|
|
الصفحة السابقةوجود جهنّم حاليّاًوكما قلنا سـابقاً، فإنّ جميع العوالم موجـودة بالفعل وجوداً طوليّاً لاعرضيّاً؛ أي أنّ تلك العوالم متداخلة وليست متعاقبة كتعاقب حبّات المسبحة. ومن هنا، فإنّ هذه الدنيا بكلّ ما فيها من أفعال قبيحة، ونوايا فاسدة وآراء كاسدة، وتوغّل في الكثرات، وانصراف عن الحضرة الاحديّة والذات الاحديّة إنّما تمثّل جهنّماً. كلّ ما هنالك أنّ حقيقتها وحقيقة نارها وسعيرها وشهيقها وزفيرها لا تُري إلاّ برحيل الإنسان عن الدنيا، أو بإزاحة الستار عن أعينه الحولاء، لتصبح مقولة: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ جليّة أمامه وجداناً وشهوداً. ومن بين الآيات الدالّة صراحة علی أنّ نار جهنّم موجودة فعلاً، الآية 25، من السورة 71: نوح: مِّمَّا خَطِيـ´ـَـ'تِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْيَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَهِ أَنصَارًا؛ حيث تقول الآية بأنّ قوم نوح أُغرقوا فأُدخلوا في النار علی الفور. ومعلوم أنّ النار ينبغي أن تكون موجودة فعلاً ليدخلها قوم نوح. ولا يزول عجبي ممّن ينكر تجسيم الاعمال كيف يقول من جهة بوجود جهنّم فعلاً، ويقول ـ من جهة أُخري ـ بأنّ جهنّم هذه موجودة علی الارض؟ لا نّنا لو قلنا بتجسيم الاعمال يوم القيامة، لاتّضح أنّ تلك النار هي حقيقة نفس هذه الاعمال. وبناء علی ذلك فإنّ جهنّم ستكون موجودة في الوقت الحاضر، لكنّها لا تُري بالعين المجرّدة، لا نّها ملكوت الاعمال. أمّا لو أنكرنا هذا الامر، وقلنا بأنّ النار هي غير حقيقة تجسيم الاعمال فأنّي سيمكننا القول بأ نّها موجودة فعلاً، وبأنّ موضعها علی هذه الارض؟ إذ سيكون كلامنا آنذاك لغزاً بلا حلّ، وسيكون أشبه بقول القائل بأنّ أنياب الاغوال هي مادّيّة وموجودة فعلاً، إلاّ أ نّنا لانراها! أمّا في شأن وجود جهنّم علی هذه البسيطة، فقد ورد ذلك في عدّة روايات: منها: ما يرويه الصدوق في « الخصال » عن ابن موسي، عن ابنزكريّا القطّان، عن ابن حبيب، عن عبد الرحيم الجبلّيّ الصيدنانيّ، وعبداللهبن الصلت، عن الحسن بن نصر الخزّاز، عن عمرو بن طلحة، عن أسباطبن نصر، عن سِماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال ( في حديث طويل جاء فيه أنّ يهوديينِ قدما إلی المدينة فسألا من أميرالمؤمنين علیه السلام، فقالا: ) أين تكون الجنّة، وأين تكون النار؟ قال: أمّا الجنّة ففي السماء، وأمّا النار ففي الارضـ الخبر.[1] ومنها: ما جاء في « تفسير علی بن إبراهيم » أنّ الدليل علی كون جهنّم في هذه الارض قوله تعالي في سورة مريم: وَيَقُولُ الإنسَـ'نُ ءَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفُ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَ لاَ يَذْكُرُ الإنسَـ'نُ أَنَّا خَلَقْنَـ'هُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْـًا * فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَـ'طِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا [2] ـ الحديث. [3] وما جاء في « تفسير علیّ بن إبراهيم » في تفسير آية: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـ'هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا؛ قال: فقيل لابي عبد الله ( الصادق ) علیه السلام: كيف تبدّل جلوداً غيرها؟ قال: أرأيتَ لو أخذتَ لبنة فكسرتها وصيّرتها تراباً، ثمّ ضربتَها في القالب، أهي التي كانت. إنّما هي كذلك، وحدث تفسيراً آخر والاصل واحد.[4] شدّة عذاب أصحاب الناركما جاء في نفس التفسير السالف الذكر، في تفسير آية: مُقَرَّنِينَ فِي الاْصْفَادِ، قال: مقيّدين بعضهم إلی بعض. وفي قوله تعالي: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ، قال: السرابيل القميص. وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ( الباقر ) علیه السلام في قوله: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ: وهو الصفر الحارّ الذائب. يقول: انتهي حرّه. يقول الله: وَتَغْشَي' وُجُوهَهُمُ النَّارُ: سربلوا ذلك الصفر فتغشي وجوههم النار. [5] وجاء في التفسير المذكور في قوله تعالي: مِن وَرَآنءِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَي' مِن مّآءٍ صَدِيدٍ، قال: ماء يخرج من فروج الزوانيّ. وقوله: يَتَجَرَّعُهُ و وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ و وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ، قال: يقرّب إليه فيكرهه، وإذا أُدني منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب تقطّعت أمعاؤه ومزّقت إلی تحت قدميه. وإنّه ليخرج من أحدهم مثل الوادي صديداً وقيحاً. ثمّ قال: وإنّهم ليبكون حتّي تسيل من دموعهم فوق وجوههم جداول، ثمّ تنقطع الدموع فتسيل الدماء، حتّي لو أنّ السفن أُجريت فيها لجرت، وهو قوله: وَسُقُوا مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ. [6] وجاء في التفسير المذكور في قوله تعالي: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَـ'مِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُو´ا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، [7] قال: فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني بني أُميّة؛ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ـإلي قولهـ حَدِيدٍ، قال: تغشاه النار فتسترخي شفته السفلي حتّي تبلغ سرّته، وتنقلص شفته العلیا حتّي تبلغ وسط رأسه. وَلَهُم مَّقَـ'مِعُ مِن حَدِيدٍ، قال: الاعمدة التي يضربون بها ضرباً بتلك الاعمدة. [8] وفي التفسير المذكور في قوله تعالي: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَي'هُمُ النَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُو´ا أَن يَخْرُجُوا مِنهَآ (مِنْ غَمٍّ) أُعِيدُوا فِيهَا، قال: إنّ جهنّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً، فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنّم، فإذا بلغوا أعلاها قُمعوا بمقامع الحديد، فهذه حالهم. [9] وفي التفسير المذكور، في قوله تعالي: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ،[10] قال: هو الاستفهام، لانّ الله وعد النار أن يملاها، فتمتلي النار فيقول لها هل امتلات؟ وتقول: هل من مزيد؟ علی حدّ الاستفهام، أي لَيْسَ فِيَّ مَزِيد. قال: فتقول الجنّة: يا ربِّ وعدتَ النار أن تملاها ووعدتني أن تملاني، فلِمَ لا تملاني وقد ملاتَ النار؟ قال: فيخلق الله خلقاً يومئذٍ يملا بهم الجنّة. قال أبو عبد الله ( الصادق ) علیه السلام: طوبي لهم أ نّهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها. [11] وجاء في التفسير المذكور، في قوله تعالي: تَصْلَي' نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَي' مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ، قال: تَصْلَي: وجوههم. نَارًا حَامِيَةً تُسْقَي مِن عَيْنٍ ءَانِيَةٍ،قال: لها أنين من شدّة حرّها. لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ، قال: عرق أهل النار وما يخرج من فروج الزوانيّ. [12] العذاب الشديد للمعتدين والمتكبّرينوفي التفسير المذكور، في قوله تعالي: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ، [13] قال: حدّثنا سعيدبن محمّد، قال: حدّثنا بكربن سهل، عن عبدالغنيّبن سعيد، عن موسيبن عبدالرحمن، عن ابن جُرَيح، عن عطاء، عن ابن عبّاس في قوله: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ: يريد أُوقدت للكافرين. والجحيم النار الاعلی من جهنّم. والجحيم في كلام العرب ما عَظُم من النار، كقوله تعالي: ابْنُوا لَهُ و بُنْيَـ'نًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ، [14] يريد النار العظيمة. [15] وروي في نفس التفسير عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن ابن بكير، عن أبي عبدالله ( الصادق ) علیه السلام، قال: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِياً لِلْمُتَكَبِّرِينَ يُقَالُ لَهُ «سَقَرُ» شَكَا إلی اللَهِ شِدَّةِ حَرِّهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ. [16] وروي الكلينيّ هذه الرواية بهذا السند في كتابه « الكافي »، [17] ورواها الصدوق في « عقاب الاعمال » عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عُمير، عن ابن بُكير، عن أبيعبدالله الصادق علیه السلام. [18] وروي القمّيّ في تفسيره عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن منصوربن يونس، عن أبيعبدالله ( الصادق ) علیه السلام، قال: إنّ في النار لناراً يتعوّذ منها أهل النار، ما خُلقت إلاّ لكلّ متكبّر جبّار عنيد، ولكلّ شيطان مريد، ولكلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب، ولكلّ مَن ناصب العداء لآل محمّد. وقال: إنّ أهون الناس عذاباً يوم القيامة لرجلٌ في ضحضاح من نار، علیه نعلان من نار وشراكان من نار يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل، ما يري أنّ في النار أحداً أشدّ عذاباً منه، وما في النار أحد أهون عذاباً منه. [19] بكلّ تأكيد أنّ عذاب جهنّم الشديد الاليم ليختصّ بالمعتدين الذين يغتصبون حقوق الضعفاء، وبالمتجبّرين والمتكبّرين والمستكبرين الذين يعيثون في الدنيا فساداً ويُشيعون فيها الفتنة، ويسفكون الدماء، ويقتلون الابرياء الضعفاء فتسيل دماؤهم في الصحاري والوديان. ولو أُطيل في عمر هؤلاء الظلمة أضعافاً مضاعفة، لما نكصوا عن نهجهم وسيرتهم. وقد شوهد أنّ كثرة اعتداءات السلاطين الجائرين والحكّام المتجبّرين والعلماء الخونة ونظائرهم بما تفوق العدّ والحصر، وهم لايتورّعون عن ارتكاب أيّ ظلم وجور وتكبّر وغصب للحقوق. ولذلك، فلو شاهدنا في الرواية ـ كما رأينا فعلاًـ أنّ الدموع تسيل فوق وجوه أصحاب النار جداولاً، ثمّ تنقطع الدموع فتسيل الدماء؛ أو أنّ الصديد يخرج من المعتدين مثل الوادي من شدّة الحزن، لما كان ذلك مدعاةً للعجب، لانّ ذلك ممّا كسبت أيديهم، وَأَنَّ اللَهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. وتجسّد جهنّم ظهور هذه النوايا والاعتداءات الدنيوية وبروزها وتجلّيها مثلاً بمثل؛ ولو قدّر لتلك النوايا الفاسدة والاعمال القبيحة والعقائد الباطلة أن تُنشـر في هذا العالم، فتظهر في صـورها الملكوتيّة، لكانت نفسجهنّم المتّقدة المسجّرة ونفس الوديان الجهنميّة الطافحة بالصديد والضريع. التابوت والعذاب للحكّام الجائرينروي الصدوق في « عقاب الاعمال » عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّدبن الحسين، عن محمّد بن عبدالله بن هلال، عن عقبةبن خالد، عن مَيْسَر، عن أبي جعفر ( الباقر ) علیه السلام، قال: إنَّ فِي جَهَنَّمَ لَجَبَلاً يُقَالُ لَهُ: الصَّعْدَي؛ وَإنَّ فِي الصَّعْدَي لَوَادِياً يُقَالُ لَهُ سَقَرُ؛ وَإنَّ فِي سَقَرَ لَجُبَّاً يُقَالُ لَهُ هَبْهَبُ؛ كُلَّمَا كُشِفَ غِطَاءُ ذَلِكَ الجُبِّ، ضَجَّ أَهْلُ النَّارِ مِنْ حَرِّهِ؛ وَذَلِكَ مَنَازِلُ الجَبَّارِينَ. [20] وجاء في « تفسير علیّ بن إبراهيم » في تفسير قوله تعالي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قال: الفلق جُبّ في جهنّم يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه، فسأل الله أن يأذن له أن يتنفّس، فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم. قال: وفي ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ أهل الجبّ من حرّ ذلك الصندوق، وهو التابوت. وفي ذلك التابوت ستّة من الاوّلين وستّة من الآخرين؛ فأمّا الستّة التي من الاوّلين، فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم الذي ألقي إبراهيم في النار، وفرعون موسي، والسامريّ الذي اتّخذ العجل، والذي هوّد اليهود، والذي نصّر النصاري؛ وأمّا الستّة التي من الآخرين فهو الاوّل والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم لعنهم الله. وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ؛ قال: الذي يُلقي في الجبّ فيه يقب ( يغيب فيهظ ).[21] أجل، حين ينشغل قلب الإنسان بغير الله عزّ وجلّ، فإنّ الخواطر الشيطانيّة سوف لن تبرح تهاجم فكره، وسيهاجمه الهمّ المستمرّ بشكلٍ أو بآخر. وكلّما زاد الإنسان عن الله تعالي بُعداً، اشتدت تلك الافكار، وظهرت يوم القيامة في شرر شديد التطاير. قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: مَنْ أَصْبَحَ وَأَكْبَرُ هَمِّهِ الدُّنْيَا، أَلْزَمَ اللَهُ قَلْبَهُ شُغْلاً لاَ فَرَاغَ لَهُ مِنْهُ أَبَداً، وَهَمَّاً لاَ يَنْقَطِعُ عَنْهُ أَبَداً، وَأَمَلاً لاَ يَبْلُغُ مُنْتَهَاهُ أَبَداً، وَفَقْراً لاَ يَنَالُ غِنَاهُ أَبَداً، وَإنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللَهِ فِي شَيءٍ. [22] شجرة الزقّوم طعام الضالّين والمكذّبينواعلم أنّ كلمة الزقّوم قد وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: أولها: الآيات 62 إلی 68، من السورة 37: الصافّات: أَذَ ' لِكَ ( المقام الذي وعده الله أصحاب الجنّة من المخلصين ) خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَـ'هَا فِتْنَةً لِّلظَّـ'لِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي´ أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا ( فِي قُبحه وخُبثه ) كَأَ نَّهُ و رُءُوسُ الشَّيَـ'طِينِ * فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِـُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ علیهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَي الْجَحِيمِ. والثاني: الآيات 43 إلی 49، من السورة 44: الدخان: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الاْثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ( ثمّ يأتي الخطاب الغاضب من الله تعالي للملائكة أن ) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَي' سَوَآءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ( ثمّيُقال له سخريّةً واستهزاءً ) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. والثالث: الآيات 41 إلی 57، من السورة 56: الواقعة: وَأَصْحَـ'بُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَـ'بُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَ ' لِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ علی الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَنءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـ'مًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ ءَابَآؤُنَا الاْوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الاْوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَي' مِيقَـ'تِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِـُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَـ'رِبُونَ علیهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَـ'رِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَـ'ذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَـ'كُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ. والخلاصة، فإنّ شجرة الزّقوم ـكما في الرواية الواردة في التفسير المنسوب إلی الإمام الحسن العسكريّ علیه السلامـ تقابل شجرة طوبي؛ فشجرة طوبي تجسّد الطهر والطهارة والغضارة والقداسة والخير والبركة والرحمة، أمّا منشؤها وأصلها فهو الولاية، كما مرّ. أمّا شجرة الزقّوم فتجسّد القذارة والرجس والنجاسة والذلّة والنكبة والمشقّة وانعدام الرحمة؛ فيكون أصلها ـ تبعاً لذلك ـ هو البُعد عن الولاية والسعادة، وهي في النتيجة شجرة الشقاء والخسران. وستخترق فروع شجرة الزقّوم قلب كلّ امري بمقدار ما يحتوي من شكّ وشرك ورجس باطنيّ، وبمقدار ما ينطوي علیه من خيانة وجريمة واعتداء وظلم واستكبار. وستمتد جذور هذه الشجرة في سويداء القلب بذلك القدر المذكور. كلّ ذنب يرتكبه المرء يمثّل تعلّقاً بغصن من شجرة الزقّومجاء في التفسير المنسوب إلی الإمام الحسن العسكريّ علیه السلام ضمن حديث طويل عن رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم قال فيه: والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، وإنّ مَن تعاطي باباً من الشرّ والعصيان في هذا اليوم ( الاوّل من شعبان ) فقد تعلّق بغصنٍ من أغصان الزقّوم فهو مؤدّيه إلی النار. ثمّ قال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، فمن قصّر في صلاته المفروضة وضيّعها، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يشكو إليه سوء حاله، وهو يقدر علی تغيير حاله من غير ضرر يلحقه وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه، فتركه يضيع ويعطب ولم يأخذ بيده، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومَن اعتذر إليه مسيء فلم يعذره، ثمّ لم يقتصر به علی قدر عقوبة إساءته، بل أربي علیه، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومَن أفسد بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو الاخ وأخيه، أو القريب وقريبه، أو بين جارينِ أو خليطين أو أجنبيّينِ، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن شدّد علی معسر وهو يعلم إعساره فزاد غيظاً وبلاء، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن كان علیه دَين فكسره علی صاحبه وتعدّي علیه حتّي أبطل دَينه، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن جفي يتيماً وآذاه وتهضّم ماله، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن وقع في عِرض أخيه المؤمن وحَمَلَ الناس علی ذلك، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن تغنّي بغناء حرام يبعث فيه علی المعاصي، فقد تعلّق بغصن منه. ومن قعد يعدّد قبائح أفعاله في الحروب وأنواعَ ظُلمه لعباد الله فافتخر بها، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن كان جاره مريضاً فترك عيادته استخفافاً بحقّه، فقد تعلّق بغصنٍ منه. ومن مات جاره فترك تشييع جنازته تهاوناً به، فقد تعلّق بغصن منه. ومن أعرض عن مصاب وجفاه إزراءً علیه واستصغاراً له، فقد تعلّق بغصن منه. ومن عقّ والديه أو أحدهما، فقد تعلّق بغصن منه. ومن كان قبل ذلك عاقّاً لهما فلم يُرضِهما في هذا اليوم وهو يقدر علی ذلك، فقد تعلّق بغصنٍ منه. وكذا مَن فَعَلَ شيئاً من سائر أبواب الشرّ، فقد تعلّق بغصنٍ منه. والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، إنّ المتعلّقين بأغصان شجرة الزقّوم تخفضهم تلك الاغصان إلی الجحيم. [23] ويستنتج ممّا سبق أنّ جهنّم هي محلّ صدور القبائح وورودها، وأنّ كلّ امري ينطوي علی تلك القبائح بأيّ قدر أو صورة كانت، سواء في العقائد أم الملكات والاخلاق والصفات، أم في الاعمال والسلوك، وحتّي في النوايا والرغبات الباطنيّة المجرّدة، فإنّه إذا اقترن بذلك القبح والشرك والعناد والانحراف عن الحقّ، ولم يتطهّر منها في المنازل التي تسبق القيامة، من مصائب الدنيا، وسكرات الموت، وعذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، أو من خلال التوبة والشفاعة وغيرها؛ فإنّه سيقترن بالنار ويكون توأماً لها. ولذلك فقد مَثّل كلّ باب من أبواب جهنّم نوعاً من أنواع الانحراف والاعتداء في أحد هذه المراحل. يروي المجلسيّ رضوان الله علیه عن كتاب « فضائل ابن شاذان » وعن كتاب « الروضة » بإسناده مرفوعاً عن عبدالله بن مسعود، عن رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم ضمن حديث المعراج، قال: ... وَرَأَيْتُ علی أَبْوَابِ النَّارِ مَكْتُوباً علی البَابِ الاَوَّلِ ثَلاَثُ كَلِمَاتٍ: مَنْ رَجَا اللَهَ سَعِدَ. وَمَنْ خَافَ اللَهَ أَمِنَ. وَالهَالِكُ المَغْرُورُ مَنْ رَجَا غَيْرَ اللَهِ، وَخَافَ سِوَاهُ. وَعلی البَابِ الثَّانِي: مَنْ أَرَادَ أَنْ لاَ يَكُونَ عُرْيَاناً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلْيَكْسِ الجُلُودَ العَارِيَةَ فِي الدُّنْيَا. مَنْ أَرَادَ أَنْ لاَ يَكُونَ عَطْشَاناً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلْيَسْقِ العِطَاشَ فِي الدُّنْيَا. مَنْ أَرَادَ أَنْ لاَ يَكُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ جَائِعاً، فَلْيُطْعِمِ البُطُونَ الجَائِعَةَ فِي الدُّنْيَا. وَعلی البَابِالثَّالِثِ مَكْتُوبٌ: لَعَنَ اللَهُ الكَاذِبِينَ؛ لَعَنَ اللَهُالبَاخِلِينَ؛ لَعَنَ اللَهُ الظَّالِمِينَ. وَعلی البَابِ الرَّابِعِ مَكْتُوبٌ ثَلاَثُ كَلِمَاتٍ: أَذَلَّ اللَهُ مَنْ أَهَانَ الإسلام؛ أَذَلَّ اللَهُ مَنْ أَهَانَ أَهْلَ البَيْتِ؛ أَذَلَّ اللَهُ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمِينَ فِي ظُلْمِهِمْ لِلْمَخْلُوقِينَ. وَعلی البَابِ الخَامِسِ مَكْتُوبٌ ثَلاَثُ كَلِمَاتٍ: لاَ تَتَّبِعُوا الهَوَي، فَالهَوَي يُخَالِفُ الإيمان؛ وَلاَ تُكْثِرْ مَنْطِقَكَ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ، فَتَسْقُطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَهِ؛ وَلاَ تَكُنْ عَوْناً لِلظَّالِمِينَ. وَعلی البَابِ السَّادِسِ مَكْتُوبٌ: أَنَا حَرَامٌ علی المُجْتَهِدِينَ؛ أَنَا حَرَامٌ علی المُتَصَدِّقِينَ؛ أَنَا حَرَامٌ علی الصَّائِمِينَ. وَعلی البَابِ السَّابِعِ مَكْتُوبٌ ثَلاَثٌ كَلِمَاتٍ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا؛ وَوَبِّخُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوَبَّخُوا؛ وَادْعُوا اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَرِدُوا علیهِ وَلاَ تَقْدِرُوا علی ذَلِكَ. [24] عذاب قتلة الإمام الحسين علیه السلاموننهي هذا البحث الشريف برواية عن عذاب قَتَلة الحسين علیه السلام وأبنائهم من بني أُميّة لعنهم الله جميعاً، فقد روي فراتبن إبراهيم في تفسيره عن ابن عبّاس، عن أميرالمؤمنين علیه السلام، قال: دخل رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم ذات يوم علی فاطمة وهي حزينة ثمّ ينقل كلاماً مفصّلاً عن رسول الله في أحوال القيامة، حتّي يصل إلی قوله: فَتَقُولِينَ: يَارَبِّ! أَرِنِي الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَيَأْتِيَانِكِ وَأَوْدَاجُ الحُسَيْنِ تَشْخَبُ دَماً، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبِّ! خُذْ لِيَ اليَوْمَ حَقِّي مِمَّنْ ظَلَمَنِي! فيغضب عند ذلك الجليل، ويغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنّم عند ذلك زفرة، ثمّ يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم، ويقولون: يا ربّ! إنّا لم نحضر الحسين. فيقول الله لزبانية جهنّم: خذوهم بسيماهم بزرقة الاعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الاسفل من النار، فإنّهم كانوا أشدّ علی أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه، فتسمعين أشهقتهم في جهنّمـ الحديث. [25]
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظيم وصلَّي الله علی محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: كَلاَّ ( ليس هذا القرآن من أساطير الاوّلين ) بَلْ رَانَ علی' قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( فأضحت قلوبهم ظلمانيّة، وصاروا لا يفقهون آيات الله عزّ وجلّ ) كَلآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ( فقد حاكوا حولهم شرنقة من حجاب الجهل والغفلة ) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ [26] * ثُمَّ يُقَالُ هَـ'ذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ. [27] قال أمير المؤمنين علیه السلام في « نهج البلاغة »: فَبَادِرُوا المَعَادَ ( فهو معادكم إلی ربّ العالمين وخالقهم ) وَسَابِقُوا الآجَالَ! فَإنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الاَمَلُ، وَيَرْهَقَهُمُ الاَجَلُ، وَيُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ. فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إلَيْهِ الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ( أي أ نّكم تمتلكون ما سأله الموتي ) وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ علی سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ! وَقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالارْتِحَالِ، وَأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ. وَاعْلَمُوا أَ نَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ علی النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا. أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، وَالعَثْرَةِ تُدْمِيهِ، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ؟ فَكَيْفَ إذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ [28] مِنْ نَارٍ، ضَجِيعَ حَجَرٍ وَقَرِينَشَيْطَانٍ؟ أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إذَا غَضِبَ علی النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ، وَإذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ ـالخطبة. [29] والخلاصة، فانّ ما تفيده الابحاث السابقة هو أنّ جهنّم تمثّل الحجاب، وأنّ الحجاب هو الغفلة عن ذكر الله تعالي، وأنّ آثار ذلك الحجاب تتجلّي في هيئة خاصّة في كلّ واحد من العوالم والنشآت تعذّب ذلك الشخص الغافل المحجوب، وأنّ أمثال هذا الشخص محرومون من الحياة الحقيقيّة الاُخرويّة. أصل جهنّم هو اليأس من رحمة اللهيَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَهُ علیهِمْ قَدْ يَنءِسُوا مِنَ الاْخِرَةِ كَمَا يَئِسَوا الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـ'بِ الْقُبُورِ. [30] وَلاَ تَايْـَسُوا ( والكلام ليعقوب النبيّ يخاطب به بنيه ) مِن رَّوحِ اللَهِ إِنَّهُ و لاَ يَايْـَسُ مِن رَّوْحِ اللَهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَـ'فِرُونَ. [31] وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ اللَهِ وَلِقَآئِهِ أُولَـ'ئِِكَ يَنءِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَـ'ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. [32] وتفيد هذه الآيات بأنّ أساس الكفر والشرك يقوم علی عدم التوكّل علی الله تعالي، واليأس من رحمته عزّ وجلّ؛ بحيث لايري العبد أنّ له ارتباطاً وثيقاً به سبحانه، بل إنّه قد لايري ذلك الارتباط أصلاً، ولايشاهد شموله بألطاف الله ورحمته اللامتناهيينِ، ولا يعيش علی أمل لقائه عزّ وجلّ. وكما نعلم ـ من جهة أُخري ـ أنّ دار الآخرة هي عين الرحمة الإلهيّة ومنبع كلّ جمال وكمال، وأ نّها تجسّد الحياة المحضة، وأنّ رحمة الله تعالي قد شملت جميع العوالم، بَيدَ أنّ رحمته الخاصّة قد اختصّت بالمؤمنين والمتّقين دون غيرهم. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ. [33] وتبيّن هذه الآية أنّ جميع الموجودات، وجميع ما يمكن أن يُطلق علیه اسم شيء مشمول بالرحمة الإلهيّة العامة وبفيض الله المقدّس؛ حتّي أنّ تلك الرحمة وذلك الفيض ليعمّان المشركين والمعاندين أيضاً. أمّا رحمة الله الخاصّة، فلا تشمل غير المؤمنين والمتقين. وبناء علی ذلك، فإنّ أصحاب النار مشمولون بالرحمة في عين حرمانهم منها. وهذا الحرمان هو الحجاب الذي أُلقي علیهم فحجزهم عن الإقرار بتوحيد الحضرة الاحديّة المقدّسة وعرفانها. وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ. [34] فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ و بَابٌ بَاطِنُهُ و فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَـ'هِرُهُ و مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَي'. [35] ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ المنافقين محرومون من الرحمة في نفس الوقت الذي تشملهم فيه؛ لانّ تلك الرحمة الخاصّة تقع في باطن الحجاب والباب والسور، وهؤلاء البائسون عاجزون عن تخطّي ظاهر هذا السور وإيصال أنفسهم إلی باطنه، من أجل نيل تلك الرحمة الخاصّة. الكفّار والمشركون يتخبّطون في حجاب الاوهامإنّ أصحاب النار يرزحون معذّبين في ظاهر الحجاب والسور؛ وحجابهم هو الذي يحرمهم من نعيم الباطن. ثمّ إنّ ظاهر ذلك الحجاب هو ذات الشيء الذي يُعذَّبُونَ به. وقد ذكر الله تعالي بأنّ أصحاب النار يعذّبون علی أنواع أعمالهم السيّئة القبيحة، وبما أنّ أعمال أصحاب النار مختلفة ومتفاوتة، فإنّ عذابهم مختلف ومتفاوت أيضاً. والاصل والاساس الذي تتشعّب منه أنواع العذاب المختلفة هو أساس الحجاب، وهو الغفلة ونسيان ذكر الله عزّوجلّ؛ قال تعالي: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُولَـ'ئِكَ كَالاْنْعَـ'مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَـ'ئِكَ هُمُ الْغَـ'فِلُونَ. [36] وتبيّن الآية التي أوردنا في مطلع حديثنا: كَلآ إِنَّهُمْ عَن رَّبّـِهِمْ يَوْمَنءِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ، أنّ أصحاب النار موقوفون في حجاب أعمالهم ومبتلون به. فقد سبقها قوله تعالي: كَلاَّ بَلْ رَانَ علی' قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ. ولذلك فإنّ جميع الاعمال التي تُفعل في هذا الحجاب ولاتتعدي الظاهر ستكون سراباً بلا حقيقة ولا واقعيّة، وستكون باطلة لا نّها متفاوتة مع أصالة الواقع ومتنه الذي هو أساس التوحيد. وهي باطلٌ قد تَمثّل لفاعله في صورة حقّ، بَيد أ نّه ليس حقّاً. ومثوي الباطل ومآله جهنّم، حيث يضحي طعمة للنار التي تتلقّفه لتحرقه وتُحيله هباء منثوراً. وَقَدِمْنَآ إِلَي' مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـ'هُ هَبَآءً مَّنثُوراً. [37] وَالَّذِينَ كَفَرُو´ا أَعْمَـ'لُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْـَانُ مَآءً حَتَّي'´ إِذَا جَآءَهُ و لَمْ يَجِدْهُ شَـيْـًا وَوَجَدَ اللَهَ عِندَهُ و فَوَفَّب'هُ حِسَـابَهُ و وَاللَهُ سَـرِيعُ الْحِسَابِ. [38] أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ. [39] وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّـَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَـ'ئِكَ هُوَ يَبُورُ. [40] وَزُيِّنَ ذَ ' لِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا. [41] والخلاصة، فإنّ هذه الآيات وكثير من الآيات الاُخري المماثلة، تُفيد في مجموعها بأنّ منزلة أهل الدنيا والكفّار والمشركين والمعاندين والمعتدين وأصحاب النار لا تتعدي سراب الاوهام، وأ نّهم لايبلغون الحقيقة مطلقاً، ولا يتعدّون الظاهر لبلوغ الباطن ـولو خطوة واحدةـ وأ نّهم يعيشون في البوار محرومين من الحياة الحقيقيّة. كما تفيد بأنّ محلّ السراب والمجاز والاوهام والخيالات الباطلة والتصوّرات الوهميّة إنّما يرجع إلی الدنيا التي هي عيش الغرور والحياة السرابيّة الاعتباريّة: وَمَا الْحَيَو'ةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَـ'عُ الْغُرُورِ. [42] وعلی هذا الاساس فالحياة الدنيا ـ التي هي الحياة الحيوانية الوضيعة باعتبار قيامها علی أساس الخديعة والغرور ـ ترتبط بجهنّم ارتباطاً خاصّاً؛ وهو ما تفيده الآية الكريمة التالية: لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَـ'نَ فِي´ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَـ'هُ أَسْفَلَ سَـ'فِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ. [43] الآيات الواردة في أنّ وقود جهنّم من الناس والحجارةويتّضح ممّا بيّنا معني ومضمون كثير من الآيات الاُخري الدالّة علی أنّ وقود جهنّم من الناس ومن المعبودات المصطنعة؛ كالآية 24، من السورة 2: البقرة: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـ'فِرِينَ. والآية 6، من السورة 66: التحريم: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُو´ا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُـودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَـارَةُ علیهَا مَلَـ'´نءِكَةٌ غِلاَظٌ شِـدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. والآية 10، من السورة 3: آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَ ' لُهُمْ وَلآ أَوْلَـ'دُهُم مِّنَ اللَهِ شَيْـًا وَأُولَـ'ئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ. والآية 98، من السورة 21: الانبياء: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَ ' رِدُونَ. وكما صار معلوماً فإنّ الإنسان يُلقي في النار ويهوي في جحيمها بعصيانه للّه تعالي، وغفلته عن ذكره، ونسيانه إيّاه، حيث إنّ هذا العنوان هو المحجوبيّة التي هي عين النار والجحيم. بَيد أنّ علینا أن نري: لماذا تُلقي الحجارة في نار جهنّم يا تري؟ من الجليّ أنّ المراد بالحجارة هو هذه الاصنام والتماثيل التي تُنحت فتُعبد، لانّ نفس الخشب والطين والحجارة وسائر ما يُستخدم لنحت الاصنام ليس لها من ذنب يستوجب دخولها النار. ولكن بقليل من التأمّل في هذه الآيات سيبيّن أنّ المُلقي في نار جهنّم والمستحقّ للخلود فيها إنّما هو: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَهِ؛ أي نفس المعبود الذي يُعبد من دون الله تبارك وتعالي. أي أنّ المعبوديّة من دون الله، التي هي وليدة ذهن عابد الاصنام هي الجهة التي تحترق في النار. ومن هنا، فإنّ نفس الإنسان وما تلذه نفسه ( وهو التخيّل الموهوم لمعبود سوي الله تعالي ) سيُلقي في جهنّم فيحترق، وهو حصب جهنّم ووقودها. وعلی الرغم من أنّ الاصنام ليست مذنبة من تلقاء أنفسها، إلاّ أنّ صورتها الخياليّة المعبودة في ذهن العابدين هي التي تمثّل الذنب، وهي التي ينبغي أن تحترق، لا نّها مَعْبُودٌ سِوَي اللَهِ تَعَالَي. أمّا لو كانت الآلهة المعبودة ذات نفس ناطقة وإرادة واختيار، وكانت تدعو قومها لعبادتها، كفراعنة مصر، وقياصرة الروم، وخاقانات الصين، وسلاطين إيران وملوكها الذين كانوا يأمرون الناس بعبادتهم، والذين كان أحدهم يعدّ نفسه فَعَّالاً لِمَا يَشَاءُ وَحَاكِماً لِمَا يُرِيدُ؛ فمن الجليّ أنّ أُولئكم مِمَّنْ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَهِ، وممّن ينبغي أن يُلقي في النار فيحترق فيها. الصالحون الذين صاروا معبودين ليسوا حصب جهنّمبَيد أنّ بعض المعبودين من ذوي النفس الناطقة والإرادة والاختيار لميدعوا الناس إلی عبادتهم قطّ، بل الناس هم الذين تخيّلوهم معبودين عن عمي وجهالة، واعتقدوا أنّ فيهم شيء من الربوبيّة علی الرغم من أنّ هؤلاء المعبودين كانوا يُنكرون ذلك ويحاربونه، كالملائكة التي عدّها بعض الناس بنات للّه، وكالنبيّ عيسي ابن مريم، وكعزير، اللذين طَهُرتْ أذيالُهما عن دنس دعوة الناس إلی عبادتهما، واللذين كانا في نفور وألم وانزعاج من عبادة بعض الناس لهما، لانّ من مستلزمات مقام قربهما وخلوصهما، أن لايعدّا نفسيهما معبودينِ. وقد نزع الناس من تلقاء أنفسهم إلی عبادتهما وعدّهما مستقلّينِ في الاُمور، فقالت النصاري بإلوهيّة المسيح وعدّوه ولداً للّه سبحانه أو ثالث ثلاثة؛ وقالت اليهود بأنّ عزيراً ابن للّه؛ فعبدوهما وعكفوا علی عبادتهما. أفينبغي والحال هذه أن يُحرقا في النار كمصداق لِلْمَعْبُودِ مِنْ دُونِ اللَهِ تَعَالَي؟ كلاّ وحاشا. ذلك أنّ المعبوديّة لم تكن من جهتهما، ولانّ الناس هم الذين عدّوهما معبودينِ دون أن يكون لهما دخلاً في هذا الامر القبيح الذي فعله القوم. فبأيّ ذنب وجريرة يُلقيان في النار؟! ولذلك، فقد أعقبت هاتين الآيتينِ من سورة الانبياء: لَوْ كَانَ هَـ'´ؤُلآءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَـ'لِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ؛ آيةٌ أُخري جاءت لإيضاح هذا المعني، وهي قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَي'´ أُولَـ'ئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ. [44] أي أنّ عزيراً وعيسي والملائكة ونظائرهم من عبادالله الصالحين الذين أقرّ الله تعالي أمر خلوصهم وإخلاصهم وقُربهم وصواب عملهم وقولهم، وعدمتدنّسهم بشائبة من ادّعاء للربوبيّة، أو ادّعاء للـ « أنا »، هم مستثنون من هذه القاعدة، وأ نّهم لن يكونوا حصب جهنّم ووقودها. ذكر الشيخ الطبرسيّ في تفسيره: لمّا نزلت هذه الآية ( أي آية إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَ ' رِدُونَ) أتي عبداللهبن الزبعري[45] رسولالله صلّي الله علیه وآله وسلّم وقال: يامحمّد! ألستَ تزعم أن عُزيراً رجل صالح، وأنّ عيسي علیه السلام رجل صالح، وأنّ مريم امرأة صالحة؟ قال: بلي. قال: فإنّ هؤلاء يُعْبَدون من دون الله، فهم في النار. فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَي'´ أُولَـ'ئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ. ] ثمّ قال [ أي أنّ الذين سبقت لهم منّا الحسني: عيسي وعزير ومريم والملائكة الذين عُبدوا من دون الله وهم كارهون، استثناهم من جملة: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَهِ. [46] علماً أنّ لفظ الاستثناء لم يرد في الرواية، بل هو من كلام الشيخ الطبرسيّ، وما جاء في الرواية هو أ نّهم من مصداق الآية الشريفة: الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَي'. وعلیه، فهم بعيدون عن جهنّم. ويمكن استنتاج موضوع مهمّ في هذا الشأن من خلال التأمّل والتعقّل، وهو أنّ الآية لا تضمّ استثناءً ما. ولبيان هذا المطلب نقول: إنّ الاحكام العقليّة والقوانين والاحكام الشرعيّة القائمة علی الاُسس العقليّة، وليس فيها من معني للاستثناء. وإذا ما شاهدنا أمراً في هيئة استثناء، فما هو إلاّ استثناء صوريّ ليس إلاّ، أمّا حقيقة فليس ثمّة من استثناء يذكر. إنّ المَعْبُودَ مِنْ دُونِ اللَهِ ينبغي أن يكون حصب جهنّم، ولايمكن لهذا الامر أن يطرأ علیه الاستثناء. وبناء علی أساس هذه القاعدة العامّة، فكلّ من يحمل في نفسه شائبة من « الانا »، فإنّ تلك « الانا » ستكون الحجاب الذي يحجبه، وستؤدّي به إلی جهنّم. فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَـ'طِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. [47] ويبيّن تخاطب أصحاب الجنّة وأصحاب النار أنّ حقيقة جهنّم هي ظهور البُعد عن رحمة الحقّ تعالي، الذي يستتبع الحسرة والندامة؛ وأ نّها ناشئة من حجاب الاستكبار والانانيّة والجهل بالحقّ سبحانه وتعالي. فقد ورد في الآيات 165 إلی 167، من السورة 2: البقرة: وَلَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُو´ا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاْسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَ ' لِكَ يُرِيهِمُ اللَهُ أَعْمَـ'لَهُمْ حَسَرَ ' تٍ علیهِمْ وَمَا هُم بِخَـ'رِجِينَ مِنَ النَّارِ. تخاطب أصحاب النار مع بعضهموجاء في الآيات 46 إلی 50، من السورة 40: المؤمن: ( يخاطب الله تعالي ملائكته قائلاً: ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُو´ا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـ'´ؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُو´ا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُو´ا إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُو´ا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَـ'تِ قَالُوا بَلَي' قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَـ'´ؤُا الْكَـ'فِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلَـ'لٍ. وجاء في الآيات 64 إلی 68، من السورة 33: الاحزاب: إِنَّ اللَهَ لَعَنَ الْكَـ'فِرِينَ وَأَعَـدَّ لَهُمْ سَـعِيرًا * خَـ'لِـدِينَ فِيهَآ أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَـ'لَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ * وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ * رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا. وجاء في الآيات 27 إلی 29، من السورة 41: حم السجدة: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَ ' لِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِـَايَـ'تِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الاْسْفَلِينَ. ومن أجلي الآيات التي تظهر الفرق بين الجنّة والنار، وتميّز بين أصحابهما، وتُلقي الضوء علی العلاقة بين أعمالهم وجزائهم، سواء كانت تلك الاعمال حسـنةً أم قبيحة، الآيات 34 إلی 41، من السـورة 79: الصافّات: فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَي' * ( وهي حادثة يوم القيامة ) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسَـ'نُ مَا سَعَي' * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَي' * فَأَمَّا مَن طَغَي' وَءَاثَرَ الْحَيَو'ةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَي' * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَي النَّفْسَ عَنِ الْهَوَي' * فَإنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَي'. عذاب الكفّار الذين يفعلون الخيرات أقلّ شدّةوعلی أساس هذه القاعدة، فإنّ مَن قلّ التفاته إلی الدنيا، وأعرض عن زينتها، وعظم انشغاله بأعمال الخير، كان أبعد عن النار، حتّي لو كان ذلك الشخص مشركاً، لانّ نفس عمل الخير يستدعي في حدّ ذاته تخفيف العذاب. روي الراونديّ في كتابه « النوادر » بإسناده عن الإمام موسي بن جعفر، عن آبائه علیهم السلام، قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً ابْنُ جَذْعَانَ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَهِ! وَمَا بَالُ ابْنِ جَذْعَانَ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً؟ قَالَ: إنَّهُ كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ.[48] وروي الكلينيّ عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّدبن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن عبيداللهبن الوليد الوصّافيّ، عن أبي جعفر ( الباقر ) علیه السلام، قال: إنّ مؤمناً كان في مملكة جبّار، فولع به، فهرب منه إلی دار الشرك، فنزل برجلٍ من أهل الشرك فأظلّه وأرفقه وأضافه، فلمّا حضره الموت أوحي الله عزّ وجلّ إليه: وعزّتي وجلالي لو كان لك في جنّتي مسكن لاسكنتُك فيه، ولكنّها محرّمة علی مَن ماتَ بي مشركاً، ولكن يا نار هيديه[49] ولاتؤذيه، ويؤتي برزقه طرفي النهار. قلت ( والكلام لراوي الحديث عبد الله الوصّافيّ ): من الجنّة؟ قال: من حيث شاء الله. [50] إنّ سبيل الجنّة هو صراط النفس المستقيم صوب مقام الفعلیة وكمال العرفان الإلهيّ؛ وسبيل جهنّم هو الانحراف عن هذا السبيل بأيّ شكل ونحوٍ كان. وعلی الناس أن يصلوا في تشخيص هذا السبيل إلی درجة العقل والإدراك والتفقّه في الدين، أو أن يُتابعوا الوليّ الكامل والفقيه النبيه، من أجل أن يتخطّوا ذواتهم خارجاً، وليدخلوا في حرم الله من خلال طيّ هذا السبيل. وليس أمام الناس من سبيل ثالث، اللهّم إلاّ سبيل النار والانحراف والهلكة. ( لقد اعترف أصحاب النار يوم القيامة فـ ) قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَـ'بِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ ( بأ نّهُ كان ينبغي علیهم إمّا أن يطووا السبيل إلی الله ويرفعوا الحجب الظلمانيّة والنورانيّة بالاعتماد علی أنفسهم بصورة مستقلّة، أو أن يعمدوا إلی الطاعة والمتابعة، فيتمسّكوا بالتقليد المحض ) فَسُحْقًا لاِصْحَـ'بِ السَّعِيرِ. [51] لكنّ الحجاب الذي يحجب العبد عن الله تعالي، والغفلة عن ذكره عزّ وجلّ، لهما صور وأشكال مختلفة، ولهما درجات تتراوح بين الشدّة والضعف. كما أنّ لكلّ درجة خاصّة من هذا الحجاب والحرمان عن لقاء الله سبحانه مظاهر ومجالات مختلفة. ويتّضح من الرواية المعراجيّة لرسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم التي كشفت له صلّي الله علیه وآله وسلّم كثيراً من مسائل الجنّة والنار، أمر الارتباط بين نوع الذنب ونوع الجزاء. ونورد في هذا المجال قسماً من هذه الرواية كما جاءت في كتاب « عيون أخبار الرضا ». [1] ـ «الخصال»للشيخ الصدوق، ج 2، ص 147، الطبعة الحجريّة؛ و«بحار الانوار» ج 8، ص 128. [2] ـ الآيات 65 إلي 67، من السورة 19: مريم. [3] ـ «تفسير القمّيّ» ص 216، الطبعة الحجريّة. [4] ـ «تفسير القمّيّ» ص 129. [5] ـ «تفسير القمّيّ» ص 348. [6] ـ الآية 15، من السورة 47: محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم. وانظر: «تفسير القميّ» ص 344 و 345. [7] ـ الآيات 19 إلي 22، من السورة 22: الحجّ. [8] ـ «تفسير القمّيّ» ص 437. [9] ـ «تفسير القمّيّ» ص 513. [10] ـ الآية 30، من السورة 50: ق. [11] ـ «تفسير القميّ» ص 645 و 646. [12] ـ «تفسير القمّيّ» ص 722. [13] ـ الآية 12، من السورة 81: التكوير. [14] ـ الآية 97، من السورة 37: الصافّات. [15] ـ ـ «تفسير القمّيّ» ص 713 و 714. [16] «تفسير القمّيّ» ص 579. [17] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 310. [18] ـ «عقاب الاعمال» ص 14، الطبعة الحجريّة. [19] ـ «تفسير القمّيّ» ص 585. [20] ـ «عقاب الاعمال» ص 43، الطبعة الحجريّة؛ و«بحار الانوار» ج 3، ص 377، طبعة الكمبانيّ، وفي الطبعة الحروفيّة: ج 8، ص 297؛ لكنّ في «عقاب الاعمال» ص 43، الطبعة الحجريّة، روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. [21] ـ «تفسير عليّ بن إبراهيم» ص 743 و 744. [22] ـ «أسرار الصلاة» للمرحوم آية الله الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ، ص 191، الطبعة الحروفيّة، سنة 1380 ه. [23] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 167 و 168، عن «تفسير الإمام العسكريّ». [24] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 145 و 146، الطبعة الحروفيّة. [25] ـ «تفسير فرات» ص 171 و 172؛ «بحار الانوار» ج 8، ص 172، الطبعة الحروفيّة. [26] ـ لَصَالُوا الْجَحِيمِ مضاف ومضاف إليه؛ و صَالُوا في الاصل صَالُونَ، وهي اسم فاعل جمع، من صَلِيَ يَصْلَي، صَليً و صِليً و صُلْياً و صِلْياً النَّارَ وَبِهَا: قَاسَي حَرَّهَا وَاْحتَرَقَ بِهَا. و صَالُونَ في الاصل صاليون، ثمّ سقطت الياء في الاءعلال. أمّا في باب: صَلَي يَصلِي صَلْياً اللَّحْمَ: شَوَاهُ فَاللَّحْمُ مَصْلِيٌّ. و فَلاَناً النَّارَ وَفِيهَا وَعَلَيْهَا: أَدْخَلَهُ إيَّاهَا وَأَثْواهُ فِيهَا. [27] ـ الآيات 14 إلي 17، من السورة 83: المطفّفون. [28] ـ طابق بفتح الباء كـ (هاجَر)، وبكسرها أيضاً كـ (صاحِب). [29] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 181، ص 347 و 348، طبعة مصر، تعليق الشيخ محمّد عبده. [30] ـ الآية 13، من السورة 60: الممتحنة. [31] ـ الآية 87، من السورة 12: يوسف. [32] ـ الآية 23، من السورة 29: العنكبوت. [33] ـ الآية 156، من السورة 7: الاعراف. [34] ـ الآية 46، من السورة 7: الاعراف. [35] ـ الآيتان 13 و 14، من السورة 57: الحديد. [36] ـ الآية 179، من السورة 7: الاعراف. [37] ـ الآية 23، من السورة 25: الفرقان. [38] ـ الآية 39، من السورة 24: النور. [39] ـ الآيتان 28 و 29، من السورة 14: إبراهيم. [40] ـ الآية 10، من السورة 35: فاطر. [41] ـ الآية 12، من السورة 48: الفتح. [42] ـ الآية 20، من السورة 57: الحديد. [43] ـ الآيات 4 إلي 6، من السورة 95: التين. [44] ـ الآية 101، من السورة 21: الانبياء. [45] ـ أورد المحدّث القمّيّ في «الكني والالقاب» ج 1، ص 283: ابن الزِّبَعْرَي بكسر الزاي وفتح الموحدّة وسكون العين؛ اسمه عبد الله وهو أحد شعراء قريش. كان يهجو المسلمين ويحرّض عليهم كفّار قريش في شعره، وهو الذي يقول في غزوة أُحد: يَا غُرَابَ البَيْن أَسْمَعْتَ فَقُلْ إنَّمَا تَنْدِبُ شَيْئاً قَدْ فُعِلْ الابيات؛ وهي التي تمثّل بها يزيد لمّا جيء برأس الحسين عليه السلام والاساري من أهل بيته، فوضع الرأس بين يديه ودعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام متمثلاً: لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الاَسَلْ وكان ابن الزبعري يهجو النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم ويعظّم القول فيه، وقصّته في الفرث والدم تقدّم في «أبوطالب»؛ فهرب يوم فتح مكّة، ثمّ رجع إلي رسول الله صلّيالله عليه وآله وسلّم واعتذر، فقبل صلّي الله عليه وآله وسلّم اعتذاره. فقال ابن الزبعري في أبيات كثيرة يعتذر فيها: إنِّي لَمُعْتَذِرٌ إلَيْكَ مِنَ الَّذِي أَسْدَيْتُ إذْ أَنَا فِي الضَّلاَلِ أَهِيمُ فَاغْفِرْ فِديً لَكَ وَالِدَايَ كِلاَهُمَا زَلَلِي فَإنَّكَ رَاحِمٌ مَرْحُومٌ وَلَقدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ حَقٌّ وَأَنَّكَ فِي العِبَادِ جَسِيمُ روي أ نّه لمّا نزل قوله تعالي «إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم»؛ قال ابن الزبعري: أما واللهِ لو وجدتُ محمّداً صلّي الله عليه وآله وسلّم لَخَصَمْتُهُ، فاسألوا محمّداً صلّيالله عليه وآله وسلّم أكلّ ما يُعبد مِن دون الله في جهنّم مع مَن عبده؟ فأُخبر النبيّ صلّيالله عليه وآله وسـلّم، فقال: يا ويل أُمّه! أما علم أنّ «ما» لما لايعقل و«مَن» لمن يعقل؟! فنزل «إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسني'´ أُولـ'ئِك عنها مبعدون». ويقول الزركليّ في «الاعـلام» ج 4، ص 218: عبد الله بن الزبعـري بن قيـس ï ïالسهميّ القرشيّ، أبو سعد: شاعر قريش في الجاهليّة. كان شديداً علي المسلمين إلي أن فُتحت مكّة، فهرب إلي نجران، فقال فيه حسّان أبياتاً، فلمّا بلغته عاد إلي مكّة فأسلم واعتذر ومدح النبيّ صلّيالله عليه وآله وسلّم فأمر له بُحلّة. [46] ـ «تفسير مجمع البيان» ج 4، ص 64 و 65، طبعة صيدا. [47] ـ الآية 68، من السورة 19: مريم. [48] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 316، الطبعة الحروفيّة. [49] ـ هيديه: أزیلیه- حرکیه. [50] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 314 و 315 الطبعة الحروفيّة، عن «الكافي». |
|
|