|
|
مقدّمة الكتاببقلم العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام علی سيّدنا محمّد وآله الطاهرين واللعنة علی أعدائهم أجمعين
وبعد، فقد اتّفق في زمن اشتغال الحقير الفقير في التحصيل في الحوزة العلميّة المقدّسة في قم، أن وقعت بيدي رسالة خطّيّة تحمل عنوان «تُحفة المُلوك في السير والسلوك، منسوبة إلی مولانا السيّد مهدي بحر العلوم»، وكانت النسخة عائدة إلی المرحوم حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ. وقد استحوذت تلك النسخة علی اهتمامي، فاستعرتُها من المُشار إليه لاستنساخها، فنسختُ منها نسخة لنفسي سنة 1366 ه، بَيدَ أ نّها كانت نسخة مغلوطة إلی درجة كبيرة، بحيث تسرّب الإبهام إلی بعض مواضعها، ولذا فقد سعيتُ في الحصول علی نسخة صحيحة من الرسالة المذكورة لاقوم بتصحيح النسخة الاُولي علی أساسها. فلمّا تشرّفت بالذهاب إلی النجف الاشرف للدرس والتحصيل، عثرتُ علی نسخة أُخري منها لدي حجّة الإسلام آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس هاتف القوجانيّ دامت بركاته،[1] فاستعرتها منه، ثمّ اتّضح أ نّها كانت لا تقلّ عن سابقتها في الاغلاط، فلم تنفع إلاّ في تصحيح موارد معدودة. ثمّ حصل بعد عودتي من النجف الاشرف سنة 1376 ه أن تشرّفت بالمثول في محضر الاُستاذ المكرّم العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه العإلی، فأخبرني أنّ لديه نسخة من هذه الرسالة علی درجة كبيرة من الصحّة استنسخها بيده. ثمّ أضاف: لقد عثرتُ زمن اشتغإلی بالتحصيل في تبريز علی نسخة من هذه الرسالة فاستنسختها، إلاّ أ نّها كانت مليئة بالاغلاط. فلمّا تشرّفت بالذهاب إلی النجف الاشرف وجدت نسخة مماثلة لدي أُستاذي المرحوم الحاجّ الميرزا علی أقا القاضي رضوان الله عليه، وكانت ـ كنسختي مغلوطة، ثمّ تبيّن أنّ أصل نسخته ونسختي كان واحداً. وكانت نسخة المرحوم القاضي مكتوبة بخطّ رديء، أشبه بخطّ طفل لم ينقضِ علی ذهابه إلی المدرسة زمن طويل، ولذلك فقد كانت مليئة بالاغلاط. ثمّ إنّي عثرتُ لدي أُستاذي في علوم الرياضيّات والهيئة: المرحوم السيّد أبي القاسم الخونساريّ علی نسخة علی درجة كبيرة من الصحّة، مكتوبة بخطّ جميل علی ورق جيّد، وكانت تضمّ جداول، فأخذتها منه لاستنساخها، فنسخت منها نسخة سنة 1354ه، وكان تأريخ كتابة تلك النسخة يسبق زمن استنساخي بتسعين سنة انتهي كلام الاُستاذ العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه. وهكذا فقد استعار الحقير منه هذه النسخة لاستنساخها، فتفضّل بها بجلال كما هي شيمته دوماً، فاستنسختُ علی نسخته ـ وبدقّة هذه النسخة التي بين أيديكم، والتي تعدّ علی درجة كبيرة من الصحّة والاعتبار، هذا من جهة تأريخ النسخة وصحّتها. صحّة نسبة الرسالة للمرحوم بحر العلومأمّا عن انتسـابها إلی المرحـوم السـيّد مهدي بحـر العلوم رضوان الله عليه، فقد سمع الحقير مشافهة من المرحوم آية الله الميرزا السيّد عبد الهادي الشيرازيّ رضوان الله عليه أ نّه قال: أظنّ ظنّاً قويّاً أنّ هذه الرسالة ـ عدا فقراتها الاخيرة هي من تأليف وإنشاء بحر العلوم. كما سمعتُ شفاهاً من المرحوم العلاّمة الخبير آية الله الشيخ آغا بزرك الطـهرانيّ ـ وهو من مشـايخ الحقـير في الإجـازة أ نّه قال: عندي أنّ هذه الرسـالة ـ عدا أواخـرها هي بقـلم المرحوم بحر العلوم. أمّا في كتاب «الذريعة» ج12، ص 285 فقد جاء: «رسالة في السير والسلوك تُنسب إلی سيّدنا بحر العلوم السيّد مهدي بن مرتضي الطباطبائيّ البروجرديّ النجفيّ، المتوفّي 1212، فارسيّة في ألفَي بيت، لكنّها مشكوكة فيها، والنسخة موجودة في النجف في بيت بحر العلوم» إلی أن يصل إلی قوله: «ورأيتُ نسخة أخري فيها زيادات وبسط ألفاظ وعبارات سمّاه في أوّلها «تُحفة الملوك في السير والسلوك» وإنّه لبحر العلوم... ومرّت رسالة السير والسلوك المعرّب لهذه الرسالة ص 282» انتهي. وجاء في ص 282: «رسالة في السير والسلوك هو تعريب السير والسلوك الفارسيّ المنسـوب إلی سيّدنا بحـر العلوم، عرّبه الشـيخ أبو المـجد محمد الرضا الإصفهانيّ بالتماس السـيّد حسـين بن معزّ الدين محمّد المهدي القزوينيّ الحلّيّ في داره بالنجف في «البرّانيّ» في عدّة ليال بعد الساعة الخامسة من الليل. وذكر أبو المجد أ نّه أ لّفه بحر العلوم بـ «كرمانشاه». ثمّ يقول: «أقول: نسبة نصفه الاخير إليه مشكوكة، لا نّه علی مذاق الصوفيّة، فلو أثبت أ نّها له فإنّما هو النصف الاوّل فقط كما يأتي في ص 284» انتهي. وهذا هو نظر العلاّمة الطهرانيّ. ويقول المرحوم العلاّمة السيّد محسن الامين ـ من علماء جبل عامل في «أعيان الشيعة» ج 48، ص 170 (ضمن مؤلّفات بحر العلوم): «رسالة في معرفة الباري تعإلی فارسيّة، وفي تتمّة «أمل الا´مل» أ نّها ليست له علی التحقيق». ثمّ يقول المرحوم الامين: «والظاهر أ نّها الرسالة التي في السير والسلوك، وهي مشتملة علی أُمور تناسب التصوّف ولا توافق الشرع، فلذلك جزم في تتميم «أمل الا´مل» بعدم صحّة نسبتها إليه». ثمّ يقول: «وممّا يوجد فيها أ نّه عند قول «إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» يلزم أن يستحضر صورة المرشد، وأنّ فيه الاستعانة بروحانيّة عطارد، وأ نّه استشهد (في هذا الخصوص) بهذه الابيات» إلی هنا ينتهي كلام المرحوم صاحب «أعيان الشيعة». بَيدَ أ نّه أخطـأ في هـذا الامر، وذلـك أوّلاً: لا نّه لم يـرد في أيّ موضـع من الرسـالة استحضـار وجه المرشـد عند قراءة «إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين». وثانياً أنّ الاستعانة بروحانيّة عطارد ـ كما سيأتي لم يرد ضمن رسالة بحر العلوم، بل هو كلام الناسخ، أورده بعد إكمال كتابة الرسالة ضمن ذكر أحواله، ولا ربط له بالرسالة أبداً. وأمّا وجهة نظر أُستاذنا العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه، فقد قال: «قال البعض بأنّ هذه الرسالة متعلّقة بالسيّد مهدي بحر العلوم الخراسانيّ، إلاّ أنّ ذلك بعيد جدّاً، وقد اعتبر الشيخ إسماعيل المحلاّتيّ ـ وكان من أهل الدعوة أنّ الرسالة بأجمعها ـ عدا الفقرات الثانية والعشرين والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين التي وردت في نفي الخواطر والافكار هي للمرحوم السيّد مهدي بحر العلوم، وقد كان لدي الشيخ إسماعيل نسخة من الرسالة لم ترد فيها أساساً الفقرات المذكورة. ونسخة الشيخ نسخة كاملة لا تحتوي علی أيّ من هذه الفقرات». وأضاف العلاّمة الطباطبائيّ: «ويعتقد البعض أنّ هذه الرسالة هي ترجمة لرسالة المرحوم السيّد ابن طاووس، ويعتقدون أنّ في أصلها العربيّ ـ وهو غير موجود فعلاً وفي عنوان النسخة التي أخذتها من المرحوم السيّد أبي القاسم الخونساريّ مكتوب «رسالة في السير والسلوك لابن طاووس»، لكنّ أُستاذنا الاكبر آية الحقّ المرحوم الحاجّ الميرزا علی آغا القاضي رضوان الله عليه يعتقد علی وجه القطع واليقين بأنّ هذه الرسالة بتمامها هي من تأليف المرحوم السيّد مهدي بحر العلوم» انتهي كلام أُستاذنا الجليل العلاّمة الطباطبائيّ. هذا، وقد قال الحقير يوماً للاُستاذ العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه: لقد طالع الحقير الكثير من كتب الاخلاق والسير والسلوك والعرفان، إلاّ أنّي لم أُطالع كتاباً يُماثل هذه الرسالة في شمولها ومتانتها وأُصولها وفائدتها وسلاستها وفي اختصارها وإيجازها، بحيث يمكن حملها في الجيب والاستفادة منها في الحلّ والترحال ؛ فتعجّب العلاّمة من كلامي وقال: لقد سمعت نظير هذه العبارة من المرحوم القاضي رضوان الله عليه، فقد قال: «لم يدوّن كتاب في العرفان بمثل هذه النزاهة وكثرة المطالب» انتهي. ويقول آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ ـ وهو وصيّ المرحوم القاضي: لقد كان للمرحوم القاضي اهتمام خاصّ بهذه الرسالة، لكنّه صرّح مراراً بأ نّه لا يُجيز لاحد أن يستفيد من الاذكار والاوراد المنقولة في هذه الرسالة. وعلی أيّة حال فيستنتج من القرائن التي نذكرها أنّ جميع هذه الرسالة من إنشاء بحر العلوم، للاسباب التالية: أوّلاً: إنّ العالم النقّاد الخبير الفقيه والمتكلّم الاُصوليّ المرحوم الشيخ محمّد رضا الإصفهانيّ رحمة الله عليه ـ صاحب كتابَي «وقاية الاذهان» و «نقد فلسفة داروين» يعدّ الرسالة من تأليف بحر العلوم ـ كما مرّ في كلام صاحب «الذريعة» وقد ذكر أنّ مكان تأليفها هو كرمانشاه. ثانياً: إنّ المرحوم القاضي رضوان الله عليه ـ وكان خِرّيت الفنّ والجامع بين الظاهر والباطن وأُستاذ الاخلاق والمعارف قد عدّها للمرحوم بحر العلوم، ولا يمكن الإغضاء بسهولة عن شهادة مثل هذه الاُسطوانة ذات الوزن العلميّ في عالم المعارف. ثالثاً: إنّ الافراد الذين نفوا كون القسم الاخير للرسالة من تأليف بحر العلوم لم يمتلكوا غير الاستبعاد دليلاً علی نفيهم هذا، مع أنّ إخراج جزء من الكتاب بمجرّد الاستبعاد المحض أمر غير ممكن. ومع أنّ من الممكن أن تكون هذه الفقرات في نظر السيّد، وبطريق صحيح، مورد النظر والعمل. رابعاً: إنّ مَن ينظر إلی الرسالة يجد أ نّها مدوّنة بإنشاء واحد وسياق واحد، ومؤلّفة وفق نهج بديع وأُسلوب لطيف وعبارات سلسة، وإنّ القسم الاخير من الرسالة ـ بل فقراتها الثانية والعشرين إلی الرابعة والعشرين لا تختلف أدني اختلاف في أُسلوبها ومنهج كتابتها مع سائر فقرات الكتاب، لكأنّ قلماً واحداً قد دوّنها في تنظيم وتسلسل ونهج خاصّ، وهذا المعني لا يتنافي مع ما سنذكره في بعض تعليقات الكتاب من أنّ بعض مطالب الكتاب قد وردت بعينها في عبارات بعض الاعلام، حيث إنّ اقتباس ونقل المطالب مورد النظر من الكتب السالفة ودرجها في الكتب المؤلّفة يعدّ أمراً رائجاً ودارجاً بين الاعلام وأساتذة الفنون. وأمّا نسبة الرسالة إلی المرحوم السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه فأمر بعيد عن الحقيقة، ذلك أنّ ابن طاووس من علماء القرن السابع، وكان مقيماً في الحِلّة، وينحدر من السادات العرب، وكان عربيّ اللسان واللهجة، فلا يمكن أن يؤلّف كتاباً بالفارسيّة بمثل هذا المنهج والاُسلوب الخاصّ بالقرون المتأخّرة. كما يتّضح من أُسلوب الرسالة وتعابيرها أ نّها ليست مترجمة، فالقلم فيها قلم إنشاء لا ترجمة. يضاف إلی ذلك أنّ الخبير بكتب ابن طاووس يعلم أنّ السلوك العمليّ لابن طاووس كان يستند إلی المراقبة والمحاسبة والصيام والدعاء، وأنّ كيفيّة السير والسلوك المذكور في هذه الرسالة لا ينسجم مع نهج ابن طاووس ومذاقه. وخامساً: إنّ النسخة الاصليّة لهذه الرسالة إنّما وجدت في مكتبة بحر العلوم النجفيّ بعد ارتحاله، وهي نسخة موجودة ومحفوظة فعلاً لدي عائلة بحر العلوم، كما أنّ اسم الرسالة المذكورة لم يرد في ترجمة أيّ عالم قبل بحر العلوم. كما أنّ من الجليّ أ نّها لم تؤلّف بعد زمن بحر العلوم، فيتعيّن تسجيل زمن تأليفها في زمن ذلك المرحوم. ونتساءل: أيّ فقيه من فقهاء ذلك العصر كان له مذاق العرفان والسير والسلوك ليكتب مثل هذه الرسالة؟ وأيّ واحد من العرفاء وأصحاب السلوك في ذلك العصر كان فقيهاً له مثل هذا التبحّر والتسلّط ليقتحم لُجج بحار أخبار أهل البيت عليهم السلام والا´يات القرآنيّة؟! ذلك أنّ من الوضوح بمكان أنّ تدوين هذه الرسالة قد تحقّق علی يد فقيه مقتدر ذي اطّلاع واسع في مجال الا´يات والاخبار، فينحصر الامر بصورة طبيعيّة في بحر العلوم، وبخاصّة أنّ النسخة الاصليّة للرسالة إنّما وجدت في مكتبة بحر العلوم. ولو قال أحد: من الممكن أن تكون الرسالة من تأليف بعض الفقهاء من ذوي السيرة العرفانيّة الذين عاصروا بحر العلوم، من أمثال المرحوم آية الله المولي محمّد مهدي النراقيّ تغمّده الله برحمته، وأن يكون قد أرسلها إلی بحر العلوم! فنقول: إنّ أسماء وأعداد تصنيفات أُولئك الفقهاء ـ والمرحوم النراقيّ بوجهٍ خاصّ معروفة ومدوّنة، كما أنّ نجله الجليل: آية الله الحاجّ المولي أحمد النراقيّ رضوان الله عليه لم يذكر في عداد مؤلّفات أبيه مثل هذه الرسالة. ولقد شاهدنا في كلمات صاحب «أعيان الشيعة» من أنّ ذلك العالِم المحقِّق يعترف بأنّ بحر العلوم قد كتب رسالة بالفارسيّة في معرفة الباري تعإلی. ونتساءل: أيّة رسالة تلك التي كتبها؟ أفيمكن أن تكون هناك رسالة سوي هذه؟! ويتبيّن ممّا مرّ أنّ نسبة هذه الرسالة لبحر العلوم أقرب وأقوي والله أعلم، وبخاصّة مع ملاحظة حالات ذلك المرحوم الذي كان يمتلك مقام صفاء الباطن ونورانيّة الضمير والإلمام بالاسرار والمغيّبات. يقول مؤلّف «أعيان الشيعة» في كتابه ج 48، ص 166: «ويعتقد السوادُ الاعظم إلی الا´ن أ نّه من ذوي الاسرار الإلهيّة الخاصّة، ومن أُولي الكرامات والعنايات والمكاشفات. وممّا لا ريب فيه أ نّه كان ذا نزعة من نزعات العرفاء والصوفيّة، يظهر ذلك من زهده وميله إلی العبادة والسياحة» انتهي. وعلی أيّة حال، فقد استنسخ الحقير نسخة لنفسه من علی نسخة آية الله الاُستاذ العلاّمة الطباطبائيّ مُدّ ظلّه العإلی، وقد استفدتُ منها مدّة مديدة، حتّي عزمتُ علی كتابة شرح مختصر لها أُبيّن فيه بعض معضلاتها، واستخرج مصادر الاحاديث والاشعار الواردة فيها، وللّه تعإلی المنّة في توفيقي للقيام بهذا الامر الصعب علی قدر الوسع، وأَمَلي من السادة أصحاب النظر والبصيرة أن يُغِضُّوا ـ بجلالهم وحسن كرمهم عمّا قد يعثروا عليه من أخطاء، وأن لا يبخلوا علی بدعائهم حيّاً وميّتاً. ترجمة السيّد بحر العلوموأمّا ترجمة بحر العلوم وبيان أقصي مدارج ومعارج السير الكمإلی التي رقي إليها ذلك الشخص الذي كان فريد عصره ونادرة دهره فأمرٌ لا يرقي إليه فكر هذا الحقير في تحليقه، وخارج عن إمكان رشحات قلمه. فما الذي أقوله عن شخص كان الشيخ الاكبر: شيخ الفقهاء والمجتهدين الشيخ جعفر كاشف الغطاء ينفض الغبار عن نعليه بحنك عمامته؟ وعن شخص سأله المحقّق الخبير والفقيه البصير، مجمع الكمالات الصوريّة والمعنويّة: الميرزا أبو القاسم الجيلانيّ القمّيّ حين تشرّف بزيارة العتبات المقدّسة: «فداك أبي وأُمّي، ماذا عملتَ حتّي نلتَ هذه المرتبة والمنزلة؟». وماذا أقول عمّن لا يعتري الريب أمر تشرّفه كراراً بالمثول بين يدي صاحب العصر الحجّة ابن الحسن العسكريّ أرواحنا له الفداء، وهو أمر يعدّ لدي العلماء الاعلام، بل لدي جميع سكنة النجف الاشرف من المسلّمات، بل يُستفاد من بعض كلمات الاعلام أنّ باب إمكان التشرّف بالمثول لدي الوليّ الاكبر لعالَم الإمكان كان مشرعاً في وجهه علی الدوام. بل ماذا أقول عمّن احتضنه صاحب مقام الولاية الكبري: إمام العصر عليه السلام؟ بَيدَ أ نّنا نذكر ـ تيمّناً وتبرّكاً ـ خلاصة ما جاء في ترجمته في كتاب «روضات الجنّات» للعلاّمة السيّد محمّد باقر الخونساريّ (ج 2، ص 138) نقلاً عن كتاب «منتهي المقال» المعروف بـ «رجال أبي علي» وكان أبو علی من معاصريه: «السيّد السند والركن المعتمد مولانا السيّد محمّد مهدي بن السيّد المرتضي بن السيّد محمّد الحسنيّ الحسينيّ الطباطبائيّ النجفيّ أطال الله بقاه وأدام الله علوّه ونعماه، الإمام الذي لم تسمح بمثله الايّام، والهُمام الذي عقمت عن إنتاج شكله الاعوام ؛ سيّد العلماء الاعلام، ومولي فضلاء الإسلام، علاّمة دهره وزمانه، ووحيد عصره وأوانه، إن تكلّم في المعقول قلتَ: هذا الشيخ الرئيس، فمن بقراط وأفلاطون وأرسطاليس، وإن باحث في المنقول قلتَ: هذا علاّمة المحقّق لفنون الفروع والاُصول. لم يُناظر في الكلام أحداً إلاّ قلتَ: هذا عَلَمُ الهُدي، وإذا فسّر الكتابَ المجيد وأصغيتَ إليه ذُهلتَ وخلتَ كأ نّه الذي أنزله الله عليه. كان ميلاده الشريف في كربلاء المشرّفة ليلة الجمعة في شهر شوّال المكرّم من سنة خمس وخمسين بعد المائة والالف، تأريخ ولادته الميمون «لنُصرة الحقّ قد وُلد الهُدي»، واشتغل بُرهة علی والده الماجد قُدّس سرّه، وكان عالماً ورعاً تقيّاً صالحاً بارّاً، وعلی جماعة من المشايخ، منهم: شيخنا يوسف (البحرانيّ)، وانتقل إلی الاُستاذ العلاّمة (آغا محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ) أدام الله أيّامه، ورجع إلی النجف وأقام بها، وداره الميمونة محطّ رحال العلماء، ومفزع الجهابذة والفضلاء، وهو بعد الاُستاذ (العلاّمة الوحيد) دام علاهما إمام أئمّة العراق وسيّد الفضلاء علی الإطلاق، إليه يفزع علماؤها، ومنه يأخذ عظماؤها، وهو كعبتها التي تطوي إليها المراحل، وبحرها الموّاج الذي لا يوجد له ساحل، مع كرامات باهرة ومآثر وآيات ظاهرة، وقد شاع وذاع وملا الاسماع والاصقاع تشييعه الجمّ الغفير والجمع الكثير من اليهود لمّا رأوا منه البراهين والإعجاز. وناهيك بما بان له من الا´يات يوم كان بالحجاز، رأي والده الماجد رحمه الله ليلة ولادته أنّ مولانا الرضا عليه وعلی آبائه وأبنائه أفضل الصلاة والسلام أرسل شمعة مع محمّد بن إسماعيل ابن بزيع وأشعلها علی سطح دارهم، فعلا سناها ولم يُدرك مداها. يتحيّر عند رؤيته النظر، ويقول بلسان حاله «ما هذا بشر»،[2] كذا ذكره صاحب «منتهي المقال» في حقّ هذا العَلَم المفضال، والعالِم المسلّم، أيّده الله في أنواع فنون الكمال، بل صاحب السِّحر الحلال، والسُّكر الخالص عن الضلال، في حلّ الإشكال، ورفع الإعضال، وقمع مفارق الابطال في مضامير المناظرة والجدال، وحسب الدلالة علی تسلّم نبالته في جميع الاقطار والتخوم وتلقّبه من غير المشاركة مع غيره إلی الا´ن بلقب بحر العلوم». هذا هو مختصر ما جاء في «روضات الجنّات» في ترجمة هذا العَلَم الذي كان أُسطوانة في العلم والمعرفة. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَـ'نِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. [3] والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين. كتبه بيمناه الداثرة العبد الراجي السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ في ليلة العشرين من شهر ربيع المولود سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وتسعين بعد الهجرة النبويّةّ. السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ القسم الاوّلالتصوّر العامّ لحقيقة وهدف السلوك إلی اللهوبيان منازل عالم الخلوص والعوالم التي تسبقهالفصل الاوّل: خاصّيّة عدد الاربعين في ظهور القابليّاتبِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ لِعَيْنِ الوُجُودِ، وَالصَّلاَةُ عَلَی وَاقِفِ مَوَاقِفِ الشُّهُودِ،[4] وَعَلَی آلِهِ أُمَنَاءِ المَعْبُودِ.[5] يا رفقاء سفر مُلك السعادة والصفاء، ويا رفقاء طريق الخلوص والوفاء، امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً لَعلی آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. [6] روايات ظهور الحكمة من القلب علی اللسانوقد روي عن سيّد الرسل وهادي السُبل بطرق عديدة، قال: مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. [الشرح] وقد ورد هذا الحديث بعبارات مختلفة ومعانٍ متّحدة. وقد شاهدنا عياناً وعَلِمنا بأنّ هذه المرحلة الشريفة من مراحل العدد لها خاصيّة وتأثير متفرّدَين في ظهور القابليّات وتتميم المَلَكات وفي طيّ المنازل وقطع المراحل. [الشرح] ومع كثرة منازل الطريق، إلاّ أنّ في كلّ منزل منها مقصداً ؛ ومع زيادة المراحل، فإنّك إذا دخلت في هذه المرحلة فقد أتممتَ عالَماً. شواهد متنوّعة علی خاصّيّة عدد الاربعين في فعليّة إيصال القوي وحصول المَلَكاتولقد تمّ تخمير طينة آدم أبي البشر بِيَدِ القدرة الإلهيّة في أربعين صباحاً: وَخَمَّرْتُ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِي أَرْبَعِينَ صَبَاحاً.[الشرح] حيث طوي في هذا العدد عالَماً من عوالم القابليّة. وجاء في رواية أنّ جسد آدم بقي ملقي بين مكّة والمدينة أربعين عاماً تهطل عليه أمطار الرحمة الإلهيّة، حتّي أضحي بهذا العدد قابلاً لتعلّق الروح القدسيّة. ولقد تمّ ميقات موسي عليه السلام في أربعين ليلة، ونجي قومه من التيه بعد أربعين عاماً. [10] وقد خُلع علی خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله وسلّم خلعة النبوّة بعد أربعين سنة من خدمة الحقّ. كما أنّ زمن طيّ عالم الدنيا وظهور القابليّة ونهاية تكميل هذا العالَم في أربعين سنة. حيث ورد أنّ عقل الإنسان يكمل في سنّ الاربعين حسب قابليّة ذلك الإنسان. [الشرح] والإنسان في نموّ منذ بدء دخوله في هذا العالَم حتّي يبلغ سنّ الثلاثين، ثمّ إنّ بدنه يقف في هذا العالَم عشر سنين، فإن هو أتمّ الاربعين [الشرح] انتهي سفره في عالم الطبيعة ؛ [الشرح] و بدأ سفره في عالم الا´خرة. وكلّما شدّ الرحال للسفر في أيّامه أو سنواته فارتحل عن هذا العالَم، تناقصت قوّتُه سنةً بعد أُخـري، وضعـف نور سـمعه وبصـره، وانحطّـت قـواه المادّيّة، وازداد ذبول بدنه، إذ انتهت مدّة سفره وإقامته في هذا العالَم في أربعين سنة. ولذا فقد ورد: مَنْ بَلَغَ الاَرْبَعِينَ وَلَمْ يَأْخُذِ العَصَا فَقَدْ عَصَي. ذلك أنّ العصا علامة السفر، والمسافرُ مندوب إلی حمل عصاه عند سفره. وتأويل العصا هو الاستعداد لسفر الا´خرة والتهيّؤ للرحيل (فمن لم يحمل عصاه، كان غافلاً عن فكرة السفر). وكما أنّ الجسم يبلغ كماله في هذه المدّة، فإنّ مرتبة السعادة أو الشقاء تكتمل خلالها. ولذا ورد في الحديث بأنّ الرجل إذا بلغ الاربعين فلم يُفلح بالتوبة، فإنّ الشيطان يمسح وجهه ويقول: بَأَبِي وَأُمِّي وَجْهٌ لاَ يُفْلِحْ أَبَداً.[14] ويقول له: لقد سُجِّل اسمُك في جُندي. وأمّا ما ورد في الاخبار مِن أنّ مَن قادَ أعمي أربعينَ قَدَماً فدلّه علی الطريق وجبتْ له الجنّةُ، فإنّ المراد بظاهره عمي البصر، وتأويله عمي البصيرة. ذلك أنّ أعمي البصيرة لم يخطُ تمام أربعين قدماً من مرحلة القابليّة ليدخل في مرحلة الفعليّة، حتّي لو كان قد اقترب منها، فإن تُرِك ذلك الاعمي وسبيله لعاد إلی حيث كان. وتمام الإحسان وحصول الهداية في إتمام الاربعين، وبهذه الحيثيّة تجب له الجنّة. ارجاعات [1] - تكرّر أمثال هذه التعبـيرات في الكتاب، إذ أُلّف سنة 1393 ه، وقد حافظـنا علی تعبـيـر المصـنّف قدّس سـرّه كمـا ورد، لذا اقتضـي التنويه. (المترجم) [2] - «منتهي المقال» ص 314، الطبعة الحجريّة. [3] ـ الآية 10، من السورة 59: الحشر. [4] ـ ولقد رآه نزلة أُخري عند سدرة المنتهي... فتدلّي فكان قاب قوسين أو أدني... وجئنا بك علی هؤلاء شهيداً.... [5] - جاء في الزيارة الجامعة: فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَی سِرِّهِ وَاسْتَرْعَاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ وَ.... [6] ـ لم ترد هذه العبارة في القرآن علی هذا النحو، بل وردت فيه في ثلاثة مواضع بألفاظ متشابهة: الاوّل في الا´يتين 9 و 10، من السورة 20: طه: وَهَلْ أَتَب'كَ حَدِيثُ مُوسَي'´ * إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لاِهْلِهِ امْكُثُو´ا إِنِّي´ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي´ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَی النَّارِ هُدًي. الثاني في الآية 7، من السورة 27: النمل: إِذْ قَالَ مُوسَي' لاِهْلِهِ إِنِّي´ ءَانَسْتُ نَارًا سَـَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. الثالث في الآية 29، من السورة 28: القصص: فَلَمَّا قَضَي' مُوسَي الاْجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لاِهْلِهِ امْكُثُو´ا إِنِّي´ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي´ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. ويلاحظ أنّ هذا المتن ـ مع صحّة تعبيره ـ لم يرد في أيّ من الا´يات المذكورة، ولعلّ المصنّف أعلی الله مقامه لم يورد هذه العبارة حكايةً عن القرآن، بل أنشأها بأُسلوب ملفّق من الا´يات الثلاث مع إضافات أُخري. روايات ظهور الحكمة من القلب علی اللسان في كتب الشيعة[7] ـ وردت روايات ظهور الحكمة من القلب علی اللسان في ثلاثة من كتب أُصول الشيعة: الاوّل في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» ص 258 ؛ الثاني في «عُدّة الداعي» ص 170 ؛ والثالث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 16. ووردت في «بحار الانوار» ج 15، ص 85 نقلاً عن «العيون»، وفي ص 87 نقلاً عن «العدّة»، وفي ص 85 نقلاً عن «الكافي». أمّا رواية «العيون» فقد رواها الصدوق بإسناده عن دارم بن قبيصة بن نهشل بن مجمع النهشليّ الصنعانيّ بسرّ من رأي. قَالَ: حَدَّثَنَا علی بْنُ مُوسَي الرِّضَا عن أبيه عن جدّه عن محمّد بن علی عن أبيه عن جابـر بن عبد الله عن علی قال: قال رسـول الله صلّي الله عليه وآله: مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إلاَّ جَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. وجاء في «البحار» وفي «سفينة البحار» بلفظ: مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. وأمّا رواية «عُدّة الداعي» فقد روي مرسلاً عن الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً فَجَّرَ اللَهُ يَنَابِيعَ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. وأمّا رواية «الكافي» فقد روي الكلينيّ بإسناده عن ابن عيينة، عن السنديّ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ الإيمَان بِاللَهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً... أو قال: مَا أَجْمَلَ عَبْدٌ ذِكْرَ اللَهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً إلاَّ زَهَّدَهُ اللَهُ فِي الدُّنْيَا وَبَصَّرَهُ دَاءَهَا وَدَوَاءَهَا وَأَثْبَتَ الحِكْمَةَ فِي قَلْبِهِ وَأَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ.... ويلاحَظ أنّ المعاني كانت واحدة علی الرغم من اختلاف الالفاظ. وأمّا في كتب العامّة فقد ورد في «إحياء العلوم» ج 4، ص 322: قَالَ رَسُولُ اللَهِ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُخْلِصُ لِلَّهِ العَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً إلاَّ ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. وقال في تعليقة ص 191: مَنْ زَهَدَ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ يَوْماً وَأَخْلَصَ فِيهَا العِبَادَةَ أَجْرَي اللَهُ يَنَابِيعَ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. ويقول في «عوارف المعارف»، هامش ص 256 من الجزء الثاني من «إحياء العلوم»: قَوْلُ رَسُولِ اللَهِ: مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. معني المنازل والمراحل[8] ـ المنازل جمع منزل، وهي مواضع نزول المسافرين للاستراحة. وباعتبار أنّ هذه المواضع كانت غالباً في فواصل معيّنة بحيث يبعد أحدها عن الا´خر بأربعة فراسـخ، لذا كان يقال لمسـافة أربعة فراسـخ ـ وهي مسافة البريد منزلاً. أمّا المراحل فهي جمع المرحلة وهي مسافة مسير يوم للمسافر، وتعادل منزلَين (أي بَريدَين). وقد شبّه المصنّف رحمه الله العالم بالمراحل حيث إنّ طيّ مرحلة ودخول مرحلة أُخري هي إتمام عالَم من العوالم والدخول في العالَم الذي يليه. وقد شبّه مراتب العوالم بالمنازل التي يمثّل طيّ أحدها والدخول في المنزل الذي يليه دخولاً في مقصد جديد. روايات تخمير طينة آدم عليه السلام في أربعين يوماً[9] ـ جاء في «إحياء العلوم» ج 4، ص 237 عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: إنَّ اللَهَ خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. وروي في «مرصاد العباد» ص 38 وفي «رسالة العشق» ص 83: خَمَّرْتُ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِي أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. وجاء في «عوالم المعارف» في هامش «إحياء العلوم» ج 2، ص 260: فَمِنَ التُّرَّابِ كَوَّنَهُ، وَأَرْبَعِينَ صَبَاحاً خَمَّرَ طِينَتَهُ لِيَبْعُدَ بِالتَّخْمِيرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِأَرْبَعِينَ حِجَاباً مِنَ الحَضْرَةِ الاءلَهِيَّةِ، كُلُّ حِجَابٍ هُوَ مَعْنيً مُوَدَّعٌ فِيهِ، يَصْلَحُ بِهِ لِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَيَتَعَوَّقُ بِهِ عَنِ الحَضْرَةِ الاءلَهِيَّةِ وَمَوَاطِنِ القُرْبِ... إلی آخر كلامه. [10] ـ سورة البقرة، الآية 51: وَإِذْ وَ عَدْنَا مُوسَي'´ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وسورة الاعراف، الآية 142: فَتَمَّ مِيقَـ'تُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... وأمّا عن نجاة قوم موسي من التيه فقد جاء في سورة المائدة، الآية 26: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الاْرْضِ. أوج قدرة عقل الإنسان في سنّ الاربعين[11] ـ كما قال تعإلی في سورة الاحقاف، الآية 15: حَتَّي'´ إِذَا بَلَـغَ أَشُدَّهُ و وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي´ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي´ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ. ويتبيّن منه أنّ نهاية قدرة العقل في سنّ الاربعين. وأمّا ما يشيع من أنّ عقل الإنسان ينمو بعد الاربعين فهو أمر مخطوء. ومنشأ هذا الخطأ أنّ الإنسان تزداد خبرتُه بعد هذه المدّة، فيكون حكم العقل علی أساس من التجارب الزائدة أقرب إلی الصواب، لكنّ هذه الاءصابة ناجمة من زيادة التجارب لا من القدرة العقليّة الفعليّة. بحيث إنّنا إذا فرضنا أنّ هذه التجارب والخبرات قد تجمّعت للشخص قبل بلوغه سنّ الاربعين، لكان يحكم عند بلوغه الاربعين بتلك الاحكام العقليّة القطعيّة. الروايات الدالّـة علی أنّ سـنّ الاربعـين هو الزمن النهائيّ للخـروج من عالم الطبيعة[12] ـ يروي الكلينيّ في «أُصول الكافي» ج 2، ص 445، بدون إسناد متّصل، يرفعه إلی أبي جعفر (الباقر) عليه السلام: إذَا أَتَتْ عَلَی الرَّجُلِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قِيلَ لَهُ: خُذْ حِذْرَكَ فَإنَّكَ غَيْرُ مَعْذُورٍ.... ذكر بعض الاخبار التي ورد فيها لفظ الاربعين[13] ـ جاء في «الخصال» ص 545: قال الصادق عليه السلام: إنَّ العَبْدَ لَفِي فُسْحَةٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْحَي اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ إلی مَلَكَيْهِ أَ نِّي قَدْ عَمَّرْتُ عَبْدِي عُمْراً، فَغَلِّظَا وَشَدِّدَا وَتَحفَّظَا وَاكْتُبَا عَلَيْهِ قَلِيلَ عَمَلِهِ وَكَثِيرَهُ وَصَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ. وفي «الخصال» ص 545: وعن الصادق عليه السلام: إذَا بَلَغَ العَبْدُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَإذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ مُنْتَهَاهُ، فَإذَا ظَعَنَ فِي إحْدَي وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ فِي النُّقْصَانِ، وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الخَمْسِينَ أَنْ يَكُونَ كَمَنْ كَانَ فِي النَّزْعِ. وجاء في «جامع الاخبار» الفصل 76، ص 140: قال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: أَبْنَاءُ الاَرْبَعِـينَ زَرْعٌ قَدْ دَنَا حَصَـادُهُ. وفي «سفينة البحار» ج 1، ص 504: رُوي: إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَتُبْ مَسَحَ إبْلِيسُ وَجْهَهُ وَقَالَ: بِأَبِي وَجْهٌ لاَ يُفْلِحُ أَبَداً. وقد وردت أخبار كثيرة في لفظ الاربعين، كالرواية الواردة في «البحار» ج 14، ص 512 التي تفيد: إنَّ مَنْ قَرَأَ الحَمْدَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فِي المَاءِ ثُمَّ يَصُـبُّ عَلَی المَحْمُـومِ يَشْـفِيهِ اللَهُ. وجاء في «الكافي» ج 6، ص 402 عن الإمام الباقر عليه السلام: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ تُحْتَسَبْ لَهُ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْماً. وروي في «جامع الاخبار» الفصل 109، ص 171 عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: مَنِ اغْتَابَ مُسْلِماً أَوْ مُسْلِمَةً لَمْ يَقْبَلِ اللَهُ تَعَإلی صَلاَتَهُ وَلاَ صِيَامَهُ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً إلاَّ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ صَاحِبُهُ. وجاء في «البحار» ج 13، ص 245، التوقيع الشريف: إنَّ الاَرْضَ تَضِجُّ إلی اللَهِ مِنْ بَوْلِ الاَغْلَفِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. وروي الصـدوق في «الخـصال» ص 538، بإسـناده المتّصـل عن عبد الله بن مُسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذَا مَاتَ المُؤْمِنُ فَحَضَرَ جَنَازَتَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ المُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: اللَهُمَّ إنَّا لاَ نَعْـلَمُ مِنْهُ إلاَّ خَيْـراً وَأَ نْتَ أَعْلَـمُ بِهِ مِنَّا، قَالَ اللَهُ تَبَـارَكَ وَتَعَإلی: إنِّي قَدْ أَجَزْتُ شَهَادَتَكُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا عَلِمْتُ مِمَّا لاَ تَعْلَمُونَ. وجاء في «عدّة الداعي» ص 128، باب الدعاء للاءخوان والتماسه منهم: روي ابنُ أبي عُمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مَنْ قَدَّمَ أَرْبَعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ثُمَّ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ. وعقد المجلسيّ في «بحار الانوار»، كتاب الجنائز، دعاءٌ، باب شهادة أربعين للميّت، ونقل فيه (ص 204) رواية عن «عُدّة الداعي» عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ عَابِدٌ فَأَوْحَي اللَهُ إلی دَاودَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَ نَّهُ مُرَاءٍ. قَالَ: ثُمَّ إنَّهُ مَاتَ فَلَمْ يَشْهَدْ جَنَازَتَهُ دَاودُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. قَالَ: فَقَامَ أَرْبَعُونَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَالُوا: اللَهُمَّ إنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إلاَّ خَيْراً وَأَ نْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ. قَالَ: فَلَمَّا غُسِّلَ أَتَي أَرْبَعُونَ غَيْرَ الاَرْبَعِينَ وَقَالُوا: اللَهُمَّ إنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إلاَّ خَيْراً وَأَ نْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ. فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ قَامَ أَرْبَعُونَ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا: اللَهُمَّ إنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إلاَّ خَيْراً وَأَ نْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ. فَأَوْحَي اللَهُ تَعَإلی إلی دَاودَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ دَاودَ: لِلَّذِي أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: فَأَوْحَي اللَهُ إلَيْهِ: أَ نَّهُ قَدْ شَهِدَ قَوْمٌ فَأَجَزْتُ شَهَادَتَهُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا عَلِمْتُ مِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ. وجاء أيضاً في «عُدّة الداعي» لرفع المرض والعلّة: الثَّالِثُ: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ، حَسْبُنَا اللَهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، تَبَارَكَ اللَهُ أَحْسَنُ الْخَـ'لِقِينَ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَدْعُو بِهَذَا أَرْبَعِينَ مَرَّةً عَقِيبَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَيَمْسَـحُ بِهِ عَلَی العِلَّةِ كَائِناً مَا كَانَتْ، خُصُوصاً الفَطْـرُ، يَبْرَأُ بِإذْنِ اللَهِ. وَقَدْ صُنِعَ ذَلِكَ فَأُشْفِعَ بِهِ. وجاء أيضاً في «عُدّة الداعي» ص 94: وَمَنْ دَعَا لاِرْبَعِينَ مِنْ إخْوَانِهِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آَبَائِهِمْ، وَمَنْ فِي يَدِهِ خَاتَمُ فَيْرُوزَجٍ أَوْ عَقِيقٍ.... ونقل في «بحار الانوار» ج 14، ص 551، عن الشهيد: رُوِيَ مُدَاوَاةُ الحُمَّي بِصَبِّ المَاءِ، فَإنْ شُقَّ عَلَيْهِ فَلْيُدْخِلْ يَدَهُ فِي مَاءٍ بَارِدٍ، وَمَنِ اشْتَدَّ وَجَعُهُ قَرَأَ عَلَی قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ أَرْبَعِينَ مَرَّةً الحَمْدُ ثُمَّ يَضَعَهُ عَلَيْهِ، وَلْيَجْعَلِ المَرِيضُ عِنْدَهُ مِكْتَلاً بُرّاً وَيُنَاوِلِ السَّائِلَ مِنْهُ بِيَدِهِ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَيُعَافَي. وجاء في «الاءقبال» ص 551: روينا بإسنادنا إلی جدّي أبي جعفر الطـوسيّ فيما رواه بإسـناده إلی مولانا الحسـن بن علی العسـكريّ صلوات الله عليه أ نّه قال: عَلاَمَاتُ المُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَوَاتُ إحْدَي وَخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الاَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ بِاليَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الجَبِينِ، وَالجَهْرُ بِبِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وورد في «الخصال» ص 541، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَفِظَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثاً مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ بَعَثَهُ اللَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَقِيهاً عَالِماً. وروي في «بحار الانوار» ج 5، ص 43، عن تفسير علی بن إبراهيم، عن الإمام الصادق عليه السلام حديثاً جاء فيه: فَبَقِيَ آدَمُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً سَاجِداً يَبْكِي عَلَی الجَنَّةِ. ونقل في «إكمال الدين» ص 13، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام حديثاً جاء فيه: فَبَكَي آدَمُ عَلَی هَابِيلَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وجاء فيه (ص 86) نقلاً عن «تفسير علی بن إبراهيم» عن الإمام الصادق عليه السلام حديثاً عن الطوفان جاء فيه: فَبَقِيَ المَاءُ يَنْصَبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً وَمِنَ الاَرْضِ العُيُونُ.... وفي ص 229، عن البيضاويّ في تفسير قوله تعإلی: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ»: إنَّ مَبْلَغَهُ الَّذِي لاَ يَزَيدُ عَلَيْهِ نُشُوؤُهُ، وَذَلِكَ مِنْ ثَلاَثِينِ إلی أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإنَّ العَقْلَ يَكْمُلُ حِينَئِذٍ. وَرُوِيَ أَ نَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إلاَّ عَلَی رَأْسِ أَرْبَعِينَ وَاسْتَوَي قَدُّهُ أَوْ عَقْلُهُ.... وجاء في «الخصال» ص 539، بإسناده عن الإمام الباقر عليه السلام قال: أَمْلَي اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِفِرْعَوْنَ مَا بَيْنَ الكَلِمَتَيْنِ... أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ أَخَذَهُ اللَهُ نَكَالَ الا´خِرَةِ وَالاُولَي. وَكَانَ بَيْنَ أَنْ قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَي وَهَارُونَ: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا»، وَبَيْنَ أَنْ عَرَّفَهُ اللَهُ الاءجَابَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ: قَالَ جَبْرَئِيلُ: نَازَلْتُ رَبِّي فِي فِرْعَوْنَ مُنَازَلَةً شَدِيدَةً، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! تَدَعُهُ وَقَدْ قَالَ: «أَنَا رَبُّكُمُ الاْعْلَي»، فَقَالَ: إنَّمَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا عَبْدٌ مِثْلُكَ (إنّما يقولُ بقولٍ، هذا عبدٌ مثلك). ثمّ قال المرحوم المجلسيّ رحمه الله في بيان هذا الخبر: لَعَلَّ المُرَادَ بِالكَلِمَتَيْنِ قَوْلُهُ تَعَإلی: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا» وَأَمْرُهُ بِإغْرَاقِ فِرْعَوْنَ. أَوْ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: «مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـ'هٍ غَيْرِي»، وَقَوْلُهُ: «أَنَا رَبُّكُمُ الاْعْلَي»... البيان. ونقل في «بحار الانوار» ج 5، ص 433، عن تفسير علی بن إبراهيم القمّيّ حديثاً جاء فيه: وجاء جماعة من اليهود إلی أبي طالب فقالوا: يَا أَبَا طَالِبٍ! إنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّ خَبَرَ السَّمَاءِ يَأْتِيهِ، وَنَحْنُ نَسْأَ لُهُ عَنْ مَسَائِلَ، فَإنْ أَجَابَنَا عَنْهَا عَلِمْنَا أَ نَّهُ صَادِقٌ، وَإنْ لَمْ يُخْبِرْنَا عَنْهَا عَلِمْنَا أَ نَّهُ كَاذِبٌ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَلُوهُ عَمَّا بَدَا لَكُمْ. فَسَأَ لُوهُ عَنِ الثَّلاَثِ المَسَائِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: غَداً أُخْبِرُكُمْ «وَلَمْ يَسْتَثْنِ»، فَاحْتُبِسَ الوَحْيُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْماً حَتَّي اغْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَشَكَّ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِهِ.... وجاء أيضاً في «بحار الانوار» ج 6، ص 117، نقلاً عن كتاب «العُدد» تأليف الشيخ رضيّ الدين علی بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (وهو أخو العلاّمة الحلّيّ) رواية في باب ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام ورد فيها: إذْ هَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فِي صُورَتِهِ العُظْمَي قَدْ نَشَرَ أَجْنِحَتَهُ حَتَّي أَخَذَتْ مِنَ المَشْرِقِ إلی المَغْرِبِ فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ! العلی الاَعلی يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ عَنْ خَدِيجَةَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَی النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهَا مُحِبَّاً وَبِهَا وَامِقاً، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْماً يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ... الحديث. انتهي ما نُقل من الروايات التي ذُكر فيها لفظُ «الاربعين». [14] ـ ورد هذا الحديث في «سفينة البحار» ج 1، ص 504. وجاء في «إحياء العلوم» ج 3، ص 25: إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَتُبْ، مَسَحَ الشَّيْطَانُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: بِأَبِي وَجْهُ مَنْ لاَ يُفْلِحُ. |
|
|