|
|
الصفحة السابقةأنّ الفلسفة القديمة في نظر صاحب المقالة منزوية معزولة ، قد نسختها الفلسفة الحديثة ، حيث وصف الاخيرة بأنّها مفتاح طريق السعادة البشريّة إلي جادّة الرقيّ والتكامل . ونجد لزاماً قبل البحث والدخول في صلب الموضوع والتعمّق فيه البحث في مواضع الخطأ ومواقع الهفوات ، أن نذكّر بهذه النكتة : إنّ إطلاق لفظ القديم و الحديث علي أيّ فلسفة أو علم أو دين أو اتّجاه أو مدرسة يعبّر عن النيّة بوأد القديم منذ الخطوة الاُولي ، ولتوجيه السامع نحو هذا الحديث مهما كان . وهذا الاُسلوب من أنجح أسلحة الاستعمار وأكثرها فعّاليّة ، فهو يحاول منذ الوهلة الاُولي باستعمال عنوان القديم والقِدَم ، المتضمّن لمعاني التهرّؤ والرثاثة ، أن يُخـطر ذلك المعني والمحـتوي ويرسّـخه في ذهن السامع ، ليبعد القديم عنه إلي الابد ويُهـيل عليه تراب النسـيان ، لئلاّ يدور في خلده يوماً حتّي مجـرّد الرغبة في رؤيته والتطـلّع لمنظـره الظاهريّ الخارجيّ . العلوم والمعارف الإسلامیّة لن تندرسنلحظ تسميتهم مدارس طلبة العلوم الدينيّة والمعارف الاءسلاميّة بالقديمة ، والجامعات السائرة علي المنهج والاُسلوب الاُوروبّيّ بالحديثة ، فيكونون بعملهم هذا قد مهّدوا للقضاء علي العلم والمعرفة والدين والحقيقة والشرف والاءنسانيّة والرسول والاءمام والملك والحديث والقرآن ؛ وروّجوا في المقابل للمادّيّة وأُبّهتها ومظاهرها الخلاّبة ، وصادقوا علي كيفيّة تنشئة الجيل الجديد ليكونوا عبيداً وأسري للثقافة المنحطّة والاخلاق المشؤومة لاُمم اليهود والنصاري من الشرق والغرب . أي أنّهم بقولهم إنّ هذه الدراسة حديثة وتلك قديمة قد قطعوا نصف الطريق ، بل ثُلثيه وصولاً إلي أهدافهم المشؤومة الشرّيرة . فالله سبحانه أقدم من كلّ قديم ، وهو أجدّ من كلّ جديد ، يستوي عنده القِدَم والحداثة ، فهو موجود دوماً ، وحيّ وعالم ومحيط دوماً ، لانّ له أصالة وثباتاً ، يقابلهما زوال واضمحلال ما سواه . إنّ نبيّ الاءسلام ، ودراسة القرآن ، والبحث في التأريخ الاءسلاميّ ، والفلسفة والعلوم الاءسلاميّة ، وحكمة الاءسلام وعرفانه ، وصولاً إلي جميع الفنون المتفرّعة عن شريعته المقدّسة ، من علم التفسير وعلم الحديث ، وحتّي العلوم التمهيديّة كالمنطق والعربيّة والادب العربيّ الذي يسلّط الضوء علي لسان ولغة هذا النبيّ العظيم وهذه الآية الاءلهيّة العظمي ، هي كلّها حديثة ذات غضارة ونضارة ، أشبه ببرعم غضّ فتح للتوّ أكمامه في جُنينة الورد ذي العبير الفوّاح ، تتأبّي علي القدم والاندراس . أمّا تلك العلوم التي تبحث أصالة عن المادّة أو تؤول إلي التوسّع المادّيّ والمأكل الجيّد والاجترار الجيّد ، الخاوية من آثار الاءنسانيّة والكمال والحكمة الاءلهيّة والعرفان الاءلهيّ ، فهي من المخلّفات والبقايا العتيقة المندرسة للاُمم والاقوام الهمجيّة وإنسان الغاب الحيوانيّ الذي تلبّس بالطراز الحديث ، فصارت وحشيّته وهمجيّته القديمة حديثة . فهم يسقون شبابنا الصاعد باسم المدنيّة والتكامل نفس الوساوس والافكار الشيطانيّة ، ويضعون في رقابهم نير العبوديّة ( عبوديّة النفس ) ، ويحرمونهم من جميع مزايا الاءنسانيّة باسم وعنوان جديد وضمن قالب وأُسلوب حديثَين .[1] وينبغي لهذا الامر أن تُستبدل كلمة قديم التي استعملت للفلسفة والمدارس بكلمة أصيل . و أمّا إشكالنا وبحثنا في اعتبارهم الفلسفة قديمة معزولة منزوية ، فهو أنّ علم الفلسفة الذي يُدعي بالحكمة ويُدعي صاحبه بالفيلسوف و الحكيم ، من أشرف العلوم التي حصل عليها الاءنسان في تأريخ البشريّة إلي الآن من بين جميع العلوم ، لا نّه علم بناء الاءنسان ضمن قدرات البشر وطاقاته . آيات القرآن الکريم ترغّب البشر في تعلّم الحکمةولقد جاء ذكر الحكمة في موارد عديدة من القرآن الكريم ، وصف فيها الباري تعالي شأنه نبيّه الكريم في مقام امتداحه له بأ نّه يعلّم الناس الحكمة : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاْمّـِيّـِنَ رَسُولاً مِّنهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـ'تِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكَمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَـ'لٍ مُّبِينٍ .[2] ونلحظ هنا أنّ الله سبحانه يعدّ تعليم علم الحكمة وظيفة وواجب نبيّه الكريم ، وجليّ أنّ هذه الحكمة غير القرآن ، لا نّها وردت قسيماً لكلمة الكتاب ومعطوفة عليها ؛ وأ نّه يعتبر الناس قبل البعثة في ضلال مبين لافتقادهم علم الحكمة والرشد والتكامل الاءنسانيّ . ويذكر كذلك دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام خلال بناء الكعبة أن : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . [3] وبعد ذلك يدعـو الاب والابن صاحـبا الشـأن العظـيم وعبـدا الله المخلصان هذان ربّهما بهذا الدعاء : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـ'تِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . [4] ونري هنا أنّ أفضل دعاء وابتهال لهذين النبيّين الجليلين ؛ في ذلك الظرف الخطير وتلك اللحظات العظيمة في بناء الكعبة ورفع جدار قِبلة المشتاقين لسلوك طريق المحبوب ، ومن شدّهم الوجد للقاء المعشوق ، والمتلهّفين لاجتياز المادّيّات الملوّثة للطبيعة فانشغلوا بقطع الدنيا وهم فيها إلي ماورائها من عوالم ؛ هو أن يبعث في هؤلاء القوم نبيَّ آخر الزمان : محمّد بن عبد الله ليعلّمهم الكتاب والحكمة ، فيخرجهم من زُمرة البهيميّة ، ويربّيهم ويهديهم للتكامل ولبلوغ أوج كمال الاءنسانيّة . فكم هو قيّم جليل عِلم الحكمة ليدعو به إبراهيم وإسماعيل واضعا الحجر الاوّل في بناء التوحيد وشريعة الاءسلام المقدّسة ، ليكون من نصيب الثمرة الوحيدة التي تمخّض عنها عالم الوجود ، وثمرة فؤادهما الذي تمثّلت فيه أرقي وأسمي نماذج الحياة . ثمّ يقول تعالي بعد ذلك بلا فصل : وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَ هِـمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ . [5] ويُستكشف من هذه الآية أوّلاً : أنّ السفهاء و المتخلّفين فقط هم الذين يُعرضون ويرغبون عن ملّة إبراهيم وسنّته . و ثانياً : حسب قاعدة عكس النقيض ، فإنّ : كُلُّ مَنْ لَمْ يَسْفَهُ نَفْسَهُ ، يَرْغَبُ فِي مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ ، أي أنّ : كُلّ عَاقِلٍ يَرْغَبُ فِي مِلَّتِهِ . ووفقاً للمنطق القرآنيّ فإنّ الحكماء والفلاسفة الاءلهيّين الذين تبعوا هذا النهج والسنّة هم العقلاء ، أمّا المعرضون عن الحكمة فهم السفهاء الجهلة . احترام الإسلام لحکماء اليونان ونزول سورة لقمانولقد مُنح علم الحكمة ـ سوي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم للكثير من الانبياء الاءلهيّين ، ك داود عليه السلام [6]، و عيسي ابن مريم عليه السلام ،[7] بل يستفاد من إحدي الآيات الشريفة أنّ الحكمة قد وهبت ل جميع الانبياء عليهم السلام[8] ؛ مضافاً إلي أنّ الله سبحانه يؤتي علم الحكمة لعباده المصطفين والمباركين الذين هم مورد لطفه ومشيئته ، وقد عدّ ذلك من الخير الكثير : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . [9] وقد أورد الله سبحانه اسم أحد حكماء اليونان في القرآن وأنزل سورةً باسمه يذكر فيها كثيراً من كلماته ومواعظه وأحاديثه الحكميّة كدرس وقدوة خالدة للبشريّة . وهذا الرجل هو لُقْمَان ، وسميّت السورة القرآنيّة باسمه : سورة «لُقْمَان» : وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـ'نَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ . [10] وفي سورة الاءسراء حيث يعدّد سبع عشرة آية في التوحيد وفي الحدّ الاعلي من مكارم الاخلاق ، يقول بعدها مباشرة : ذَ لِكَ مِمَّآ أَوْحَي'´ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ فَتُلْقَي' فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا .[11] ومع أنّ كلـمة الحـكمة التي استعـملت في هذه الآيات ونظـائـرها لم تكن لتعني خصوص الحكمة اليونانيّة ، وذلك أوّلاً : باعتبار أنّ الحكمة وردت بمعناها الكلّيّ والعامّ ، وهو بمعني علم معرفة الاءنسان ، وموقعه من خالقه ، وعلاقته بالعالم وبالآخرين ، ومراتب علاقة الجسم وروحه والتأثير المتبادل بينها ، وبرنامج ضمان خير الاءنسان وسعادته المطلقة ، أي أ نّه فُسّر بعبارة موجزة بالعلم بحقائق الاشياء حسب إمكان البشر وقدرتهم . وثانياً : أنّ الفلسفة والحكمة اليونانيّة التي رُغّب فيها متكفّلة ببيان هذه المطالب ، ممّا يمكن اعتبار أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً لحقيقة الحكمة مع الحكمة اليونانيّة ، وقد جاء في الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت مدح الحكماء الاءلهيّين اليونانيّين والثناء عليهم . وقوف الفلاسفة الإلهيين اليونان في وجه الماديّينوفي الحقيقة ، فإنّ لهم الحقّ والفضل العظيم علي المجتمع البشريّ وعالم الاءنسانيّة والموحّدين وأصحاب الفضائل والمكارم ، فقد نهض العلماء العظام المرموقون الموحّدون في اليونان في وقت طغت فيه فلسفة السوفسطائيّين وبثّت الشكّ في كلّ أمر بديهيّ ، وساقت البشريّة إلي عالم الموهومات والتفكّك ، وانتشرت وطغت فيه فلسفة الكلبيّين وأدّت إلي نهب أموال الناس وأطعمتهم ، فقام هؤلاء العلماء اليونانيّون الموحّدون العظماء فشمّروا عن هممهم وأنجبوا ـ بالمجاهدات العظيمة وتشكيل حلقات الدرس والمدارس التوحيديّة علي أساس البرهان والشهود التلامذة العظماء ، وهزموا الاتّجاه المادّيّ في اليونان بالرغم من كلّ المشاكل والمصائب والشدائد التي صُبّت عليهم واستلزمتها مجاهداتهم . فقد ابتدع المادّيّون تبعاً لابيقور (أبيكور) فلسفة هي أساس المذهب الحسّيّ ، قالوا فيها إنّ سعادة الاءنسان تكمن في لذّاته النفسيّة التي لا يمنع منها إلاّ الحياء والعفّة ونظائرها من الاوهام التي أثقل الاءنسان بها نفسه وسمّاها بالفضائل ، لذا يلزم الاءنسان أن يتخلّص من هذه الفضائل لينال سعادته ، وهكذا صار ، فكان هؤلاء كّما عرفوا بوجود وليمة ومأدبة انقضّوا عليها فالتهموا ونهبوا كلّ الطعام الموجود . وكان تحمّل هذا الامر صعباً علي أشراف اليونان ، الذين عزّ عليهم أن تُنتهب أمام أعينهم المآدب التي أعدّوها لضيوفهم ، ولم يروا بدّاً من استئجار أفراد خاصّين في منازلهم يقفون متأهّبين والنعال في أيديهم لينهالوا بها ضرباً علي رؤوس هؤلاء . وكان الفلاسفة المادّيّون ، ومن بينهم أبيقور نفسه ، إذا أحسّوا أنّ النعال ستنهال عليهم لجأوا إلي الهرب ، وإلاّ فإنهم كانوا يهجمون فينهبون ولا يدعون لصاحب البيت شيئاً . وكان أُسلوب الكلبيّين هو هذه الطريقة المادّيّة المحضة والاءلحاد الصرف ، الذي يرتضيه الشخص الملحد ولا يتعدّاه قيد أُنملة ، لانّ هذه الفلسفة لا تري معني للحُسن و القُبح و الحلال و الحرام ، فلا زاجر ولا رادع للنفس عمّا تشتهيه وتطمع فيه ، وهذه هي الفلسفة الشيوعيّة . وإذا ما لاحظ الاءنسان أ نّهم يستنكفون عن بعض الاعمال الوضيعة ، أو يستعملون عبارة الحياء والعفّة في كلامهم ، فهم إمّا أن يلفظونها نفاقاً ورياءً وتظاهراً ، أو أن يكون ذلك من رواسب بعض التعاليم الدينيّة الممتزجة في نفوسهم ، مضافاً إليها عدم وضوح مستلزمات نهجهم وفكرهم لديهم بالقدر الكافي .[12] ولقد قام سقراط الحكيم ، وتلميذه العظيم أفلاطون الحكيم ، وتلميذ تلميذه : أرسطو أو أرَسْطاطاليس في تدوينهم علم المنطق والحكمة بهدم أُسس وكيان فلسفة المادّيّين وآثارها ، فدوّنوا فلسفة الاءلهيّين علي أساس الحقّ والواقع ، واستدلّوا علي احتياج عالم الطبيعة إلي ربّ ذي شعور حكيم وحيّ وأزليّ وأبديّ وقادر ، هو مسبّب الاسباب وعلّة العلل ، وبنوا حكمتهم علي أساس مكارم الاخلاق والفضيلة وعالم ما وراء الطبيعة الذي بُرْهِن عليه في البرهان الارسطيّ وفي المشاهدات الاءشراقيّة الافلاطونيّة . وقد جري تدريس كتب أفلاطون وأرسطو في أُوروبّا ، ثمّ قام روجر بيكون ومن بعده فرنسيس بيكون في نهايات القرون الوسطي ( القرون الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ميلاديّ ) ومن بعدهم ديكارت في القرن السابع عشر الميلاديّ ، بهدم أساس الفلسفة الارسطيّة ، واستمرّ ذلك لغاية المائتي سنة الاخيرة عند ظهور نيوتن ، ثمّ تبعه أينيشتَين في عالم الفيزياء ، حيث انصرف اتّجاه عامّة الناس عن التوحيد والمعارف والاخلاق والفضائل ، وعاد إلي المادّيّة وحياة التجمّل وامتطاء الشهوات وعدم إدراك أبعاد الشخصيّة الاءنسانيّة ، وانتهي العمل بتلك المدرسة فلم يعد يُري في أُوروبّا وأمريكا اليوم فيلسوف إلهيّ يقوم بتعليم وتنشئة تلامذة أخلاقيّين ملتزمين ، أو بتدريس كتب أفلاطون وأرسطو ؛ وهو خسارة بل فاجعة كبري حلّت بتلك الاُمم ، كما أنّ التيّار الفلسفيّ في الغرب ، المسمّي بالفلسفة التومانيّة[13] ، والفلسفة التومانيّة الحديثة ، ووجود شخصَين معاصرَين أحدهما فيلسوف ـ ويدعي كابلستون والآخر مؤرّخ للفلسفة ـ ويدعي جيلسون وكلاهما قسّيس متأ لّه ينتمي إلي الفلسفة التومانيّة ، لا يمكنه بمفرده الوقوف أمام مئات المناهج الفلسفيّة المادّيّة والتجربيّة ، بحكم أنّ النادر كالمعدوم ، لا نّها في ضعفها أمام كثرة المدارس المادّيّة بحـيث لا يمكن عدّها في الحسـاب . صار الاءنسـان الذي كان يتحـرّي شخصيّته في اتّباع التعاليم المنقذة للمسيح علي نبيّنا وآله وعليه السلام ، يحثّ الخطي مسرعاً تجاه التمدّن الآليّ وعلوم الميكانيك والطبيعة ، بشكل نسي معه نفسه وشخصيّته وإنسانيّته وشرفه وعزّته، فلم يتمتّع بالدنيا ، بل صار كالآلة والاداة المسخّرة بِيَدِ الميكانيك ، وهذه هي عاقبة ترك تدريس الحكمة اليونانيّة في أُوروبّا . مقولة کارل حول أضرار المدنيّة الجديدة علی البشريّةيقول الدكتـور الكسـيـس كارل في مقـدّمة كتـابه «انسـان موجـود ناشناخته» ( = الاءنسان ذلك المجهول ) : فليس في مقدور الاءنسان الاستمرار في متابعة التمدّن الآليّ في الطريق الذي سلكه ، لا نّه يؤدّي إلي الانحطاط ، فلقد بهرته علوم المادّة بجمالها حتّي سلبت عقله وشغفت لبّه ، وصار جسمه وروحه يخضـعان لقوانين معقّدة هي أشبه بقوانين عالم النجوم التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، ولا يمكنه تخطّيها بدون التعرّض لخطرها وأضرارها . لذا فإنّ من الضروريّ التعرّف علي العلائق التي تربط الاءنسان قهراً بالعالم وبأمثاله من البشر ، والتعرّف علي الروابط بين أنسجته وروحه . وفي الحقيقة فإنّه ينبـغي أن يُقدَّم الاءنسان علي كلّ شيء آخر ، لانّ جمال التمدّن سيزول بانحطاط الاءنسان ، بل وحتّي عظمة عالم النجوم ، وقد أُ لّف هذا الكتاب من أجل هذا الامر .[14] وكان فردريك كودر الذي شمل نظره الصائب أُوروبّا عبوراً من أمريكا ، هو الباعث والمحرّك لتأليف هذا الكتاب . وبكلّ تأكيد فإنّ كثيراً من الاُمم ستسير في الطريق الذي خطّته وبدأته أمريكا الشماليّة ، لانّ جميع الممالك قد قبلت بروح المدنيّة الصناعيّة وطرقها بلا تبصّر ، وستواجه إنجلترا أو روسيا ، ألمانيا أو فرنسا نفس المخاطر التي تواجهها أمريكا حاليّاً . ينبغي لاهتمام الاءنسانيّة وتوجّهها أن يتحوّل عن الآلة والمادّة إلي جسم الاءنسان وروحه ، وأن يُعطَف علي الكيفيّات البدنيّة والمعنويّة التي بدونها لن يكون للآلات ولعالَم نيوتن وأينيشتَين من وجود . إنّنا نفهم تدريجيّاً ضعف تمدّننا ، وهناك الكثير ممّن يتمنّون اليوم النجاة والخلاص من قيود أسر المجتمع الحالي ، وهم الذين أُ لّف هذا الكتاب من أجلهم ، وكذلك من أجل المفكّرين المتطرّفين الذين يعتقدون ليس فقط بوجوب إحداث تغييرات في الشؤون السياسيّة والاقتصاديّة ، بل بوجوب انقلاب وتغيير جذريّ في أُصول المدنيّة الصناعيّة ، ويتمنّون طريقاً آخر للرقيّ الاءنسانيّ .[15] وكان مستر فرنكل وهو من رجالات الاءنجليز يتأسّف علي إلغاء تدريس الفلسفة اليونانيّة في أُوروبّا ، فيقول : بالرغم من أنّ المتأخّرين عنّا قد بلغوا الذروة في العلوم والصناعات ، لكنّهم لم يصلوا إلي عُشر ما وصل إليه اليونانيّون ، لذا فلو كانت تلك الكتب باقية إلي اليوم ، وأُضيفت علوم اليونان إلي علوم الناس الحاليّة ، فستصبح دنيا اليوم جنّة لا يمكن أن نجد فيها شبراً واحداً إلاّ وهو معمور بأنواع العلوم والفضائل . [16] لقد عاش أفلاطون قبل بعثة عيسي ابن مريم علي نبيّنا وآله وعليه السلام بخمسمائة عام ، وقد نُسب إليه افتراءً أ نّه قال : إنّ شريعة عيسي وُضعت لضعفاء العقول ، لكنّي ـ وقد لمستُ الحقيقة لن أخضع لهذه الشريعة ؛ فقد عاش كما ذكرنا قبل بعثة السيّد المسيح ، وكان أُستاذاً لارسطو ، وكان أرسطو بدوره أُستاذاً ووزيراً للاءسكندر المقدونيّ ، الذي دُوِّن عصره في صفحات التأريخ . وكان لافلاطون حكمة الاءشراق ، وكان يرأس سلسلة الرواقيّين ، وكان يحصل له كشف الحقائق والمعارف الاءلهيّة بالرياضات والمجاهدات الباطنيّة عن طريق تصفية الباطن ، في حين كان أرسطو تلميذ إفلاطون يمتلك حكمة المشّائين ، ولم يكن ليعتني بالباطن أو يعتمد عليه أبداً ، بل أسّس المسائل الحكميّة من وجهة نظر البرهان فقط . وقد بني الاءسكندر بعد فتحه بلاد المشرق ميناء الاءسكندريّة في مصر وأسّس فيها مدرسة قام تلامذة إفلاطون بالتدريس فيها ، فدُعيت طريقتهم ب الطريقة الافلاطونيّة الجديدة لضمّها بعض قوانين أفلاطون إلي جنب بعض الاءضافات الجديدة الاُخري ، حيث بقي هذا المذهب إلي زمن فتح الاءسكنـدريّة علي يد المسـلمين زمن عمر ثمّ انهـار بعد ذلـك ، وكان أحد كبار هذا المذهب يدعي ثاميطـورس وقد أسلم ودُعي بعدها باسـم يحيي النحويّ . أمّا كتاب الاُثُولوجيا ،[17] وهو كتاب مختصر ونافع ، فقد أُ لّف علي أساس الحكمة الاءشراقيّة من قبل أفلوطين أحد أتباع هذا المذهب ، ونسبه البعض خطأً إلي أرسطو . وقد تُرجمت كتب اليونان في الطبّ والفلسفة والهيئة والهندسة إلي العربيّة زمن الاءمامَينِ الرضا والجواد عليهما السلام من قبل حُنَين العباديّ ، وقد حرّر ثابت بن قُرَّة أُصول أقليدس ، وكان أوّل من هذّبه وحلّ مشكلاته ومعضلاته . وبالرغم من ترجمة هذه الكتب إلي العربيّة من قبل الخلفاء العبّاسيّين وبأمرهم ، ولكن لايوجد هناك أيّ دليل علي أنّ ذلك قد حصل من أجل معارضة الائمّة عليهم السلام . ذلك أنّ الطبّ والفلسفة والهندسة وأمثالها من العلوم لا تخلو فقط من معارضة مدرسة أهل البيت ، بل إنّها كانت موافقة لها ، فالبرهان والمنطق يوضّحان بصورة أفضل الاقوال الحقّة لائمّة الدين ، ولم يكن مدّعاهم خاطئاً ليخشوا ويقلقوا من المنطق والقياس . وكان جمع من تلامذة الاءمام الصادق عليه السلام ، أمثال محمّد بن النُّعمان المعروف بالاَحْوَل ومؤمن الطاق وهِشام بن الحَكَم من أهل الجدل والبرهان ، والحاصل من دراسة حياة هشام بن الحكم علي وجه خاصّ أ نّه قد عرف الفلسـفة ودرسـها ؛ وكان هؤلاء يصـرّون بتوظـيف منطـقـهم وبرهانـهم القـويّ القـويم علي إشاعة مدرسـة الولاية وإثـبات حقّانيّتها . جمع صدر المتألّهين بين العقل و الشرع والشهودولقد بقيت حكمة المشّائين وكتب أرسطو تدرّس بشكل مستمرّ في المدارس والمساجد حتّي أ لّف المعلّم الثاني : الفارابي ، و الشيخ الرئيس ابن سينا كتباً مسـتقلّة في الفلسـفة ، وظهر علماء ، جيـلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر ، من أمثال ابن فَهد ، و ابن مسكويه ، و ابن رُشد ، و الخواجة نصير الدين الطوسيّ ، [18] و ميرفندرسك ، و الميرداماد الذين أوضحوا وبيّنوا عالم الاءسلام والتوحيد والنبوّة والاءمامة والمعاد والاخلاق ومكارم الفضائل بنور معارفهم في تفسير القرآن وبيان حقائقه العلميّة والفلسـفيّة ، حتّي وصل الامر إلي أفضل الحكماء وأشرف الفلاسـفة الاقدمين من المتقدّمين والمتأخّرين ، صاحب مدرسة الاءشراق وحائز معارف المشّائين ، الجامع بين العرفان والبرهان ، وبين صفاء الباطن وقوّة البرهان والمنطق : صدر المتأ لّهين الشيرازيّ أَعْلَي اللَهُ دَرَجَتَهُ وَجَزَاهُ اللَهُ عَنِ الاءسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ وَعَنِ التَّفَقُّهِ وَالتَّفَكُّرِ وَالعِلْمِ خَيْرَ جَزَاءِ المُعَلِّمِينَ . فقد عاش عمراً في الزهد والعرفان مع ذكائه ومواهبه الفريدة ونبوغه الذاتيّ المكتسب ؛ جمع في أُسلوبه بين مدرسة المشّائين والاءشراقيّين وأهل التفسير والحديث ، وخطي خطواته في ساحة المجاهدة والشهود مع احترامه وإكرامه لصاحب الشريعة والقرآن ومقام الولاية الكبري لحلّ المعضلات من الروايات ، والتفسير المشكل من الآيات ، وللوصول إلي أعلي درجات اليقين والورود إلي مقام الصدّيقين ، محلّقاً بجناحَي العلم والعمل ، فحلّ مسائل الفلسفة ببرهانه المتين ، وأضاف خمسمائة مسألة مبتـكرة علي مسـائل الحـكمة اليونانيّة التي لم تتـجاوز أُصـولها المائتي مسألة ، فأوصل مسائل الحكمة إلي سبعمائة مسألة . وجوب إحياء تدريس «الأسفار الأربعة» في الحوزات العلميّةولقد هدم صدر المتأ لّهين أُصول الفلسفة اليونانيّة وصار بنفسه موسّساً لفلسفة جديدة ومعجون يلائم الطبع من حكم الفطرة وحكم العقل وحكم الشرع ، صاغه بفكره الصائب من بين آلاف الكتب في الفلسفة والحديث والتفسير ، فسقي منه عشّاق العرفان ، ومشتاقي الاستدلال والبرهان ، والمتلهّفين من المتشرّعين وأهل الاءيمان ، ثمّ أ لّف العديد من الكتب التي كان من أهمّها كتاب «الاسفار الاربعة» ، فبعث حياة جديدة في العلم والبرهان ، وفي اليقين والعرفان ، وفي الشرع والاءيقان ، وصار ملجأً ومأوي للحكماء الصادقين في دفع وردّ شبهات المنكرين والملحدين من المادّيّين والزنادقة والمنحرفين عن الولاية المطلقة الكلّيّة ؛ وسنداً وناصراً للقرآن بحيث أضحي الجميع في السنين الاربعمائة الاخيرة يجلسون إلي مائدته ويرتوون من شرابه المعين ، ويستنشقون من بركات أنفاسه القدسيّة ورحمات كتبه المؤلّفة السنيّة . [19] ولا زال هذا الكتاب رائجاً مستعملاً في الحوزات المقدّسة العلمية لطلبة العلوم الدينيّة ، وما برح هذا السِّفر العظيم والرسالة المُبينة التي ترتكز علي أصالة التوحيد ، تبحث وتدرّس ويزداد رونقها يوماً بعد يوم بحمد الله ومنّه ، حيث تُظهِر عقم الفلسفة الغربيّة الخاوية برغم أنف أنصار المدرسة المادّيّة وأتباع الزندقة والمبهورين بفلسفة الغرب . فالحوزات العلميّة منهمكة بتدريس هذا الكتاب ، سواء في النجف الاشرف ، أم في بلدة قم الطيّبة ، أم في دار العلم إصفهان ، أم في المشهد الرضوي المقدّس وسائر أمكنة العلم ومراكز المعرفة ، ممّا بَهَر الخفافيش من معاندي الاءسلام ! ألا يحزّ في النفس أن نتمنّي زوال بحث وتدريس هذا السِّفر الجليل في الحوزات العلميّة تحت مبرّر الفلسفة القديمة ، [20] ونتشدّق بالحديث عن العالم الفارغ ل بيكون والفلسفة الخاوية ل كانت وديكارت ؟! أو نبحث عن العون في ملاقحة الفقه مع الفلسفة الجديدة من أفكار فرويد و برتراند راسل ؟! فنُجيز عمل اللواط ونهج قوم لوط الذين يندي لذكر قبائحهم جبين البشريّة ؟! أو نتابع مجلس الاعيان الاءنجليزيّ فنوقّع علناً علي شرعيّة اللواط ؟ ألاَ ترتوي مقالة « بسط وقبض نظريّة الشريعة » من ذاك النبع ؟ أفهل يتمخّض دخول الفلسفة الحديثة في الحوزة العلميّة ، وإلغاء تدريس الفلسفة المانحة للحياة والسعادة وحصاد ألف سنة من أفكار علماء مثل ابن سينا والفارابيّ والميرداماد في القالب الفكريّ البِكر الفريد للملاّ صدرا الشيرازيّ عن غير هذه النتيجة ؟ لقد قال المرحوم آية الحقّ وسند الفلاسفة الحكيم الاعظم آية الله المفخّم الحاجّ الميرزا مهدي الاشتيانيّ أعلي الله درجته ، وكان فيلسوفاً عظيماً ونابغة في الحكمة والفلسفة عند عودته إلي طهران بعد سفره للمعالجة وإجراء عمليّة جراحيّة في ألمانيا : حين رقدتُ في المستشفي في ألمانيا جاء جميع الفلاسفة هناك لرؤيتي بسبب شهرتي لديهم ، وقد بحثتُ معهم في أُصول مسائل الفلسفة ، فشاهدتُ حقّاً أنّ معلوماتهم تقلّ عن معلومات أحد الطلبة المبتدئين في حوزاتنا . [21] القول بعدم الاحتياج للعلوم العقليّة ، کقول عمر : «حسبُنا کتاب الله»أمّا قول القائلين بأ نّنا لا نحتاج إلي العلوم العقليّة والحكمة ، وأ نّنا نستفيد ممّا ورد من العلوم العقليّة في أخبار الائمّة عليهم السلام ، أمّا سوي ذلك فلا حاجة لنا به ؛ فيماثل كلام عمر حين كتب إلي عمرو بن العاص حاكمه في مصر : وَأَمَّا الكُتُبُ الَّتِي ذَكَرْتَهَا ، فَإنْ كَانَ فِيهَا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللَهِ ، فَفِي كِتَابِ اللَهِ عَنْهُ غِنَيً . وَإنْ كَانَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَهِ ، فَلاَ حَاجَةَ إلَيْهِ . فَتَقَـدَّمْ بِإعْدَامِـهَا ؛[22] فَشَـرَعَ عَمْرُو بْنُ العَاص فِي تَفْرِيقِـهَا عَلَي حَمَّـامَاتِ الاءسْكَنْدَرِيَّةِ وَإحْرَاقِهَا فِي مَوَاقِدِهَا . [23] فهذه المقولة بمثابة سدّ باب التحقيق والتدقيق ونشر علوم وثقافة الدنيا والآخرة ، وهي ذات قول عمر : حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ . فلو لم يكن هناك مفسّر وحارس للقرآن كالعترة ، فإنّه سيصبح وسيلة لكلّ جانٍ جائر يحتجّ ويستشهد بآيات القرآن علي حكومته الجائرة ؛ وكذا الامر في فهم روايات الائمّة عليهم السلام باعتبارها ليست في مرتبة واحدة ، ولاستناد الكثير منها إلي علوم دقيقة عقليّة ، فإن لم تجرِ الاستعانة بالعلوم العقليّة في حلّ تلك الدقائق والمعارف العظيمة ، فإنّ عاقبتها ستكون الجمود علي الظواهر ، نظير التشبيه والتعطيل والتجسيم والجبر والتفويض ، أو كالشيخيّة والاخباريّين في فهمهم المعاني السخيفة والمتدنّية من كتاب الله ، واستنباطهم المفاهيم السطحيّة التافهة من الروايات ، وحاشاه وحاشاهم عن مثل ذلك . الاهتمام البالغ لحوزة النجف بتدريس الفلسفة والعرفانلقد كتب آية الله الشهيد الحاجّ السيّد محمّد علي الطباطبائيّ القاضي رضوان الله عليه في تعليقة له علي كتاب «الفِرْدُوسُ الاَعْلَي» لآية الله المعظّم الحاجّ الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء عدّة مطالب في مقدّمتها نوردها هنا لاهمّيّتها : كانت جامعة النجف في كلّ الازمنة مركزاً للبحوث والتحقيقات العلميّة والفلسفيّة والذبّ عن حريم الاءسلام المقدّس : وليعلم إخواننا بالقطع واليقين أنّ من نيّات أعداء الدين وخصماء المذهب من الاُمم الاجنبيّة ومن مكايدهم الممقوتة ، هدم أساس هذه الجامعة ومحوها وإبادة مجدها وعظمتها وحطّها عن مقامها الشامخ في عالم التشيّع ونسف حضارتها العلميّة ونزعاتها الدينيّة ، ولهم السعي البليغ في تهيئة أسباب ضعفها وسقوطها واضمحلالها وإرجاع الناس إلي غيرها وترغيبهم إلي سواها في أمر التقليد والفتوي ، وتحكيم الجمود علي أفرادها وسوقهم إلي نبذ أغلب العلوم إلي ورائهم ظهريّاً ، والاكتفاء ببعض العلوم التي لا يكفي في قلع أساس الاباطيل والاضاليل وقمع جرثومة الزندقة والاءلحاد ، كما فعلوا ذلك كلّه بالنسبة إليها بعد أوائل هذا القرن ،شاهدنا ذلك في السنين الاخيرة وفي أثر ذلك توقّف جمع من الاساتذة في هذه الجامعة عن دراسة بعض العلوم ، وَصَارَ هَذَا الاَمْرُ مِنَ الجِنَايَاتِ الَّتِي لاَ يَسُدُّهَا شَيءٌ إلاَّ التَّيَقُّظُ وَسَدُّ هَذِهِ الثُّلْمَةِ بِالحُرِّيَّةِ التَّامَّةِ فِي تَحْصِيلِ العُلُومِ بِشَتَّي أَنْوَاعِهَا . [24] ويقول المرحوم كاشف الغطاء في هذا الكتاب : وَالظَّاهِرُ بَلِ اليَقِينُ أَنَّ أَقْوَي المُسَاعِدَاتِ وَأَعَدَّ الاَسْبَابِ وَالمُوجِبَاتِ لِلْوُصُولِ إلَي مَقَاصِدِ أُمَنَاءِ الوَحْيِ وَكَلِمَاتِ الاَنْبِيَاءِ وَالاَوْصِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ إنَّمَا هُوَ فَهْمُ كَلِمَاتِ الحُكَمَاءِ المُتَشَرِّعِينَ . [25] وقد كتبتُ رسالة مختصرة لم تطبع حتّي الآن في وجوب الاهتمام بتعلّم الحكمة والعرفان ، دوّنتُ فيها أسماء جمع كثير من جهابذة العلماء وأساطين الفقاهة الشيعيّة من صدر الاءسلام إلي الآن ممّن كان لهم اهتمام أكيد بعلم الفلسفة والعرفان ، وكانوا بالرغم من حيازتهم مقامات عالية في الفقه والحديث يعدّون من المدرّسين الاجلاّء لهذه العلوم . [26] الارجاعات: [1] يقول صديقنا العالم المعظّم الشهيد الحاجّ الشيخ مرتضي المطهّريّ رحمة الله تعالي عليه في كتاب «الاءنسان الكامل» ، بالفارسيّة ، ص 194 و 195 : يقول العالم الاءيطاليّ ميكافيللي ، الذي يدور أساس فلسفته حول مسألة التفوّق والسيادة : إنّ الشيء الوحيد الذي ينبغي النظر إليه في الدنيا هو التفوّق والسيادة ، ولا قيمة هناك لايّ شيء آخر ، إلاّ أن يكون مقدّمة للوصول إلي التفوّق والسيادة . فالكذب والحيلة والخداع والمكر كلّها مباحة في سبيل الوصول إلي التفوّق والسيادة . وهناك فيلسوف آخر ألمانيّ يُدعي نيتشه ـ جُنّ في أواخر عمره ـ كان يعتقد أنّ أساس القدرة وأساس الاخلاق يتمثّل في القدرة . وهناك فيلسوفان غربيّان أحدهما ديكارت الفرنسيّ والآخر بيكون الاءنجليزيّ طرحا نظريّة قبل ذلك بأربع قرون بشأن العلم ، فقالا : إنّ شرف العلم وفضيلته هو في الاستفادة منه لتطويع الطبيعة . لذا فقد أسقطا شرف العلم من أصالته . وبالرغم من أنّ هذه النظريّة قد أعقبت إعمار الطبيعة بِيَدِ الاءنسان ، لكنّها بنفسها قد أفسدت الاءنسان بِيَدِ الاءنسان نفسه . [4] ـ الآية 129 ، من السورة 2 : البقرة . يروي الخطيب البغداديّ في كتاب «تقييد العلم» ص 146 و 147 ، بسنده المتّصل عن محمّد بن حُجَادة ، عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله قال : لاَ تَطْرَحُوا الدُّرَّ فِي أَفْوَاهِ الكِلاَبِ . يقول ابن بكّار : علي ما أعلم فإنّ مراد النبيّ كان العلم ـ انتهي . وأورد الشيخ هادي كاشف الغطاء في «مستدرك نهج البلاغة» ص 158 : قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلاَمُ : الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ وَالسَّعِيدُ مَنْ وَعَظَ بَغَيْرِهِ . (وَالمَرْوِيُّ فِي «النَّهْجِ») : الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ . وَفِي «تُحَفَ العُقُول» : فَلْيَطْلُبْهَا وَلَوْ فِي أَيْدِي أَهْلِ الشَّرِّ . وأورد في «المستدرك» كذلك ، ص 178 أ نّه عليه السلام قال : الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ، فَاطْلُبُوهَا وَلَوْ عِنْدَ المُشْرِكِ ، تَكُونُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا انتهي كلام صاحب «المستدرك» . وأورد الحكيم المحدّث المفسّر العالم الاءسلاميّ الكبير الملاّ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ قدّس الله نفسه في كتاب «المحجّة البيضاء» ج 1 ، ص 91 : وَقَالَ عِيسَي عَلَي نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيهِ السَّلاَمُ : لاَ تَضَعُوا الحِكْمَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا ، وَلاَ تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ ! كُونُوا كَالطَّبِيبِ الرَّفِيقِ يَضَعُ الدَّوَاءَ فِي مَوْضِعِ الدَّاءِ . وَفِي لَفْظٍ آخَرَ : مَنْ وَضَعَ الحِكْمَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا جَهِلَ ؛ وَمَنْ مَنَعَهَا أَهْلَهَا ظَلَمَ . إنَّ الحِكْمَةِ حَقَّاً ؛ وَإنَّ لَهَا أَهْلاَ . فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ . [5] ـ النصف الاوّل من الآية 130 ، من السورة 2 : البقرة . [6] ـ الآية 251 ، من السورة 2 : البقرة : وَقَتْلَ دَاوُ و دُ جَالُوتَ وَءَاتَـ'هُ اللَهُ الْمُلْكَ وَالْحَكْمَةَ وَعَلَّمَهُ و مِمَّا يَشَآءُ . [7] ـ الآية 48 ، من السورة 3 : آل عمران . وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَبـ'ةَ وَالاْءِنْجِيلَ . [8] ـ الآية 81 ، من السورة 3 : آل عمران : وَإِذْ أَخَذَ اللَهُ مِيثَ'قَ النَّبِيّنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مّن كِتَ'بٍ وَحِكْمَِةٍ . [9] ـ الآية 269 ، من السورة 2 : البقرة . [10] ـ الآية 12 ، من السورة 31 : لقمان . [11] ـ الآية 39 ، من السورة 17 : الاءسراء . [12] ـ «نقد فلسفة داروين» ج 2 ، ص 227 و 228 ، وعلّة اشتهارهم بالكلبيّين أنّ أصحاب الموائد كانوا يدعون هذا الطراز من الفلاسفة بالكلاب فيضربونهم بالعظام ويطردونهم ، أو لا نّهم كانوا يهجمون كالكلاب علي أصحاب الموائد . [13] ـ التومانيّة ( Thomism ) : فلسفة توما الاكوينيّ اللاّهوتيّة . [14] ـ يقول أحمد أمين المصريّ في كتابه «يوم الاءسلام» ص 175 و 176 بعد أن أشبع الحديث عن عدم كفاية المدنيّة الغربيّة ، وعن ضرورة الاعتقاد بروحانيّة الشرق ، وعن الخسائر التي لحقت بالعالم إثر انغماره في الاخلاق والتربية الغربيّة : ولو حكمنا بالظاهر لقلنا إنّ مادّيّة سليمة تخضع للعقل وتنجح في الحياة وتسيطر علي العالم خير من روحانيّة فسـدت ومبادي قويّة تعفّنت ، ولكن ليـس هذا إنصافاً في الحكم ، فما نتيجة هذه المادّيّة الناجحة ؟! إنّها مدنيّة روّعت العالم وجعلته علي بركان يوشك أن ينفجر ، وهو كلّ يوم في اختراع جديد يهدّد العالم بالفناء ، فما نتيجة القوّة إذا كانت محطّمة ، وما قيمة القصر المزوّق إذا ساد سكّانه الفزع ؟! ولو أ نّك سألت أُسرة أُوروبّيّة هل تفضّل أن تعيش عيشة بذخ وترف وتفقد أبناءها في الحروب أو تعيش عيشة وسطاً ولا يهلك أحد منها في حرب ، فما الذي كانت تفضّل ! إنّي لفي شكّ من قيمة المدنيّة الغربيّة إذا نحن قسنا ما أنتجته للعالم من شرور بما أنتجته للعالم من خيرات . فما قيمة آلات وأدوات ومخترعات بجانب أرواح تُحصد وطمأنينة تُفقد ، واستغلال قليل من الناس للكثرة الغالبة من العالم يرهقونهم ويسومونهم سوء العذاب ، وذلك لا نّهم قالوا : إنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ . [15] ـ «انسان موجود ناشناخته» (= الاءنسان ذلك المجهول» ترجمة الدكتور پرويز دبيري ، الصفحتان ح ، ط من مقدّمة المؤلّف الدكتور الكسيس كارل . [16] ـ «نقد فلسفة داروين» ص 47 و 48 . [17] ـ تعني الاُثولوجيا في اللاتينيّة الاءلهيّات بالمعني الاخصّ ، وباعتبار نقلهم إلي العربيّة الحكمة اليونانيّة المدوّنة باللاتينيّة ، فقد اقتبست هذه الكلمة منها ، وبقيت تسمية هذا العلم لدي الفلاسفة علي سابق عهدها . 18] ـ يلزم أن نورد هنا ـ بالمناسبة المدح والثناء الذي ذكره الآية الاءلهيّة في الادب والعربيّة والفقه والاُصول والحكمة ، نادرة الزمان آية الله الحاجّ ميرزا أبو الفضل الطهرانيّ ابن آية الله الميرزا أبي القاسم كلانتر صاحب «تقريرات مباحث ألفاظ الشيخ الانصاريّ» ، وأب آية الله الحاجّ الميرزا محمّد الثقفيّ صاحب التفسير الفارسيّ «روان جاويد» (= الروح الخالدة) أعلي الله مقامهم في كتابه النفيس النافع : «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» ، ذيل فقرة وَالْعَنْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، صفحة 304 و 305 في شأن الخواجة نصير الدين الطوسيّ ليتّضح حال الخواجة باعتباره أحد فلاسفة الاءسلام ، يقول : أُستاذ البشر الخواجة نصير الدين رضي الله عنه ، اعترف المؤالف والمخالف بأُستاذيّته طوعاً وكرهاً ، فلُقّب تارةً بأفضل المحقّقين وأحياناً بالعقل الحادي عشر ، ومرّة بسلطان الفقهاء والحكماء والوزراء ، كما في إجازة الشهيد الثاني لحسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائيّ ، وفي موضع قيل في حقّه : أَفْضَلُ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي العُلُومِ العَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ ؛ كما شهد في حقّه العلاّمة والشهيد الثاني ، أو قيل في حقّه : أَفْضَلُ مَنْ شَاهَدْنَاهُ فِي الاَخْلاَقِ ؛ كما قد ذكر العلاّمة في إجازة بني زهرة ؛ وقد أثني عليه مصنّف «الزيج الخاقانيّ» الذي صنّفه باسم الميرزا أُ لُغ بيك ثناءً بالغاً ، فيه أ نّه سُرَّ منه العلم والعلماء ؛ أمّا قول الاُستاذ الاعظم البهبهانيّ في تعليقته علي «رجال الميرزا» فلا أجمل ولا أبدع منه ، فقد قال عنه : لاَ يَحْتَاجُ إلَي التَّعْرِيفِ لِغَايَةِ شُهْرَتِهِ ؛ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَا يُقَالُ فِيهِ فَهُوَ دُونَ رُتْبَتِهِ . والحقّ أنّ ألف غزّاليّ وأفضل من الغزّاليّ ينبغي أن يكونوا من قطّاف عناقيد بيدر تحقيق ذلك المحقّق المشهور والعلاّمة الكبير ، بل لو نظرتَ بعين الاءنصاف ووضعت التعصّب جانباً لامكنك القول إنّ الخواجة رضي الله عنه هو أفضل علماء بني آدم من بدء الدنيا إلي يومنا هذا . ويكفيه فضلاً أنّ علماء الاءفرنج في سعيهم للردّ علي الاءسلام وإنكار إعجاز القرآن من جهة عجز العالم عن الاءتيان بمثله احتجّوا بأ نّه لم يأتِ أحد بما جاء به الخواجة في «المجسطي» أيضاً . وقد عدّه مؤلّف «كشف الظنون» وغيره في أوائل الطبقة الاُولي من المصنّفين واعترف أنّ له علي جميع أهل العلم من كلّ ملّة حقّاً ظاهراً تجب رعايته وحفظه ، ووصلت درجة فضله وتحقيقه إلي حيث لم يرتض الملاّ سعد الدين التفتازانيّ لنفسه أن تصدر منه كلمة مخالفة للتحقيق في شأن إشكال علي توهّم في عبارة «تجريد الطوسيّ» في مبحث الماهيّة ، فيقول : وهذا مؤيّد لنسبة هذا الكتاب إلي غير المحقّق ، مع أنّ شأن كتاب «التجريد» يجلّ عن نسبته إلي غيره . وكلام التفتازانيّ هذا مع ظهور عداوته ومنافسته للخواجة الذي لم يزل أتباعه يئنّون من أذي بنانه وبيانه وضربات سيفه وسنانه ، والحمد للّه علي وضوح الحجّة . وقد عدّ الصفديّ في «شرح لاميّة العجم» الخواجة من الذين لم يصل أحد إلي رتبتهم في فنّ المجسطي ، وتخصيصه هذا كان لعناده . خجسته رهنموني ذو فنوني كه در هر فنّ بود چون مرد يك فنّ لمؤلّفه : فِـي كُـلِّ فَــنٍّ بَـارِعُّ كَـأَ نَّــهُ لَـمْ يَـتَّـخِــذْ سَــوَاء إلاَّ فَـنَّـهُ والخلاصة فإنّ فضائل هذا البحر الموّاج الذي كأ نّه في ظلمات الجهل السراج الوهّاج ممّا تضيق عنه هذه الصفحة . وَيَا عَجَـباً مِنِّـي أُحَاوِلُ وَصْفَـهُ وَقَدْ فَنِيَتْ فِيهِ القَرَاطِيسُ وَالصُّحُفُ ولَنِعْمَ ما قِيلَ : كتاب فضل ترا آب بحر كافي نيست كه تر كني سر انگشت وصفحه بشماري يقول : «إنّ ماء البحر لن يكفي لتبُلّ به أطراف الاصابع فتقلّب بها صفحات كتاب فضائلك» . [19] ـ يمكن معرفة مقام صدر المتأ لّهين ومنزلته من إحدي رباعيّات أُستاذه في علم المعقول : أفضل الحكماء المتشرّعين الميرداماد رضوان الله عليه التي أنشدها فيه : صدرا جاهت گرفت باج از گردون اقرار به بندگيت كرد افلاطون در مكتب تحقيق نيايد چون تو يك سر ز گريبان طبيعت بيرون يقول : « صدرا ؛ لقد فرض جاهك أتاوة علي الفلك ، وأقرّ أفلاطون بعبوديّته لك . لن يأتي نظيرك في منهج التحقيق ، ولن ينجب الدهر أبداً مثلك» . وأنشد في مدحه الملاّ عبد الرزّاق اللاهيجيّ صاحب كتاب «گوهر مراد» (= جوهر المراد) و«شوارق الاءلهام» ، الذي كان تلميذه وصهره عدّة أبيات : افلاطون زمان استاد عالم كه با او دل نيارد ياد عالم جهان فضل را مهد دل افروز شب جهل از فروغش طلعت روز چو او در مُلك دانش صدر گرديد هلال دانه دانش بدر گرديد به يُمن نسبت او خاك شيراز بهاي خون صد يونان دهد باز نيارد مثل او در دانش و هوش فلك گو تا أبد ميگرد و ميكوش يقول : «أفلاطون العصر وأُستاذ العلم ، فالقلب لا يتذكّر العالم إذا كانت في صحبته . أنار مهدُ القلب عالمَ الفضل ، وصار ليل الجهل من إشراقه كطلوع النهار . وحين صار في مملكة العلم صدراً ، أضحي هلال العلم بفضله بدراً . وصارت أرض شيراز بيُمن نسبته اليها ، تعدل دية مائة من مثل اليونان . لن يُنجب العالم مثاه في العلم والكياسة ، ولو اجتهد وسعي الي الابد» . وقد نقل عن الملاّ صدرا أشعار عربيّة كثيرة ، لكنّه لم ينقل عنه شعر بالفارسيّة إلاّ هذين البيتين المذكورين في مجمع الفصحاء : آنانكه ره دوست گزيدند همه در كوي شهادت آرميدند همه در معركة دو كون ، فتح از عشق است هر چند سپاه او شهيدند همه يقول : «إنّ جميع من اختاروا سبيل الحبيب ، رقدوا بأسرهم في طريق الشهادة . ولقد كان الظـفر والفتـح للعشـق في معركة الكونَينِ ، ولو أنّ جنـوده قد استشـهدوا جميعاً» . وقد ذكر في «تفسير سورة السجدة» ص 10 ، أبياتاً بالفارسيّة في عظمة القرآن ، وفي ص 34 ، أبيات في عظمة رسول الله وارتباطه بيوم الجمعة . وقال : أنشدتُ هذه الاشعار حين كنت في حالٍ من الهيام (في حالٍ عرفانيّة) . [20] ـ ينبغي العلم أنّ الفلسفة والحكمة الفعليّة في «الاسفار الاربعة» تغاير كلّيّاً حكمة اليونان ، فقد نقض الملاّ صدرا تلك الفلسفة من أساسها ؛ وهذه الحكمة هي الفلسفة الحقيقيّة والواقعيّة القائمة علي أساس البرهان ، التي يقرّها العقل ويُمضيها ، وهي سند ودعامة لدين الاءسلام المقدّس وشرعه المبين . يقول عبد الحليم الجنديّ في كتاب «الاءمام جعفر الصادق» ص 293 : إنّ الوزير الصنعانيّ (المتوفّي سنة 840 ) صاحب كتاب «ترجيح أساليب القرآن علي أساليب اليونان» يذكر أنّ أئمّة أهل البيت لم يعرفوا المنطق اليونانيّ والارسطاطاليسيّ ، ولم يصوغوا أدلّتهم علي التوحيد في صور منطقيّة ، وإنّما في منهجٍ قرآنيّ أساسه الاعتبار . وإنّ الاءمام عليّاً لم يعرفه في خطبه ومواعظه ، وإنّ الائمّة قدّموا أدلّة التوحيد من غير ترتيب مقدّمات المنطق ولا تقاسيم المتكلّمين . ويقرّر الوزير الصنعانيّ أنّ أُسلوب المسلمين أرجح وأحجي من أُسلوب المناطقة ، (فهذا أُسلوب الانبياء والاولياء والائمّة والسلف من النظر ، وخالفهم بعض المتكلّمين وأنواع المبتدعة فتكلّفوا وتعمّقوا وعبّروا عن المعاني الجليّة بالعبارات الخفيّة) . ثمّ يقول عبد الحليم الجنديّ في ص 279 : يقول روجير بيكون (المتوفّي سنة 1294 ميلاديّة) : لَوْ أُتِيحَ لِيَ الاَمْرُ لَحَرَقْتُ كُتُبَ أَرَسْطُو كُلَّهَا ، لاِنَّ دِرَاسَتَهَا يُمْكِنُ أَنْ تُؤدِّي إلَي ضِيَاعِ الوَقْتِ ، وَإحْدَاثِ الخَطَأِ ، وَنَشْرِ الجَهَالَةِ . [21] ـ ولد في سنة 1306 وتوفّي في سنة 1372 هجريّة ، ومؤلّفاته عبارة عن «حاشية أسفار الملاّ صدرا» ، «حاشية رسائل الشيخ مرتضي الانصاريّ» ، و«شرح منطق حكمة منظومة السبزواريّ» ، و«شرح شفاء ابن سينا» ، و«شرح كفاية الآخوند الملاّ محمّد كاظم الخراسانيّ» ، و«شرح مكاسب الشيخ الانصاريّ» ، و«رسالة في الجبر والتفويض» ، و«رسالة في العلم الاءجماليّ» ، و«رسالة في الطلب والاءرادة» ، و«رسالة في وحدة الوجود» ، و«رسالة في قاعدة لا يَصدرُ عن الواحدِ إلاّ الواحدُ» . [22] ـ الغدير ، ج 6 ، ص 298 و 300 . [23] وللمرحوم آية الله الحاجّ الشيخ مرتضي المطهّريّ كتاب باسم «كتابسوزي ايران و مصر» (= إحراق الكتب في إيران ومصر) ، أورد فيه الشواهد العديدة علي أنّ إحراق الكتب في إيران ومصر شائعة قد نشرها الاُوروبّيّون هذه الايّام لاءظهار مخالفة الاءسلام للعلم والثقافة . [24] ـ مقدّمة «الفردوس الاعلي» صفحة « يز » و« يج » ، ويقول في نفس المقدّمة أيضاً صفحة «ي»ا إلي «به» : وَكَانَتِ الحُرِّيَّةُ التَّامَّةُ فِي دِرَاسَةِ العُلُومِ مِنْ مَعْقُولِهَا وَمَنْقُولِهَا وَالتَّوَسُّعِ فِي اقْتِنَائِهَا وَتَحْصِيلِهَا عَلَي أَنْوَاعِهَا سَائِدَّةً عَلَي تِلْكَ الجَامِعَةِ ] يعني النجف الاشرف [ ، وَفَتَحَتْ طُرُقَاتٍ سَهْلَةٍ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحَرِّي العِلْمِيِّ وَتَنْوِيرِ الاَفْكَارِ وَالبَحْثِ وَالتَّنْقِيبِ النَّظَرِيِّ ، وَاجْتَمَعَ فِيهَا أَيْضاً جَمْعٌ مِنْ أَكَابِرِ الحُكَمَاءِ المُتَشَرِّعِينَ ، وَالعُرَفَاءِ الشَّامِخِينَ ، وَالمُرَّبِّينَ لِلنُّفُوسِ بِالحِكْمَةِ العَمَلِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ العِلْمِيَّةِ ، وَبِتَخَلُّقِهِمْ بِأَخْلاَقِ اللَهِ ، وَبِخَشْيَتِهِمْ فِي جَنْبِ اللَهِ ، وَبِتَحَلِّيهِمْ بِالفَضَائِلِ الاءنسَانِيَّةِ ، وَمَا كَانَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ إلاّ خِدْمَةُ البَشَرِيَّةِ ، مَعَ مُرَاعَاتِهِمْ الطَّرِيقَةَ المُثْلَي وَالشِّرْعَةَ الوُسْطَي فِي بُحُوثِهِمُ القَيِّمَةِ وَدُرُوسِهِمُ العَالِيَةِ ، وَتَجَنُّبِهِمْ عَنِ الجُمُودِ وَالوُقُوفِ عَنْ تَحْصِيلِ العُلُومِ وَالرُّجُوعِ إلَي القَهْقَرَي . ثمّ يتكلّم بعد ذلك مفصّلاً عن الشيخ محمّد باقر الاءصطهباناتيّ ومهارته في تدريس الحكمة المتعالية ، وهو الاُستاذ الوحيد للعلاّمة آية الله الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ أعلي الله تعالي مقامه في علم الفلسفة ، ثمّ يقول : وَأَيْضاً كَانَ مِن مَشَاهِيرِ المُدَرِّسِينَ لِلحِكْمَةِ المُتَعَالِيَةِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ ، الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ الجَامِعُ لاِنْوَاعِ العُلُومِ : الحَاجُّ المِيرْزَا فَتْحُ اللَهِ الشَّهِيرُ بِشَيْخِ الشَّرِيعَةِ الاءصْفَهَانِيُّ المُتَوَفَّي سَنَة 1339 الهِجْرِيَّةِ القَمَرِيَّةِ ، الَّذِي تَقَلَّدَ الزَّعَامَةَ العَامَّةَ وَالمَرجَعِيَّةَ فِي التَّقْلِيدِ وَالفَتْوَي مُدَّةً يَسِيرَةً فِي أَوَاخِرِ عُمْرِهِ الشَّرِيفِ ، فَإنَّهُ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ إيرَانَ إلَي العِرَاقِ مُجَازاً مِنْ عُلَمَاءِ إصْفَهَانَ سَنَةَ 1295 الهِجْرِيَّةِ كَانَ مُدَرِّساً كَبِيراً فِي الحِكْمَةِ وَالكَلاَمِ وَالفَلسَفَةِ العَالِيَةِ وَالمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ ... . حتي يصل إلي قوله : وَأَيْضَاً كَانَ مِنَ الجَهَابِذَةِ فِي الحِكْمَةِ وَالفَلْسَفَةِ وَمِنَ المُدَرِّسِينَ فِي هَذِهِ الجَامِعَةِ ، الشَّيخُ العَلاَّمَةُ الحَكِيمُ : الشَّيْخُ أَحْمَدُ الشِّيرَازِيُّ المُتَوَفَّي 1332 الهِجْرِيَّةِ الجَامِعُ بَينَ المَعْـقُولِ وَالمَنـقُولِ . وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَسَاتِـذَةِ شَيخِـنَا العَلاَّمَةِ ] يعني الشـيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء [ أدَامَ اللَهُ أَيَّامَهُ ... . حتّي يصل إلي القول : فَلَو أَرَدْنَا إحْصَاءَ المُدَرِّسِينَ وَالاَسَاتِذَةِ الكُبَرَاءِ فِي المَعْقُولِ وَالاَخْلاَقِ وَالعِرْفَانِ وَالحَدِيثِ وَالرِّجَالِ وَعُلُومِ القُرآنِ فِي أَوائِلِ هَذَا القَرْنِ لَطَالَ بِنَا الكَلاَمُ ... إلي آخره . [25] ـ «الفردوس الاعلي» ص 42 . |
|
|