|
|
الصفحة السابقةاستدلال متين للملاّ عبد الرزّاق علی وحدة الحقّ تعاليالثالثة: مرتبة الروح ؛ وأصحاب هذا المقام قد تجاوزوا مرتبة تجلّي الصفات، ووصلوا إلي مرتبة المشاهدة ؛ وعثروا علی شهود جمع الاحديّة، وجازوا الخفيّ كذلك، وتحرّروا من حجب تجلّيات الاسماء والصفات وكثرة التعيّنات، فكان حالهم في ساحة الواحد الاحد مصداقاً للآية: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ و عَلَی' كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. وتري هذه الطائفة في الخلق أ نّه مرآة الحقّ، أو الحقّ بأ نّه مرآة الخلق. وما فوق ذلك فهو استهلاك في عين أحديّة الذات. وقال واصفاً المحجوبين علی الاءطلاق: أَلاَ´ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَا´ءِ رَبِّهِمْ. ومع أنّ الباقين في مقام تجلّيات الاسماء والصفات قد تخلّصوا من الشكّ باليقين، إلاّ أ نّهم قاصرون عن إدراك أنّ معني. كُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ * وَيَبْقَي' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالاْءكْرَامِ، [1] باقٍ علی الدوام، ويعوزهم تذكير الآية أَلاَ´ إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ. ولم تفز بشهود هذه الحقيقة ومعني. كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ،[2] إلاّ الطائفة الاخيرة. وأ نّه تعالي عيان في هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [3]وهذه الطائفة تري وجه الحقّ مشهوداً في كلّ التعيّنات، وهم الذين ينزّهونه في وجوه الاسماء والتعيّنات وهم الذين تحقّق لديهم، فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ.[4] گر ز خورشيد يوم بي نيروست از پي ضعف خود نه از پي اوست [5] والآن، فقد تبيّن ممّا سبق: أنّ الحقّ تعالي منزّه عن جميع التعيّنات، وأنّ تعيّنه يكمن في عين ذاته، وأنّ أحديّته ليست أحديّة عدديّة، حتّي يكون له ثانياً ؛ كما قال السنائيّ رحمه الله تعالي: احد است وشمار از او معزول صمد است ونياز از او مخذول آن احد ني كه عقل داند وفهم وآن صمد ني كه حسّ شناسد ووهم [6] ذلك أنّ الحسّ والعقل والفهم والوهم كلّ أُولئك متعيّنات، ولا يُحيط المتعيّن بغير المتعيّن. وَاللَهُ أَكْبَرُ أَنْ يُقَيِّدَهُ الحِجَي بِتَعَيُّـنٍ فَيَـكـونَ أَوَّلَ آخِـرِ هُوَ وَاحِـدٌ لاَ غَيْـرُ ثَانِيَةٍ وَلا َ مَوْجُودَ ثَمَّةَ فَهْوَ غَيْرُ مُكَاثَرِ هُوَ أَوَّلٌ هُوَ آخِـرٌ هُوَ ظَاهِرٌ هُوَ بَاطِـنٌ كُلٌّ وَلَـمْ يَتَكَاثَـرِ وعلیه، فمن كانت هذه مرتبته، فإنّ الحقّ تعالي سيجرّده من مراتب التعيّنات، ويحرّره من قيد العقول، فيصل إلي تلك الاءحاطة بالكشف والشهود ؛ وإلاّ بقي في حُجُب الجلال. استدلال الكاشيّ علی وحدة الوجود بكلام الائمّة علیهم السلامساقي الكوثر: الحقيقةُ كشفُ سُبُحات الجلال من غير إشارةوجاء في كلام ساقي الكوثر أمير المؤمنين علیّ رضي الله تعالي عنه: الحَقِيقَةُ كَشْفُ سُبُحَاتِ الجَلاَلِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ. ذلك أنّ بقاء الاءشارة الحسّيّة أو العقليّة في وقت تجلّي الجمال المطلق معناها ظهور عين التعيّن وأن يضحي الجمال عين الجلال، ويكون الشهود هو الاحتجاب نفسه ؛ سُبْحَانَ مَنْ لا يَعْرِفُهُ إلاَّ هُوَ وَحْدَهُ. والحقّ أنّ كلّ بحث ورد في « العروة » في ردّ هذا المعني، لم تكن دلائله مبنيّة علی النهج المستقيم وطريق البرهان السليم، ولهذا السبب فإنّ العارفين بالمعقولات لا يوافقون علی ذلك. وقد سألتُ شيخ الاءسلام مولانا نظام الدين خاموش الهرويّ سلّمه الله عمّا قيل في وصف الخضر التائه، فقال: ذلك هو خضر التركمان، في حين كان المسكين يسأل عن خضر الترجمان. ولمّا كنتُ قد أكملتُ في سنين شبابي الاُولي بحث الفضليّات والشرعيّات، دون فتح باب التحقيق في تلك البحوث، وبحث أُصول الفقه والكلام بَعدُ، فقد اعتقدتُ أنّ بحث المعقولات وعلم الاءلهيّات وما يتوقّف علیهما يقود الناس إلي المعرفة، ويُخلّصهم من هذه الشكوك. فقد صرفتُ علی دراسة ذلك مدّة من الزمن، ووصلتُ في استذكار ذلك إلي درجة مُثلي، وظهر لديّ خوف واضطراب سَلَبا كلّ راحة، وتبيّن أنّ معرفة المطلوب أرفع من مرتبة العقل ؛ ذلك أ نّه بالرغم من أنّ الحكماء قد تجاوزوا مرحلة التشبيه بالصور والاجرام في تلك العلوم، إلاّ أ نّهم وقعوا في التشبيه بالارواح. حتّي اخترتُ ملازمة المتصوّفة وأرباب الرياضة والمجاهدة ونيل توفيق الحقّ ؛ فلازمتُ في البداية « مولانا نور الدين عبد الصمد النطنزيّ » قدس الله تعالي روحه، فاستشفّ من حديثه عين هذا المعني في التوحيد. وكنتُ استحسن كثيراً كتابيَ « الفصوص » و « الكشف » للشيخ يوسف الهمدانيّ. ثمّ وصلتُ بعد ذلك إلي كلام مولانا « شمس الدين الكيشيّ » لا نّني كنتُ قد سمعتُ من مولانا نور الدين أ نّه كان وحيد عصره في طريق المعرفة. وتنسب الرباعيّة التالية إليه: هرنقش كه بر تختة هستي پيداست آن صورت آن كس است كان نقش آراست درياي كهن چو بر زند موجي نو موجش خوانند ودر حقيقت درياست [7] وكان قد بيّن هذا المعني نفسه في التوحيد، حيث كان يقول: لقد اكتشفت هذا المعني بعد الاربعين. ولم يكن حينها في شيراز شخص يمكن إطلاعه بهذا المعني في التوحيد. ولم يكن الشيخ ضياء الدين أبو الحسن مطّلعاً علی هذا المعني كذلك. ولقد كنتُ في حيرة من ذلك حتّي وقع كتاب « الفصوص » بيدي. ولمّا طالعت ما في الكتاب المذكور وجدت هذا المعني كذلك وشكرتُ الله تعالي وحمدته لما علمتُ أنّ هذا المعني هو ما توصّل إليه الاعلام وحصلوا علیه. وقد لازمتُ كذلك « مولانا نور الدين الابرقوهيّ » و « الشيخ روزبهان البقليّ » و « الشيخ ظهير الدين برغش » و « مولانا أصيل الدين » و « الشيخ ناصر الدين » و « قطب الدين » و « ضياء الدين أبو الحسن » ومجموعة أُخري من كبار العلماء، فكان جميعهم متّفقين علی هذا المعني ؛ ولم يكن أحد منهم يخالف الآخر في ذلك. والآن لايمكن قبول قول من يخالف ذلك علی الاءطلاق. وحتّي أ نّني، وقبل وصولي إلي هذا المقام، كنتُ متحيّراً في ذلك. ولم يمكن الحصول علی مرشد يمكنه أن يكون بلسماً للقلوب حتّي بعد وفاة شيخ الاءسلام مولانا وشيخنا نور الملّة والدين عبد الصمد النطنزيّ. فاختليتُ بنفسي سبعة أشهر في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا عمارة أتناول من الطعام إلاّ ما قلّ ؛ حتّي تمكّنتُ من الوصول إلي هذا المعني واطمأننتُ إليه؛ والحمد للّه علی ذلك. ومع أنّ الله سبحانه تعالي هو القائل: فَلاَ تُزَكُّو´ا أَنفُسَكُمْ ؛ [8] إلاّ أ نّه هو القائل: أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. [9] وبعد ذلك وعند لقائي بالشيخ الكبير « الشيخ نور الدين عبد الرحمن الاسفراينيّ » قدّس سرّه وتحدّثي إليه، فقد أنصفني حين قال: لقد وهبني الحقّ تعالي القدرة والعلم بتفسير الاحداث وتأويل الاحلام ؛ ولم أصل إلي مقام أسمي من هذا. ولا يمكن التخلّي عن هذا المعني الذي يحصل بالشهود لمجرّد أن تلك البحوث ليست علی الطريق المعقول والنهج السويّ المستقيم. وهذا كذلك هو كلّ ما نطق به « الشيخ عبد الله الانصاريّ » قدّس سرّه وقد أوصل جميع المقامات في الوادي الثالث إلي التوحيد الصرف، وقد صرّح الشيخ « شهاب الدين السهرورديّ » في باب هذا الحديث في عدّة مواضع. حيث قال في شرح كلام الاءمام المحقّق جعفر الصادق رضي الله تعالي عنه الذي قال: إنِّي أُكَرِّرُ آيَةً حَتَّي أَسْمَعَ مِنْ قَائِلِهَا ؛ بأنّ الاءمام وجد لسانه في هذا المعني مثل شجرة موسي التي سمع منها النداء إنِّي أَنَا اللَهُ ؛ [10] فإذا كان متعيّناً، فكيف ظهر في صورتين ؟ وكيف يصدق علیه ما ورد في القرآن الكريم، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَآءِ إِلَـ'هٌ وَفِي الاْرْضِ إِلَـ'هٌ.[11] وكيف يصحّ حديث النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم لَوْ دَلَّي أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ لَهَبَطَ عَلَی اللَهِ [12] ومتي كان مع الجميع في هذا العالم أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ؟ [13] وعلی هذا، يجب بحث هذا المعني والتأمّل فيه، حيث إنّ وبنصّ القرآن ثَالِثُ ثَلَـ'ثَةٍ هو كفر بحت ؛ إذ: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُو´ا إِنَّ اللَهَ ثَالِثُ ثَلَـ'ثَةٍ. [14] وإنّ رابِعُ ثَلاثَةٍ هو منتهي الاءيمان والتوحيد ] إذ [: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَي' ثَلَـ'ثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ. [15] إذ لو كان ثالث ثلاثة لكنتَ متعيّناً بأحدهم. وأمّا رابع الثلاثة فمعناه أ نّه موجود بوجوده الحقّ وبحكم: وَلاَ´ أَدْنَي' مِن ذَ لِكَ وَلاَ´ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ [16] فهو ثاني واحـد، وثالث اثنين، ورابع ثلاثة، وخامـس أربعة، وسادس خمسة ؛ أي أ نّه محقّق حقائق هذه الاعداد، وأ نّه مع الجميع دون مقارنة، وغير الجميع دون مزايلة. كما قال أميرُ المؤمنين علیٌّ كرّم الله وجهه. هُوَ مَعَ كُلِّ شَيءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيءٍ لاَ بِمُزَايَلَةٍ. ولقد تبيّن لي أنا الضعيف طول مدّة صحبتي مع سيّد العالم وعزّ الانصار، بالرغم من مطاعن البعض أ نّه علیم بحقّ، ولهذا السبب وجدتُ في استعداده معني: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي´ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [17]، وتأكّد لي تماماً أ نّه لا تأخذه في الحقّ لومة لائم ولا يمكن أن يثنيه حديث مخالفيه عن ذلك. وأرجو كذلك أ نّك إن لم تجد هذا المعني في قول الكبار ولم يوافقك حديثهم، فاعلم أ نّك لم تطالع هذا البيان باستمرار، ولم تطّلع علی أدلّة كثيرة علی هذا المعني ؛ كما تمّ شرح ذلك في كتاب « الفصوص » وغيره. ولكي يتسنّي للعلماء المحقّقين، وهم أصحاب الالباب، مذاكرتك في هذا الامر، فقد سعيتُ إلي تجنّب الاءطناب والاءسهاب ؛ وَمَنْ لَم يُصَدِّقِ الجُمْلَةَ، هَانَ عَلَیْهِ أَنْ لاَ يُصَدِّقَ التَّفْصِيلَ. وأرجو أن يتفضّل الحقّ تعالي بمنّه علی الجميع وهدايتهم إلي جماله، وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَی' هُدًي أَوْ فِي ضَلَـ'لٍ مُّبِينٍ. [18] وَاللَهُ المُوَفِّقُ وَالمُعِينُ. جواب علاء الدولة الحادّ علی رسالةعبد الرزّاق الكاشيّقُلِ اللَهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ الآية [19] قال كبار رجال الدين والسائرين علی طريق اليقين بالاءجماع: إنّ المستفيد حقّاً من معرفة الحقّ هو من جعل طيب اللقمة وصدق اللهجة شعاره ودثاره ؛ فلو فُقِدا، فلا سبيل إلي النجاة من هذه الطامّة وتلك الترّهات. فأمّا ما روي من الشيخ نور الدين عبد الرحمن الاسفراينيّ قدّس الله تعالي روحه فقد تشرّفتُ بمصاحبته مدّة اثنتين وثلاثين سنة، ولم أسمعه يتحدّث بهذا المعني إطلاقاً، بل إنّه امتنع علی الدوام عن مطالعة مؤلّفات ابن عربي أو دراستها ؛ لدرجة أ نّه حين سمع أنّ مولانا نور الدين حكيم ومولانا بدر الدين رحمهما الله تعالي يقومان بتدريس بعض الطلبة مواضيع من كتاب « الفصوص » ذهب إلي هناك ليلاً وأخذ نسخة الكتاب منهما ومزّقها تمزيقاً ومنع تدريسها بالمرّة. وكذلك ما جري علی لسانه المبارك وأسراره لنجله الاعظم، صاحب القرِان الاعظم أيّده الله بجند التوفيق وأقرّ عين قلبه بنور التحقيق: إنّي بريء من هذه العقيدة وتلك المعارف. عزيزي! كنتُ أقوم بوضع حاشية علی كتاب « الفتوحات » وذلك في أطيب أوقاتي، فوصلتُ إلي هذا التسبيح الذي يقول: سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ الاَشْيَاءَ وَهُوَ عَيْنُها. فكتبتُ: إنَّ اللَهَ لاَ يَسْتَحْي عَنِ الحَقِّ. [20] أَيُّهَا الشَّيْخُ! لَوْ سَمِعْتَ مِنْ أَحَدٍ أَ نَّهُ يَقُولُ: فَضْلَةُ الشَّيْخِ هِي عَيْنُ وُجُودِ الشَّيْخِ، فَإنَّكَ لاَ تُسَامِحُهُ إلیْهِ! بَلْ تَغْضَبُ عَلَیْهِ! فَكَيْفَ يَسُوغُ بِعَاقِلٍ أَنْ يَنْسِبَ إلی اللَهِ هَذَا الهَذَيَانِ ؟! تُبْ إلی اللَهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، لِتَنْجُوَ مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ الوَعِرَةِ الَّتِي يَسْتَنْكِفُ مِنْهَا الدَّهْرِيُّونَ وَالطَّبِيعِيُّونَ وَاليُونَانِيُّونَ وَالشَّكْمَانِيُّونَ. «وَالسَّلَـ'مُ عَلَی' مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي'». [21] وأمّا ما قيل من أنّ ما جاء في « العروة » ليس برهان علی النهج المستقيم، فإنّ الكلام إذا كان متطابقاً فلن يضير بعد ذلك إذا كان علی البرهان المنطقيّ أم لم يكن! فإذا حصلت النفس علی الاطمئنان في مسألة ما ولم يكن باستطاعة الشيطان أن يعترض علی ذلك، فقد كفانا. وَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی المَعَارِفِ الَّتِي هِيَ تُطَابِقُ الوَاقِعَ عَقْلاً وَنَقْلاً، بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ لِلنَّفْسِ تَكْذِيبُهَا وَلِلشَّيْطَانِ تَشْكِيكُهَا. وَتَطْمَئِنُّ القُلُوبُ عَلَی وُجُوبِ وُجُودِ الحَقِّ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَنَزَاهَتِهِ. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِوُجُوبِ وُجُودِهِ فَهُوَ كَافِرٌ حَقِيقِيٌّ. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ حَقِيقِيٌّ. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِنَزَاهَتِهِ مِنْ جَمِيعِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ المُمْكِنُ، فَهُوَ ظَاهِرُ ظَالِمٍ حَقِيقِيٍّ ؛ لاِ نَّهُ يَنْسِبُ إلیْهِ مَا لاَ يَلِيقُ بِكَمَالِ قُدْسِهِ. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَلِذَلِكَ لَعَنَهُمُ اللَهُ فِي مُحْكَمِ كِتابِهِ ؛ بِقَوْلِهِ: «أَلاَ لَعْنَةُ اللَهِ عَلَی الظَّـ'لِمِينَ». [22] سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الجَاهِلُونَ. فصل بالخير: لمّا طالعتُ الرسالة للمرّة الثانية، وقع نظري علی رباعيّة للكيشيّ، وتذكّرتُ أنّ ما كُشف في ذلك المقام وابتهج به لاطّلاعه علی حقيقة ذلك، أنّ هذا الضعيف قد وقع في هذا المقام عدّة مرّات في اليوم سابقاً، لكنّه اجتاز ذلك المقام. أي أ نّه لمّا اجتاز بداية ووسط المكاشفة ووصل إلي نهاية ذلك المقام، فقد بان خطأه وظهر كأوضح من الشمس، وحصل اليقين في قطب ذلك المقام أن لا مدخل ولا منفذ للشكّ في ذلك. و قد سمعتُ أيّها العزيز أنّ أوقاتك مملوءة بالطاعة ومشغولة بها، وأنّ العمر قد شارف علی الانتهاء أفليس من المؤسف أن تبقي في بداية مقام المكاشفة وفي طريق يُغري فيها الاطفال بالجوزة والزبيبة ليذهبوا إلي المدرسة فيجترّون علوماً هي كالخذف ويأوّلوا أكثر الآيات القرآنيّة المبيّنة ببعض آخر متشابه. كما في تأويلهم للآية المحكمة: قُلْ إِنَّمَا´ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ، [23] وأخواتها الاُخريات. ويجعلون من الآية: مَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـ'كِنَّ اللَهَ رَمَي'،[24] قدوة لهم، غير عالمين أنّ ذلك إنّما قيل من جهة تفهيم الخلق حتّي يعلموا خصوصيّة رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم. كما في حالة إرسال مندوب مقرّب من قبل الملك، قائلاً: يده يدي ولسانه لساني، ونفس الشيء يقال في إرسال الشيخ لتابع له إلي قوم علی سبيل الاءرشاد، فهو يقول في إجازته له أنّ يده يدي. فالغرض هو أ نّهم يغفلون عن آية أَلاَ لَعْنَةُ اللَهِ عَلَی الظَّـ'لِمِينَ، ويُعرضون عن الآية: إِنَّ الشَّيْطَـ'نَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [25] وأمثال ذلك، ويتمسّكون بالآية: هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّـ'هِرُ وَالْبَاطِنُ [26]، دون أن يعلموا أنّ المراد بها أ نّه: هُوَ الاَوَّلُ الاَزَليُّ لِيَنْتَهيَ إلیْهِ سِلْسِلَةُ الاِحْتِيَاجِ فِي الوُجُودِ فَضْلاً عَنْ شَيءٍ آخَرَ، وَهُوَ الآخِرُ الاَبَدِيُّ بِأَ نَّهُ إلیْهِ يَرْجِعُ الاَمْرُ كُلُّهُ. وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي آثَارِهِ الظَّاهِرَةِ بِسَبَبِ أَفْعَالِهِ الصَّادِرَةِ عَنْ صِفَاتِهِ الثَّابِتَةِ لِذَاتِهِ، وَهُوَ البَاطِنُ فِي ذَاتِهِ «لاَ تُدْرِكُهُ الاْبْصَـ'رُ» ؛ وَلا يَعْرِفُ ذاتَهُ إلاَّ هُوَ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَ نَّهُ قَالَ: كُلُّ النَّاسِ فِي ذَاتِ اللَهِ حُمْقَي ؛ أَيْ فِي مَعْرِفَةِ ذاتِهِ. وَقَالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ: تَفَكَّرُوا فِي آلاَءِ اللَهِ وَلاَ تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَهِ. والآن نرجع إلي لبّ الموضوع. فإذا تمّ الحصول علی مثل تلك المعارف كتلك التي نقرأها في رباعيّة الكيشيّ وذلك في وسط مقام المكاشفة، وهي أنّ الحقّ يظهر لنا بصورة بحر ومتّصفاً بصفة المموّج والمُثبت والماحي، ودوائر المخلوقات التي يكون بعضها واسعاً وبعضها الآخر ضيّقاً، وتنعّم البعض الذي هو مظهر اللطف بقدر اتّساع الدائرة والاستقامة، والبعض الآخر الذي يمثّل مظاهر القهر وتأ لّمهم من ضيق الدائرة والانحراف وبصفته مموّجاً كذلك فأ نّه يعود فيجد تلك الدوائر من جديد ؛ حتّي خطوتُ في نهاية مقام المكاشفة، فهبّت ريح حقّ اليقين، وانتشرت براعم المعارف في بداية ووسط ذلك المقام، وخرجت ثمرة حقّ اليقين من غلاف عين اليقين. عزيزي! إنّ لدّي علماً مجرّداً بالشريعة يمثّل اعتقاداً جازماً مطابقاً للواقع، وإنّ علم اليقين متعلّق ببداية مقام المكاشفة، وعين اليقين بوسطه، وأمّا حقّ اليقين فبنهايته، وإنّ حقيقة حقّ اليقين التي هي عبارة عن اليقين المجرّد ؛ لقوله تعالي: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّي' يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، [27] متعلّقة بقطب درجات مقام المكاشفة، ومن يصل إلي هذا المقام فإنّ كلّ ما يقوله مطابق للواقع من جميع الوجوه. وقد بدا أنّ التوحيد هو آخر جميع المقامات في منازل السائرين، وليس كذلك ؛ بل هو واقع في المقام الثمانين. وآخر المقامات هو «العُبُودِيَّةُ» وَهُوَ عَوْدُ العَبْدِ إلی بَدايَةِ حالِهِ مِنْ حَيْثُ الوَلايَةِ المَفْتُوحِ وَاوُهَا، دَائِراً مَعَ الحَقِّ فِي شُؤُونِ تَجَلِّيَاتِهِ تَمَكُّناً. سئل الجُنيد: مَا نِهَايَةُ هَذَا الاَمْرِ ؟! قَالَ: الرُّجُوعُ إلی البَدَايَةِ! عزيزي! لقد تأثّرتُ كثيراً بهذه الرباعيّات في بداية ووسط مقام التوحيد خاصّة خلال الاستماع إلي الامثال، وبقيتُ مدّة طويلة أتأمّل معانيها وأتذوّق عباراتها ؛ والرباعيّة التالية هي إحدي تلك الرباعيّات: اين من نه منم، اگر مني هست توئي ور در بر من پيرهني هست توئي در راه غمت نه تن به من ماند نه جان ور زانكه مرا جان وتني هست توئي [28] وقد قلتُ في المقام الذي كان يبدو فيه الحلول كفراً والاتّحاد توحيداً: أَنَا مَنْ أَهْوَي، وَمَنْ أَهْوَي أَنَا لَيْسَ فِي المِـرْآة شَيءٌ غَيْرُنَا قَدْ سَهَي المُنْشِـدْ إذَا أُنْشِـدُه ُ نَحْـنُ رُوحَـانِ حَلَـلْـنَـا بَدَنَا أَثْبَتَ الشِّـرْكَةَ شِرْكاً وَاضِحاً كُلُّ مَـنْ فَـرَّقَ فَـرْقـاً بَـيْـنَـنَا لاَ أُنَــادِيــــهِ وَلاَ أَذْكُــــرُهُ إنَّ ذِكْـرِي وَنِــدَائِــي يَـا أَنَا إلي آخره. وبعد ذلك وعند وصولي نهاية مقام التوحيد، بدا أنّ ذلك خطأ محض وصرف ؛ فقلتُ: الرُّجُوعُ إلی الحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي البَاطِلِ. عزيزي! علیك أنت أيضاً أن تقتدي بذلك وتسير علی هذا النهج! واعتبر بقول الله تعالي: فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الاْمْثَالَ، [29] فقد فنيتُ وامّحيتُ في ذلك المثال. والسلام. [30] إجابة علاء الدولة واهية بلا أساس، ولا تعدو كونها مغالطةعلاء الدولة لم يُدرك حقيقة وحدة الذاتنعم، ها قد نقلنا رسالة الملاّ عبد الرزّاق وكامل رسالة علاء الدولة دون حذف أو تنقيص كلمة منهما، ووضعناهما أمام أرباب البصيرة ليعلموا ما ورد في الرسالة الاُولي، والتي غلب علیها طابع الاحترام والادب، من الآيات والروايات المقبولة والشواهد الذوقيّة والعرفانيّة، وبعد التأمّل في كلّ نقطة من نقاطها الدقيقة والعميقة، سينجلي لنا بحراً من المعارف ؛ في حين اتّسمت الرسالة الثانية بسوء الادب والاءحساس بالفخر الكاذب والتكبّر والانانيّة والتعصّب، وشُحنت بمواضيع خطابيّة لا برهان فيها ولا أساس، ملوّثة بالمغالطات والسفسطة، معتبرة الفشل والعجز في الوصول إلي أعلی ذري العرفان والتوحيد، هو الميزان الوحيد للكمال والمقياس الاوحد لاساس الاءنسانيّة الكامل، حيث دعا فيها صاحبها الآخرين إلي اتّباعه والسير علی نهجه ومنهاجه ولمّا يتخلّص هو من براثن الثنويّة أو يخطو خطوة نحو الخروج والتخلّص من أدرانها. فإذا صادفنا وجوداً أصيلاً يمتلك هويّة واستقلالاً في عالم الوجود ـ مهما كان صغيراً وضعيفاً فقد حدّدنا الله بنفس ذلك المقدار وجعلناه متعيّناً ؛ أي بمعني أ نّنا قد أوجدنا للّه شريكاً بنفس ذلك المقدار الصغير. لو عدّ النصاري التثليث أمراً اعتباريّاً، لكانوا موحّدينإنّ جلّ اختلافنا عن النصاري وتميّزنا عنهم في التثليث يكمن في: أ نّهم يؤمنون بثلاث مبادي أساسيّة ( الذات والروح والعلم، أو الاب والروح القدس والابن ) ويعتبرونها أقانيم وأُصول قديمة لنشوء عالم الخلقة، في حين نؤمن نحن بوجود ذات واحدة أصيلة وقديمة ومجرّدة لا غير، وأنّ جميع صفات الله وأسمائه الحسني مندكّة وفانية فيه. وأنّ جميع الارواح والعوالم المجرّدة بدءاً من الروح القدس وانتهاءً بالملائكة المقرّبين وأرواح الانبياء والائمّة علیهم الصلاة والسلام وأرواح الاولياء العظام، مروراً بكلّ ذرّة من ذرّات العالم المؤثّرة في عالم الملك والملكوت، كلّها جميعاً فانية ومندكّة في ذات الواحد الاحد، وأنّ وجودها جميعاً إنّما هو وجود ظلّيّ وآيتيّ ومجازيّ وغير أصيل. فلو اعتبرنا أنّ لارواح الائمّة والانبياء أصالة، فحينئذٍ سنكون مشركين كما أشرك غيرنا، كما أ نّهم إذا اعتبروا تلك اعتبروا الاُصول الثلاثة حقيقة واحدة متجلّية من خلال المظاهر الثلاثة تلك فإنّهم بذلك سيكونون موحّدين، ولكنّهم يأبون القبول بهذا المعني أو القول به، ويصرّون علی مبدأ الاُصول الثلاثة القديمة. إلاّ أ نّنا طالعنا رأي سماحة الاُستاذ العلاّمة مؤخّراً في تفسيره لآيات من سورة المائدة، وذلك حين قال: كانت بعض طوائف النصاري ومنها النجاشيّ ملك الحبشة علی هذا الاعتقاد. ويمكن اعتبار كلام السيّد أحمد هاتف صاحب الترجيعة المعروفة عاملاً في رفع الستار عن هذه القضية ؛ حيث يقول: از تو اي دوست نگسلم پيوند ور به تيغم بُرند بند از بند [31] الحقّ ارزان بود ز ما صد جان وز دهان تو نيم شكر خند اي پدر پند كم ده از عشقم كه نخواهد شد اهل، اين فرزند من ره كوي عافيت دانم چكنم كو فتادهام به كمند پندِ آنان دهند خلق اي كاش كه ز عشق تو ميدهندم پند در كليسا به دلبر ترسا گفتم: اي دل به دام تو در بند اي كه دارد به تار گيسويت هر سر موي من جدا پيوند ره به وحدت نيافتن تا كي؟ ننگ تثليث بر يكي تا چند ؟ نام حقِّ يگانه چون شايد كه اب و ابن و روح قُدْس نهند [32] لب شيرين گشود و با من گفت وز شكر خنده ريخت آب از قند كه گر از سرّ وحدت آگاهي تهمت كافري به ما مپسند در سه آئينه شاهد ازلي پرتو از روي تابناك افكند سه نگردد بريشم ار او را پرنيان خواني و حرير و پرند ما در اين گفتگو كه از يك سو شد ز ناقوس اين ترانه بلند كه يكي هست وهيچ نيست جز او وَحْدَهُ لا إلَهَ إلاّ هُو [33] أي أنّ السبب في كفر النصاري وشركهم هو: أ نّهم ينظرون إلي ربّ الارباب بعين حولاء ؛ لهذا فإنّهم يرون ثلاثة. وأمّا إذا نظروا إليها بعين سليمة فعندها لن يروا أكثر من واحد. وما أروع وأوضح وأدلّ معني وبياناً ما قاله الحسين بن منصور الحلاّج في كشف هذه الحقيقة: أَنَـا أَنَـا أَنْـتَ أَمْ هَــذَا إلَـهَـيْــنِ ؟! حَاشَـايَ حَاشَـايَ مِـنْ إثْبَاتِ اثْنَيْنِ هُـوِيَّـتِـي لَـكَ فِـي لاَئِـيَّـتِـي أَبَـداً كُلٌّ عَلَـي الكُـلِّ تَلْبِـيـسٌ بِـوَجْهَيْنِ فَأَيْنَ ذَاتُـكَ عَنِّي حَيْـثُ كُنْتُ أَرَي فَقَدْ تَـبَـيَّـنَ ذَاتِـي حَـيْـثُ لاَ أَيْنِي وَنُـورُ وَجْهِـكَ مَعْـقُـودٌ بِنَاصِـيَتِـي فِي نَاظِـرِ القَلْبِ أَوْ فِي نَاظِـرِ العَيْنِ بَيْـنِـي وَبَـيْـنَـكَ إنِّييٌّ يُـنَـازِعُـنِـي فَارْفَـعْ بِلُطْـفِـكَ إنِّييّ مِـنَ البَـيْـنِ [34] نزاع العلَمَين: السيّد أحمد الكربلائيّ والشيخ محمّد حسين الاءصفهانيّولقد نشب الخلاف حول هذه المسألة بين آيتين من آيات الله، وفقيهين من فقهاء بحر العلم، هما مَرجِعا الحكمة والعرفان، آية الله علی الاءطلاق ونور الله في ظلمات الارض: الآقا السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ أفاض الله علینا من بركات تربته، والمحقّق الكبير والمدقّق القدير، فيلسوف زمانه وحكيمه بلا شبهة ولا ظنّ: الآقا الحاجّ الشيخ محمّد حسين الكمبانيّ الاءصفهانيّ النجفيّ رضوان الله تعالي علیه. فكان السيّد يقول: إنّ الوجود يمتلك تشخّصاً ووحدة، وإنّ ذات الحقّ الازليّة والابديّة واللامتناهية لا تقبل التعيّن. وإنّ جميع العوالم معدومة وفانية في وجوده وإنّ وجودها ليس إلاّ وجوداً غير اعتباريّ ومجازيّ وانتسابيّ. وأمّا الشيخ فيقول: إنّ الوجود لا يمتلك تشخّصاً ووحدة وإنّ التشكيك يكتنف مراتب الوجود. وليس هناك فناء محض للموجودات. وإنّ تعيّن الاشياء ومحدوديّتها لا يتنافي مع الوجود المطلق للحقّ تعالي. وبالتالي فإنّ جميع الموجودات تمتلك أصالة ؛ وهذه الاصالة ضعيفة في حدودها وإنّيّاتها، خلافاً للحقّ تعالي الذي له حدّ أكبر وتعيّن أوسع، بحيث يشملان جميع الموجودات ؛ لكنّهما تتوقّفان عندها، ولن يحصل هناك ما يسمّي بالتوحيد أو ( الوحدة ) ؛ والحقّ أنّ فناء الاشياء في ذاته المقدّسة، بكلّ معني الكلمة، ليس إلاّ مجرّد وظنّ لا حقيقة لهما. إنّ العلّة في عدم قبول الشيخ مسألة وحدة ذاته المقدّسة، ومعيّته مع الموجودات، وسيطرته علی جميع العوالم والاشياء وإحاطته الوجوديّة بها، وانمحائها جميعاً واندكاكها ذاتاً وصفة وفعلاً في ذاته ؛ تكمن في اعتبار نفسه موجوداً، أي « ذو وجود » في مقابل الحقّ تعالي، والذي وصف المرحوم السيّد ذلك بعبارة الـ جَبَلانيّة. والعلّة الاُخري، في لزوم الاءحاطة الوجوديّة للحقّ علی العيوب والمضارّ والمفاسد والقبائح، والذي وصف المرحوم السيّد ذلك بعبارة لزوم المفاسد الشنيعة. إلاّ أنّ ذلك الوجود ليس إلاّ جَبَلاً وجوديّاً خياليّاً ؛ وسيزول إن عاجلاً أم آجلاً، شئنا أم أبينا. وهذا اللزوم ليس صحيحاً كذلك، لانّ الحقائق الوجوديّة للموجودات والاشياء لها اندكاك في ذات الحقّ، لا معائب أو قبائح أو مفاسد. إنّ مصدر هذه الاُمور، عند التحليل، أُمور عدمية. وإنّ النقائص والماهيّات الباطلة هي أُمور عدميّة كذلك ؛ فأ نّي لها الدخول إلي ذاته المقدّسة!؟ ولهذا فإنّ أُولئك الذين يحتجّون علی وحدة الوجود ويعترضون علیه لم يعقلوا معناه مطلقاً. إنّ لوحدة الوجود والتوحيد اللذان هما أساس الشرائع الاءلهيّة، وبالاخصّ الدين الاءسلاميّ الحنيف، معني واحداً، فالوحدة مصدر لازم ومجرّد، والتوحيد مصدر متعدّي ومزيد. فمعني اللَهُ أَكْبَرُ، و لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ هو نفس هذه الحقيقة العظيمة. فهؤلاء يقولون: إنّ وحدة الوجود تعني أنّ كلّ شيء هو الله ؛ أي وَالعِيَاذُ بِاللَهِ فـ الكلب هو الله، والكافر هو الله، والزاني هو الله! فأين معني الوحدة هنا ؟! في أيّ كتاب قرأتم هذا ؟ أم من أيّ مؤمن عارف سمعتم هذا ؟! إنّ الذين ينادون: لا سبيل لجميع الاشياء المحدودة وكلّ الممكنات بحدودها وماهيّاتها إلي الذات الواجب ؛ فكيف للكلب والكافر والزاني أن يجدوا السبيل إلي ذلك!؟ إنّ أرباب الشهود وكشف التوحيد يقولون: لا يوجد في عالم الوجود غير الله ؛ أي أنّ لوجوده من السيطرة والاءحاطة ـ سبب الوحدة الحقّة الحقيقيّة والصرفة التي يتميّز بها ما يحول دون استطاعة أيّ موجود من استعراض نفسه أمامه وفي مقابل ذاته ؛ بما في ذلك الارواح الملكوتيّة والمجرّدات العلويّة. إنّ وجود الحقّ سبحانه جعل جميع الاشياء مندكّة ومضمحلّة وفانية. فأ نّي للحدود والتعيّن ـ وهما من مستلزمات شيئيّة الاشياء هناك أن تحوز علی الوجود والتحّقق؟! أُولئك يقولون: إنّ وجود الارواح القدسيّة، ونفوس الانبياء العظام مندكّة في ذات الحقّ وفانية فيها. ولمّا كان متعذّراً وجود جبرائيل وإسرافيل في ذات الحقّ فأ نّي لنا شهادة الكلب والخنزير والجرثومة والقاذورات فيها ؟ وأُولئك يقولون: إنّ جميع الموجودات لا وجود لها في مقابل ذاته تعالي، إنّها جميعاً تمثّل التعيّن والماهيّة والحدود ؛ وإنّ الاصل في وجود الموجودات هو ارتباطها بذات الحقّ المُعَبّر عنها بـ الصمديّة و المصدريّة و القيُّوميّة، و المنشئيّة. لو دقّقنا في هذا المعني وتحقّقنا من هذا المفهوم لوجدنا أ نّه يمثّل مفاد كلمتي التكبير والتهليل هاتين واللتين نكثر من ترديدهما في صلواتنا اليوميّة الواجبة كلّ يوم، واللتين نؤمن بما تحويانه من معانٍ وما تنطويان علیه من مفاهيم. فأمّا المساكين فهم قاصرون عن فهم ذلك ويستقون معني الوحدة من نفس الحلول والاتّحاد ؛ والذي يكون منشأه الكثرة والثنويّة. في حين يخشون التفوّه بهذه العقيدة السامية التي تمثّل روح الاءسلام، بينما يكرّرون هذا المعني مراراً في الليل والنهار أثناء الصلاة، وتتردّد هذه العبارات علی ألسنتهم وفي أذهانهم. وهذا الامر ناتج عن تدنّي المستوي العامّ للمعارف الاءسلاميّة، والاكتفاء بالعلوم المصطلحة والمقرّرة الحاليّة، والابتعاد عن مناهل الحقائق. كان سماحة أُستاذنا الاكرم آية الله الجليل: العلاّمة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه يقول: يعتقد عوامّ الناس أنّ المؤمن بالوحدة الوجوديّة هو أسوأ من الكافر ؛ لاَن تكون يهوديّاً أو مسيحيّاً خيراً من أن تكون ممّن يؤمنون بوحدة الوجود! [35] [2] ـ قسم من الآية 88، من السورة 28: القصص. [3] ـ صدر الآية 3، من السورة 57: الحديد. [4] ـ صدر الآية 115، من السورة 2: البقرة. [5] ـ يقول: «لو صادف يوماً أن كانت الشمس ضعيفةً قليلة الحرارة، فليس العيب في الشمس، بل من ذلك اليوم (إذ قد تكون سماؤه غائمة)». [6] ـ يقول: هوَ الاحدُ لا يَشُوبُهُ عَدَد وهوَ الصَّمَد لا يَحتاج إلي أحَد هوَ الاحدُ لا يُدركه العَقل ولا الفَهْم وهو الصَّمد لا يَعرفه الحِسّ ولا الوَهْم [7] ـ يقول: «إنّ أيّة صورة منقوشة علی لوح الوجود إنّما هي صورة الشخص الذي رسمها، وإذا ماج البحر القديم موجاً جديداً، فإنّهم يدعون ذلك موجاً في حين أنّ ذلك هو البحر في الواقع». [8] ـ من الآية 32، من السورة 53: النجم. [9] ـ الآية 11، من السورة 93: الضحي. [10] ـ الآية 9، من السورة 27: النمل. يَـ'مُوسَي'´ إِنَّهُ و´ أَنَا اللَهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. [11] ـ صدر الآية 84، من السورة 43: الزخرف. [12] ـ مرّ ذكر الحديث نقلاً عن سعيد الدين الفرغانيّ. [13] ـ ذيل الآية 16، من السورة 50: ق. [14] ـ صدر الآية 73، من السورة 5: المائدة. [15] ـ من الآية 7، من السورة 58: المجادلة. [16] ـ من نفس الآية السابقة. [17] ـ من الآية 35، من السورة 24: النور. [18] ـ ذيل الآية 24، من السورة 34: سبأ. [19] ـ من الآية 91، من السورة 6: الانعام. [20] ـ نصّ الآية 53، من السورة 33: الاحزاب هو: وَاللَهُ لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ. [21] ـ أورد القاضي نور الله الشوشتريّ في «مجالس المؤمنين» المجلس السادس، في أحوال محيي الدين بن عربي، ص 283 أ نّه قال: وأمّا ما قاله الشيخ علاء الدولة في آخر كتابه (لو سمعتَ من أحد أ نّه يقول: فضلة الشيخ عين وجود الشيخ، لا تسامحه إليه! بل تغضب علیه! فكيف يسوغ بعاقل أن ينسب إلي الله هذا الهذيان) فهو مثل في غاية الركاكة وملوّثٌ بفضلة غير الدرويش. إذ لو قال أرباب التوحيد بمعيّة الحقّ بالاشياء كمعيّة الجسم بالجسم، للزم فساد ذلك. وأمّا المعيّة بزعمهم فهي كمثل معيّة الوجود بالماهيّات، والماهيّة ليست ملوّثة؛ خلافاً لمعيّة الشخص بالفضلة التي هي من قبيل معيّة الجسم للجسم، والذي يمكنه أن يتلوّث بها. وكذلك الحديث في نفي الوجودات الممكنات التي هي آثار وجود الحقّ، وأثر الشيء لا يكون فضلته حتّي يصحّ التمثيل والتنظير في ذلك. وعلی هذا فلو قيل للشيخ علاء الدولة إنّ كتاب «العروة» هو فضلتك، لغضب ولما تسامح إلي ذلك وما كان ليجيز ذلك. وبالجملة، فإنّ مثل هذه الكلمات المشوّشة لا تليق بعلوّ شأنه، فما الذي سيكتبه أو يقوله درويش الدراوشة. [22] ـ ذيل الآية 18، من السورة 11: هود. [23] ـ صدر الآية 110، من السورة 18: الكهف. [24] ـ من الآية 17، من السورة 8: الانفال. [25] ـ صدر الآية 6، من السورة 35: فاطر. [26] ـ الآية 3، من السورة 57: الحديد. [27] ـ الآية 99، من السورة 15: الحجر. [28] ـ يقول: «إنّي لستُ أنا، وإن كان هناك «أنا» هو أنتَ، وإذا كان علی بدني ثوب أو رداء فهو أنت كذلك. لقد فقدتُ، في طريقي للوصول إليك، جسمي وروحي، وإذا كان قد بقي منهما شيء فهو أنت». [29] ـ صدر الآية 74، من السورة 16: النحل. [30] ـ «العُروة لاهل الخَلوة والجَلوة» تأليف أحمد بن محمّد بن أحمد البيابانكيّ، المعروف بعلاء الدولة السمنانيّ، ص 35 إلي 45، مقدّمة السيّد نجيب مايل الهرويّ المحترم، منشورات مولي. [31] ـ يقول: «لن أقطع صلتي بك يا صاح وإن قطّعوني بالسيف إرباً إرباً». [32] ـ يقول: «والحقّ أنّ تضحيتنا لك بمائة روح لم تكن شيئاً مذكوراً مقابل ابتسامة مرسومة علی شفتيك. يا أبي إعطني ولو جرعة حبّ قليلة، فولدك سيبقي عاقاً دون ذلك. لقد كنت أعرف سبيل العافية، ولكن ما العمل فقد سقطتُ في حبائله. فياليت الخَلقَ يناصحونني في عشقك وحبّك. وقد تحدّثتُ في الكنيسة إلي معشوق مسيحيّ: أ نّني واقع في شباكك وحبائلك. يا مَن عاهدت كلّ شعرة في رأسي خصلة شعرك. إلي متي أمنَعُ من الوصول إلي الوحدة ؟ وإلي متي يبقي عار تثليث الواحد ؟ ولربّما قد يكمن الاب والابن والروح القدس في اسم الواحد الحقّ». [33] ـ يقول: «ففتح ثغره البسّام وأغدق عَلَیَّ من سُكّر ضحكته وماء زُلاله وقال: إذا كنتَ ممّن اهتدي إلي سرّ الوحدة فلا تتّهمنا بالكفر. فإنّ نور الشاهد الازليّ يشعّ ضياء طلعته في ثلاث مرايا. ولن يكوّن الثلاثة حريراً إذا ما سمّيّته قزّاً أو خزّاً أو دِمْقساً. ولقد كنّا في حديثنا حين تعالي من جانبٍ صوت الناقوس مترنّماً يقول: ليس من أحدٌ سواه، وحده لا إله إلاّ هو». [34] ـ نقلاً عن كيوان السميعيّ في مقدّمة تعلیقة كتاب «شرح گلشن راز» ص 65. بقاء العين الثابتة أو عدم بقائها عند الفناء في كتاب «الشمس الساطعة» (ت)وقام جناب الدكتور السيّد يحيي اليثربيّ أُستاذ الفلسفة في جامعة تبريز في كتابه القيّم «فلسفة عرفان» (= فلسفة العرفان) تحليل لاصول العرفان ومبانيه ومسائله؛ الطبعة الثانية لمركز منشورات مكتب الإعلام الإسلاميّ في قم، بتقديم بحث كامل تحت عنوان «الفناء والبقاء في الله». ولمّا كانت الصفحات من 445 إلي 480 تعالج المقابلات والمباحثات التي أجراها الحقير مع أُستاذنا الكبير الفقيد، علاّمة عصره وحكيم زمانه والعالم بالله وبأمر الله والعارف الكامل، جامع المعقول والمنقول آية عظماء الله: العلاّمة الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ التبريزيّ أرواحنا لتراب مرقده الفداء فرأيتُ، ولمزيد من التوضيح ورفع الشبهات المتوهّمة حول نظريّة الحقير، أن أنقل هنا بعض ما يلزم من مواضيع ذلك البحث. بحول الله وقوّته ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظيم. وقد كانت المقابلات التي وردت في القسم الثاني من كتاب «الشمس الساطعة» تدور حول بحثي مع سماحته في بقاء العين الثابتة في مرحلة الفناء التامّ في ذات الله تبارك وتعالي وعدم بقائها. وكان سماحة العلاّمة يصرّ علی قوله في بقاء العين الثابتة في حين كان الحقير يقول بعدم ذلك، كما ذكر المؤلّف المحترم في ص 445 حتّي 447 وقد رفض نظريّتي في خاتمة البحث في ص 479 و 480. وقد ذكر (المؤلّف) في الصفحات السابقة عند شرحه لمعني الفناء وأقسامه و تفصيله أُموراً وبيّنها، ومنها ما ورد في ص 457 و 458 لإثبات عدم إمكانيّة فناء الحقيقة، حيث ذكر كلاماً للجاميّ وهو: يمكن الحصول علی حلّ لهذه المشكلة في البيان الواضح الذي ذكره الجاميّ فيما يخصّ الفناء. وقد نقلنا فيما سبق بيانه بالتفصيل، وها هنا نذكر جزءاً من ذلك لبحثه بدقّة وهو قوله: وأمّاً الفناء والبقاء فلهما معني آخر لدي هذه الطائفة: فهم لا يقصدون بالبقاء بقاء ذات شي معيّن، بل يعنون بقاء صفات ذلك الشيء وكما يقصدون بالفناء فناء صفاته لا فناء ذاته. بمعني أنّ المراد من كلّ شيء ليس العين (الثابتة) لذلك الشيء، لكنّ المراد من ذلك هو أ نّه طالما كان هذا المعني موجوداً في ذلك الشيء، فإنّه يُكسب الشيء معني «البقاء»؛ وذلك لحصول المقصود من ذلك الشيء. وأمّا إذا أُزيح ذلك المعني عن ذلك الشيء فحينئذٍ يسمّي الشيء بـ «الفاني» وذلك لفوات المقصود منه وفقدانه. وهذا ظاهر في التعارف، حيث يقول من يهرم ويضعف: أنا لستُ ذلك الذي كنتُ. فالرجل هو هو لكنّه صفاته تغيّرت؛ كذا في «شرح التعرّف». ففناء الممكن في الواجب إنّما يكون باضمحلال آثار الإمكان واندراسها، لا بل بانعدام حقيقته؛ كمثل اضمحلال الانوار المحسوسة في نور الشمس. چراغ آنجا كه خورشيد منير است ميان بود ونابودي اسير است» يقول: «إنّ المصباح المُضاء حيث الشمس المنيرة موجودة، أسير بين الوجود والعدم». ويضيف بعد ذلك قائلاً: إنّ اضمحلال آثار الإمكان في لطيفة أنانيّة العارف، إنّما يكون في ذكائه وإدراكه، لا في جسمه وروحه البشريّة. («نقد النصوص في شرح نقش الفصوص» الطبعة الجديدة، التعلیقة). وهذا الاضمحلال لآثار الإمكان وفناء الصفات البشريّة سيكون بمعني أنّ العارف سيكون بعيداً عنها نوعاً ما؛ كمثل بُعد الشيخ عن الشابّ. وهذا في الحقيقة حركة وتحوّل، وبعبارة أُخري: ولادة جديدة أُزيلت عنها بعض الصفات واحتلّت صفات أُخري مكانها. وقد هجر العارف الصفات البشريّة وخواصّها ولوازمها المعروفة، وحصل علی صفات وخواصّ وآثار أُخري والتي ليست من نوع صفاتها السابقة وحينئذٍ ستتّخذ لها تعبيراً آخر من مثل: الصفات الإلهيّة والتخلّق بأخلاق الله. أقول: إنّ التوحيد الذاتيّ بخلاف التوحيد الصفاتيّ هو محلّ البحث والنزاع، وكلام الجاميّ هذا يرجع كلّه إلي التوحيد الصفاتيّ وهو خارج عن بحثنا. ويعني الفناء الذاتيّ فناء زيد مثلاً في ذات الله عزّ وجلّ. ويعني الفناء التامّ لزيد: أنّ زيداً قد اجتاز كلّ الرسوم ولم يبق له أيّ اسم أو رسم. هذا هو معني الفناء التامّ؛ ومعني ذات الله جلّ جلاله أنّ الوجود البحت أزليّ أبديّ سرمديّ لامتناهٍ، حيث يكون منزّهاً عن كلّ صفة واسم، وخالصاً من كلّ شائبة. ففي هذه الحالة، إذا قلنا: إنّ العين الثابتة تظلّ باقية في زيد، لزم وقوع أحد المحالين: إمّا أ نّنا لم نفرض الفناء علی أ نّه فناء تامّاً وكاملاً، وأحللنا قدراً من وجود إنّيّة زيد التي تميّزه عن غيره فيه. وهذا خلف؛ لانّ هذا لا يعني فناء تامّاً. وزيد هذا مع معيّة عينه الثابتة لا يمكنه ولوج الذات؛ لانّ الذات بسيطة من جميع الجهات وولوجه إلي الذات يستلزم كسر الذات ومحدوديّتها وتركيبها وحدوثها؛ وهذا محال. وبناء علی ذلك، فلا الذات مستعدّة للتخلّي عن بساطتها، ولا زيد ـ بما أ نّه زيد يمكنه ولوج الذات. فالعين الثابتة هي عبارة أُخري لانانيّة زيد وماهيّته وتميّزه. فكيف يحقّ له ولوج الذات، والحال أ نّها بسيطة من جميع الجهات ؟! ولذلك، إمّا أن ننكر الوصول إلي مقام الفناء الذاتيّ بالمرّة، وإمّا أن نضيف إليها الفناء الذي هو حقيقة العدم والاندكاك ونرفق معها العين الثابتة. إنّ الالتزام بالعين الثابتة في الذات، تستلزم محدوديّة الذات وتعيّنها وتركيبها، أو عدم فرض الفناء فناء منذ البداية، أو عدم صبغها بصبغة العدم التامّ والكامل؛ أي الفناء في الصفات. فنحن نقول: إنّ التعيّن يعني زيداً، وإنّ الإطلاق يعني الذات. ومع الاخذ بنظر الاعتبار وحدة الوجود الحقّة والحقيقيّة والالتزام بوحدة الصرافة الذي يعني انسـجامه مع القول بتشـخّص الوجود، فإنّه لا يسـعنا إلاّ أن نقول إنّه لا يمكن أن تكون هناك ذات واحدة بحتة وبسيطة ولا متناهية محدودة في وجود زيد؛ وإلاّ لسقط من الوحدة والتشخّص وصبغة التناهي والتركيب، وبالتالي فإنّه سيتلبّس بلباس الحدوث؛ وهذا خلاف البرهان. فإذا نظرتم إلي هذه الذات البسيطة، التي تمثّل الوجود وتمتلك تجرّداً وبساطة، بعين البساطة تلك، فإنّ ذلك سيعني الله، والذات، والقديم، إلي آخر أسمائه الحسني؛ وأمّا إذا نظرتم بعين التعيّن المحدود والمقيّد، فسيعني هذا زيداً وحادثاً ومركّباً. وعلی هذا، فالامر هنا يتعلّق بمسألتين. فزيدٌ إذاً يعني التعيّن، أي العين الثابتة. وإذا أزلتم التعيّن وقلتم: الفناء من التعيّن، فهذا يعني الذات وحسب. وفناء زيد يرجع إلي إسقاط التعيّن. موجود بلا تعيّن، بحت وبسيط، واللامتناهي، هو الذات، وهو الله. فزيد لن يكون زيداً بدون تعيّن؛ لانّ تعيّنه يكمن في زيديّته هو. فإذا فني وخلع عنه لباس التعيّن وسُلب من جميع مراتب التعيّن، وهو ما يعني الفناء التامّ والمطلق، فلن يكون بعد ذلك هو نفسه. لن يكون زيداً، بل عدماً. لا وجود لزيد والله موجود. إنّ معني فناء زيد، هو عدمه ووجود الله. لقد فني زيد في الله؛ أي أنّ زيداً أضحي معدوماً بينما الله موجود. ولا يصحّ الاستشهاد بالبيت التالي لتمثيل الفناء الذاتيّ وبقاء العين الثابتة: چراغ آنجا كه خورشيد منير است ميان بود و نابودي اسير است» فهذا التشبيه مختلف. لانّ نور المصباح هو غير نور الشمس. وحقيقة هذا الاسر بين الوجود والعدم متحقّق علی أيّة حال؛ إلاّ أنّ الموجودات المتعيّنة للممكنات بأسرها هي غير الوجود البحت والمجرّد والبسيط، والشمس ليست الذات الازليّة الابديّة للّه. واستناداً إلي أصالة الوجود ووحدته وتشخّصه، فإنّه لايوجد هناك إلاّ وجود واحد قديم وحسب وهو وجود مستقلّ ذو أثر. إنّ الموجودات الممكنة هي موجودات ظلاليّة وتبعيّة ومرآتيّة وآيتيّة ومجازيّة وغير مستقلّة وتعيّنيّة. وعلی هذا، فهي لا تمتلك نوراً، مع كثرتها ومجموعها. إنّه نور الله الذي تجلّي فيها بهذا المقدار. ولا يمكن للموجودات أن تكون إلاّ مرايا ومجالات ومظاهر. إِنْ هِيَ إِلاَّ´ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَا´ أَنتُمْ وَءَابَا´ؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مِن سُلْطَـ'نٍ. (صدر الآية 23، من السورة 53: النجم). نعم، ولعلّ من الافضل الاستشهاد في هذا المقام بشعر الشيخ العراقيّ: آفتابي در هزاران آبگينه تافته پس به رنگ هر يكي تابي عيان انداخته جمله يك نور است ليكن رنگهاي مختلف اختلافي در ميانِ اين و آن انداخته يقول: «إنّ الشمس تشعّ في آلاف المرايا وكلّ مرآة تعكس شعاع الشمس بشكل ولون خاصّ بها. فالكلّ ينبع من نور وشعاع واحد إلاّ أنّ كلّ واحد من تلك الإشعاعات له لونه وشكله الخاصّ». وهو ما تسـبّب في نشـوء تلك الاختـلافات. («اللمعات» للعـراقيّ، ص 389، اللمعة 15 ). إذا أردنا أن نمثّل ذلك تمثلاً صحيحاً وقويماً، افترضوا: نصب محطّات أو مراكز في مناطق مختلفة من العالم لعكس أشعة الشمس، وإظهارها في مصابيح مختلفة في المناطق التي غربت عنها الشمس. فإذا أشرقت الشمس عند الاُفق، فعندها لن يكون لتلك المحطّات أو المراكز أيّ أثر. إنّ مثل نور هذه المصابيح كمثل سائر الانوار المنبعثة من الشمس نحو الارض، فهو لا يمتلك في نفسه تشخّصاً ولا وجوداً، فهو ليس إلاّ ذلك الشعاع الوحدانيّ للشمس. ولذا، فإنّ هذه المصابيح ليست أسيرة بين الوجود والعدم؛ بل إنّها في هذه الحالة تمثّل عدماً صرفاً. [35] ـ «التوحيد العلميّ والعينيّ» ص 324 و 325 من الطبعة الفارسيّة. |
|
|