بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الثالث عشر: الجمود علی المعنی الظاهری و المحرومیة من القرآن، الامام الحسین فی ل...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

للنفس الانسانیة قابلیة التکیّف مع ایّ نوع من انواع التعلیم و التربیة

 لقد ثبت‌ في‌ علم‌ الحكمة‌ المتعإلیة‌ والفلسفة‌ الإلهيّ أنّ النفس‌ الإنسانيّة‌ هيولائي‌، أي‌ أنّ لها القابليّة‌ المحضة‌ لايّ تعلیم‌ وتربية‌، وصولاً إلی‌ أعلی‌ درجات‌ الكمال‌، أو سقوطاً في‌ أدني‌ مراتب‌ الخذلان‌.

 فالنفس‌ الإنسانيّة‌ لوعُلّمت‌ ومرّنت‌ في‌ أيّ مجال‌ وتخصّص‌ لتمرّست‌ وصارت‌ قدوةً في‌ ذلك‌ المجال‌، فلو عُلِّمتَ الطبّ لصارت‌ طبيباً جليلاً، ولو عُلّمت‌ تلك‌ النفس‌ في‌ مجال‌ الادب‌ لتمخّضت‌ عن‌ أديبٍ خطيب‌ وشاعر بارع‌، ولو تمرّنت‌ في‌ مجال‌ الرياضيّات‌ التي‌ تقابل‌ الادبيّات‌ ( حيث‌ تحتاج‌ الاخيرة‌ لقدرة‌ حفظ‌ أكثر في‌ حين‌ تستلزم‌ الاُولي‌ قوّة‌ الفكر والمنطق‌ ) لصارت‌ عالماً في‌ الحساب‌ والرياضيّات‌؛ ولو اتّجه‌ هذا الشخص‌ نفسه‌ في‌ حقل‌ التجارة‌ لصار نجّاراً ماهراً، أو في‌ الحدادة‌ لنشأ حدّاداً يُشار إلیه‌ بالبنان‌، أو في‌ مجال‌ حفر الا´بار لتخصّص‌ في‌ ذلك‌ وتعلّم‌ أسراره‌.

 نعم‌، إنّ هذا الشخص‌ المذكور ذا النفس‌ الإنسانيّة‌ لو اتّجه‌ للبحث‌ عن‌ الاسرار الإلهيّة‌ والمعارف‌ إلیقينيّة‌ لصار حكيماً وفيلسوفاً وعارفاً جليل‌ المنزلة‌، أو اشتغل‌ بعلم‌ الحديث‌ فقط‌ لصار محدّثاً خبيراً، أو انهمك‌ في‌ علم‌ التفسير لنشأ مفسّراً ذا مقام‌ مرموق‌، أو في‌ الفقه‌ لتكشّف‌ عن‌ فقيهٍ كبير.

 وعلی‌ العكس‌ من‌ ذلك‌، فلو لم‌ يكن‌ في‌ مقام‌ تحصيل‌ علمٍ من‌ العلوم‌، فإنّ قابليّاته‌ ستقف‌ وتتحدّد في‌ هذا الإطار والموضع‌، فإذا تبع‌ قواه‌ الشهويّة‌ صار السبّاق‌ إلی‌ ركوب‌ الشهوات‌ المبرّز فيها، أو تبع‌ قواه‌ الغضبيّة‌ لنشأ سفّاكاً عجيباً وسفّاحاً للدماء لا نظير له‌، ولانهمك‌ في‌ تقوية‌ قواه‌ الوهميّة‌ لصار شيطاناً كبيراً ومحتالاً ظالماً يسعي‌ بأنواع‌ المكر والحيل‌ والمكائد وإراقة‌ دماء الكثيرين‌ علی‌ وجه‌ الارض‌ لسلب‌ راحة‌ الناس‌ وزعزعة‌ الهدوء والاستقرار العامّ، ثمّ يخلد إلی‌ فراشه‌ يرقبَ ويتفرّج‌.

 وخلاصة‌ القول‌ في‌ معني‌ هيولائيّة‌ النفس‌ إنّها لو عُلّمت‌ وذُرّبت‌ في‌ علمٍ معين‌، أو أُدخلت‌ عالَماً معيّناً، فإنّها ستتمرّس‌ وتكتسب‌ الخبرة‌، وإلاّ فإنّ هذه‌ القابليّة‌ لن‌ تصل‌ بنفسها إلی‌ مرحلة‌ الفعلیة‌ ولو مرّ علیها مائة‌ ألف‌ عامّ، بل‌ ستبقي‌ كما هي‌ مُبهمة‌ بسيطة‌ بكراً.

 فلو فرضنا مثلاً أنّ فتاة‌ وفتيً قد وُضعا في‌ جزيرة‌ معزولة‌ لا يتّصل‌ بهما أحد من‌ البشر، ولم‌ يكن‌ أيّ منهما قد قرأ كتاباً أو سمع‌ خطبة‌، ووصلا إلی‌ مرحلة‌ البلوغ‌، فإنّهما لن‌ يفهما أو يدركا معني‌ الزواج‌ والجماع‌ أبداً، ولو قُدّر أن‌ يبقيا علی‌ تلك‌ الجزيرة‌ حتّي‌ يهرما ويشيبا لبقيا يعيشان‌ كأخوينِ أو كأُختينِ.چ‌

 لذا فإنّ الزواج‌ والنكاح‌ يحتاج‌ حتماً إلی‌ إشارة‌ ودلالة‌، وهكذا بالنسبة‌ للغضب‌ وبروز قوّته‌، ولو لم‌ يُعلِّم‌ الغراب‌ طريق‌ القتل‌ والدفن‌ لقابيل‌ لما كان‌ له‌ خبر وعلم‌ عن‌ قتل‌ أخيه‌ هابيل‌ ودفنه‌، فلا دليل‌ له‌ إلی‌ هذا الموضوع‌.

 ونحن‌ إذا ما رغّبنا النفس‌ الإنسانيّة‌ بأمر معيِّن‌ لمالت‌ إلیه‌ ورغبت‌ فيه‌؛ فلو امتدحنا كنز المال‌ وجمعه‌ لمالت‌ إلی‌ ذلك‌ وشغفت‌ به‌، ولو عكسنا الامر فرغّبناها بالبذل‌ والإنفاق‌ لانفقت‌ أموالها جميعاً ثمّ جلست‌ في‌ زاويةٍ عاريةً ليس‌ لديها حتّي‌ ما يستر عورتها.

 ولو تحدّثتَ معها عن‌ الدنيا ومباهجها، وعن‌ النشاطات‌ الاقتصاديّة‌، والاعتماد علی‌ النفس‌، وفوائد الجاه‌ وحبّ الرياسة‌، وجمع‌ المال‌ وكنزه‌، ومصاحبة‌ الغواني‌، والترنّم‌ بالاغاني‌، لوجدتَ أمامك‌ بشراً شهويّاً وغولاً مهيباً مادّيّاً.

 ولو بيّنت‌ لهذا الشخص‌ نفسه‌ ـ لا بغيره‌ ـ فناء الدنيا واعتباريّتها، وأنّ السعي‌ يجب‌ أَلاّ يكون‌ إلاّ في‌ سبيل‌ الله‌، وعن‌ مساوي‌ الرئاسة‌، وكنز الذهب‌ والتزوير والاحتيال‌، لصار أمامك‌ بشراً ملكوتيّاً وملَكلاً سماويّاً.

 فحينا يذهب‌ إلی‌ سجِّين‌ وأَسفَل‌ السَّافِلِينَ، وحيناً يرقي‌ إثر التربية‌ إلی‌ أَعلی‌ علیينَ.

وَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إذَا رَغَّبْتَهَا                                    وَإذَا تُرَدُّ إلَی‌ قَلِيلٍ تَقْنَعُ [364]

 وهذا البيت‌ من‌ جملة‌ أبيات‌ لخويلد بن‌ خال‌: أبي‌ ذؤيب‌ الهذليّ، حين‌ مات‌ أبناؤه‌ الخمسة‌ ( أو العشرة‌ ) في‌ يومٍ واحد بالطاعون‌، فهو يذكر في‌ هذا البيت‌ ثباته‌ أمام‌ المصاعب‌؛ ويقول‌ في‌ البيت‌ الذي‌ يسبقه‌:

وَتَجَلُّدِي‌ لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ                                    أنِّي‌ لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ [365]

 ورأينا أنّ ابن‌ الفارض‌ يقول‌ بشأن‌ هذا الإنسان‌ الذي‌ ينال‌ مقامات‌ سامية‌ لا يرقي‌ إلیها الخيال‌، ويرد في‌ حرم‌ العزّ وحريم‌ الامن‌ الإلهيّ، وتصدر منه‌ المعجزات‌ والكرامات‌ وخرق‌ العادات‌:

هِيَ النَّفْسُ إن‌ أَلْقَتْ هَوَاهَاتَضَاعَفَتْ                                قُوَاهَا، وَأَعْطَتْ فِعْلَهَا كُلَّ ذَرَّةِ

 ويقول‌ كذك‌ بشأن‌ العلوم‌ الغيبية‌ التي‌ تفاض‌ علی‌ الإنسان‌ في‌ النوم‌:

وَمَا هِيَ إلاَّ النَّفْسُ عِنْدَ اشْتِغَالِهَا                         بِعَالَمِهَا، عَنْ مَظْهَرِ الْبَشَرِيَّةِ

 وقد كان‌ المراد من‌ تعلیم‌ الاسماء الذي‌ ذكره‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ سورة‌ البقرد أن‌: وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاْسْمَآءَ كُلَّهَا [366] هي‌ جميع‌ حقائق‌ الاشياء، وطريق‌ الوصول‌ إلی‌ كلّ ما سوي‌ الله‌ تعإلی‌، الذي‌ اختصّ به‌ آدم‌ وحُرمت‌ منه‌ الملائكة‌ فلم‌ يكن‌ لها منه‌ نصيب‌.

 فهذه‌ القابليّة‌ المحضة‌ ينبغي‌ أن‌ توضع‌ في‌ طريق‌ التربيد والتعلیم‌ الصحيح‌ فتصل‌ إلی‌ الفعلید التامّة‌ ويصبح‌ الإنسان‌ خليفة‌ الله‌ العفليّ في‌ عالم‌ الوجود، ومرآةً تامّة‌ لظهور صفات‌ وأسماء ذاته‌ القدسيّة‌.

 ويسهل‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ التحكّم‌ بالنفس‌ الإنسانيّة‌ عن‌ طريق‌ نوافذ الحواسّ الخمس‌ الظاهرة‌، ومنعها من‌ الجموح‌ كحصان‌ هائجٍ بلا عنان‌، لتنساق‌ إلی‌ أيّ مزبلة‌ وتهوي‌ وتتردّي‌. فالافلام‌ الشهويّة‌ والغضبيّة‌ والوهميّة‌ تؤدّي‌ إلی‌ ضياع‌ النفس‌، والموسيقي‌ غناء الشيطان‌ تسلب‌ العقل‌، أشبه‌ بالشرابِ الذي‌ يُخرج‌ الإنسان‌ عن‌ طوره‌، ويحصل‌ أن‌ تأخذه‌ نشوة‌ السكر مع‌ لحنٍ ما فيترنّح‌ مخموراً نشواناً يطير فرحاً، ويحدث‌ أن‌ يسمع‌ لحناً ما فيغتمّ ويحزن‌، فترتفع‌ آهاته‌ حرّي‌، وتتساقط‌ دموعه‌ غريزة‌ لا يملك‌ حبسها وكفّها.

 إنّ علی‌ الإنسان‌ ـ كي‌ يصل‌ للهدف‌ الاسمي‌ الذي‌ رسمه‌ القرآن‌ الكريم‌ ـ أن‌ ينظّم‌ حواسّه‌ البشريّة‌ بسائر جهاتها، البصريّة‌ والسمعيّة‌ وغيرها من‌ الحواسّ، ليفسح‌ المجال‌ لتفّتح‌ برعم‌ روضة‌ الإمكان‌، ولكي‌ تعطي‌ أغراس‌ الإنسانيّة‌ الثمار الحلوة‌، وإلاّت‌ فإنّها ستضيع‌ وتندثر في‌ المزابل‌ المتعفّنة‌ للجهل‌ والشهوة‌ والغضب‌.

 ولقد جاءت‌ قصص‌ وحكايات‌ القرآن‌ الكريم‌ لهنه‌ الميزة‌ والغاية‌ الكبري‌، أي‌ أنّ الإنسان‌ بمقارنة‌ تلك‌ القضايا والتواريخ‌ والسير سيرجع‌ إلی‌ نفسه‌ ويتذكّر ويعتبر، فلا يسلك‌ طريق‌ جهنّم‌، بل‌ سيضع‌ خطواته‌ علی‌ طريق‌ السعادة‌ والجنّة‌، متابعاً في‌ حركته‌ رجال‌ الحرام‌ الإلهيّ الشجعان‌ الصدّيقين‌، أي‌ الانبياء الإلهيّون‌ وخصوصاً خاتم‌ الانبياء والمرسلين‌ الجامع‌ لكلّ كمالاتهم‌، والوارث‌ لجميع‌ فضائلهم‌ ومناقبهم‌، ثمّ يصل‌ بالاستفادة‌ القصوي‌ من‌ تلك‌ المتابعة‌ إلی‌ السعادة‌ الابديّة‌ المطلقة‌.[367]

 إن‌ اتّحاد النفوس‌ في‌النيّات‌ والقصد من‌ القوّة‌ والمتانة‌ للحدّ الذي‌ يمكن‌ اعتبار القوم‌ الراضين‌ بعمل‌ قومٍ آخرين‌ شركاء معهم‌ في‌ ذلك‌ العمل‌، يشملهم‌ المدح‌ والذّم‌، مع‌ أنـّهم‌ لم‌ يشتركوا معهم‌ في‌ إنجاز ذلك‌ العمل‌.

 ويعتبر السبب‌ لورود سيرة‌ موسي‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ وأُمّته‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ أكثر من‌ قصص‌ الباقين‌ وسيرهم‌، حتّي‌ من‌ سيرة‌ إبراهيم‌ الخليل‌ علیه‌ السلام‌، مع‌ أنّ إبراهيم‌ كان‌ أفضل‌ منه‌ بلاشكّ؛ في‌ أنّ أُمّة‌ موسي‌ لها مماثلة‌ ومشابهة‌ لهذه‌ الاُمّة‌ في‌ كثير من‌ الاُمور، بل‌ في‌ جميعها، فالله‌ سبحانه‌ يريد ببيان‌ تلك‌ الحوادث‌ والوقائع‌ تنبيه‌ هذه‌ الاُمّة‌ ونصحها ووعظها بترك‌ التلوّن‌ والتردّد والشكّ والريب‌، والإشكالات‌ غير المنطقيّة‌ والاسئلة‌ غير المستاغد، والضعف‌ والذلّ، والكسل‌ والوهن‌، وضعف‌ العزم‌ والإرادة‌، والميل‌ والاهتمام‌ بالزينات‌ المؤقتة‌، وعدم‌ التسليم‌ والطاعة‌ الخالصة‌ لرسول‌ الله‌؛ وإلاّ فإنّ عاقبة‌ أمرهم‌ ستكون‌ عبادة‌ العجل‌ تلك‌، ومتابعة‌ سامريّ الاُمّة‌، والضياع‌ والتية‌ في‌ صحراء بيت‌ المقدس‌ أربعين‌ سند، وكتابة‌ الذلّة‌ والمسكنة‌ علیهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

خطاب القرآن لیهود زمان النبی لمؤاخذتهم بعمل اسلافهم

 فحين‌ يخاطب‌ القرآن‌ الكريم‌ بني‌إسرائيل‌ في‌ زمن‌ النبيّ، ويوبخّهم‌ بأفعال‌ آبائهم‌ وأجدادهم‌ وأسلافهم‌ التي‌ مرّ علیها ما يقرب‌ من‌ ألفينِ وخمسمائة‌ عام‌، كإنجادهم‌ من‌ الغرق‌ في‌ نهر النيل‌، وطلبهم‌ من‌ موسي‌ روية‌ الله‌ جهرةً وابتلائهم‌ بالصاعقة‌، وكعدم‌ صبرهم‌ علی‌ طعامٍ واحد وطلبهم‌ الثوم‌ والبصل‌ والعدس‌، وكمؤاخذتهم‌ علی‌ قتلهم‌ رجلاً منهم‌ ثمّ كتمان‌ قتله‌ حتّي‌ عُرف‌ القاتل‌ بقضية‌ ذبح‌ البقرة‌ الصفراء وما جري‌ بعده‌:

 وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَـ'كُمْ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعُونَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ. [368]

 وَإِذْ قُلْتُمْ يَـ'مُوسَي‌' لَن‌ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي‌' نَرَي‌ اللَهَ جَهْرَةً فَأَخْذَتْكُمُ الصَّـ'عِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ. [369]

 وَإِذْ قُلْتُمْ يَـ'مُوسَي‌' لَن‌ نَّصْبِرَ علی‌' طَعَامٍ وَ حِدٍ. [370]

 وَإِذْ قُلْتُمْ نَفْسًا فَادَّ رَءْتُمْ فِيهَا وَاللَهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ. [371]

 والكثير من‌ الا´يات‌ الاُخري‌ الجارية‌ علی‌ هذا النهج‌.

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الا´يات‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ يخاطب‌ يهود زمن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيقول‌: أنتم‌ الذين‌ قلتم‌ لموسي‌ كذا، أنتم‌ الذين‌ قتلتم‌ ذلك‌ الرجل‌ وأخفيتم‌ قاتله‌، وأثرتم‌ ذلك‌ الجدال‌ والمنازعة‌ في‌ تعيينه‌... وذلك‌ لانّ يهود عصر رسول‌ الله‌ كانوا يهود عصر النبيّ موسي‌ بعينهم‌، وكانوا شركاءهم‌ في‌ النوايا والاعمال‌، ينتمون‌ إلی‌ شجرتهم‌ ويتّصفون‌ بصفاتهم‌ ويمتلكون‌ روحيّاتهم‌ تلك‌ بدون‌ أدني‌ اختلاف‌، وكان‌ من‌ الواضح‌ أنّ ذنوبهم‌ وخطاب‌ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ لهم‌ استندت‌ إلی‌ ملكتهم‌ الباطنيّة‌ ونفسهم‌ الفعلیة‌.

 وهكذا فإنّ تلك‌ الملكة‌ الباطنيّة‌، والنفس‌ بتحقّقها الفعلی ذاك‌، أينما وجدت‌ فإنّ ذلك‌ الخطاب‌ نفسه‌ سيوجّه‌ لها، بل‌ ولغيرها من‌ شركائها في‌ العقيدة‌ والصفة‌ والعمل‌، ولو مرّ علی‌ زمن‌ الخطاب‌ الصوريّ الاوّل‌ آلاف‌ السنين‌، وتغيّرت‌ الازمان‌ والامكنه‌ والمحيطات‌ والاشكال‌ والالوان‌، وجميع‌ الا´داب‌ والتقإلید.[372]

 يروي‌ العيّاشيّ عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ حديثاً يصل‌ فيه‌ إلی‌ قول‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌: وَلَوْ أَنَّ الا´يَةَ إذَا نَزَلَتْ فِي‌ قَوْمٍ ثُمَ مَاتَ أُولَئِكَ القَوْمُ، مَاتَت‌ الا´يَةُ؛ لَمَا بَقِيَ مِنَ القُرْآنِ شَي‌ءٌ. وَلَكِنَّ القُرْآنَ يَجْرِي‌ أَوَّلُهُ علی‌ آخِرِهِ مَادَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالاْضُ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ آيَةٌ يَتْلُونَهَا هُمْ مِنْهَا فِي‌ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.[373]

 ونتيجة‌ هذا الكلام‌ هو عدم‌ تخصيص‌ شأن‌ نزول‌ الا´يات‌ ومواردها، وهو مطلب‌ جليل‌ حقّاً أشار له‌ الإمام‌ ودلّ علیه‌؛ لانّ القرآن‌ إن‌ اختصّ بالطائفة‌ التي‌ نزل‌ بشأنها فبديهيّ أنّ تلك‌ الا´ية‌ أو تلك‌ السورة‌ ستموت‌ بموت‌ تلك‌ الطائفة‌، لانّ حياة‌ أيّ كلام‌ يرجع‌ لشخص‌ معيّن‌ وجوداً وعدماً يتبع‌ حياة‌ ذلك‌ الشخص‌ نفسه‌، ( فأمر السطلان‌ لقائد جيشه‌ في‌ الحرب‌ تابع‌ لحياته‌، وبموت‌ السلطان‌ لن‌ يكون‌ هناك‌ أمر )، وهكذا بموت‌ جميع‌ الطوائف‌ التي‌ نزل‌ القرآن‌ بشأنها سيموت‌ القرآن‌ ويندثر.

 ولانّ القرآن‌ حيّ، وسيبقي‌ حيّاً إلی‌ الابد، فإنّ شأن‌ نزوله‌ وموارده‌ في‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ لا تخصيص‌ لها بالمعني‌ العامّ، أي‌ أنـّها لا تخصِّص‌ الموردَ.

 لاحظوا أنّ الا´يات‌ التي‌ خاطبت‌ رسول‌ الله‌ نفسه‌، وكان‌ الامر والتكليف‌ فيها من‌ جهة‌ لحن‌ الكلام‌ موجّهاً له‌، كيف‌ أنّ عموميّتها لكلّ المؤمنين‌ في‌ غاية‌ الوضوح‌ والبيان‌، كآية‌:

 وَلَنءِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّاتَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَنءِنِ اتَّبَعَتَ أَهْوَآءَهُمْ مِّن‌ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّـ'لِمِينَ. [374]

 فالخطاب‌ في‌ هذه‌ الا´يات‌ كان‌ مختصّاً برسول‌ الله‌، لكنّ الحكم‌ كان‌ فيها عامّاً، خاصّة‌ إذا التفتنا إلی‌ أنّ مخاطبي‌ الخطابات‌ القرآنيّة‌ هم‌ في‌ الحقيقة‌ أفراد الناس‌، وكان‌ رسول‌ الله‌ لسعة‌ نفسه‌ وإحاطة‌ وجوده‌ في‌ حكم‌ آية‌ ونافذة‌ لتحقّق‌ الخطاب‌ إلیهم‌، وهذه‌ الحقيقة‌ تشير إلیها الا´ية‌ التإلیة‌:

 وَأَنزَلْنَآ إلَیكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَیهِمْ. [375]

 وعلی‌ هذا فإنّ طراوة‌ القرآن‌ ونظارته‌ لن‌ تفقد في‌ أيّ وقت‌، بل‌ سيبقي‌ علی‌ الدوام‌ حيّاً معطّراً خالداً، وسيأتي‌ آلاف‌ الافراد والقبائل‌ ويذهبون‌ في‌ دوران‌ الزمان‌ فيمنحهم‌ القرآن‌ واحداً واحداً حصّتهم‌ واستفادتهم‌، لكنّه‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ يبقي‌ بعد موتهم‌ جميعاً حيّاً وخالداً.

 الرجوع الي الفهرس

جمود الوهابیّین و الاخباریّین علی المعنی الظاهری حرمهم من حقیقة القرآن

 ويجب‌ الإشارة‌ هنا إلی‌ مسألتين‌:

 أُولادها: أنـّه‌ يُشاهد في‌الكثير من‌ تفاسير أهل‌ السنّة‌، خاصّة‌ الحنابلة‌، تحديداً للا´يات‌ وحبسها بموارد محدّدة‌، وهو أمر محظوء، وبالاخصّ من‌ قبل‌ ابن‌ تيميّة‌ الذي‌ يناصر هذا المذهب‌ ويشايعه‌، فابن‌ تيميّة‌ الذي‌ نشأت‌ منه‌ أفكار الوهّابيّين‌ وآراؤهم‌، يناصر بقوّة‌ هذا النحو من‌ التفسير، وقد أحال‌ الذين‌ بطريقته‌ هذه‌ إلی‌ مايشبه‌ قطعة‌ من‌ البلاستيك‌ المتيبّس‌ المتهرّي‌ التي‌ فقدت‌ كلّ ليونتها ومرونتها.

 وثانيها: أنّ هناك‌ الكثير من‌ الافراد لا يتعدّون‌ ظواهر الا´يات‌ استناداً للفهم‌ العامّيّ لها، كبعض‌ أخباريينا الذين‌ يحبسون‌ تلك‌ الحقائق‌ الجليلة‌ الساميّة‌ في‌ إطار الالفاظ‌ بمعانيها المحدودة‌ المقيّدة‌، فيُحرمون‌ من‌ فهم‌ القرآن‌ وإدراك‌ معاينه‌ العميقه‌ ولطائفه‌ وظرائفه‌.[376]

 إنّ للالفاظ‌ عموميّة‌ وقد وضعت‌ للمعاني‌ الكلّيّة‌، وروح‌ القرآن‌ وحياته‌ في‌ تلك‌ الاسرار والبواطن‌ والمعاني‌ الكلّيّة‌ التي‌ يستعصي‌ الوصول‌ إلی‌ غايتها بدون‌ حصول‌ الطهارة‌ الحقيقيّة‌.

 فالوهّابيّون‌ الذين‌ جمدوا علی‌ الظاهر وعلی‌ هذا الاساس‌ اعتبروا الله‌ جسماً له‌ يد ورِجل‌ وعين‌ وأُذن‌ وحركة‌ وتردّد، قد ساروا حتّي‌ خلاف‌ هذه‌ الظواهر، فأهلكوا أنفسهم‌ في‌ تحديدات‌ الشرك‌ وفقدان‌ البصيرة‌، بحيث‌ عجز بعض‌ من‌ أراد هذه‌ الايّام‌ تغطية‌ فضائح‌ مذهبهم‌ وعقائدهم‌ السخيفة‌ المظلمة‌ وتبرير وتوجيه‌ آراء ابن‌ تيميّة‌ الجامدة‌ المتصلّبة‌، بل‌ زاد ذلك‌ في‌ فضيحتهم‌، لانّ هؤلاء ببيانهم‌ لتلك‌ الا´راء قد نفخوا في‌ بوق‌ الجهل‌ والظُلمة‌ ودقّوا طبلها الاجوف‌.

 وبقي‌ الوهّابيّون‌ وتلك‌ الجماعة‌ من‌ الاخباريّين‌ محبوسين‌ في‌ قيد الجهل‌، محرومين‌ من‌ نيل‌ المعارف‌ القرآنيّة‌ السامية‌، فالوهّابيّون‌ مثلاً يقولون‌ في‌ الا´ية‌ القرآنيّة‌ يَدُ اللَهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [377] إنّ المراد من‌ إلید هي‌ نفس‌ إلید المعهودة‌، غاية‌ الامر أنـّها كبيرة‌ جدّاً وذات‌ قدرة‌ تتناسب‌ مع‌ وجود الله‌ نفسه‌، وتقول‌ مجموعة‌ الاخباريّين‌ هذه‌ في‌ هذه‌ الا´ية‌ إنّ المراد بإلید هو القدرة‌، لكنّ إلید استعملت‌ مجازاً في‌ معني‌ القدرة‌.

 لذا فهم‌ كثيراً ما يعجزون‌ في‌ بحثهم‌ في‌ الموارد عن‌ قرينة‌ علی‌ المجاز، ممّا أدّي‌ بهم‌ إلی‌ الجمود علی‌ المعني‌ الظاهريّ للالفاظ‌، كما في‌ لفظ‌ الصراط‌، والميزان‌، وتجرّد عالم‌ الروح‌، والنفس‌، والملائكة‌ وغيرها، وهم‌ ينتهون‌ إلی‌ نفس‌ النتائج‌ التي‌ تمخّضت‌ عنهاالوهّابيّة‌.

 والمنهج‌ الحقّ الصائب‌ هو أنّ الالفاظ‌ قد وضعت‌ للمعانيّ الكلّيّد العامّة‌، وقد كان‌ استعمال‌ لفظ‌ إلید في‌ هذه‌ الا´ية‌ المباركة‌ لموجود معنويّ يدبّر الاُمور ضمن‌ الولاية‌ الكلّيّد الإلهيّة‌، وهذا الاستعمال‌ حقيقيّ لامجازيّ. لاحظوا فاصلة‌ الاختلاف‌... مِنْ أَيْن‌... وإلی‌ أيْن‌ ؟!

 والمسألة‌ المهمّة‌ الاُخري‌ التي‌ ينبغي‌ التذكير بها هي‌ أنّ بعض‌ العلماء القريبين‌ من‌ عصرنا حاولوا تطبيق‌ الا´يات‌ القرآنيّة‌ علی‌ العلوم‌ المادّيّة‌ الطبيعيّة‌، من‌ هيئة‌ وطبّ وعلوم‌ طبيعيّة‌ وغيرها، يخيّل‌ إلیهم‌ أنـّهم‌ قد قدّموا خدمة‌ إلی‌ القرآن‌ حيث‌ بيّنوا للافهام‌ أنّ محتوياته‌ تساير العلم‌ وتنسجم‌ مع‌ تقدّمه‌، وأنّ العلم‌ لا يمكنه‌ نسخها أبداً، غافلين‌ عن‌ أنّ خدمتهم‌ هذه‌ تصبّ في‌ الاتّجاه‌ المعاكس‌ وتساهم‌ في‌ تخريب‌ وتضيع‌ القرآن‌، فعلوم‌ القرآن‌ لم‌ تكن‌ يوماً محدودةً بعلمٍ خاصّ، بل‌ إنّ دائرتها أوسع‌ من‌ ذلك‌ بكثير.

 فإنّ مقارنة‌ القرآن‌ مع‌ علم‌ معيّن‌ بكثيرٍ من‌ التكلّف‌ والتعسّف‌ يمثل‌ تحديداً للمعاني‌ القرآنيّة‌، وقد تقدّم‌ أنّ معاني‌ الا´يات‌ غير محدودة‌. يُضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أنّ العلوم‌ المادّيّة‌ والطبيعيّة‌ في‌ حالة‌ تغيير دائميّ، فكلّ يوم‌ ينقضي‌ هناك‌ فرضيّة‌ جديدة‌ تأتي‌ فتبطل‌ الفرضيّة‌ القديمة‌.

 أفلم‌ يظنّ هؤلاء العلماء أنّ بالإمكان‌ أن‌ تأتي‌ غداً فرضيّة‌ جديدة‌ لتبطل‌ فرضيّد إلیوم‌، وأنّ إصرار هؤلاء السادة‌ علی‌ مقارنة‌ الا´يات‌ وتطبيقها علی‌ هذه‌ الفرضيّة‌ سيُبطل‌ مرةً واحدة‌ جميع‌ الا´يات‌ ؟!

 ونعود إلی‌ موضوعنا الاصليّ، وهو كلّيّة‌ وعموميّة‌ وأبديّة‌ آيات‌ القرآن‌، وأنّ في‌ القرآن‌ بيان‌ لكلّ ما هو موجود، وأنّ الوارد علی‌ القرآن‌ والناظر إلیه‌ بمنظار المعاني‌ الكلّيّة‌ والتأويل‌ سيجد أنّ جميع‌ المسائل‌ المبهمة‌ والغوامض‌ المستعصية‌ ستحلّ له‌.

 إنّ خطابات‌ القرآن‌ الكريم‌ لا اختصاص‌ لها بالمخاطبين‌ الموجودين‌ في‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌. فجيمع‌ خطاباته‌ من‌ قبيل‌ يَـ'´أَيـُّهَا النَّاسُ و يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شاملة‌ لجميع‌ أفراد الناس‌ ولجيمع‌ الافراد المؤمنين‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، فالجميع‌ مخاطب‌ بنفس‌ هذا الخطاب‌، ولو لم‌ يكونوا حاضرين‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ عند رسول‌ الله‌، أو لم‌ يكونوا موجودين‌ أصلاً آنذاك‌.

 فمن‌ اتّخذ لنفسه‌ عنوان‌ مُسْلِم‌، مُؤمِن‌، مُشْرِك‌، كَافِر، مُنَافِق‌ وغيرها من‌ العناوين‌ التي‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، ولو بعد ألف‌ سنة‌ من‌ زمن‌ نزوله‌، فإنّ ذلك‌ العنوان‌ منطبق‌ علیه‌. [378]

 وبغضّ النظر عن‌ هذا الكلام‌ فإنّه‌ لاشكّ ولا تردّد في‌ ثبوت‌ عموميّة‌ الا´يات‌ وكلّيّتها بالإجماع‌ القطعيّ، ولم‌ يدعْ تنقيح‌ الملاك‌ والمناط‌ الكلّيّ لإفادة‌ هذه‌ العموميّة‌ مجالَ شبهةٍ لاحد.

 فالقرآن‌ الكريم‌ وفق‌ هذا الميزان‌ والمعيار الكلّيّ كتاب‌ مفتوح‌ وموجود في‌ صدور أصحاب‌ العلم‌ والدراية‌.

 وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن‌ قَبْلِهِ مِن‌ كِتَـ'بٍ وَلاَ تَخُطُّهُ و بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ ءَايَـ'تٌ بَيِّنَـ'تٌ فِي‌ صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُو بِـَايَـ'تِنَآ إلاَّ الظَّـ'لِمُونَ. [379]

 الرجوع الي الفهرس

نفی امیرالمؤمنین علیه السلام ان یکون لدیه شیء من الوحی

 وقد روي‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ سُئل‌:

 هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ شَي‌ءٌ مِنَ الوَحِي‌ سِوَي‌ القُرْآنِ ؟!

 قَالَ: لاَ، وَالَّذِي‌ خَلَقَ الجَنَّةَ وَبَرَأَ النَّسمَةَ، إلاَّت‌ أَنْ يُعْطِي‌َ عَبْدَاً فَهْمَاً فِي‌ كِتَابِهِ. [380]

 يُوضّح‌ لنا أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ العبارات‌ أنّ منهم‌ القرآن‌ بحلّ كلّ المشكلات‌ ويرفع‌ كلّ الجهالات‌ وفي‌ حكم‌ النورانيّة‌ والوحي‌ الذي‌ يتحقّق‌ في‌ سائر الاُمور بواسطة‌ جبرائيل‌.

 وقال‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أيضاً: مَنْ فَهِمَ القُرآنَ، فَسَّرَ جُمَلَ الْعِلْمِ. [381]

 ويروي‌ في‌ «تفسير النعمانيّ» بإسناده‌، عن‌ إسماعيل‌ بن‌ جابر أنـّه‌ قال‌: سمعتُ أَبَا عَبْداللَهِ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِق‌ علیهما السلام‌ يقول‌:

 إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَی‌ بَعَثَ مُحَمَّدَاً فَخَتَمَ بِهِ الاْنْبِيَاءَ. فَلاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَأَنْزَلَ علیهِ كِتَابَاً فَخَتَمَ بِهِ الكُتُبَ. فَلاَ كِتَابَ بَعْدَهُ. أَحَلَّ فِيهِ حَلاَلاً وَحَرَّمَ حَرَامَاً. فَحَلاَلُهُ حَلاَلٌ إلَی‌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إلَی‌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فِيهِ شَرْعُكُمْ، وَخَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ وَبَعْدَكُمْ وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ عِلْمَاً بَاقِيَاً فِي‌ أَوْصِيَائِهِ. [382]

 ومن‌ الادلّة‌ الاُخري‌ علی‌ عموميّة‌ القرآن‌ هي‌ الامثال‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، فالمثال‌ ولو كان‌ مثالاً لكنّه‌ يتضمّن‌ بيان‌ حقيقة‌ كلّيئد، لذا فقد كان‌ يأمر غالباً بعد الامثال‌ بالتذكّر والتأمّل‌ والاعتبار والاتّعاظ‌: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي‌ هَـ'ذَا الْقُرْءَانِ مِن‌ كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. [383]

 ولبيان‌ أكثر لمسألة‌ عموميّة‌ وكلّيّد الا´يات‌ القرآنيّة‌ نورد الحديث‌ الشريف‌ المبارك‌ الوارد في‌ « علل‌ الشرايع‌ » والراجع‌ بقسمة‌ الجنّة‌ والنار علی‌ يد الإمام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، والذي‌ تستخلص‌ وتستفاد منه‌ مسائل‌ كثيرة‌، من‌ جملتها عموميّة‌ مطالب‌ وآيات‌ وأحكام‌ القرآن‌ الكريم‌، نأتي‌ بتمام‌ متنه‌ لنفاسته‌ وجلالته‌:

 الرجوع الي الفهرس

حدیث علل الشرایع فی ان علیّاً علیه السلام قسیم الجنة و النار

 يروي‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الصدوق‌ محمّد بن‌ علی بن‌ بابويه‌، بإسناده‌، عن‌ المفضّل‌ بن‌ عمر أنـّه‌ قال‌: قلتُ لابي‌ عبدالله‌ جعفر بن‌ محمّد الصادق‌ علیه‌ السلام‌: بِمَا صَارَ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ علیهِ السَّلاَمُ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ؟!

 قَالَ: لاِنَّ حُبَّهُ إيمَانٌ وَبُغْضَهُ كُفْرٌ ! وَإنَّمَا خُلِقَتِ الجَنَّةُ لاِهْلِ الإيمَانِ وَخُلِقَتِ النَّارُ لاِهْلِ الْكُفْرِ. فَهُوَ علیهِ السَّلاَمُ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ لِهَذِهِ العِلَّةِ. وَالْجَنَّةُ لاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ أَهْلُ مَحَبَّتِهِ. وَالنَّارُ لاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ أَهْلُ بُغْضِهِ.

 قَالَ المُفَضَّلُ: فَقُلْتُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ فَالاَنْبِيَآءُ وَالاُوصِيَآءُ هَلْ كَانُوا يُحِبُّونَهُ، وَأَعْدَاؤُهُمْ يُبْغِضُونَهُ ؟!

 فَقََالَ: نَعَمْ. قَلْتُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟!

 قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ قَالَ يَوْمَ خَبِيرٍ: لاَعْطِينَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاً يُحِبُّ اللَهَ وَرَسُولَهُ؛ وَيُحِبُّهُ اللَهُ وَرَسُولُهُ. مَا يَرْجِعُ حَتَّي‌ يَفْتَحَ اللَهُ علی‌ يَدِهِ ؟! [384]

 قُلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ لَمَّا أُوتِي‌ بِالطَّائِرِ المَشْوِيّ؛ قَالَ: اللَهُمَّ ائْتِنِي‌ بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إلَیكَ يَأْكُلُ مَعِي‌ هَذَا الطَّيْرَ، وَعَنَي‌ بِهِ علیاً ؟!

 قُلْتُ: نَعَمْ

 قَالَ: يَجُوزُ أَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْبِيَاءُ اللَهِ وَرُسُلِهِ وَأَوْصِيَاؤُهُمْ علیهِمُ السَّلاَمُ رَجُلاً يُحِبُّهُ اللَهُ وَرَسُولُهُ؛ وَيُحِبُّ اللَهَ وَرَسُولَهُ ؟!

 فَقُلْتُ: لاَ.

 قَالَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَمٍ لاَ يُحبِّونَ حَبِيبَ اللَهِ وَحَبِيبَ رَسُولِهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، وَأَنْبِيَائِهِ ؟!

 قُلْتُ: لاَ.

 قَالَ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَهِ وَرُسُلِهِ، وَجَمِيعَ المُؤْمِنِينَ كَانُوا لِعلی بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ مُحِبِّينَ. وَثَبَتَ أَنَّ المُخَالِفِينَ لَهُمْ كَانُوا لَهُ وَلِجَمِيعِ أَهولِ مَحَبَّتِهِ مُبْغِضِينَ.

 قُلْتُ: نَعَمْ.

 قَالَ: فَلاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أَحَبَّهُ مِنَ الاْوَّلِينَ وَالا´خِرِينَ. فَهُوَ إذَنْ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ.

 قَالَ المُفَضَّلُ بْنُ عُمَر: فَقُلْتُ لَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ ! فَرَّجْتَ عَنِّي‌ فَرَّجَ اللَهُ عَنْكَ ! فَزِدْنِي‌ مِمَّا عَلَّمَكَ اللَهُ تَعَالَی‌ !

 قَالَ: سَلْ يَا مُفَضَّل‌ !

 فَقُلْتُ لَه‌: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ ! فَعلی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ علیهِ السَّلاَمُ يُدْخِلُ مُحِبَّةُ الجَنَّةَ وَمُبْغِضَهُ النَّارَ، أَوْ رِضْوَانٌ وَمَالِكٌ ؟

 قَالَ: يَا مُفَضَّلُ ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَی‌ بَعَثَ رَسُولَهُ، وَهُوَ رُوحٌ إلَی‌ الاْنْبِيَآءِ وَ هُمْ أَرْواحٌ قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ بِألْفَي‌ عَامٍ ؟!

 قُلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنـَّهُ دَعَاهُمْ إلَی‌ تَوْحِيدِ اللَهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَوَعَدَهُمْ الجَنَّةَ علی‌ ذَلِكَ؛ وَأَوْعَدَ مَنْ خَالَفَ مَا أَجَابُوا إلَیهِ وَأَنْكَرَهُ النَّارَ ؟!

 فَقُلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: أَفَلَيْسَ النَّبِيُّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ ضَامِنُاً لِمَا وَعَدَ، وَأَوْعَدَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟!

 قَلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: أَوَلَيْسَ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ علیهِ السَّلاَمُ خَلِفَتَهُ وَإمَامَ أُمَّتِهِ ؟!

 قُلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: أَوَلَيْسَ رِضْوَانٌ وَمَالِكٌ مِنْ جُمْلَةِ المَلاَئِكَةِ وَالمُسْتَغْفِرينَ لِشِيعَتِهِ النَّاجِينَ بِمَحَبَّتِهِ ؟!

 قُلْتُ: بَلَي‌.

 قَالَ: فَعلی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٌ إذَنْ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، وَرِضْوانٌ وَمَالِكٌ صَادِرَانِ عَنْ أَمْرِهِ، بِأَمْرِ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَی‌. يَا مُفَضَّلُ ! خُذْ هَذَا ! فَإنَّهُ مِنْمَخْزُونِ العِلْمِ وَمَكْنُونِهِ، لاَ تُخْرِجْهُ إلاَّ إلَی‌ أَهْلِهِ. [385]

 إنّ تأمّلنا وتمْعننا بدقّة‌ في‌ هذا الحديث‌ سيفتح‌ لنا ليس‌ باباً واحداً بل‌ أبواباً من‌ العلم‌، ويجعلنا نفهم‌ كيفيّة‌ وطريقة‌ استدلال‌ صادق‌ آل‌ محمّد علیهم‌ السلام‌ علی‌ عموميّة‌ وكلّيّة‌ تقسيم‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الجنّة‌ والنار بالنسبة‌ لمحبّيه‌ ومبغضيه‌ جميعاً، ولو كانوا من‌ الانبياء السابقين‌ وأعدائهم‌ وأُممهم‌ السالفة‌. وسيمكننا الاستدلال‌ بهذا النهج‌ من‌ الاستدلال‌ علی‌ عموميّة‌ القرآن‌ الكريم‌ وشموله‌.

 لذا فإنّ الواجب‌ علی‌ كلّ مسلم‌ أن‌ يوصل‌ نفسه‌ إلی‌ مرحلة‌ إدراك‌ الكلّيّات‌ للوصول‌ إلی‌ حقيقة‌ الا´يات‌ القرآنيّة‌، ثمّ يحصل‌ بتهذيب‌ الاخلاق‌ وتطهير النفس‌ علی‌ قابليّة‌ نيل‌ تأويلات‌ القرآن‌؛ وأن‌ لا يكتفي‌ بالقرءاة‌ المحضة‌، والحفظ‌ المحض‌، وإلاّ فإنّ الكثير من‌ الحكّام‌ الجائرين‌ والظَّلَمة‌ علی‌ مرّ التأريخ‌ كانوا يقرأون‌ التأريخ‌ ويستدلّون‌ به‌ لمنافعهم‌ وأغراضهم‌.

 إنّ القرآن‌ كان‌ يقسّم‌ الناس‌ إلی‌ فرقتين‌: أصحاب‌ الجنّة‌ وأصحاب‌ النار، ولقد كان‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حقيقة‌ القرآن‌، لذا فقد كان‌ وجوده‌ العينيّ والخارجيّ، أي‌ مقام‌ الولاية‌، يقسّم‌ الناس‌ ـ كما يفعل‌ القرآن‌ ـ إلی‌ فرقتين‌:

 فَرِيقٌ فِي‌ الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي‌ السَّعِيرِ. [386]

 إِنَّا هَدَيْنَـ'هُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. [387]

 ولقد كان‌ أهل‌ الكوفة‌ يقرأون‌ القرآن‌، ويحملونه‌ في‌ حمائلهم‌، لكنّهم‌ سلّوا السيف‌ الذي‌ وضعه‌ القرآن‌ في‌ أيديهم‌، فجعلهم‌ ذوي‌ عزّة‌ ومنعة‌، وأنجاهم‌ من‌ ذلّ العبوديّة‌ والهمجيّة‌ وإطاعة‌ عبيد مثلهم‌؛ فقتلوا به‌ إمام‌ الزمان‌، أي‌ حقيقة‌ القرآن‌ ووجوده‌ التكويني‌ّ والعينيّ والخارجيّ، ثمّ استدلّوا بنفس‌ القرآن‌ علی‌ وجوب‌ قتله‌ !!

 قرآن‌ كُنند حِرْز، و به‌ طه‌ كِشند تيغ‌                           فرقان‌ كنند حِفظ‌، و إمام‌ زمان‌ كُشند [388]

 روي‌ الشيخ‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ، بسنده‌، عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌:

 أنا أوّل‌ وافذ علی‌ العزيز الجبّار يوم‌ القيامة‌، وكتابه‌، وأهل‌ بيتي‌؛ ثمّ أُمّتي‌؛ ثمّ أسألهم‌ ما فعلتم‌ بكتاب‌ الله‌ وبأهل‌ بيتي‌ ؟! [389]

 الرجوع الي الفهرس

استمهال الامام الحسین القوم لیلة عاشوراء للصلاة و التلاوة و الدعاء

 وفي‌ الحديث‌ المروي‌ عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: تاسوعا يومٌ حوصر فيه‌ الإمام‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وأصحابه‌ بكربلاء، واجتمع‌ علیه‌ خيلٌ أهل‌ الشام‌ وأناخوا علیه‌، وفرح‌ ابن‌ مرجانة‌ وعمر بن‌ سعد بتوافر الخيل‌ وكثرتها، واستضعفوا فيه‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وأصحابه‌ وأيقنوا أنـّه‌ لايأتي‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ ناصر ولا يمدّه‌ أهلُ العراق‌. بِأَبِي‌ المُسْتَضْعَفُ الغَرِيبُ. [390]

 فلمّا نادي‌ عمر بن‌ سعد أصحابه‌ بالركوب‌، ركب‌ أصحابه‌ واقتربوا نحو خيم‌ الحسين‌، والحسين‌ جالس‌ أمام‌ خيمته‌ واضعاً رأسه‌ علی‌ ركبته‌ محتبياً بسيفه‌، إذ خفق‌ برأسه‌ علی‌ رُكبتيه‌ فرأي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ يقول‌ له‌: إِنَّكَ صَائِرٌ تَرُوحُ إلَینَا عَنْ قَرِيبٍ. [391]

وسمعت‌ أُخته‌ زينب‌ الضجّة‌ فدنت‌ من‌ أخيها فقالت‌: يا أخي‌ ! أما تسمع‌ الاصوات‌ قد اقتربت‌ ؟ فقال‌ الإمام‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ لاخيه‌ للعبّاس‌:

 ارْكَبْ ـ بِنَفْسِي‌ أَنْتَ ـ حَتَّي‌ تَلْقَاهُمْ وَاسْأَلْهُمْ عَمَّا جَاءَهُمْ ؟! وَمَا الَّذِي‌يُرِيدُونَ ؟! فأتاهم‌ العبّاس‌ في‌ نحو من‌ عشرين‌ فارساً فيهم‌ زهير بن‌ القين‌ و حبيب‌ بن‌ مظاهر فسألهم‌ عمّا يريدون‌، قالوا: جاء أمر الامير عبيدالله‌ بن‌ زياد أن‌ نعرض‌ علیكم‌ أن‌ تنزلوا علی‌ حكمه‌ أو نناجزكم‌. فانصرف‌ العبّاس‌ راجعاً إلی‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ يخبره‌ الخبر ووقف‌ أصحابه‌ يخاطبون‌ القوم‌ ويعظونهم‌.

 فقال‌ لهم‌ حبيب‌ بن‌ مظاهر: أما واللَهِ لبئس‌ القوم‌ عندالله‌ غداً قومٌ يقدمون‌ علیه‌ قد قتلوا ذرّيئد نبيّه‌ وعترته‌ وأهل‌ بيته‌ وعبّاد أهل‌ هذا المصر، المتهجّدين‌ بالاسحار والذاكرين‌ الله‌ كثيراً.

 فقال‌ له‌ عزرة‌ بن‌ قيس‌، إنّك‌ لتزكّي‌ نفسك‌ ما استعطت‌.

 فقال‌ له‌ زهير: يا عزرة‌ ! إنّ الله‌ قد زكّاها وهداها، أنشدك‌ الله‌ يا عزرة‌ أن‌ تكون‌ ممّن‌ يعين‌ الضلالة‌ علی‌ قتل‌ النفوس‌ الزكيّة‌.

 قال‌ عزرة‌: يا زهير ! ما كنت‌ عندنا من‌ شيعة‌ أهل‌ هذا البيت‌، إنّما كنتَ علی‌ غير رأيهم‌.

 قَالَ زُهَيْرُ: أَفَلَسْتَ تَسْتَدِلُّ بِمَوْقِفِي‌ هَذَا أَنِّي‌ مِنْهُمْ ؟! أما والله‌ ما كتبتُ إلیه‌ كتاباً قطّ، ولا أرسلتُ إلیه‌ رسولاً قطّ، ولا وعدته‌ نُصرتي‌ قطّ، ولكنّ الطريق‌ جمع‌ بيني‌ وبينه‌، فلمّا رأيته‌ ذكرتُ به‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ومكانه‌ منه‌، وعرفتُ ما يقدم‌ علیه‌ عدوّه‌ فرأيت‌ أن‌ أنصره‌، وأن‌ أكون‌ من‌ حزبه‌، وأجعل‌ نفسي‌ دون‌ نفسه‌ لما ضيّعتم‌ من‌ حقّ رسوله‌.

 ورجع‌ العبّاس‌ إلی‌ أخيه‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ فأخبره‌ بما قال‌ الوم‌، فقال‌ علیه‌ السلام‌: ارْجِعْ إلَیهِمْ وَاسْتَمهِلْهُمْ هَذِهِ العَشِيَّةِ إلَی‌ غَدٍ؛ لَعَلَّنَا نُصَلِّي‌ لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ، وَنَدْعُوهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي‌ أُحِبُّ الصَّلاَةَ لَهُ وَتِلاَوَةَ كِتَابِهِ، وَكَثْرَةَ الدُّعَاءِ وَالاستِغْفَارِ.

 فرجع‌ العبّاس‌ واستمهلهم‌، وجاء رسول‌ من‌ قبل‌ عمر بن‌ سعد، فقام‌ حيث‌ يسمع‌ الصوت‌ فقال‌: إنئا قد أجّلناكم‌ إلی‌ غدٍ، فان‌ استسلمتم‌ سرّحنا بكم‌ إلی‌ أميرنا عبيدالله‌ بن‌ زياد، وإن‌ أبيتم‌ فلسنا تاركيكم‌. [392]

 وجمع‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ أصحابه‌ فخطبهم‌، فحمد الله‌ وأثني‌ علیه‌، ثمّ أثني‌ علی‌ أصحابه‌ المخلصين‌، ثمّ قال‌: وقد أخبرني‌ جدّي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أَنِّي‌ سَأُسَاقُ إلَی‌ العِرَاقِ فَأُنْزِلُ أَرْضَاً يُقَالُ لَهَا عَمُورٌ، أَوْ كَرْبَلاَ؛ وَفِيهَا أَسْتَشْهِدُ، وَقَدْ قَرُبَ المَوْعِدُ. [393]

 وأنّي‌ قد أُنتُ لكم‌ فانطلقوا جميعاً في‌ حلّ ليس‌ علیكم‌ منّي‌ ذمام‌، وهذا الليل‌ قد غشيكم‌ فاتّخذوه‌ جملاً، وليأخذ كلّ رجل‌ منكم‌ بِيَدِ رجل‌ من‌ أهل‌ بيتي‌، فجزاكم‌ الله‌ جميعاً خيراً، وتفرّقوا في‌ سوادكم‌ ومدائنكم‌ فَإنَّ القَوْمَ إنَّمَا يَطْلِبُونَنِي‌؛ وَلَوْ أَصَابُونِي‌ لَذَهَلُوا عَن‌ طَلَبِ غَيْري‌ !

 فقال‌ له‌ إخوته‌ وأنباؤه‌ وبنو أخيه‌ وأبناء عبدالله‌ بن‌ جعفر: ولِمَ نَفعل‌ ذلك‌ ؟ لنبقي‌ بعدك‌ ! لا أرانا الله‌ ذلك‌ أبداً.

 بدأهم‌ بهذا القول‌ العبّاس‌ بن‌ علی وتابعه‌ الهاشميّون‌.

 ثمّ نهض‌ أولاد عقيل‌، ومسلم‌ بن‌ عوسجة‌، وزهير بن‌ القين‌، كلّ بدوره‌، فتكلّموا بكلا كريم‌، وأظهروا ببيان‌ عجيب‌ خجلهم‌ لانـّهم‌ لا يمتلكون‌ إلاّ روحاً واحدة‌ يؤثرونه‌ بها. [394]

 كانت‌ ليلة‌ عاشوراء أشدّ ليلة‌ مرّت‌ علی‌ أهل‌ الرسالة‌، حُفْت‌ بالمكاره‌ والمحن‌، وأعقبت‌ الشرّ وآذنت‌ بالخطر الحتميّ من‌ دولة‌ بني‌ أُميّة‌ الجائرة‌، وهناك‌ ولولة‌ النساء وصراخ‌ الاطفال‌ من‌ العطش‌ المبرّج‌ والهمّ المدلهمّ.[395]

 الرجوع الي الفهرس

ابیات سید الشهداء علیه السلام لیلة عاشوراء و حال زینب علیها السلام

 قال‌ الإمام‌ علی بن‌ الحسين‌ السجّاد علیه‌ السلام‌: إنّي‌ جالس‌ في‌ تلك‌ العشيّة‌ التي‌ قذتل‌ أبي‌ صبيحتها، وعمّتي‌ زينب‌ عندي‌ تمرّضني‌ إذ اعتزل‌ أبي‌ في‌ خباء له‌ وعنده‌ حَوّي‌ [396] مولي‌ أبي‌ ذرّ الغفاريّ ( وكان‌ بصيراً بمعالجة‌ آلات‌ الحرب‌ وإصلاح‌ السلاح‌ ) وهو يعالج‌ سيفه‌ ويصلحه‌، وأبي‌ يقول‌:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ                          كَمْ لَكَ بِالإشْرَاقِ وَالاْصِيلِ

مِنْ صَاحِبٍ وَطَالِبٍ قَتِيلِ                                      وَالدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بِالبَدِيلِ

وَإنَّمَا الاْمْرُ إلَی‌ الجَليلِ                                        وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي‌

 فأعادها مرّتين‌ أو ثلاثاً حتّي‌ فهمتها وعرفتُ ما أراد، فختقتني‌ العبرة‌ فرددتُها ولزمتُ السكوت‌ وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل‌.

 وأمّا عمّتي‌ فإنّها سمعتْ ما سمعتُ وهي‌ امرأة‌، ومن‌ شأن‌ النساء الرقّة‌ والجزع‌، فلم‌ تملك‌ نفسها أن‌ وَثَبَتْ تَجُرُّ ذَيْلَهَا حَاسِرَةً حَتَّي‌ انْتَهَتْ إلَیهِ وَقَالَتْ: وَاثُكَلاهُ ! لَيْتَ المَوْتُ أَعْدَمَنِي‌ الحَيَاةَ. إلیوْمَ مَاتَتْ أُمِّي‌ فَاطِمَةُ، وَأَبِي‌ علی‌ّ، وَأَخِي‌ الحَسَنُ ! يَا خَلِيفَةَ المَاضِي‌ وَثِمَالَ البَاقِي‌ !

 فنظر إلیها الحسين‌ علیه‌ السلام‌ وقال‌ لها: يَا أُخَيَّةُ ! لاَ يَذْهَبْنَّ بِحِلْمِكَ الشَّيْطَانُ ! لَوْ تَرِكَ القَطَا لَنَامَ. [397]

 فقالت‌: يَا وَيْلَتَاهُ ! أَفَتَغْتَصِبُ نَفْسَكَ اغْتِصَابَاً ؟ فَذَاكَ أَقْرَحُ لِقَلْبِي‌ وَأَشَدُّ علی‌ نَفْسِي‌ ! ثمّ لطمت‌ وجهها وهوت‌ إلی‌ جيبها فشقّته‌ وخرّت‌ مغشيّة‌ علیها. فقام‌ إلیها الحسين‌ علیه‌ السلام‌ فصبّ علی‌ وجهها الماء، وقال‌ لها:

 يَا أُخْتَاهُ ! اتَّقِي‌ اللَهَ وَتَعَزِّي‌ بِعَزَاءِ اللَهِ ! وَاعْلَمِي‌ أَنَّ أَهْلَ الاْرْضِ يَمُوتُونَ؛ وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لاَ يَبْقُونَ؛ وَأَنَّ كُلَّ شَي‌ءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهُ اللَهِ الَّذِي‌ خَلَقَ الخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ؛ وَيَبْعَثُ الخَلْقَ وَيَعُودُونَ وَهُوَ فَرْدٌ وَحْدَهُ (جَدِّي‌ خَيْرٌ مِنِّي‌ ـ خ‌ ل‌) أَبِي‌ خَيْرٌ مِنِّي‌؛ وَأُمِّي‌ خَيْرٌ مِنِّي‌، وَأَخِي‌ خَيْرٌ مِنِّي‌ (وَلِي‌ ـ خ‌ ل‌) وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ بِرَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ أُسْوَةٌ.

نيست‌ زينب‌، وقت‌ بيهوشي‌ تو                    تنگدل‌ شد شه‌، زخاموشي‌ تو

بلبل‌ عشقي‌، تو بر گل‌ زنده‌اي‌                                 پيش‌ گل‌، بر صد نوا زيبنده‌اي‌[398]

گل‌ بدست‌ آمد، كجا شد جوش‌ تو                                        يا زبوي‌ گل‌ ز سر شد هوش‌ تو؟

بر توگريد ديدة‌ گل‌ بي‌ حساب‌                                  بهر بي‌هوشان‌، روا باشد گلاب‌[399]

 يَا أُخَيَّةُ إِنِّي‌ أَقْسَمْتُ علیكَ فَأَبرِّي‌ قَسَمِي‌ ! لاَ تَشُقِّي‌ علی جَيْبَاً؛ وَلاَ تَخْمِشِي‌ علی وَجْهَاً؛ وَلاَ تَدْعِي‌ علی بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ إذَا أَنَا هَلَكْتُ. [400]

 يقول‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌: ثمّ جاء بها حتّي‌ أجلسها عندي‌، ثمّ خرج‌ إلی‌ أصحابه‌، فقام‌ الليل‌ كلّه‌ يصلّي‌ ويستغفر ويدعو ويتضرّع‌، وقام‌ أصحابه‌ كذلك‌ يصلّون‌ ويدعون‌ ويستغفرون‌. فباتوا ولهم‌ دويّ كدوي‌ النحل‌ من‌ تلاوة‌ القرآن‌ والدعاء والمناجاة‌.

 قال‌ في‌ « نفس‌ المهموم‌ » ص‌ 141 بعد هذا المطلب‌: وكما وصفه‌ ابنه‌ إمامنا المهديّ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ فقال‌:

 كَانَ لِلْقُرآنِ سَنَدَاً وَلِلاُمَّةِ عَضُدَاً، وَفِي‌ الطَّاعَةِ مُجْتَهِدَاً، حَافِظَاً لِلْعَهْدِ وَالمِيثَاقِ؛ نَاكِبَاً عَنْ سُبُلِ الفُسَّاقِ؛ بَاذِلاً لِلْمَجْهُودِ؛ طَوِيلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ زَاهِدَاً فِي‌ الدُّنْيَا زُهْدَ الرَّاحِلِ عَنْهَا؛ نَاظِرَاً إلَیهَا بِعَيْنِ المُسْتَوْحِشِ مِنْهَا. 

 الرجوع الي الفهرس

المجلد الثاني

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[364]   ـ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الخطبة‌  174  من‌ نهج‌ البلاغة‌ عبارة‌ بهذا الشكل‌ : فَرَحِمَ اللَهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهوَتِهِ ؛ وَقَمَعَ هَوَي‌ نَفْسِهِ . فَإنَّ هَذِهِ النَّفْسُ أَبْعَدُ شَيْءٍ مَنْزِعَاً ؛ وَإنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إلَي‌ مَعوصِيَةٍ فِي‌ هَوَيً .

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ عبارة‌ «أبعد شي‌ء منزعاً» في‌ ج‌  10، ص‌  17  و  18: منزعاً أي‌ مذهباً ، قال‌ أبو ذؤيب‌ :

وَالنَّفسُ رَاغبةٌ إذا رغّبتها                        وإذا تُرَدُّ إلي‌ قليلٍ تَقْنَعُ

 ومن‌ الكلام‌ المرويّ عنه‌ عليه‌ السلام‌ (ويروي‌ أيضاً عن‌ غيره‌) :

 يا أيـّها الناس‌ إنّ هذه‌ النفوس‌ طلعة‌ فإلاّ تقدعوها تنزع‌ بكم‌ إلي‌ شرّ غايةٍ . وقال‌ الشاعر :

وما النَّفسُ إلاّ حيثُ يجعلها الفتي‌                         فإن‌ أُطمعتْ تاقت‌ وإلاّ تسلّتِ

 ومن‌ جملة‌ أبيات‌ قصيدة‌ البردة‌ التي‌ أنشدها البوصيريّ في‌ أحوال‌ وعظمة‌ رسول‌   الله‌ :

والنَّفْسُ كالطفلِ إنْ تُهمله‌ شبَّ علي‌                    حُبِّ الرضاعِ وإنّ تَفطِمْهُ ينْفَطِمُ

[365]  ـ «جامع‌ الشواهد» باب‌ الواو بعده‌ الالف‌ واللاّم‌ ؛ ويقول‌ بعد البيت‌ الثاني‌ :

كَمْ مِن‌ جَمِيلِ الشَّملِ مُلتَئمِ القُوَي                        ‌ كَانُوا بِعَيشٍ قَبلَنَا فَتَصَدَّعُ

وَالدّهرُ لاَ يَبْقِي‌ عَلَي‌ حَدَثَانِهِ                  مُستَشعِرٌ خَلَقَ الجَدِيدِ مُقَنَّعُ

 وقال‌ ياقوت‌ الحمويّ في‌ «معجم‌ الادباء» ج‌  11، ص‌  83  إلي‌  89  في‌ ترجمة‌ أحوال‌ هذا الشاعر : وقيل‌ إنّه‌ كان‌ من‌ المخضرمين‌ ، أدرك‌ الجاهليّة‌ والإسلام‌ ، ورد المدينة‌ عند وفاة‌ رسول‌ الله‌ وأسلم‌ وحسن‌ إسلامه‌ . روي‌ عن‌ أبي‌ عمرو بن‌ العلاء أنّ حسّان‌ بن‌ ثابت‌ سُئل‌ : أيّ الشعراء أفضل‌ ؟ قال‌ : بين‌ الاحياء هُذَيل‌ أبوذؤيب‌ . وقال‌ ابن‌ شَبّة‌ : وفاقَ أبو ذؤيب‌ بقصيدته‌ العينيّة‌ التي‌ أنشدها في‌ رثاء أولاده‌ الشعراء ، ومطلعها :

أمن‌ المنون‌ وريبه‌ تتوجّعُ                         والدهر ليس‌ بمعتبٍ مَن‌ يجزع‌

قالت‌ أُميمةُ ما لجسمك‌ شاحباً                              منذ ابتذلت‌ ومثل‌ مالك‌ ينفعُ؟!

أم‌ مالجسمك‌ لا يلائم‌ مضجعاً                                إلاّ أَقَضَّ عليك‌ ذاك‌ المضجعُ

فأجبتُها أمّا لجسمي‌ إنّه‌                        أوْدي‌ بنيّ من‌ البلاد فودّعوا

أودي‌ بنيّ فأعقبوني‌ حسرةً                                 بعد السرور وعَبرةً ما تُقلِعُ

 ومن‌ هذه‌ القصيدة‌ :

ولقد حَرصتُ بأن‌ أدافع‌ عنهمُ                  وإذا المنيّة‌ أقبلتْ لا تُدفعُ

وإذا المنيّة‌ أنشبت‌ أظفارها                   ألفيْتَ كلَّ تميمةٍ لاتنفعُ

وتجلّدي‌ للشامتين‌ أُريهُمُ                        أنّي‌ لريبِ الدهرِ لا أتضعضعُ

لابُدّ من‌ تلفٍ مُقيمٍ فانتظر                       أبأرضِ قومك‌ أمْ بأُخري‌ المضجعُ

 وهذه‌ القصيدة‌ تقرب‌ من‌ سبعين‌ بيتاً . وقال‌ الشيخ‌ عبدالخالق‌ في‌ تعليقتها :

 عادَ جمع‌ من‌ بني‌ هاشم‌ معاوية‌ في‌ مرضه‌ الذي‌ قضي‌ به‌ ، فلم‌ يأذن‌ لهم‌ بالدخول‌ حتّي‌ أُجلس‌ علي‌ وسادة‌ لئلاّ يروا ضعفه‌ ، وحين‌ انصرفوا من‌ عنده‌ تمثّل‌ بهذا البيت‌ :

 «وتجلّدي‌ للشامتين‌ أريهم‌» ـ ـ الخ‌ . وأورد أبو الفرج‌ الإصفهانيّ أيضاً في‌ «الاغاني‌» ج‌ 6، ص‌  56  إلي‌  61  ترجمة‌ أحوال‌ أبي‌ ذؤيب‌ وذكر من‌ قصيدته‌ العينيّة‌ أربعة‌ أبيات‌ .

[366] ـ الا´ية‌ 31، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[367] - روی المجلسی فی بحار الانوار ج 92 ص 15 الصبعة الحروفیة طهران عن « عیون اخبار الرضا» بسنده المتصل عن الامام الرضا عن ابیه علیهما السلام  ان رجلا سأل اباعبدالله علیه السلام : ما بال القرآن لا یزداد علی النشر والدرس الا غضاضة ؟ فقال : لان الله تبارک و تعالی ام یجعله لزمان دون زمان و لا لناس دون ناس ، فهو فی کل زمان جدید و عند کل قوم غض الی یوم القیامة.

[368] ـ الا´ية‌ 50، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[369] ـ الا´ية‌ 55، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[370] ـ الا´ية‌ 61، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[371] ـ الا´ية‌ 72، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[372] - یروی الشیخ الحر  العالمی فی « وسائل الشیعة » ج2 ص 510 ، کتاب الامر بالمعروف ، باب وجوب البرائة من اهل البدع و سبهم و تحذیر الناس منهم و ترک تعظیمهم مع عدم الخوف ، طبعة امیر بهادر :

العیاشی فی تفسیره عن محمد بن هاشم عمن حدثه  عن ابی عبد الله علیه السلام قال : نزلت هده الآیة : قل قد جاءکم رسل من قبلی بالبینت و بالذی قلتم فلم قتلتموهم ان کنتم صدقین ، وقد علم انهم قالوا: و الله ما قتلنا و لا شهدنا ، قال : و انما قیل لهم : ابرؤوا من قتلهم فأبوا.

عن سماعة ، قال: سمعت ابا  عبد الله علیه السلام یقول فی قول الله : قد جاءکم رسل من قبلی بالبینت و بالذی قلتم فلم قتلتموهم ان کنتم صدقین ، و قد علم ان هؤلاء ( ای جماعة الیهود ) لم یقتلو ا ، ولکن کان هو اهم مع الذین قتلوا فسماهم الله قاتلین لمتابعة هو اهم و رضاهم بذلک الفعل .

و عن معمر بن عمر ، قال : قال ابو عبد الله علیه السلام : لعن الله القدریة لعن الله الحروریة لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة . قلت : کیف لعنت هؤلاء مرة و لعنت هؤلاءمرتین ؟ فقال : ان هؤلاءزعموا ان الذین قبلونا کانوا مؤمنین فثیابهم ملطخة بدمائنا الی یوم القیامة ، اما تسمع لقول الله : الذین قالوا ان الله عهد الینا ، الی قوله : فلم قتلتموهم ان کنتم صدقین ؛ قال : و کان بین الذین خوطبوا بهذا القول و بین القائلین خمسمائة عام ، فسماهم الله قاتلین برضاهم بما صنع اولئک

[373] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 14: طبعة‌ الاُوفسيت‌.

[374] ـ الا´ية‌ 145، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[375] ـ الا´ية‌ 44، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[376] - و ما اروع ما انظم الحکیم السنائی فی قوله :

عجب نبود گر از ایمان نصیبت نیست جز نقشی                                           که از خورشید جز گرمی نبیند چشم نابینا

یقول : لا عجب حین لم تحظ من الایمان الا خیال ، لان عین الاعمی لا تدرک من الشمس غیر حرارتها .

[377] ـ الا´ية‌ 10، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌. إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَهَ يَدُاللَهَ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.

[378] ـ وكم‌ كان‌ خطأ صاحب‌ «المعالم‌» فادحاً حين‌ قال‌ إنّ ما وضع‌ لخطاب‌ المشافهة‌ لا يعمّ بصيغته‌ مَن‌ تأخّر عن‌ زمن‌ الخطاب‌، وإنّما يثبت‌ حكمه‌ لهم‌ بدليلٍ آخر، وهو قول‌ أصحابنا الإماميّة‌ وأكثر أهل‌ الخلاف‌ ـ انتهي‌.

 ومعني‌ ومدلول‌ كلامه‌ أنّ كلمات‌ القرآن‌ وخطاباته‌ وحقائقه‌ ترجع‌ كلّها إلي‌ زمن‌ نزوله‌، وإلي‌ المخاطبين‌ في‌ ذلك‌ الزمن‌، وأنـّنا لا نتملك‌ الحقّ في‌ فهم‌ الا´يات‌ والتعمّق‌ فيها، بل‌ إنّ عينا أن‌ نري‌ ما الذي‌ فهمه‌ الحاضرون‌ آنذاك‌ كأمثال‌ عمّار والمقداد، ثمّ نعمل‌ بالإجماع‌ حسب‌ فهمهم‌. وهذه‌ المقولة‌ خطأ كبير بدر منه‌، وأهمّ من‌ ذلك‌ أنـّه‌ نسبها إلي‌ علماء الشيعة‌ الإماميّة‌.

 يقول‌ المولي‌ صالح‌ المازندرانيّ في‌ «شرح‌ المعالم‌»: وهذا القول‌ علي‌ مذهب‌ الفئة‌ الناجية‌ بعيد، وممّا يدلّ عليه‌ ما رواه‌ في‌ «الكافي‌» في‌ تفسير قوله‌ تعالي‌ ؤَ أُوْحِيَ إِلَيَّ هَـ'ذَا الْقُرْءَانُ لاِنذِرَكُم‌ بِهِ وَمَن‌ بَلَغَ (الا´ية‌ 19، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌) وورود في‌التفسير أنّ المراد بمن‌ بلغ‌: الائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌.

 والمعني‌: وينذركم‌ به‌ مَن‌ بلغ‌؛ وهذه‌ الا´ية‌ تدلّ علي‌ أنّ المخاطبين‌ ليسوا خصوص‌ الافراد المواجهين‌ بالمشافهة‌، بل‌ أعمّ منهم‌، والمعدومين‌ الذين‌ سيأتون‌ فيما بعد الذين‌ سيقوم‌ الائمّة‌ المعصومون‌ بإنذارهم‌ وتحذيرهم‌. («معالم‌ الاُصول‌» بحثا العلوم‌ والخصوص‌، ص‌ 112 و 113، طبعة‌ عبدالرحيم‌).

[379] ـ الا´يتان‌ 48 و 49، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[380] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 19.

[381] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 22.

[382] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 23.

[383] ـ الا´ية‌ 27، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[384] ـ روي‌ الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ مسنده‌ عن‌ سهل‌ بن‌ سعد، عن‌ أبيه‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌ يوم‌ خبير: لاعطينّ الراية‌ غداً رجلاً يحبّ الله‌ ورسوله‌؛ ويحبّه‌ الله‌ ورسوله‌، لا يرجع‌ حتّي‌ يفتح‌ الله‌ عليه‌. («ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 231، طبعة‌ إسلامبول‌).

[385] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 1، ص‌ 16.

[386] ـ الا´ية‌ 7، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[387] ـ الا´ية‌ 3، من‌ السورة‌ 76: الدهر.

[388] ـ يقول‌: «يتّخذون‌ القرآن‌ تميمة‌ وحرزاً ويسلّون‌ السيف‌ بوجه‌ طه‌؛ وتحفظون‌ الفرقان‌ ويقتلون‌ إمام‌ الزمان‌» !!

[389] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 600، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌

[390] ـ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 137.

[391] ـ «الإرشاد» للمفيد، ص‌ 249، الطبعة‌ الحجريّة‌، و«تاريخ‌ الطبريّ»، ج‌ 4، ص‌ 315، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌، سنة‌ 1358؛ و«الكامل‌ في‌ التأريخ‌» لابن‌ الاثير، ج‌ 3، ص‌ 284، الطبعة‌ الاُولي‌؛ و«مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 230.

[392] ـ «الإرشاد» للمفيد، ص‌ 249؛ و«تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 4، ص‌ 315 الی 317؛ و«الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 285؛ و«البداية‌ والنهاية‌» لابن کثیرج‌ 8 ص 176 و 177، و اغلام الوری، ص‌ 234.

[393] ـ «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 233، عن‌ «إثبات‌ الرجعة‌» للفضل‌ بن‌ شاذان‌.

[394] ـ «الإرشاد» للمفيد، ص‌ 250؛ و«تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 4، ص‌ 317؛ و«الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 285؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8 ص 176 و 177، و مقتل الحسین المقرم، ص‌ 234.

[395] ـ «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 262، الطبعه الخامسه – قم سنه 1394 ه.

[396] ـ قال‌ في‌ كتاب‌ «دمع‌ السجوم‌» ص‌ 117: حَوِّي‌ بفتح‌ الحاء المهملة‌ والياء المشدّدة‌ علي‌ وزن‌ سرّي‌ كما في‌ نسخة‌ «نفس‌ المهموم‌» للمرحوم‌ المحدّث‌ القمّيّ، وبضمّ الحاء وفتح‌ الواو بضبط‌ «تاريخ‌ الطبريّ».

[397] ـ قال‌ في‌ «دمع‌ السجوم‌» ص‌ 117: القطا دجاجة‌ اسمها بالفارسيّة‌ إسفرود، وبالتركيّة‌ با قرقره‌، ومعروفة‌ باسم‌ آكلة‌ الصخر (سنگ‌ خوار) لانـّها توجد كثيراً في‌ المناطق‌ الصخريّة‌، وليس‌ لانـّها تأكل‌ الصخر حقّاً ـ انتهي‌.

 وفي‌ المعجم‌ اللغويّ «لغتنامه‌ دهخدا» قال‌: القطا دجاجة‌ يقال‌ لها بالفارسيّة‌ «سنگخوار»، ويقال‌ إنّ صوت‌ القطا في‌ الصحراء دليل‌ للمسافرين‌ علي‌ وجود الماء.

 وفي‌ «جامع‌ الشواهد» في‌ بيت‌ العبّاس‌ بن‌ الاحنف‌:

بكيتُ إلي‌ سرب‌ القطا إذ مررنَ بي‌                      فقلتُ ومثلي‌ بالبكاء جدير

أسرب‌ القطا هل‌ من‌ يُعير جناحه‌                           لعليِّ إلي‌ من‌ قد هويتُ أطيرُ

قيل‌: القطا كعصا جمع‌ قطاة‌، بقاف‌ وطاء مهملة‌ وتاء مثناة‌ مثل‌ قناة‌ طائر معروف‌.

 أمّا الميداني‌ّ في‌ «مجمع‌ الامثال‌» ج‌ 2، ص‌ 174 تحت‌ رقم‌ 3230 فقال‌:

 «لو تُرِكَ القَطَا لَنَامَ لَيْلاً» مثلٌ يرجع‌ أصله‌ إلي‌ عمرو بن‌ مامة‌، فإنّه‌ نزل‌ علي‌ قومٍ من‌ بني‌ مراد فقصدوه‌ ليلاً فأثاروا طيور القطا من‌ مخابئها وأماكنها فطارت‌، فصاحت‌ به‌ زوجته‌ لمّا رأت‌ طيران‌ القطا وحذّرته‌ فقال‌: إنّما هي‌ القطا. فقالت‌: لو ترك‌ القطا لنام‌ ليلاً. وهذا المثل‌ يُضرب‌ لمن‌ يجبر علي‌ القيام‌ لعمل‌ لا يرتضيه‌ ـ انتهي‌.

 وفي‌ معجم‌ «لغت‌ نامهنوين‌» (=المعجم‌ الحديث‌) قال‌ بشأن‌ القطا: القطا جنس‌ من‌ طير الجونيّات‌ (وقال‌ في‌ مادّة‌ جَوَنَ: الجونيّ نوع‌ من‌ القطا جناحها وبطنها أسود اللون‌، وجمعها جُونٌ). ثمّ قال‌: ومفردها قطاة‌، وأنواعها كثيرة‌ كلّها تشبه‌ الحمام‌، ويُضرب‌ بها المثل‌ في‌ الاهتداء:

 والناس‌ أهدي‌ في‌ القبيح‌ من‌ القطا وأضلّ في‌ الحُسني‌ من‌ الغِربانِ

[398] ـ يقول‌: «ليس‌ الوقت‌ مناسباً للإغماء ـ يا زينب‌، فلقد ضاق‌ بصمتك‌ صدر السلطان‌ أي‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌.

 وكنتِ كالبلبل‌ العاشق‌ يحيا لاجل‌ الوردة‌، وكان‌ وجودك‌ يفوق‌ الورد بمئات‌ الاوصاف‌ والمعاني‌.

[399] یقول: جاءت‌ الوردة‌ فأين‌ صار حماسك‌ ونشاطك‌ ؟! أم‌ أنّ عطر الوردة‌ ألقاك‌ مغميً عليك‌.

 ذرفت‌ الوردة‌ لاجلك‌ الدموع‌ غزاراً، فكانت‌ أشبه‌ بماء الورد يصبّ علي‌ المفمي‌ عليهم‌».

 وقد نُقلت‌ هذه‌ الاشعار ـ للمناسبة‌ من‌ ديوان‌ «زبدة‌ الاسرار» ص‌ 183.

[400] ـ «الإرشاد» للمفيد، ص‌ 251 و 252؛ و«تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 4، ص‌ 318 و 319؛ و«الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 285 و 286؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 177.

 الرجوع الي الفهرس

المجلد الثاني

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com