|
|
الصفحة السابقةبشر الحافي وانقلاب حاله من كلامٍ لموسي بن جعفر علیهما السلامونظيـر تأثيـر الآية القرآنيّة في الفضـيل، تأثيـر كـلام الإمـام الحقّ والوليّ الرفيع لعالَم الإمكان في بِشْر الحافي. فقد كان بشـر الحافي أوّل أمـره يتعاطـي الخمـر ومشـغولاً بصـحبة الغواني واستماع الاغاني والطرب والمجون، حتّي اتّفق يوماً ـ كما يذكر العلاّمة الحلّيّ في كتاب « منهاج الكرامة » أن كان الإمام الكاظم: موسي بن جعفر علیهما السلام يجتاز علی داره ببغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء والرقص والناي تعلو من داره، وخرجت أثناء ذلك جارية بالقُمامة تريد إلقاءها خارج الدار، فسألها الإمام: يَا جَارِيَةٌ! صَاحِبُ هَذَا الدَّارِ حُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟! فَقَالَتْ: بَلْ حُرٌّ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: صَدَقْتِ لَوْ كَانَ عَبْداً، خَافَ مِنْ مَوْلاَهُ. فدخلت الجارية الدار، وكان مولاها علی مائدة السُّكْر، فقال لها: ما أبطأك؟ فقالت: حدّثني رجل بكذا وكذا. فخرج بشر مُسـرعاً حافياً حتّي لحـق بمولانا الإمـام الكاظـم علیه السلام، فاعتذر منه وبكي وتاب علی يده. [251] تأثير خطبة أمير المؤمنين علیه السلام في همّام ومفارقته الحياةونظيرُ تأثير القرآن في الفضيل، وكلام الإمام الكاظم علیه السلام في بشر، الموعظةُ البليغة والرشيقة لمولي الموالي الإمام علیّ بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام في صفات الشيعة والمؤمنين والمتّقين، تلك الموعظة التي خرّ همّام علی إثرها علی الارض صعقاً بلا حياة. فقد ورد في « نهج البلاغة » أ نّه روي أنّ أحد أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام يُقال له هَمَّام، وكان رجلاً عابداً، فقال له: يا أمير المؤمنين! صف لي المتّقين حتّي كأ نّي أنظر إليهم. فتثاقل علیه السلام عن جوابه، ثمّ قال: يَا هَمَّامُ! اتّقِّ اللَهَ وَأَحْسِـنْ فَإنَّ اللَهَ مَـعَ الَّذِيـنَ اتَّقَوا وَالَّذِيـنَ هُـمْ مُحْسِنُونَ! فلم يقنع همّام بهذا القول حتّي عزم علیه. فحمد الله وأثني علیه وصلّي علی النبيّ صلّي الله علیه وآله، ثمّ شرع بالخطبة، فذكر ابتداءً خلق الإنسان وغني الباري عن طاعة الخلق وأمنه من معصيتهم، ثمّ بدأ بشرح وتفصيل صفات المتّقين وأحوالهم، حتّي يصل إلی قوله: أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لاِجْزَاءِ القُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلاً. يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ، رَكَنُوا إلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إلَيْهَا شَوْقاً؛ وَظَنُّوا أَ نَّهَا نَصْبَ أَعْيُنُهُمْ. وَإذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ. فَهُمْ حَانُونَ عَلَی أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إلَي اللَهِ تَعَالَي فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ. أَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ، أَبْرَارُ أَتْقِيَاءُ. قَدْ بَرَاهُمُ الخَوْفُ بَرْيَ القِدَاحِ يَنْظُرُ إلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَي، وَمَا بِالقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ؛ وَيَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ. ويستمرّ أمير المؤمنين علیه السلام في هذه الخطبة المفصّلة حتّي يصعق همّام صعقة كانت نفسه فيها. [252] تصدّع كبد بشر الحافي من عشق الله حسب نقل الشهيد الثاني رحمه اللهونظير هذا العشق والهيجان الباطنيّ الذي هزّ وجوده في لحظة واحدة فأوصله إلی الموطن الاصليّ، العشق والهيجان الذي كان في بشر الحافي آنف الذكر. يقول العلاّمة السيّد محمّد باقر الخونساريّ صاحب « روضات الجنّات » في كتابه: رأيتُ بخطّ شيخنا الشهيد الثاني نقلاً عن كتاب «المدهـش» لابي الفـرج بن الجـوزيّ أ نّه قـال: لمّا مـرض بشـر الحافـي رضي الله عنه مرضه الذي مات فيه اجتمع إليه إخوانه وقالوا له: عزمنا أن نحمل ماءك إلی الطبيب. فقال رحمه الله: أَنَا بِعَيْنِ الطَّبِيبِ يَفْعَلُ بِي مَا يُريدُ. قالوا: إنّ فلاناً النصرانيّ طبيب جيّد حاذق ولابدّ أن نحمل إليه ماءك. فقال لهم: دَعُونِي فَإنَّ الطَّبِيبَ أَمْرَضَنِي. فقالوا: لابدّ من ذلك. فقال لاُخته: إذا كان في الغد ادفعي إليهم الماء! فلمّا أصبحوا أتوها فدفعته إليهم فمضوا به إلی الطبيب النصرانيّ، فنظر إليه، وقال لهم: حرّكوه فحرّكوه، ثـمّ قال لهم: ضعوه فوضعـوه، ثمّ قال لهم: حرّكوه فحرّكوه ثانيةً، ثم قال لهم: ضعوه فوضعوه، ثمّ فعل ثالثة مثل ذلك. فقال له أحد القوم: ما هكذا أُخبرنا عنك. قال: وما الذي أُخبرتم به عنّي؟ قالوا: أُخبرنا عنك بحسـن النظر وسـرعة الإدراك وجـودة المعاناة، ونراك تردّد النظر وذلك يدلّ علی قلّة المعرفة. فقال لهم: والله لقد علمتُ حاله من أوّل نظرة، ولكنّي رددت النظر تعجّباً. وبعد، فإن يـكُ هذا ماء نصـرانيّ فهو مـاء راهب قد فتّت الخـوفُ كبده، وإن يكُ ماء مسلم فهو ماء بشر الحافي وليس له عندي دواء فعلّلوه فإنّه ميّت. فقالوا له: هو والله بشر الحافي. فلمّا سمع الطبيب النصرانيّ ذلك أخذ مقراضاً وقطع زنّاره، وقال: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ. قال: فأسرعنا نحو بشر نبشّره، فلمّا بصر بنا قال رحمه الله: أسلم الطبيب؟ قلنا: نعم، فمن أخبرك بذلك؟ قال: لمّا خرجتم من عندي أخذتني سِـنَة من النوم وإذا قائل يقـول لي: يا بشـر! ببركة مائـك أسـلم الطـبيب النصرانيّ. ثمّ لم يلبث بعد ذلك إلاّ ساعةً وقُبض رضي الله عنه. [253] ونُقل عن ابن خلّكان أنّ البعض قال لبشر عند احتضاره: كَأَ نَّكَ يَا أَبَا نَصْرٍ تُحِبُّ الحَيَاةَ؟! قال بشر: القُدُومُ عَلَی اللَهِ شَدِيدٌ. يقول صاحب « الجنّات »: وهذا الكلام شبيه بكلام سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ المُجْتَبَي علیه السلام عند احتضاره، فقد بكي علیه السلام فقيل له: أَوَ مِثْلُكَ يَبْكِي مَعَ مَا لَكَ مِنَ القَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالاَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالخُرُوجِ مِنْ مَالِكَ مَرَّتَيْنِ وَحَجِّ بَيْتِ اللَهِ عِشْرِينَ مَرَّةً مَاشِيَاً؟! قَالَ عَلَيْهِ السَّـلاَمُ: أَبْكِي لِخِصْلَتَيْنِ: لِهَوْلِ المُطَّلَـعِ وَفِرَاقِ الاحِبَّةِ. وفي رواية: أَقْدِمُ عَلَی سَيِّدٍ لَمْ أَرَه. [254] يقول الشيخ فريد الدين العطّار في شأن بشر: حين حانت وفاته كان في اضطراب عظيم وحالٍ عجيب. فقيل له: أوَ تحبّ الحياة؟ قال: لا، ولكن المثول بحضرة ملك الملوك عسير. [255] التدبّر والتأمّل في القرآن مفتاح النجاة والسعادةعجباً لهذا القرآن الذي ينبغي أن يربّي أمثال الفضيل وبِشر وهمّام، كيف يغفل عنه الناس؟! فالقرآن لم يختصّ بأُولئك، بل إنّ دعوته عامّة شاملة، ولقد طبق نداء يَـ'´أَيُّهَا النَّاسُ لهذا الكتاب الملكوتيّ شرق العالم وغربه، داعياً الجميع إلی هذه المائدة السماويّة، كما أ نّه يقود جميع البشر إلی مقام الإنسانيّة: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَي' قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا. [256] أي أنّ أُولئـك الذيـن لم يُختـم علـي قلوبهـم بختـم الشـقاء والعنـاد والسواد، علیهم أن يستفيدوا من كتاب الله وأن يتدبّروا آياته؛ علی أنّ القادر علی طيّ الطريق إلی الله هو المطّلع علی برنامج الحركة والسير، فالقرآن كتاب سير وسلوك، ودليلٌ يهدي إلی أ علی درجات الاستعداد والقابليّة الإنسانيّة، فكيف يمكن السير لمن يفتقد المعرفة بالقرآن، ويجهل طريق السير ومعدّاته، ولا يعلم موانعه وصوارفه وآفاته؟ و علی هذا الاساس، فقد كان نزول القرآن للهداية والعمل، وهذا الامر يتوقّف علی التدبّر والتفكّر. يقول الله سبحانه في مواضع أربعة من سورة قرآنيّة واحدة: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ. [257] ولقد ورد القرآن بلسان فصيح خالٍ من الإبهام والغموض ليفهمه الجميع ويستفيدون منه، وبالرغم من احتواء القرآن علی معانٍ عميقة تختصّ بأصحاب البصائر، فإنّ معانيه ومفاهيمه والمعاني الظاهريّة لآياته كانت عامّة تبعث علی الاعتبار والسرور والخوف والخشية والتقوي والإخلاص، وتثير المعرفة العامّة للناس، فيمكن لكلّ أحد أن يستفيد منها وينهل بمقدار سعته واستعداده: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـ'ذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا. [258] وبهذا اللحاظ فقد ورد الامر في القرآن الكريم بتلاوته مرتّلاً: يَـ'´أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُـمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْـفَهُ و´ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً. [259] يروي الكُلينيّ بإسناده، عن عبد الله بن سليمان قال: سألتُ الإمام الصادق علیه السلام عن معني قول الله عزّ وجلّ: وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً. قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ: بَيِّنْهُ تِبْيَاناً، وَلاَ تَهُـذَّهُ [260] هَذَّ الشِّعْرِ؛ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ، وَلَكِنْ أَفْزِعُوا قُلُوبَكُمُ القَاسِيَةَ؛ وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ! [261] فهذا النوع من القراءة يسلب الاهتمام بنفس الآيات ويصرفه نحو إتمام السورة، ف علیكم أن تقرأوا الآيات بالشكل الذي تعنون فيه بكلّ آية وتتوقّفون عندها وتستفيدون منها استفادة كاملة، ثمّ تنتقلون إلی الآية التالية، ولا يصار هذا بصرف اهتمامكم إلی إنهاء قراءة السورة. وقد أورد الشيخ الطبرسيّ عن أبي بصير، عن الإمام الصادق علیه السلام في تفسير هذه الآية بهذه الكيفيّة: قَالَ: هُوَ أَنْ تَتَمَكَّثَ فِيهِ وَتُحْسِنَ بِهِ صَوْتَكَ. وروي عن الإمام أيضاً قوله: إِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ فَاسْأَلِ اللَهَ الجَنَّةَ، وَإذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَتَعَوَّذْ بِاللَهِ مِنَ النَّارِ. [262] الديوان المنسوب لامير المؤمنين علیه السلام والاشعار المتعلّقة بالقرآنوورد في « الديـوان المنسـوب للإمام أميـر المؤمنين علیه السـلام » ضمن وصيّته للإمام الحسين علیه السلام، يقول: [263] أَبُنَيَّ إنَّ الذِّكْرَ فِيهِ مَوَاعِظٌ فَمَنِ الَّذِي بِعِظَاتِهِ يَتَأَدَّبُ؟ اقْرَأ كِتَابَ اللَهِ جُهْدَكَ وَاتْلُهُ فِيمَنْ يَقُومُ بِهِ هُنَاكَ وَيَنْصِبُ بِتَفَكُّرٍ وَتَخَشُّعٍ وَتَقَرُّبٍ إنَّ المُقَرَّبَ عِنْدَهُ المُتَقَرِّبُ وَاعْبُدْ إلَهَكَ ذَا المَعَارِجِ مُخْلِصاً وَانْصِتْ إلَي الامْثَالِ فِيمَا تُضْرَبُ وَإذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ مَخْشِيَّةٍ تَصِفُ العَذَابَ فَقِفْ وَدَمْعُكَ تَسْكُبُ يَا مَنْ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ لاَ تَجْعَلَنِّي فِي الَّذِينَ تُعَذِّبُ إنِّي أَبُوءُ بِعَثْرَتِي وَخَطِيئَتِي هَرَباً وَهَلْ إلاَّ إلَيْكَ المَهْرَبُ وَإذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِي ذِكْرِهَا وَصْفُ الوَسِيلَةِ وَالنَّعِيمِ المُعْجِبُ فَاسْأَلْ إلَهَكَ بِالإنَابَةِ مُخْلِصاً دَارَ الخُلُودِ سُؤَالَ مَنْ يَتَقَرَّبُ وَاجْهَدْ لَعَلَّكَ أَنْ تَحِلَّ بِأَرْضِهَا وَتَنَالَ رَوْحَ مَسَاكِنٍ لاَ تَخْرُبُ وَتَنَالَ عَيْشاً لاَ انْقِطَاعَ لِوَقْتِهِ وَتَنَالَ مُلْكَ كَرَامَةٍ لاَ يُسْلَبُ وجوب الإنصات للقرآن عند قراءتهوبهذا اللحـاظ والمـلاك فقد وجب الاسـتماع والإنصـات ورعـاية السـكوت حيـن يُقـرأ القرآن كـي تجـد آيات القرآن طريقهـا إلی قلـب مسـتمعه، فبغير الإنصـات سـتبقي آياته غير مفهومة، ولا أثر بدون فهم وإدراك. وَإِذَا قُرِيَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ و وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. [264] قال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم لابن مسعود: اقْرَأْ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَهِ! أَقْرَأُ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. فَكَانَ يَقَْرَأُ وَرَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَيْنَاهُ تَفِيضَانِ. وَقَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنِ اسْتَمَعَ إلَي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ القِيَامَةِ. [265] وفي الرواية أنّ رجلاً كان يتعلّم القرآن من النبيّ، فلمّا انتهي إلی قوله تعالي: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ و * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. [266] قال: يكفيني هذه! وانصرف، فقال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: انْصَرَفَ الرَّجُلُ وَهُوَ فَقِيهٌ. [267] وورد في الاخبار نهيه الشديد عن الغافلين عن القرآن وعن اللاهين بالقرآن، يحدّث في « الكافي » بإسناده عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق علیه السلام أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم قال: اقْرَأُوا القُرْآنَ بِأَلْحَانِ العَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا؛ وَإيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الفِسْقِ وَأَهْلِ الكَبَائِرِ. فَإنَّهُ سَيَجِيءُ مِنْ بَعْدِي أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ القُرْآنَ تَرْجِيعَ الغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالرُّهْبَانِيَّةِ، لاَ يَجُوزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ قُلُوبُهُمْ مَقْلُوبَةٌ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُ شَأْ نُهُمْ. [268] وفي مقابل هؤلاء الافراد، فإنّ هناك من يقرأ القرآن بتأمّل ودقّة، وفي هدوء وتفكّر، بالشكل الذي ينبض معه في قلوبهم، وترتسم آثار الحزن والوله علی سيمائهم، ويستقرّ القرآن في كيانهم وأرواحهم. فَإِلَـ'هُكُمْ إِلَـ'هٌ وَ حِدٌ فَلَهُ و´ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّـ'بِرِينَ عَلَي' مَآ أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَو'ةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنفِقُونَ. [269] ويروي في « الكافي » بسنده المتّصل عن الإمام محمّد الباقر علیه السلام، قال: قُرَّاءُ القُرْآنِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ وَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَاسْتَدَرَّ بِهِ المُلُوكَ، وَاسْتَطَالَ بِهِ عَلَی النَّاسِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ، وَأَقَامَهَ إقَامَةَ القِدْحِ. [270] فَلاَ كَثَّرَ اللَهُ هَؤُلاَءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْآنِ عَلَی دَاءِ قَلْبِهِ؛ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ، وَقَامَ بِهِ فِي مَسَاجِدِهِ وَتَجَافَي بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ. فَبِأُولَئكَ يَدْفَعُ اللَهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ البَلاَءَ وَبِأُولَئِكَ يُدِيلُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الاَعْدَاءِ وَبِأُولَئِكَ يُنَزِّلُ ا للَهُ عَزَّ وَجَلَّ الغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ. فَوَاللَهِ لَهَؤُلاَءِ فِي قُرَّاءِ القُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الاَحْمَرِ. [271] وقال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: مَا آمَنَ بِالقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ. [272] وقد وردت روايات كثيرة في شأن قراءة القرآن في البيوت بصوتٍ عالٍ أو منخفض. الروايات الواردة حول قراءة القرآن في البيوتفقد روي في « الكافي » بإسناده المتّصل عن ليث بن أبي سليم، مرفوعاً إلی رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم، قال: نَوِّرُوا بُيُوتَكُمْ بِتِلاَوَةِالقُرْآنِ؛ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً كَمَا فَعَلَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَي: صَلُّوا فِي الكَنَائِسِ وَالبِيَعِ وَعَطَّلُوا بُيُوتَهُمْ. فَإنَّ البَيْتَ إذَا كَثُرَ فِيهِ تِلاَوَةُ القُرْآنِ كَثُرَ خَيْرُهُ وَاتَّسَعَ أَهْلُهُ وَأَضَاءَ لاِهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تَضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لاِهْلِ الدُّنْيَا. [273] ويروي في « الكافي » عن الإمام الصادق علیه السلام أ نّه قال: إنَّ البَيْتَ إِنْ كَانَ فِيهِ المَرْءُ المُسْلِمُ يَتْلُو القُرْآنَ يَتَرَاءَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا يَتَرَاءَي أَهْلُ الدُّنْيَا الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي السَّمَاءِ. [274] ويروي في « الكافي » أيضاً عن ابن قدّاح عن الإمام الصادق علیه السلام أنّ أمير المؤمنين صلوات الله علیه قال: البَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ القُرْآنُ وَيُذْكَرُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ المَلاَئِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيُضِيءُ لاِهْلِ السَّمَاءَ كَمَا تُضِيءُ الكَوَاكِبُ لاِهْـلِ الاَرْضِ. وَإنَّ البَيْتَ الَّذِي لاَ يُقْرَأُ فِيهِ القُرْآنُ، وَلاَ يُذْكَرُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ وَتَهْجُرُهُ المَلاَئِكَةُ وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ. [275] وبالطبع فإنّ علی قاري القرآن ـ ليستفيد من معناه ومراده بالقدر الكافي أن يتريّث في قراءته، فلا يمرّ علیه مروراً سطحيّاً، فقد أورد في « الكافي » بإسناده عن محمّد بن عبد الله قال: سألتُ الإمام الصادق علیه السلام: أَقْرَأُ القُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ؟! قَالَ: لاَ يُعْجِبُنِي أَنْ تَقْرَأَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ شَهْرٍ! [276] ويروي في « الكافي » أيضاً، عن علیّ بن حمزة قال: دخلتُ علی أبي عبد الله الصادق علیه السلام، فقال له أبو بصير: جُعلت فداك! أقرأُ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا. قال: ففي ليلتَين؟ قال: لا. قال: ففي ثلاث؟ قال: ها ـ وأشار بيده ـ (أي لا بأس بذلك). ثمّ قال لابي بصير: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إنَّ لِرَمَضَانَ حَقَّاً وَحُرْمَةً لاَ يُشْبِهُهُ شَيءٌ مِنَ الشُّهُورِ، وَكَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ. إنَّ القُرْآنَ لاَ يُقْرَأُ هَذْرَمَةً وَلَكِنْ يُرَتَّلُ تَرْتِيلاً: فَإذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ فَقِفْ عِنْدَهَا وَسَلِ اللَهَ الجَنَّةَ؛ وَإذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَقِفْ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذْ بِاللَهِ مِنَ النَّارِ. [277] وفي « الكافي » أيضاً رواية عن حريز، عن الإمام الصادق علیه السلام قال: القُرْآنُ عَهْدُ اللَهِ إلَي خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ؛ وَأَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً. [278] من آداب قراءة القرآن: الصوت الحسن، والاستعاذةومن آداب قراءة القرآن تلاوته بصوت حسن، سواء في الصلاة أم في غيرها، فالاجدر بالإنسان حين يتلو القرآن ـ أيّ وقت شاء أن يهتمّ بتلاوته فيقرأه بلحنٍ حسن، لا أن يقرأه قراءة عاديّة رتيبة، سواء قرأه في حال حزن وتأثّر أو في حال فرح وسرور، فالصوت الحسن مطلوب ومندوب في الحالَين. [279] يروي في « الكافي » عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق علیه السلام، أنّ الرسول الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم قال: لِكُلِّ شَيءٍ حِلْيَةٌ؛ وَحِلْيَةُ القُرْآنِ الصَّوْتُ الحَسَنُ. [280] وروي في « الكافي » أيضـاً، عن علیّ بن إسـماعيل الميثمـيّ، عن رجل، أنّ الإمام الصادق علیه السلام قال: مَا بَعَثَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّاً إلاَّ بِحُسْنِ الصَّوْتِ. [281] ومن جملة آداب قراءة القرآن الاسـتعاذة بالله من شـرّ الشـيطان الرجيم: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَـ'نِ الرَّجِيمِ. [282] ومن البيّن أنّ معاني القرآن في عظمتها لو وردت علی النفس الامّارة الشيطانيّة حال تلوّثها لفقدت صفاءها ورونقها، ولتنزّلت معانيها وهبطت بواسطة تصرّف الشيطان في النفس الامّارة، وعلاج ذلك أن يدخل الإنسان في حمي ومصونيّة وعصمة الله تعالي ليبقي في حرز حريز من الشيطان وتصرّفه. وليست الاستعاذة بالله مجرّد قول أَعُوذُ بِاللَهِ، بل إيكال القلب والروح إلی الله سبحانه ونسيان غيره وقت التلاوة، وتصفية الذهن وتطهيره ممّا عداه، وأحد طرق تصفية النفس، نفي الخواطر الذي يحصل بالتأمّل والتفكّر في القرآن مع المجاهدة. وقد أورد الحسنُ بن علیّ بن شُعبة الحَرَّانيّ في « تُحَف العقُول » حديثاً عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: لاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لاَ فِقْهَ فِيهَا؛ وَلاَ فِي قِرَاءةٍ لاَ تَدَبُّرَ فِيهَا. [283] لا يجب قراءة سورة كاملة في الصلاة بعد سورة الحمدكما أنّ قراءة القرآن في الصلاة تزيد في ثوابه، وكانوا في زمن الرسول الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم يقرؤون القرآن في صلواتهم، وكانوا يقرؤون بعد سورة الحمد من أيّ موضع في القرآن، فلم يعيّن لذلك سورة خاصّة، كما ليس واجباً قراءة سورة كاملة، فالاكتفاء بقراءة عدّة آيات، أو تقسيم قراءة سورة معيّنة علی الركعتَين، أو علی عدّة ركعات إن كانت السورة طويلة، كلّ ذلك أمر مستحسن مندوب. وما أجمل أن يقرأ الإنسان في صلاته الآيات المختلفة، ويقسّم جميع القرآن علی صلواته بشكل متناوب! وبالطبع فإنّ سورة الحمد ينبغي قراءتها في ابتداء كلّ ركعة، لانّ سورة الحمد تمثّل مخاطبة الربّ تعالي وبيان صفات جلاله وجماله؛ وحين يشرع المرء في صلاته، أو ينهض من سجوده فيشرع في القراءة، ف علیه أن يقرأ الحمد، إذ: لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ. [284] وبعد مُخاطبة الربّ الكاملة، أي مناشدته الإنعام بنعمة الولاية، والبُعد عن صراط المغضـوب علیهم والضـالّين، ينبغـي للمصـلّي قـراءة القرآن، أي قراءة كلام الله وعهـده، فيمكـن القراءة من أي موضـع في القرآن. يروي في « الكافي » بإسناده عن عبد الله بن سليمان، عن الإمام محمّد الباقر علیه السلام قال: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ قَائِماً فِي صَلاَتِهِ كَتَبَ اللَهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مَائَةَ حَسَنَةٍ؛ وَمَنْ قَرَأَهُ فِي صَلاَتِهِ جَالِساً كَتَبَ اللَهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٌ خَمْسِينَ حَسَنَةً؛ وَمَنْ قَرَأَهُ فِي غَيْرِ صَلاَتِهِ كَتَبَ اللَهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ. [285] ونقل حجّة الإسلام الغزّاليّ هذه الرواية عن أمير المؤمنين علیه السلام إلی خمسين آية، ونقل له تتمّةً: وَمَنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَهُوَ عَلَی وُضُوءٍ فَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَسَنَةً؛ وَمَنْ قَرَأَ عَلَی غَْيْرِ وُضُوءٍ فَعَشْرُ حَسَنَاتٍ؛ وَمَا كَانَ مِنَ القِيَامِ بِاللَيْلِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لاِ نَّهُ أَفْرَغُ لِلْقَلْبِ. [286] قراءة القرآن وصلاة الليل لامير المؤمنين والفواطم في صحراء الهجرةوقد وصف ال علیّ الا علی في القرآن الكريم أشخاصاً ينهمكون في الليل بتلاوة القرآن وذكر الله حال القيام والقعود و علی جنوبهم، فامتدحهم لكنّه قدّم القيام علی القعود، والقعود علی الاضطجاع علی الجنب: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ وَاخْتِلَـ'فِ الَّيْلِ وَالنَّهَـارِ لاَيَـ'تٍ لاّولِي الاْلْبَـ'بِ * الَّذِيـنَ يَذْكُـرُونَ اللَهَ قِيَـ'مًا وَقُعُـودًا وَعَلَي' جُنُوبِهِـمْ وَيَتَفَكَّـرُونَ فِـي خَلْقِ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ رَبَّنَـا مَا خَلَقْـتَ هَـ'ذَا بَـ'طِلاً سُبْحَـ'نَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ و وَمَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِنْ أَنصَـارٍ * رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَـمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلاْءيمَـ'نِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَامَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْلَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّـَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الاْبْرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَـا مَا وَعَدتَّنَـا عَلَي' رُسُـلِكَ وَلاَ تُخْـزِنَا يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ إِنَّـكَ لاَ تُخْلِـفُ الْمِيعَادَ. [287] وقد ورد في التفاسير أنّ هذه الآيات نزلت في صحراء الهجرة من مكّة إلی المدينة في شأن أمير المؤمنين علیه السلام وبرفقته الفواطم الثلاث: الاُولي فاطمة بنت رسول الله، ولم يكن قد تزوّج بها بعدُ، وكان لها ثمان سنين. والثانية: فاطمة بنت أسد، أُمّ أمير المؤمنين. والثالثة: فاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب، يرافقهم أيضاً أيمن ـ ابن أُمّ أيمن وأبو ليث الواقديّ، وهما من المستضعفين. ولهذه القصّة شرح عجيب وتفصيل يستحقّ السماع حقّاً، لكنّنا نورده هنا مختصراً: فقد أورد آية الله السيّد محسن الامين في « أعيان الشيعة »: وحين غادر رسول الله غار ثور سائراً إلی يثرب، كتب إلی علیّ علیه السلام مع أبي واقد الليثيّ يأمره بالمسير إليه، وكان أمير المؤمنين علیه صلوات المصلّين قد أدّي أمانات رسول الله وفعل ما أوصاه به، فلمّا أتاه كتاب رسول الله ابتاع ركائب وتهيّأ للخروج وأمر مَن معه من ضعفاء المؤمنين أن يتسلّلوا ليلاً إلی ذي طُوي. وخرج علیّ بالفواطم الثلاث، وزاد بعض المؤرّخين فيهنّ فاطمة بنت حمزة بن عبد المطّلب، وتبعهم أَيْمَن ابن أُمّ أيمن مولي رسول الله و أبو واقد الليثيّ، فجعـل أبو واقـد يسـوق الرواحل سـوقاً حثيثـاً، فقال أمير المؤمنين علیه السلام له: ارْفَقْ بِالنِّسْوَةِ يَا أَبَا وَاقِدٍ، إنَّهُنَّ مِنَ الضَّعَائِفِ. فجعل علیّ يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً وهو يقول: لَيْسَ إلاَّ اللَهُ فَارْفَعْ هَمَّكَا يَكْفِيكَ رَبُّ النَّاسِ مَا أَهَمَّكَا ممانعة قريش لحركة أمير المؤمنين والفواطم صوب المدينةولمّا وصلت هذه القافلة الصغيرة ضجنان أدركه الطلب، وهم ثمانية فرسان ملثّمون معهم موليً لَحْرب بن أُميّة اسمه جَنَاح. فقال أمير المؤمنين علیه السلام لايمن وأبي واقد: أنيخا الإبل واعقلاها، وتقدّم فأنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهم أمير المؤمنين علیه السلام منتضياً سـيفه، فقال الفرسـان: ظننتَ أ نّك يا غدّار ناجٍ بالنسـوة؟ ارْجِعْ لاَ أَبَا لَكَ. قال علیّ علیه السلام: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعنّ راغماً أو لنرجعنّ بأكثرك شَعراً وأهون بك مِن هالك، ودنوا من المطـايا ليثوّروها، فحال علیّ علیه السـلام بينهم وبينها، فأهوي له جناح بسـيفه فراغ عن ضربته وضرب جناحاً علی عاتقه فقدّه نصـفين حتّي وصـل السـيف إلی كتف فرسـه (وذلـك أنّ علیّاً كان راجـلاً وجناح فارساً، والفارس لا يمكنه ضرب الراجل بالسيف حتّي ينحني ليصل سيفه إلی الراجل، فلمّا انحني جناح لم يُمهله علیّ حتّي يعتدل، بل عاجله بأسرع من لمح البصر وهو منحنٍ بضربة علی عاتقه، ولو لمْ ينحنِ جناح لما وصل سيف علیّ إلی عاتقه). نعم، لقد قدّ علیّ علیه السلام جناحاً نصفَين وشدّ علی أصحابه وهو علی قدميه شدّة ضيغم وهو يقول: خَلُّوا سَبِيلَ الجَاهِدِ المُجَاهِدِ آلَيْتُ لاَ أَعْبُدُ غَيْرَ الوَاحِدِ فتفرّق القوم عنه، وقالوا: احبس نفسك عنّا يا ابن أبي طالب. قال: إِنِّي مُنْطَلِقٌ إلَي أَخِي وَابْنِ عَمِّي رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ أَفْرِي لَحْمَهُ وَأَرِيقَ دَمَهُ فَلْيَدْنُ مِنِّي! ثمّ أقبل علیّ علی أيمن وأبي واقد وقال لهما: أطلِقا مطاياكما؛ ثمّ سار ظافراً قاهراً حتّي نزل ضجنان فلبث بها يومه وليلته، ولحق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين فيهم أُمُّ أَيْمَن مولاة رسول الله. وبات علیه السلام ليلته تلك هو والفواطـم في حـالٍ عجيب، طـوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً و علی جنوبهم حتّي طلع الفجر، فصلّي بهم صلاة الفجر، ثمّ سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتّي قدموا المدينة. وقد نزل الوحـي قبل قدومهـم بما كان من شـأنهم وأحـوالهم في صلاتهم، وذِكرهم الله قياماً وقعوداً و علی جنوبهم وتأمّلهم في خلق السماوات والارض، ونظرهم إلی نجوم السماء وتلؤلؤها وإيماضها، في قوله تعالـي: إنَّ فِي خَلْقِ السَّـمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ... حتّـي يصـل إلی قـوله تعالي: الَّذِينَ يَذْكُـرُونَ اللَهَ قِيَـ'مًا وَقُعُـودًا، وينتهي إلی الآيات الخمـس السابقة، فيستجيب الله لهم، ويبيّن أجر وثواب قيام الليل والتأمّل وقراءة القرآن في الاحوال المختلفة، والتفكّر في عالم الخلقة وارتباط هذه الموجودات الحسّيّة المادّيّة بعالم التجرّد والمعني بهذه العبارات: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَ نِّي لاَ´ أُضِيعُ عَمَلَ عَـ'مِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي' بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَـ'رِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَـ'تَلُوا وَقُتِلُوا لاَكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَهِ وَاللَهُ عِندَهُ و حُسْنُ الثَّوَابِ. [288] وكان النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم يتلو هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَهِ وَاللَهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. [289] وجاء في « السيرة الحلبيّة » عن كتاب « الإمتاع » للمقريزيّ: لمّا قدم علیّ علیه السلام من مكّة، كان يسير الليل ويكمن بالنهار حتّي تفطّرت قدماه، فاعتنقه النبيّ صلّي الله علیه ] وآله [ وسلّم وبكي رحمةً لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرّهما علی قدميه، فلم يشكهما بعد ذلك. [290] وأورد ابن الاثير الجزريّ في تأريخه: وأمّا علیّ علیه السـلام فإنّه لمّا فـرغ من الذي أمـره به رسـول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم في مكّة، هاجر إلی المدينة، فكان يسير الليل ويكمن النهار حتّي قدم المدينة وقد تفطّرت قدماه، فقال النبيّ صلّي الله علیه ] وآله [ وسلّم، وكان قد نزل بقبا: ادْعُوا لِي عَلِيَّاً. قيل: لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَاعْتَنَقَهُ وَبَكَي رَحْمَةً لِمَا بِقَدَمَيْهِ مِنَ الوَرَمِ وَتَفَلَ فِي يَدَيْهِ وَأَمَرَّهُمَا عَلَی قَدَمَيْهِ؛ فَلَمْ يَشْتَكِهِمَا بَعْدُ حَتَّي قُتِلَ. [291] وينبغي العلم أنّ الرواحل التي اشتراها أمير المؤمنين علیه السلام كانت لركوب النساء، أمّا هو فكان يسير علی قدميه، وكانت فاطمة بنت أسد من النساء ـ كما نقلوا تؤثر راحلتها أحياناً لبعض الضعفاء ممّن رافقهم فتسـير علی قدميها حتّي وصـلت المدينة وقـد تورّمـت قدماها المبـاركة وتقرّحت. وكان رسول الله يعطف علیها ويدعوها بأُمّي، وكان لفاطمة بنت أسد مقامٌ شامخٌ في الإسلام. كيفيّة أداء رسول الله صلاة الليل وتلاوة القرآنأورد الشيخ الطبرسيّ أنّ الثعلبيّ روي في تفسيره بإسناده عن محمّد ابن الحنفيّة، عن علیّ بن أبي طالب علیه السلام، أنّ رسول الله كان إذا قام من الليل استاك ثمّ نظر إلی السماء، ثمّ يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضِ... إلی آخر الآية الخامسة إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وقد اشتهرت الرواية عن رسول الله أ نّه قال: وَيُلٌ لِمَنْ لاَكَهَا بَيْنَ فَكَّيْهِ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ مَا فِيهَا. [292] فقد قصد بذلك أنّ القراءة ليست هدفاً في حدّ ذاتها، كما في الصوت الذي يخـرج من الحنجـرة ويتبـدّل تحـت الاسـنان والفـكّ إلی حـروف وكلمات، بل إنّ الهدف والغاية من القراءة هو التدبّر والتأمّل في هذه الخلقة العجيبة المحيّرة. وقد ورد عـن أئمّة أهل البيـت مـن آل محمّد صلـوات الله علیهـم أجمعين الامر بقراءة هذه الآيات الخمس عند القيام لصلاة الليل، وعند الاضطجاع علی الجنب بعدها، وبعد ركعتَي نافلة الفجر. وروي محمّد بن علیّ بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال: سمعتُ الإمام أبا عبد الله الصادق علیه السلام يذكر حالات رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم يقول: إنّ النبيّ كان يؤتي بطهور فيخمّر عند رأسه ويوضع مسواكه تحت فراشه، ثمّ ينام ما شاء الله، فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره إلی السماء وتلا الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ الآيات؛ ثمّ يستنّ ويتطهّر، ثمّ يقوم إلی المسجد فيركع أربع ركعات علی قدر قراءته، ركوعه يركع حتّي يُقال: متي يرفع رأسه؟ ويسجد حتّي يُقال: متي يرفع رأسه؟ ثمّ يعود إلی فراشه فينام ما شاء الله، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلّب بصره في السماء، ثمّ يستنّ ويتطهّر ويقوم إلی المسجد فيوتر ويصلّي ركعتين، ثمّ يخرج إلی الصلاة. [293] في الصلوات الواجبة والمستحبّة ينبغي القراءة من أيّ موضع من القرآنويرد الامر في القرآن الكريم للنبيّ لينشغل بتلاوة القرآن في صلاته قدراً من الليل يقرب من نصفه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَ نَّكَ تَقُومُ أَدْنَي' مِن ثُلُثَيِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ و وَثُلُثَهُ و وَطَآنءِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَأَقْرَءُوا مَا تَيَسَّـرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَـيَكُونُ مِنكُـم مَّرْضَـي' وَءَاخَـرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الاْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَهِ وَءَاخَرُونَ يُقَـ'تِلُونَ فِي سَـبِيلِ اللَهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَو'ةَ وَءَاتُوا الزَّكَو'ةَ وَأَقْرِضُوا اللَهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لاِنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاستَغْفِرُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [294] والمقصود بعبارة فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرءَانِ، و فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، قراءة القرآن في الصلاة، فالله سبحانه يأمر بوجوب قراءة الإنسان القدر الممكن من القرآن في صلاة الليل، بقرينة قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَ نَّكَ تَقُومُ أَدْنَي' مِن ثُلُثَيِ الَّيْلِ، لانّ القيام في هذه الآية الكريمة المباركة هو القيام للصلاة، وباعتبار وجوب قراءة القرآن في الصلاة، فقد عبّر عن الصلاة بقراءة القرآن. ونظير هذه الآية قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلَو'ةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَي' غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. [295] فالمراد هنا بتعبيـر وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ ـ حسـب تفسـير المفسّـرين هو صلاة الصبح، فقد عبّر عنها بقرآن الفجـر بلحـاظ أنّ قوام الصـلاة بقراءة القرآن. فهذه الصلاة التي هي قرآن الفجر تُقام وقت طلوع الفجر حين تعرج ملائكة الليل وتهبط ملائكة النهار فتتبادل أماكنها، فتكون مشهودة لهاتين الطائفتين من الملائكة. ولم يكن المؤمنـون في صـدر الإسـلام، وفي الازمنة التـي تلته، يقرؤون في صلواتهم السور القصار فقط، بل كانوا يقرؤون ـ تبعاً لامر النبيّ الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم في صلواتهم الواجبة سوراً أطول، ففي صلاة الظهر والعصر كانوا يقرؤون السور القصيرة كالقَارِعَة و الزِّلْزِلَة وأمثالهما، ويتلون في صلاة المغرب أمثال سور الشَّمْس و الاَعْلَي، وفي صلاة العشاء سور النَّبَأ و النَّازِعَات و المُرْسلات وأمثالها، وفي صلاة الصبح أمثال سور المُزَّمِّل و المُدَّثِّر و الحاقَّة و الطُّور و ن´ وَالقَلَم، [296] ويُستحبّ للإنسان قراءة سورة قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ مرّة واحدة علی الاقلّ كلّ يوم وعدم تركها بالمرّة. أمّا في الصلوات المستحبّة، وخاصّة في صلاة الليل، فيُقرأ من السور الطُّوَل كسورة النِّسَاء و المَائِدَة وأمثالهما، ويمكن بالطبع تقسيم سورة معيّنة وقراءتها في عدّة صلوات بعد سورة الحمد، أو قراءة مقدار من آيات سورة معيّنة ولو بغير إتمامها. ومن المستحسن كثيراً قراءة سورة يس و الصافَّات و ص و مَرْيَم و الكَهْف و الإسْرَاء، و إبْرَاهِيم وأمثالها، ولو بتجزئتها في صلاة الليل، فما يهدف إليه الشرع هو زيادة قراءة القرآن في الصلوات، بل إنّ القوام الاساسي للصلاة في القراءة من أيّ موضع في القرآن، كما أنّ أساس التوصية بقراءة القرآن هي قراءته في الصلاة. و علیه، فلا ينبغي للإنسان الاكتفاء بسورةٍ خاصّة كسورة التوحيد أو القدر أو النصـر في جميـع الصلـوات، فهو ما يسـبّب تضـييـع القرآن ومهجوريّته. إنّ المقدار الذي يتحمّله كلّ مسلم من القرآن يتمثّل في المقدار الذي يستظهره منه، لا المقدار الذي يمكنه مراجعته في المصحف وقراءته منه؛ وحين يكتفي المسلمون بقراءة سورة قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ، وسورة إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في صلاتهم، ويحفظون هذا المقدار فقط لا أكثر، فإنّهم سيحملون من القدر بقدر تلك السورة فقط ويُحرمون من الاستفادة من باقي القرآن. إنّ مَن يعجز عن حفظ القرآن واستظهاره، أو يفتقد الفرصة لذلك، أو مَن يمتلك الفرصة والقدرة لكنّه لم يحفظ منه حتّي الآن، يمكنه أن يقرأ من المصحف من أي موضعٍ شاء. وتعدّ قراءة القرآن في الصلاة اليوميّة الواجبة من المصحف أمراً مشروعاً، وقد وردت روايات بجوازها، وهي أفضل وأولي من الاكتفاء بسورة التوحيد في جميع الصلوات. إنّ سورة التوحيد تعدّ أرقي سورة في القرآن الكريم من جهة المعني والمراد، وحسب قول بعض أصحاب القلوب (العرفاء) فإنّها تكشف الستار عن هويّة الباري في الاصل والنسب والمحلّ وسائر صفاته الاُخري. فهذه الهويّة وسجلّ الاحوال هي كالآتي: أنّ الله ـ وهو ذات غيب الغيوب أحدٌ يتّصف في ذاته بالوحدانيّة والتوحّد، و صمدٌ غير أجوف، فهو عزيزُّ و حكيمٌ ذو استقلالٍ وإرادة، وليس ذليلاً وقائماً بغيره ولا حادثاً كما هي صفات الاجوف غير الصمد. لم يلد، بل إنّ هذه الموجودات والممكنات التي وجدت بإرادته، لا انفصال لها عن حقيقته، وإلاّ لكان هذا الانفصال عنه هو الولادة منه؛ ولم يولد، فهذه المظاهر التي هي جميعاً أسماؤه وصفاته وتجلّياته قائمة بذاته هو لا انفصال لها ولا بينونة، ولولا ذلك لكانت تلك الاصالة مستقلّة عن المبدأ الاصيل، ولتحقّقت الولادة والتولّد. فذاته واحد، أحد، قيّوم، علیم، وحيّ وقدير مع صفاته وشؤونه، فهي جميعاً متوحّدة أصيلة قديمة، لا انفكاك وافتراق بينها أبداً، لا الذات عن الصفات، ولا الصفات عن الذات. ولا شريك له، ولا زوجة له، ولا صاحبة له وولد، بل هو قائمٌ بذاته فقط. فهذه هي الهويّة والوثيقة الشخصيّة وورقة التعريف وأمثالها. ولكن، ومع أهمّيّة هذه السورة، يجب أن لا نترك سائر سور القرآن ونهجرها، لانّ ذلك سيؤدّي إلی تضييع القرآن ومحوه. وفي كتاب « من لا يحضره الفقيه » رواية عن الفضل بن شاذان ـ ضمن بيان العلل عن الإمام الرضا علیه السلام قال: إنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ بِالقِرَاءَةِ فِـي الصَّـلاَةِ لِئَلاَّ يَكُـونَ القُـرْآنُ مَهْجُـوراً مُضَيَّعاً؛ وَلِيَكُونَ مَحْفُوظاً مَدْرُوساً. فَلاَ يَضْمَحِلُّ وَلاَ يُجْهَلُ. وَإنَّمَا بُدِيَ بِالحَمْدِ دُونَ سَائِرِ السُّوَرِ؛ لاِ نَّهُ لَيْسَ شَيءٌ مِنَ القُرْآنِ وَالكَلاَمِ جُمِعَ فِيهِ مِن جَوَامِعِ الخَيْرِ وَالحِكْمَةِ مَا جُمِعَ فِي سُورَةِ الحَمْدِ. ثُمَّ شَرَعَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الحَمْدِ إلَي آَخِرِهَا. [297] لقد كان المؤمنون مع النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم يقرؤون السور الطُّوَل في صـلاة الليل، ويقرؤون في النوافـل السـور والآيـات الطـويلة الكثيرة، أمّا في الصـلوات الواجبة التي يصـلّونها جمـاعةً مع رسـول الله، فقد كان النبـيّ يقرأ الآيات الكثيـرة بعد الحمـد، أو يقسّـم سـورةً ما إلی نصفَين مثلاً، فيقرأ كلّ نصف في ركعة، كأمثال سور ق و الفتح و الحديد و الحشر. ارجاعات [251] ـ «منهاج الكرامة» ص 19، الطـبعة الحجـريّة. وذكـر في «روضـات الجنّـات» ص 132 و 133، الطبعة الحجريّة، أحوال بشر بالتفصيل، وذكر لتوبته طريقاً آخر. ونقل عنه صاحب «الكشكول»: مَنْ ضَبَطَ بَطْنَهُ ضَبَطَ الاَعْمَالَ الصَّالِحَةِ كُلَّهَا. وبنقل ابن خلّكان المؤرِّخ المشهور: عُقُوبَةُ العَالِمِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُعْمَي بَصَرُ قَلْبِهِ. وبنقله أيضاً: مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا فَلْيَتَهَيَّأْ لِلذُّلِّ. ومن طرائف كلماته: حَسْبُكَ أَنَّ قَوْماً مَوْتَي تَحْيَا القُلُوبُ بِذِكْرِهِمْ، وَأَنَّ قَوْماً أَحْيَاءً تَقْسُو القُلُوبُ بِرُؤْيَتِهِمْ. و: اجْعَلِ الآخِرَةَ رَأْسَ مَالِكَ، فَمَا أَتَاكَ مِنَ الدُّنْيَا فَهُوَ رِبْحٌ. ومن أحفاد بشر الحافي الشيخ أبو نصر عبد الكريم محمّد الهارونيّ الديباجيّ المعروف بسبط بشر الحافي، وجاء في «رياض العلماء» أ نّه كان من علماء الاءماميّة. توفّي بشر في بغداد يوم عاشوراء سنة 226 ه. ق، وعمره 76 سنة. وقد ذكر الشيخ العطّار أحـوال بشر في «تذكـرة الاولياء» ص 105 إلی 112، ويقـول في جملتها: لم ينتعل بشر من شدّة غلبة مشاهدة الحقّ تعالي فسُمِّي بالحافي، قيل له: لم لا تنتعل! أجاب: كنتُ حافياً يوم اصطلحنا، فأنا أستحيي أن أضع في قدمي نعلاً. ونقلوا أ نّه لم يشـرب قطّ من بئر حفره السـلاطين؛ قال أحـد الكبار المعروفين: كنتُ عند بشر، وكان البرد قارصـاً شـديداً، فوجدته عارياً يرتجف؛ قلتُ: يا أبا نصر! الناس في هذا الوقت يُكثرون الثياب وأنت تخلعها؟! قال: ذكرتُ البائسين ولا مال عندي فأواسيهم، فأحببت مواساتهم ببدني. وقد أورد المحدِّث القمّيّ أحوال بشر الحافي في كتاب «الكني والالقاب» أيضاً، ج 2، ص 150 إلی 152، وفي كتاب «هديّة الاحباب» ص 123؛ وذكره المدرّس في «ريحانة الادب» ج 2، ص 16 إلی 18. [252] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 191؛ وفي طبعة مصر وت علیق الشيخ محمّد عبده: ص 395 إلی 400. وقال ابن أبـي الحـديد في شـرحه علی «النهـج» ج 10، ص 134، طـبعة دار الكتاب العربيّ: وهمّام المذكور في هذه الخطبة هو همّام بن شُريح بن يزيد بن مرّة بن عمرو بن جابر، وكان من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام ومواليه. وقال الملاّ فتح الله في شرحه، ص 323: وقيل إنّه همّام بن شريح؛ لكنّ محمّد بن طلحة الشافعيّ يذكر في كتابه القيّم «مطالب السـؤل» ص 54، هذه الخطبة ويعدّها في حضـور همّام بن عبادة بن خيثم، وهو ابن أخ الربيع بن خيثم، ثم يذكر صعقة همّام وموته: يقول نوف البكّاليّ: عرضت لي حاجـة إلی أميـر المؤمنين علیّ بن أبي طالب علیه السـلام فاسـتتبعتُ إليه جُندب بن زهير والربيع بن خيثم وابن أخيه همّام بن عبادة بن خيثم، وكان من أصحاب البرانس المتعبّدين، فلقينـاه حين خـرج يؤمّ المسـجد، فأفضـي ونحـن معه إلی قـوم متدنّيـن قد أفاضـوا في الاُحدوثات تفكّهاً وهم يلهي بعضـهم بعضاً، فأسـرعوا إليه قياماً وسـلّموا علیه فردّ التحيّة، ثمّ قال: مَن القوم؟ فقالوا: ناسٌ من شـيعتك يا أميـر المؤمنين. فقال لهم خيـراً، ثـمّ قال: يا هؤلاء! ما لي لا أري فيكم سِمة شيعتنا وحلية أحبّتنا؟ فأمسك القوم حياءً، فأقبل علیه جندب والربيع فقالا له: ما سِـمة شـيعتكم يا أمير المؤمنين؟ فسـكت. فقال همّام، وكان عابداً مجتهداً: أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصّـكم لمّا أنبأتنا بصـفة. فقال: شِيعَتُنَا هُمُ العَارِفُونَ بِاللَهِ، العَامِلُونَ بِأَمْرِ اللَهِ... ثـمّ أورد خطـبة مفصّـلة يقول في آخـرها: أُولئِكَ شِـيعَتُنَا وَأَحِبَّتُنَا وَمِنَّا وَمَعَنَا؛ آهاً وَشَـوقاً إلَيْهِمْ! فصـاح همّام صـيحةً ووقـع مغشـيّاً علیه فحرّكوه فإذا هو فارق الدنيا رحمه الله، فغسِّل وصلّي علیه أمير المؤمنين ونحن معه انتهي كلام صاحب «مطالب السؤل». وقد نقل في «روضات الجنّات» ص 283 و 284، الطبعة الحجريّة، في شرحه لاحوال الربيع بن خيثم عن «مطالب السؤل» عين ما أوردناه، ثمّ قال: وقد نقل هذه الرواية عن طرق الشيعة في أبواب «أُصول الكافي» بسند متّصل عن الاءمام الصادق علیه السلام. وقال: ولقد كتب مولانا العارف محمّد تقي بن المجلسيّ الاءصفهانيّ رسالةً في شرح هذه الخطبة يفوق مدحُها الوصف، وهي غير الشروح التي كتبها الآخرون من شارحي «أُصول الكافي». أقول: يغلـب علی ظـنّ هذا الحقير أنّ الاعـلام والكبار الاجـلاّء قد تصـوّروا أنّ هـذه الخطبة هي غير خطبة همّام الواردة في «نهج البلاغة»، لذا لم يشيروا إليها، ربّما لانّ خطبة «النهج» كانت في صفة المتّقين وهذه الخطـبة في صفة الشـيعة والمؤمنيـن، ولانّ عبارات «النهج» مـن جهة الاُسـلوب ـ لا المفاد والمراد كانـت مغايـرة لخطـبة «مطالب السـؤل» و«الكافي» هذه، وهناك إضافات ملحوظة فيها بحيث يصبح عدّهما خطبةً واحـدة أمراً بعيداً. لكن ما يُستنتج من مجموع القرائن والشواهد أ نّها ليست إلاّ خطبة واحدة، فقد كان بعضها بعبارات الاءمام البليغة والبعض الآخر منقولة بالمعني، كما أنّ همّام ليس إلاّ شخصاً واحداً بهذه الخصوصيّات والمواصفات التي ذُكِرَت، وهو همّام بن عبادة بن خيثم، لا همّام ابن شـريح بن يزيد. وكانت هذه الصعقة والمـوت في جذبـات البارقـة الاءلهيّة راجعـة له. رحمة الله علیه ورضوانه وأفضل تحيّاته، ونسأل الله تعالي أن يلحقنا بهم وأن يجعلنا من شيعة أمير المؤمنين المخلصين الصادقين بمحمّدٍ وآله الطاهرين. [253] ـ «روضات الجنّات» ص 132 و 133. [254] ـ «روضات الجنّات» ص 133. [255] ـ «تذكرة الاولياء» ص 111. [256] ـ الآية 24، من السورة 47: محمّد. [257] ـ الآيات 17، 22، 32، 40، من السورة 54: القمر. [258] ـ الآية 41، من السورة 17: الاءسراء. [259] ـ الآيات 1 إلی 5، من السورة 73: المزّمّل. [260] ـ هَذَّ يَهُذُّ هَذَّاً: سرده وأسرع فيه. [261] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 614. [262] ـ تفسير «مجمع البيان» ج 5، ص 378، طبعة صيدا. [263] ـ وردت هذه الابيات في «ديوان أمير المؤمنين علیه السلام» ص 6 و 7، الطبعة الحجريّة، وباعتبار تصديرها بهذا البيت: أَحُسَـيْـنُ إنِّـي وَاعِـظٌ وَمُـؤَدِّبٌ فَافْـهَـمْ فَـإنَّ العَاقِـلَ المُتَـأدِّبُ فقد عددناها من وصيّته للاءمام الحسين علیه السلام. [264] ـ الآية 204، من السورة 7: الاعراف. وكان لاُستاذنا العلاّمة آية الله الطباطبائيّ اهتمامٌ خاصّ بالقرآن وحفظه واحترامه، وكان يكرّر القول: نحن الشيعة لا نؤدّي حقّ القرآن كما ينبغي. لقد قال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وإنّهما لن يفترقا حتّي يردا عَلَيَّ الحوض». فالعامّة تركوا العترة ونحن تركنا القرآن، ولانّ هذين الاثنين لا ينفصلان عن بعضهما فقد حُرمنا جميعاً من القرآن ومن العترة، لذا صار إسلامنا صوريّاً خالياً من المحتوي. وقد نقل نظير هذه العبارة؛ وبالطبـع ليـس بهذه الجامعيّة والشـمول؛ عن المرحـوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ، فيحكي المرحوم آية الله الحاجّ السيّد أحمد الزنجانيّ في كتاب «الكلام يجرّ الكلام» ج 2، ص 231، عنه قـوله: لقد تـرك رسـول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم بيننا الثقلين: كتاب الله والعترة الطاهرة، لكنّنا وقفنا متفرّجين وأضعناهما كليهما، نحن أضعنا كتاب الله، وأُولئك أضاعوا العترة الطاهرة. ويقول أيضـاً: كان المرحوم الشـيخ زياد يصـرّ علی حفظ الاحترام الظاهـريّ للقرآن بشكل كامل كما يفعل أهل السنّة عند قراءته، فلا يجلبون الشاي أو الغليون لاحد، وكان يقول: سيكون لائقاً ومناسباً لو طُبّق هذا الاُسلوب في مجالس قراءة الفاتحة عند الشيعة، لكنّ مجالس الشيعة جارية علی خلاف ذلك وسيكون ترك ذلك غايةً في الصعوبة، وكان هذا ما جعل قول ذلك المرحوم غير عمليّ. أقول: إنّ إيقاف الضرر لن يخلو ـ في أيّة مرحلة كانت من النفع والجدوي، ولقد كان إيقاف ذلك العمل الذميـم سـهلاً لذلك المرجـع الكبير كما هو سـهلٌ في يومنا هـذا، ففي مسجد القائم بطهران حيث كنّا هناك صار تقديم الشاي والقهوة والسجائر ممنوعاً بشكل كامل، ولقد اقترحنا ذلك ووافق الناس علیه ولم يتراجعوا عنه إلی النهاية، وقد عمدنا أحياناً إلی منع التدخين بشـكل دائـم، وأعلنّا في الاءعلانات الملصقة علی جدران المسـجد منعه بالنسبة لغير المدمنين القدماء. [265] ـ «المحجّة البيضاء في تهذيب الاحياء» ج 2، ص 232، عن طريق العامّة. [266] ـ الآيتان 7 و 8، من السورة 99: الزلزلة. [267] ـ «سفينة البحار» ج 2، ص 414. [268] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 614. [269] ـ الآيتان 34 و 35، من السورة 22: الحجّ. [270] ـ يقول في «مرآة العقول»: «إقَامَةَ القِدْحِ» كَأَ نَّهُ تَأْكِيدٌ لِلفَقَرَةِ الاُولَي، أَعْنِي حِفْظَ الحُرُوفِ. المقدار الذي ينبغي لكلّ مسلم قراءته من القرآن كلّ يوم (ت)[271] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 627. ويروي الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» والفيض الكاشانيّ في «الوافي» ج 14 ص 65، باب مواعظ أمير المؤمنين علیه السلام، في وصيّته لابنه محمّد ابن الحنفيّة، أ نّه قال له: وَعَلَيْكَ بِتَلاَوَةِ القُرْآنِ (وفي نسخة: بِقَراءَةِ القُرْآنِ) وَالعَمَلِ بِهِ وَلُزُومِ فَرَائِضِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالتَّهَجُّدِ بِهِ، وَتِلاَوَتِهِ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ! فَإِنَّهُ عَهْدٌ مِنَ اللَهِ تَعَالَي إلَي خَلْقِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْدَهُ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ دَرَجَاتِ الجَنَّةِ عَلَی عَدَدِ آيَاتِ القُرْآنِ. فَإذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يُقَالُ لِقَارِي القُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ! فَلاَ يَكُونُ فِي الجَنَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهُ. والمراد بالكبريت الاحمر الاءكسير، وهو الشيء الذي يبدّل النحاس بالمسّ إلی الذهب، وهو غير الكيمياء، فالكيمياء تركيبات في شرائط خاصّة يكون ناتجها الذهب. [272] ـ «المحجّة البيضاء» ج 2، ص 219. وجاء في «شهاب الاخبار» ص 326، رقم 546: اقْرَإِ القُرْآنَ مَا نَهَاكَ، فَإذَا لَمْ يَنْهَكَ فَلَسْتَ تَقْرَؤُهُ. [273] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 610؛ وأورده القاضي القضاعيّ في «شهاب الاخبار» الشرح الفارسي بـ «الكلمات القصار لخاتم الانبياء صلّي الله علیه وآله» ص 332، رقم 569. [274] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 610. ويقول المرحوم آية الله الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء رحمة الله علیه في كتاب «الفردوس الا علی» ص 269 و 270، الطبعة الثانية: عن العيّاشيّ عن خالد بن نسيج، عن أبي عبد الله الصادق علیه السـلام قال: إذا كان يوم القيامة دُفع إلی الاءنسـان كتابه ثمّ قيل له: اقرأ. قلتُ: فيعرف ما فيه؟ فقال: إنّ الله يذكّـره، فما من لحظـةٍ ولا كلمةٍ ولا نقل قدم ولا شيء فعله إلاّ ذكره كأ نّه فعله تلك الساعة، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَا لِهَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ´ أَحْصَاهَا. ومن ناحية تجسّم الاعمال يَأْتِي القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَافِعاً مُشَفَّعاً أَوْ شَاكِياً إلَي رَبِّهِ مِمَّنْ هَجَرَهُ أَوْ لَمْ يَحْفِظْهُ. وَمَنْ قَرَأَ سُورَةَ لاَ أُقْسِمُ وَكَانَ يَعْمَلُ بِهَا بَعَثَهَا اللَهُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ تُبَشِّرُهُ وَتَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ حَتَّي يَجُوزَ الصِّرَاطَ. وبعض السور تصير في صورة جميلة تؤنسه في قبره. ومن هذا ما ورد: إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ وَالمُتَكَبِّرُونَ يُحْشَرُونَ كَالذَّرِّ يَطَؤْهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ وَإنَّ ضِرْسَ أَحَدِهِمْ كَجَبَلِ أُحُدٍ، «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَـ'مَي' ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا». [275] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 617. [276] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 617. [277] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 609. [278] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 609. [279] ـ بالرغم من امتداح قراءة القرآن بصوتٍ حزين، لكنّ الافضل أن يقترن ذلك بصوتٍ حسن؛ يروي العلاّمة المحدِّث الكاشانيّ في «المحجّة البيضاء» ج 2، ص 226، عن طريق العامّة، نقلاً عن «إحياء العلوم» قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ: إنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَإذَا قَرَأْتُمُوهُ فَتَحَازَنُوا. وعن طريق الخاصّة عن كتاب «الكافي» عن الاءمام الصادق علیه السلام قال: إنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِالحُزْنِ فَاقْرَؤُوهُ بِالحُزْنِ. وورد في «الكافي» أيضاً عن الصادق علیه السلام رواية أ نّه قال: إنَّ اللَهَ أَوْحَي إلَي مُوسَي بْنِ عِمْرَانَ: إذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيَّ فَقِفْ مَوْقِفَ الذَّلِيلِ الفَقِيرِ، وَإذَا قَرَأْتَ التَّوْرَاةَ فَأَسْمِعْنِيهَا بِصَوْتٍ حَزِينٍ. [280] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 615. [281] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 616. [282] ـ الآية 98، من السورة 16: النحل. [283] ـ «تحف العقول» ص 204؛ رواه مُرسلاً. [284] ـ «مستدرك الوسائل» ج 1، ص 274. [285] ـ «أُصول الكافي» ج 2، ص 611. [286] ـ حسب نقل «المحجّة البيضاء» للفيض الكاشانيّ، ج 2، ص 230. وأورد القاضي القضاعيّ في الشرح الفارسيّ «شهاب الاخبار للكلمات القصار لخاتم الانبياء» ص 91 و 92، رقم 216 (ترجمنا الاحاديث التي لم نعثر علی أصلها العربيّ): القُرْآنُ غِنيً لاَ فَقْرَ بَعْدَهُ، وَلاَ غِنيً دُونَهُ. ويقول الاءمام محمّد الباقر علیه السلام: «من قرأ القرآن قائماً في صلاته كتب الله له بكلّ حرف مائة حسنة، فإن استمع القرآن صارت له دعوة مستجابة وقضي الله له حاجته». وقال النبيّ المصطفي علیه السلام: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». و«أشـراف أُمّتي قُرّاء القرآن وأصحـاب الليل، فإنّ البيـت إذا قُـري فيه القرآن صـار مأوي الملائكة وكثر خيره وبركته وأُمتع أهله، وإنّ البيت إذا لم يُقرأ فيه القرآن صار مأوي الشيطان وقلّ خيره وزاد شـرّه وكان سـكّانه في نقصـان». وإنّ قاري القرآن يري يوم القيامة ـ وهو أحوج ما يكون صورةً حسنةً لا أجملَ منها فتقول: أما عرفتني؟ فيقول: لا، فتقول: أنا القرآن الذي كنت تداوم قراءته وادّخاره، فتأخذ بيده وتدخله الجنّة». و«يُحسن إلی والديه فيعجبان ويقولان: ربّنا أ نّـي لنا هذا الشـرف ولم تبلغه أعمالنا؟ فيأتـي النـداء: هذا جـزاء ت علیمكما ولدكما القرآن». «إنّ القلوب الصدئة لا تُجلي إلاّ بالقرآن، فالقرآن حبل الله الذي يتمسّك به العبد، وعصمة لمن اعتصم به، والقرآن هو الشفاعة التي ينجو بها العبد من الجهل، والنور الذي يـري به العبد دين الحقّ، والنجاة التي يُفلـح بها العبد، وأصحاب القرآن هم أصحاب الله خاصّـة، وإنّ أصحاب القرآن في أ علی درجـة من الآدميّيـن خـلا النبيّيـن والائمّة، مَنْ أحبّهم فقد أحـبّ الله». «لا تسـتضعفوا أهل القرآن حقوقهـم فإنّ لهـم مـن الله لمكاناً». «إنّ حافظ القرآن إذا عمل به جعله الله يوم القيامة مع الملائكة السفرة والملائكة البررة». وقال الاءمام جعفر الصادق علیه السلام: «من قرأ القرآن في المصحف مُتّع ببصره وخفّف بوالديه ولم يتسلّط علیه الشيطان». وقال المصطفي علیه السـلام: «من قرأ عشـر آياتٍ في ليلة لـم يُكتب مـن الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له في اللوح قنطار، والقنطار خمسون ألف مثقال، والمثقال خمس وعشرون قيراطاً، أصغرها قدر جبل أُحد، وأكبرها ما بين السماء والارض». [287] ـ الآيات 190 إلی 194، من السورة 3: آل عمران. [288] ـ الآية 195، من السورة 3: آل عمران. [289] ـ الآية 207، من السورة 2: البقرة. [290] ـ «أعيان الشيعة» ج 2، ص 63 و 64. وقد نقل المفسّر الشيعيّ الجليل عبد علی بن جمعة العروسيّ الحويزيّ في تفسير «نور الثقلين» ج 1، ص 351 عن أمالي الشيخ الطوسيّ أحوالهم في صحراء الهجرة. [291] ـ «الكامل في التاريخ» ج 2، ص 106، طبعة بيروت، سنة 1385 ه. ق. [292] ـ تفسير «مجمع البيان» ج 1، ص 554، طبعة صيدا؛ و«تفسير نور الثقلين» ج 1، ص 350 عن «المجمع» عن الثعلبيّ. [293] ـ «مجمع البيان» ج 1، ص 554 و 555؛ و«تفسير نور الثقلين» ح 1، ص 350، عن «تهذيب الاحكام» للشيخ الطوسيّ. ويروي المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 92، ص 198، الطبعة الحروفيّة، طهران، عن «الامالي» للشيخ الطوسيّ بسنده عن عمر الخطّاب، أ نّه دخل علی رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم وَهُوَ مَوْقُودٌ ـ أَوْ قَالَ مَحْمُومٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! مَا أَشَدَّ وَعْكَكَ، أَوْ حُمَّاكَ؟! فَقَالَ: مَا مَنَعَنِي ذَلِكَ أَنْ قَرَأْتُ اللَيْلَةَ ثَلاَثِينَ سُورَةً فِيهِنَّ السَّبْعُ الطُّوَلُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! غَفَرَ اللَهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ هَذَا الاجْتِهَادَ؟! فَقَالَ: يَا عُمَرُ! أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟! («الامالي» للطوسيّ، ج 2، ص 18). والسور السبع الكبيرة التي يُقال لها السبع الطُّوَل هي: البقرة، آل عمران، المائدة، النساء، الانعام، الاعراف، يونس. وكان النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم قد وضع سورة يونس مثل سورة الانفال، لكنّ عثمان تصوّر أنّ سورة التوبة ـ لخلوّها من البسلمة ليست مستقلّة، بل هي تتمّة لسورة الانفال، وباعتبار أنّ مجموع هاتين السورتين أطول من سورة يونس، فقد عدّ عثمان مجموع السورتين سورةً واحدة، ووضعها إحدي السور السبع الطُّوَل قبل سورة يونس، وحين قيل له إنّ رسول الله وضع سورة يونس قبل الانفال؛ قال: لم يكن لي علم بعمل رسول الله هذا. [294] ـ الآية 20، من السورة 73: المزّمّل. [295] ـ الآية 78، من السورة 17: الاءسراء. [296] ـ روي الشيخ الطوسيّ في كتاب «تهذيب الاحكام» ج 2، ص 95، طبعة النجف، بسنده المتّصل عن محمّد بن مسلم قال: قلتُ لابي عبد الله علیه السلام: القراءة في الصلاة فيها شيء مؤقّت؟ قال: لا، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين. قلتُ له: فأيّ السور تقرأ في الصلوات؟ قال: أمّا الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، وأمّا الغداة فأطول. وأمّا الظهر والعشاء الآخرة فسبّح اسم ربّك الا علی والشمس وضُحاها ونحوهما، وأمّا العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله وألهاكم التكاثر ونحوهما، وأمّا الغداة فعمّ يتسـاءلون وهل أتاك حديث الغاشـية ولا أُقسـم بيوم القيامة، وهل أتي علی الاءنسان حين من الدهر. [297] ـ «من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق، ج 1، ص 203، طبعة النجف. |
|
|