بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الواحد و العشرون: مدة حياة سماحة الحداد و ارتحاله، متی تذهب إلی الله؟، ضرورة تدريس الحكمة العمليّ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

مدّة‌ حياة‌ سماحة‌ الحدّاد بعد العودة‌ من‌ الشام‌ إلي‌ ارتحاله‌ في‌ كربلاء

ارتحال‌ السيّد هاشم‌ في‌ الثاني‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ لسنة‌ 1404 ه.ق‌ 655

 مدّة‌ حياة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد بعد العودة‌ من‌ الشام‌، ورحيله‌ في‌ كربلاء المشرّفة‌

 كان‌ رحيل‌ السيّد في‌ الثاني‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وأربعة‌ هجريّة‌ قمريّة‌، ومن‌ هنا فإنّ مدّة‌ بقائه‌ في‌ هذه‌ الدنيا بعد العودة‌ من‌ الشام‌ كانت‌ أربع‌ سنوات‌ وسبعة‌ أشهر وخمسـة‌ وعشرين‌ يوماً، فقد علمنا أ نّه‌ عاد من‌ الشام‌ في‌ اليوم‌ السابع‌ عشر من‌ شهر محرّم‌ الحرام‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعـمـائة‌ هجـريّة‌ قمـريّة‌، وكان‌ رحـيله‌ في‌ سـنّ السـادسة‌ والثمانين‌.

 وكان‌ السيّد قد استفسر بعد عودته‌ من‌ الشام‌ بعدّة‌ شهور من‌ أحد المقيمين‌ الإيرانيّين‌ في‌ العراق‌ ممّن‌ لهـم‌ معرفة‌ سـابقة‌ بي‌: هل‌ تشـرّف‌ السـيّد محمّد الحسين‌ بالذهاب‌ إلي‌ مشهد المقدّسة‌ أم‌ لا؟! فأجابه‌: لا علم‌ لي‌ بذلك‌ في‌ الوقت‌ الحاضر. وكان‌ الحقير قـد عمل‌ بعد العودة‌ إلي‌ طهران‌ علي‌ ترتيب‌ أُموره‌ بأسرع‌ وقت‌، وتشرّفت‌ بالذهاب‌ إلي‌ مشهد المقدّسة‌ في‌ اليوم‌ السادس‌ والعشرين‌ من‌ شهر جمادي‌ الاُولي‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ هجريّة‌ قمريّة‌ قاصداً الإقامة‌ فيها، وكان‌ قد انقضي‌ علي‌ عودتي‌ من‌ الشام‌ أربعة‌ أشهر وعدّة‌ أيّام‌. ثمّ كتبت‌ فوراً بعد إقامتي‌ في‌ مشهد رسالة‌ إلي‌ السيّد أعلمته‌ فيها خبر وصولي‌؛ وكنت‌ قد كتبت‌ إليه‌ رسالة‌ أُخري‌ بيّنت‌ له‌ فيها عزمي‌ علي‌ ذلك‌ في‌ أوّل‌ فرصة‌ ممكنة‌.

 وحيث‌ كان‌ بريد العراق‌ ـ إيران‌ ممنوعاً، لم‌ تكن‌ رسائلي‌ تصل‌ إلي‌ سماحته‌ مباشرة‌ فقد كنت‌ غالباً ما أرسل‌ إليه‌ رسائل‌ عبر طريق‌ الكويت‌ أو الشام‌، فتصل‌ إلي‌ سماحته‌ بواسطة‌ الرفقاء هناك‌، حيث‌ كان‌ عبورها ممكناً، لذا فقد كان‌ الاطّلاع‌ علي‌ أحوال‌ سماحة‌ السيّد والحصول‌ علي‌ المعلومات‌ منحصراً برسائلهم‌، أمّا سماحته‌ فلم‌ يكتب‌ للحقير أيّة‌ رسالة‌ بخطّ يده‌.

 وقد صادف‌ مرض‌ السيّد ورحيله‌ نفس‌ زمن‌ مرض‌ الحقير، فقد ابتليت‌ في‌ أواخر شهر جمادي‌ الاُولي‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وأربع‌ هجريّة‌ قمريّة‌ بمرض‌ اليرقان‌ الناشي‌ من‌ انسداد كيس‌ الصفراء. فرقدتُ في‌ مستشفي‌ « القائم‌ » في‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌ أربعين‌ يوماً، ثمّ خرجت‌ منها في‌ أوائل‌ شهر رجب‌ بعد إجراء عمليّة‌ جراحيّة‌ واستخراج‌ كيس‌ الصفراء، حيث‌ تحسّنت‌ صحّتي‌ آنذاك‌.

 وكان‌ السيّد قد ابتلي‌ بالمرض‌ في‌ نفس‌ الوقت‌، ولم‌ تثمر الجهود التي‌ بذلها أولاده‌ لمعالجته‌ وخاصّة‌ ولده‌ السيّد حسن‌، حتّي‌ أ نّه‌ أخذه‌ إلي‌ بغداد فرقد في‌ المستشفي‌، لكنّ ذلك‌ كلّه‌ لم‌ يُجدِ نفعاً.

 وكان‌ السيّد يقول‌: إنّ حالتي‌ جيّدة‌، فَلِمَ تتعبون‌ أنفسكم‌ إلي‌ هذا الحدّ؟ ولكن‌ أ نّي‌ لاولاده‌ الصبر علي‌ ذلك‌، وباعتقاد الحقير فإنّهم‌ كانوا يسبّبون‌ الاذي‌ للسيّد، فيجرّونه‌ إلي‌ هذا الجانب‌ أو ذاك‌ من‌ أجل‌ تسكين‌ خواطرهم‌ وتهدئة‌ قلوبهم‌. حتّي‌ ارتحل‌ أخيراً إلي‌ فِناء الابديّة‌، بعد شهرين‌ من‌ تحسّن‌ حال‌ الحقير، وأبدل‌ ثيابه‌ القديمة‌ بخلعة‌ دائميّة‌، وارتدي‌ تلك‌ الحلل‌ من‌ الاِسْتَبْرَقِ وَالسُّنْدُسِ مع‌ الذين‌ هم‌ عَلَي‌ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.

 هذا وقد قامت‌ ابنته‌ المخدّرة‌ العلويّة‌ فاطمة‌ وأحفاده‌ السيّد عبّاس‌ والسيّد موسي‌ أولاد السيّد حسن‌ بالفرار من‌ جور صدام‌ اللعين‌ إلي‌ الاردن‌ ثمّ إلي‌ إيران‌، حيث‌ يقيمون‌ حاليّاً في‌ مشهد المقدّسة‌. وقد نقلوا جميعهم‌ أ نّهم‌ كانوا قد أرقدوا السيّد قرب‌ رحيله‌ في‌ مستشفي‌ كربلاء، وكان‌ طبيبه‌ الخاصّ المعالج‌ هو الدكتور السيّد محمّد الشروفي‌ّ وهو من‌ المعارف‌ والاصدقاء.

 ثمّ يقول‌ السيّد للدكتور المعالج‌ يوم‌ الثاني‌ عشر من‌ شهر رمضان‌ قبل‌ الغروب‌ بحوالي‌ ثلاث‌ ساعات‌: اسمح‌ لي‌ بالذهاب‌ إلي‌ المنزل‌، فالسادة‌ قد شرّفوا بالحضور وهم‌ ينتظرونني‌!

 فيقول‌ الدكتور: لا إمكان‌ لذهابك‌ إلي‌ البيت‌ مطلقاً.

 فيقول‌ له‌ السيّد: أُقسم‌ عليك‌ بجدّتي‌ فاطمة‌ الزهراء أن‌ تدعني‌ أذهب‌! إنّ السادة‌ مجتمعون‌ في‌ انتظاري‌، وسأرحل‌ عن‌ الدنيا بعد ساعة‌!

 وحين‌ يسمع‌ منه‌ الدكتور قسمه‌ المغلّظ‌ ويطرق‌ سمعه‌ اسم‌ فاطمة‌ الزهراء عليها السلام‌ فإنّه‌ يسمح‌ له‌ بالذهاب‌ ويقول‌ لمن‌ حوله‌: إن‌ حالته‌ مُرضية‌ فعلاً، ولن‌ يموت‌ بهذه‌ السرعة‌.

 ثمّ يأتي‌ السيّد فوراً إلي‌ المنزل‌، وكان‌ أولاد الحاجّ صمد الدلاّل‌ (عديله‌) وهم‌ أبناء خالة‌ أولاده‌ في‌ المنزل‌ آنذاك‌. فيسألونه‌ عن‌ الآية‌ الكريمة‌: إِنَّا سَنُلْقِي‌ عَلَیكَ قَوْلاً ثَقِيلاً؛ ما المقصود بالقول‌ الثقيل‌ في‌ هذه‌ الآية‌؟ هل‌ أُريد به‌ هبوط‌ جبرائيل‌؟

 فيقول‌ مجيباً: ليس‌ لجبرائيل‌ ثقل‌ أمام‌ عظمة‌ رسول‌ الله‌ ليُعبَّر عنه‌ بالقول‌ الثقيل‌، بل‌ إنّ المراد بالقول‌ الثقيل‌: هو؛ لاَ هُوَ إلاَّ هُو!

 ثمّ يطلب‌ أن‌ يؤتي‌ بحنّاء، وعلي‌ عادة‌ العرسان‌ الشبّان‌ العرب‌ الذين‌ يقومون‌ قبل‌ زفافهم‌ بخضب‌ أيديهم‌ وأرجلهم‌ بالحنّاء، فإنّ السيّد يقوم‌ بخضب‌ أصابع‌ وأظفار قدميه‌ بالحنّاء، ثمّ يقول‌: أخلوا الغرفة‌!

 ثمّ يرقد مستقبلاً القبلة‌، وتمرّ لحظات‌ ثمّ يدخلون‌ الغرفة‌ فيجدونه‌ قد أسلم‌ الروح‌.

 يقول‌ الدكتور السيّد محمّد الشروفي‌ّ: لقد ذهبت‌ إلي‌ منزل‌ السيّد تبعاً لقوله‌ « سأرحل‌ بعد ساعة‌ » لاري‌ ما سيحدث‌! فشاهدت‌ السيّد نائماً مستقبلاً القبلة‌، فوضعت‌ السمّاعة‌ علي‌ قلبه‌ فرأيته‌ متوقّفاً عن‌ الحركة‌.

 ويضيف‌ أولاد السيّد: ثمّ ينهض‌ الدكتور ويخبط‌ سمّاعته‌ علي‌ الارض‌ ويجهش‌ بالبكاء. ثمّ يشارك‌ بنفسه‌ في‌ مراسم‌ التكفين‌ والتشييع‌.

 وقد جري‌ غسل‌ بدن‌ السيّد وتكفينه‌ ليلاً، وتجمّع‌ عدد غفير غير متوقّع‌، سواء من‌ أهالي‌ كربلاء أم‌ من‌ المناطق‌ الاُخري‌ لا يعرفهم‌ أحد، فحملوه‌ والفوانيس‌ الكثيرة‌ في‌ أيديهم‌ إلي‌ الحرمين‌ المطهّرينِ لابي‌ عبد الله‌ الحسين‌ وأبي‌ الفضل‌ العبّاس‌ عليهما السلام‌ وطافوا به‌ تلك‌ المراقد الشريفة‌، ثمّ واروه‌ الثري‌ في‌ « وادي‌ الصفا » بكربلاء في‌ المقبرة‌ الخاصّة‌ التي‌ أعدّها له‌ ولده‌ السيّد حسن‌ هناك‌. رَحْمَةُ اللَهِ عَلَیهِ رَحمَةً واسِعَةً، وَرَزَقَنَا اللَهُ طَي‌َّ سَبِيلِهِ وَمِنْهَاجَ سِيرَتِهِ، وَالحَشْرَ مَعَهُ وَمَعَ أَجْدَادِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ صَلَوَاتُ اللَهِ وَسَلاَمُهُ عَلَیهِمْ أَجْمَعِينَ.

 عجب‌ از كشته‌ نباشد به‌ در خيمة‌ دوست‌ عجب‌ از زنده‌ كه‌ چون‌ جان‌ بدر آورد سليم‌ [519]

 رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـ'هَدُوا اللَهَ عَلَیهِ فَمِنْهُم‌ مَّن‌ قَضَي‌' نَحْبَهُ و وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. [520]

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

أشعار ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ المناسبة‌ لرحيل‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد

 قَلْبِي‌ يُحَدِّثُنِي‌ بِأَ نَّكَ مُتْلِفِي                           رُوحِي‌ فِدَاكَ عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَعْرِفِ

 لَمْ أَقْضِ حَقَّ هَوَاكَ إنْ كُنْتُ الَّذِي‌                   لَمْ أَقْضِ فِيهِ أَسَيً وَمِثْلِي‌ مَنْ يَفِي‌

 مَا لِي‌ سِوَي‌ رُوحِي‌ وَبَاذِلُ نَفْسِهِ                   فِي‌ حُبِّ مَنْ يَهْوَاهُ لَيْسَ بِمُسْرِفِ

 فَلَئِنْ رَضِيتَ بِهَا فَقَدْ أَسْعَفْتَنِي                       ‌ يَا خَيْبَةَ المَسْعَي‌ إذَا لَمْ تُسْعِفِ

 يَا مَانِعِي‌ طِيبَ المَنَامِ وَمَانِحِي                       ‌ ثَوْبَ السَّقَامِ بِهِ وَوَجْدِي‌ المُتْلِفِ

 عَطْفاً عَلَي‌ رَمَقِي‌ وَمَا أَبْقَيْتَ لِي                    ‌ مِنْ جِسْمِي‌َ المُضْنَي‌ وَقَلْبِي‌ المُدْنَفِ

 فَالوَجْدُ بَاقٍ وَالوِصَالُ مُمَاطِلِي‌                       وَالصَّبْرُ فَانٍ وَاللِقَاءُ مُسَوِّفِي‌

 لَمْ أَخْلُ مِنْ حَسَدٍ عَلَیكَ فَلاَ تُضِعْ                    سَهَرِي‌ بِتَشْنِيعِ الخَيَالِ المُرْجِفِ

 وَاسْأَلْ نُجُومَ اللَيْلِ: هَلْ زَارَ الكَرَي‌                 جَفْنِي‌، وَكَيْفَ يَزُورُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ

 لاَ غَرْوَ إنْ شَحَّتْ بِغُمْضِ جُفُونِهَا                     عَيْنِي‌ وَسَحَّتْ بِالدُّمُوعِ الذُّرَّفِ

 ثمّ يستمرّ ابن‌ الفارض‌ في‌ نفس‌ هذا المعني‌ والمضمون‌ حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 يَا أَهْلَ وُدِّي‌! أَنْتُمُ أَمَلِي‌ وَمَنْ                         نَادَاكُمُ يَا أَهْلَ وُدِّي‌ قَدْ كُفِي‌

 عُودُوا لِمَا كُنْتُمْ عَلَیهِ مِنَ الوَفَا                        كَرَماً فَإنِّي‌ ذَلِكَ الخِلُّ الوَفِي‌

 وَحَيَاتِكُمْ وَحَيَاتِكُمْ قَسَماً، وَفِي                      ‌ عُمْرِي‌ بِغَيْرِ حَيَاتِكُمْ لَمْ أحْلِفِ

 لَوْ أَنَّ رُوحِي‌ فِي‌ يَدِي‌ وَوَهَبْتُهَا                       لِمُبَشِّرِي‌ بِقُدُومِكُمْ لَمْ أُنْصِفِ

 لاَ تَحْسَبُونِي‌ فِي‌ الهَوَي‌ مُتَصَنِّعاً                    كَلَفِي‌ بِكُمْ خُلُقٌ بِغَيْرِ تَكَلُّفِ

 أَخْفَيْتُ حُبَّكُمُ فَأَخْفَانِي‌ أَسَيً                        حَتَّي‌ لَعَمْرِي‌ كِدْتُ عَنِّي‌ أَخْتَفِي‌

 وَكَتَمْتُهُ عَنِّي‌ فَلَو أَبْدَيْتُهُ                     لَوَجَدْتُهُ أَخْفَي‌ مِنَ اللُطْفِ الخَفِي‌

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 غَلَبَ الهَوَي‌ فَأَطَعْتُ أَمْرَ صَبَابَتِي        ‌ مِنْ حَيْثُ فِيهِ عَصَيْتُ نَهْي‌َ مُعَنِّفِي‌

 مِنِّي‌ لَهُ ذُلُّ الخُضُوعِ، وَمِنْهُ لِي‌                      عِزُّ المَنُوعِ، وَقُوَّةُ المُسْتَضْعِفِ

 أَلِفَ الصُّدُودَ، وَلِي‌ فُؤَادٌ لَمْ يَزَلْ                       مُذْ كُنْتُ غَيْرَ وِدَادِهِ لَمْ يَأْ لَفِ

 يَا مَا أُمَيْلِحَ كُلَّ مَا يَرْضَي‌ بِهِ               وَرُضَابُهُ يَا مَا أُحَيْلاَهُ بِفِي‌

 لَوْ أَسْمَعُوا يَعْقُوبَ ذِكْرَ مَلاَحَةٍ                        فِي‌ وَجْهِهِ نَسِي‌َ الجَمَالَ اليُوسُفِي‌

 أَوْ لَو رَآهُ عَائِداً أَيُّوبُ فِي                                ‌ سِنَةِ الكَرَي‌ قِدْماً مِنَ البَلْوَي‌ شُفِي‌

 كُلُّ البُدُورِ إذَا تَجَلَّي‌ مُقْبِلاً                  تَصْبُو إلَيْهِ وَكُلُّ قَدٍّ أَهْيَفِ

 إنْ قُلْتُ: عِنْدِي‌ فِيكَ كُلُّ صَبَابَةٍ                       قَالَ: المَلاَحَةُ لِي‌، وَكُلُّ الحُسْنِ فِي‌

 كَمَلَتْ مَحَاسِنُهُ، فَلَوْ أَهْدَي‌ السَّنَا                   لِلْبَدْرِ عِنْدَ تَمَامِهِ لَمْ يُخْسَفِ

 وَعَلَي‌ تَفَنُّنِ وَاصِفِيهِ بِحُسْنِهِ              يَفْنَي‌ الزَّمَانُ وَفِيهِ مَا لَمْ يُوصَفِ

 وَلَقَدْ صَرَفْتُ لِحُبِّهِ كُلِّي‌ عَلَي‌                         يَدِ حُسْنِهِ فَحَمِدْتُ حُسْنَ تَصَرُّفِي‌

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ هذه‌ الابيات‌ في‌ خاتمة‌ هذا الشعر الغزلي‌ّ:

 يَا أُخْتَ سَعْدٍ مِنْ حَبِيبِي‌ جِئْتِنِي                     ‌ بِرِسَالَةٍ أَدَّيْتِهَا بِتَلَطُّفِ

 فَسَمِعْتُ مَا لَمْ تَسْمَعِي‌، وَنَظَرْتُ مَا               لَمْ تَنْظُرِي‌، وَعَرَفْتُ مَا لَمْ تَعْرِفِي‌

 إنْ زَارَ يَوْماً يَا حَشَاي‌َ تَقَطَّعِي‌                                    كَلَفاً بِهِ، أَوْ سَارَ يَا عَيْنُ اذْرِفِي‌

 مَا لِلنَّوَي‌ ذَنْبٌ وَمَنْ أَهْوَي‌ مَعِي‌                     إنْ غَابَ عَنْ إنْسَانِ عَيْنِي‌ فَهْوَ فِي‌ [521]

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

الاشعار الغزليّة‌ لحافظ‌ الشيرازي‌ّ المناسبة‌ للمقام‌

 سينه‌ام‌ ز آتش‌ دل‌ در غم‌ جانانه‌ بسوخت‌                        آتشي‌ بود درين‌ خانه‌ كه‌ كاشانه‌ بسوخت‌

 تنم‌ از واسطة‌ دوري‌ دلبر بگداخت‌                                   جانم‌ از آتش‌ مهر رخ‌ جانانه‌ بسوخت‌

 سوز دل‌ بين‌ كه‌ ز بس‌ آتش‌ و اشكم‌ دِل‌ شمع‌                  دوش‌ بر من‌ ز سر مهر چو پروانه‌ بسوخت‌

 ماجرا كم‌ كن‌ و بازآ كه‌ مرا مردم‌ چش                  م‌ خرقه‌ از سر بدر آورد و بشكرانه‌ بسوخت‌ [522]

 هر كه‌ زنجير سر زلف‌ گرهگير تو ديد                    دل‌ سودا زده‌اش‌ بر من‌ ديوانه‌ بسوخت‌

 آشنائي‌ نه‌ غريبست‌ كه‌ دلسوز منست‌               چون‌ من‌ از خويش‌ برفتم‌ دل‌ بيگانه‌ بسوخت‌

 خرقة‌ زهدِ مرا آب‌ خرابات‌ ببرد                خانة‌ عقل‌ مرا آتش‌ خمخانه‌ بسوخت‌

 چون‌ پياله‌ دلم‌ از توبه‌ كه‌ كردم‌ بشكست‌             همچو لاله‌ جگرم‌ بي‌ مي‌ و پيمانه‌ بسوخت‌

 ترك‌ افسانه‌ بگو حافظ‌ و مي‌ نوش‌ دمي‌               كه‌ نخفتم‌ به‌ شب‌ و شمع‌ به‌ افسانه‌ بسوخت‌ [523]

إنّ أحداً لم‌ يدرك‌ رموز الحاجّ السيّد هاشم‌ ولطائفه‌ وإشاراته‌ ودلالاته‌، أو أ نّه‌ فهمها فتغافل‌ عنها، لا نّه‌ كان‌ يحبّ ألاّ يكفّ عن‌ عادته‌ المحضة‌ وأعماله‌ الرتيبة‌ التي‌ يقوم‌ بها يوميّاً، مؤمّلاً نفسه‌ بشكلٍ لا معني‌ فيه‌، وبظاهرٍ لا باطن‌ له‌، وبمجازٍ لا حقيقة‌ له‌، وبوهمٍ بلا عقل‌، وبانشغال‌ بلا شهود، وبأعمالٍ يسيرة‌ بلا عمق‌ مجاهدات‌ ولا تذوّق‌ لمرارة‌ الصبر والاحتمال‌ والاستقامة‌ في‌ مجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌، متنصّلاً بذلك‌ عن‌ حمل‌ الولاية‌ الثقيل‌.

 الرجوع الي الفهرس

الحدّاد: أنت‌ تذهب‌ إلي‌ مكّة‌ وكربلاء باستمرار، فمتي‌ تذهب‌ إلي‌ الله‌؟!

 كان‌ الحاجّ السيّد هاشـم‌ يقول‌: ذهبتُ يومـاً لرؤية‌ فـلان‌ في‌ الفندق‌ الذي‌ كان‌ يقيم‌ فيه‌ في‌ الكاظميّة‌، فرأيته‌ واقفاً مع‌ زوجته‌ وقد حزما حقائبهما وأمتعتهما وهما ينويان‌ السفر إلي‌ الحجّ بعد كرّات‌ ومرّات‌ لا يعلم‌ إلاّ الله‌ عددها؛ فصرختُ به‌: أنت‌ تسافر يوميّاً إلي‌ كربلاء، وإلي‌ مشهد، وإلي‌ مكّة‌؛ فمتي‌ إذاً تسافر إلي‌ الله؟

 ومع‌ أ نّه‌ فهم‌ كلامي‌ حقّ الفهم‌ وأدركه‌ جيّداً، لكنّه‌ تجاهله‌ وتظاهر بعدم‌ فهمه‌، فابتسم‌ في‌ وجهي‌ وودّعني‌ قائلاً: اقرأ لي‌ دعاء السفر! ثمّ أمسك‌ بالحقائب‌ ليخرجها استعداداً للسفر.

 كان‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ يقول‌: لقد شوهد من‌ بعض‌ الناس‌ ـ حتّي‌ أُولئك‌ الذين‌ يُدعون‌ بالسالكين‌ ومن‌ الذين‌ يدّعون‌ انتهاج‌ السبيل‌ إلي‌ الله‌ أنّ قصدهم‌ الحقيقي‌ّ من‌ هذه‌ الاسفار ليس‌ الله‌ تعالي‌، بل‌ إنّهم‌ يسافرون‌ من‌ أجل‌ الاُنس‌ الذهني‌ّ بمُدركاتهم‌ السابقة‌ وللانشغال‌ بالتخيّل‌ والوهم‌ والتصوّر، كما يسافر البعض‌ الآخر لتحصيل‌ مكان‌ للخلوة‌ زمناً مع‌ رفقائهم‌ أو أصدقائهم‌ القدماء في‌ تلك‌ الاماكن‌ المقدّسة‌.

 ولانّ هؤلاء لم‌ يذهبوا ولا يذهبون‌ ولا يريدون‌ أن‌ يذهبوا في‌ قصد الله‌، فإنّك‌ لو قدّمت‌ لهم‌ الله‌ بكلتا يديك‌ والعياذ بالله‌ وأريته‌ لهم‌ كالشمس‌، فإنّهم‌ لن‌ يقبلوا بذلك‌، وأمثال‌ هؤلاء لن‌ يصلوا أبداً إلي‌ الكمال‌.

 وعليه‌، فإنّ هؤلاء لن‌ ينهلوا في‌ جميع‌ هذه‌ الاسفار شيئاً من‌ منهل‌ التوحيد، ولن‌ يُسقوا من‌ ماء الولاية‌ العذب‌ جرعة‌، وسيعودون‌ ظماء، فيُنهون‌ أعمارهم‌ بتلك‌ القصص‌ والحكايات‌ وبيان‌ أحوال‌ الاولياء، وبالانشغال‌ بالاشعار العرفانيّة‌ أو الادعية‌ والمناجاة‌ الصوريّة‌ بلا محتوي‌.

 لقد كان‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ في‌ توحيد الحقّ رجلاً صريح‌ اللهجة‌، قوي‌ّ البنيان‌، متين‌ الإرادة‌، سريع‌ النفوذ، وكان‌ يوضّح‌ ويتكلّم‌ ويبيّن‌ بالادلّة‌ بلا بخل‌ ولا إغماض‌.

 إنّ أولياء الحقّ لا يمكن‌ للإنسان‌ بألف‌ حيلة‌ وخُدعة‌ أن‌ يستخلص‌ من‌ أحدهم‌ جُملة‌ واحدة‌، فهم‌ في‌ الكتمان‌ أقوياء بحيث‌ إنّ بعضهم‌ قد تجاوز الحدّ في‌ ذلك‌ إلي‌ الإفراط‌. أمّا الحاجّ السيّد هاشم‌ ـ روحي‌ وأرواح‌ جميع‌ ولدي‌ وأُسرتي‌ وكلّ من‌ يتعلّق‌ بي‌ فداه‌ حقّاً فقد كان‌ مبادراً في‌ إعطاء تلك‌ المعارف‌ لا يبخل‌ ولا يتضايق‌، بحيث‌ يرد الشكّ علي‌ الإنسان‌: هل‌ علي‌ ولي‌ّ الله‌ أن‌ يوسّع‌ دعوته‌ إلي‌ هذا الحدّ؟ وأن‌ يبحث‌ عن‌ أفراد يليقون‌ بإدراك‌ كلامه‌ ويتحرّكون‌ في‌ مسار نهجه‌؟

 لم‌ يكن‌ السيّد ليقول‌ شيئاً لمن‌ لا استعداد له‌ ولا لياقة‌، لكنّه‌ كان‌ يحبّ أن‌ يصبح‌ الافراد لائقين‌ مؤهّلين‌، أو أن‌ يوجد أفراد مستعدّون‌ لائقون‌ ليُلقي‌ إليهم‌ تلك‌ المعاني‌ الراقية‌ والمدركات‌ العالية‌ التي‌ تنشأ من‌ عالم‌ الملكوت‌ الاعلي‌.

 ولكن‌ ـ ويا للاسف‌ الشديد فقد قال‌ وعمل‌ وتابع‌ ودعا، وذهب‌ للقاء أُولئك‌ في‌ الفندق‌، فلم‌ يقبلوا أن‌ ينفضوا أيديهم‌ من‌ حطام‌ الدنيا ويعودوا إلي‌ مولاهم‌ الحقيقي‌ّ بأيدٍ خالية‌.

 إنّ السيّد لم‌ يقل‌: لا تذهب‌ للحجّ! لا تذهب‌ إلي‌ مكّة‌ والمدينة‌! لا تذهب‌ إلي‌ كربلاء والنجف‌! فقد تذوّق‌ هو حقيقة‌ الحجّ وروح‌ الولاية‌ وفهم‌ طعمها الواقعي‌ّ، لكنّه‌ كان‌ يقول‌: ابحث‌ لحظةً عن‌ معرفة‌ ذاتك‌ ونفسك‌، وتأمّل‌ دقيقةً في‌ حالك‌ لتجد نفسك‌ فتجد ربّك‌، وستصطبغ‌ آنذاك‌ جميع‌ أسفارك‌ بالصبغة‌ الإلهيّة‌، وستذهب‌ مع‌ الله‌ ومن‌ الله‌ وإلي‌ الله‌. ولو سرت‌ حينذاك‌ في‌ جميع‌ العالم‌ بل‌ في‌ جميع‌ العوالم‌، لما كان‌ في‌ ذلك‌ ضرر لك‌، لا نّك‌ ستكون‌ قد سافرت‌ مع‌ الله‌ عرفان‌ ذاته‌ القدسيّة‌.

 لقد قال‌ السيّد هاشم‌ فلم‌ يسمعوا، ثمّ رحل‌ السيّد هاشم‌؛ فليأتوا وليفتّشوا جميع‌ العالم‌ زاوية‌ زاوية‌ ولينيروها بالشمع‌، فأ نّي‌ لهم‌ أن‌ يجدوا السيّد هاشم‌؟ وأ نّي‌ أن‌ يوجد السيّد هاشم‌؟ لقد مرّت‌ أكثر من‌ سنوات‌ ثمان‌ علي‌ رحيله‌، فما الذي‌ وصلوا إليه‌ وحصلوا عليه‌؟

 كان‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ الخواجة‌ حافظ‌ ليفهم‌ كلام‌ السيّد هاشم‌، كما قد فعل‌ السيّد بكلام‌ الخواجة‌ حافظ‌؛ وكان‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ ابن‌ الفارض‌ ليُدرك‌ كلامه‌، تماماً كما كان‌ هو الذي‌ يُدرك‌ كلام‌ ابن‌ الفارض‌.

 لذلك‌ ترون‌ أن‌ الحقير قد أكثر من‌ ذكر اسم‌ هذين‌ العارفين‌ المشهورَين‌ الإيراني‌ّ والعربي‌ّ، فقد كان‌ ذلك‌ باعتبار أنّ السيّد هاشم‌ كان‌ قد نال‌ بِيَدِه‌ مشارف‌ ذلك‌ الاُفق‌. لكنّه‌ باعتبار أنّ معرفته‌ بالعربيّة‌ كانت‌ أكثر منها بالفارسيّة‌ فقد كان‌ يُكثر من‌ قراءة‌ أشعار ابن‌ الفارض‌ ويأنس‌ بها علي‌ وجه‌ خاصّ.

 الرجوع الي الفهرس

أبيات‌ ابن‌ الفارض‌ والخواجة‌ حافظ‌ المناسبة‌ لرحيل‌ الحدّاد

 وحسب‌ عقيدة‌ الحقير فإنّ أشعار ابن‌ الفارض‌ أقوي‌ وأمتن‌ من‌ أشعار الخواجة‌ حافظ‌، بَيدَ أنّ أشعار الخواجة‌ أرقّ من‌ أشعار ابن‌ الفارض‌؛ أمّا في‌ السير والسلوك‌ والبداية‌ والنهاية‌، فقد وصل‌ كلاهما إلي‌ غاية‌ درجات‌ العرفان‌ وأتمّا الاسفار الاربعة‌. وعلينا الآن‌ أن‌ نذهب‌ إلي‌ مزار السيّد هاشم‌ مترنّمين‌ بهذه‌ النغمات‌ الإلهيّة‌ فنقول‌:

 اي‌ نسيم‌ سحر آرامگه‌ يار كجاست‌                     منزل‌ آن‌ مه‌ عاشق‌ كش‌ عيّار كجاست‌ [524]

 شب‌ تار است‌ و ره‌ وادي‌ ايمن‌ در پيش‌                آتش‌ طور كجا موعد ديدار كجاست‌

 هر كه‌ آمد به‌ جهان‌ نقش‌ خرابي‌ دارد                  در خرابات‌ نپرسند كه‌ هشيار كجاست‌

 آنكس‌ است‌ أهل‌ بشارت‌ كه‌ إشارت‌ داند              نكته‌ها هست‌ بسي‌ محرم‌ أسرار كجاست‌

 هر سر موي‌ مرا با تو هزاران‌ كارست                   ‌ ما كجائيم‌ و ملامتگر بيكار كجاست‌

 باز پرسيد ز گيسويِ شكن‌ در شكنش‌                كاين‌ دل‌ غمزده‌ سرگشته‌ گرفتار كجاست‌

 عقل‌ ديوانه‌ شد آن‌ سلسلة‌ مشكين‌ كو              دل‌ ز ما گوشه‌ گرفت‌ ابروي‌ دلدار كجاست[525]

 ساقي‌ و مطرب‌ و مي‌ جمله‌ مهيّاست‌ ولي‌                      عيش‌ بي‌يار مهيّا نشود يار كجاست‌

 حافظ‌ از باد خزان‌ در چمن‌ دهر مرنج‌                    فكر معقول‌ بفرما گل‌ بي‌خار كجاست‌[526]

* * *

غَيْرِي‌ عَلَي‌ السُّلْوَانِ قَادِرْ                  وَسِوَاي‌َ فِي‌ العُشَّاقِ غَادِرْ

لِي‌ فِي‌ الغَرَامِ سَرِيَرةٌ                                   وَاللَهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائرْ[527]

* * *

يَا رَاحِلاً وَجَمِيلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ                هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلی لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ

مَا أَنصَفَتْكَ جُفُونِي‌ وَهْي‌َ دَامِيَةٌ                      وَلاَ وَفَي‌ لَكَ قَلْبِي‌ وَهْوَ يَحْتَرِقُ [528]

 الرجوع الي الفهرس

مجمل‌ وخلاصة‌ المطالب‌ السابقة‌ في‌ معرفة‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد روحي‌ فداه‌

 

 لقد كتب‌ الحقير الفقير بعد ارتحال‌ أُستاذنا المكرّم‌ وفقيهنا الاعظم‌ آية‌ الله‌ المعظّم‌ العلاّمة‌ الحاجّ السيّد محمّد حسين‌ الطباطبائي‌ّ التبريزي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسـه‌ وروحـه‌ الزكـيّـة‌، رسـالةً فـي‌ ذكـراه‌ باسـم‌ « مهـر تابان‌ » (= الشمس‌ الساطعة‌) جري‌ طبعها ونشرها فطالعها جمع‌ غفير من‌ السادة‌ الاعلام‌ الاجلاّء، فبهتوا وتحيّروا أن‌: يا للعجب‌! أكان‌ العلاّمة‌ كذا وكذا ونحن‌ لا نعلم‌؟! لماذا لم‌ يكن‌ لدينا علم‌ بهذه‌ الاُمور؟! وكيف‌ لم‌ نطّلع‌ عليها وقد كنّا نلتقي‌ بالعلاّمة‌ يوميّاً في‌ الطريق‌ وفي‌ المجالس‌ والمحافل‌؟! كيف‌ فاتتنا هذه‌ الحقائق‌ وكان‌ بيتنا في‌ الشارع‌ الذي‌ يسكن‌ فيه‌ العلاّمة‌؟!

 وحين‌ ذكرت‌ مطالبَ وأُموراً عن‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الفقيه‌ النبيل‌ والمرجع‌ الجليل‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌: سماحة‌ السيّد جمال‌ الدين‌ الگلبايگاني‌ّ أعلي‌ الله‌ تعالي‌ مقامه‌ في‌ كتاب‌ « معاد شناسي‌ » (= معرفة‌ المعاد) وطالعها الاصدقاء المحترمون‌ والاعاظم‌ المكرّمون‌ فقد أثارت‌ الدهشة‌ كذلك‌ أن‌: كيف‌ يمكن‌ أن‌ نجهل‌ هذه‌ المطـالب‌ وقد كـنّـا في‌ النجف‌ الاشرف‌؟! كيف‌ وكنّا بعض‌ أرحامه‌ القريبين‌؟!

 وكان‌ هناك‌ أحد السادة‌ الاعزّاء من‌ أساتذة‌ الحقير السابقين‌ في‌ قم‌ ـ قرأت‌ عليه‌ قبل‌ أربعين‌ سنة‌ قدراً من‌ كتاب‌ الطهارة‌ وكتاب‌ النكاح‌ من‌ « شرح‌ اللمعة‌ » وممّن‌ كانت‌ تربطني‌ به‌ طيلة‌ هذه‌ المدّة‌ علاقات‌ المودّة‌ والاحترام‌ التي‌ استمرّت‌ إلي‌ حين‌ موته‌، وكانت‌ بيننا لقاءات‌ متبادلة‌ حميمة‌ وكان‌ التوفيق‌ يحالفني‌ للقائه‌ في‌ النجف‌ أيضاً كلّما تشرّف‌ بالقدوم‌ للزيارة‌، وهو حجّة‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ الحاجّ الشيخ‌ عبد الحسين‌ الوكيلي‌ّ الذي‌ التحق‌ بديار الرحمة‌ الابديّة‌ منذ عدّة‌ سنوات‌.

 وقد طرق‌ سمعي‌ أ نّه‌ حضر يوماً في‌ منزل‌ أُستاذنا الآخر: الصديق‌ المفخّم‌ وفخر العشيرة‌ المكرّم‌ آية‌ الله‌ المعظّم‌ الحاجّ الشيخ‌ مرتضي‌ الحائري‌ّ اليزدي‌ّ أعلي‌ الله‌ تعالي‌ مقامهما في‌ جمع‌ من‌ الحاضرين‌، فقال‌ في‌ تعجّب‌ ودهشة‌: ما هذه‌ المطالب‌ التي‌ نجدها في‌ كتب‌ السيّد محمّد الحسين‌؟ إنّنا نعرف‌ العلاّمة‌ بالصدق‌ والحقّ، ونعرف‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد جمال‌ الدين‌ بصدق‌ القول‌ الذي‌ لا شكّ فيه‌.

 وممّا يثير العجب‌ أنّ السيّد محمّد الحسين‌ ينقل‌ عن‌ هذين‌ الجليلين‌ المعظّمين‌ بلا واسطة‌؛ ونحن‌ لا نشكّ في‌ صدق‌ كلامه‌، فكيف‌ إذاً لم‌ تطرق‌ هذه‌ المطالب‌ أسماعنا حتّي‌ الآن‌؟! وكيف‌ لم‌ نطّلع‌ عليها من‌ قبل‌؟!

 الرجوع الي الفهرس

إذا كان‌ أمثال‌ العلاّ مة‌ مجهولاً في‌ الحوزة‌، أنتوقّع‌ معرفة‌ أمثال‌ الحدّاد؟

 لقد كان‌ الحقير يعود يوماً من‌ الحرم‌ المطهّر لثامن‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌، فشاهدتُ من‌ بعيد في‌ أحد ممرّات‌ الحرم‌ القريبة‌ من‌ الشارع‌ المدعو بـ « بالا خيابان‌ » شيخاً ضعيفاً متهالكاً يرتدي‌ نظّارات‌ سميكة‌ وقد شاب‌ شعر رأسه‌ ولحيته‌، وهو يسير بوقار واحترام‌ آتياً صوب‌ الحرم‌ المطهّر للتشرّف‌ بالزيارة‌.

 ولم‌ نشخّص‌ بعضنا من‌ بعيد، لكنّنا حين‌ اقتربنا من‌ بعضنا فقد اعتنقنا وقبّل‌ أحدنا الآخر.

 سألتُه‌: ألستم‌ الحاجّ الشيخ‌ عبد الحسين‌ الوكيلي‌ّ؟ فقال‌ للحقير فوراً: ألستم‌ السيّد محمّد الحسين‌ الطهراني‌ّ؟

 وكان‌ ذلك‌ باعثاً علي‌ العجب‌، لانّ آخر لقاء للحقير معه‌ ـ خلال‌ زيارته‌ حصل‌ في‌ زمن‌ لم‌ يكن‌ الشيب‌ قد تسرّب‌ إلي‌ رأسه‌ ولحيته‌ أو إلي‌ رأسي‌ ولحيتي‌ ولو بشعرة‌ واحدة‌، وقد انقضي‌ علي‌ ذلك‌ حتّي‌ الآن‌ بحمد الله‌ ومننه‌ وآلائه‌ زمنٌ طويل‌ بحيث‌ لم‌ تعد تُري‌ في‌ رأسه‌ ولحيته‌ ولا في‌ رأسي‌ ولحيتي‌ شعرة‌ سوداء واحدة‌، وقد صارت‌ نظّارتي‌ سميكة‌ أنا الآخر؛ لذا فإنّ عدم‌ تشخيصنا لبعضنا البعض‌ من‌ بعيد ثمّ تعرّف‌ أحدنا علي‌ الآخر من‌ قريب‌ ومعانقتنا لبعضنا وإبداء مشاعر المحبّة‌ من‌ جانب‌ الحقير والكرامة‌ والجلالة‌ من‌ قِبله‌ لم‌ يكن‌ بالامر المستبعد.

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌ فقد قال‌ الشيخ‌ الوكيلي‌ّ للحقير في‌ تلك‌ الدقائق‌ المعدودة‌ بعد تبادل‌ السلام‌ والاستفسار عن‌ الاحوال‌: لقد استعرتُ بعض‌ كتبكم‌ من‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد حسن‌ سيّدي‌ القمّي‌ّ (وهو ابن‌ عمّة‌ الحقير) ثمّ أعدتها له‌، وأرغب‌ في‌ الحصول‌ علي‌ كتبكم‌ الباقية‌ لمطالعتها وإعادتها. فوعده‌ الحقير أن‌ أقوم‌ عند عودته‌ بإرسال‌ دورة‌ كاملة‌ من‌ جميع‌ مؤلّفاتي‌ إليه‌ في‌ قم‌ إن‌ شـاء الله‌ تعالي‌ للنقد والتحليل‌ والجـرح‌ والتعديل‌، وللّه‌ الحمد والمنّة‌ فقد وفّيتُ بوعدي‌، ثمّ إنّه‌ ارتحل‌ بعدها بسنوات‌.

 وحين‌ يكون‌ أكثر الفضلاء بل‌ معظمهم‌ غافلين‌ عن‌ مثل‌ هذه‌ المطالب‌ والابحاث‌، فما هو المتوقّع‌ من‌ أواسط‌ الطلاّب‌؟

 وحين‌ يكون‌ الاعلام‌ المشهورون‌ أمثال‌ العلاّمة‌ السيّد محمّد حسـين‌ الطباطبائي‌ّ والسيّد جمال‌ الدين‌ الگلبايگاني‌ّ مجهولين‌ غير معروفين‌، فما هو المتوقّع‌ في‌ شأن‌ أمثال‌ السيّد هاشم‌ الحدّاد (النعلجي‌ّ) الذي‌ قضي‌ عمره‌ منزوياً لا يعلم‌ جاره‌ شيئاً عنه‌، والذي‌ يُعدّ رجلاً متوسّط‌ الحال‌ أو فقيراً من‌ عامّة‌ الناس‌، والذي‌ كان‌ يُعدّ عند العلماء والفضلاء من‌ عوامّ الناس‌ غير ذوي‌ الفضل‌ والمكانة‌؟!

 الرجوع الي الفهرس

ضرورة‌ تدريس‌ الحكمة‌ العمليّة‌ في‌ الحوزات‌

 ممّا يثير الاسف‌ أنّ الدروس‌ الاخلاقيّة‌ العمليّة‌ والسلوك‌ والسير إلي‌ الله‌ والعرفان‌ الشهودي‌ّ والوجداني‌ّ غدت‌ مهجورة‌ ومتروكة‌ كلّيّاً في‌ الحوزات‌ العلميّة‌ هذه‌ الايّام‌.

 أمّا في‌ الحوزة‌ العلميّة‌ المقدّسة‌ في‌ قم‌، فقد وصلت‌ فيها دروس‌ الحكمة‌ المتعالية‌ مرحلة‌ النضج‌ إلي‌ حدّ ما، وراجت‌ فيها دروس‌ العرفان‌ (النظري‌ّ لا العملي‌ّ) في‌ مسـتويً ضعيف‌ جـدّاً، بَيدَ أنّ ذلك‌ ليـس‌ مغنياً ولا كافياً، لانّ دروس‌ الحكمة‌ لا تكفي‌ لوحدها في‌ إبلاغ‌ الإنسان‌ هدفه‌ ومقصوده‌، ولانّ الاهمّ من‌ هذه‌ الاُمور هو مسألة‌ تعليم‌ وتربية‌ الطلاّب‌ بدروس‌ تزكية‌ وتهذيب‌ الاخلاق‌ العمليّة‌ والعرفان‌ الشهودي‌ّ التي‌ تعرّفنا حقيقة‌ الإسلام‌ والنبوّة‌ والمعاد والولاية‌ والقرآن‌، وتكشف‌ لنا عن‌ إنسانيّتنا في‌ خاتمة‌ المطاف‌.

 ولم‌ تكن‌ هذه‌ الدروس‌ تفتقد فقط‌ مَن‌ يطلبها ويسعي‌ إليها طوال‌ المدّة‌ التي‌ كان‌ الحقير مشغولاً فيها بالتحصيل‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌، بل‌ إنّها كانت‌ ممنـوعة‌ أيضاً، فلم‌ يكن‌ هناك‌ حـوزة‌ لدروس‌ الاخـلاق‌ ولا مجمع‌ للتفسير وبيان‌ المعارف‌، وكانت‌ هذه‌ الاُمور ممنوعة‌ في‌ مستوي‌ الافكار الحوزويّة‌ العامّة‌.

 لم‌ يكن‌ من‌ أحد غير السيّد جمال‌، وكان‌ هو الآخر يغطّي‌ رأسه‌ بعباءته‌ حين‌ يأتي‌ للصلاة‌. ولم‌ يكن‌ لاحد اطّلاع‌ علي‌ هذه‌ المعاني‌ منه‌، وإلاّ لكانوا أخرجوه‌ من‌ النجف‌. وكان‌ بعض‌ أصحاب‌ المكتبات‌ الذين‌ يعدّون‌ بيع‌ كتب‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ وشراءها حراماً استناداً إلي‌ رأي‌ بعض‌ المراجع‌، إذا ما شاهدوا ضمن‌ مجموعة‌ الكتب‌ التي‌ يشترونها، كتابَ «الاسفار» للملاّ صدرا أو منظومة‌ السـبزواري‌ّ فلا يمسـكونها إلاّ بملقط‌ خـوفاً من‌ تنجّس‌ أياديهم‌!

 وعليه‌، فقد كان‌ ضروريّاً آنذاك‌ أن‌ يتخفّي‌ من‌ يريد دراسة‌ المعارف‌ والإلهيّات‌، وأن‌ يعمل‌ بالتقيّة‌. وإذا ما أراد طالب‌ علم‌ أن‌ يبيت‌ ليلة‌ في‌ مسجد الكوفة‌ أو في‌ مسجد السهلة‌، فإنّ عليه‌ أن‌ يفعل‌ كما يفعل‌ المهرّبون‌ كي‌ لا يشكّ به‌ أحد ولئلاّ يتغيّر نظر الحوزة‌ إليه‌ كلّيّاً.

 والله‌ وحده‌ يعلم‌ كم‌ رُمينا بأنـواع‌ التُّهم‌، وكم‌ أصبحنا هدفـاً لانـواع‌ الرمي‌ والافتـراء خـلال‌ مـدّة‌ إقامة‌ الحقيـر في‌ النجف‌، وكـم‌ تحمّلنا مـن‌ المشـاكل‌، وما واجهنـا مـن‌ المرارات‌ الحقيقيّة‌ للحياة‌، مـع‌ أنّ دروسـنا وجدّيّتنا كانت‌ مشهودة‌. علي‌ أنّ ما جرّ إلينا هذه‌ الويلات‌ والمصائب‌ كان‌ مجرّد عدم‌ مشاكلتنا للوضع‌ الظاهري‌ّ. وكان‌ من‌ المؤمّل‌ أن‌ تقام‌ بعد الثورة‌ الإسلاميّة‌ تنظيمات‌ وهيئات‌ جديدة‌ في‌ الحوزات‌ لتدريس‌ الاخلاق‌ العمليّة‌ والمعارف‌ الشهوديّة‌، بَيدَ أنّ ذلك‌ لم‌ يحصل‌.

 وكان‌ الحقير قد كتب‌ بعد الثورة‌ بسنة‌ أو سنتين‌ رسالة‌ « لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌ » جري‌ نشرها فحظيت‌ باهتمام‌ البعض‌. وقد قدم‌ يوماً إلي‌ الحقير في‌ مشهد جماعة‌ من‌ الحوزة‌ العلميّة‌ في‌ قم‌ نيابة‌ عن‌ بعض‌ المسؤولين‌ والقائمين‌ علي‌ عمليّة‌ التغيير الفكري‌ّ وإحياء الحكمة‌ والعرفان‌، ونقلوا رسالةً شفويّة‌ لي‌ أن‌: اكتبوا كتابين‌ آخرين‌، أحدهما مختصر إلي‌ «لبّ اللباب‌» والآخر أكثر منه‌ عمقاً وتفصيلاً ليُدرّسا ويكونا مورد استفادة‌ الطلاّب‌ في‌ جميع‌ مراحل‌ الدراسة‌ الابتدائيّة‌ والمتوسّطة‌ والنهائيّة‌.

 فقلتُ: لا مانع‌ من‌ كتابتها، لكنّ قراءة‌ هذه‌ الكتب‌ مفيدة‌ إلي‌ حدّ ما وليست‌ مفيدة‌ بتمام‌ المعني‌؛ فالذي‌ يبعث‌ الروح‌ في‌ الحوزات‌ وما يحيي‌ روح‌ النبوّة‌ والولاية‌ والإسلام‌ والقرآن‌ ويخلّدها، تدريس‌ الحكمة‌ العمليّة‌ وإيجاد حوزات‌ لتربية‌ الطلاّب‌ بالعرفان‌ الشهودي‌ّ والوجداني‌ّ، فهو الذي‌ يغيّر البناء الاساسي‌ّ للنفوس‌ ويسوقها إلي‌ الطهارة‌ الحقيقيّة‌ والواقعيّة‌، وهو الذي‌ سيجعل‌ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ تمتلك‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ الخاصّة‌ أفراداً كأُولئك‌ المخلصين‌ الذين‌ ربّاهم‌ الرسول‌ الاكرم‌ وكحواريي‌ أمير المؤمنين‌ عليهما السلام‌، فأُولئكم‌ هم‌ القادرون‌ بطهارتهم‌ الذاتيّة‌ ونفوسهم‌ الزكيّة‌ تلك‌ علي‌ إحداث‌ تغييرات‌ عميقة‌ جدّاً في‌ نفوس‌ الناس‌ قاطبةً في‌ هذه‌ الدولة‌ وفي‌ جميع‌ العالم‌، وعلي‌ أن‌ يجسّدوا للعالم‌ الروح‌ الحقيقيّة‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وفي‌ الحقيقة‌ فإنّهم‌ يسوقون‌ أنفسهم‌ والآخرين‌ إلي‌ الإسلام‌ الحقيقي‌ّ الواقعي‌ّ.

 وقد عاد هؤلاء الاشخاص‌ بعد مدّة‌ بجواب‌ جاء فيه‌: أنّ الاخلاق‌ والعرفان‌ العملي‌ّ لا حدود لهما ليمكن‌ تجزئتها وتقسيمها وتدريسها، لذا فإنّ في‌ صالح‌ الحوزة‌ في‌ الوقت‌ الحاضر أن‌ يجري‌ تدريس‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ فيها، وأن‌ يصار إلي‌ تربية‌ تلامذة‌ خبراء ممحّضين‌ في‌ خصوص‌ هذا الفنّ.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ هذا الجواب‌ ليس‌ مُقنعاً، إذ كما أنّ الفقه‌ والاُصول‌ والحكمة‌ والادب‌ العربي‌ّ لها حدود عند أهل‌ الخبرة‌ فيها، فإنّ العرفان‌ العملي‌ّ والاخلاق‌ الشهوديّة‌ لها ـ بدورها حدود عند أهل‌ الخبرة‌ فيها، أمّا عند غير ذوي‌ الخبرة‌ فإنّها بأجمعها لا تمتلك‌ حدوداً. وينبغي‌ ـ لهذا أن‌ يُبحث‌ عن‌ أهل‌ الخبرة‌ في‌ هذه‌ الاُمور، وأن‌ لا تترك‌ الحوزات‌ ـ لمثل‌ هذه‌ الاعذار خالية‌ من‌ علوم‌ خطيرة‌ أساسيّة‌ كهذه‌ العلوم‌.

 وعلي‌ أيّة‌ حالٍ، فإنّ علّة‌ خفاء مطالب‌ أمثال‌ العلاّمة‌ وأمثال‌ الگلبايگاني‌ّ ستتّضح‌ بهذه‌ المطالب‌ التي‌ ذكرناها باختصار هنا.

 الرجوع الي الفهرس

المعارف‌ الإ لهيّة‌ كالجواهر النفيسة‌ مصونة‌ ومحفوظة‌ عن‌ أنظار الاجانب‌

 وهناك‌ أمر آخر جدير بالذكر، وهو أنّ هذه‌ المطالب‌ قيّمة‌ وثمينة‌ لا تُكتسب‌ بسهولة‌، وينبغي‌ علي‌ المرء ـ من‌ أجل‌ الحصول‌ عليها أن‌ يتحمّل‌ المحن‌ والمصاعب‌ والمتاعب‌ وأن‌ يشدّ إليها الرحال‌، لا نّها بمنزلة‌ الجواهر الثمينة‌ التي‌ تحفظ‌ في‌ أعماق‌ الصناديق‌ والخزائن‌ المقفلة‌ لتُصان‌ من‌ التلف‌ والضياع‌.

 إنّ المتاع‌ الرخيص‌ يؤتي‌ به‌ إلي‌ السوق‌ فيُنادي‌ عليه‌: تعالوا، تعالوا، اشتروا، خذوا... لدينا بنجر، لدينا بنجر.

 إنّ الرجل‌ يأتي‌ بالبنجر وقد صبّه‌ في‌ عربته‌ الخشبيّة‌ فينادي‌ عليه‌ صباح‌ أيّام‌ الشتاء القارس‌ في‌ رأس‌ الزقاق‌ وفي‌ السوق‌ ويدور به‌ علي‌ أبواب‌ البيوت‌: لدي‌ّ بنجر للفطور! ويصرّ علي‌ أن‌ يشتروا منه‌ شيئاً ويسعي‌ لإفراغ‌ عربته‌ من‌ أجل‌ أن‌ يذهب‌ في‌ اليوم‌ التالي‌ فيجلب‌ بنجراً آخر ليبيعه‌ بنفس‌ الطريقة‌.

 أمّا جوهرة‌ الزمرّد أو الياقوت‌ أو الالماس‌ الثمين‌ فلا تعرض‌ في‌ الواجهات‌ أمام‌ أنظار الناس‌، بل‌ تخفي‌ في‌ الصناديق‌ الفولاذيّة‌ المقفلة‌ بالاقفال‌ الرمـزيّـة‌ وفي‌ حاويات‌ تفتـح‌ هي‌ الاُخـري‌ برمـز معيّن‌، وهـذه‌ الاُخري‌ موضوعة‌ في‌ صندوق‌ مقفل‌ بقفل‌ رمزي‌ّ، انتظاراً لمجي‌ء مشترٍ واحد من‌ بين‌ الآلاف‌، ممّن‌ يعرف‌ قيمتها وقدرها ليراها ويدفع‌ ثمنها وفق‌ قيمتها.

 لذلك‌ فإنّ من‌ الشاقّ أن‌ يتعرّف‌ الإنسان‌ علي‌ قدر وقيمة‌ مجوهرات‌ معيّنة‌ ويتمكّن‌ من‌ اقتنائها، إذ ينبغي‌ له‌ أن‌ يجد السنخيّة‌ والمماثلة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ مع‌ تلك‌ الجواهر، وأن‌ يتقبّله‌ أُولئك‌ الجواهريّون‌ فيدنونه‌ منهم‌ ويعاملونه‌ كأبنائهم‌ أو كخادمهم‌ الذي‌ صار موضع‌ سرّهم‌ واعتمادهم‌ فيأتمنونه‌ علي‌ أسرارهم‌، تلك‌ الاسرار الإلهيّة‌ لا الاسرار الدنيويّة‌.

 ونفهم‌ الآن‌ كم‌ يتوجّب‌ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يسعي‌ ليصبح‌ من‌ أهل‌ بيتهم‌ ويكون‌ له‌ حكم‌ الابن‌ أو الخادم‌، أمّا في‌ غير هذه‌ الحال‌، أي‌ في‌ غير حال‌ الاتّحاد والوحدة‌ في‌ السلوك‌ والنهج‌ والزي‌ّ والطعام‌، وفي‌ جميع‌ الاُمور المختصّة‌ بأهل‌ ذلك‌ البيت‌؛ فإنّه‌ لن‌ يكون‌ بإمكانه‌ أن‌ يستفيد من‌ روح‌ أهل‌ ذلك‌ البيت‌.

 الرجوع الي الفهرس

عُلَمَاءُ أُمَّتِي‌ كَأَنبِيَاءِ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ

 لقد جاء الحقير من‌ النجف‌ الاشرف‌ إلي‌ همدان‌ لزيارة‌ ولقاء سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد جواد الانصاري‌ّ الهمداني‌ّ تغمّده‌ الله‌ برضوانه‌ وكنتُ أسير وحدي‌ يوماً إلي‌ حيث‌ يصلّي‌ الظهر في‌ المسجد المسمّي‌ بمسجد النبي‌ّ، وكنت‌ قد وصلت‌ إلي‌ « سبزه‌ ميدان‌ » (= ساحة‌ الخضراء) حين‌ خطر في‌ ذهني‌ خاطر: كم‌ يبلغ‌ اعتقادي‌ به‌؟ فرأيتُ أنّ اعتقادي‌ به‌ هو في‌ حدود اعتقادي‌ بنبي‌ّ إلهي‌ّ، لما لي‌ في‌ كماله‌ وشرفه‌ وتوحيده‌ وفضائله‌ الاخلاقيّة‌ والمعنويّة‌ من‌ اعتقاد وإيمان‌ في‌ حدود إيماني‌ واعتقادي‌ بنبي‌ّ إلهي‌ّ. ولو بُعث‌ الآن‌ أيّاً من‌ يوسف‌ أو شعيب‌ أو موسي‌ أو عيسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليهم‌ السلام‌ فجاؤوا وأمروا ونهوا، فسيكون‌ لي‌ في‌ الحقيقة‌ انقياد وطاعة‌ وإيقان‌ بحقّانيّة‌ أُولئك‌ الانبياء مماثل‌ لاعتقادي‌ بهذا الرجل‌ الإلهي‌ّ الجليل‌.

 ولدينا شاهد علي‌ ذلك‌، فقد ذكر البعض‌ أن‌: عُلَمَاءُ أُمَّتِي‌ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ.[529]

 وحين‌ نطبّق‌ هذا الحديث‌ علي‌ علماء الاُمّة‌، فأي‌ّ عالم‌ أصدق‌ وأكثر توحيداً وأقرب‌ إلي‌ المعارف‌ الحقّة‌ الحقيقيّة‌ الإلهيّة‌ من‌ هذا الرجل؟

 وعلّة‌ ذلك‌ أنّ مناط‌ الرسالة‌ والنبوّة‌ ليس‌ بالاُمور الظاهريّة‌ من‌ الكسب‌ والعمل‌ والثروة‌ والحسب‌ والنسب‌ والعلوم‌ الظاهريّة‌ والفنون‌ الدنيويّة‌.

 ولو غضضنا النظر عن‌ كون‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ معمّماً وفقيهاً وإماماً للجماعة‌ ونظائر هذه‌ الاُمور، فإنّ ملاك‌ عظمة‌ هذا الرجل‌ وإخلاصه‌ في‌ التجلّيات‌ الإلهيّة‌ التي‌ اكتسبها بالجهاد الاكبر في‌ هذا المسار الطويل‌، فهي‌ التي‌ جعلته‌ في‌ حدود عارف‌ إلهي‌ّ وأجلسته‌ في‌ مقام‌ ومنزلة‌ التمكين‌، ولو أنّ جميع‌ أهل‌ همدان‌ قد عدّوه‌ صوفيّاً وكالوا له‌ التهم‌ الظالمة‌ وغير اللائقة‌، فصار جاره‌ يلقي‌ النفايات‌ علي‌ باب‌ داره‌. فلقد رأينا جميع‌ هذه‌ المصائب‌ بعينها تُصبّ علي‌ الانبياء كما ورد في‌ أحاديثنا ما يفوق‌ هذه‌ المصائب‌، ولقد روينا علي‌ لسان‌ رسول‌ الله‌: مَا أُوذِي‌َ نَبِي‌ٌّ مِثْلَ مَا أُوذِيتُ قَطُّ.[530]

 أفعلينا في‌ مثل‌ هذه‌ الحال‌ أن‌ نلتفت‌ إلي‌ كلام‌ الناس‌، أم‌ نتوجّه‌ إلي‌ علمنا ويقيننا فنضع‌ نصب‌ أعيننا: قُلِ اللَهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي‌ خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.[531]

 لقد كان‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد ربيب‌ اليد المباركة‌ للمرحوم‌ الحاجّ السيّد الميرزا علي‌ آقا القاضي‌، فهو وحده‌ الذي‌ كان‌ يعلم‌ من‌ هو ربيب‌ يده‌، وما هي‌ درجاته‌ ومقاماته‌، وأيّة‌ ذروة‌ سماها إيقانه‌ وارتقاها عرفانه‌.

 ما الذي‌ أفهمه‌ أنا؟ لقد كان‌ ذلك‌ الرجل‌ الإلهي‌ الكبير هو الخبير المتضلّع‌ في‌ هذا الفنّ.

 لقد كنتُ أجد في‌ الحدّاد عبادة‌ والتفاتاً ومراقبة‌ والتزاماً بتعاليم‌ الشرع‌، وأري‌ فيه‌ متانة‌ ووقاراً وتمكيناً وصبراً وتحمّلاً وأمثال‌ ذلك‌، لكنّني‌ لم‌ أكن‌ أعلم‌ عن‌ منشأ هذه‌ الخصائص‌ والآثار ومصدرها.

 كنت‌ أشاهد النور، بَيدَ أ نّي‌ لا أعلم‌ شيئاً عن‌ المحطّة‌ التي‌ تولّده‌. أمّا المرحوم‌ القاضي‌ فكان‌ واسطة‌ في‌ إيصال‌ النور، وكان‌ خبيراً بالمفاتيح‌ والمخازن‌ الواقعة‌ وسط‌ الطريق‌، وبكيفيّة‌ تحويل‌ نور عظمة‌ ستّين‌ ألف‌ فولت‌ إلي‌ الكهرباء التي‌ يمكن‌ الاستفادة‌ منها في‌ المدن‌. وهو الذي‌ كان‌ يعلم‌ حقيقة‌ الامر حين‌ كان‌ يذهب‌ إلي‌ محلّ الحدادة‌، فيجلس‌ علي‌ الارض‌ بين‌ الدخان‌ واللهب‌ والحرارة‌ فيقول‌ له‌: « أيها السيّد هاشم‌! سيأتي‌ اليوم‌ الذي‌ يأتون‌ فيه‌ من‌ الاطراف‌ والاكناف‌ لتقبيل‌ عتبة‌ دارك‌ ».

 نعم‌! إنّ الطفل‌ لا يميّز الجواهر النفيسة‌ الثمينة‌، فيفضّل‌ الزجاج‌ الملوّن‌ علي‌ معدن‌ الفيروزج‌، ويرغب‌ في‌ الذهب‌ المزيّف‌ أكثر من‌ الحقيقي‌ّ. كما أن‌ الشخص‌ العامّي‌ّ الاُمّي‌ لا يقيم‌ وزناً لخطّ المير عماد الحسني‌ّ الجميل‌ المكتوب‌ علي‌ ورقة‌ ما ويرجّح‌ عليه‌ الخطّ المشوّش‌ المغلوط‌ المكتوب‌ بماء الذهب‌.

 أمّا الخبير بالخطّ، الماهر بدقائق‌ فنونه‌ فما أحراه‌ أن‌ يشتري‌ صفحة‌ من‌ ذلك‌ الخطّ بملايين‌ التومانات‌، وما أحراه‌ أن‌ يرسل‌ هذه‌ الصفحات‌ الذهبيّة‌ أو المذهّبة‌ ذات‌ الخطّ القبيح‌ إلي‌ الفرن‌ لإتلافها.

 ما الذي‌ يعلمه‌ ذلك‌ القروي‌ّ بائع‌ اللفت‌ عن‌ لوحة‌ رسم‌ وزخرفة‌ منقوشة‌ باللازورد ضمّت‌ أسرار هذا الفنّ ودقائقه‌؟ أمّا ذلك‌ الاُستاذ الرسّام‌ الماهر بالزخرفة‌ والنقوش‌ اللازورديّة‌، والذي‌ قضي‌ عمره‌ في‌ دراسة‌ هذا الفنّ، فهو الذي‌ يدرك‌ ما تنطوي‌ عليه‌ هذه‌ اللوحة‌ من‌ إعجاز وخوارق‌.

 وما أكثر ما يحصل‌ في‌ أن‌ يرجّح‌ ذلك‌ القروي‌ّ بعض‌ اللوحات‌ الحمراء المرسومة‌ بلا فنّ ولا مهارة‌ علي‌ تلك‌ الرسوم‌ والنقوش‌ اللازورديّة‌، مع‌ أنّ أُستاذ الرسم‌ والزخرفة‌ يمكن‌ أن‌ يبيع‌ بيته‌ وكلّ ما يمتلك‌ من‌ أجل‌ اقتناء لوحة‌ منها. ويتّضح‌ هنا تدريجيّاً مَن‌ كان‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد! مع‌ أ نّه‌ والله‌ وبالله‌ لم‌ يتّضح‌ لي‌ أنا.

 أي‌ أ نّني‌ سعيت‌ ـ في‌ حدود إمكاني‌ في‌ تقديم‌ السيّد وتعريفه‌ أكثر من‌ خلال‌ هذا الكتاب‌ الكريم‌، وفي‌ تقديم‌ الشي‌ء الاهمّ لارباب‌ السلوك‌ ومشتاقي‌ سبيل‌ الله‌ ومعرفته‌، لكنّني‌ أري‌ أنّ الكميت‌ أعرج‌ في‌ هذا المضمار، مع‌ أ نّني‌ قضيت‌ ثلاثة‌ أشهر كاملة‌ في‌ كتابة‌ هذا الكتاب‌، ألغيت‌ خلالها جميع‌ أعمالي‌ الاُخري‌ ولم‌ أدوّن‌ شيئاً سواه‌، ولكن‌ مع‌ ذلك‌ كلّه‌ فإنّ كياني‌ وباطني‌ يضجّان‌ بنداء:

اي‌ برتر از خيال‌ و قياس‌ و گمان‌ و وهم‌                  و ز هر چه‌ گفته‌اند و شنيديم‌ و خوانده‌ايم‌

مجلس‌ تمام‌ گشت‌ و به‌ آخر رسيد عمر                            ما همچنان‌ در أوّل‌ وصف‌ تو مانده‌ايم‌[532]

 لا تقولوا إنّ هذا البيت‌ قد أورده‌ الشيخ‌ سعدي‌ في‌ الله‌ سبحانه‌، فكيف‌ استخدمته‌ في‌ شأن‌ الحدّاد؟ أو هل‌ الحدّاد إله‌؟ وَالعِيَاذُ بِاللَهِ؛ بل‌ الحدّاد عبد الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ شخصيّة‌ الحدّاد وفق‌ خطبة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 لم‌ نستطع‌ فهم‌ حقيقة‌ عبوديّة‌ الحدّاد وفنائه‌ في‌ ذات‌ الله‌، ولم‌ نستطع‌ معرفة‌ الحدّاد في‌ مقام‌ العبوديّة‌ وحقيقة‌ العبوديّة‌، ولم‌ نستطع‌ تقديمه‌ علي‌ حقيقته‌ في‌ هذه‌ الرسالة‌. ونجد لزاماً في‌ الختام‌ أن‌ نتوسّل‌ بخطبة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ التي‌ أوردها في‌ انتقال‌ وتدرج‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ آدم‌ عليه‌ السلام‌ نَسْلاَ بَعْدَ نَسْلٍ حتّي‌ ولادته‌. فيقول‌ ضمن‌ الخطبة‌ مخاطباً ربّه‌:

 سُبْحَانَكَ أَي‌ُّ عَيْنٍ تَقُومُ نُصْبَ بَهَاءِ نُورِكَ، وتَرْقَي‌ إلی نُورِ ضِيَاءِ قُدْرَتِكَ؟! وَأَي‌ُّ فَهْمٍ يَفْهَمُ مَا دُونَ ذَلِكَ إلاَّ أَبْصَارٌ كَشَفْتَ عَنْهَا الاَغْطِيَةَ، وَهَتَكْتَ عَنْهَا الحُجُبَ العَمِيَّةَ.

 فَرَقَتْ أَرْوَاحُهَا إلی أَطْرَافِ أَجْنِحَةِ الاَرْوَاحِ، فَنَاجَوْكَ فِي‌ أَرْكَانِكَ وَوَلَجُوا بَيْنَ أَنْوَارِ بَهَائِكَ، وَنَظَرُوا مِنْ مُرْتَقَي‌ التُّربَةِ إلی مُسْتَوَي‌ كِبْرِيَائِكَ.

 فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ المَلَكُوتِ زُوَّاراً، وَدَعَاهُمْ أَهْلُ الجَبَرُوتِ عُمَّار إلي‌ آخرها.[533]

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ ذات‌ المضمون‌ الرشيق‌ والمحتوي‌ الدقيق‌ أنّ الإمام‌ سلام‌ الله‌ عليه‌ يعتبر حقيقة‌ مقام‌ العرفان‌ بذات‌ الله‌ الاحديّة‌ بواسطة‌ رفع‌ الحجب‌ متحقّقة‌ لفئة‌ خاصّة‌ من‌ أولياء الله‌ المقرّبين‌ والمخلصين‌، وأنّ الله‌ سبحانه‌ يوصل‌ جماعةً خاصّةً من‌ زمرة‌ عباده‌ الصالحين‌ إلي‌ حقيقة‌ معرفته‌، لينظروا من‌ حضيض‌ عالم‌ الناسوت‌ ومن‌ مستوي‌ التراب‌ إلي‌ مقام‌ كبريائيّة‌ الحقّ، ولتكون‌ لاعينهم‌ وإدراكهم‌ الثبات‌ والمثابرة‌ علي‌ تحمّل‌ تجلّي‌ أنوار بهاء حضرته‌، ولينالوا ذلك‌ المقام‌ بل‌ وأعلي‌ منه‌ وصولاً إلي‌ مقام‌ روح‌ القدس‌، فيتكلّمون‌ مع‌ الله‌ ـ كما فعل‌ الكليم‌ في‌ سرّ عالم‌ الكون‌ والمكان‌، قائمين‌ راسخين‌ وسط‌ الاشعّة‌ الساطعة‌ لنور الذات‌ المنشعبة‌ عن‌ جماله‌ وجلاله‌.

 علي‌ أنّ وجودهم‌ لا يضمحلّ ولا يفني‌ قبل‌ الوصول‌ إلي‌ هذه‌ الذروة‌ العالية‌، بل‌ إنّهم‌ سيسيرون‌ إلي‌ حدّ الفناء في‌ نفس‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعالي‌، فيصيرون‌ بعد الفناء فيها وجوداً بحتاً بسيطاً لم‌ يزل‌ ولا يزال‌ ويتحقّقون‌ ببقاء الحقّ، ويخلدون‌ إلي‌ الابد في‌ جنان‌ خلد الفناء والبقاء. ولم‌ يجد الحقير غير هذه‌ الخطبة‌ لتقديم‌ وتعريف‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ روحي‌ فداه‌، لذا فقد أوردتها في‌ ختام‌ كتابي‌ ليكون‌ خِتَـ'مُهُ و مِسْكٌ [534]، ولاقدّمها إلي‌ تلك‌ الروح‌ المقدّسة‌ لذلك‌ الساكن‌ في‌ العرش‌ والمقيم‌ في‌ علّيّين‌.

أُشَاهِدُ مَعْنَي‌ حُسْنِكُمْ فَيَلَذُّ لِي                      ‌ خُضُوعِي‌ لَدَيْكُمْ فِي‌ الهَوَي‌ وَتَذَلُّلِي‌

وَأَشْتَاقُ لِلْمَغْنَي‌ الَّذِي‌ أَنْتُمُ بِه                                    وَلَوْلاَكُمُ مَا شَاقَنِي‌ ذِكْرُ مَنْزِلِ

فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ قَدْ قَطَعْتُهَا                           بِلَذَّةِ عَيْشٍ وَالرَّقِيبُ بِمَعْزَلِ

وَنَقْلِي‌ مُدَامِي‌ وَالحَبِيبُ مُنَادِمِي                     ‌ وَأَقْدَاحُ أَفْرَاحِ المَحَبَّةِ تَنْجَلِي‌

وَنِلْتُ مُرَادِي‌ فَوْقَ مَا كُنْتُ رَاجِياً                      فَوَا طَرَبَا لَوْ تَمَّ هَذَا وَدَامَ لِي‌

لَحَانِي‌ عَذُولِي‌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَا الهَوَي    ‌ وَأَيْنَ الشَّجِي‌ُّ المُسْتَهَامُ مِنَ الخَلِي‌

فَدَعْنِي‌ وَمَنْ أَهْوَي‌ فَقَدْ مَاتَ حَاسِدِي             ‌ وَغَابَ رَقيبِي‌ عِنْدَ قُرْبِ مُوَاصِلِي‌ [535]

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

أشعار حافظ‌ المناسبة‌ لعظمة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ المعنويّة‌

اي‌ قصّة‌ بهشت‌ ز كويت‌ حكايتي‌             شرح‌ جمالِ حور ز رويت‌ روايتي‌

أنفاس‌ عيسي‌ ز لب‌ لعلت‌ لطيفه‌اي‌                    آب‌ خِضر ز نوش‌ لبانت‌ كنايتي‌

كِيْ عِطرساي‌ مجلس‌ روحانيان‌ شدي‌                  گل‌ را اگر نه‌ بوي‌ تو كردي‌ رعايتي‌

هر پاره‌ از دل‌ من‌ و ز غُصّه‌ قِصّه‌اي‌                                    هر سطري‌ از خصال‌ تو و ز رحمت‌ آيتي‌

در آرزوي‌ خاك‌ درِ يار سوختم‌                              ياد آور اي‌ صبا كه‌ نكردي‌ حمايتي‌

اي‌ دل‌ به‌ هرزه‌ دانش‌ و عمرت‌ به‌ باد رفت              ‌ صد مايه‌ داشتي‌ و نكردي‌ كفايتي‌[536]

بوي‌ دل‌ كباب‌ من‌ آفاق‌ را گرفت‌                           اين‌ آتش‌ درون‌ بكند هم‌ سرايتي‌

در آتش‌ ار خيال‌ رخش‌ دست‌ مي‌دهد                  ساقي‌ بيا كه‌ نيست‌ ز دوزخ‌ شكايتي‌

داني‌ مراد حافظ‌ ازين‌ درد و غصّه‌ چيست               ‌ از تو كرشمه‌ايّ و ز خسرو عنايتي‌ [537]

* * *

حَدِيثُهُ أَوْ حَدِيثٌ عَنْهُ يُطْرِبُنِي              ‌ هَذَا إذَا غَابَ أَوْ هَذَا إذَا حَضَرَا

كِلاَهُمَا حَسَنٌ عِنْدِي‌ أُسَرُّ بِهِ                           لَكِنَّ أَحْلاَهُمَا مَا وَافَقَ النَّظَرَا [538]

* * *

چراغ‌ روي‌ تو را شمع‌ گشت‌ پروانه                                   ‌ مرا ز خال‌ تو با حال‌ خويش‌ پروا نه‌

به‌ بوي‌ زلف‌ تو گر جان‌ به‌ باد رفت‌ چه‌ شد             هزار جان‌ گرامي‌ فداي‌ جانانه‌ [539]

خرد كه‌ قيد مجانين‌ عشق‌ مي‌فرمود                   به‌ بوي‌ سنبل‌ زلف‌ تو گشت‌ ديوانه‌

به‌ مژده‌ جان‌ به‌ صبا داد شمع‌ در نفسي‌              ز شمع‌ روي‌ تو اش‌ چون‌ رسيد پروانه‌

مرا به‌ دور لب‌ دوست‌ هست‌ پيماني                    ‌ كه‌ بر زبان‌ نبرم‌ جز حديث‌ پيمانه‌

بر آتش‌ رخ‌ زيباي‌ او به‌ جاي‌ سپند                       به‌ غير خال‌ سياهش‌ كه‌ ديد بِهْ دانه‌

حديث‌ مدرسه‌ خانقه‌ مگوي‌ كه‌ باز                       فتاده‌ در سر حافظ‌ هواي‌ ميخانه‌ [540]

 الرجوع الي الفهرس

خاتمة‌ كتاب‌ «الروح‌ المجرّد» في‌ ذكري‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد

 اللَهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَي‌ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَي‌ أَخِيهِ وَوَصِيِّهِ وَصَاحِبِ سِرِّهِ وَلِوَائِهِ وَوَزِيرِهِ وَوَلِي‌ِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي‌ أُمَّتِهِ: عَلِي‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَعَلَي‌ البَتُولِ العَذْرَاءِ الصِّدِّيقَةِ الكُبْرَي‌ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَعَلَي‌ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَعَلِي‌ِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِي‌ٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَموسَـي‌ ابْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِي‌ِّ بْنِ موسَي‌ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِي‌ٍّ وَعَلِي‌ِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِي‌ٍّ وَالخَلَفِ القَائِمِ المَهْدِي‌ِّ عَجَّلَ اللَهُ تَعَالَي‌ فَرَجَهُ وَسَهَّلَ مَنْهَجَهُ وَجَعَلَنَا مِنْ شِيعَتِهِ وَتَابِعِيهِ وَنَاصِرِيهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُحَامِينَ لِدَوْلَتِهِ وَشَوْكَتِهِ.

 اللَهُمَّ الْعَنْ أَعْدَاءَهُمْ وَمُخَالِفِيِهمْ وَمُعَانِدِيِهِمْ وَغَاصِبِي‌ حُقُوقِهِمْ وَمُنْكِرِي‌ فَضَائِلِهِمْ وَمَنَاقِبِهِمْ إلی يَوْمِ الدِّينِ.

 اللَهُمَّ أَعْلِ دَرَجَةَ أُسْتَاذِنَا وَوَلِيِّنَا وَمُرَبِّينَا وَالهَادِي‌ إلی الحَقِّ صِرَاطَنَا: المَرْحُومِ المَبْرُورِ الحَاجِّ السَّيِّدِ هَاشِمِ الحَدَّادِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ سَالِكِي‌ سَبِيلِهِ وَالثَّابِتِينَ عَلَي‌ مَنْهَجِهِ فِي‌ صِرَاطِكَ المُسْتَقِيم‌، وَاجْعَلْنَا مِنَ المُوَفَّقِينَ لاِدَاءِ شُكْرِهِ وَمِنَ المُؤَدِّينَ لِحُقُوقِهِ، وَاحْشُرْهُ فِي‌ زُمْرَةِ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ الاَطْيَبِينَ الاَكْرَمِينَ. اللَهُمَّ اجْعَلْهُ عِنْدَكَ فِي‌ أَعْلَي‌ عِلِّيِّينَ، وَاخْلُفْ عَلَي‌ عَقِبِهِ فِي‌ الغَابِرِينَ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 انتهت‌ بحمد الله‌ ومنّه‌ هذه‌ الرسالة‌ المسمّاة‌ بـ «الروح‌ المجرّد» في‌ ترجمة‌ أحوال‌ وحياة‌ المرحوم‌، أُستاذ العرفان‌ ومربّي‌ الاخلاق‌ والسلوك‌ لجمع‌ كثير من‌ الوالهين‌ المتحمّسين‌ بلا بضاعة‌ في‌ طريق‌ الحقّ والسبيل‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌، ضُحي‌ (قبل‌ الظهر بساعتين‌) اليوم‌ الخامس‌ عشر من‌ شهر شوّال‌ المكرّم‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ واثني‌ عشر هجريّة‌ قمريّة‌ في‌ مكتبة‌ الحقير في‌ مدينة‌ المشهد الرضوي‌ّ المقدّس‌ علي‌ ثاويه‌ وشاهده‌ أفضل‌ السلام‌ والإكرام‌.

 وَأَنَا العَبْدُ الحَقِيرُ الفَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ المُسَمَّي‌ بالسَّيِّدِ مُحَمَّد الحُسَيْن‌ الحُسَيْنِي‌ُّ الطِّهْرَانِي‌ُّ غَفَرَ اللَهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ

 

 الرجوع الي الفهرس

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[519] ـ يقول‌: «لا عجب‌ من‌ القتيل‌ بباب‌ خيمة‌ الحبيب‌، بل‌ العجب‌ من‌ الذي‌ ظلّ حيّاً بعد دخولها».

[520] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[521] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 151 إلي‌ 155، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1384 ه. ق‌.

[522] ـ «ديوان‌ الخواجة‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 15، الغزل‌ 27، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318 ه. ق‌.

 يقول‌: «قد تلظّي‌ صدري‌ بنار القلب‌ من‌ هجر الحبيب‌، فقد احترق‌ العشّ والمأوي‌ من‌ نارٍ في‌ هذا البيت‌ شعواء.

 ذاب‌ لبُعد مَن‌ خطف‌ القلب‌ جسمي‌، واصطلت‌ بشمس‌ وجنته‌ المزهرة‌ روحي‌.

 فتطلّع‌ إلي‌ حرقة‌ قلبي‌ كيف‌ رقّ لحرارة‌ دمعي‌ قلبُ الشمع‌، فتداعي‌ كالفراشة‌ محترقاً فيه‌.

 فدع‌ الهجرَ والعذلَ وأقبِلْ، فقد جرّد سوادُ عيني‌ رداءه‌ وأحـرقه‌ شكراً (إشـارة‌ إلي‌ عادة‌ الندماء من‌ العجم‌ حين‌ يصطلح‌ منهم‌ اثنان‌ بعد كدر، فإنّ الساعي‌ للصلح‌ منهما يخلع‌ رداءه‌ فيُحرقه‌ شكراً).

[523] ـ يقول‌: «احترق‌ لاجلي‌ ـ أنا العاشـق‌ المجنون‌ ـ قلبُ كلّ من‌ شـاهد غلّ ذؤابتك‌، وأُصيبَ بالسوداء!

 لقد احترق‌ لضياعي‌ وذهولي‌ قلبُ الغريب‌، فلا غرابة‌ إن‌ رقّ لحالي‌ الاصدقاء!

 جرف‌ خرقة‌ زهدي‌ سيلُ مياه‌ الخمّارة‌، وأحرق‌ عقلي‌ لهبُ الحانة‌ المتّقد.

 انكسر من‌ توبتي‌ ـ كما يتحطّم‌ الكأس‌ ـ قلبي‌؛ واشتعل‌ لفراق‌ الشراب‌ والحانة‌ كبدي‌ كشقائق‌ نعمانٍ حمراء!

 فاترك‌ الاساطير يا «حافظ‌» وارشف‌ الكأس‌ هنيئةً، فقد سهرنا واحترق‌ الشمع‌ بأُسطورة‌ واهية‌!».

[524] ـ «ديوان‌ الخواجة‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 18، الغزل‌ 35، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318 ه. ق‌.

يقول‌: «دُلّني‌ يا نسيم‌ الاسحار أين‌ منزل‌ الحبيب‌؟ وأين‌ حطّ الرحال‌ ذلك‌ القمر الساحر قاتل‌ العشّاق‌؟».

[525] ـ يقول‌: «الليل‌ بهيمٌ، والوادي‌ الايمن‌ تلقاء وجوهنا، فقل‌ أين‌ نار الطور، وأين‌ موعد اللقاء؟

 كلّ من‌ جاء إلي‌ الدنيا فقد جاء ليفني‌، فأنشد الجلاّس‌ في‌ الحانة‌ هل‌ من‌ رجل‌ صاحٍ تبقّي‌؟

 إنّ اللبيب‌ الفاهم‌ بأدني‌ إشارة‌ أهلٌ للبشارة‌؛ وما أكثر النكات‌ والاسرار، ولكن‌ أين‌ اللائق‌ بحفظها؟

 لكلّ طرف‌ شعرة‌ منّي‌ ألف‌ رابطة‌ بك‌؛ فأين‌ منّا والعاذل‌ الغارق‌ في‌ البطالة‌؟

 سَلْ طيّات‌ ذؤابته‌ الجعدة‌، أين‌ تردّي‌ هذا القلب‌ المغموم‌ الهائم‌ الاسير؟

 جُنّ عقلي‌، فأين‌ السلسلة‌ السوداء (لذوائب‌ الحبيب‌) لاُوثقه‌؛ وأعرض‌ القلبُ فأين‌ حاجب‌ الحبيب‌ أناشده‌ عنه‌؟».

[526] ـ يقول‌: «حضر المطرب‌ والساقي‌ والخمر معاً، بَيدَ أنّ العيش‌ من‌ غير حبيبٍ سيُكدّر؛ أين‌ خِلّي‌؟

 ويا «حافظ‌» لا يكدّرنّك‌ الفراق‌ والهجر في‌ مرتع‌ الدهر، وتأمّل‌ بعقلك‌ أكان‌ لورد بلا شوكةٍ مِن‌ مِثال‌؟».

[527] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 180؛ ويقول‌ في‌ التعليقة‌ عليه‌: نُسبت‌ هذه‌ القصيدة‌ لابن‌ الفارض‌، مع‌ أ نّها مثبتة‌ في‌ «ديوان‌ البهاء» لزهير، وذكر زمن‌ إنشائها في‌ يوم‌ الخميس‌، الخامـس‌ من‌ محرّم‌ لسـنة‌ 641 هجـريّة‌. وهي‌ أشـبه‌ بشـعر البهاء منها بشـعر ابن‌ الفارض‌ وأُسلوبه‌؛ ودليلنا علي‌ هذا القول‌ أن‌ البورينيّ لم‌ يذكر هذا الشـعر في‌ شـرحه‌ علي‌ ديوان‌ ابن‌ الفارض‌.

[528] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 183.

[529] ـ لم‌ نعثر أبداً مع‌ كثرة‌ تتبّعنا في‌ هذا المجال‌ علي‌ سند لهذه‌ الرواية‌ المتداولة‌ والشائعة‌ علي‌ الالسن‌. وقد أورد المحدِّث‌ والعالم‌ المتضلِّع‌ الخبير: السيّد عبد الله‌ شبّر في‌ كتاب‌ «مصابيح‌ الانوار في‌ حلّ مشكلات‌ الاخبار» ج‌ 1، ص‌ 434، طبعة‌ مطبعة‌ الزهراء، بغداد، حديث‌ رقم‌ 83، قوله‌:

 ما روي‌ عن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: عُلَمَاءُ أُمَّتِي‌ أَنْبِيَاءُ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ، أو: كَأَنْبِيَاءِ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ، أو: أَفْضَلُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ؛ وهذا الحديث‌ لم‌ نقف‌ عليه‌ في‌ أُصولنا وأخبارنا بعد الفحص‌ والتتبّع‌، والظاهر أ نّه‌ من‌ موضوعات‌ العامّة‌. وممّن‌ صرّح‌ بوضعه‌ من‌ علمائنا: المحدِّث‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ في‌ «الفوائد الطوسيّة‌»، والمحدِّث‌ الشريف‌ الجزائري‌ّ. وكيف‌ كان‌ فيمكن‌ توجيهه‌ بوجهين‌ ـ إلي‌ آخر ما ذكره‌ السيّد شبّر هنا.

 وقد راجع‌ الحقير كتاب‌ «الجامع‌ الصغير» للسيوطي‌ّ، و«كنوز الحقائق‌» للمناوي‌ّ، و«نهج‌ الفصاحة‌» لپاينده‌، و«وهج‌ الفصاحة‌» للاعلمي‌ّ التي‌ دُوّنت‌ فيها الاحاديث‌ القصار لسيّد البشر، فلم‌ يكن‌ هناك‌ شيئاً من‌ هذا القبيل‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌ أيضاً.

 وقد أورد الشيخ‌ محمّد الحسين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء في‌ كتاب‌ «جنّة‌ المأوي‌» ص‌ 197، الطبعة‌ الاُولي‌، مكتبة‌ الحقيقة‌، تبريز،سنة‌ 1380 ه، ضمن‌ ردّه‌ علي‌ سؤال‌ قدّم‌ إليه‌ كتباً عن‌ معني‌ هذا الحديث‌، احتمالات‌ خمساً في‌ تفسير هذا الحديث‌ ومعناه‌.

 وقد صرّح‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد محمّد علي‌ القاضي‌ الطباطبائي‌ّ في‌ هامش‌ الكتاب‌ بما قلناه‌ وذكر أنّ هذا الحديث‌ من‌ موضوعات‌ العامّة‌.

 ويقول‌ آية‌ الله‌ القاضي‌ في‌ كتاب‌ «تحقيق‌ دربارة‌ أول‌ أربعين‌ سيد الشهداء عليه‌ السلام‌» (= بحث‌ حول‌ الاربعين‌ الاُولي‌ لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌) ص‌ 468، الطبعة‌ الثالثة‌، تبريز، تحت‌ عنوان‌ «مَن‌ المراد من‌ آل‌ محمّد» يقول‌ الفيـروزآبادي‌ّ (صاحب‌ كتاب‌ اللغة‌): وقَولُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: عُلَمَاءُ أُمَّتِي‌ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ. وفي‌ لفظٍ: عُلَمَاءُ هَذِهِ الاُمَّةِ أَنْبِيَاءُ سَائِرِ الاُمَمِ؛ وَإنْ كَانَ فِي‌ إسْـنَادِهِ مَقَالٌ وَلَكِنْ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

[530] ـ روي‌ الحقير هذا الحديث‌ بعين‌ هذه‌ العبارة‌ عن‌ اللسان‌ المبارك‌ لاُستاذنا الذي‌ لا بديل‌ له‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ رسالة‌ «الشمس‌ الساطعة‌» القسم‌ الثاني‌، المقابلات‌، الابحاث‌ العرفانيّة‌، صفحة‌ رقم‌ 305 حسب‌ الترقيم‌ أسفل‌ الصفحات‌، الطبعة‌ الاُولي‌.

 لكنّ السـيوطي‌ّ أورده‌ في‌ «الجامع‌ الصغير» ج‌ 2، ص‌ 144، مطـبعة‌ مصطفي‌ البابي‌، بهذه‌ العبارة‌: مَا أُوذِي‌َ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ (عد) وابن‌ عساكر عن‌ جابر (رض‌) مَا أُوذِي‌ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ فِي‌ اللَهِ (حد) عن‌ أنس‌(ح‌ ض‌). وروي‌ المناوي‌ّ في‌ «كنوز الحقائق‌» المطبوع‌ في‌ هامـش‌ «الجامـع‌ الصغير» ص‌ 82، عبارة‌: مَا أُوذِي‌َ أَحَـدٌ مَا أُوذِيتُ، عـن‌ (عد)، وأورد الحديث‌ أبو القاسم‌ پاينده‌ في‌ «نهج‌ الفصاحة‌» انتشارات‌ جاويدان‌، سنة‌ 1367 ه. ش‌، ص‌ 543، تحت‌ الرقم‌ 2626، بعبارة‌: مَا أُوذِي‌َ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ فِي‌ اللَهِ... وذكره‌ الاعلمـي‌ّ في‌ «وهج‌ الفصاحة‌» الطبعة‌ الاُولي‌، مؤسّسة‌ الاعلمي‌ّ، بيروت‌، سنة‌ 1408 تحت‌ الرقم‌ 2622، ص‌ 561، بعين‌ هذا اللفظ‌.

[531] ـ الآية‌ 91، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌: وَمَا قَدَرُوا اللَهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَآ أَنزَلَ اللَهُ عَلَي‌' بَشَرٍ مِّن‌ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَـ'بَ الَّذِي‌ جَآءَ بِهِ مُوسَي‌' نُورًا وَهُدًي‌ لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ و قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُو´ا أَنتُمْ وَلاَ´ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ اللَهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي‌ خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.

[532] ـ «كلّيّات‌ سعدي‌» ص‌ 3، طبعة‌ وتصحيح‌ فروغي‌، گلستان‌.

 يقول‌: «يا من‌ هو أسمي‌ من‌ الخيال‌ والقياس‌ والظنّ والوهم‌، وأعلي‌ من‌ كلّ ما قيل‌ وما سمعنا وقرأنا.

 انتهي‌ المجلسُ وبلغ‌ العمر منتهاه‌، لكنّنا لا نزال‌ في‌ أوّل‌ وصفنا إيّاك‌ عاجزين‌».

[533] ـ أورد المؤرّخ‌ الشهير والامين‌ المسعودي‌ّ هذه‌ الخطبة‌ الشريفة‌ في‌ كتاب‌ «إثبات‌ الوصيّة‌» ص‌ 94 إلي‌ 99، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ وهي‌ خطبة‌ مفصّلة‌ جدّاً، وقد أوردنا منها هنا الفقرة‌ الواقعة‌ في‌ ص‌ 97.

 وقد أورد هذه‌ الفقرة‌ أيضاً سماحة‌ أُستاذنا المكرّم‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ روحه‌ الزكيّة‌ في‌ كتاب‌ «الشيعة‌» ضمن‌ المحادثات‌ مع‌ هنري‌ كُربَن‌، ص‌ 196، الطبعة‌ الثانية‌، نقلاً عن‌ «إثبات‌ الوصيّة‌». كما أوردنا هذه‌ الفقرة‌ أيضاً في‌ الصفحة‌ الاخيرة‌ من‌ كتاب‌ «التوحيد العلمي‌ّ والعيني‌ّ».

[534] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 83: المطفّفين‌.

[535] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 179، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1384 ه. ق‌.

[536] ـ «ديوان‌ الخواجة‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 209، الغزل‌ 457، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318 ه. ق‌.

 يقول‌: «يا من‌ كانت‌ قصّة‌ الجنّة‌ حكايةً من‌ حكايات‌ دربك‌، ووصف‌ جمال‌ الحور رواية‌ عن‌ طلعتك‌!

 ويا من‌ كانت‌ أنفاس‌ عيسي‌ إشارة‌ إلي‌ شفتك‌ الزمرّديّة‌، وماء الخضر (ماء الحياة‌) كناية‌ عن‌ جرعة‌ ترشفها شفتك‌.

 أ نّي‌ للورد أن‌ يفوح‌ في‌ مجلس‌ الروحانيّين‌، لو لم‌ تهبه‌ نفحة‌ من‌ عبير رائحتك‌!

 كلّ بضعة‌ من‌ قلبي‌ قصّة‌ حزن‌؛ وكلّ سطر من‌ خصالك‌ آية‌ من‌ آيات‌ رحمة‌ الحقّ.

 شبّت‌ النار في‌ّ رجاء تراب‌ أعتاب‌ ديار الحبيب‌؛ فتذكّري‌ يا صبا أ نّك‌ لم‌ تسعفينا بحمايتك‌.

 ويا قلب‌ ضاع‌ علمك‌ وعمرك‌ عبثاً، فقد امتلكتَ ألف‌ ثروة‌ فلم‌ تغنِ عنك‌ شيئاً».

[537] ـ يقول‌: «طبّق‌ الآفاق‌ رائحة‌ احتراق‌ قلبي‌، وستمتدّ خارجاً ـ لا ريب‌ هذه‌ النار من‌ قلب‌ المتيّم‌ بك‌.

 لو زارني‌ في‌ النار خيالُ طلعة‌ الحبيب‌، فعجّل‌ أيّها الساقي‌ بها فليس‌ في‌ جهنّم‌ من‌ شكوي‌.

 أتعلم‌ مراد «حافظ‌» من‌ هذا الالم‌ والحزن‌؟ غنجٌ منك‌ والتفاتةٌ من‌ الملك‌!».

[538] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 183، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1384 ه. ق‌.

[539] ـ «ديوان‌ الخواجة‌ حافظ‌» ص‌ 194، الغزل‌ 425، طبعة‌ پژمان‌، انتشارات‌ بروخيم‌، سنة‌ 1318 ه. ق‌. يقول‌: «صيّر ضياءُ طلعتك‌ الشـمعَ فراشـةً تحوم‌ حوله‌، وصيّرني‌ خالُك‌ لا أُبالي‌ ما حلّ بي‌.

 ماذا يضير لو ضاعت‌ الروح‌ من‌ عطر ذؤابتك‌؟ فألف‌ نفس‌ كريمة‌ فداء نفس‌ الحبيب‌».

[540] ـ يقول‌: «لقد صار العقل‌ ـ وهو وثاق‌ مجانين‌ العشق‌ ـ نفسه‌ مجنوناً من‌ عبير سنابل‌ ذؤابتك‌ المجعّدة‌.

 حين‌ حملت‌ الصبا للشمع‌ رسالة‌ ملوكيّة‌ من‌ طلعتك‌ الوضّاءة‌ (كالشمع‌)، فقد وهب‌ روحه‌ لها في‌ البشارة‌.

 عقدتُ العهد أن‌ لا أفوه‌ عند شفاه‌ الحبيب‌، إلاّ حديث‌ الراح‌ والقدح‌.

 مَن‌ رأي‌ أفضل‌ من‌ خاله‌ الاسود بدلاً عن‌ الحَرْمَل‌ في‌ مجمر لهيب‌ طلعته‌؟

 صَهْ؛ ولا تَنْبِس‌ عن‌ المدرسة‌ ومعبد الدراويش‌ شيئاً، فقد دار هوي‌ الحانة‌ برأس‌ «حافظ‌» من‌ جديد».

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com