستبان أنـّه وافقني علی ما قلت . التفتُّ إلیه وقلتُ: لماذا لا تقولون لهؤلاء أن يكفّوا عن إيذاء الزوّار ؟! لقد وزّعوا أفراد الشرطة حول قبر رسول الله، وليس لاحد أن يقبّل القبر المطهّر، فأيّ عمل هذا ؟ يفد الحجّاج من شتّي بقاع المعمورة مشتاقين لزيارة قبر نبيّهم، ولعلّهم لا يفلحون بالمجيء إلاّ مرّة واحدة في حياتهم فهم يريدون التعبير عن حبّهم لنبيّهم من خلال تقبيل قبره المقدّس، ولانـّهم قد حرموا لقاء رسول الله فإنّهم يقبّلون الباب، والضريح، وهم يبكون في عواطف جيّاشة فيّاضة تملا الرحب . وإذا ما حاولوا التقبيل ؛ فإنّ أسواط الشرطة تنهال علی رؤوسهم بغتةً أن: لاتقبّل يا مشرك ! هذا الضريح من حديد ! الحديد لا يقبّل ! تقبيل الحديد شرك ؛ ويؤيّد الآمرون بالمعروف هذه التخرّصات أيضاً ويقولون: هذه الاعمال شرك . يقف الحجّاج المساكين إلی ناحية حائرين مدهوشين، وهم في حالة يرثي لها كالخشبة إلیابسة ؛ ويتحدّثون مع أنفسهم: أيّ خطب هذا ؟! أيّ شرك هذا ؟! أُناشدكم بصاحب هذا البيت، هل يقبّل الحجّاج الحديد والفولاذ أو يقبّلون جسم رسول الله، أو نفس رسول الله ؟! هل يقبّلون الحديد والخشب، أو يقبّلون النفس المقدّسة للصدّيقة الطاهرة ؟ ألا يخطر ببالكم أن تقبّلوا يد أبيكم أو أُمّكم أو أُستاذكم أو معلمّكم أو مربيّكم من العلماء؟ هل تحترمون روحه، أو تحترمونه كقطعة من لحم فقط ؟! ألم تقرأوا شعر قيْسِ بنِ المُلَوَّحِ العامِرِيّ، إذ قال في معشوقته لَيْلي العامِريّة: أَمُرُّ علی جِدَارِ دِيَارِ لَيْلي أُقَبِّلُ ذَا الدِّيَارَ وَذَا الْجِدَارَا وَمَا حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبِي وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارَا فالتفت إلی الشيخ عُمَر عَادِل في تلك الحال، وكان في قمّة الغضب والامتعاض: وقال لي: يا سَيِّدُ ! وَاللهِ هُمْ مُشْرِكُونَ ؛ هُمْ مُشْرِكُونَ . يقصد الوهّابيّين، ثمّ أردف قائلاً: بعد فراغي من صلاة الصبح والطواف هذا إلیوم رأيت جماعة من الإيرانيّين واقفين، ومعهم شخص كان يقرؤهم الدعاء، وهم يردّدون معه. كان يقول في دعائه: إلَهي بِحَقِّ فَاطِمَةَ وَأَبِيهَا وَبَعْلِهَا وَبَنِيهَا وَالسِّرِّ الْمُسْتَوْدَعِ فِيهَا كَذَا وَكَذَا . فمرّ علی هم إمام جماعة هذا المسجد، أعني: المسجد الحرام، وصاح بهم: هذا شرك ! لا تقولوا هكذا ! إنّ طلب شيء من فاطمة شرك! فامتعضت من كلامه للغاية، وتقدّمت إلیه قائلاً: إخْسَأْ ! إخْسَأْ ! ثمّ قلت له: عندي سؤال (قسماً بالله وبهذا البيت، ما رأيت هذا السؤال من قبل في كتاب قطّ، ولم يخطر بب إلی فيما مضي ؛ بل كأنـّه أُلقي في روعي تلك اللحظة أن أقوله) وسؤ إلی هو: هل تعلم أنّ إخوة يوسف أتوا بقميصه من مصر، وألقوه علی وجه أبيهم يعقوب في كَنْعان فارتدّ بصيراً ؟ وقال جلّ من قائل: فَلَمَّآ أنْ جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ علی ' وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصيرًا. (الآية96، من السورة 12: يوسف) . فقال إمام المسجد: نعم، أعلم هذا ! قلتُ: ممّ كان ذلك القميص ؟! قال: من القطن أو من الكتّان ! قلتُ: وهل للقطن أو الكتّان هذا الاثر القويّ الذي يعيد البصر إلی عين يعقوب، وليس لفاطمة الزهراء التي سمّاها النبيّ: سيّدة نساء العالمين. هذا الاثر إذ تكون شفيعة عند الله، وتقضي حوائج المؤمنين؟! ثمّ قال: يَا سَيِّد ! وَاللَهِ خَسَأَ خَسَأَ . وقال: نحن السنّة كلّنا بُرَاء من الوهّابيّين ! لقد ابتدعوا مذهباً خاصّاً، وهو مذهب جامد متزمّت لا محتوي له . نحن أيضاً جئنا من مكان بعيد متلهّفين لتقبيل قبر رسول الله، وهؤلاء يحولون بيننا وبين ذلك ! وبعد ذلك، دعانا إلی حَلَب، لنذهب إلی هناك وننزل ضيوفاً عنده. وكان يقول: نحن نحبّ أهل البيت حبّاً جمّاً ؛ ونساؤنا يعتقدن أنّ أعمالهنّ لاتقبل ما لم يرين فاطمة الزهراء في المنام . و علی وجه الخصوص كان يقول: « تعال . وانظر ماذا تفعل نساؤنا ! ثمّ تحدّث عنهنّ ! وأنا عندي أخوات ملا حبّ أهل البيت قلوبهنّ » . الوهّابيّة قائلة بجسمانيّة اللهومن المفاسد المهمّة الاُخري للمذهب الوهّابيّ قولهم بالتجسيم؛ ذلك لانـّهم يرون أن لا نتجاوز ظواهر القرآن ؛ وأنّ المعني الظاهريّ هو المعني الاعتيادي والمتعارف الذي يتداوله الناس ؛ ولذلك فإنّ الآيات القرآنيّة التي تنسب إلید، والعين، والجَنْب، والوَجْه، وغير هذه الاشياء إلی الله، فالمقصود هو هذه المعاني الظاهريّة المتعارفة . وما يلزم هذا المعني هو تجسيم الله سبحانه وتعالی . فهم يقولون: إنّ الآيات القرآنيّة كقوله تعالی: يَدُ اللَهِ فَوْقَ ايْدِيهِمْ (الآية 10، من السورة 48: الفتح) . وقوله: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا . (الآية 37، من السورة 11: هود) . وقوله: وَلِتُصْنَعَ علی ' عَيْنِي´ . (الآية 39، من السورة 20: طه) . وقوله: وَلَوْ تَرَي'´ إذْ وُقِفُوا علی ' رَبِّهِمْ . (الآية 30، من السورة 6: الانعام). وقوله: يَـ'حَسْرَتَي' علی ' مَا فَرَّطتُ فِي جَنْبِ اللَهِ . (الآية 56، من السورة39: الزمر). وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ و . (الآية 88، من السورة 28: القصص). وقوله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ . (الآية 115، من السورة 2: البقرة). وقوله: الرَّحْمَـ'نُ علی الْعَرْشِ اسْتَوَي' . (الآية 5، من السورة 20: طه). وقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ . (الآية 50، من السورة 16: النحل). وقوله: وَجَآءَ رَبُّكَ . (الآية 22، من السورة 89: الفجر) . وقوله: اللَهُ يَسْتَهْزِيُ بِهِمْ . (الآية 15، من السورة 2: البقرة). وقوله: غَضِبَ اللَهُ علی هِ . (الآية 93، من السورة 4: النساء) . وقوله: إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَهُ . (الآية 42، من السورة 44: الدخان) . وأمثالها من الآيات الاُخري المبثوثة في القرآن المجيد ؛ كلّها لها معني ظاهريّ ؛ فلله يد، وجنب، وعين ؛ وهو جالس علی العرش ؛ ويغضب؛ ويرحم ؛ ويسهزي » . هذه هي عقائد الوهّابيّين ؛ سُبْحَانَهُ وَتعالی عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً. والسبّاق إلی هذه الاباطيل والعقائد الكافرة هو ابن تيميّة الحَرَّانيّ الشاميّ؛ وكان من أتباع أحمد بن حنبل . ولم يقرّ له قرار في عناده وعدائه لاهل البيت ولا سيّما لامير المؤمنين عليه السلام . وهو ينكر الضروريّات والمسلّمات و إلیقينيّات في كتابه « منهاج السُّنَّة » الذي ألـّفه للردّ علی براهين وأدلّة مفخرة الإماميّة: العلاّمة الحلّيّ . يرفض فيه كلّ حديث ورد في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت ؛ ويعتبره كذباً وباطلاً: أو مرسلاً أو ضعيفا أو مجعولاً، مهما كان في غاية الإتقان والصحّة، ومهما كان مستفيضاً ومتواتراً، وحتّي لو رواه الكبار من حفّاظ أهل السنّة ومشايخهم ورواتهم بطرق عديدة، ونصّوا علی صحّة متنه وأسناده ورجاله . لقد كان هذا الرجل حسّاساً إلی درجة لو ورد ذكر لمولي الموحدّين علی ّ بن أبي طالب في حديث، فإنّه يرميه بالجعل والاختلاق، ويفتري علی الشيعة؛ وحتّي لو كان راوي ذلك الحديث من مشايخ « الصحاح الستّة » للعامّة . فإنّ روايته ضعيفة عند ابن تيميّة بسبب ذكر هذا الحديث لا غير ؛ وبصورة عامّة، فإنّ الملاك عنده في صحّة الحديث وعدم صحته هو التشيّع ونقل فضائل علی ّ بن أبي طالب ؛ ثمّ إنّه يتحيّز بكلّ صراحة لسلاطين الامويّين وملوكهم، وحتّي لمعاوية ويزيد، وكذلك يتحيّز لسلاطين العبّاسيّين . إنّ ظلامة أهل البيت . لا تتمثّل في التشريد، والسجن، والتعذيب، والقتل، والصلب، والحرق، والنهب فحسب، بل تتمثّل أيضاً في إخفاء فضائلهم، وإلصاقها بأعدائهم . وهذه من أخطر المؤامرات المكشوفة والخفيّة لقمعهم واستئصال شأفتهم، ومحو اسمهم وذكرهم من الوجود؛ فأمثال هذا الرجل الشاميّ ذي النزعة الامويّة الرافع لواء التأييد والدعم للسياسة السيّئة التي كان يتّبعها سلاطين الجور، من أمثال معاوية ومن حذا حذوه، كان لهم باع طويل في هذه المؤامرات . بَيدَ أنـّهم لم يقطفوا من وراء ذلك ثمرة علی الرغم من كلّ ما قاموا به من أعمال دنيئة . إذ إنّ فضائل علی ّبن أبي طالب قد ملات الآفاق . واعترف بها الصديق والعدوّ والقريب والبعيد بما فيهم إلیهود والنصاري والمادّيّون، فقد أذعنوا كلّهم لعظمة ذلك الرجل العملاق وشخصيّته وأصالته وحقيقته، خضعوا بأجمعهم أمام عظمة ذلك الإمام المظلوم، وجعلوا لحبّه مكاناً في أعماق قلوبهم . ومن بين هؤلاء: وامق النصرانيّ وهو: بقراط بن أشوط، من أهل أرمينيّة، ومن الامراء العسكريّين المهمّين في عصر المتوكلّ . نظم قصيدة عصماء في فضائل أميرالمؤمنين علی ّ ومحامده، ذكر ابن شهرآشوب شيئاً منها في « المناقب » الطبعة الحجريّة ص 286 و532 . وكذلك نظم عبدالمسيح الانطاكيّ قصيدته العلويّة التي تربو علی 5595 بيتاً، ونظم بولس سلامة قاضي النصاري في بيروت قصيدته المسمّاة: عيد الغدير في فضائل علی ّبن أبي طالب ومناقبه، وقد بلغت أكثر من 3085 بيتاً، دافع فيها عن حقّ الإمام . ولاحد شعراء النصاري، وهو زينبا بن إسحاق الرسعني الموصليّ، قصيدة تستحقّ التأمّل، يقول فيها: عَدِيُّ وَتَيْمٌ لاَ أُحَاوِلُ ذِكْرَهَا بِسُوءٍ وَلَكِنِّي مُحِبٌّ لِهَاشِمَ وَمَا تَعْتَريني في علی وَرَهْطِهِ إذا ذُكِرُوا فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمِ يَقُولُونَ مَا بَالُ النَّصَارَي تُحِبُّهُمْ وَأَهْلُ النُّهَي مِنْ أَعْرُبٍ وَأَعَاجِمِ فَقُلْتُ لَهُمْ إنِّي لاَحْسِبُ حُبَّهُمْ سَرَي فَي قُلُوبِ الْخَلْقِ حَتَّي الْبَهائِمِ [9] كلام ابن حجر في شأن ابن تيميّةإنّ الكبار من العامّة قد رفضوا ابن تيميّة، ودحضوا حجّته، وأفتوا بضلاله وكفره . ويقولون: إنّه يعترف بتجسيم الله صراحة . وفيما يلي نصّ كلام الحافظ ابن حَجَر في كتابه المسمّي: « الفتاوي الحديثة » ص 86: ابن تيميّة عبدٌ خَذَله الله وأضَلَّه وأعْماه وأصَمَّه وأذَلَّه، وبذلك صَرَّح الائمّة الَّذين بيَّنوا فَسادَّ أحواله، وكِذْبَ أقواله ؛ وَمَن أَراد ذلك ف عليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتَّفق علی إمامته وجلالته وبلوغه ومرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكيّ وَوَلَدِهِ التاج والشيخ الإمام العزّبن جَمَاعَة وأهل عصرهم وغيرهم من الشَّافعيّة والمالكيّة والحنفيّة؛ ولميقصر اعتراضه علی متأخّري الصُّوفيّه بل اعترض علی مثل عمربن الخطّاب و علی ّ بن أبي طالب رضي الله عنهما. والحاصل أنـّه لا يقام لكلامه وزنٌ بل يُرمي في كلِّ وَعْرٍ وحَزْنٍ، ويُعتقد فيه أنـّه مبتدع ضالٌّ مضلٌّ غالٍ ؛ عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، آمين ( إلی أن قال) ابن تيميّة قائل بتجسيم الله صراحةإنّه قائل بالجهة وله في إثباتها جزءٌ؛ ويلزم أهل هذا المذهب الجسميّة والمحاذاة والاستقرار ؛ أي فلعلّه في بعض الاحيان كان يصرّح بتلك اللَّوازم فنسبت إلیه ؛ سيّما وممّن نسب إلیه ذلك من أئمّة الإسلام المتّفق علی جلالته وإمامته وديانته وأنـّه الثّقة العدل المرتضي المحقّق المدقّق ؛ فلا يقول شيئاً إلاّ عن تثبُّتٍ وتحقّق ومزيد احتياط وتحرٍّ سيّما إن نسبت إلی مسلم ما يقتضي كفره وردتّه وضلاله وإهدار دمه ؛ الكلام . [10] ارجاعات [1] ـ «كشف الغمّة» ص 271 . [2] ـ «سفينة البحار» مادّة حدث ج 1 ، ص 299 ، 230 . [3] ـ «الفصول المهمّة» مطبعة العدل ، النجف ، ص 235 ، 236 . [4] ـ «أعيان الشيعة» ج 4 ، القسم الثاني ص 118 . [5] ـ «أُصول الكافي» ج 2 ، ص 18 : و«المحاسن» ج 1 ، حديث 429 ، ص 286 . وجاء في «الكافي» أيضاً من ص 18 إلي ص 21 ، وفي «المحاسن» ص 286 عدد من الروايات الاُخري بهذا المضمون مع سلسلة من رواة آخرين رووها عن الباقر ، والصادق عليهما السلام. [6] ـ «صحيح مسلم» ج 1 ، كتاب الإيمان ص 35 ، وفي ص 34 ، و 35 ثلاث روايات أُخري عن رسول الله بهذا المضمون . [7] ـ استدلّ البعض علي عدم جواز الطواف حول القبور برواية الحَلَبيّ عن الإمام الصادق. ورواية محمّد بن مسلم عنه أو عن أبيه الباقر عليهما السلام إذ قال : وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ. بَيدَ أنّ هذا الاستدلال باهت ضعيف لا يُعوَّل عليه ؛ لانّ المقصود بالطَوْف في هاتين الروايتين هو التغوّط عند القبر لا الدوران حوله ! والشاهد علي ذلك ما قاله أئمّة اللغة في كتبهم مثل: «صحاح اللغة»، و«تاج العروس» ، و«لسان العرب» وغيرها . يقول صاحب «شرح القاموس» في مادّة طَوْف : والطَوْف : الغائط . طاف : إذا ذهب إلي البراز ليتغوّط مثل إطَّافَ من باب الافتعال. وفي «مجمع البحرين» : والطَّوْفُ : الْغَائِطُ ومنه الخبر : لا يُصَّلِّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدافِعُ الطَّوْفَ؛ وجاء في الحديث أيضاً : لاَ تَبُلْ في مَاءٍ مُسْتَنْقَعٍ وَلاَ تَطُفْ بِقَبْر ! ïï وضمن بحثنا في بعض المسائل الفقهيّة ، ألـّفنا رسالة موجزة في هذا الموضوع مشفوعة بالادلّة . وقد بيّنا فيها بما لايبقي معه شكّ أنّ الطواف حول القبور لا إشكال فيه؛ وأنّ القصد منه في هذه الروايات هو التغوّط. [8] ـ الآية 11 من السورة 22 : الحج . أيّ أنّ هؤلاء ينظرون إلي الله من نافذة واحدة، ويرون قدرته وعظمته في بعض الاشياء ، لا في جميعها . [9] ـ «الغدير» ج 3 ، ص 7 و 8 .
|
|
|