بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد العاشر/ القسم التاسع: آیات خلود اصحاب النار، الممنوعون من الجنة، اهل السنة و الشیعة و ورودهم با...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الآيات‌ الواردة‌ في‌ خلود أصحاب‌ النار فيها

 وعلی‌ هذا المنوال‌ فمضافاً علی‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ التي‌ جاءت‌ بألفاظ‌ الخلود و الابديّة‌ التي‌ تبيّن‌ خلود أصحاب‌ النار من‌ المشركين‌ والكافرين‌ المكذّبين‌ والمنكرين‌ الجاحدين‌ والطغاة‌ الباغين‌ والمعتدين‌ والظالمين‌ المتجبّرين‌؛ فإنّ هناك‌ آيات‌ أُخري‌ تبيّن‌ أمر هذا الخلود بألفاظ‌ وعناوين‌ أُخري‌. ونذكر في‌ هذا المجال‌ بعضاً من‌ هذه‌ الآيات‌:

 وَمَأْوَيهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَي‌ الظَّـ'لِمِينَ. [1]

 ثُمَّ مَأْوَي'هُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. [2]

 أُولَـ'ئِِكَ مَأْوَي'هُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا. [3]

 أَلَيْسَ فِي‌ جَهَنَّمَ مَثْويً لِّلْمُتَكَبِّرِينَ. [4]

 ونشاهد في‌ هذه‌ الآيات‌ ونظائرها أنّها قد جعلت‌ جهنّمَ مثوي‌ ومنزلاً ومهاداً لاصحاب‌ النار والظالمين‌، بل‌ عدّتها محلَّ إقامتهم‌ الذي‌ لايتجاوزونه‌ إلی غيره‌ ولا يجدون‌ عنه‌ محيصاً؛ وهذا بذاته‌ هو معني‌ الخلود.

 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم‌ بَدَّلْنَـ'هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا. [5]

 وتقول‌ هذه‌ الآية‌ علی‌ نحو التعميم‌ بأ نّنا كلّما احترقت‌ جلود أصحاب‌ النار إثر طغيان‌ النار وشدّتها، بدّلناها علی‌ الفور بجلود أُخري‌؛ دون‌ أن‌ تقيّد الآية‌ ذلك‌ بوقت‌ معيّن‌، ولا أن‌ تحدّه‌ بزمان‌ خاصّ. بل‌ هي‌ تصرّح‌ بهذا المعني‌ علی‌ نحو الإطلاق‌؛ وهذا هو معني‌ الخلود.

 مِّن‌ وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَي‌' مِن‌ مَّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ و وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ و وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن‌ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن‌ وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ. [6]

 وتوضح‌ هذه‌ الآية‌ أنّ الموت‌ يحيط‌ بالجهنّمي‌ّ باستمرار، وأ نّه‌ يبتلي‌ بهذا العذاب‌ دون‌ أن‌ يموت‌.

 وَإِن‌ مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُها كَانَ علی‌' رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي‌ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّـ'لِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا. [7]

 وتذكر هذه‌ الآية‌ علی‌ نحو بيان‌ قاعدة‌ كلّيّة‌ عامّة‌ أنّ ورود الجميع‌ إلی جهنّم‌ هو أمر حتمي‌ّ، وأنّ المتّقين‌ فقط‌ هم‌ الذين‌ يخرجون‌ منها؛ أمّا الظالمون‌ فسوف‌ يُتركون‌ فيها. وهذه‌ هي‌ أصالة‌ تحقّق‌ جهنّم‌ وحتميّتها؛ أمّا الخروج‌ من‌ جهنّم‌ فيحتاج‌ إلی دليل‌، وهو استثناء المتّقين‌؛ ثمّ يبقي‌ الظالمون‌ بأجمعهم‌ فيتحتّم‌ علیهم‌ البقاء فيها؛ وهذا هو الخلود بعينه‌.

 كُلَّمَآ أَرَادُو´ا أَن‌ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. [8]

 وتبيّن‌ هذه‌ الآية‌ بوضوح‌ أ نّه‌ ينبغي‌ للكافرين‌ أن‌ يبقوا في‌ النار، وأن‌ لاسبيل‌ لهم‌ للخروج‌ منها.

 وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَي‌' علیهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم‌ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَ'لِكَ نَجْزِي‌ كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـ'لِحًا غَيْرَ الَّذِي‌ كُنَّا نَعْمَلُ (ثمّ يخاطبون‌ ) أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن‌ تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِن‌ نَّصِيرٍ. [9]

 وتظهر هذه‌ الآية‌ أنّ الكفّار الذين‌ يردون‌ جهنّم‌ كلمّا ضجّوا فيها وصاحوا واصطرخوا واستغاثوا ليخرجوا منها، لم‌ يجدوا للفرار عنها سبيلاً، فقد تمّت‌ علیهم‌ الحجّة‌ في‌ الدنيا، وهذه‌ هي‌ عين‌ حقيقة‌ الخلود.

 قَالُوا رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَي‌' خُرُوجٍ مِّن‌ سَبِيلٍ * ( قال‌ في‌ جوابهم‌ ) ذَ ' لِكُم‌ بِأَ نَّهُ و´ إِذَا دُعِيَ اللَهُ وَحْدَهُ و كَفَرْتُمْ وَإِن‌ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعلی الْكَبِيرِ. [10]

 وَيَتَجَنَّبُهَا الاْشْقَي‌ * الَّذِي‌ يَصْلَي‌ النَّارَ الْكُبْرَي‌' * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَي‌'. [11]

 ( فهو رازح‌ في‌ العذاب‌ دائماً، يتأرجح‌ بين‌ الموت‌ والحياة‌ ).

 إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي‌ عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـ'لِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَـ'هُمْ وَلَـ'كِن‌ كَانُوا هُمُ الظَّـ'لِمِينَ * وَنَادَوْا يَـ'مَـ'لِكُ لِيَقْضِ علینَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم‌ مَّـ'كِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَـ'كُم‌ بِالْحَقِّ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـ'رِهُونَ. [12]

 ويلاحظ‌ كيف‌ أنّ الحكم‌ قد صدر علی‌ هؤلاء بالمكث‌ في‌ جهنّم‌ دون‌ أي‌ّ ذكر لخروجهم‌ منها، فقد صدر الحكم‌ علیهم‌ علی‌ نحو الإطلاق‌ والعموم‌ ليقيموا في‌ جهنّم‌.

 يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَي‌' نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَـ'ذِهِ النَّارُ الَّتِي‌ كُنتُم‌ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـ'ذَآ ( كقولكم‌ للنبي‌ّ من‌ قبل‌ إنّك‌ ساحر ) أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُو´ا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَآءٌ علیكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. [13]

 وتثير هذه‌ الآية‌ المباركة‌ العجب‌ في‌ بيانها لهذا المعني‌، لا نّها عقّبت‌ علی‌ عبارة‌: فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَآءٌ علیكُمْ، بعبارة‌: إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ؛ أي‌ أنّ هذا الجزاء والعذاب‌ الذي‌ تلقونه‌ هو جزاء علی‌ عملكم‌، بل‌ هو عملكم‌ بذاته‌؛ وعملكم‌ معكم‌ لا ينفكّ عنكم‌. وكما أ نّه‌ لايمكن‌ فصل‌ الإنسان‌ عن‌ نفسه‌، فكذلك‌ لا يمكن‌ فصله‌ عن‌ عمله‌ الذي‌ هو أثره‌ ووليده‌ ومعلوله‌.

 ومن‌ هنا، فالآية‌ تفيد أمر البقاء بالله‌ والسيطرة‌ علی‌ ملكوت‌ العمل‌، وتبيّن‌ بعد ذلك‌ أمر الخلود.

 وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُـونَ وَيَأْكُلُـونَ كَمَا تَأْكُلُ الاْنْعَـ'ـمُ وَالنَّارُ مَثْويً لَّهُمْ.[14]

 وقد عدّت‌ هذه‌ الآية‌ الاستقرار في‌ الموضع‌ الجهنّمي‌ّ متفرّعاً علی‌ التمتّع‌ والاكل‌ المقترن‌ بالغفلة‌ كالحيوانات‌. وكما أنّ البهيمة‌ لاتدرك‌ أي‌ّ شي‌ء عن‌ التوحيد والربوبيّة‌ والمعرفة‌، فتكون‌ البهيميّة‌ من‌ لوازم‌ نفسها التي‌ لايمكن‌ فصلها عنها؛ فإنّ الكفّار المشغولين‌ بالمتع‌ التي‌ يسوقهم‌ إليها الهوي‌ والهوس‌، وبالاكل‌ بنهم‌ وشراهة‌ كالانعام‌، ستلازم‌ هذه‌ الصفة‌ أنفسهم‌ فيخلّدون‌ فيها. ولذلك‌ فهم‌ مخلّدون‌ في‌ نار جهنّم‌ التي‌ هي‌ طلوع‌ وتجلّي‌ هذا العمل‌ البهيميّ، وثاوون‌ في‌ النار التي‌ هي‌ دار إقامتهم‌ الابديّة‌.

 ويتّضح‌ ممّا مرّ، أنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ تدلّ علی‌ الخلود، بل‌ وتصرّح‌ به‌، وأنّ ما توهّمه‌ البعض‌ من‌ أنّ الخلود الوارد في‌ الآيات‌ ليس‌ بمعني‌ الابديّة‌ والبقاء الدائمي‌ّ، ما هو إلاّ توهّم‌ خاطي‌ يفتقر إلی الدليل‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ تفسير آية‌: لاَبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا

 أمّا الآيات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ النبأ، فليس‌ فيها ما يدلّ علی‌ نفي‌ الخلود، إذ تقول‌:

 إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّـ'غِينَ مَـَابًا * لَّـ'بِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا. [15]

 فاللبث‌ أحقاباً يعني‌ البقاء دهوراً وأزمنة‌ طويلة‌، ولا دلالة‌ فيها علی‌ تحديد لزمان‌ ذلك‌ اللبث‌ والبقاء.

 قال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ مدّ ظلّه‌ السامي‌ّ: قوله‌ تعالي‌: لاَبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا، الاحقاب‌: الازمنة‌ الكثيرة‌ والدهور الطويلة‌ من‌ غير تحديد.

 وهوجمع‌ اختلفوا في‌واحده‌، فقيل‌: واحده‌ حُقْب‌ بالضمّ فالسكون‌، أو بضمّتينِ. وقد وقع‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: أَوْ أَمْضِي‌ حُقُبًا ( الآية‌ 60، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌ ). حَقْب‌ بالفتح‌ فالسكون‌، وواحد الحقب‌ حِقْبَة‌ بالكسر فالسكون‌. قال‌ الراغب‌: والحقّ أنّ الحقبة‌ مدّة‌ من‌ الزمان‌ مبهمة‌ـانتهي‌.

 وحدّ بعضهم‌ الحقب‌ بثمانين‌ سنة‌ أو ببضع‌ وثمانين‌ سنة‌، وزاد آخرون‌ أنّ السنة‌ منها ثلاثمائة‌ وستّون‌ يوماً، كلّ يوم‌ يعدل‌ ألف‌ سنة‌، وعن‌ بعضهم‌ أنّ الحقب‌ أربعون‌ سنة‌؛ وعن‌ آخرين‌ أ نّه‌ سبعون‌ ألف‌ سنة‌، إلی غير ذلك‌، ولا دليل‌ من‌ الكتاب‌ يدلّ علی‌ شي‌ء من‌ هذه‌ التحديدات‌ ولم‌يثبت‌ من‌ اللغة‌ شي‌ء منها. وظاهر الآية‌ أنّ المراد بالطاغين‌: المعاندون‌ من‌ الكفّار؛ ويؤيّده‌ قوله‌ ذيلاً: إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا كِذَّابًا.

 وقد فسّروا أَحْقَابًا في‌ الآية‌ بالحقب‌ بعد الحقب‌؛ فالمعني‌ حال‌ كون‌ الطاغين‌ لابثين‌ في‌ جهنّم‌ حقباً بعد حقب‌ بلا تحديد ولا نهاية‌، فلاتنافي‌ الآية‌ ما نصّ علیه‌ القرآن‌ من‌ خلود الكفّار في‌ النار.

 وقيل‌: إنّ قوله‌: لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا... إلی آخره‌، صفة‌ أَحْقَابًا؛ والمعني‌ لابثين‌ فيها أحقاباً هي‌ علی‌ هذه‌ الصفة‌، وهي‌ أ نّهم‌ لا يذوقون‌ فيها برداً ولاشراباً إلاّ حميماً وغسّاقاً، ثمّ يكونون‌ علی‌ غير هذه‌ الصفة‌ إلی غير النهاية‌؛ وهو حسن‌ لو ساعد السياق‌. [16]

 وقد نقل‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ للفظ‌ أحقاب‌ كثيراً من‌ المعاني‌ عن‌ عدد كبير من‌ علماء العامّة‌، تنطبق‌ بأجمعها في‌ النتيجة‌ علی‌ أمر الخلود؛ وقال‌ في‌ أحدها: وخامسها ( أي‌ خامس‌ الاقوال‌ ) أ نّه‌ يعني‌ به‌ أهل‌ التوحيد، عن‌ خالدبن‌ معدان‌. وأضاف‌ الطبرسي‌ّ بأنّ العيّاشي‌ّ روي‌ بإسناده‌ عن‌ حمران‌، قال‌: سألتُ أبا جعفر علیه‌ السلام‌ عن‌ هذه‌ الآية‌ فقال‌: هذه‌ في‌ الذين‌ يخرجون‌ من‌ النار. وروي‌ عن‌ الاحوال‌ مثله‌. [17]

 وبناء علی‌ هذا التفسير أيضاً، فإنّ آيات‌ الخلود ثابتة‌ وباقية‌ في‌ مواضعها لانّ الخلود للكفّار لا للموحّدين‌. إلاّ أنّ القول‌ الحقّ هو قول‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ، لانّ ما يستنتج‌ من‌ ذيل‌ الآيات‌ هو أنّ هذه‌ الآيات‌ قد وردت‌ في‌ حقّ المكذّبين‌ والكافرين‌ المعاندين‌.

 وعلی‌ هذا، فاستشهاد صاحب‌ المقالة‌ الرابعة‌ الذي‌ ذكر ذيل‌ كلامه‌ آيتَي‌ الاستثناء: إِلاَّ مَا شَآءَ اللَهُ، و: لَـ'بِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا، [18] سيبقي‌ استشهاداً ناقصاً، فقد اتّضح‌ تفسير أحقاباً؛ ومرّ تفسير إِلاَّ مَا شَآءَ اللَهُ في‌ مطلع‌ البحث‌، وتبيّن‌ أنّ المراد به‌ ليس‌ خروج‌ الكافرين‌ المتحقّق‌ في‌ الخارج‌، بل‌ المراد به‌ بقاء الإرادة‌ والمشيئة‌ الإلهيّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الروايات‌ الواردة‌ في‌ خلود الكفّار المنكرين‌ والمستكبرين‌

 يروي‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ « التوحيد » عن‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ عُمير، قال‌:

 سمعتُ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌، يقول‌:

 لاَ يُخَلِّدُ اللَهُ فِي‌ النَّارِ إلاَّ أَهْلَ الكُفْرِ وَالجُحُودِ وَأَهْلَ الضَّلاَلِ وَالشِّرْكِ؛ ومن‌ اجتنب‌ الكبائر من‌ المؤمنين‌ لم‌ يُسأل‌ عن‌ الصغائر؛ قال‌ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌: إِن‌ تَجْتَنِبُوا كَبَآنءِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم‌ مُّدْخَلاً كَرِيمًا.[19]

 قال‌ ( ابن‌ أبي‌ عمير ): فقلتُ له‌: يا بن‌ رسول‌ الله‌؛ فالشفاعة‌ لمن‌ تجب‌ من‌ المذنبين‌؟

 قال‌: حدَّثني‌ أبي‌، عن‌ آبائه‌، عن‌ علی علیهم‌ السلام‌، قال‌: سمعت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يقول‌: إنَّمَا شَفَاعَتِي‌ لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي‌، فَأَمَّا المُحْسِنُونَ مِنْهُمْ فَمَا علیهِمْ مِنْ سَبِيلٍ.

 قال‌ ( ابن‌ أبي‌ عمير ): فقلت‌ له‌: يا بن‌ رسول‌ الله‌؛ فكيف‌ تكون‌ الشفاعة‌ لاهل‌ الكبائر والله‌ تعالي‌ ذِكرُه‌ يقول‌: وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌' وَهُم‌ مِّن‌ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، [20] ومن‌ يرتكب‌ الكبائر لايكون‌ مُرْتضي‌؟

 فقال‌: يا أبا أحمد! ما من‌ مؤمن‌ يرتكب‌ ذنباً إلاّ ساءه‌ ذلك‌ وندم‌ علیه‌، وقد قال‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: كَفَي‌ بِالنَّدَمِ تَوْبَةً؛ وقال‌ علیه‌ السلام‌: مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ فمن‌ لم‌يندم‌ علی‌ ذنب‌ يرتكبه‌ فليس‌ بمؤمن‌ ولم‌ تجب‌ له‌ الشفاعة‌ وكان‌ ظالماً، والله‌ تعالي‌ ذِكرُه‌ يقول‌: مَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِن‌ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ. [21]

 فقلت‌ له‌: يابن‌ رسول‌ الله‌؛ وكيف‌ لايكون‌ مؤمناً من‌ لم‌ يندم‌ علی‌ ذنب‌ يرتكبه‌؟

 فقال‌: يا أبا أحمد! ما مِن‌ أحدٍ يرتكب‌ كبيرة‌ من‌ المعاصي‌ وهو يعلم‌ أ نّه‌ سيعاقَب‌ علیها، إلاّ ندم‌ علی‌ ما ارتكب‌، ومتي‌ ندم‌ كان‌ تائباً مستحقّاً للشفاعة‌. ومتي‌ لم‌يندم‌ علیها كان‌ مصرّاً، والمصرُّ لا يُغفر له‌، لا نّه‌ غير مؤمنٍ بعقوبة‌ ما ارتكب‌، ولو كان‌ مؤمناً بالعقوبة‌ لندم‌؛ وقد قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 لاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ، وَلاَ صَغِيرَةَ مَعَ الإصْرَارِ. وأمّا قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌'، فإنّهم‌ لايشفعون‌ إلاّ لمن‌ ارتضي‌ الله‌ دينه‌؛ والدين‌ الإقرار بالجزاء علی‌ الحسنات‌ والسيّئات‌، فمن‌ ارتضي‌ اللهُ دينَه‌ ندم‌ علی‌ ما ارتكبه‌ من‌ الذنوب‌ لمعرفته‌ بعاقبته‌ في‌ القيامة‌. [22]

 وجاء في‌ كتاب‌ « العيون‌ » أنّ ممّا كتبه‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ للمأمون‌، قوله‌: إنَّ اللَهَ لا يُدْخِلُ النَّارَ مُؤْمِناً وَقَدْ وَعَدَهُ الجَنَّةَ؛ وَلاَ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ كَافِراً وَقَدْ أَوْعَدُهُ النَّارَ وَالخُلُودَ فِيهَا. وَمُذْنِبُو أَهْلِ التَّوْحِيدِ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَالشَفَاعَةُ جَائِزَةٌ لَهُمْ. [23]

 ويروي‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ « صفات‌ الشيعة‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد، عن‌ ابن‌يزيد، عن‌ ابن‌ أبي‌ عمير، عن‌ محمّد بن‌ حمران‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ ( الصادق‌ ) علیه‌ السلام‌، قال‌: مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ مُخْلِصاً دَخَلَ الجَنَّةَ؛ وَإخْلاَصُهُ أَنْ يَحْجُزَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَهُ. [24]

 الرجوع الي الفهرس

خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ جبل‌ الصفا

 ويروي‌ في‌ نفس‌ الكتاب‌ عن‌ ابن‌ المتوكّل‌، عن‌ محمّد الحميري‌ّ، عن‌ ابن‌ عيسي‌، عن‌ ابن‌ محبوب‌، عن‌ ابن‌ رئاب‌، عن‌ أبي‌ عبيده‌ الحذّاء، قال‌: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَامَ علی‌ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا بَنِي‌ هَاشِمٍ! يَا بَنِي‌ عَبْدِ المُطَّلِبِ! إنِّي‌ رَسُولُ اللَهِ إلَيْكُمْ، وَإنِّي‌ شَفِيقٌ علیكُمْ! لاَ تَقُولُوا إنَّ مُحَمَّداً مِنَّا! فَوَاللَهِ مَا أَوْلِيَائِي‌ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ إلاَّ المُتَّقُونَ.

 أَلاَ فَلاَ أَعْرِفُكُمْ تَأْتُونِي‌ يَوْمَ القِيَامَةِ تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا علی‌ رِقَابِكُمْ، وَيَأْتِي‌ النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ! أَلاَ وَإنِّي‌ قَدْ أَعْذَرْتُ فِيمَا بَيْنِي‌ وَبَيْنَكُمْ وَفِيمَا بَيْنَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَكُمْ؛ وَإنَّ لِي‌ عَمَلِي‌ وَلَكُمْ عَمَلَكُمْ. [25]

 الموحّدون‌ قاطبة‌ يدخلون‌ الجنّة‌

 يروي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ « الامالي‌ » عن‌ حمزة‌ العلوي‌ّ، عن‌ علی‌ّ ابن‌إبراهيم‌، عن‌ النهاوندي‌ّ، عن‌ عبد الله‌ بن‌ حمّاد، عن‌ الحسين‌بن‌ يحيي‌بن‌ الحسين‌، عن‌ عمرو بن‌ طلحة‌، عن‌ أسباط‌ بن‌ جعفر، عن‌ عكرمة‌، عن‌ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌، قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 والذي‌ بعثني‌ بالحقّ بشيراً لا يعذّب‌ الله‌ بالنار موحّداً أبداً؛ وإنّ أهل‌ التوحيد ليشفعون‌ فيُشفَّعون‌. ثمّ قال‌ علیه‌ السلام‌: إنّه‌ إذا كان‌ يوم‌ القيامة‌ أمر الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ بقوم‌ ساءت‌ أعمالهم‌ في‌ دار الدنيا إلی النار، فيقولون‌: ياربّنا! كيف‌ تُدخلنا النار وقد كنّا نوحّدك‌ في‌ دار الدنيا؟ وكيف‌ تُحرق‌ بالنار ألستنا وقد نطقتْ بتوحيدك‌ في‌ دار الدنيا؟ وكيف‌ تحرق‌ قلوبنا وقد عقدت‌ علی‌ أن‌ لا إله‌ إلاّ أنت‌؟ أم‌ كيف‌ تحرق‌ وجوهنا وقد عفّرناها لك‌ في‌ التراب‌؟ أم‌ كيف‌ تحرق‌ أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك‌؟

 فيقول‌ الله‌ جلّ جلاله‌: عبادي‌! ساءت‌ أعمالُكم‌ في‌ دار الدنيا، فجزاؤكم‌ نار جهنّم‌.

 فيقولون‌: يا ربّنا عفوك‌ أعظم‌ أم‌ خطيئتنا؟

 فيقول‌: بل‌ عفوي‌.

 فيقولون‌: إقرارنا بتوحيدك‌ أعظم‌ أم‌ ذنوبنا؟

 فيقول‌ عزّ وجلّ: بل‌ إقرارُكم‌ بتوحيدي‌ أعظم‌.

 فيقولون‌: يا ربّنا؟ فليسعنا عفوك‌ ورحمتك‌ التي‌ وسعت‌ كلّ شي‌ء.

 فيقول‌ الله‌ جلّ جلاله‌: ملائكتي‌! وعزّتي‌ وجلالي‌ ما خلقتُ خلقاً أحبّ إلی من‌ المقرّبين‌ بتوحيدي‌، وأن‌ لا إله‌ غيري‌؛ وحقّ علی‌َّ أن‌ لاأصلي‌ بالنار أهل‌ توحيدي‌. أدخلوا عبادي‌ الجنّة‌. [26]

 ويروي‌ الصدوق‌ في‌ « الخصال‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ أحمد بن‌ إدريس‌، عن‌ الاشعري‌ّ، عن‌ سهل‌، عن‌ محمّد بن‌ الحسين‌ بن‌ زيد، عن‌ محمّد بن‌ سنان‌، عن‌ المنذربن‌ يزيد، عن‌ أبي‌ هارون‌ المكفوف‌، قال‌: قال‌ لي‌ أبو عبدالله‌ علیه‌ السلام‌: يا أبا هارون‌! إنّ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ إلی علی‌ نفسه‌ أن‌ لايجاوره‌ خائن‌.

 قال‌: قلتُ: وما الخائن‌؟

 قال‌: مَن‌ ادّخر عن‌ مؤمن‌ درهماً أو حبس‌ عنه‌ شيئاً من‌ أمر الدنيا.

 قلتُ: أَعُوذُ بِاللَهِ مِنْ غَضَبِ اللَهِ!

 فقال‌: إنّ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ إلی علی‌ نفسه‌ أن‌ لا يُسكن‌ جنّته‌ أصنافاً ثلاثة‌: رادٌّ علی‌ الله‌ عزّ وجلّ، أو رادٌّ علی‌ إمام‌ هدي‌، أو من‌ حبس‌ حقَّ امري‌ مؤمن‌.

 قال‌: قلتُ: يعطيه‌ من‌ فضل‌ ما يملك‌؟

 قال‌: يعطيه‌ من‌ نفسه‌ وروحه‌، فإن‌ بخل‌ علیه‌ مسلم‌ بنفسه‌ فليس‌ منه‌، إنّما هو شرك‌ الشيطان‌.[27]

 الرجوع الي الفهرس

ثلاث‌ طوائف‌ لا يدخلون‌ الجنّة‌

 كما يروي‌ في‌ « الخصال‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد بن‌ عبدالله‌، عن‌ أحمدبن‌ أبي‌ عبد الله‌ البرقي‌ّ، عن‌ أبيه‌، عن‌ محمّد بن‌ سنان‌، عن‌ بعض‌ رجال‌ حديثه‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌، قال‌:

 ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: السَّفَّاكُ لِلدَّمِ، وَشَارِبُ الخَمْرِ، وَمَشَّاءٌ بِنَمِيمَةٍ. [28]

 ويروي‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » بإسناده‌ عن‌ ابن‌ أبي‌ يعفور، قال‌: سمعت‌ أباعبدالله‌ ( الصادق‌) علیه‌ السلام‌ يقول‌:

 ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: مَن‌ ادَّعَي‌ إمَامَةً مِنَ اللَهِ لَيْسَتْ لَهُ؛ وَمَنْ جَحَدَ إمَاماً مِنَ اللَهِ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي‌ الإسلام نَصِيباً. [29]

 كما يروي‌ في‌ « الكافي‌ » عن‌ أحمد بن‌ إدريس‌، عن‌ محمّدبن‌ عبدالجبّار، عن‌ صفوان‌ عن‌ الفضيل‌، عن‌ الحارث‌ بن‌ المغيرة‌، قال‌: قلت‌ لابي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: مَنْ مَاتَ لاَ يَعْرِفُ إمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً؟

 قال‌: نعم‌.

 قلت‌: جَاهِلِيَّةٌ جَهْلاَءُ، أَوْ جَاهِلِيَّةٌ لاَ يَعْرِفُ إمَامَهُ؟

 قال‌: جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ وَضَلاَلٍ. [30]

 وروي‌ العيّاشي‌ّ في‌ تفسيره‌، عن‌ منصور بن‌ حازم‌، قال‌: قلت‌ لابي‌عبدالله‌ علیه‌ السلام‌: وَمَا هُم‌ بِخَـ'رِجِينَ مِنَ النَّارِ؟ [31]

 قال‌: أَعْدَاءُ علی‌ٍّ علیهِ السَّلاَمُ هُمُ المُخَلَّدُونَ فِي‌ النَّارِ أَبَدَ الآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ. [32]

 الرجوع الي الفهرس

أعداء أهل‌ بيت‌ رسول‌ الله‌ هم‌ المخلّدون‌ في‌ النار

 وفي‌ « تفسير فرات‌ بن‌ إبراهيم‌ » عن‌ جعفر بن‌ محمّد، مرفوعاً عن‌ أبي‌عبدالله‌ علیه‌ السلام‌، قال‌: كُلُّ نَاصِبٍ وَإنْ تَعَبَّدَ مَنْسُوبٌ إلی هَذِهِ الآيَةِ: «وُجُوهٌ يَوْمَئِِذٍ خَـ'شِعَةٌ» ـ الآيات‌. [33]

 وروي‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » عن‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌أبي‌ عمير، عن‌ عمروبن‌ أبي‌ المقدام‌، قال‌: سمعت‌ أبا عبدالله‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌: قَالَ أَبِي‌: كُلُّ نَاصِبٍ وَإنْ تَعَبَّدَ وَاجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إلی هَذِهِ الآيَةِ: «عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَي‌' نَارًا حَامِيَةً»؛ كُلُّ نَاصِبٍ مُجْتَهِدٍ فَعَمَلُهُ هَبَآءٌ ـ الحديث‌. [34]

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ « عيون‌ أخبار الرضا » بإسناده‌ عن‌ المفضّل‌بن‌ عمر، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌، عن‌ آبائه‌ علیهم‌ السلام‌، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: لمّا أُسري‌ بي‌ إلی السماء أوحي‌ إلی ربّي‌ جلّ جلاله‌؛ وساق‌ الحديث‌ في‌ محمّد وعلی‌ّ وفاطمة‌ والحسن‌ والحسين‌ علیهم‌ السلام‌ إلی أن‌ قال‌:

 يَا مُحَمَّدُ! لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَنِي‌ حَتَّي‌ يَنْقَطِعَ وَيَصِيرَ كَالشِّنِّ البَالِي‌، ثُمَّ أَتَانِي‌ جَاحِداً لِوَلاَيَتِهِمْ مَا أَسْكَنْتُهُ جَنَّتِي‌ وَلاَ أَظْلَلْتُهُ تَحْتَ عَرْشِي‌ ـالخبر. [35]

 وروي‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » عن‌ علی‌ّ بن‌ محمّد، عن‌ أحمد بن‌ أبي‌عبدالله‌، عن‌ عثمان‌ بن‌ عيـسي‌، عن‌ مَيْسَـر، قال‌: دخلت‌ علی‌ أبي‌عبدالله‌ علیه‌ السلام‌، فقال‌: كيف‌ أصحابك‌؟

 فقلت‌: جعلت‌ فداك‌، لنحن‌ عندهم‌ أشرُّ من‌ اليهود والنصاري‌ والمجوس‌ والذين‌ أشركوا.

 قال‌: وكان‌ متّكئاً فاستوي‌ جالساً؛ ثمّ قال‌: كيف‌ قُلتَ؟

 قلت‌: والله‌ لنحن‌ عندهم‌ أشرّ من‌ اليهود والنصاري‌ والمجوس‌ والذين‌ أشركوا.

 فقال‌: أما واللهِ لا تدخل‌ النار منكم‌ اثنان‌؛ لا واللهِ ولا واحد. واللهِ إنّكم‌ الذين‌ قال‌ الله‌ عزّ وجلّ: وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَي‌' رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم‌ مِّنَ الاْشْرَارِ * أَتَّخَذْنَـ'هُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الاْبْصَـ'رُ * إِنَّ ذَ ' لِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ؛ [36] ثمّ قال‌: طلبوكم‌ واللهِ في‌ النار فما وجدوا منكم‌ أحداً. [37]

 وروي‌ في‌ « الكافي‌ » عن‌ محمّد بن‌ يحيي‌، عن‌ حمدان‌ بن‌ سليمان‌، عن‌ عبدالله‌بن‌ محمّد اليمانيّ، عن‌ منيع‌ بن‌ الحجّاج‌، عن‌ يونس‌، عن‌ صباح‌ المُزني‌ّ، عن‌ أبي‌ حمزة‌، عن‌ أبي‌ جعفر ( الباقر ) أو أبي‌ عبدالله‌ ( الصادق‌ ) علیهما السلام‌ في‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: بَلَي‌' مَن‌ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَـ'طَتْ بِهِ خَطِي´ئَتُهُ؛ قال‌: إذا جحد إمامة‌ أمير المؤمنين‌ فَأُولَـ'ئِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. [38]

 وفي‌ « تفسير فرات‌ بن‌ إبراهيم‌ » عن‌ الحسين‌ بن‌ سعيد، عن‌ عبدالله‌ ابن‌وضّاح‌ اللؤلؤي‌ّ، عن‌ إسماعيل‌ بن‌ أبان‌، عن‌ عمرو بن‌ الشمر، عن‌ جابر، عن‌ أبي‌ جعفر الباقر علیه‌ السلام‌، قال‌:

 قَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ: إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَي‌ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَيْنَ علی‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ؟ قَالَ: فَأَقُومُ أَنَا، فَيُقَالُ لِي‌: أَنْتَ علی‌ٌّ؟! فَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ عَمِّ النَّبِي‌ِّ وَوَصِيُّهُ وَوَارِثُهُ! فَيُقَالُ لِي‌: صَدَقْتَ، ادْخُلِ الجَنَّةَ فَقَدْ غَفَرَ اللَهُ لَكَ وَلِشِيعَتِكَ، فَقَدْ أَمَّنَكَ اللَهُ وَأَمَّنَهُمْ مَعَكَ مِنَ الفَزَعِ الاَكْبَرِ. ادْخُلُوا الجَنَّةَ آمِنِينَ لاَ خَوْفٌ علیكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. [39]

 ولقد بحثنا في‌ أمر الخلود بالقدر الكافي‌ الذي‌ اقتضاه‌ المقام‌؛ ونختم‌ الآن‌ هذا البحث‌ بهذا التذييل‌ الذي‌ أورده‌ جدّنا الاعلی‌ لاُمّنا: المرحوم‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ تعالي‌ علیه‌ وباعتبار تطابق‌ نظرنا الذي‌ ذكرناه‌ في‌ هذا المجلس‌ في‌ أمر الخلود مع‌ نظر جدّنا العلاّمة‌، فإنّ هذا التذييل‌ سيكون‌ في‌ حقيقة‌ الامر بياناً لخلاصة‌ نظريّتنا في‌ أمر الخلود.

 قال‌ المجلسي‌ّ: اعلم‌ أنّ الذي‌ يقتضيه‌ الجمع‌ بين‌ الآيات‌ والاخبار، أنّ الكافر المنكر لضروري‌ّ من‌ ضروريّات‌ دين‌ الإسلام‌ مخلّد في‌ النار، لايُخفّف‌ عنه‌ العذاب‌؛ إلاّ المستضعَف‌ الناقص‌ في‌ عقله‌، أو الذي‌ لم‌تتمّ علیه‌ الحجّة‌ ولم‌ يقصّر في‌ الفحص‌ والنظر، فإنّه‌ يحتمل‌ أن‌ يكون‌ من‌ المُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللَهِ كما سيأتي‌ تحقيقه‌ في‌ كتاب‌ الإيمان‌ والكفر.

 وأمّا غير الشيعة‌ الإماميّة‌ من‌ المخالفين‌ وسائر فرق‌ الشيعة‌ ممّن‌ لم‌يُنكر شيئاً من‌ ضروريّات‌ دين‌ الإسلام‌، فهم‌ فرقتان‌:

 إحداهما: المتعصّبون‌ المعاندون‌ منهم‌، ممّن‌ قد تمّت‌ علیهم‌ الحجّة‌، فهم‌ في‌ النار خالدون‌.

 والاُخري‌: المستضعفون‌ منهم‌، وهم‌ الضعفاء العقول‌ مثل‌ النساء العاجزات‌ والبله‌ وأمثالهم‌، ومن‌ لم‌ يتمّ علیه‌ الحجّة‌ ممّن‌ يموت‌ في‌ زمان‌ الفترة‌، أو كان‌ في‌ موضع‌ لم‌ يأت‌ إليه‌ خبر الحجّة‌، فهم‌ المُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللَهِ؛ إمّا يعذّبهم‌ وإمّا يتوب‌ علیهم‌، فيرجي‌ لهم‌ النجاة‌ من‌ النار.

 الرجوع الي الفهرس

شيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لا يدخلون‌ النار

 وأمّا أصحاب‌ الكبائر من‌ الإماميّة‌، فلا خلاف‌ بين‌ الإماميّة‌ في‌ أ نّهم‌ لايُخلَّدون‌ في‌ النار، وأمّا أ نّهم‌ هل‌ يدخلون‌ النار أم‌ لا؟ فالاخبار مختلفة‌ فيهم‌ اختلافاً كثيراً، ومقتضي‌ الجمع‌ بينها أ نّه‌ يحتمل‌ دخلوهم‌ النار وأ نّهم‌ غير داخلين‌ في‌ الاخبار التي‌ دلّت‌ علی‌ أنّ الشيعة‌ والمؤمن‌ لايدخل‌ النار، لا نّه‌ قد ورد في‌ أخبار أُخر: أَنَّ الشِّيعَةَ مَنْ شَايَعَ علیاً فِي‌ أَعْمَالِهِ، وأنّ الإيمان‌ مركّب‌ من‌ القول‌ والعمل‌، لكنّ الاخبار الكثيرة‌ دلّت‌ علی‌ أنّ الشفاعة‌ تلحقهم‌ قبل‌ دخول‌ النار، وفي‌ هذا التبهيم‌ حِكَمٌ لايخفي‌ بعضها علی‌ أُولي‌ الابصار. [40]

 وكلام‌ المجلسي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ السالف‌ هو بيان‌ وتفصيل‌ لكلام‌ الصدوق‌ في‌ « العقائد » حيث‌ يقول‌:

 اعتقادنا في‌ النار أ نّها دار الهوان‌ ودار الانتقام‌ من‌ أهل‌ الكفر والعصيان‌، ولايُخلَّد فيها إلاّ أهل‌ الكفر والشرك‌.

 فأمّا المذنبون‌ من‌ أهل‌ التوحيد، فيخرجون‌ منها بالرحمة‌ التي‌ تدركهم‌ والشفاعة‌ التي‌ تنالهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

قصيدة‌ المؤيّد في‌ المعاد والولاية‌

 أجل‌، فمن‌ المناسب‌؛ ونحن‌ نختتم‌ الكتاب‌؛ أن‌ نورد مقطعاً من‌ قصيدة‌ شاعر أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ في‌ القرن‌ الخامس‌ الهجري‌ّ: المؤيّد في‌ الدين‌، داعي‌ الدعاة‌، هبة‌ الله‌ ابن‌ موسي‌ بن‌ داود الشيرازي‌ّ؛ ونُنهي‌ هذه‌ الدورة‌ من‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ بتصريحه‌ القائل‌ بأنّ السبيل‌ الاوحد لسعادة‌ الدار الآخرة‌ هي‌ ولاية‌ أهل‌ البيت‌ واتّباع‌ نصّ غدير خُمّ. [41]

 قَالَ وَالرَّحْـلُ لِلسُّـرَي‌ مَحْمُـولُ               حَقَّ مِنْكَ النَّـوَي‌ وَجُـدَّ الرَّحِيلُ

 وَعَدَا الهَـزْلُ فِي‌ القَطِيعَـةِ جِـدَّاً              مَا كَـذَا كَـانَ مِنْـكَ لِي‌ المَأْمُولُ

 قُلْتُ، وَالقَلْـبُ حَـسْـرَةً يَتَقَلَّي‌                 وَعلی‌ الخَـدِّ دَمْـعُ عَيْنِي‌ يَسِـيلُ

 بِأَبِي‌ أَنْتَ مَا اقْتَضَـي‌ البَيْـنُ إلاَّ                قَـدَرٌ ثُـمَّ عَـهْـدُكَ المُـسْـتَحِيلُ

 كَـمْ وَكَـمْ قُلْتُ خَلِّنِي‌ يَا خَلِيلِي‌               مِنْ جَفَـاءٍ مِنْـهُ الجِبَـالُ تَزُولُ؟!

 إنَّـمَـا أَمْـرُهُ لَـدَيْـكَ خَـفِـيـفٌ                    وَهُـوَ ثِقْـلٌ علی‌ فُـؤَادِي‌ ثَقِيلُ

 إنَّـكَ السَّـالِمُ الصَّـحِيـحُ وَإنِّـي‌                 مِنْ غَـرَامٍ بِـكَ الـوَقِـيـذُ العلیلُ

 قَالَ: قَـدْ مَـرَّ ذَا فَهَلْ مِـنْ مُقَـامٍ              عِنْدَنَـا؟ قُلْـتُ: مَـا إلَيْـهِ سَـبِيلُ

 قَالَ: إنِّـي‌ لَـدَي‌ مُـرَادِكَ بَـاقٍ                  قُلْتُ: مَا إنْ تَفِي‌ بِمَـا قَـدْ تَقُولُ

 قَالَ: أَضْرَمْتَ فِي‌ الحَشَا نَارَ شَوْقٍ          حَـرُّأَنْـفَـاسِـهَـاعلیـهَـا دَلِيلُ

 قُلْتُ: حَسْبِي‌ الَّذِي‌ لَقِيتُ هَوَاناً               فَلِـقَـاءُ الهَـوَانِ عِـنْـدِي‌ يَهُـولُ

 فَقَـبِـيـحٌ بِـي‌َ التَّصَـابِـي‌ وَهَـذَا                 عَسْكَرُ الشَّيْبِ فَوْقَ رَأْسِي‌ نُزُولُ

 إنَّ أَمْـرَ المَـعَـادِ أَكْـبَـرُ هَـمِّـي‌                 فَاهْتِمَـامِـي‌ بِمَـا عَـدَاهُ فُضُـولُ

 كَثُـرَ الخَـائِضُـونَ بَـحْـرَ ظَـلاَمٍ                   فِيـهِ وَالمُؤْنِـسُـو الضِّـيَـاءَ قَلِيلُ

 قَالَ قَوْمٌ: قُصْرَي‌ الجَمِيعِ التَّلاَشِي‌          فِـئَـةٌمُـنْـتَـهَـاهُـمُ التَّـعْـطِـيـلُ

 وَادَّعَي‌ آخَـرُونَ نَسْـخاً وَفَسْـخاً              وَلَهُـمْ غَيْـرُ ذَاكَ حَـشْـوٌ طَـوِيلُ

 وَأَبَـوا بَـعْـدَ هَــذِهِ الـدَّارِ دَاراً                    نَحْـوَهَا كُلُّ مَـنْ يَـؤُولُ يَـؤُولُ

 لَـمْ يَـرَوْا بَعْـدَهَـا مَقَـامَ ثَـوَابٍ                  وَعِـقَـابٍ لَـهُـمْ إلَـيْـهِ وُصُـولُ

 فَالْمُثَـابُـونَ عِنْدَهُـمْ مُتْـرَفُـوهُمْ               وَلِـذِي‌ الفَـاقَـةِ العَـذَابُ الوَبِيلُ

 قَالَ قَـوْمٌ وَهُـمْ ذَوُو العَـدَدِ الجَـ               ـمِّ: لَنَا الزَّنْجَبِيـلُ وَالسَّـلْسَـبِيلُ

 وَلَـنَـا بَـعْـدَ هَــذِهِ الـدَّارِ دَارٌ                      طَابَ فِيهَا المَشْـرُوبُ وَالمَأْكُولُ

 وَلِـكُـلٍّ مِـنَ المَـقَـالاَتِ سُـوقٌ                 وَإمَـامٌ وَرَايَـةٌ وَرَعِـيـلُ

 مَا لَـهُـمْ فِـي‌ قَبِيـلِ عَقْـلٍ كَـلاَمٌ              لاَ وَلاَ فِـي‌ حِمَـي‌ الرَّشَـادِ قَبُولُ

 أُمَّـةٌ ضَـيَّــعَ الاَمَـانَــةَ فِـيـهَــا                  شَـيْخُهَا الخَامِلُ الظَّلُومُ الجَهُولُ

 بِئْسَ ذَاكَ الإنسان فِي‌ زُمَرِ الإنْسِ          وَشَـيْطَـانُـهُ الخَـدُوعُ الخَـذُولُ

 فَهُمُ التَّائِهُونَ فِي‌ الاَرْضِ هَلْكَي ‌ عَقْدُ دِيـنِ الهُـدَي‌ بِهِـمْ مَحْلُولُ

 نَكَـسَـوا وَيْلَهُـمْ بِـبَـابِـلَ جَهْـراً                 جُـمَـلٌ ذَا وَرَاءَهَـا تَـفْـصِـيـلُ

 مُنِعُـوا صَـفْـوَ شَـرْبَـةٍ مِـنْ زُلاَلٍ               لَيْـسَ إلاَّ بِـذَاكَ يُـشْـفَي‌ الغَلِيلُ

 مَلَّكُوا الدِّيـنَ كُلَّ أُنْثَـي‌ وَخُنْثَي‌                وَضَعِيـفٍ بِغَيْـرِ بَـأْسٍ يَـصُـولُ

 إلی أن‌ يقول‌:

 لَوْ أَرَادُوا حَقِيـقَـةَ الدِّيـنِ كَانُـوا                 تَـبَـعـاً لِلَّــذِي‌ أَقَــامَ الـرَّسُـولُ

 وَأَتَـتْ فِـيـهِ آيَـةُ الـنَّـصِّ بَـلِّـغْ                  يَـوْمَ خُـمٍّ لَـمَّـا أَتَـي‌ جِـبْـرِيـلُ

 ذَاكُـمُ المُـرْتَضَـي‌ علی‌ٌّ بِـحَـقٍّ                فَـبِـعلیـاهُ يَـنْـطِـقُ الـتَّـنْـزِيـلُ

 ذَاكَ بُـرْهَـانُ رَبِّـهِ فِـي‌ الـبَـرَايَـا                ذَاكَ فِي‌ الاَرْضِ سَـيْفُهُ المَسْلُولُ

 فَأَطِيعُوا جُحْداً أُولِي‌ الاَمْرِ مِنْهُمْ              فَلَهُـمْ فِـي‌ الخَـلاَئِـقِ التَّفْضِـيلُ

 أَهْـلُ بَـيْـتٍ علیـهِـمْ نَـزَلَ الذِّكْـ                ـرُ وَفِيـهِ التَّـحْـرِيـمُ وَالتَّحْـلِيـلُ

 هُمْ أَمَـانٌ مِـنَ العَمَـي‌ وَصِـرَاطٌ               مُـسْـتَقِيـمٌ لَـنَـا وَظِـلٌّ ظَـلِيـلُ [42]

 لِلَّهِ الحَمْدُ وَلَهُ الشُّكْرُ فقد انتهت‌ مجالس‌ « معرفة‌ المعاد » ظهر يوم‌ الرابع‌ من‌ شهر جمادي‌ الآخرة‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وثلاث‌ هجريّة‌ في‌ مدينة‌ مشهد الرضويّة‌ المقدّسة‌، علی‌ شاهدها آلاف‌ التحيّة‌ والإكرام‌.

 وكما سبق‌ أن‌ ذكرنا في‌ المقدّمة‌، فقد جرت‌ المذاكرة‌ في‌ أصل‌ هذه‌ الابحاث‌ مع‌ إخوة‌ الدين‌ وطلبة‌ العلوم‌ الدينيّة‌ في‌ مدينة‌ طهران‌ خلال‌ شهر رمضان‌ لسنتي‌ 1396 و1399 هجريّة‌، إلاّ أ نّه‌ لم‌ يحالفني‌ التوفيق‌ لتدوينها آنذاك‌ علی‌ هذه‌ الصورة‌، ولم‌ تثمر المساعي‌ التي‌ بذلتها إلی ما قبل‌ ثلاث‌ سنوات‌ إلاّ إلی تدوين‌ جزء واحد ونصف‌ الجزء. وَلِلَّهِ الحَمْدُ وَلَهُ المِنَّة‌، فخلال‌ هذه‌ السنوات‌ الثلاث‌ التي‌ هاجرتُ فيها إلی العتبة‌ المقدّسة‌ المباركة‌ لثامن‌ الحجج‌ علی‌ّبن‌ موسي‌ الرضا علیه‌ السلام‌ للثم‌ أعتاب‌ هذه‌ الروضة‌ الرضويّة‌ المقدّسة‌، وألقيتُ فيها رحال‌ الذنوب‌ عند فناء بضعة‌ الرسول‌ المحروس‌ بالملائكة‌، واخترتُ الإقامة‌ والتوطّن‌ في‌ هذه‌ البلدة‌ المقدّسة‌، فقد أنهيت‌ تدوين‌ الاجزاء العشرة‌ من‌ دورة‌ « معرفة‌ المعاد » من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌، ناهيك‌ عن‌ رسائل‌ وكتب‌ أُخري‌ غيرها. وكنت‌ أحسب‌ قبلاً أنّ مجموع‌ هذه‌ المجالس‌ سيكون‌ بعضاً وستّين‌ مجلساً، بَيد أ نّها بلغت‌ خمسة‌ وسبعين‌ مجلساً، وهو أمر لا يعود إلاّ إلی بركات‌ القبر الاطهر للإمام‌ علیه‌ السلام‌، فضلاً عن‌ الفيوضات‌ النابعة‌ من‌ النفس‌ القدسيّة‌ العرشيّة‌ الناطقة‌ لذلك‌ الإمام‌، والتي‌ تحيط‌ بعالم‌ ما سوي‌ الله‌ تعالي‌، وتدير وتتعاهد كلّ ذرّة‌ بإشعاع‌ نور الحضرة‌ الاحديّة‌ سبحانه‌ وتعالي‌.

 من‌ اگر خارم‌ وگر گل‌ چمن‌ آرائي‌ هست‌                    كه‌ از آن‌ دست‌ كه‌ مي‌پروردم‌ مي‌رويم‌ [43]

 الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي‌َ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَهُ؛ وَصَلَّي‌ اللَهُ علی‌ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَلَعْنَةُ اللَهِ علی‌ أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلی يَوْمِ الدِّينِ.

 الراجي‌: السيّد محمّد الحسين‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ

 الرجوع الي الفهرس

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 151، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[2] ـ الآية‌ 197، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[3] ـ الآية‌ 121، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[4] ـ الآية‌ 60، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[5] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[6] ـ الآيتان‌ 16 و 17، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[7] ـ الآيتان‌ 71 و 72، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[8] ـ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

[9] ـ الآيتان‌ 36 و 37، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[10] ـ الآيتان‌ 11 و 12، من‌ السورة‌ 40: المؤمن‌.

[11] ـ الآيات‌ 11 إلي‌ 13، من‌ السورة‌ 87: الاعلي‌.

[12] ـ الآيات‌ 74، إلي‌ 78، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

[13] ـ الآيات‌ 13 إلي‌ 16، من‌ السورة‌ 52: الطور.

[14] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 47: محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌.

[15] ـ الآيات‌ 21 إلي‌ 25، من‌ السورة‌ 78: النبأ.

[16] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 266 و 267.

[17] ـ تفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 5، ص‌ 424، طبعة‌ صيدا.

[18] ـ «نهج‌ البصيرة‌» ص‌ 27 و 28.

[19] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[20] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[21] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[22] ـ «التوحيد» للصدوق‌، ص‌ 407 و 408، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌، 1387 هجريّة‌.

[23] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 362، الطبعة‌ الحروفيّة‌، عن‌ «عيون‌ أخبار الرضا».

[24] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 359، عن‌ «صفات‌ الشيعة‌».

[25] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 359، عن‌ «صفات‌ الشيعة‌».

[26] ـ «الامالي‌» للصدوق‌، ص‌ 178، المجلس‌ 49، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[27] ـ «الخصال‌» ج‌ 1، ص‌ 73، باب‌ الثلاثة‌، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«بحار الانوار» ج‌ 8 ص‌ 357، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[28] ـ «الخصال‌» ج‌ 1، ص‌ 85، باب‌ الثلاثة‌.

[29] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 363، الطبعة‌ الحروفيّة‌؛ ولكن‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 373، هكذا: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَهُ.

[30] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 377.

[31] ـ الآية‌ 167، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[32] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 73.

[33] ـ «تفسير فرات‌» ص‌ 208.

[34] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 356، عن‌ «الكافي‌».

[35] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 357، عن‌ «العيون‌» ص‌ 37.

[36] ـ الآيات‌ 62 إلي‌ 64، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[37] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 78.

[38] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 358، عن‌ «الكافي‌».

[39] ـ «تفسير فرات‌» ص‌ 153.

[40] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 363 و 364، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[41] ـ علي‌ الرغم‌ من‌ أنّ شاعرنا رجل‌ العلم‌ والادب‌ كان‌ إيرانيّاً من‌ أهل‌ شيراز، لكنّه‌ كان‌ من‌ علماء العربيّة‌ الاجلاّء، ومن‌ أساتذة‌ الادب‌ العربيّ الاعلام‌، بل‌ يمكن‌ عدّه‌ من‌ النوابغ‌ حقّاً. ولد في‌ شيراز في‌ حدود سنة‌ 390 ه، ونشأ فيها وترعرع‌، ثمّ سافر إلي‌ بلادٍ كثيرة‌، حتّي‌ استقرّ به‌ المطاف‌ إلي‌ الاءقامة‌ في‌ مصر؛ وتوفّي‌ سنة‌ 470 ه.

 وكان‌ شاعرنا من‌ شيعة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ المخلصين‌ الوالهين‌، وقد تحمّل‌ الكثير من‌ المصائب‌ والمصاعب‌ في‌ طريق‌ نشر نهج‌ التشيّع‌، إلاّ أ نّه‌ لم‌ يتخلّ عن‌ همّته‌ العالية‌. ولم‌ تصرفه‌ عن‌ عزمه‌ الحوادث‌ القاصمة‌ والمصائب‌ الراتبة‌، فقد استصغر في‌ مسيرته‌ كلّ عقبة‌ كؤود. وقد كتب‌ يصف‌ أحواله‌ في‌ سيرته‌ التي‌ دوّنها (ص‌ 99 ) في‌ مقابل‌ الخليفة‌ العبّاسي‌ّ المستنصر بالله‌: وأنا شيخ‌ هذه‌ الدعوة‌ ويدها ولسانها ومَن‌ لا يماثلني‌ أحد فيها.

 وكان‌ المؤيّد في‌ الدين‌ من‌ دعاة‌ الفاطمّيين‌، ولم‌ يدّخر في‌ هذا السبيل‌ وسعاً، ولم‌يخش‌ من‌ شي‌ء، وكان‌ مبرّزاً في‌ المناظرة‌ والاحتجاج‌، وكان‌ له‌ اطّلاع‌ واسع‌ علي‌ معالم‌ الدين‌ وعلي‌ التأريخ‌، وقد خلّف‌ أبحاثاً راقية‌ عن‌ الكتاب‌ والسنّة‌ تشهد بتضلّعه‌ فيها ووقوفه‌ علي‌ حقائقها. وكان‌ له‌ ـكما يؤرّخ‌ لنفسه‌ـ مباحثات‌ مع‌ علماء السنّة‌ في‌ شيراز في‌ حضور السلطان‌ أبي‌كاليجار تُظهر إحاطته‌ بالعلوم‌ الدينيّة‌ والتأريخ‌ والكتاب‌ والسنّة‌. وقد أ لّف‌ هذه‌ السيرة‌ في‌ أحواله‌ بين‌ سنة‌ 429 و 450 هجريّة‌. وله‌ ـمضافاً إلي‌ كتبه‌ العديدة‌ـ رسائل‌ في‌ المناظرة‌ مع‌ أبي‌العلاء المعرّي‌ّ في‌ موضوع‌ تناول‌ اللحم‌.

[42] ـ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 304 و 305.

[43] ـ يقول‌: «إن‌ كنتُ شوكاً أو وردة‌، فإنّ هناك‌ من‌ يتعاهد المرج‌ و يزيّنه‌، و إنّما أنمو وأترعرع‌ تبعاً لليد التي‌ تتعاهدني‌!».

 الرجوع الي الفهرس

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com