|
|
الصفحة السابقةالحاجّ الشيخ يقرّ بكلام الحاجّ السيّد أحمد بعد ارتحال الاخيرقال سماحة العلاّمة أُستاذنا الاكرم الطباطبائيّ رضوان الله علیه: في الرسائل والمباحثات التي جرت بين العالمين الكبيرين الآقا الحاجّ السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ والآقا الحاجّ الشيخ محمّد حسين الكمبانيّ الاءصفهانيّ رضوان الله علیهما حول قضية التشكيك في الوجود ووحدة الوجود، والتي انتهت بعدم اقتناع المرحوم الحاجّ الشيخ بالمواضيع العرفانيّة التوحيديّة للآقا الحاجّ السيّد أحمد، قام أحد طلاّب المرحوم القاضي ويدعي « الآقا السيّد حسن الكشميريّ » وهو من معاصري آية الله الآقا الحاجّ الشيخ علی محمّد البروجرديّ والآقا السيّد حسن المسقطيّ وزميل تلك المجموعة من تلاميذ المرحوم القاضي، بفتح باب الحديث والبحث والمكالمة مع المرحوم الحاجّ الشيخ، وذلك بعد وفاة المرحوم الآقا السيّد أحمد، وقد تابع البحث معه علی أساس من استدلالات وبراهين المرحوم حتّي ألزمه الحجّة فاقتنع. [1] وشاهدنا علی عدول المرحوم الكمبانيّ عن عقيدة الفلاسفة القائلة بالتشكيك في الوجود إلي عقيدة العرفاء المصرّحة بوحدة الوجود، هو أشعاره في كتاب الحكمة الذي أ لّفه تحت عنوان « تحفة الحكيم » فيما يخصّ الاتّحاد والهويّة، هو أدلّ شاهد علی ما نقول ؛ حيث قال: صَيْـرُورَةُ الذَّاتَيْـنِ ذَاتَاً وَاحِـدَهْ خُلْفٌ مُحَالٌ وَالعُقُـولُ شَـاهِدَهْ وَلَيْـسَ الاتِّـصَـالُ بِالـمُـفَـارِقِ مِنَ المُحَـالِ بَلْ بِمَعْنَـي اللاَّئِـقِ كَذَلِـكَ الفَـنَـاءُ فِـي المَـبْـدَإ لاَ يُعْنَي بِـهِ المُحَـالُ عِنْـدَ العُقَـلاَ إذِ الـمُـحَـالُ وَحْـدَةُ الاثْـنَـيْـنِ لاَ رَفْــعُ إنِّـيَّـتِــهِ فِــيالـبَـيْـنِ وَالصِّـدْقُ فِي مَرْحَلَـةِ الدَّلاَلَـهْ فِي المَزْجِ وَالوَصْلِ وَالاسْتِحَالَهْ فَالحَمْـلُ إذْ كَانَ بِمَعْنَـي هُوَ هُو ذُو وَحْـدَةٍ وَكَـثْـرَةٍ فَانْـتَـبِهُـوا [2] وتدلّ هذه الابيات المذكورة دلالة لا ريب فيها علی دعوة الآقا السيّد أحمد ؛ ولكنّ أصرح ما فيها، البيت الرابع منها والذي ذُكر كشاهد علی البيت الثالث ـ الذي يُشير إلي إمكانيّة الفناء في الله وهو عين ما يقول به أهل العرفان واليقين ؛ ولا يقول المرحوم الحاجّ السيّد أحمد الكربلائيّ كذلك غير هذا. رحمة الله علیهما رحمة واسعة شاملة. [3] نعم، وهل لهذا الابيات مضموناً ومفهوماً غير مضمون ومفهوم أبيات الحسين بن منصور الحلاّج الّتي ذكرناها آنفاً. أَنَـا أَنَـا أَنْـتَ أَمْ هَــذَا إلَـهَـيْــنِ ؟! حَاشَـايَ حَاشَـايَ مِـنْ إثْبَاتِ اثْنَيْنِ هُـوِيَّـتِـي لَـكَ فِـي لاَئِـيَّـتِـي أَبَـداً كُلٌّ عَلَـي الكُـلِّ تَلْبِـيـسٌ بِـوَجْهَيْنِ فَأَيْنَ ذَاتُـكَ عَنِّي حَيْـثُ كُنْتُ أَرَي فَقَدْ تَـبَـيَّـنَ ذَاتِـي حَـيْـثُ لاَ أَيْنِي إلي آخر الابيات. استدلال الملكيّ التبريزيّ علی وحدة الوجود بـ«برهان الصدّيقين»هذا، وقد بيّن آية الله الفقيد الفقيه والعالم العارف: الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ قدّس سرّه هذا الامر ببعض الجمل الموجزة والمفيدة، وقد أورد دليلاً بالغ الاءتقان لاءثبات وحدة الوجود بحيث أدهش الجميع وأعجبهم، فقد قال: وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِأَدْنَي تَأَمُّلٍ ؛ لاِنَّ حَقِيقَةَ الوُجُودِ يَمْتَنِعُ عَلَیْهَا العَدَمُ ؛ وَإلاَّ لاَتَّصَفَ الشَّيءُ بِنَقِيضِهِ أَوْ بِمَا يُسَاوِقُ نَقِيضَهُ. وَهُوَ بَدِيهِيُّ البُطْلاَنِ ضَرُورِيُّ الفَسَادِ. وَكُلُّ مَا امْتَنَعَ عَدَمُهُ ثَبَتَ قِدَمُهُ بِالضَّرُورَةِ. فَحَقِيقَةُ الوُجُودِ ثَبَتَ قِدَمُهَا. فَلاَ يُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّ لِلاَشْيَاءِ وُجُوداً حَقِيقِيَّاً. فَتَأَمَّلْ وَاغْتَنِمْ! فَإنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ بُرْهَانُ الصِّدِّيقِينَ فِي إثْبَاتِ وُجُودِهِ تَعَالَي. [4] وما أروع وأبلغ ما شرح الشيخ فخر الدين إبراهيم العراقيّ هذه الحقيقة في كتاب « اللمعات »: اللمعة الحادية عشرة: اعلم أ نّه لا يمكن وجود أيّ اتّحاد أو حلول بين الصورة والمرآة بأيّ شكل من الاشكال. گويد آن كس درين مقام فضول كه تجلّي نداند او ز حلول [5] فلا يمكن أن يجتمع الحلول والاتحاد في ذاتين، كما أنّ عين الشهود لا يمكن أن تري في كلّ الوجود غير ذات واحدة مشهودة. العَيْنُ وَاحِدَةٌ وَالحُكْمُ مُخْتَلِفُ وَذَاكَ سِرٌّ لاِهْلِ العِلْمِ يَنْكَشِفُ ويري صاحب الكشف أنّ الكثرة إنّما تكون في الاحكام لا في الذات ؛ لعلمه أنْ لا أثر لتغيّر الاحكام في الذات، ذلك أنّ الذات تمتلك كمال لا يقبل التغيّر أو التأثّر. لاَ لَوْنَ فِي النُّورِ لَكِنْ فِي الزُّجَاجِ بَدَا شُــعَـاعُــهُ فَـتُــرَاءَي فِـيـهِ أَلْــوَانُ فإذا لم تفهم قولي « در چشم من آي وپس نظر كن تا ببني ». [6] آفتابي در هزاران آبگينه تافته پس به رنگ هر يكي تابي عيان انداخته جمله يك نورست ليكن رنگهاي مختلف اختلافي در ميان اين و آن انداخته [7] أبيات الصاحب بن عبّاد: * رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَقَّتِ الخَمْرُ *نعم، وما أشبه هذان البيتان بالبيتين اللذين أنشدهما الصاحب بن عبّاد: رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَقَّتِ الخَمْرُ وَتَشَـابَهَا فَتَشَـاكَـلَ الاَمْـرُ فَكَأَ نَّمَـا خَـمْـرٌ وَلاَ قَـدَحٌ وَكَأَ نَّمَـا قَـدَحٌ وَلاَ خَمْـرُ [8] وهكذا يصل كلامنا في بحث تشخّص الوجود ومعني ومفاد «لاَ هُوَ إلاَّ هُو» إلي نهايته. وبختام هذا البحث، ينتهي الجزء الثاني من موضوع « معرفة الله » من سلسلة العلوم والمعارف الاءسلاميّة. أبيات للحكيم الكمبانيّ في «تحفة الحكيم» في الحقيقة المحمّديّةولعلّ من المناسب أن نذكر هنا بعضاً من أبيات الحكيم المتأ لّه والفقيه، وفيلسوف زمانه ونادرة عصره، والتي ذكرها في نهاية كتابه « تحفة الحكيم »، فنختتم كتابنا بحلية تلك الاشعار ذات المضامين الراقية والمعاني السامية. وقد ذكر هذه الابيات في معرض توضيحه الفرق بين معني « الكلام » ومعني « الكتاب » وهي رائعة جدّاً، ومن المناسب والمفيد أن نذكرها هنا، وذلك لغرض استيعاب حقيقة توحيد الوجود، ووحدة ذات الحقّ المتعال مع جميع الموجودات، والتأمّل في كيفيّة وشكل الوحدة في الكثرة: بَـيْـنَ الـكَـلاَمِ مِـنْـهُ وَالكِـتَـابِ فَـرْقٌ لَـدَي العَـارِفِ بِاللُـبَـابِ فَـكُـلُّ مَـوْجُــودٍ مِــنَ الكَـلاَمِ مِـنْ جَـهَـةِ الصُّـدُورِ وَالـقِـيَـامِ وَالكُـلُّ مِـنْ حَـيْـثِـيَّـةِ القَـبُـولِ كِـتَـابُـهُ عِـنْـدَ أُولِـي الـعُـقُـولِ وَبِاعْـتِـبَـارِ عَـالَـمِ الاَمْـرِ فَقَـطْ كَـلاَمُــهُ فَـإنَّــهُ بِــلاَ وَسَــــطْ وَعَالَـمُ الخَلْـقِ كِـتَـابٌ مَحْـضُ وَالجَمْعُ مِنْ ذِي الجَهَتَيْنِ فَرْضُ وَلِلْـكَـلاَمِ بِـاعْـتِـبَـارِ الـجَـمْـعِ وَالفَـرْقِ وَصْـفَـانِ بِغَـيْـرِ مَـنْـعِ فَـبِـاعْـتِـبَـارِ الجَـمْـعِ بِـالقُـرْآنِ يُدْعَـي كَمَا فِي الفَـرْقِ بِالفُرْقَانِ وُجُودُهُ الجَمْعِيُّ فِي أَعْلَي القَلَمْ فِيهِ انْطَـوَي كُلُّ العُلُومِ وَالحِكَمْ وُجُـودُهُ الفَـرْقِـيُّ وَالتَّفْصِـيلِـي فِي غَيْـرِهِ مِـنْ سَـائِـرِ العُـقُـولِ وَإنَّ فِــي دَائِـــرَةِ الـوُجُــــودِ قَـوْسَــيْـنِ لِلنُّـزُولِ وَالصُّـعُـودِ وَبِـالـنَّـبِـيِّ المُـصْـطَـفَي وَالآلِ قَـدْ خُـتِـمَـتْ دَائِــرَةُ الكَـمَـالِ وَأَوَّلُ الـمَـرَاتِــبِ الـعَـقْـلِـيَّــهْ هِـيَ الحَـقِـيـقَـةُ المُـحَـمَّـدِيَّـهْ فَـمَـا وَعَـاهُ قَـلْـبُـهُ مِـمَّـا وَعَي يَكُـونُ قُـرْآنـاً وَفُـرْقَـانـاً مَـعَـا وَغَيْـرُهُ لَيْـسَ عَلَـي هَـذَا النَّمَطْ بَلْ كُلُّ مَـا أُوتِـيَ فُـرْقَـانٌ فَقَـطْ وَلاِخْتِصَـاصِـهِ بِـهِ كَـمَـا عُـلِـمْ يَقُـولُ: أُوتِيـتُ جَـوامِـعَ الكَلِمْ ............ وَقَدْ خَتَمْتُ هَـذِهِ المَقَالَهْ بِاسْـمِ النَّبِيِّ خَاتَمِ الرِّسَالَهْ فَيَا مَنِ اصْطَفَـاهُ مِنْ بَرِيَّتِهْ وَخَصَّـهُ بِعِلْمِـهِ وَحِكْمَتِهْ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَعِتْـرَتِهْ وُرَّاثُهُ فِـي سِـرِّهِ وَسِـيرَتِهْ تمّت منظومة الحكمة هذه والمسمّاة بـ ( تحفة الحكيم )، علی يد الجاني محمّد حسين النجفيّ الاءصفهانيّ في 29 من شهر ربيع الاوّل من سنة 1351 هجريّة قمريّة. ويقول الحقير الفقير كذلك: تمّ الجزء الثاني هذا من كتاب « معرفة الله » من سلسلة العلوم والمعارف الاءسلاميّة علی يد الجاني: السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ عند مطلع شمس الخميس الاوّل من شهر رمضان المبارك، من سنة 1415 هجريّة بِعَوْنِهِ وَرَحْمَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَمَنِّهِ، فَلاَ عَوْنَ وَلاَ رَحْمَةَ وَلاَ تَأْيِيدَ وَلاَ مَنَّ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. وَاللَهُ المُسْتَعَانُ. وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ مدينة مشهد الرضويّة المقدّسة، علی شاهدها آلاف الصلاة والسلام والتحيّة والاءكرام.
بسم الله الرحمن الرحيم ملحق آخر الكتاب هذا ملحق مستقلّ لاءثبات صحّة اعتبار دعاء: اللَهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاَةُ أَمْرِكَ والمقبول من قبل العلماء الافاضل سنداً ونصّاً. يعتبر هذا الملحق ردّاً علی قول العالم المعاصر المحدّث الشوشتريّ، والذي وعدْنا في طيّات الكتاب بإيراده في آخر الكتاب. أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم وَصَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَليِّ العَظِيمِ
قام جناب ثقة المحدّثين آية الله الحاجّ الشيخ محمّد تقي التستريّ دام إفضاله في كتابه « الاخبار الدخيلة » ص 263 إلي 265 بتفنيد التوقيع الوارد في أدعية شهر رجب ؛ وسنورد هنا خلاصة كلامه ومن ثمّ سنقوم بالردّ علیه: وأمّا كلامه فهو: ومن جملة الادعية المفتراة الدعاء المذكور في « المصباحين » وهو: أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ ؛ قَالَ: مِمَّا خَرَجَ عَلَی يَدَيِ الشَّيْخِ الكَبِيرِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ مِنَ النَّاحِيَةِ المُقَدَّسَةِ، مَا حَدَّثَنِي بِهِ خَيْبَرُ بْنُ عَبْدِ اللَهِ ؛ قَالَ: كَتَبْتُ مِنَ التَّوْقِيعِ الخَارِجِ إلیْهِ: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ادْعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَجَبٍ: اللَهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاَةُ أَمْرِكَ، المَأْمُونُونَ عَلَی سِرِّكَ، المُسْتَبْشِرُونَ بِأَمْرِكَ، الوَاصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ، المُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ. أَسْأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ، فَجَعَلْتَهُمْ مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ وَأَرْكَاناً لِتَوْحِيدِكَ وَآيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتِي لاَ تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ. يَعْرِفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ ؛ لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، فَتْقُهَا وَرَتْقُهَا بِيَدِكَ، بَدْؤُهَا مِنْكَ وَعَوْدُهَا إلیْكَ ؛ أَعْضَادٌ وَأَشْهَادٌ وَمُنَاةٌ وَأَذْوَادٌ وَحَفَظَةٌ وَرُوَّادٌ. إلي: وَفَاقِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ. إلي: وَمَلاَئِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ وَبُهْمِ الصَّافِّينَ ] وَ [ الحَافِّينَ. وَبَارِكْ لَنَا فِي شَهْرِنَا هَذَا المُرَجَّبِ المُكَرَّمِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الحُرُمِ إلي آخره. إشكالات صاحب كتاب «الاخبار الدخيلة» علی التوقيع الوارد في رجبثمّ قال بعد ذلك: ومن جملة الاُمور التي تدلّ علی أنّ هذا الدعاء موضوع هي ما يلي: الاوّل: عبارة بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ ؛ فماذا يعني نطق مشيئة الله هنا ؟ الثاني: عبارة الَّتِي لاَ تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ ؛ إلي مَن يعود الاسم الموصول التي، إذا كان يعود إلي وُلاَةُ أَمْرِكَ فهي ليست تامّة من حيث اللفظ، بل وحتيّ المعني أيضاً ؛ وإذا كانت تعود إلي آيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ، فلا يستوي معناها هنا، بل وحتّي لفظها. الثالث: عبارة: لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ ؛ فهذه العبارة تفيد أنّ الملائكة وهم آيات الله، متساوون مع الله نفسه في جميع صفاته تعالي إلاّ عنوان الخالقيّة والمخلوقيّة ؛ كما في قولنا: فلان كالسلطان إلاّ أ نّه لا سلطان له. أي أ نّه نظير له ( أي للسلطان ) في جميع الكمالات سوي السلطان ؛ وهذا كفر محض. وأمّا كلمة أَعْضَادٌ ؛ فظاهرها أ نّهم أعضاد الله ؛ وهذا أيضاً كفر، وبالكاد يمكن القول إنّ معني العبارة هو أنّ الملائكة بعضهم أعضاد بعض مثلهم كمثل أعوان ملك الموت. كما أ نّه يمكن بالكاد القبول بأنّ المراد من معني أَشْهَادٌ، هو حضور شهادتهم علی بني آدم. وبخصوص وَأَذْوَادٌ وَحَفَظَةٌ، يمكن القول بأ نّهم يحفظون بني آدم من البلايا. وفيما يخصّ كلمة مُنَاةٌ، كذلك يمكن القول إنّها من مادّة مَنَي لَهُ، بمعني قدّر له ؛ نظير الآية الشريفة: فَالْمُدَبّـِرَ تِ أَمْرًا. وعن رُوَّادٌ، يمكن القول إنّ فُلاَنَةٌ رَائِدَةٌ، بمعني أكثرت التردّد إلي بيوت جاراتها ؛ وعلی هذا يكون معناها أنّ الملائكة طوّافون بالناس. فلو سلّمنا بهذه الفرضيّات فكان بها ؛ وإلاّ فكما تري فإنّ الاءشكال واضح في كلّ عبارة من تلك العبارات. الرابع: عبارة وَفَاقِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ ؛ لا نّها تعني أنّ الله ليس واجداً لكلّ ما هو مفقود، وهذا كفر، وهذا معني فَقَدَ الشَّيءَ ؛ ولو كانت بلفظ وَاجِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ لكان معناها أنسب وأقوم. الخامس: عبارة وَبُهْمِ الصَّافِّينَ ؛ وجاءت في نصّ « المصباح »: وَالبُهْمِ بالالف واللام وهي أصحّ، لانّ الظاهر أنّ الصَّافِّينَ صفة لـ البُهْمِ. وعلی أيّة حال، فما معني البُهْم ؟ إلاّ جمع بُهْمَة، وقد قال أبو عبيدة البُهْمَة الشجاع ( أو الفارس ) الذي يستبهم مأتاه علی أقرانه ؛ وفي هذه الحال يكون المراد هو الملائكة المجاهدة ضدّ الكفّار. السادس: عبارة وَأَصْلِحْ لَنَا خَبِيئَةَ أَسْرَارِنَا ؛ وذلك أنّ الاءصلاح يكون لشيء فاسد ولو قيل: وَأَصْلِحْ ] لَنَا [ مَا فَسَدَ مِن خَبيئَةِ أَسْرَارِنَا لكان أفضل وأصحّ. السابع: عبارة وَبَارِكْ لَنَا فِي شَهْرِنَا هَذَا المُرَجَّبِ المُكَرَّمِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الحُرُمِ ؛ لانّ شهر رجب لم يوصف بأ نّه شهر حرام، في حين وصف الاشهر التي تليه بالحُرُم ؛ مع أنّ شهر رجب هو شهر حرام، بينما الاشهر التي تليه وهي شعبان ورمضان وشوّال هي ليست بأشهر حُرُم، والاشهر التي تأتي بعدها وهي ذي القعدة وذي الحجّة ومحرّم هي أشهر حُرُم. وعلاوة علی ذلك فإنّ عبارة أَشْهُرِ الحُرُمِ ليست صحيحة من ناحية الاءضافة، لانّ الحُرُم صفة وكان يجب القول: الاَشْهُرِ الحُرُمِ ؛ اللَهُمَّ إلاَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي مِثْلِهِ يَصِحُّ الوَصْفُ وَالاءضَافَةُ بِاعْتِبَارَيْنِ. وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الخبر ضعيف السند بابن عيّاش: وقال النجاشيّ: لقد سمعتُ منه أشياء كثيرة ؛ ولكنّني حين رأيتُ أنّ مشايخنا يُضعّفونه، فقد اجتنبتُ ولم أقم بنقل رواياته. ولا يوجد اسم خيبر بن عبد الله الذي يروي ابن عيّاش عنه، عن محمّد بن عثمان في الرجال. وبالجملة فلو لم يكن في هذا الدعاء إلاّ عبارة: لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، لكانت دليلاً كافياً علی أنّ هذا الدعاء موضوع ؛ مع أ نّه ذُكِرت أغلاط ومنكرات أُخري فيها وضعف سندها كذلك انتهي ملخّصاً. أقول: لقد وقع الاءشكال والخطأ في كلّ واحدة من إشكالات واعتراضات صاحب الكتاب، ويتبيّن بوضوح ممّا سنذكره هنا أنّ الفقرة الاُولي حتّي الفقرة السابعة ليست إلاّ عنواناً وإيراداً للاخطاء وعرضاً للاءشكالات بطريقة فنيّة ؛ ولا تتجاوز تلك الاءشكالات عن كونها كتلة من الثلج الهشّ. سيرة علماء الشيعة في باب الادعية والزيارات كانت في حفظها وقراءتهافأمّا ما يخصّ ضعف السند، نقول: أيّ الادعية الواردة عن المعصومين لها سند صحيح ؟ فمجموع الادعية والزيارات الواردة ذات السند الصحيح قليلة جدّاً ؛ وإذا تقرّر أن نكتفي بالادعية والزيارات ذات السند الصحيح والمعروف: فلن يبقي إلاّ عُشر ما لدينا من الادعية ؛ ولاصبح كتابا « المصباح » و « البلد الامين » للشيخ الكفعميّ، وكتاب « الاءقبال » وكتاب « بحار الانوار » في الادعية والزيارات، كتباً جيبيّة ككتاب « التبصرة » للعلاّمة، في حين أ نّنا نعلم بأنّ هذا هو خلاف ما يقتضيه المذهب ؛ فقد حافظ علماؤنا السابقون واللاحقون علی هذه الادعية و احتفظوا بها، وهم أنفسهم كانوا يردّدونها، وعلی هذا المنوال جرت سيرتهم العمليّة. وقد أورد هذا الدعاء كلّ من الشيخ الطوسيّ في « مصباح المتهجّد » ص 559، والشيخ الكفعميّ في كتابه « المصباح » ص 529، وكتابه الآخر « البلد الامين » ص 179، والسيّد ابن طاووس في « الاءقبال » ص 646، والعلاّمة المجلسيّ في « البحار » ج 20، ص 343، طبعة الكمبانيّ ؛ وقد استحسنه جميعهم. والجدير بالذكر أنّ المرحوم المجلسيّ قد نقل هذا الدعاء بدون أيّ توضيح، والحال أ نّه كان حسّاساً جدّاً إزاء أيّة عبارة تمتّ بصلة إلي العبارات التي يستخدمها الصوفيّة أو تشابهها، وكان يتفادي مثل تلك العبارات قدر الاءمكان ؛ ويتبيّن من ذلك أ نّه كان يعتبر جميع إشكالات صاحب كتاب « الاخبار الدخيلة » هباء ولا تستحقّ التعلیق. ومن هنا يتّضح لنا أنّ السيرة والطريقة التي انتهجها علماؤنا في الماضي بالعمل بهذه الادعية والزيارات هي عدم الالتفات إلي صحّة السند، كما هو مشهور اليوم، والذي تمّ ابتداعه منذ زمن العلاّمة الذي قام بتصنيف الاحاديث إلي صحيح وحسن وضعيف وموثّق ؛ بل إنّهم كانوا يعملون بأيّ زيارة أو دعاء يثقون به وإن كانت بقرائن خارجيّة. وهذا المعني هو الصحيح، وعلی هذا فإنّ أيّ دعاء وزيارة ضعيفي السند يكفيهما شهرة أن يعمل بها العلماء ويدوّنوها في كتبهم ممّا يزيل ضعفهما. ولقد كنّا أثبتنا في الاُصول أنّ أيّ خبر وإن كان صحيح السند، فإنّه لا يُعمل به إذا أحجم الاصحاب وأعرضوا عنه ؛ بل كُلَّمَا زَادَ صِحَّةً زَادَ ضَعْفاً ؛ وكلّ خبر ضعيف معمول به من قبل الاصحاب، يجب العمل به ؛ فيكون عمل الاصحاب بذلك الخبر بمثابة سند له. ومن هنا نري أنّ كثيراً من روايات « الكافي » بل معظهما ضعيفة السند ؛ ولو راجع أحدهم كتاب « مرآة العقول » وطالعه فإنّه سيلاحظ أنّ العلاّمة المجلسيّ قد ضعّف أسناد أغلب رواة الحديث فيه أثناء بيانه لذلك، وذلك بالرغم من علمنا علم اليقين أنّ كتاب « الكافي » هو من الكتب المعتبرة عندنا ؛ بل من أكثرها اعتباراً. ويعود السبب في ذلك إلي أنّ درج الاحاديث في هذا الكتاب والكتب الاربعة الاُخري، مثل « من لا يحضره الفقيه » و « الاستبصار » و « التهذيب » من قبل شيوخ ثبتت وثاقتهم وورعهم وأمانتهم وعلمهم وتبحّرهم في علم الحديث وفي كونه مقبولاً أو مرفوضاً، وهم في منزلة عالية ومكانة سامية، يعتبر حجّة وباعثاً علی الطمأنينة بصحّة صدوره. ولهذا، فقد اعتبر الاخباريّون قاطبة وكثير من العلماء الاُصوليّين جميع الروايات الواردة في الكتب الاربعة صحيحة والعمل بها واجباً، وأمّا نحن فنقول إنّ نفس عمليّة درج الاحاديث في هذه الكتب لا توجب العمل بها. ولا تجعلها صحيحة، إلاّ أ نّه ممّا لا شكّ فيه أ نّها ترفع من درجة اعتبار الحديث بقدر ملحوظ، وتحيله إلي حديث صحيح ولازم الاتّباع بعد ضمّ شيء من القرائن الخارجيّة وقليل من الشواهد إليه. فمع أنّ ابن عيّاش يعتبر شخصاً غير موثوق به عند النجاشيّ، إلاّ أ نّه لا يمكن القول إنّ جميع روايات الشخص الضعيف ( أيّ غير الموثوق به ) غير صحيحة، بل إنّ كلام الشخص الضعيف قد يحتوي علی أنواع الكلام ؛ الصحيح والفاسد والكاذب والصادق والمردود والمقبول. وقد يكون بعض كلامه الصدق بعينه ولو بضمّ قرائن خارجيّة ؛ وبهذا فإنّ روايات أشخاص ضعفاء قد تكون موضع قبول. ويمكن أن تكون رواية ابن عيّاش هذه من هذا القبيل. وكذلك قد لا يكون خير بن عبد الله أو خيبر بن عبد الله، راوي الحديث عن محمّد بن عثمان، من مشاهير الرجال والمعروفين في علم الحديث، والذي لم يُذكر اسمه في الرجال ؛ لكنّه كان شخصاً عاديّاً ثقة، ومن هنا كانت روايته مقبولة. [9] جميع الموجودات مدعاة لظهور الحقّ، وهي كلماته تعاليفأمّا الاءشكال الاوّل من إشكالاته السبعة التي يقول فيها: ما معني بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ ؟ فنقول في جواب ذلك: بما أنّ جميع الموجودات هي ظهور للّه، إذاً جميعها كلام الله وحديثه. والكلام هو ما يُعبّر فيه عمّا في الضمير مزيحاً الستار عن الاسرار والمعاني الباطنة للنفس. ولانّ كلّ الموجودات تستدعي ظهور الله وقدرته وعلمه وحياته مُخبرة عن ذلك الكنز الخفيّ، فإنّ جميعها كلمات للّه ؛ كما ورد في القرآن الكريم: وَلَوْ أَ نَّمَا فِي الاْرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـ'مٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ و مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـ'تُ اللَهِ. [10] وورد كذلك: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَـ'تِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـ'تُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا. [11] وأمثال ذلك من الآيات الكثيرة التي تُعبّر عن الموجودات التكوينيّة بأ نّها كلمة، مثل: وَيَمْحُ اللَهُ الْبَـ'طِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَـ'تِهِ. [12] إِنَّ اللَهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ. [13] إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَهِ وَكَلِمَتُهُ. [14] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَي' عَلَی' بَنِي´ إِسْرَ ءِيلَ بِمَا صَبَرُوا. [15] كَذَ لِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَی الَّذِينَ فَسَقُو´ا أَ نَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. [16] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ. [17] وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الاْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ. [18] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. [19] وكثير من الآيات الاُخري، بل إنّ جميع الآيات التي ذُكرت فيها كلمةُ الله مرادها الموجودات الفعلیّة التكوينيّة الخارجيّة التي تُخبر عن الذات المقدّسة للّه والتي تستوجب ظهور الحقّ تعالي وبروزه. به نزد آنكه جانش در تجلّي است همه عالم كتاب حقّ تعالي است عَرَض إعراب و جوهر چون حروف است مراتب همچو آيات وقوف است ازو هر عالمي چون سورة خاص يكي زآن فاتحه ديگر چو إخلاص نخستين آيتش عقل كُل آمد كه در وي همچو باء بَسمَل آمد دوم نفس كُل آمد آيت نور كه چون مصباح شد در غايت نور[20] سيم آيت درو شد عرش رحمن چهارم آيةُ الكرسي همي خوان پس از وي جرمهاي آسماني است كه در وي سورة سبعُ المثاني است نظر كن باز در جرم عناصر كه هر يك آيتي هستند باهر پس از عنصر بود جرم سه مولود كه نتوان كرد اين آيات معدود به آخر گشت نازل نفس انسان كه بر ناس آمد آخر ختم قرآن [21] وعلی هذا، فإنّ جميع الموجودات هي كلام الحقّ تعالي ؛ وكلّها منطوقة ذاته المقدّسة، وجميعها حديثه وكلامه. وَلَدَيْنَا كِتَـ'بٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ. [22] إنّ عالم التكوين هو كتاب الله الناطق، فهو ينطق بالحقّ والصدق. إنّ جلود أبدان المجرمين والظالمين يوم القيامة تنطق قائلة: قَالُو´ا أَنطَقَنَا اللَهُ الَّذِي´ أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ. [23] إنّ مشيئة الباري تعالي هي صفة من صفاته ؛ والصفات عينها كذلك هي أزليّة وأبديّة ؛ أي أ نّها غير متعيّنة بحدود أو متقيّدة بقدر. إنّ أسماء الذات المقدّسة وصفاتها غير متناهية. إنّ ظهورات الماهيّات في عالم الوجود هي التي تكسب مشيئة الحقّ تعالي شكلها وصورتها ؛ وبعبارة أُخري تخلق وتوجِد. وإنّ أرقي أنواع الموجودات هي ملائكة الحقّ، كلآلي متلالئة، وهي التي تقدّر تلك المشيئة الازليّة وتُلبسها لباس التقدير ؛ وعلی هذا، فهي تمنحها الظهور وتجعل من ذلك المعني الخفيّ والمستور ظاهراً وبارزاً وناطقاً. إنّ الملائكة وهي الواسطة لاءفاضة الفيض وتدبير الاُمور في عالم الخلق، إنّما هي كلام وحديث مشيئة الله، وتحتوي علی جهة توجِد بها الموجودات من العدم المطلق، بقدر معلوم ؛ كما نري في القرآن الكريم: فَالْمُدَبِّرَ تِ أَمْرًا. [24] وعلی هذا، فإنّ معني ؛ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ واضح وجليّ ؛ أي اللهمّ إنّي أسألك بحقّ الملائكة التي وصفت قدرتك وكشفت عن عظمتك، وأظهرت مشيّتك وأنطقتها ؛ وبناء علی هذا، فإنّ عالم الكثرة وعالم الخلق وُجدا بهذه الوسيلة. استقامة الدعاء بلحاظ اللفظ والمعنيوأمّا الاءشكال الثاني وهو: إلي من يعود اسم الموصول في الَّتِي لاَ تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وأ نّها لا تستقيم لا من حيث اللفظ ولا المعني. فنردّ علی ذلك بقولنا: إنّ التردّد بين هذين الوجهين والشكّ بهما لا وجه له ؛ لانّ كلّ عارف بأُسلوب الكلام يعلم أنّ نسبة ذلك إلي وُلاَةُ أَمْرِكَ غير صحيحة، فيتعيّن إذاً نسبتها إمّا إلي آيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ ؛ أو أ نّها تخصّ مَقَامَاتِكَ. ومعلوم أنّ آيَاتِكَ معطوفة علی أَرْكَاناً وهي في الحقيقة مفعول ثانٍ لـ جَعَلْتَهُمْ ؛ وكذلك الحال مع مَقَامَاتِكَ. وعلی هذا، يكون محصّل المعني: اللهمّ! إنّك قد جعلت الملائكة آياتٍ ودلائلَ! وقدّرت وعيّنت مقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان ومحلّ! بحيث لو أراد أحدهم معرفتك في أيّ مكان أو محلّ، فإنّه سيعرفك من خلال هذه الموجودات الملكوتيّة الطاهرة! وهذا المعني سهل وبسيط وواضح جدّاً ؛ ولم نلاحظ عدم استقامتها من جهة المعني، فكيف تبيّن عدم استقامتها من جهة اللفظ ؟ النظر الاستقلاليّ إلي الموجودات شرك ومجانبة للصوابوأمّا الاءشكال الثالث ( الذي يقول فيه ): إنّ ذلك يستلزم تساوي الملائكة مع الله، ووصفه بأ نّه كفر محض، وأ نّه من أهمّ الاءشكالات ؛ حيث ورد في الدعاء المذكور عبارة: لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ. فنقول في جوابنا: ليس لايّ موجود من الموجودات حتّي الذرّات، وليس فقط الملائكة، استقلاليّة ؛ لا في الذات ولا في الصفات ولا في الافعال. فجميعها آيات الحقّ وعلاماته ودلائله ومرايا ذاته المقدّسة ومجالاتها. وليس لها وجود أو أثر أو فعل من نفسها ولو قدر رأس دبّوس ؛ بل إنّ نور الحقّ متجلٍّ فيها ولا شيء غير ذلك. وكلٌّ منها مستفيض من ذلك بقدر سعته الماهويّة واستيعابه الوجوديّ، وهي ظاهرة بظهور الحقّ. أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا. [25] وليس لايّ من المخلوقات من أوّل نور للحقّ، وهو أوّل ما خلق، إلي آخر موجود من عالم الكثرة والطبع، وهو الهيولي الاوّليّة والمادّة المبهمة، أيّ وجود أو كينونة من نفسها ولو قدر ذرّة ؛ فالكلّ هو الحقّ وتجلّيه. ولا يدلّ ذلك علی معني التساوي، بل يدلّ علی تقارن الآية وذي الآية، والمرآة وصاحب الصورة، والمُجلّي والمُتجلّي، والمجاز والحقيقة. فلو نظرنا إلي الشمس الساطعة المنعكسة علی سطح الماء الصافي والراكد، أو علی المرآة الشفّافة والمصقولة وقلنا أن: لا فرق أبداً بين الشمس الساطعة والصورة الواقعة في هذا المنظر، فهل يعني ذلك معني التساوي!؟ إنّ معني ذلك هو الآيتيّة والمرآتيّة ؛ لا سلب صفة من ذات الحقّ وإسنادها إلي الموجودات، وكيف يُشتبه في تصوّر هذين المعنيينِ في حين أنّ الفرق بينهما شاسع جدّاً ؟ وَفـي كُـلِّ شَـيءٍ لَـهُ آيَـةٌ تَـدُلُّ عَـلَـي أَ نَّـهُ وَاحِــدُ إنّ آي القرآن الكريم والتي تعتبر كلّ موجود آية، كلّها تُشير إلي هذه الحقيقة ؛ وهناك أدعية كثيرة لا تُحصي من هذا القبيل، ومن جملتها الدعاء الشريف المسمّي بـ « السمات » حيث نُحلّف فيه الله بأسمائه ونتوسّل بالله بهذه الاسماء ؛ وكذا التوسّل بالانبياء والائمّة الطاهرين. فلسنا قائلين باستقلاليّتهم ولو مقدار ذرّة، وإن كان ذلك من باب الشفاعة، ونتوسّل بهم من هذه الزاوية ؛ فهذا غلط وذاك صحيح، وهذا شرك وذاك توحيد. نعم، إنّ هذه المسألة لم تتوضّح بعد لكثير من غير المتعمّقين في بحوث التوحيد والحكمة الاءلهيّة ؛ ولذا فإنّهم يحتارون حين يصادفون جملاً كهذه تمثّل حقيقة التوحيد المحضة، فيعمدون فوراً، كما هو الحال مع الضعفاء إلي التكفير مستندين إلي مستواهم الفكريّ والعلميّ، وإن كانوا بعيدين كلّ البعد عن البحوث العقليّة، وينعتونها بالكفر المحض. وغافلون كذلك عن أ نّهم كانوا يتلون هذه الادعية، ولا زالوا، من أساطين المذهب ؛ واعتبار هذه العبارات كفراً يستلزم تكفير رجالٍ من أمثال الشيخ الطوسيّ والشيخ الكفعميّ والسيّد ابن طاووس والعلاّمة المجلسيّ الذين أوردوا تلك الادعية في كتبهم وأيّدوها. ولو أ نّنا تجنّبنا الدخول إلي أيّ علم أو مسألة لا تقع ضمن دائرة اختصاصنا وأوكلناها إلي أهلها، أو أرجعنا حقيقتها إلي الراسخين في العلم والائمّة الاطهار كما يفعل الكثير من العلماء والافاضل لكان ذلك أفضل. وأمّا لفظة أَعْضَادٌ والتي حسبها أعضاداً للّه بمعني « مساعدون » و « أعوان » ؛ واعتبروا ذلك من الكفر أيضاً. أوّلاً: واضح جدّاً أ نّه ليس المقصود بذلك مساعدة الله، وذلك بقرينة عطف مُنَاةٌ و أَذْوَادٌ و حَفَظَةٌ و رُوَّادٌ ؛ بل المقصود بذلك المعنيّون والموكّلون في عالم الكثرة والطبيعة بتقدير وحفظ وصيانة أيّ موجود، ممّا تخفيه الاقدار، وبحفظ الاءنسان بالخصوص، من الآلام والآفات والعاهات. ومعلوم كذلك أنّ كلّ صنف من الملائكة موكّل بمهمّة خاصّة لاءفاضة الفيض من لدن الله علی عالم الكثرة، وهم أسباب الرحمة الازليّة وتقديرها، ونشرها في عالم الاءمكان. والواقع أنّ هذه العبارات تبيّن صفات وأفعال الملائكة ومهامها وتوضّحها تماماً ؛ وكلّها تعتبر آية ومرآة، وظهوراً ومظهراً للنور الظاهر للحقّ تعالي وتقدّس. بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ و بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. [26] وثانياً: في الآيات التي تُنسب نصرة الله إلي المؤمنين ؛ من مثل الآية الكريمة التالية: إِن تَنصُرُوا اللَهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. [27] أو نسبة القرض مثلاً إلي ذاته المقدّسة ؛ كالآية: مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَـ'عِفَهُ و لَهُ. [28] فإلي أيّ معني تشير كلمة النصرة والاءقراض وما شابههما في هذه الآيات والآيات الكثيرة المشابهة الاُخري. ألا تشيران إلي نفس معني أعضاد و مُناة ؟ الفقدان بمعني الفناء والعدم، لا الغيبة وعدم الصحبةوأمّا الاءشكال الرابع: وهو إطلاق عبارة: فَاقِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ علی الحقّ تعالي. وكلمة فاقد تعني الغائب وغير الواجد مثل قوله تعالي: قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ، لانّ أصحاب عزيز مصر قالوا لاءخوة يوسف: نحن نفقد صواع الملك ؛ وهذا المعني لا يناسب كذلك ذات الحقّ المقدّسة. فنجيب علی ذلك بقولنا: تعني كلمة فقدان في اللغة العربيّة العدم ؛ وهي تقابل كلمة وجدان وهي من مادّة وجود، وتعني التحقّق كذلك ؛ وَجَدَهُ بمعني أوجده، وهو من باب إفعال ويأخذ مفعولين: أَوْجَدَهُ الشَّيءَ بمعني أوجد له الشيء. وكذا الحال مع مادّة عَدِمَهُ و فَقَدَهُ، لانّ هاتين المادّتين لهما معني واحد وهما مترادفتان. عَدِمَهُ بمعني أعدمه وأفناه، و أَعْدَمَهُ الشَّيءَ من باب إفعال، أفقده إيّاه وأفناه ؛ و فَقَدَهُ بمعني أعدمه، و أَفْقَدَهُ الشَّيءَ أعدمه إيّاه ورفعه عنه. فَقَدَ و أَفْقَدَ، ثلاثيّ مجرّد ومزيد فيه، وهما متعدّيان ولكنّ الاوّل متعدّ إلي مفعول واحد، والثاني إلي مفعولين ؛ والحقيقة أنّ الاوّل يعني سلب الشيء علی نحو سلب بسيط، والثاني سلب الشيء عن الشيء علی نحو مركّب. فَقَدَهُ معناه عدمه ؛ مثل عَدِمَهُ. و أَفْقَدَهُ الشَّيءَ معناه أعدمه إيّاه ؛ مثل أَعْدَمَهُ الشَّيءَ. ولكنّ من يعدم شيئاً فإنّ ذلك الشيء يكون غائباً عنه بالطبع، ولذا فإنّ معني الغيبة في هذه الصورة لازم لمعني العدم. وتُستخدم فَقَدَ و عَدِمَ أحياناً في لزوم معني الموضوع له ؛ مثل الآية المباركة نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ. وبمراجعتنا لمعاجم اللغة تتبيّن لنا هذه الحقيقة بجلاء. ففي « أقرب الموارد » جاء في مادّة فَقَدَ ما يلي: فَقَدَهُ فَقْداً وَفِقْدَاناً وَفُقْدَاناً وَفُقُوداً: غَابَ عَنْهُ وَعَدِمَهُ فَهُوَ فَاقِدٌ وَذَاكَ فَقِيدٌ وَمَفْقُودٌ. وَأَفْقَدَهُ اللَهُ الشَّيءَ: أَعْدَمَهُ إيَّاهُ. وقال في مادّة عَدِمَ: عَدِمَ المَالَ عَدْماً وَعَدَماً: فَقَدَهُ فَهُوَ عَادِمٌ وَالمَالُ مَعْدُومٌ. وَأَعْدَمَ اللَهُ فُلاَناً الشَّيءَ: جَعَلَهُ عَادِماً لَهُ. وقال صاحب « المصباح المنير » فَقَدْتُهُ فَقْداً (مِنْ بابِ ضَرَبَ) وَفِقْدَاناً: عَدِمْتُهُ فَهُوَ مَفْقُودٌ وَفَقِيدٌ. وفي « مجمع البحرين »: نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ، هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَقَدْتُ الشَّيءَ فَقْداً (مِنْ بابِ ضَرَبَ) وَفِقْدَاناً: عَدِمْتُهُ فَهُوَ مَفْقُودٌ ؛ وَمِثْلُهُ افْتَقَدْتُهُ. وقال في « لسان العرب »: فَقَدَ الشَّيءَ يَفْقِدُه فَقْداً وَفِقْدَاناً وَفُقُوداً فَهُوَ مَفْقُودٌ وَفَقِيدٌ: عَدِمَهُ ؛ وَأَفْقَدَهُ اللَهُ إيَّاهُ. وهكذا فقد تبيّن لنا جليّاً معني فَاقِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ، وهو أنّ الله مُفْقِدُ كلّ مفقود علی نحو السلب المطلق ؛ في مقابل واجِدُ كُلِّ مَوْجودٍ. ولقد اعتقد مؤلّف كتاب « الاخبار الدخيلة » المحترم أنّ معني الغيبة يطابق مادّة فقدان، وبما أنّ غيبة الشيء عن الله لا معني لها، ولذا فلا يمكن اعتبار الله فاقِد والحال أنّ هذا الاعتقاد خاطي، وتعني كلمة فقدان الاءعدام وليس الغيبة وعدم المصاحبة. والطريف هنا أ نّه لو كان ابن عيّاش واضعاً لهذا الدعاء المرويّ، وهو العالم بفنون الشعر والادب والمنشد للشعر الجزيل والفصيح والضليع المتعمّق في الادب بشهادة النجاشيّ السابقة فكيف يُتصوّر جهله معني فَاقِد فيشوّه دعاءً عالي المضامين كهذا بخطأ أدبيّ كهذا ؟! الاءجابة علی الاءشكالات الثلاثة الاخيرة في أمر الدعاءوأمّا الاءشكال الخامس الذي قال فيه إنّ وَالبُهْمِ الصَّافِّينَ لا تحتـوي علی معني مناسب. إلاّ اعتبارنا كلمة بُهْم جمعاً لكلمة بُهْمة ؛ التي تعني الفارس الذي يُستبهم مأتاه علی أقرانه. وإنّ ذلك كناية عن الملائكة التي تعين المجاهدين وتدعمهم في المعركة. فجوابنا علی ذلك أنّ: البُهْم جمع أُبْهَم، وهو الاصمت والاعجم ؛ ومثله الحُمر والصُّفر والسود وهي جمع أحمر وأصفر وأسود. ولانّ العالم العلويّ، أي عالم الملكوت، هو عالم الهدوء والسكون والسكوت، خلافاً لعالم الطبع الذي هو عالم الحركة والكلام والضجيج والضوضاء ؛ فقد عُبّر عن المأمورين الصافّين والمصطفّين لاداء مهامّ الله وتنفيذها بـ البُهْم، والذي يدلّ علی سكوتهم وهدوئهم. وأمّا الاءشكال السادس وهو اعتباره جملة وَأَصْلِحْ لَنَا خَبِيئَةَ أَسْرَارِنَا ناقصة وغير كاملة، وأنّ ذلك إنّما يقال في إصلاح الاُمور الفاسدة ؛ وأمّا الاسرار المخفيّة نفسها فلا معني للقول ( في الدعاء ): اللهمّ أصلحها! إذا لم تكن مقيّدة بالفساد. فنقول في ذلك: إنّ أيّ شيء قابل للفساد، يتطلّب الدعاء له بالصلاح والاءصلاح له، وإن لم يكن فاسداً بالفعل ؛ لانّ طروء الفساد علیه ونفوذه إليه ممكن، ثمّ دُعي بعد ذلك بعدم جعل هذه الاسرار الخبيئة عرضة للفساد وأقرنها بالصلاح دوماً! ويمكن العثور علی نظائر هذا الدعاء والطلب في كثير من الادعية والمحاورات العرفيّة والاءنشاءات. وأمّا الاءشكال السابع الذي قال فيه أنّ: جملة وَبَارِكْ لَنَا فِي شَهْرِنَا هَذَا المُرَجَّبِ المُكَرَّمِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الحُرُمِ غير صحيحة ؛ لانّ شهر رجب هو شهر حرام والشهر الذي يليه ليس حراماً. فجوابنا هو: أنّ العلّة في عدم التصريح بحرمة شهر رجب هي البيان والدعاء والطلب نفسه في شهر رجب، حيث يقول: وبارك لنا في شهرنا المرجّب والاشهر التي بعده والمشتركة معه في الحرمة ؛ ومعلوم أنّ المراد من البَعديّة هنا هو البَعديّة الاءضافيّة لا الحقيقيّة، وكم له من نظير. ومعلوم أنّ الاشهر الحُرُم ذي القعدة وذي الحجّة ومحرم هي تالية لشهر رجب. باعتقاد الحقير: أنّ مثل هذه الاءشكالات الواهية لم تكن مُبهمةً لدي المؤلّف المحترم لدرجة يصعب فيها الجواب علیها ؛ لكن بما أنّ جملة: لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، كانت ثقيلة جدّاً وغير قابلة للهضم، كما صرّح بذلك هو في نهاية كلامه ؛ فإنّ هذه الاءشكالات إنّما طُرحت لتضخيم نقائص الدعاء وإظهارها بمظهر مبالغ فيه. ولكن وللّه الحمد والمنّة فقد تبيّن واتّضح أنّ هذه الجملة تعبّر عن عين التوحيد والمعرفة. ارجاعات [1] ـ «التوحيد العلميّ والعينيّ» في الرسائل الحكميّة والعرفانيّة، تصنيف الحقير، ص 326 إلي 329 من الطبعة الفارسيّة. [2] ـ «تحفة الحكيم» ص 40 و 41، من منشورات مطبعة النجف، مع مقدّمة للعالم القدير آية الله الشيخ محمد رضا المظفّر رحمه الله تعالي. طلب العالم المعظّم الفاضل النحرير والمحقّق المدقّق القدير، الاخ العزيز والصديق القديم والحميم: سماحة الآقا الحاج السيّد عزيز الله الطباطبائي اليزدي مدّ ظلّه العالي، ذات يوم من الحقير أن أقوم بكتابة شرح عن تحفة المرحوم الحاجّ الشيخ أعلی الله مقامه. فأجبتُ؛ أ نّه مضافاً إلي عدم لياقة واستعدادي لهذا الامر الخطير وفعلیّتي له: لا نّني منهمك في الوقت الحاضر بتأليف سلسلة «معرفة الله» و«معرفة الإمام» و«معرفة المعاد» وأنّ كلاّ منها تشمل عدّة أجزاء، وقد استحوذت علی وقتي بالكامل، وحتي أ نّني في بعض الاحايين أواصل الليل بالنهار؛ فإنّ الشروع بتأليف كتاب مستقلّ وخصوصاً بهذا المستوي من المواضيع العميقة والاسرار الفلسفية والحكمية للمرحوم الشيخ قد يتسبّب في توقّف تلك التآليف. لذا نوصي الطلاب الكرام والدارسين في الحوزات العلميّة ذوي العزّة والاحترام بحفظ تلك الابيات كما هي عن ظهر قلب كوثيقة معتبرة شأنها شأن أبيات «نصاب الصبيان» و«ألفيّة ابن مالك» وأشعار «المنظومة» للحكيم المتأ لّه السبزواريّ، لانّ منظومة الشيخ هي علی قدر من العذوبة والسلاسة بحيث استقرّت في قلوب جميع العلماء والفضلاء ولفتت انتباههم نحوها، حتّي يُنزل الله من لدنه لطفاً فيتمّ شرح «التحفة» علی أكمل وجه من الإتقان بما يناسب شأن النصّ. و لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَه العَلِيِّ العَظِيمِ. [3] ـ إنّ نظرة فاحصة علی ذلك تقودنا إلي أنّ: المرحوم الحاجّ الشيخ عاش أكثر من عشرين سنة بعد مراسلاته مع الآقا الحاجّ السيّد أحمد. وأنّ عدوله عن العقيدة الفلسفيّة إلي الغايات العرفانيّة مع نظم المنظومة الحكميّة «تحفة الحكيم» يعدّ أمراً طبيعيّاً ومقبولاً. وتستند هذه النظرة علی بيان بعض المقدّمات: 1 ـ كانت ولادة آية الله الحاجّ الشيخ محمّد حسين الإصفهانيّ في الثاني من المحرّم سنة 1296، ووفاته في ليلة الاحد الخامس من ذي الحجّة سنة 1361، حسبما أوردته في مقدّمة كتابي «التوحيد العلميّ والعينيّ»؛ وعلی هذا تكون سنيّ عمره قد بلغت الـ 66 إلاّ 27 يوماً بالتمام. 2 ـ لقد أتمّ نظم منظومة الحكمة، حسب ما دوّنه هو في آخرها، في 29 ربيع الاوّل سنة 1351؛ وبناء علی ذلك يكون نظمها قد تمّ في فترة تسبق وفاته بـ 10 سنوات و 8 أشهر و 5 أيّام. 3 ـ فإذا طرحنا تلك المدّة من عمره فسيكون الباقي 55 سنة وشهرين و 28 يوماً. 4 ـ أي أ نّه أنجز تلك المنظومة خلال هذه المدّة من عمره. 5 ـ كانت وفاة آية الله الحاجّ السيّد أحمد الكربلائيّ عصر يوم الجمعة 27 شوّال المكرّم من سنة 1332. 6 ـ كان عمر سماحة الشيخ آنذاك (وقت وفاة سماحة السيّد) 36 سنة. 7 ـ لقد جرت المكاتبات والمراسلات بين العَلَمينِ الآيتين في عهد المرحوم آية الله الآخوند الملاّ محمّد كاظم الخراسانيّ، وكانت رحلة الآخوند في سنة 1329. 8 ـ تبلغ المدّة من وفاة الآخوند إلي زمان انتهاء الشيخ من نظم منظومته، 21 سنة. 9 ـ يتبيّن لنا ممّا سبق أنّ: الانتهاء من نظم المنظومة أعقب وفاة الحاجّ السيّد أحمد بـ 18 سنة و 5 أشهر ويومين، وبـ 21 سنة بعد وفاة الآخوند. ويوضّح ذلك بجلاء أنّ المرحوم الشيخ كانت له الفرصة الكافية خلال هذه المدّة الطويلة للتغيير والعدول إلي عقيدة العارفين بالله. [4] ـ «رسالة لقاء الله» ص 177؛ وقد أورد السيّد حيدر الآمليّ هذا البيان بعينه في كتاب «رسالة نقد النقود» ص 646 إلي 648، والذي طبع مع كتابه الآخر «جامع الاسرار» في مجلّد واحد. فهو يقول: الوُجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ لَيْسَ بِقَابِلٍ لَلْعَدَمِ لِذَاتِهِ. وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْعَدَمِ لِذَاتِهِ فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الوُجُودُ وُاجِباً لِذَاتِهِ. ثمّ يقول: أَمَّا بَيَانُ الصُّغْرَي (عَلَی سَبِيلِ البُرْهَانِ) فَلاِ نَّهُ لَوْ كَانَ الوُجُودُ قَابِلاً لِلْعَدَمِ، لَلَزِمَ اتِّصَافُ الشَّيءِ بِنَقِيضِهِ. وَاتِّصَافُ الشَّيءِ بِنَقِيضِهِ مُحَالٌ؛ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الوُجُودُ قَابِلاً لِلْعَدَمِ. ثمّ يتابع قائلاً: وَأَمَّا بَيَانُ الكُبْرَي، فَمُسَلَّمٌ عِنْدَ الخَصْمِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلی البَيَانِ وَالبُرْهَانِ كَمَا تَقَرَّرَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْعَدَمِ لِذَاتِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وأمّا الحاجّ الحكيم السبزواريّ فقد لخّص هذا البرهان في بيت شعريّ واحد: إذَا الوُجُـودُ كَـانَ وَاجِـبـاً فَـهُو وَمَـعَ الإمْكَـانِ قَـدِ اسْـتَـلْـزَمَـهُ («شرح المنظومة» ص 141 ). [5] ـ يقول: «يقول الاجنبيّ في هذا المَقام الفضوليّ: إنّه لا يفرّق بين التجلّي والحلول». [6] ـ يقول: «فأمعن النظر في عيني وتبيّن». «الديوان الكامل للعراقيّ» ص 389، منشورات السنائيّ. [7] ـ مرّت ترجمة البيتين. [8] ـ لقد أورد أهل العرفان هذين البيتين في معظم كتبهم مستشهدين بهما علی مرادهم ومطلوبهم. ولا يعتري نسبة هذين البيتين إلي الصاحب بن عبّاد شكّ ولا تداخله شبهة. وذكر مؤلّف «أعيان الشيعة» ج 11، ص 327، أ نّه اقتبس هذين البيتين من الصاحب. ونقل مؤلّف كتاب «ريحانة الادب» ج 8، ص 93، كذلك هذين البيتين عن الصاحب. وقد أورد صاحب «الريحانة» في ج 2، ص 358 البيتين التاليين لـ «زاهي» في ترجمته: وَمُدَامَـةٍ كَضِـيَائِهَـا فِـي كَأَسِـهَـا نُـورٌ عَلَـي فَلَـكِ الاَنَـامِـلِ بَـازِغُ رَقَّتْ وَغَابَ عَنِ الزُّجَاجةِ لُطْفُهَا فَكَأَ نَّـمَـا الإبْـرِيقُ مِـنْـهَـا فَـارِغُ ثمّ قال: وللصاحب بن عبّاد بهذا المعني: * رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَقَّتِ الخَمْرُ * إلي آخر البيتين. وأقول: جاء في «ريحانة الادب» ج 8 (الكُني)، ص 94: كانت وفاة ابن عبّاد في ليلة الجمعة أو عصر الجمعة 24 من شهر صفر سنة 385، أو كما ذكر بعضهم، في سنة 387 في الريّ. وأمّا ولادته فكانت سنة 324 أو 326. وبما أنّ صاحب الـ «الريحانة» قد ذكر وفاة «زاهي» في ترجمته في ج 2، ص 358، سنة 352 أو بعد سنة 360، فيمكن أن يكون معني شعر الصاحب مُقتبساً من شعر «زاهي» هذا. (كانت ولادة «زاهي» سنة 318 ). ويحتمل أنّ زاهي قد اقتبس شعره من الصاحب؛ ويحتمل أيضاً أن لا يكون أيّاً منهما قد اقتبس شعره من الآخر. والله أعلم. [9] ـ ابن عيّاش، هو أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عيّاش، وجاءت ترجمته في «تنقيح المقال» ج 1، ص 88، ونذكر هنا موجز ما ورد فيه: وكان قد أ لّف كتباً دلّت علی كونه شيعيّاً. وتوفّي سنة 401. عدَّهُ الشيخُ في رِجاله في باب مَنْ لَمْ يَرْوِ عنهم علیهم السلام. وقال النجاشيّ: اضطرَب في آخِر عُمره؛ قال: رأيتُ هذا الشيخَ رحمه الله وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعتُ منه شيئاً كثيراً ورأيت شُيوخَنا يُضَعِّفونه فلَمْ أروِ عنه شيئاً وتَجنَّبتُه؛ وكان من أهل العلم والادب القويَّ وطيّبَ الشعر وحَسنَ الخطّ رحمه الله وسامَحهُ. واقتصر ابنُ شهر آشوب في «المعالم» علَي ذِكره وعدّ كُتُبه مِن دون تعرّضٍ فيه بمدحٍ ولا قدحٍ. وضعَّفهُ في «الوجيزة» ثمّ قال: وفيه مدحٌ. ثمّ قال المرحوم المامقانيّ: قلتُ: بَعدَ إحراز كونه إماميَّاً كما تَكشفُ عنه كُتبهُ وورودِ المدح فيه، كان مُقتضَي القاعدةِ عَدُّ حديثِه من الحسَن لا الضعيفِ؛ سيَّما إن أُريد بالاختلال في آخِر عُمره خَلَلٌ في عقله دونَ مذهبه. وترحّمُ النجاشيّ علیه مؤيِّدٌ لحسنه؛ كما لا زالَ يُستشهدُ بنحو ذلك الوَحيد لحُسن الرجلِ. وإن أُريد بالاختلال اختلالُ مذهبه كما يومي إليه قولُ النجاشيّ بعدَ الترحّم: وَسامَحَهُ، وقولُه قبلَ ذلك: اضطرب في آخِر عُمره، فإنّ ذلك لا يُراد به علی الظاهر اختلالُ العقل؛ نقولُ: لا مانعَ من الاخذ برواياته التي رَواها في حال استقامتِه واعتدالِه؛ ولكن تجنّبُ النجاشيّ من الرواية عنه احتياطاً، أوجبَ تضعيفَهم للرجل واتّباعَهم إيّاهُ؛ وهو كما تري انتهي. [10] ـ صدر الآية 27، من السورة 31: لقمان. [11] ـ الآية 109، من السورة 18: الكهف. [12] ـ من الآية 24، من السورة 42: الشوري. [13] ـ من الآية 45، من السورة 3: آل عمران. [14] ـ من الآية 171، من السورة 4: النساء. [15] ـ من الآية 137، من السورة 7: الاعراف. [16] ـ الآية 33، من السورة 10: يونس. [17] ـ صدر الآية 24، من السورة 14: إبراهيم. [18] ـ الآية 26، من السورة 14: إبراهيم. [19] ـ الآية 171، من السورة 37: الصافّات. [20] ـ يقول: « إنّ العالَـم كلّـه عـنـد مَـن كانت روحـه تـرتـع في التجلّـي عبـارة عـن كتاب الحـقّ تعالي. وما العَرَض إلاّ حَرَكات وما الجَوهر إلاّ حُروف؛ وما المراتب إلاّ وُقوف مَثلها في ذلك كمَثل الآيات. وكلّ عالَم منه عبارة عن سورة خاصّة به؛ فواحدة منه تُمثّل سورة الفاتحة والاُخري تمثّل سورة الإخلاص. فكانت أوّل آية من آياته هي العقل الكلّيّ فصار له كمَثل الباء فيا لبسملة. ثمّ جاءت النفس الكلّيّة كآية النور؛ فصارت في غاية التوهّج كالمصباح ». [21] ـ يقول: «أمّا الآية الثالثة فصارت عرش الرحمن؛ وأمّا الرابعة فآية الكرسي التي يقرؤها الجميع. ثمّ الاجرام السماويّة؛ والتي هي فيه كسورة السبع المثانيّ. انظر ثانيةً إلي مادّة العناصر؛ فكلّ واحدة منها تمثّل آية باهرة. ثمّ تجيء المادّة ذات المواليد الثلاثة بعد العنصر؛ حيث لا يمكن عدّ هذه الآيات وحصرها. وأخيراً نَزلتْ نفس الإنسان؛ كما خُتم القرآن بسورة الناس». [22] ـ ذيل الآية 62، من السورة 23: المؤمنون. [23] ـ من الآية 21، من السورة 41: فصّلت. [24] ـ صدر الآية 5، من السورة 79: النازعات. [25] ـ صدر الآية 17، من السورة 13: الرعد. [26] ـ الآيتان 26 و 27، من السورة 21: الانبياء. [27] ـ ذيل الآية 7، من السورة 47: محمّد. [28] ـ صدر الآية 245، من السورة 2: البقرة؛ وصدر الآية 11، من السورة 57: الحديد.
|
|
|