بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الله / المجلد الثالث/ القسم الرابع‌عشر: الاحسائی هو اساس الفرقة الشیخیة و البابیة، اقتحم الاحسائی المسائل الفلس...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 الشيخ‌ الاحسائي‌ّ هو مبدأ فرقتَي‌ الشيخيّة‌ والبابيّة‌ البهائيّة‌

ولقد هوي‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ ، وهو أساس‌ وأصل‌ الفرقَتَيْن‌ المعروفَتَين‌ : الشيخيّة‌ الكريمخانيّة‌ ، والبابيّة‌ البهائيّة‌ ، في‌ شِباك‌ ومصيدة‌ التفويض‌ البحت‌ مع‌ تنزيهه‌ الصرف‌ للحقّ تعإلی‌ .

 فالشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ يقول‌ صراحة‌ إنّ صفات‌ الحقّ تعإلی‌ بما في‌ ذلك‌ العلم‌ والإرادة‌ والقدرة‌ والسمع‌ والبصر وسائر الصفات‌ الكمإلیة‌ ، هي‌ حادثة‌ ومخلوقة‌ ، ولا علاقة‌ لها إطلاقاً مع‌ ذاته‌ المقدّسة‌ . وإنّ حقيقة‌ تلك‌ الصفات‌ هي‌ نفسها الاسماء الحسني‌ والتي‌ تُمثَّلُ في‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر للشيعة‌ وجميع‌ عبادات‌ الناس‌ وأفعالهم‌ ومقاصدهم‌ وسائر المخلوقات‌ والتي‌ تعود إلیها وتنتهي‌ فيها . إنّ الله‌ القديم‌ لا علاقة‌ له‌ بأسمائه‌ وصفاته‌ ؛ فذاته‌ بحتة‌ وبسيطة‌ ، في‌ حين‌ أنّ أسماءه‌ وصفاته‌ الكمإلیة‌ هي‌ من‌ الممكنات‌ والحادثات‌ .

 هذا ، ويستحيل‌ عرفان‌ الإنسان‌ الله‌ ؛ وغاية‌ عبادة‌ الخلائق‌ في‌ عبوديّتهم‌ تكمن‌ في‌ تلك‌ الاسماء والصفات‌ العينيّة‌ والتي‌ هي‌ من‌ الحوادث‌ لكنّها ليست‌ قديمة‌ . ولا وجود لقديم‌ غير ذات‌ الحقّ تعإلی‌ ؛ كلّ ذلك‌ بواسطة‌ قِدَمِه‌ وعدم‌ تناهيه‌ وتجرّده‌ ، وأ نّه‌ بمعزل‌ عن‌ جميع‌ ما سواه‌ بما في‌ ذلك‌ وأهمّه‌ صفاته‌ الكمإلیة‌ وأسمائه‌ الجلإلیة‌ ؛ وكذا انعزال‌ الموجودات‌ عنه‌ كذلك‌ .

 وعلی‌ هذا ، فإنّ أصل‌ العالَم‌ هو غير الذات‌ البحتة‌ والبسيطة‌ ، الجافّة‌ والخاوية‌ من‌ كلّ الصفات‌ والاسماء ـ وبالنتيجة‌ ، وعلی‌ إثر ذلك‌ ، فهو فاقد لكلّ ذلك‌ ومُتّصف‌ بالنقيض‌ كالجهل‌ والعجز والصم‌ والعمي‌ والفقدان‌ والنقص‌ ولا يمكن‌ تصوّر شي‌ء غير هذا .

 هذا هو كلام‌ الشيخ‌ بعينه‌ والذي‌ نراه‌ ونشاهده‌ في‌ شرحه‌ لعرشيّة‌ الملاّ صدرا الحكيم‌ ، وكذلك‌ في‌ شرحه‌ زيارة‌ الجامعة‌ الكبيرة‌ ، وفي‌ كتاب‌ « جوامع‌ الكَلِم‌ » أُ لّف‌ للإجابة‌ علی‌ أسئلة‌ كثير من‌ الاشخاص‌ ، وفي‌ شرح‌ « الرسالة‌ العلميّة‌ » في‌ الردّ علی‌ الملاّ محمّد محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ بشكل‌ واف‌ ومفصَّل‌ .

 وقد علّق‌ صديقنا العالِم‌ والاخ‌ الاقدَم‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشهيد الحاجّ السيّد محمّد علی‌ القاضي‌ الطباطبائي‌ّ أسكنه‌ الله‌ بحبوحة‌ جنانه‌ علی‌ كلام‌ آية‌ الله‌ المحقّق‌ الشيخ‌ محمّد الحسين‌ كاشف‌ الغطاء الذي‌ ورد في‌ كتاب‌ « جنّة‌ المأوي‌ » وذلك‌ عند التطرُّق‌ إلی‌ النفس‌ الإلهيّة‌ الملكوتيّة‌ وذِكره‌ أنّ أعلی‌ درجاتها هي‌ الروح‌ القُدس‌ والمتّصلة‌ بالمبدأ الاعلی‌ والتي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ أرواح‌ الانبياء والائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ ، والتي‌ هي‌ أيضاً عبارة‌ عن‌ « العقل‌ الاوّل‌ الكلّي‌ّ » و « أوّلُ ما خَلقَ الله‌ » ، وأ نّها هي‌ نفسها « الحقيقة‌ المحمّديّة‌ » التي‌ تظهر في‌ تحمّل‌ الرسالة‌ العظيمة‌ والزعامة‌ الكبيرة‌ ، والسيادة‌ والرئاسة‌ علی‌ جميع‌ الخلائق‌ ؛ حيث‌ لا نري‌ في‌ نقلها هنا بأساً . يقول‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشهيد الحاجّ السيّد محمّد علی‌ّ القاضي‌ الطباطبائي‌ّ :

 « وبمناسبة‌ ذِكر شيخنا للحقيقة‌ المحمّديّة‌ أثناء كلامه‌ ، يتوجّب‌ علینا بيان‌ شي‌ءٍ من‌ هفوات‌ بعض‌ الذين‌ صدرت‌ عنهم‌ آراء سخيفة‌ :

الرجوع الي الفهرس

سقوط‌ الاحسائي‌ّ في‌ حبائل‌ التفويض‌ البحت‌ من‌ شدّة‌ تنزيه‌ الحقّ تعإلی‌

 فهو يقول‌ : لايجوز إطلاق‌ أي‌ّ اسم‌ من‌ أسماء الله‌ تعإلی‌ وصفاته‌ العلیا علیه‌ ( علی‌ الله‌ تعإلی‌ ) ، لا علی‌ سبيل‌ الحقيقة‌ ولا علی‌ سبيل‌ المجاز ؛ ولا يجوز وقوع‌ اسم‌ أو صفة‌ علی‌ الله‌ تعإلی‌ ؛ لانّ جميع‌ الاسماء والصفات‌ وكلّ أنواع‌ العبادة‌ والاذكار والخطابات‌ عبارة‌ عن‌ مجرّد ألفاظ‌ وهي‌ مخلوقة‌ وحادثة‌ . وعلی‌ هذا لايمكن‌ أن‌ تكون‌ هناك‌ علاقة‌ أو رابطة‌ بين‌ الاُمور الحادثة‌ وبين‌ الواجب‌ تعإلی‌ ؛ ولا يمكن‌ أن‌ يكون‌ مرجع‌ الحادث‌ إلی‌ واجب‌ الوجود .

 والسبب‌ في‌ ذلك‌ كلّه‌ يعود إلی‌ أنّ ارتباط‌ الامر الحادث‌ بذات‌ الله‌ تعإلی‌ وإيجاد العلاقة‌ والارتباط‌ بين‌ هذين‌ الاثنين‌ هو أمر غير معقول‌ . وعلی‌ هذا لن‌ تكون‌ هناك‌ سبيل‌ أُخري‌ إلاّ بربط‌ الحادث‌ بحادث‌ آخر مثله‌ ، ولا يمكن‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الحادث‌ إلاّ فعل‌ الله‌ سبحانه‌ .

 فالحادث‌ هو المعني‌ والمقصود من‌ هذه‌ الالفاظ‌ من‌ خلال‌ أسمائه‌ الحُسني‌ والصفات‌ العلیا والتي‌ نذكرها في‌ كلامنا . وكلّ هذه‌ الاسماء المشحونة‌ بألفاظ‌ الاسماء والصفات‌ تدلّ دلالة‌ واضحة‌ علی‌ ذلك‌ الحادث‌ ، فيكون‌ ذلك‌ الحادث‌ مدلولها .

 ومدلول‌ ذلك‌ الحادث‌ عبارة‌ عن‌ الحقيقة‌ المحمّديّة‌ ونورانيّة‌ محمّد وآل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌ .

قَطَعَ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ الارتباطَ بين‌ الحقّ وبين‌ الاشياء

 ويقول‌ أيضاً : وَحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُدْعَي‌ بِذَاتِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ذَلِكَ ، تَعَيَّنَ أَنْ يُدْعَي‌ بِالاَسْمَاءِ الحُسْنَي‌ . فَانْحَصَرتِ العِبَادَةُ الَّتِي‌ هِي‌َ فِعْلُ مَا يَرْضَي‌ وَالعُبُودِيَّةُ الَّتِي‌ هِي‌َ رِضَي‌ مَا يُفْعَلُ ، فِيهِمْ عَلَیهِمُ السَّلاَمُ وَبِهِمْ . لاِنَّ التَّقْدِيسَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالخُضُوعَ وَالخُشُوعَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَجَمِيعَ الطَّاعَاتِ وَأَنْوَاعَ العِبَادَاتِ وَكَذَلِكَ العُبُودِيَّةَ ، كُلُّ ذَلِكَ أَسْمَاءٌ وَمَعَانِيهَا تِلْكَ الذَّوَاتُ المُقَدَّسَةُ وَالحَقَائِقُ الإلَهِيَّةُ الَّتِي‌ خَلَقَهَا اللَهُ لِنَفْسِهِ وَخَلَقَ خَلْقَهُ لَهَا .

 وَهِي‌َ أَسْمَاؤُهُ الحُسْنَي‌ وَأَمْثالُهُ العلیا وَنِعَمُهُ الَّتِي‌ لاَ تُحْصَي‌ . وَهِي‌َ الَّتِي‌ اخْتَصَّ بِهَا وَأَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَدْعُوهُ بِهَا . قَالَ تَعَإلَی‌ : وَلِلَّهِ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي‌' فَادْعُوهُ بِهَا . [1]

 وهناك‌ الكثير من‌ هذه‌ الكلمات‌ السخيفة‌ في‌ كلامه‌ ، وإنّما كان‌ ذلك‌ جانباً من‌ ما يريده‌ ويقصده‌ وهو ممّا يُوصِل‌ إلی‌ الهلاك‌ الاكيد والفَناء الحتمي‌ّ . وأساس‌ هذه‌ العقيدة‌ وأمثالها مأخوذ عن‌ تعإلیم‌ الباطنيّة‌ التي‌ لا تمتّ إلی‌ تعإلیم‌ الإسلام‌ بصلة‌ مطلقاً .

 وأمّا أقبح‌ ما موجود في‌ هذه‌ العقيدة‌ الباطلة‌ فهو نسبة‌ الشرك‌ والكفر والعياذ بالله‌ إلی‌ خاتم‌ الانبياء صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأوصيائه‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌ .

 إذ يلزم‌ ذلك‌ ، حسب‌ هذا المذهب‌ ، أن‌ يخاطب‌ الرسول‌ الاكرم‌ والائمّة‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌ أنفسهم‌ المقدّسة‌ في‌ صلواتهم‌ وأدعيتهم‌ وجميع‌ عباداتهم‌ ، وأن‌ يقصد رسول‌ الله‌ مثلاً في‌ كلامه‌ عند صلاته‌ التي‌ يقول‌ فيها : إِيَّاكَ نَعْبُدُ بدلاً من‌ ذلك‌ إيَّاي‌َ أَعْبُدُ .

 وكذا الحال‌ مع‌ سائر أسماء الله‌ وصفاته‌ التي‌ يتفوّهون‌ بها ويعبدونه‌ بمقتضاه‌ ، وهي‌ عودتها إلی‌ نفوسهم‌ الشريفة‌ . فيكون‌ علی‌ هذا الاساس‌ أ نّهم‌ دأبوا علی‌ أمر الناس‌ بعبادة‌ نفوسهم‌ المقدّسة‌ ودعوهم‌ إلی‌ ذلك‌ والعياذ بالله‌ .

 مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن‌ يُؤْتِيَهُ اللَهُ الْكِتَـ'بَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي‌ مِن‌ دُونِ اللَهِ . [2]

 ولمّا لم‌ يكن‌ بإمكان‌ صاحب‌ هذه‌ العقيدة‌ الفاسدة‌ إدراك‌ كيفيّة‌ ربط‌ الحادث‌ بالقديم‌ جيّداً وعجزه‌ عن‌ استنباط‌ ذلك‌ بالتحليل‌ العلمي‌ّ الصحيح‌ بواسطة‌ البحث‌ والبرهان‌ ، لذا نراه‌ قد غطس‌ في‌ وحل‌ تلك‌ الطرق‌ الصعبة‌ وابتُلي‌ بالمواضيع‌ المنبوذة‌ والمهجورة‌ في‌ ظُلُمات‌ موحشة‌ ودياجير حالكة‌ .

 وأمّا معتقداته‌ التي‌ ذكرناها إجمالاً فهي‌ من‌ أسوأ الاباطيل‌ وأقبح‌ الضلالات‌ ، وأخطاؤه‌ وهفواته‌ أكثر من‌ أن‌ تُعدّ . ولإبطال‌ معتقداته‌ وبيان‌ فساد أفكاره‌ وجوه‌ كثيرة‌ وسُبُل‌ عديدة‌ لامجال‌ لذكرها هنا . وقد أطنب‌ آية‌ الله‌ المجتهد الكبير السيّد إسماعيل‌ النوري‌ّ الطبري‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ في‌ كتابه‌ « كفاية‌ الموحّدين‌ » في‌ الجزء الاوّل‌ في‌ كلامه‌ حول‌ هذا الموضوع‌ وأوفي‌ حقّه‌ من‌ التحقيق‌ .

 وأمّا ما ورد عن‌ الائمّة‌ الاطهار علیهم‌ السلام‌ في‌ بعض‌ الاخبار من‌ أ نّهم‌ قالوا نحن‌ الاسماء الحُسني‌ ، أو قولهم‌ نحن‌ المقصودون‌ بالصلاة‌ في‌ كتاب‌ الله‌ ، أو قولهم‌ نحن‌ وجه‌ الله‌ ؛ أو ما ورد في‌ بعض‌ الزيارات‌ مثل‌ : السَّلاَمُ عَلَی‌ اسْمِ اللَهِ الرَّضِي‌ِّ ونظير هذه‌ العبارات‌ ؛ فإمّا أن‌ يكون‌ ذلك‌ من‌ قبيل‌ المجازات‌ والكنايات‌ ، أو هي‌ إشارة‌ إلی‌ معانٍ أُخري‌ صحيحة‌ ذات‌ مضمون‌ رفيع‌ ؛ وليس‌ المراد بها هذه‌ الخزعبلات‌ والتلفيقات‌ السفيهة‌ كما ذُكرت‌ في‌ الكتب‌ المفصّلة‌ والشروحات‌ المطوّلة‌ »[3] .

الرجوع الي الفهرس

اقتحم‌ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ المسائل‌ الفلسفيّة‌ بلا أُستاذ ، فضلَّ السبيل‌

 نعم‌ ! لقد كان‌ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ عالماً وزاهداً ، إلاّ أنّ السبب‌ في‌ انحراف‌ عقيدته‌ ، برأي‌ الحقير من‌ خلال‌ ما توصّلتُ إلیه‌ في‌ مطالعاتي‌ ، يرجع‌ إلی‌ عاملين‌ :

 الاوّل‌ : أ نّه‌ لم‌ يدرس‌ الحكمة‌ ولم‌ يسمع‌ بالفلسفة‌ ، وعَمَدَ بدلاً من‌ ذلك‌ إلی‌ الاعتماد علی‌ فهمه‌ الناقد وذهنه‌ الوقّاد دون‌ اتّخاذه‌ لاُستاذ ، فشرع‌ بدراسة‌ كتب‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ ومطالعتها والاطّلاع‌ علی‌ عالم‌ الاسرار ورموز العالم‌ الربوبي‌ّ والفلسفة‌ الاُولي‌ وما وراء الطبيعة‌ .

 الثاني‌ : أ نّه‌ مارس‌ أنواع‌ الرياضات‌ الشاقّة‌ مستهدفاً من‌ ذلك‌ الوصول‌ إلی‌ الغايات‌ العرفانيّة‌ الراقية‌ والمكاشفات‌ الربّانيّة‌ دون‌ اتّخاذه‌ لاُستاذ أو خضوعه‌ لتعلیمه‌ . وقد تسبّب‌ هذان‌ العاملان‌ معاً إلی‌ وقوعه‌ في‌ الخطأ في‌ ا لآراء والمسائل‌ الفلسفيّة‌ ، وما كان‌ في‌ مكاشفاته‌ مصاناً من‌ همزات‌ الشياطين‌ ، ولم‌ تصطبغ‌ جميع‌ مدركاته‌ ومشاهداته‌ بصبغة‌ رحمانيّة‌ ؛ مع‌ أ نّهم‌ ذكروا أنّ الشرط‌ الاساس‌ والخطوة‌ الاُولي‌ في‌ الحكمة‌ النظريّة‌ والعرفان‌ العملي‌ّ يكمن‌ في‌ أُستاذ كامل‌ ومربٍّ ماهر علی‌ الإطلاق‌ .

 وعلی‌ هذا يكون‌ قد سهي‌ وغفل‌ عن‌ قول‌ الإمام‌ السجّاد زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ يقول‌ : هَلَكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَكِيمٌ يُرْشِدُهُ [4] .

 ويبدو أ نّه‌ لم‌ يسمع‌ بغزليّة‌ الخواجة‌ لسان‌ الغيب‌ :

 مرا به‌ رندي‌ و عشق‌ آن‌ فَضول‌ عيب‌ كند                   كه‌ اعتراض‌ بر اسرار علم‌ غيب‌ كند

 كمال‌ سِرّ محبّت‌ ببين‌ نه‌ نقص‌ گناه‌             كه‌ هر كه‌ بي‌ هنر افتد نظر به‌ عيب‌ كند

 ز عِطر حور بهشت‌ آن‌ نفس‌ برآيد بوي‌                      كه‌ خاك‌ ميكدة‌ ما عبيرِ جَيب‌ كند

 چنان‌ بزد ره‌ اسلام‌ غمزة‌ ساقي‌                 كه‌ اجتناب‌ ز صَهبا مگر صُهَيب‌ كند [5]

 كليد گنج‌ سعادت‌ قبول‌ اهل‌ دل‌ است‌                       مباد كس‌ كه‌ درين‌ نكته‌ شكّ و ريب‌ كند

 شبان‌ وادي‌ ايمن‌ گهي‌ رسد به‌ مراد                        كه‌ چند سال‌ به‌ جان‌ خدمت‌ شُعيب‌ كند

 ز ديده‌ خون‌ بچكاند فسانة‌ حافظ‌      چو ياد وقت‌ و زمان‌ شباب‌ و شَيب‌ كند [6] 

 وكأن‌ لم‌ يمرّ هذا البيت‌ الذي‌ هو لحافظ‌ علیه‌ أيضاً :

 گذرت‌ بر ظلمات‌ است‌ بجو خضر رهي‌                      كه‌ در اين‌ مرحله‌ بسيار بود گمراهي‌ [7] 

 وهذا البيت‌ كذلك‌ :

  گر در سرت‌ هواي‌ وصال‌ است‌ حافظا                        بايد كه‌ خاك‌ درگه‌ اهل‌ هنر شوي‌ [8]

 أو هذا البيت‌ :

 قطع‌ اين‌ مرحله‌ بي‌ همرهي‌ خضر مكن‌                    ظلمات‌ است‌ بترس‌ از خطر گمراهي‌ [9]

 أو البيت‌ التإلی‌ :

 به‌ كـوي‌ عـشـق‌ مـنـه‌ بـي‌ دلـيـلِ راه‌ قـدم‌                 كه‌ من‌ به‌ خويش‌ نمودم‌ صد اهتمام‌ ونشد[10]

 وكان‌ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ يمتلك‌ ذهناً وقّاداً وذكاءً حادّاً وذاكرة‌ عجيبة‌ ، وكان‌ مضافاً إلی‌ ذلك‌ مثلاً يُحتذي‌ به‌ في‌ الزهد وترك‌ الاهواء الدنيويّة‌ ، إذ كان‌ يُشار إلیه‌ بالبنان‌ في‌ ذلك‌ .

 وجاء ذكره‌ في‌ « ريحانة‌ الادب‌ » علی‌ النحو التإلی‌ : « هو الشيخ‌ أحمد ابن‌ زين‌ الدين‌ بن‌ الشيخ‌ إبراهيم‌ الاحسائي‌ّ البحراني‌ّ المتوفّي‌ حوإلی‌ سنة‌ 1242 ه . كان‌ ماهراً في‌ الحكمة‌ والفقه‌ والحديث‌ والطبّ وعلم‌ النجوم‌ والرياضيّات‌ وعلم‌ الحروف‌ والقراءة‌ والاعداد والطلّسمات‌ ، وكان‌ وحيد عصره‌ وفريد دهره‌ في‌ معرفة‌ أُصول‌ الدين‌ » [11] .

 لكن‌ ما الذي‌ يمكن‌ فعله‌ مع‌ العمي‌ ، وخاصّة‌ إذا هذا العمي‌ عمي‌ باطناً ؟! فما تُظهره‌ ا لآية‌ التإلیة‌ لا يحتاج‌ إلی‌ توضيح‌ : وَمَن‌ لَّمْ يَجْعَلِ اللَهُ لَهُ و نُورًا فَمَا لَهُ و مِن‌ نُّورٍ . [12]

الرجوع الي الفهرس

«الاسفار الاربعة‌» و«العرشيّة‌» تتصدّران‌ كتب‌ الملاّ صدرا العلميّة‌

 وللحكيم‌ المسلم‌ الكبير وفخر فلاسفة‌ العالم‌ [13] كتاب‌ بعنوان‌ « الحكمة‌ المتعإلیة‌ في‌ الاسفار العقليّة‌ الاربعة‌ » مطبوع‌ في‌ أربع‌ مجلّدات‌ مطوّلة‌ بالقطع‌ الرحلي‌ّ ، حيث‌ كشف‌ فيه‌ بحقّ الحجاب‌ عن‌ الاسرار والرموز في‌ مبادي‌ التوحيد بالبرهان‌ القاطع‌ والاستدلال‌ التامّ الواضح‌ مبيّناً حقائق‌ الاُمور ونفائس‌ المواضيع‌ ، ويمكن‌ اعتبار ذلك‌ الكتاب‌ في‌ مقدّمة‌ الكتب‌ العلميّة‌ والفلسفيّة‌ .

 وللحكيم‌ المذكور كتاب‌ آخر باسم‌ « العرشيّة‌ » وهو كتاب‌ مختصر جدّاً يشمل‌ جميع‌ بحوث‌ « الاسفار » بصورة‌ موجزة‌ وهو غير كتاب‌ « طبيعيّات‌ الاسفار » ؛ ويمكن‌ القول‌ إنّ هذا المؤلَّف‌ وهو آخر كتبه‌ ، قد بلغ‌ شأواً بعيداً من‌ الكمال‌ والاشتمال‌ علی‌ الرموز والاسرار .

 وقد قام‌ العلاّمة‌ الحكيم‌ الملاّ إسماعيل‌ بن‌ الملاّ سميع‌ الإصفهاني‌ّ المعروف‌ « واحد العين‌ » وأحد أكبر علماء المعقول‌ في‌ أواخر القرن‌ الثالث‌ عشر الهجري‌ّ وأحد تلامذة‌ الحكيم‌ البارز الملاّ علی‌ّ النوري‌ّ [14] بشرح‌ عرشيّة‌ الحكيم‌ الملاّ صدرا . وجاء في‌ ذلك‌ الشرح‌ أنّ :

 « لمّا لم‌ يكن‌ يوجد شرح‌ علی‌ « العرشيّة‌ » لكي‌ يتمّ به‌ رفع‌ ما أُشكِل‌ من‌ عباراتها وتسهيل‌ بياناتها وإزاحة‌ الستار عن‌ وجوه‌ معانيها ، فقد حثّني‌ بعض‌ الاحباب‌ علی‌ كتابة‌ شرح‌ علیها حتّي‌ يُزال‌ به‌ الحجاب‌ عن‌ وجه‌ معانيها الراقية‌ وإظهار محيّا المحبوب‌ كما هو مطلوب‌ ؛ لذا قمتُ بكتابة‌ هذا الشرح‌ .

 وذلك‌ لانّ الشرح‌ الذي‌ كتبه‌ المولي‌ الجليل‌ والفاضل‌ النبيل‌ البارع‌ الشامخ‌ الشيخ‌ أحمد بن‌ زين‌ الدين‌ الاحسائي‌ّ حرسه‌ الله‌ تعإلی‌ من‌ ا لآفات‌ وحفظه‌ عن‌ العاهات‌ كان‌ مطوّلاً ومفصّلاً ، لكنّه‌ احتوي‌ أكثر ما احتوي‌ علی‌ حكم‌ الدمّل‌ والقروح‌ والخُرّاج‌ . (فَشَرَحَها شَرْحاً كَانَ كُلُّهُ جَرْحاً .) وذلك‌ لا نّه‌ لم‌ يفهم‌ المراد من‌ الالفاظ‌ ولم‌ يستوعب‌ المقصود من‌ العبارات‌ ، لعدم‌ اطّلاعه‌ علی‌ الاصطلاحات‌ ؛ مع‌ كونه‌ عظيم‌ الشأن‌ في‌ فهم‌ الاُمور والمطالب‌ ، ومنيع‌ المكان‌ في‌ نيل‌ المقاصد والمآرب‌ ، ورفيع‌ الرتبة‌ في‌ تحقيق‌ الحقائق‌ ، وجليل‌ المرتبة‌ في‌ تدقيق‌ الدقائق‌ » .

الرجوع الي الفهرس

جميع‌ ردود الشيخ‌ الاحسائي‌ّ علی‌ كتاب‌ «العرشيّة‌» فاسدة‌

 والجدير بالذكر أنّ الشرح‌ الذي‌ كتبه‌ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ علی‌ « العرشيّة‌ » كان‌ مُسهباً جدّاً ، ويقع‌ في‌ ثلاثمائة‌ وخمسين‌ واثنتين‌ من‌ الصفحات‌ بالقطع‌ الرحلي‌ّ ، وقد تمّ طبعه‌ طبعة‌ حجريّة‌ منذ أكثر من‌ قرن‌ . ولغرض‌ توضيح‌ طريقة‌ بحثه‌ ومواضع‌ تزييفه‌ وعيوبه‌ الموجودة‌ في‌ ذلك‌ الشرح‌ نكتفي‌ هنا بإيراد بحث‌ واحد من‌ أوائل‌ بحوثه‌ ، ثمّ سنأتي‌ علی‌ ذكر بعض‌ من‌ أقواله‌ الاُخري‌ في‌ ردّه‌ علی‌ الحكيم‌ المتأ لّه‌ ذلك‌ بنقل‌ نصّ عباراته‌ في‌ ذلك‌ الشرح‌ .

 فأمّا البحث‌ الذي‌ نحن‌ بصدده‌ ، فيقول‌ فيه‌ :

 «قَالَ : المَشْرِقُ الاَوَّلُ ، فِي‌ العِلْمِ بِاللَهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ ؛ وَفِيهِ قَوَاعِدُ :

 قَاعِدَةٌ لَدُنِّيَّةٌ ، فِي‌ تَقْسِيمِ وَإثْبَاتِ أَوَّلِ الوُجُودِ :

 إنَّ المَوْجُودَ إمَّا حَقِيقَةُ الوُجُودِ أَوْ غَيْرُهَا ، وَنَعْنِي‌ بِحَقِيقَةِ الوُجُودِ مَا لاَ يَشُوبُهُ شَي‌ءٌ غَيْرُ الوُجُودِ مِنْ عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نِهَايَةٍ أَوْ مَاهِيَّةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ عَدَمٍ ؛ وَهُوَ المُسَمَّي‌ بِوَاجِبِ الوُجُودِ .

 فَنَقُولُ : لَوْ لَمْ تَكُنْ حَقِيقَةُ الوُجُودِ مَوْجُودَةً لَمْ يَكُنْ شَي‌ءٌ مِنَ الاَشْيَاءِ مَوْجُوداً ؛ لَكِنَّ اللاَّزِمَ بَاطِلٌ بَدِيهَةً فَكَذا المَلْزُومُ» .

 «أقول‌» ( ويعني‌ أ نّه‌ يتحدّث‌ في‌ الشرح‌ والردّ عن‌ الملاّ صدرا » .

 وهنا وبعد إيراده‌ بعضاً من‌ الشرح‌ والبيان‌ في‌ تحليل‌ وتركيب‌ عبارات‌ الحكيم‌ ونواحيه‌ الادبيّة‌ يصل‌ به‌ القول‌ إلی‌ :

الرجوع الي الفهرس

ردّ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ علی‌ محيي‌ الدين‌ في‌ تحقّق‌ الفناء المطلق‌ للعبد

 «يَكُونُ أَوَّلُ الوُجُودِ عِنْدَهُ هُوَ مَحَلُّ التَّقْسِيمِ ، وَلاَ إشْكَالَ فِيهِ عَلَی‌ رَأْي‌ِ المُصَنِّفِ . لاِنَّ أَوَّلَ الوُجُودِ هُوَ حَقِيقَةُ الوُجُودِ ، وَحَقِيقَةُ الوُجُودِ عِنْدَهُ فِي‌ نَفْسِ الاَمْرِ هِي‌َ مَحَلُّ التَّقْسِيمِ ؛ بِأَنْ يَكُونَ الخَالِصُ مِنْهُ وَاجِبَ الوجُودِ وَالمَشُوبُ عَنْهُ بِالنَّقَائِصِ مُمْكِنَ الوُجُودِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ عَوَارِضِ مَرَاتِبِهِ .

 وَلِهَذَا صَدَقَ إطْلاَقُ الوُجُودِ عَلَی‌ الخَالِصِ وَالمَشُوبِ مِنْ بَابِ الاِشْتِرَاكِ المَعْنَوَي‌ِّ ، وَيَكُونُ إطْلاَقُ لَفْظِ الوُجُودِ عَلَی‌ الوَاجِبِ وَالمُمْكِنِ كَإطْلاَقِ البَيَاضِ عَلَی‌ بَيَاضِ القِرْطَاسِ وَبَيَاضِ الثَّوبِ وَالتُّرَابِ .

 وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلاَّ أَ نَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُ أَفْرَادِهَا وَاجِبُ الوُجُودِ وَهُوَ خَالِصُهَا قَبْلَ تَنَزُّلِهِ ، وَبَعْضُ أَفْرَادِهَا مُمْكِنُ الوُجُودِ إذْ بَعْدَ تَنَزُّلِهَا اخْتَلَطَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا بِعَوارِضِ رُتْبَةِ تَنَزُّلِهِ .

 وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ هُوَ الجَوَاهِرُ الزَّوَاهِرُ وَالعِلْمُ اللَّدُنِّي‌ُّ ؛ «فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعلی الْكَبِيرِ» . [15]

 وَأَمَّا عَلَی‌ رَأْيِنَا المُسْتَفَادِ مِنْ مَذْهَبِ سَادَتِنَا وَمَوَإلینَا عَلَیهِمُ السَّلاَمُ أَنَّ مَحَلَّ التَّقْسِيمِ هُوَ الوُجُودُ الحَادِثُ الَّذِي‌ أَحْدَثَهُ بِفِعْلِهِ لاَ مِنْ شَي‌ٍْ ؛ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِنَا وَعِنْدَ المُصَنِّفِ وَمَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ .

 وَأَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَ المُصَنِّفِ وَأَتْبَاعِهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَحَلَّ التَّقْسِيمِ لاَ يَكُونُ إلاَّ حَادِثاً لاِ نَّهُ مُكْتَنَهٌ وَلَوْ إجْمَالاً . فَإنَّ مَنْ أَدْرَكَ فَرْداً مِنْ أَفْرَادِ الحَقِيقَةِ الواحِدَةِ الصَّادِقَةِ عَلَی‌ كُلِّ فَرْدٍ لِذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، أَي‌ْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عَوَارِضِ التَّرَتُّبِ اللاَّحِقَةِ لَهُ ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ صِرْفَ تِلْكَ الحَقِيقَةِ .

 وَمَا يُشِيرُونَ إلَیهِ لَيْسَ إلاَّ كَالخَشَبِ ؛ فَإنَّ صِرْفَهُ هُوَ هَذَا الهَيُولَي‌ وَالصُّورَةُ النَّوْعِيَّتَانِ ، وَأَمَّا الاَفْرَادُ الَّتِي‌ لَحِقَتْهَا العَوَارِضُ الغَيْرِيَّةُ كَالبَابِ وَالصَّنَمِ وَالسَّرِيرِ ، فَإنَّ حِصَصَهَا هِي‌َ بِعَيْنِهَا تِلْكَ الهَيُولَي‌ وَالصُّورَةُ النَّوْعِيَّتَانِ ؛ وَإنَّمَا لَحِقَتْهَا عَوَارِضُ مَرَاتِبِ تَنَزُّلاَتِهَا فَتَغايَرَتْ بِالمُشَخِّصَاتِ .

 وَالعِبَارَةُ الصَّرِيحَةُ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ أَنَّ الحَقَّ تَعَإلَی‌ مَادَّةُ كُلِّ شَي‌ءٍ كَمَا قُلْنَا فِي‌ الخَشَبِ ، وَالصُّورَةُ المَوْهُومَةُ هِي‌َ العَبْدُ مِنْ حَيْثُ نَفْسِهِ .

 وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : أَنَا اللَهُ بِلاَ أَنَا . يَعْنِي‌ أَنَّ الاَنَانِيَّةَ هِي‌َ العَبْدُ . وَهِي‌َ فِي‌ الحَقِيقَةِ حُدُودٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الحِصَّةِ المَحْدُودَةِ .

 وَاسْمَعْ قَوْلَ إمَامِهِمْ مُمِيتِ الدِّينِ فِي‌ «الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» نَقَلْتُهُ مِنِ انْتِخَابَاتِهَا لِلشَّيْخِ أَبِي‌ حَيَّانِ الطَّبِيبِ الشِّيَرازِي‌ِّ :

 قَالَ فِي‌ البَابِ المِائَتَيْنِ وَإحْدَي‌ وَثَّمَانِينَ فِي‌ مَعْرِفَةِ مَنْزِلِ الضَّمِّ وَإقَامَةِ الوَاحِدِ مَقَامَ الجَمَاعَةِ مِنَ الحَضْرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ :

 صَلاَةُ العَصْـرِ لَيْـسَ لَهَا نَظِيرُ                   لِضَمِّ الشَّـمْلِ فِيهَـا بِالحَبِيبِ

 هِي‌َ الوُسْـطَي‌ لاِمْـرٍ فِيهِ دَوْرٌ                 مُحَصِّـلَةً عَلَی‌ أَمْـرٍ عَجِيبِ

 وَمَا لِلدَّوْرِ مِـنْ وَسَـطٍ تَـرَاهُ                      وَلاَ طَرَفَيْـنِ فِي‌ عِلْـمِ اللَبِيبِ

 فَكَيْفَ الاَمْرُ فِيهِ فَدَتْكَ نَفْسِي‌                 فَخُصَّ العَبْدُ بِالعِلْمِ الغَرِيبِ[16]

 فَإنَّ الاَسْمَاءَ فِي‌ حَقِّ الكَامِلِ تَتَمَانَعُ ، فَيُؤَدِّي‌ ذَلِكَ التَّمَانُعُ إلَی‌ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ . فَيَبْقَي‌ مُنَزَّهاً عَنِ التَّأْثِيرِ مَعَ الذَّاتِ المُطْلَقَةِ الَّتِي‌ لاَ تُقَيِّدُهَا الاَسْمَاءُ وَلاَ النُّعُوتُ .

 فَيَكُونُ الكَامِلُ فِي‌ غَايَةِ الصَّحْوِ كَالرُّسُلِ وَهُمْ أَكْمَلُ الطَّوَائِفِ ؛ لاِنَّ الكَامِلَ فِي‌ غَايَةِ القُرْبِ يَظْهَرُ بِهِ فِي‌ كَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ مُشَاهِداً كَمَالَ ذَاتِ مُوجِدِهِ . وَإذَا تَحقَّقْتَ مَا قُلْنَاهُ عَلِمْتَ أَيْنَ ذَوْقُكَ مِنْ ذَوْقِ الرِّجَالِ الكُمَّلِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُمْ مِنْهُ وَنَزَّهَهُمْ عَنْهُ . فَهُمْ وَهُوَ ، كَهُوَ وَهُمْ . فَسَمَّاهُ الكَامِلُ مِنْهُمُ العَصْرَ . لاِ نَّهُ ضَمُّ شَي‌ءٍ إلَی‌ شَي‌ءٍ لاِسْتِخْرَاجِ مَطْلُوبٍ . فَضُمَّتْ ذَاتُ عَبْدٍ مُطْلَقٍ فِي‌ عُبُودِيَّتِهِ لاَ يَشُوبُهَا رُبُوبِيَّةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، إلَی‌ ذَاتِ حَقٍّ مُطْلَقٍ لاَ يَشوبُهَا عُبُودِيَّةٌ أَصْلاً بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، مِنِ اسْمٍ إلَهي‌ٍّ بِطَلَبِ الكَوْنِ .

 فَلَمَّا تَقَابَلَتِ الذَّاتَانِ بِمِثْلِ هَذِهِ المُقَابَلَةِ ، كَانَ المُعْتَصَرُ عَيْنَ الكَمَالِ

 لِلْحَقِّ وَالعَبْدِ . وَهُوَ كَانَ المَطْلُوبُ الَّذِي‌ لَهُ وُجِدَ العَصْرُ .

 فَإنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إلَیهِ فَقَدْ سَعَدْتَ ، وَأَلْقَيْتُكَ عَلَی‌ مَدْرَجَةِ الكَمَالِ فَارْقَ فِيهَا . وَلِهَذَا المَعْنَي‌ الإشَارَةُ فِي‌ نَظْمِنَا فِي‌ أَوَّلِ البَابِ :

 صَلاَةُ العَصْرِ لَيْسَ لَهَا نَظِيرُ                     لِضَمِّ الشَّمْلِ فِيهَا بِالحَبِيبِ [17]

الرجوع الي الفهرس

تمثيل‌ الجيلي‌ّ في‌ معني‌ «نقطة‌ الوحدة‌ بين‌ قوسي‌ الاحديّة‌ والواحديّة‌»

 قَالَ عَبْدُ الكَرِيمِ الجِيلاَنِي‌ُّ فِي‌ كِتَابِهِ «الإنسَان‌ الكَامِل‌» بعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ فِي‌ اسْمِ اللَهِ :

 قَالَ : فَاسْتِدَارَةُ رَأْسِ الهَاءِ إشَارَةٌ إلَی‌ دَوَرَانِ رَحَي‌ الوُجُودِ الحَقِّي‌ِّ وَالخَلْقِي‌ِّ عَلَی‌ الإنسَانِ . فَهُوَ فِي‌ عَالَمِ المِثَالِ كَالدَّائِرَةِ الَّتِي‌ أَشَارَ الهَاءُ إلَیهَا .

 فَقُلْ مَا شِئْتَ ! إنْ شِئْتَ قُلْتَ : الدَّائِرَةُ حَقٌّ وَجَوْفُهَا خَلْقٌ ، وَإنْ شِئْتَ قُلْتَ : الدَّائِرَةُ خَلْقٌ وَجَوْفُهَا حَقٌّ ؛ فَهُوَ حَقٌّ وَهُوَ خَلْقٌ ، وَإنْ شِئْتَ قُلْتَ : الاَمْرُ فِيهِ بِالإلْهَامِ .

 فَالاَمْرُ فِي‌ الإنْسَانِ دَوْرِي‌ٌّ بَيْنَ أَ نَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ ذُلُّ العُبودِيَّةِ وَالعَجْزِ ، وَبَيْنَ أَ نَّهُ عَلَی‌ صُورَةِ الرَّحْمَنِ فَلَهُ الكَمَالُ وَالعِزُّ .

 قَالَ اللَهُ تَعإلَی‌ : وَاللَهُ هُوَ الوَلِي‌ُّ [18] يَعْنِي‌ الإنْسَانَ الكَامِلَ الَّذِي‌ قَالَ فِيهِ : «أَ لآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَهِ لاَ خَوْفٌ عَلَیهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» .[19]

 لاِ نَّهُ يَسْتَحِيلُ الخَوْفُ وَالحُزْنُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَی‌ اللَهِ ؛ لاِ نَّ اللَهَ هُوَ الوَلِي‌ُّ الحَميدُ ، [20] «وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَي‌' وَهُوَ عَلَی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[21] ؛

 أَي‌ِ الوَلِي‌ُّ .

 فَهُوَ حَقٌّ مُتَصَوَّرٌ فِي‌ صُورَةٍ خَلْقِيَّةٍ ؛ أَوْ خَلْقٌ مُتَحَقِّقٌ بِمَعَانِي‌ الإلَهِيَّةِ .

 فَعَلَی‌ كُلِّ حَالٍ وَتَقْدِيرٍ ، وَفِي‌ كُلِّ مَقَالٍ وَتَقْرِيرٍ ؛ هُوَ الجَامِعُ لِوَصْفَي‌ِ النَّقْصِ وَالكَمَالِ ، وَالسَّاطِعُ فِي‌ أَرْضِ كَوْنِهِ بِنُورِ شَمْسِ المُتَعَالِ .

 فَهُوَ السَّمَاءُ وَالاَرْضُ ، وَهُوَ الطُّولُ وَالعَرْضُ ؛ وَفِي‌ هَذَا المَعْنَي‌ قُلْتُ :

 لِي‌َ المُلْكُ فِي‌ الدَّارَينِ لَمْ أَرَ فِيهِمَا                      سِـوَاي‌َ فَأَرْجُـو فَضْـلَهُ أَوْ فَأَخْشَـاهُ

 إلَی‌ أَنْ قَالَ مِنْ هَذِهِ القَصِيدَةِ وَهِي‌َ طَوِيلَةٌ :

 وَإنِّـــي‌ رَبٌّ لِـلاْنَـــامِ وَسَــــيِّـــدٌ              جَمِيـعُ الوَرَي‌ اسْـمٌ وَذَاتِـي‌ مُـسَـمَّـاهُ

 لِي‌َ المُلْكُ وَالمَلْكُوتُ نَسْجِي‌ وَصَنْعَتِي‌                لِي‌َ الغَيْبُ وَالجَـبْـرُوتُ مِـنِّـي‌َ مَنْـشَـاهُ

 إلَی‌ آخِرِ القَصِيدَةِ وَكَلاَمِهِ» [22] .

 فَقَالَ أَيضاً فِي‌ الكِتَابِ المَذْكُورِ :

 وَمَا الخَلْقُ فِي‌ التِّمْثَالِ إلاَّ كَثَلْجَةٍ                        وَأَنْتَ بِهَا المَاءُ الَّذِي‌ هُوَ نَابِعُ

 وَمَا الثَّلْجُ فِي‌ تَحْقِيقِنَا غَيْرَ مَائِهِ               وَغَيْرَانِ فِي‌ حُكْمٍ دَعَتْهُ الشَّرَائِعُ

 وَلَكِنْ يَذُوبُ الثَّلْجُ يُرْفَعُ حُكْمُهُ                 وَيُوضَعُ حُكْمُ المَاءِ وَالاَمْرُ وَاقِعُ

 تَجَمَّعَتِ الاَضْدَادُ فِي‌ وَاحِدِ الْبَهَا               وَفِيهِ تَلاَشَتْ وَهْوَ عَنْهُنَّ سَاطِعُ [23]

 وهذا الرجل‌ ( الشيخ‌ عبدالكريم‌ الجيلي‌ّ ) هو من‌ أكابر أئمّة‌ أهل‌ العرفان‌ . ولو تتبّعتَ في‌ كتب‌ المُؤلّف‌ ( الملاّ صدرا الشيرازي‌ّ ) كهذا الكتاب‌ وغيره‌ ، لوجدت‌ أنّ كلامه‌ مشابه‌ لكلام‌ العرفاء ، مع‌ اختلاف‌ في‌ عباراته‌ واستدلالاته‌ التي‌ سبكها علی‌ نمط‌ الحكماء خلافاً لعبارات‌ أهل‌ العرفان‌ والتصوّف‌ .

 ويمكن‌ استشمام‌ العِلم‌ بذات‌ الواجب‌ والحقّ تعإلی‌ من‌ تلك‌ المصنّفات‌ دون‌ شكّ أو غموض‌ ، لانّ الوجود عندهم‌ عبارة‌ عن‌ الحقيقة‌ الواحدة‌ ؛ مع‌ وجود الاختلاف‌ في‌ أنّ دلالة‌ العبارات‌ الصوفيّة‌ علی‌ مطلوبهم‌ ومرادهم‌ أكثر من‌ عبارة‌ المصنّف‌ نفسه‌ . لكنّه‌ صرّح‌ بذلك‌ في‌ كثير من‌ عباراته‌ ، مثل‌ : كَوْنُ الخَلقِ مِنْهُ بِالسِّنْخِ ، ومثل‌ : الوُجُودُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ صِرْفُهَا وَاجِبُ الوُجُودِ وَمَشُوبُهَا المُمْكِنُ . وبيّنَ في‌ « المشاعر » وغيره‌ أنّ : النقصان‌ الموجود في‌ الموجودات‌ المشوبة‌ ليس‌ ذلك‌ من‌ ذاتها ، لانّ ذاتها مُنزّهة‌ من‌ النقص‌ ، وأنّ عُروض‌ النقصان‌ فقط‌ تنزّل‌ علیها من‌ جهة‌ لحوق‌ خصوص‌ المراتب‌ .

 ( كان‌ كلّ ذلك‌ بحثاً في‌ معني‌ الوجود بناء علی‌ رأي‌ الحكيم‌ الملاّ صدرا الشيرازي‌ّ وعقيدته‌ ) .

الرجوع الي الفهرس

افتراء الاحسائي‌ّ علی‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌

 وأمّا علی‌ رأينا الصادق‌ وعقيدتنا الحقّة‌ في‌ أنّ أصل‌ مَحلّ التقسيم‌ هو وجود ممكن‌ الوجود وحسب‌ ، فيجب‌ القول‌ : إنّ اتّحاد حقيقة‌ الوجود أمر غير صحيح‌ ولا واقع‌ .

 وَإنَّمَا هُوَ بِلِحَاظِ صِدْقِ الاسْمِ مِنْ جَهَةِ الاصْطِلاَحِ لاَ مِنْ جَهَةِ اللُغَةِ . فَإنَّ لَفْظَ الوُجُودِ لَمْ يُوضَعْ لِذَاتٍ وَإنَّمَا وُضِعَ لِصِفَةٍ ، أَعْنِي‌ المَعْنَي‌ المَصْدَرِي‌َّ ، أَي‌ِ الكَوْنَ فِي‌ الاَعْيَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الوُجُودَ عِنْدَ العَوَامِّ هُوَ الكَوْنُ فِي‌ الاَعْيَانِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالوُجُودُ مَا بِهِ الكَوْنُ فِي‌ الاَعْيَانِ انتهي‌ .

 أَقُولُ : وَكَلاَمُ العَوَامِّ حَقٌّ بِحَسَبِ وَضْعِ اللُغَةِ ؛ وَأَمَّا مَا بِهِ الكَوْنُ فِي‌ الاَعْيَانِ فَهُوَ المَوْجُودُ ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَادَّةِ الشَّي‌ءِ . إذْ بِهَا مَعَ تَحَقُّقِهَا بِالمُعَيِّنَاتِ الجِنْسِيَّةِ أَوِ النَّوْعِيَّةِ أَوِ الشَّخْصِيَّةِ يَتَحَقَّقُ الكَوْنُ فِي‌ الاَعْيَانِ .

 وَهَذَا أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ لِمَنْ فَتَحَ عَيْنَهُ وَنَظَرَ فِي‌ نَفْسِ الاَمْرِ . وَأَمَّا مَنْ غَمَضَ عَيْنَهُ وَنَظَرَ إلَی‌ مَنْ قَالَ ، فَإنَّهُ يَرَي‌ أَنَّ الوُجُودَ شَي‌ءٌ هُوَ جَوْهَرٌ إلاَّ أَ نَّهُ يَتَصَوَّرُ شَيْئَاً غَيْرَ الشَّي‌ءِ .

 لاِ نَّهُ لاَ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ وَلَكِنْ تَبِعَ مَنْ يَقُولُ تَبَعاً لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ : ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَی‌ غَيْرِنَا إلَی‌ عُيُونٍ كَدِرَةٍ يَفْرُغُ بَعْضُهَا فِي‌ بَعْضٍ ؛ وَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَینَا إلَی‌ عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي‌ بِأَمْرِ اللَهِ لاَ نَفَادَ لَهَا .

 ويُواصل‌ الاحسائي‌ّ الشرح‌ والتفصيل‌ علی‌ هذا المنوال‌ في‌ سبيل‌ إكمال‌ مراده‌ وإضعاف‌ رأي‌ الملاّ صدرا ، فيُتابع‌ الموضوع‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ حيث‌ يقول‌ :

 « وأمّا ما ذهب‌ إلیه‌ المصنّف‌ فهو عبارة‌ عن‌ تصوّر الحقيقة‌ البسيطة‌ وتقسيمها مع‌ وجود البساطة‌ إلی‌ صِرف‌ الوجود أي‌ خلوصه‌ من‌ الخلط‌ والامتزاج‌ ، وأقرّه‌ بأ نّه‌ الواجب‌ تعإلی‌ ؛ وإلی‌ الوجودات‌ المشوبة‌ بالنقائص‌ قائلاً إنّها وجودات‌ الاشياء .

 وقد بالغ‌ في‌ بيان‌ الجواهر الزواهر وقال‌ : ليست‌ هذه‌ الاعدام‌ والنقائص‌ الموجودة‌ في‌ ذات‌ هذه‌ الموجودات‌ مُلحقة‌ من‌ جهة‌ ذاتها ، لانّ ذواتها منزّهة‌ عن‌ ذلك‌ ؛ بل‌ التحاق‌ هذه‌ بتلك‌ من‌ جهة‌ عوارض‌ مراتب‌ تنزّلاتها .

 ومن‌ هنا يأتي‌ تشبيههم‌ العوارض‌ بقطعة‌ ثلج‌ والله‌ سبحانه‌ بالماء . فإذا حدث‌ انكسار في‌ الثلج‌ فإنّ ذلك‌ لا يحصل‌ للماء . وهكذا فإنّ الوجودات‌ عندهم‌ بغضّ النظر عن‌ العوارض‌ عبارة‌ عن‌ صِرف‌ الوجود ، وإذا طرأت‌ علیها العوارض‌ فإنّ ذلك‌ الطروء واللحاق‌ يكون‌ في‌ مراتب‌ التنزّل‌ .

 فإن‌ قلتَ هنا : ليس‌ هذا مراد المصنّف‌ أو هدفه‌ ؟

 نقول‌ في‌ جواب‌ ذلك‌: إن‌ لم‌ أكن‌ قد فهمتُ ، فرضاً ، مراد المصنّف‌ أو هدفه‌ ، فهل‌ يمكن‌ القول‌ إنّ صهره‌ الملاّ محسن‌ لم‌ يفهم‌ ذلك‌ أيضاً ، ولم‌ يسِر علی‌ ذلك‌ الممشي‌ كذلك‌ ؟!

 كلا ! ليس‌ بإمكانك‌ بالطبع‌ إنكار كلامه‌ ! ولهذا سأبيّن‌ لك‌ أنّ صهره‌ الملاّ محسن‌ قال‌ في‌ « الكلمات‌ المكنونة‌ » ما يلي‌ :

الرجوع الي الفهرس

إشكالات‌ الاحسائي‌ّ علی‌ كلام‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ «الكلمات‌ المكنونة‌»

 كما أنّ وجودنا هو بعينه‌ وجوده‌ سبحانه‌ ، مع‌ اختلاف‌ في‌ كونه‌ حادثاً بالنسبة‌ لنا وقديماً بالنسبة‌ له‌ سبحانه‌ ؛ وكذا الحال‌ مع‌ صفاتنا الاُخري‌ كالحياة‌ والقدرة‌ والإرادة‌ وما إلی‌ ذلك‌ ، لانّ هذه‌ هي‌ عينها صفاته‌ مع‌ اختلاف‌ في‌ كونها صفات‌ مُحدَثة‌ بالنسبة‌ لنا وصفات‌ قديمة‌ بالنسبة‌ له‌ . لانّ هذه‌ الصفات‌ هي‌ صفات‌ منسوبة‌ إلینا ومُلحقة‌ بنا ؛ والحدوث‌ الملازم‌ لذاتنا ملازم‌ لصفاتنا . لكنّها قديمة‌ بالنسبة‌ له‌ ، وذلك‌ لانّ صفاته‌ ملازمة‌ لذاته‌ وذاته‌ قديمة‌ .

 وإن‌ شئتَ فهم‌ هذه‌ الحقيقة‌ واستيعابها جيّداً فانظر إذن‌ إلی‌ حياتك‌ كيف‌ أ نّها مملوكة‌ لك‌ ومنسوبة‌ إلیك‌ ومقيّدة‌ بك‌ ! لا نّك‌ لاتجد هنا إلاّ روحاً واحدة‌ مختصّة‌ بك‌ ، وتلك‌ الروح‌ هي‌ حادثة‌ . وإذا رفعت‌ نظرك‌ عن‌ كونها مختصّة‌ بك‌ وتحسّستَ بقلبك‌ من‌ حيث‌ الشهود والوجدان‌ بأنّ حياة‌ ووجود أي‌ّ موجود حي‌ّ إنّما تكون‌ في‌ حياة‌ ووجود الحقّ كما كانت‌ حياتك‌ أنت‌ هكذا أيضاً وشاهدت‌ ولاحظتَ سريان‌ وجريان‌ تلك‌ الحياة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌ ؛ فستعلم‌ أنّ حياتك‌ هذه‌ هي‌ عينها الحياة‌ القائمة‌ بالموجود الحي‌ّ والذي‌ به‌ يقوم‌ العالَم‌ كلّه‌ . وتلك‌ هي‌ الحياة‌ الإلهيّة‌ .

 وكذا الحال‌ مع‌ سائر الصفات‌ مع‌ اختلاف‌ في‌ كون‌ أنّ الخلائق‌ متباينة‌ من‌ جهة‌ تباين‌ قابليّاتها في‌ اتّصافها بتلك‌ الصفات‌ ، كما نشهد ذلك‌ في‌ كثير من‌ الاماكن‌ . وهذه‌ هي‌ إحدي‌ المعاني‌ الموجودة‌ في‌ كلام‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ قوله‌ :

 كُلُّ شَي‌ءٍ خَاضِعٌ لَهُ ، وَكُلُّ شَي‌ءٍ قَائِمٌ بِهِ . غِنَي‌ كُلِّ فَقِيرٍ ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ . [24] انتهي‌ .

 وبناء علی‌ ما قلناه‌ ، فإن‌ لم‌ يكن‌ معني‌ هذا القول‌ هو القول‌ بـ « وحدة‌ الوجود » والذي‌ أجمع‌ كلّ العلماء واتّفقوا علی‌ أنّ القائل‌ بهذا هو كافر ؛ إذن‌ ، فأي‌ّ قول‌ غيره‌ يعني‌ القول‌ بـ « وحدة‌ الوجود » ؟! بل‌ إنّ هذا الكلام‌ يشير بوضوح‌ إلی‌ القول‌ بـ « وحدة‌ الوجود » و « وحدة‌ الموجود » معاً » .

 ويُطنب‌ الاحسائي‌ّ في‌ الموضوع‌ هنا كذلك‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ نهاية‌ البحث‌ حيث‌ يقول‌ :

 «وَلَكِنْ لَوْ بَنَيْنَا عَلَی‌ مَذْهَبِ المُصَنِّفِ وَأَتْبَاعِهِ قُلْنَا إفَاضَةُ الوُجُودِ الوَاحِدِ المُنْبَسِطِ عَلَی‌ المُمْكِنَاتِ هَلْ هُوَ كَمَالٌ فِي‌ حَقِّهِ تَعَإلَی‌ أَمْ نَقْصٌ ؟!

 فَإنْ كَانَ كَمَالاً كَانَ فَاقِدَ الكَمَالِ قَبْلَ الإفَاضَةِ ؛ وَإنْ كَانَ مُفِيضاً فِي‌ الاَزَلِ كَانَتِ المَوْجُودَاتُ غَيْبُهَا وَشَهَادَتُهَا ، جَوَاهِرُهُا وَأعْرَاضُهَا أَزَلِيَّةً .

 وَإنْ كَانَ نَقْصاً فِي‌ حَقِّهِ فَإنْ كَانَتِ الإفَاضَةُ فِي‌ الاَزَلِ شَابَهُ نَقْصٌ لِذَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ صِرْفَ الوُجُودِ ، وَإنْ كَانَتْ بَعْدَ الاَزَلِ سَاوَي‌ الوُجُودَاتِ المُمْكِنَةَ ، لاِ نَّهَا عِنْدَ المُصَنِّفِ وَأَتْبَاعِهِ لَمْ يَلْحَقْهَا النَّقْصُ لِذَاتِهَا وَإنَّمَا لَحِقَهَا مِنْ عَوَارِضِ مَرَاتِبِ تَنَزُّلاَتِهَا ؛ فَيَكُونُ الوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِتَقْسِيمِهِ مُحَصَّلٌ وَلاَ فَائِدَةٌ» [25] .

الرجوع الي الفهرس

الاحسائي‌ّ لا يعلم‌ الفرق‌ بين‌ القديم‌ الزمني‌ّ والقديم‌ الربّي‌ّ ولا بين‌ ...

 الكلّ يعلم‌ من‌ خلال‌ الإشكال‌ الاخير الذي‌ أورده‌ الشيخ‌ الاحسائي‌ّ علی‌ الحكيم‌ المتأ لّه‌ الصمداني‌ّ الشيرازي‌ّ أنّ الاحسائي‌ّ كان‌ بحقّ أجرد وأجوف‌ من‌ حيث‌ فهم‌ اصطلاحات‌ العرفاء والفلاسفة‌ الإلهيّين‌ ، وهو ما يبعث‌ بالفعل‌ علی‌ الدهشة‌ والغرابة‌ والاسف‌ والعار علی‌ الإسلام‌ معاً ، ويثير تساؤلاً في‌ أ نّه‌ كيف‌ دخل‌ الإسلام‌ بعقله‌ الاجوف‌ والتافه‌ هذا ومذهبه‌ وعقيدته‌ الحشويّة‌ ؟! كيف‌ سمح‌ لنفسه‌ بوضعها في‌ مصافّ علماء كبار مِن‌ أمثال‌ الملاّ صدرا والشيخ‌ إسماعيل‌ الخواجوئي‌ّ الإصفهاني‌ّ والحكيم‌ المتأ لّه‌ الحاجّ السبزواري‌ّ تغمّدهم‌ الله‌ برضوانه‌ بانتحاله‌ هذا الدين‌ الحنيف‌ وهذه‌ القواعد الحِكميّة‌ المرصوصة‌ ؟!

 حتّي‌ أنّ الذي‌ يدرس‌ مقدّمات‌ الحكمة‌ المتعإلیة‌ ليعلم‌ أنّ هناك‌ فرقاً بين‌ القديم‌ الزماني‌ّ والقديم‌ الرُّتبي‌ّ ، وفَرقاً كذلك‌ بين‌ الواجب‌ بالذات‌ والواجب‌ بالغير .

 ولو تأ نّي‌ هذا الشيخ‌ الضالّ والمستبدّ برأيه‌ الاعمي‌ للحظات‌ ووقف‌ أمام‌ مدرسة‌ الحكمة‌ المتعإلیة‌ متأمّلاً وإن‌ قلّ تأمّله‌ ، وأنصتَ إلی‌ الادب‌ شيئاً يسيراً لعَقِلَ أنّ جميع‌ الموجودات‌ الممكنة‌ الوجود تمتلك‌ حدوثاً ذاتيّاً لا زمانيّاً ، لانّ الزمان‌ نفسه‌ هو أحد الحادثات‌ كذلك‌ . كيف‌ يُعقَل‌ أن‌ يكون‌ حادثاً زمانيّاً ؟

 ولعَقِلَ أيضاً أنّ جميع‌ الموجودات‌ الممكنة‌ الوجود التي‌ تمتلك‌ إمكاناً ذاتيّاً هي‌ واجبة‌ بالغير . ولا يمكن‌ تصوّر تعارض‌ بين‌ الإمكان‌ بالذات‌ والوجوب‌ بالغير علی‌ الإطلاق‌ ، بل‌ يربط‌ بينهما منتهي‌ الكمال‌ .

 وليس‌ لكلمة‌ الوجود عند الناس‌ إلاّ معني‌ واحداً وهو الدارج‌ والمعروف‌ بينهم‌ ؛ ألا وهو ما يعنيه‌ الوجود في‌ مقابل‌ العدم‌ . إنّ ذات‌ واجب‌ الوجود والحقّ تعإلی‌ تمتلك‌ وجوداً بنفس‌ معني‌ ومفهوم‌ الوجود الذي‌ تمتلكه‌ سائر الموجودات‌ .

 إنّنا ، ومهما فكّرنا أو عصرنا مُخّنا ، عاجزون‌ عن‌ إيجاد حقيقة‌ أو حقائق‌ متباينة‌ لمعني‌ الوجود ، فنتمكّن‌ بذلك‌ من‌ تسمية‌ أحدها مثلاً بالوجود الحقّ وتسمية‌ البقيّة‌ بوجود المخلوقات‌ والاشياء ممكنة‌ الوجود . فذلك‌ المفهوم‌ هو نفسه‌ المفهوم‌ البسيط‌ والبديهي‌ّ وهو أوّل‌ ما يخطر ببالنا في‌ مقابل‌ العدم‌ ؛ سواء أكان‌ ذلك‌ في‌ الذات‌ الازليّة‌ أم‌ في‌ الصادر الاوّل‌ في‌ العقول‌ العإلیة‌ المجرّدة‌ المفارقة‌ أم‌ في‌ النفوس‌ والطبائع‌ والاشياء والهيولي‌ الاوّليّة‌ التي‌ يسمّونها بمادّة‌ الموادّ .

 فلفظة‌ الوجود تُطلَق‌ علی‌ كلّ تلك‌ الاشياء جميعاً بعناية‌ واحدة‌ وجِهة‌ واحدة‌ . هذا من‌ جهة‌ مفهومها البسيط‌ ، وأمّا بلحاظ‌ إدراك‌ حقيقة‌ الوجود وسَبر أغوارها فذلك‌ مقام‌ رفيع‌ ومرتبة‌ عإلیة‌ ليس‌ بإمكان‌ كلّ أحد الوصول‌ إلیهما . ذلك‌ هو كنه‌ الوجود وواقعه‌ والذي‌ يؤول‌ في‌ النهاية‌ إلی‌ الاختفاء والتستُّر ؛ ولا تفاوت‌ كذلك‌ في‌ تلك‌ الجهة‌ بين‌ إدراك‌ حقيقة‌ وكنه‌ وجود الحقّ تعإلی‌ وفهمها وبين‌ حقيقة‌ وكنه‌ سائر وجودات‌ الممكنات‌ .

 لا شكّ أنّ إدراك‌ كنه‌ الوجود ، أ نّي‌ كان‌ ، هو من‌ أصعب‌ المصاعب‌ وأعقد المشاكل‌ ؛ لكنّ مفهومه‌ علی‌ نحو معنوي‌ّ مُشتَرَك‌ ، سهل‌ ويسير علی‌ جميع‌ الموجودات‌ .

 يقول‌ الحكيم‌ العظيم‌ الحاجّ الملاّ هادي‌ّ السبزواري‌ّ تغمّده‌ الله‌ برضوانه‌ :

 مُعَرِّفُ الوُجُودِ شَرْحُ الاسْمِ                     وَلَيْـسَ بِالحَـدِّ وَلاَ بِالرَّسْـمِ

 مَفْهُومُهُ مِنْ أَعْرَفِ الاَشْـيَاءِ                    وَكُنْهُهُ فِي‌ غَـايَـةِ الخَـفَـاءِ

وهنا انقطع‌ سلسبيل‌ المصنّف‌ العَطِر الجيّاش‌ الطافح‌ بشلاّل‌ المسك‌ والعنبر ، وتوقّف‌ بنانه‌ الشامخ‌ عن‌ نثر ال لآلي‌ البرّاقة‌ والدُّرر اللامعة‌ في‌ المعارف‌ الإلهيّة‌ الحقّة‌ . نعم‌ ، لقد سكتَ ذلك‌ القلب‌ وأحجم‌ عن‌ النبض‌ ، بعد أن‌ قضي‌ عمراً في‌ إعلإ كلمة‌ التوحيد وتبيين‌ مقام‌ ولاية‌ الله‌ الكلّيّة‌ والذود عن‌ حياض‌ التشيّع‌ والمبادي‌ الثقافيّة‌ الإسلاميّة‌ الاصيلة‌ : فهوي‌ ساكناً لساعتين‌ بقيتا لوقت‌ الظُّهر من‌ يوم‌ السبت‌ في‌ التاسع‌ من‌ صفر الخير ، سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وستّة‌ عشر هجريّة‌ ، عند الاعتاب‌ المقدّسة‌ لثامن‌ الائمّة‌ علی‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا علیه‌ ا لآف‌ التحيّة‌ والثناء ؛ ملبّياً بذلك‌ نداء ارْجِعِي‌´ ، نشواناً بـ سَقَب'هُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا معانقاً شاهِدَ الوصال‌ . ومُحَلِّقاً نحو رياض‌ القُدس‌ فِي‌ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ .

رَحْمَةُ اللَهِ عَلَیهِ رَحْمَةً واسِعَةً

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ صدر الآية‌ 180 ، من‌ السورة‌ 7 : الاعراف‌ . هذه‌ العبارات‌ موجودة‌ في‌ كتاب‌ «شرح‌ الزيارة‌ الجامعة‌ الكبيرة‌» للشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ (طبعة‌ الناصري‌ّ الحجريّة‌ ، تبريز ، خطّ محمّد علي‌ بن‌ ميرزا محمّد شَفيع‌) ص‌ 123 ، السطر الثالث‌ إلي‌ السادس‌ . 

[2] ـ صدر الآية‌ 79 ، من‌ السورة‌ 3 : آل‌ عمران‌ . والآيتان‌ اللتان‌ تليانها هما :

 وَلَـ'كِن‌ كُونُوا رَبَّـ'نِيّــِنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَـ'بَ وَ بِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن‌ تَتَّخِذُوا الْمَلَـ'´نءِكَةَ وَالنَّبِيّــِنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم‌ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم‌ مُّسْلِمُونَ .

[3] ـ «جنّة‌ المأوي‌» ص‌ 115 إلي‌ 117 ، طبعة‌ تبريز ، مطبعة‌ شركة‌ چاپ‌ ؛ تعليقة‌ آية‌ الله‌ القاضي‌ رحمه‌ الله‌ . 

[4] ـ هَلَكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَكيمٌ يُرشِدُهُ ؛ وَذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَفِيهٌ يَعْضُدُهُ . («كشف‌ الغمّة‌ في‌ معرفة‌ الائمّة‌» لعلي‌ّ بن‌ عيسي‌ الإرْبِلي‌ّ ، ص‌ 209 ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، سنة‌ 1294 ه ، وفي‌ الطبعة‌ الوزيريّة‌ ، تبريز سنة‌ 1381 ه : ج‌ 2 ، ص‌ 325 ) .

[5] ـ يقول‌ : «يُعيبني‌ الفضول‌ علي‌ إخلاصي‌ ووفائي‌ ؛ وهو في‌ الحقيقة‌ لا يُعيب‌ إلاّ أسرار عِلم‌ الغيب‌ .

 انظر إلي‌ كمال‌ سرّ حُبّي‌ وغضّ النظر عن‌ قلّة‌ ذنوبي‌ وقبحها ؛ فإنّ عيون‌ من‌ خلا من‌ الفنّ والكمال‌ لا تري‌ إلاّ القبح‌ والنقص‌ .

 لن‌ يفوح‌ عبير أنفاس‌ حوريّات‌ الجنّة‌ ؛ حتّي‌ يتعطّرن‌ بتراب‌ حانتنا» .

 إنّ غمزة‌ الساقي‌ تصيب‌ قلوب‌ المسلمين‌ بشكل‌ تُغري‌ حتّي‌ صُهَيباً (أي‌ أبو يحيي‌ صهيب‌ بن‌ سنان‌ الرومي‌ّ ، الصحابي‌ّ الذي‌ قال‌ عنه‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ : نِعَم‌ العبدُ صُهيب‌ ؛ لو لم‌ يَخفِ الله‌ لم‌ يَعصِه‌) إلي‌ شُرب‌ الخمر» . 

[6] ـ يقول‌ : «إن‌ مفاتيح‌ الكنوز والسعادة‌ والاقبال‌ هي‌ بِيَد العُشّاق‌ ؛ ولا يجب‌ علي‌ أحد الشكّ أو الارتياب‌ في‌ هذه‌ المسألة‌ .

 إنّ راعي‌ الوادي‌ الايمن‌ (كناية‌ عن‌ موسي‌ عليه‌ السلام‌) ما كان‌ ليصل‌ إلي‌ مراده‌ (في‌ النبوّة‌) ؛ إلاّ بعد أن‌ خدم‌ شعيباً النبي‌ّ عليه‌ السلام‌ عدّة‌ سنوات‌ .

 لقد نزفت‌ عينا (حافظ‌) دماً ؛ لتذكّره‌ أيّام‌ شبابه‌ (ومقايسة‌ ذلك‌ مع‌ ما هو عليه‌ الآن‌ من‌ الشيخوخة‌)» .

 «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 57 ، الغزليّة‌ 125 ، طبعة‌ حسين‌ پژمان‌ . 

[7] ـ يقول‌ : «عند مرورك‌ في‌ الظلمات‌ اطلُب‌ الخضر ؛ فهذه‌ المرحلة‌ محفوفة‌ بالمتاهات‌ والطرق‌ الملتوية‌» . «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 213 الغزليّة‌ 466 . 

[8] ـ يقول‌ : «إذا كان‌ هوي‌ الوصال‌ والقُرب‌ يداعب‌ خيالك‌ يا حافظ‌ ؛ عليك‌ أن‌ تكون‌ تراب‌ عتبة‌ أهل‌ هذا الفنّ» .

 «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 230 ، الغزليّة‌ 499 . 

[9] ـ يقول‌ «لا تقطعنّ هذه‌ المرحلة‌ (الصعبة‌ والمحفوفة‌ بالمخاطر) دون‌ صُحبة‌ الخضر ؛ لانّ فيها من‌ الظلمات‌ ما قد يُعرّضك‌ إلي‌ خطر الضياع‌ والضلال‌» .

 «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» ص‌ 347 ، تصحيح‌ محمّد القزويني‌ّ والدكتور قاسم‌ غني‌ ؛ وهذا البيت‌ موجود في‌ تلك‌ الغزليّة‌ المذكورة‌ بتصحيح‌ (پژمان‌) وقد ورد فيها البيت‌ :

 * قطع‌ اين‌ مرحله‌ بي‌ همرهي‌ خضر مكن‌ *

 مع‌ البيت‌ القائل‌ :

 * گذرت‌ بر ظلمات‌ است‌ بجو خضر رهي‌ *

 لكنّ طبعة‌ محمّد القزويني‌ّ اكتفت‌ بإيراد البيت‌ الثاني‌ هذا فقط‌ . 

[10] ـ يقول‌ : «لا تَطأ سبيل‌ العشق‌ دون‌ (اتّخاذك‌ دليلاً معك‌ ؛ فإنّي‌ قد اعتمدتُ علي‌ نفسي‌ واتّكلتُ عليها كثيراً ومع‌ ذلك‌ فلم‌ يُجْدِ ذلك‌ شيئاً» .

 «ديوان‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ» تصحيح‌ پژمان‌ ، ص‌ 103 ، الغزليّة‌ 230 . 

[11] ـ «ريحانة‌ الادب‌» ج‌ 1 ، ص‌ 78 . 

[12] ـ ذيل‌ الآية‌ 40 ، من‌ السورة‌ 24 : النور . 

[13] ـ صدر الدين‌ محمّد الشيرازي‌ّ ، المتوفّي‌ سنة‌ 1050 ه . (م‌) 

[14] ـ «ريحانة‌ الادب‌» ج‌ 6 ، ص‌ 285 ؛ وقال‌ كذلك‌ :

 «قام‌ بتحرير حاشية‌ «المشاعر» للملاّ صدرا ، وحاشية‌ «الاسفار» وحاشية‌ «الشوارق‌» للملاّ عبد الرزّاق‌ اللاهيجي‌ّ ، وكانت‌ وفاته‌ سنة‌ 1277 ه » .

 ويظهر من‌ دعائه‌ له‌ «حرسه‌ الله‌ عن‌ الآفات‌» أ نّه‌ قام‌ بتلك‌ الشروحات‌ في‌ عصر الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ . 

[15] ـ ذيل‌ الآية‌ 12 ، من‌ السورة‌ 40 : غافر .

[16] ـ وهنا يورد محيي‌ الدين‌ بحثاً مُسهباً إلي‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌ :

 «وسبب‌ أهمّيّة‌ صلاة‌ العصر هو كون‌ الصلوات‌ الاربع‌ الاُخري‌ محدودة‌ الوقت‌ باستثناء صلاة‌ العصر ، فوقت‌ صلاة‌ المغرب‌ مثلاً محدود بغروب‌ الشمس‌ وهو أمر محسوس‌ ومحقّق‌ ، وأوّل‌ العشاء محدود بغيبوبة‌ الشفق‌ وهو أمر محسوس‌ ومحقّق‌ أيضاً ، وصلاة‌ الفجر محدود أوّلها بالبياض‌ الظاهري‌ّ عرضاً في‌ الاُفق‌ بشكل‌ مستطير لا مستطيل‌ ، وهو كذلك‌ أمر محسوس‌ ومحقّق‌ ، وصلاة‌ الظهر محدودة‌ بزوال‌ الشمس‌ والظلّ الشاخص‌ وهو أمر محسوس‌ ومحقّق‌ أيضاً . لكنّنا لا نشهد مثل‌ هذه‌ الحدود في‌ صلاة‌ العصر ، فهي‌ منزّهة‌ عن‌ الحدود المحقّقة‌ ؛ ولذلك‌ عيّن‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وقتها وحدّد موعدها بالشكل‌ التالي‌ وهو ظهور الشمس‌ بشعاعها الابيض‌ والنقي‌ّ في‌ كبد السماء ، ولانّ هذا الحدّ الوارد في‌ صلاة‌ العصر لا يظهر فيها مثل‌ بقيّة‌ الحدود في‌ الصلوات‌ الاُخري‌ لهذا عظّمها الرسول‌ لا نّها تنفي‌ تحديد الحدود وتحقيقها» .

 وهنا يصل‌ الشيخ‌ محيي‌ الدين‌ في‌ شرحه‌ إلي‌ النقطة‌ التي‌ يقول‌ فيها : فإنّ الاسماء ... إلي‌ آخره‌ . 

[17] ـ قمنا بنقل‌ نصّ كلام‌ محيي‌ الدين‌ مع‌ تفصيل‌ أكثر من‌ «الفتوحات‌ المكّيّة‌» ، ج‌ 2 ، ص‌ 614 و 615 ، لانّ عبارة‌ الاحسـائي‌ّ هنا علي‌ «شـرح‌ العرشـيّة‌» فيما يتعلّق‌ بمواضـيع‌ محيي‌ الدين‌ مغلوطة‌ ومختصرة‌ . 

[18] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 9 ، من‌ السورة‌ 42 : الشوري‌ : فَاللَهُ هُوَ الْوَلِيُّ . 

[19] ـ الآية‌ 62 ، من‌ السورة‌ 10 : يونس‌ . 

[20] ـ ذيل‌ الآية‌ 28 ، من‌ السورة‌ 42 : الشوري‌ : وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ . 

[21] - ذیل الآیه 9، من السوره 42: الشوری . 

[22] ـ بسبب‌ الاخطاء التي‌ كانت‌ موجودة‌ في‌ «شرح‌ العرشيّة‌» للاحسائي‌ّ فقد أوردنا هنا عبارات‌ العارف‌ الكبير الشيخ‌ عبد الكريم‌ الجيلي‌ّ عن‌ النسخة‌ الاصليّة‌ لكتاب‌ «الإنسان‌ الكامل‌» ص‌ 19 و 20 ، الطبعة‌ الاُولي‌ ، المطبعة‌ الازهريّة‌ المصريّة‌ ، باعتبارها من‌ أبدع‌ المنظومات‌ سنة‌ 1316 ه ؛ وفي‌ طبعة‌ مطبعة‌ محمّد علي‌ صبيح‌ وأولاده‌ ، مصر ، سنة‌ 1383 هجريّة‌ : ص‌ 19 و 20 .

قصيدة‌ الجيلي‌ّ الراقية‌ ـ في‌ كتاب‌ «الإنسان‌ الكامل‌» ـ في‌ توحيد ذات‌ الحقّ(ت)

 وقد ارتأينا نقل‌ قصيدة‌ الشيخ‌ عبد الكريم‌ الجيلاني‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ هنا كاملة‌ في‌ باب‌ توحيد ذات‌ الحقّ تعالي‌ ، وهي‌ لا تقلّ شأناً عن‌ القصائد التي‌ نظمها ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ ، آملين‌ أن‌ ينتفع‌ بها الطلبة‌ الكرام‌ :

 لي‌َ المُلْكُ في‌ الدَّارَيْنِ لَمْ أرَ فيهِما                 سِواي‌َ فَأرْجو فَضْلَهُ أوْ فَأخْشاهُ

 وَلا قَبْلَ مِنْ قَبْلي‌ فَألْحِقَ شَأنَهُ                     ولا بَعْدَ مِنْ بَعْدي‌ فَأسْبِقَ مَعْناهُ

 وَقَدْ حُزتُ أنْواعَ الكَمالِ وَإنَّني‌                        جَمالُ جَلالِ الكُلِّ ما أنَا إلاّ هو

 فَمَهْما تَرَي‌ مِنْ مَعْدِنٍ وَنَباتِهِ              وَحَيْوانِهِ مَعْ إنسِهِ وَسَجاياهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ عُنْصُرٍ وَطَبيعَةٍ                       وَمِنْ هَبَاءِ لِلاصْلِ طيبَ هَيولاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ أبْحُرٍ وَقِفارَةٍ               وَمِنْ شَجَرٍ أو شاهِقٍ طالَ أعْلاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ صورَةٍ مَعْنَويَّةٍ                        وَمِنْ مَشْهَدٍ لِلْعَيْنِ طابَ مُحَيّاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ فِكْرَةٍ وَتَخَيُّلٍ              وَعَقْلٍ وَنَفْسٍ أوْ فَقَلْبٍ أوْ حِشاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ هَيْئَةٍ مَلَكيَّةٍ               وَمِنْ مَنْظَرٍ إبْليسُ قَدْ كانَ مَعْناهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ شَهْوَةٍ بَشَريَّةٍ                        لِطَبْعٍ وَإيثارٍ لِحَقٍّ تَعاطاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ سابِقٍ مُتَقَدِّمٍ             وَمِنْ لاحِقٍ بِالقَوْمِ لَفّاهُ ساقاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ سَيّدٍ مُتَسَوِّدٍ              وَمِنْ عاشِقٍ صَبٍّ صَبا نَحْوَ لَيْلاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ عَرْشِهِ وَمُحيطِهِ                    وَكُرْسيِّهِ أوْ رَفْرَفٍ عَزَّ مَجْلاهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ أنْجُمٍ زُهَريَّةٍ               وَمِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لَهُمْ طابَ مَثْواهُ

 وَمَهْما تَرَي‌ مِنْ سِدْرَةٍ لِنِهايَة             ٍ وَمِنْ جَرَسٍ قَدْ صَلْصَلا مِنْهُ طَرْفاهُ

 فَإنّي‌ ذاكَ الكُلُّ وَالكُلُّ مَشْهَدي‌                     أنا المُتَجَلّي‌ فِي‌ حَقيقَتِهِ لا هو

 وَإنّي‌ رَبٌّ لِلانامِ وَسَيِّدٌ                        جَميعُ الوَرَي‌ اسْمٌ وَذاتي‌ مُسَمّاهُ

 لي‌َ المُلْكُ وَالمَلْكوتُ نَسْجي‌ وَصَنْعَتي‌                       لي‌َ الغَيْبُ وَالجَبْروتُ مِنّي‌َ مَنْشاهُ

 وَها أنَا فيما قَدْ ذَكَرْتُ جَميعُهُ                         عَنِ الذّاتِ عَبْدٌ آئِبٌ نَحْوَ مَوْلاهُ

 فَقيرٌ حَقيرٌ خاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ                    أسيرُ ذُنوبٍ قَيَّدَتْهُ خَطاياهُ

 فَيا أيُّها العُرْبُ الكِرامُ وَمَنْ هُمو                      لِصَبِّهِمُ الوَلْهانِ أفْخَرُ مَلْجاهُ

 قَصَدْتُكُمُ أنْتُم‌ قُصارَي‌ ذَخيرَتي‌                       وَأنْتُمْ شَفيعي‌ في‌ الَّذي‌ أتَمَنّاهُ

 وَيا سَيّداً حازَ الكَمالَ بِإثْرَةٍ                  فَأضْحَي‌ لَهُ بِالسَّبْقِ شَأْوَ تَعالاهُ

 لاِسْتاذِ شَيْخِ العالَمينَ وَشَيْخِهِمْ                     وَنورٌ حَواهُ الاكْمَلونَ وَلاَلاهُ

 عَلَيْكُمْ سَلامي‌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ             تَزيدُ عَلي‌ مَرِّ الزَّمانِ تَحاياهُ 

[23] ـ لقد نقلنا هنا جميع‌ الابيات‌ الواردة‌ في‌ كتاب‌ «الإنسان‌ الكامل‌» عن‌ طبعة‌ سنة‌ 1316 ، ص‌ 28 ، وعن‌ طبعة‌ سنة‌ 1383 : ص‌ 28 . 

[24] ـ «الكلمات‌ المكنونة‌» ص‌ 80 و 81 ؛ الطبعة‌ الحجريّة‌ ؛ وفي‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌ : ص‌ 84 و 85 . 

[25] ـ شرح‌ الشيخ‌ أحمد بن‌ زين‌ الدين‌ بن‌ إبراهيم‌ بن‌ صفر بن‌ داغر المطيرفي‌ّ الاحسائي‌ّ علي‌ كتاب‌ «العرشيّة‌» للحكيم‌ الملاّ صدرا الشيرازي‌ّ (القطع‌ الرحلي‌ّ ، الطبعة‌ الحجريّة‌) والذي‌ انتهي‌ الشيخ‌ أحمد من‌ تأليفه‌ في‌ تمام‌ الساعة‌ السابعة‌ والنصف‌ من‌ ليلة‌ الاربعاء ، السابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ ، سنة‌ ألف‌ ومائتين‌ وستّة‌ وثلاثين‌ للهجرة‌ ، في‌ بلدة‌ كرمانشاهان‌ ، وبعد مرور فترة‌ قصيرة‌ من‌ ذلك‌ ، أي‌ في‌ عهد ناصرالدين‌ شاه‌ ، تمّت‌ كتابته‌ بخطّ السيّد محمّد رضا بن‌ السيّد أبي‌ الحسن‌ الطباطبائي‌ّ بهمّة‌ الميرزا آقاي‌ نوري‌ العالية‌ وعون‌ الحاجّ الملاّ محمود المعروف‌ بنظام‌ العلماء التبريزي‌ّ في‌ طهران‌ . ولا توجد أرقام‌ صفحات‌ مطبوعة‌ علي‌ الكتاب‌ إلاّ أنّ عدد صفحات‌ الكتاب‌ المذكور يبلغ‌ 352 صفحة‌ وذلك‌ حسب‌ الترقيم‌ الخطّي‌ّ عليه‌ . وقد قمنا هنا بنقل‌ النصوص‌ أعلاه‌ من‌ ص‌ 12 إلي‌ 16 ، وذلك‌ خلال‌ بيان‌ شرح‌ المشرق‌ الاوّل‌ .

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com