|
|
الصفحة السابقةنسبة الإنسان مع القوي الاربع: العقليّة، الوهميّة، الغضبيّة، الشهويّةكما ورد في حديثٍ آخر أنّ حدّ الجوار أربعون بيتاً من الاطراف الاربعة[الشرح]، لكأ نّهم ـ بعد هذا العدد قد انفصلوا عن عالَم بعضهم البعض. وتأويل ذلك في المناسبة والجوار من جهات القوي الاربعة [الشرح] العقليّة والوهميّة والشهويّة والغضبيّة. وما لم تبتعد هذه المراحل عن بعضها بأربعين مرحلة، فإنّها لن تكون قد تخطّت عالَمها خارجاً، وستكون مجاورة لبعضها البعض الا´خر. فإن كان هناك مجاورة ومناسبة بين مراحل القوّة العقليّة الملكوتيّة، فإنّها ستصف حالها لبعضها بهذه المقولة: أَجَارَتَنَا إنَّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ وإذا كان هناك مجاورة بين مراحل الشهويّة الشيطانيّة والسَّبُعيّة والبهيميّة، فإنها ستترنّم بهذه الاُنشودة: أَجَارَتَنَا إنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ وَإنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ عَشِيبُ [3] وعلی أيّة حال، فإنّ خاصّيّة الاربعين في ظهور الفعليّة وبروز القابليّة والقوّة وحصول المَلَكة أمرٌ مصرّح به في الا´يات والاخبار، ومجرّب لدي أهل الباطن والاسرار، وهو ما أُخبر عنه في الحديث الشريف بأ نّه حصول آثار الخلوص، أي نبوع عين المعرفة والحكمة في هذه المرحلة. ولا ريب أنّ أيّ محظوظ طوي هذه المنازل الاربعين بأقدام الهمّة وبلغ بقابليّات الخلوص إلی فعليّتها، فإنّ نبع المعرفة ستبدأ بالفوران من أرض قلبه. وتقع هذه المنازل الاربعين في عالم الخلوص والإخلاص، أمّا منتهاها فعالَمٌ فوق عالَم المُخلَصين، وهو عالَمُ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْـقِينِي،[الشرح] حيث إنّ الطعام والشراب الربّانيّين عبارة عن المعارف والعلوم الحقيقيّة غير المتناهية. وقد عُبِّر في حديث المعراج عن ضيافة خاتم الانبياء وإطعامه اللَّبَن والرزّ،[5] حيث إنّ اللبن في عالمنا هذا بمثابة العلوم الحقّة في عالَم المجرّدات، ولذا يُعبّر عن اللبن في الرؤيا بالعِلم. ويصل المسافر في هذه المنازل إلی غايته حين يغدو سيره في عالَم الخلوص، وليس حين يكتسب الإخلاص في هذه المنازل، فقد ورد: مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، وينبغي ـ إذاً أن يكون الخلوص قد اكتُسِب خلال سير هذه المنازل. فيكون عالَم الخلوص بداية هذه المنازل، لا أن تُفتح باب المعرفة في وجه كلّ مسافر في هذه المنازل الاربعين، أو مَن يريد تحصيل الخلوص في المراحل الاربعين. مراحل السلوكولابدّ ـ إذاً لمسافر عالَم هذا الحديث من جُملة أُمور: [6] الاوّل: المعرفة الإجماليّة بالمقصد، وهو عالَم ظهور ينابيع الحكمة. ذلـك أنّ المرء ما لَم يتصـوّر المقصـد إجمـالاً، فإنّه لن يسعي إليه. الثاني: الدخول في عالَم الإخلاص ومعرفته. الثالث: السير في المنازل الاربعين لهذا العالَم. الرابع: طيّ العوالم العديدة (وهي المنازل التي تسبق عالَم الخلوص) من أجل الدخول ـ بعد طيّها في عالم الخلوص.
أمّا معرفة المقصد التي أُشير إليها في قوله: ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ، فنقول: إنّ المقصد هو عالَم الحياة الابديّة الذي عُبِّر عنه بـ «البقاء بالمعبود». وظهور عيون الحِكمة (وهي العلوم الحقيقيّة) إشارة إلی ذلك، لانّ العلوم الحقيقيّة والمعارف الحقّة هي رزق النفوس القدسيّة الذي يصلها من ربّها، والرزق الإلهيّ إنّما هو للحياة الابديّة. مقصد السالك ومراتبهبَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، والوصول إلی هذا العالَم الجامع للمراتب الكماليّة التي لا حَصر لها، ومن جُملتها حصول التجرّد الكامل علی قدر القابليّة الإمكانيّة،[الشرح] إذ المادّيّة لا تنسجم مع الحياة الجامعة الابديّة، والمادّة والجسميّة من عالَم الكون، وكلُّ كونٍ يتبعه الفساد: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ، ووجه كلّ شيء هو الجهة التي يواجه بها الا´خرين ويظهر بها ويتجلّي، فوجهُ كلّ أحد هو مظهره. ومن جملة ما يلزم كلّ شيء ـ عدا مظاهر الصفات والاسماء الإلهيّة هلاكه وبواره. وقد تيسّر لكثير من النفوس الكاملة أمر الوصول إلی شمّة من العلوم والمعارف، بَيدَ أ نّه لم يرشح لهم من عين الحِكمة رشحة ولا قطرة. وينبوع الحكمة إشارة إلی مبدأ جميع الفيوضات ومنبع الكمالات. مقام مظهريّة الانوار الإلهيّةفمن جملة المراتب العليّة لهذا العالَم، مظهريّة الانوار الإلهيّة التي لا يطرأ عليها الهلاك والبوار بنصّ القرآن الكريم. [الشرح] الإحاطة الكلّيّة بالعوالم الإلهيّةومن جملة المراتب: الإحاطة الكلّيّة بالعوالم الإلهيّة علی قدر القابليّات الإمكانيّة، لانّ الحكمة علمٌ حقيقيّ عارٍ من الشوائب والشكّ، وهو ممّا يتعذّر حصوله بدون الإحاطة الكلّيّة، تلك الإحاطة التي من شأنها الاطّلاع علی الماضي والمستقبل والتصرّف في موادّ الكائنات، إذ المحيط يحصل علی التسلّط الكامل علی المُحاط ويحضر في كل مكان ويصاحب كلّ موجود، إلاّ أن يمنعه الاشتغال بأُمور البدن. وحصول جميع هذه المراتب منوط بترك تدبير البدن. وسائر درجات هذا العالَم وفيوضاته ممّا لا حدّ له ولا نهاية، وبيان ذلك غير ميسور. وأمّا عالَم الخلوص والإخلاص: [الشرح] أقسام الخلوص والإخلاصفاعلمْ أنّ الخلوص والإخلاص علی نوعَين:
ويشير إلی الاوّل الآية الكريمة: لِيَعْبُدُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وهذا النوع يحصل في بدايات درجات الإيمان، وهو ممّا يلزم علی كلّ أحد تحصيله، إذ العبادة فاسدةٌ بدونه، وهو أحد مقدّمات الوصول إلی النوع الثاني. ويُشير إلی الثاني قوله تعإلی: إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ، فقد جعل الخـلوص لذات العـبد، بينما جعـلته الآية الاُولي للدِّيـن، وعدّت العبد مُخلصاً له. كما يُشير إلی النوع الثاني حديث: مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ، أي أخلص نفسَه. وأوّلهما بصيغة الفاعل وثانيهما بصيغة المفعول. وهذا النـوع مـن الخـلوص مرتـبة وراء مرتبتَـي الإسلام والإيمان، ومرتبة لا تُدرَك إلاّ يَنظُر الله إلی صاحبها بعين عنايته، وليس الموحِّد الحقيقيّ إلاّ صاحب هذه المرتبة. وما لم يدخل السالك في هذا العالَم، فإنّ أذياله لن تنقي من أشواك الشِّرك، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ] الآية 106، من السورة 12: يوسف [، والمناصب الثلاثة ثابتة معاً لصاحب هذه المرتبة بنصّ كتاب الله تعإلی: [10] الاُولي: أ نّه يُعفي من حساب الحشر الا´فاقيّ،[11] ومن الحضور في تلك العرصة: فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ ] الا´يتان 127 و 128، من السورة 37: الصافّات [، لانّ هذه الطائفة ـ بعبورها من القيامة العظمي الانفسيّة قد أدّت حسابها، فلا حاجةَ لمحاسبتها من جديد. الثانية: أنّ كلّ فردٍ إنّما ينال ما ينال من الثواب والسعادة علی قدر عمله، إلاّ هذا الصنف من العباد الذين ينالون من الإكرام واللطف ما لا يُدركه العقل، وفوق جزاء أعمالهم: وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ ] الا´يتان 39 و 40، من السورة 37: الصافّات [. الثالثة: أنّ هذه مرتبة عظيمة ومقام كريم، وفيه إشارة إلی مقامات رفيعة ومناصب منيعة، وهي أ نّه سيُثني علی الله بما هو أهلُه من الثناء: سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ ] الا´يتان 159 و 160، من السورة 37: الصافّات [، أي أ نّه يتمكّن من الثناء علی الله تعإلی بما يليق بساحته ويعرف صفات كبريائه، وهذه هي غاية مرتبة المخلوق، ونهاية منصب الممكن.[12] وما لم تظهر ينابيع الحكمة بأمر الله الكريم في القلب، فإنّ العبد لن يتمكّن من تناول هذه الجرعة، وما لم يطوِ مراتب عالَم الممكنات ويتطلّع ببصره إلی مملكة الوجوب واللاهوت، فإنّه لن يتمكّن من بلوغ هذه المرتبة. خصائص ومقامات الواصلين إلی الخلوص الذاتيّ (المخلَصين)بلي، ما لم يطوِ مملكة الإمكان فإنّه لن يتمكّن من أن يطأ بأقدامه بساط «عِندَ ربِّهم»، ولا أن يرتدي لباس الحياة الابديّة، أمّا العباد المُخلَصين فإنّهم نالوا عطاء الحياة الابديّة، وهم حاضرون عند ربّهم: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ أَمْوَ تًا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ] الآية 169، من السورة 3: آل عمران [، ورزقهم هو الرزق المعلوم الذي ذكره تعإلی في حقّ المُخلَصين: أُولَـ'´نءِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ [13] ] الآية 41، من السورة 37: الصافّات [، والقتل في سبيل الله إشارة إلی هذه المرتبة من الخلوص، وهذان الرزقان متّحدان [14]ومقارنان للكون عند الربّ، وهو تعبير آخر عن القُرب الذي هو حقيقة الولاية، وهي مصدر وأصل شجرة النبوّة: أَنَا وَعلی مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ[15]، والنبوّة متفرّعة منها ومولودة منها. بل تلك نورٌ وهذه شُعاع، وتلك وَجهٌ وهذه صورة، وتلك عَيْنٌ وهذه أَثَر، إذ الوليّ مُخاطَب بخطاب: أَقْبِلْ، والنبيّ مخاطب بخطاب: أَدْبِرْ بَعْدَ أَقْبِلْ. فالنبوّة لا تتحقّق بدون الولاية، أمّا الولاية فتتحقّق بدون النبوّة.[الشرح] وجاء في حقّ المُخلَصين: لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إلی رَبِّهِمْ إلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ.[الشرح] وفي كلام خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله: رَأَيْتُ رَبِّي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِجَابٌ إلاَّ حِجَابٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ بَيْضَاءَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. وفي كليهما حجابٌ واحد لا غير، علی الرغم من أنّ الحُجب تختلف فيما بينها. وفي هذا بشارةٌ عظيمة للمُخلَصين، فقد تشرّفوا بشرف جوار سيّد المُرسَلين، وهذا عالَمٌ يفوق عالَم الملائكة المقرّبين، فقد سأل الرسول صلّي الله عليه وآله جبرئيل: هَلْ رَأَيْتَ الرَّبَّ؟ قَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعُونَ حِجَاباً مِنْ نُورٍ، لَوْ دَنَوْتُ وَاحِداً لاَحْتَرَقْتُ.[18] ولا يمكن أن يقال في حقّ المخلَصين أزيد من هذا، إذ تقصر العبارات عنه، وتعجز أفهام الخلق عن تحمّله. [19] قَالَ رَبُّ العِزَّةِ: أَوْلِيَائِي تَحْتَ قُبَابِي لاَ يَعْرِفُهُمْ غَيْرِي. [20] يعني: لاَ يَعْرِفُ عَوَالِمَهُمْ وَدَرَجَاتِهِمْ غَيْرِي. نوعا القتل في سبيل اللهوكما عرفتَ فإنّ الوصول إلی هذا العالَم موقوفٌ علی القَتْل في سَبيل الله تعإلی. [21] وما دام العبدُ لم يُقتَل في هذا السبيل، فإنّه لن يدخل في عالم الخلوص للّه ؛ والقتل عبارة عن قطع علاقة الروح بالبدن،[الشرح] ثمّ قطع علاقة روح الروح بالروح، حيث إنّ الموت عبارة عن انقطاع تلك العلاقة. أحكام ومراحل الجهادوقطع العلاقة علی نوعين: الاوّل بالسيف الظاهر، والا´خر بالسيف الباطن. والمقتول واحد في كلا الحالَين، أمّا القاتل فهو في النوع الاوّل جيش الكُفر والشيطان، وفي النوع الثاني جُند الرحمن والإيمان. ومورد السيف في كلا القتلَين واحد (وهو أركان عالَم الطبيعة)، لكن أحد الضاربَين بالسيف مَلوم ومستحقّ للعقاب، والا´خر مرحوم ومُثاب: إنَّمَا الاَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. [23] ولمّا كان القتل في سبيل الله بالسيف الظاهر مثالاً متنزّلاً من القتل بسيف باطن الباطن ـ كما سيأتي ذِكره فيكون ظاهر المراد بالقتل في سبيل الله حيثما ورد في القرآن الكريم هو القتل بالسيف الظاهر، وباطنه القتل بسيف الباطن، وباطن باطنه القتل بسيف باطن الباطن، وتلك مرحلة أُخري أُشير إليها: إنَّ لِلْقُرْآنِ ظَهْراً وَبَطْناً، وَلِبَطْنِهِ بَطْناً إلی سَبْعَةِ أَبْطُنٍ. [الشرح] ولهذا عُبِّر في القرآن الكريم عن كِلا القتلَين بالجهاد والمجاهدة، قال تعإلی: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـ'هِدُوا بِأَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَهِ ] الآية 41، من السورة 9: التوبة [، وقال تعإلی: وَالَّذِينَ جَـ'هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ] الآية 69، من السورة 29: العنكبوت [ ؛ وقال رسول الله صلّي الله عليه وآله: رَجَعْنَا مِنَ الجِهَادِ الاَصْغَرِ إلی الجِهَادِ الاَكْبَرِ.[الشرح] والاصغر هو مِثال وأُنموذج للاكبر، وجميع الاحكام المذكورة في الجهاد المُشار إليه لا تختصّ بأحد هذين الجهادَين، بل تشملهما كلاهما. يُضـاف إلی ذلـك أنّ القتل الظاهـر يتوقّـف علی الجـهاد الاصغر، وهو الهجرة إلی الرسول، ثمّ معه ؛ والهجرة متوقّفة علی الإيمان، والإيمان علی الإسلام، وتحقّقه بدون هذا الترتيب متعذّر. وكذلك الامر بالنسبة إلی القتل بالسيف الباطن، الذي يتوقّف علی الجهاد الاكبر، وهذا متوقّف علی الهجرة إلی الرسول، ثمّ معه، وهذا علی الإيمان، والإيمان علی الإسلام. فالفوز بالدرجات المنيعة، وبلوغ المراتب الرفيعة لا يمكن تصـوّره بغير طيّ هذه المراحل العظـيمة، قال تعإلی فـي كتابه الكريم: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَهِ وَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْفَآنءِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَ نٍ وَجَنَّـ'تٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَهَ عِندَهُ و´ أَجْرٌ عَظِيمٌ ] الا´يات 20 إلی 22، من السورة 9: التوبة [. مراحل الجهاد الاصغرالمرحلة الاُولي: الإسلام، وهو عبارة عن التفوّه بالشهادتَين، وهي الفاصل بين الكافر والمسلم. المرحلة الثانية: الإيمان،[26] وهو عبارة عن العِلم بمؤدّي الشهادتَين، الفاصل بين المؤمن والمنافق، إذ المنافق هو الذي تختلف سريرته عن علانيته. فمادام القلب غير مستضيء بمشاهدة معني ما يلفظه اللسان (أي فاقداً للإيمان)، كان المرء منافقاً. وأمّا تشخيص المنافقين من قِبل الا´خرين، فيحصل بالا´ثار والعلامات الدالّة علی عدم الاعتقاد بِمَا يَتَلَفَّظُونَ بِهِ، لانّ مقتضي الشهادتَين هو العِلم بوحدانيّة المعبود وصِدق كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وأثر ذلك في الظاهر هو ترك عبادة غير الواحد وإطاعة كلّ ما جاء به الرسول. فمَن عبد سوي الله كان منافقاً. وقد يكون المعبود الهوي: أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـ'هَهُ و هَوَب'هُ ] الآية 23، من السورة 45: الجاثية [، وقد يكون إبليس: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـ'بَنِي´ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَـ'نَ ] الآية 60، من السورة 36: يس [. وجليٌّ أنّ هذا الاستنكار ليس موجّهاً لمَن يعبد الشيطان، إذ لم يُعهَد مثل هذا المذهب لدي البشر، بل لمن يتبع الشيطان. فمَن تبع الشيطان، فإنّه سيكون قد عبده. وقد يكون المعبود شخصاً آخر، يعبده طمعاً في ماله أو جاهه، وقد يكون الدرهـم والدينار وغير ذلـك.[الشرح] فمَن تبعـها في غير رضا الله تعإلی، فقد عبدها. ارجاعات الروايات الواردة في حدّ الجوار[1] ـ وردت في هذا المجال أربعة روايات في «وسائل الشيعة» ج 2، كتاب الحجّ، أحكام العِشرة، الباب التسعين: الاوّل عن الكُلينيّ بإسناده عن الإمام الباقر عليه السلام قال: حَدُّ الجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَاراً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. الثاني: عن الكلينيّ أيضاً بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ أَرْبَعِينَ دَاراً جِيرَانٌ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. الثالث: عن الشيخ الصدوق في «معاني الاخبار» بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّ معاوية بن عمّار قال له: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا حَدُّ الجَارِ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ (أَرْبَعُونَ ـ صح) دَاراً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. الرابع: عن عقبة بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: حَرِيمُ المَسْجِدِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً، وَالجِوَارُ أَرْبَعُونَ دَاراً مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبِهَا. في قوي الإنسان الاربع ، والنسبة بينها[2] ـ مراد المصنّف أنّ الإنسان أسير لقوي أربع تحيط به من أطرافه الاربعة: القوّة العقليّة، الوهميّة، الغضبيّة، والشهويّة، وما لم يبتعد عن كلٍّ منها إلی أربعين منزلاً، فإنّه لن يبـلغ مقام الفـناء في الله. ذلك أنّ مجرّد الخروج من مرحلة الشهوة ـ مثلاً لن يُخرج الإنسان من تلك المرحلة بتمام المعني، لانّ حقيقة مرحلة الشهوة تلك لا زالت كامنة في وجود الإنسان، وما لم يبتـعد عن المرحـلة الاُولي أربعين مرحـلة فإنّ آثارها لن تزول تماماً. وبناء علی ذلك، فلو فرضنا عالَم الشهوة ذا مراحل متعدّدة، فإنّ الإنسان سيخرج كلّيّاً عن إحدي المراحل حين يتخطّي المراحل الاربعين التي تليها، وبغير ذلك فإنّ الإنسان لن يكون قد خرج من تلـك المرحـلة بتمام المعني، وقد يتعرّض بمجرّد طروء طاري عليه للعودة إلی المرحلة الاُولي. والامر كذلك بالنسبة إلی عوالم العقل والغضب والوَهْم. فالمرء سيكون قد خرج حقّاً من مرحلة الغضب الاُولي حين يخـرج من مرحلته الاربعين، وسـيكون قد خرج حقّاً من مرحلة العقل الخامسة حين يخرج من مرحلته الاربعين، وهكذا عليه في كلّ مرحلة مُفترضة أن يتخطّاها بأربعين مرحلة ليتخلّص منها تماماً. بَيْدَ أنّ هناك فارقاً بين القوّة الملكوتيّة العقليّة والقوي الثلاث الاُخري، لانّ العقل دليل وموجّه، ووجوده متعارض مع القوي الثلاث الاُخري، ولذلك فإنّ تلك القوي في حال نزاع وجدال دائميّ مع العقل. ولذا فإن كلّ منزلَين من منازل العقل الاربعين التي يقلّ الفاصل بينهما عن أربعين مرحلة سيتبادلان الشكوي لبعضهما ويتذكّران مقولة: «نحن منزلان أضحيا غريبَين في عالم الطبيعة حين أسرتنا القوي الشهويّة والغضبيّة والوهميّة، وكلّ غريبٍ للغريب نسيبُ». لكنّ كلّ منزلَين من المنازل الاربعين لسائر القوي إذا تعرّضت لهجوم عساكر العقل، فإنّها ستقاوم ما أمكنها وتأبي التسليم، وترتحل ـ من ثمّ عن ذلك المنزل، ولذلك فإنها ستترنّم فيما بينها بمقولة: ما دام جبل «عسيب» قائماً فإنّنا سنواجه سيل المشاكل المستمرّ بصبرٍ وتحمّل. [3] ـ قال في «جامع الشواهد» بأنّ هذا الشعر لامري القيس بن حجر الكنديّ خاطَبَ به امرأة ميّتة، وذلك أ نّه لمّا احتضر بالنقرة نظر إلی قبرٍ فسأل عنه، فقيل له: هو قبر امرأة غريبة، فقال: أَجَارَتَنَا إنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ وَإنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ غَرِيبُ أَجَارَتَنَا إنَّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ فَإنْ تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَإنْ تَهْجُرِينَا فَالغَرِيبُ غَرِيبُ ثمّ قال: الخطوب جمع خطب وهو الامر العظيم، و تنوب بمعني تنزل، و مقيمٌ، أي: ثابتٌ في تحمّلها، والعسيب (بالعين والسين والباء الموحّدة) كحبيب: اسم جبل... انتهي. والظاهر ـ بناء علی ما مرّ أنّ «عسيب» هو الصواب، وقد ورد هذا اللفظ الاخير في بعض النسخ. وأمّا عشيب (بالشين المعجمة) فغير صحيح علی الظاهر، لانّ معناه الارض المُعشبة، واستعماله في هذا المورد يستلزم التكلّف. روايات أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي[4] ـ روي الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» ج 2، ص 111، باب الصيام، عن معاوية بن عمّار قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، قَالَ: إنَّمَا نَهَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ صِيَامِهَا بِمِنَي، فَأَمَّا بِغَيْرِهَا فَلاَ بَأْسَ. وَنَهَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الوِصَالِ فِي الصِّيَامِ وَكَانَ يُوَاصِلُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إنِّي أَظِلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيَطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي. وأورد هذه الرواية في «المحجّة البيضاء» ج 2، ص 142، نقلاً عن «من لا يحضره الفقيه». وأوردها المرحوم السـيّد علی خان في «شرح الصحيفة» (حسب نقل «تلخيص الرياض» ج 1، ص 37) بلفظ «أبيتُ» وقال: قال عليه السلام: أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي. هذا في روايات الشيعة، وأمّا في روايات العامّة فلم يرد لفظ «عِند ربّي»، وجاء في بعضها لفظ «أبيتُ» وفي بعضها الا´خر لفظ «أظلُّ». القسم الاوّل: روي البخاريّ في صحيحه ج 4، ص 251، كتاب التمنّي، بإسناده عن أبي هريرة قال: نَهَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الوِصَالِ. قَالُوا: فَإنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: أَيُّكُمْ مِثْلِي، إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. وروي مسلم في صحيحه ج 3، ص 133، كتاب الصيام روايتَين بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وأُخري عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة، عن رسول الله بنفس لفظ البخاريّ الذي نقلناه. وروي مالك في «الموطّأ»، كتاب الصيام، ص 280، بإسناده عن الاعرج، عن أبي هريرة قال: إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالوِصَالَ. قَالُوا: فَإنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَهِ! قَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. القسم الثاني: روي البخاريّ في صحيحه، ج 4، ص 251، كتاب التمنّي، بإسناده عن أنس قال: وَاصَلَ النَّبِيُّ آخِرَ الشَّـهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَـغَ النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَـلَّمَ، فَقَالَ: لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّـهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي أَظِلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. وروي أُخـري في ج 1، ص 329، كتاب الصـوم، بإسـناده عن ïعبد الله ابن عمر قال: إنَّ النَّبِيَّ وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ! قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَظِلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَي. وجاء في «صحيح مسلم»، ص 329، كتاب الصيام بلفظ: إنِّي أَظِلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. وورد أيضاً في نفس الصفحة من الكتاب المذكور وفي «الموطّأ»، كتاب الصوم، ص 280 أنّ رسول الله قال: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَي. [5] ـ ورد في الاخبار لفظ اللبن، إلاّ أ نّي لم أرَ في خبرٍ ما لفظ «اللبن والرزّ»، وسألتُ الاُستاذ الطباطبائيّ عن ذلك فقال: لقد بحثتُ ـ بدَوري عن مثل هذا الخبر، إلاّ أ نّي لم أعثر علی شيء. [6] ـ عوالم ما قبل الخلوص، عالم الخلوص، السير في المنازل الاربعين لعالم الخلوص، وعالم ظهور ينابيع الحكمة. التجرّد من جميع الجهات ـ وبضمنها التجرّد من القابليّة الإمكانيّة ـ لا يحصل إلاّ بعد الموت[7] ـ التعليل اللاحق (إذ المادّيّة لا تنسجم... إلی آخره) ليس عائداً إلی الجملة السابقة، أي إلی جملة (علی قدر القابليّة الاءمكانيّة)، بل يعود إلی المطلب السابق، وهو أنّ الرزق الاءلهيّ إنّما هو للنفوس القدسيّة والاءحياء الابديّ. وحاصل المطلب أنّ البدن سوف يفسد، إلاّ أنّ وجهه (أي مظهره) سيبقي. فإن بلغت النفس الإنسانيّة في سيرها المظاهرَ والصفات الاءلهيّة فأضحت مظهراً للانوار الاءلهيّة، غدت في عداد «أحياءٌ عند ربّهم»، وكان رزقها تلك العلوم والمعارف الحقيقيّة. وينبغي العلم بأنّ حصول التجرّد إنّما يكون علی قدر القابليّة الاءمكانيّة، أي أنّ السالك إذا دخل في عالَم اللاهوت، وإذا حصل علی الفناء في جميع الاسماء الاءلهيّة ومن جملتها الفناء في اسم «الواحد»، وإذا بلغ مرحلة البقاء بعد الفناء (وهو البقاء بالمعبود)، فإنّه لن يحصل علی التجرّد الكامل من جميع الجهات ومن ضمنها التجرّد من القابليّة الاءمكانيّة. وعلی الرغم من أنّ علم السالك في هذه الحال سيكون علماً إلهيّاً، وأ نّه سـيكون له المعـيّة مع كلّ موجـود، وأ نّه سيطّـلع علی الماضـي والمستقبل، إلاّ أنّ تلك العلاقة الاءجماليّة بتدبير البدن ستمنع من حصول التجرّد التامّ فيما وراء أفق الاءمكان. بَيدَ أ نّه قد شوهد أنّ نسبة عُلقة الروح ببدنها وبسائر الموجودات ستكون متفاوتة. ثمّ إنّها تترك البدن كلّيّاً بعد الموت وتتفرّغ من الاشتغال بتدبيره بتمام معني الكلمة، فتحصل علی التجرّد اللاهوتيّ. يقول الشيخ وليّ الله الدِّهلويّ في «الهمعات»: لقد قيل لهذا الفقير بأنّ قطع علاقة الروح بالبدن سيحصل بعد الموت بخمسمائة سنة. وقال محيي الدين بن عربي في موارد عديدة: إنّ العين الثابتة ستبقي للسالك بعد البقاء بالمعبود أيضاً. وليس في هذا منافاة مع كون الإنسان اسماً إلهيّاً أعظماً، لانّ الإنسان ـ من بين جميع الموجودات ومن ضمنها الملائكة هو الاسم الاعظم. غاية الامر أ نّه يكتسب بالبدن جميع المراتب، عدا مرحلة واحدة من حصول التجرّد التامّ الكامل (حتّي التجرّد من العين الثابتة والشوائب الاءمكانيّة)، فإنّها تحصل له بعد الموت. فناء الموجودات إلاّ وجه الله وهو تجلّي الاسماء الإلهيّة في الموجودات[8] ـ سواء عددنا الضمير في «وجهه» في الآية الكريمة: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاِّ وَجْهَهُ عائداً إلی الله تعإلی أو إلی الشيء، فإنّ المعني سيكون واحداً في كِلا الحالَين، وهو أنّ جميع الموجودات ستفني إلاّ وجه الله، وهو الاسماء الاءلهيّة التي تظهر بها الموجودات وتتجلّي، أو وجه الاشياء، الذي يعني أيضاً بقاء جانب مظهريّة الله تعإلی فيها. ويُلاحَظ في الآية الكريمة: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَي' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاْءكْرَامِ أنّ صفة «ذو الجلال والاءكرام» هي ـ باعتبار رفعها صفة إلی «وجه» وليست صفة إلی «ربّك». وبناء علی ذلك فلا هلاك ولا بوار لوجه الله تعإلی الذي هو أسماؤه وصفاته، والمتّصف بالجلال والاءكرام. وَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ. الفرق بين إخلاص العبد وخلوصه من قِبل الله تعإلی[9] ـ اعلم بأنّ عالَم الخلوص والاءخلاص يعني عالم الطهارة والنزاهة، وأ نّه عالَم المخلَصين (بالفتح)، وهم فوق المخلِصين (بالكسر)، إذ علی العبد أن يُخلَص أوّلاً كي يصبح خالصاً. ولذا فإنّ عالَم إخلاص العبد وعالَم خلوصه عالَمان مختلفان. أمّا وقد عدّ المصنّف رحمة الله عليه الاءخلاص والخلوص عالَماً واحداً واعتبر هاتَين الكلمتَين بمثابة عطف تفسير علی بعضهما، فإنّ مراده إخلاص الربّ وليس إخلاص العبد الذي هو فِعل العبد، بل أراد به إخلاص الربّ الذي هو فِعل الله تعإلی، ونتيجته وحاصله إخلاص العبد. وبناءً علی ذلك فإنّ العبد إذا ما أخلص، فإنّ الله تعإلی سيخلصه في المرحلة التالية، وهذا الاءخلاص هو الخلوص الذي عنوانه فِعل الله، وهما متلازمان ومتقارنان، ولذا فقد قال المصنّف: عالَم الخلوص والاءخلاص. [10] ـ اعلم أنّ القرآن الكريم نصّ علی منصب آخر غير هذه المناصب الثلاثة، وهو خروجهم من سلطة الشيطان، وأ نّه لا يطمع في إغوائهم، فقد ورد في سورة الحِجر، الا´يتين 39 و 40: وَلاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، وجاء في سورة ص، الا´يتين 82 و 83: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. ولكن لمّا كان المنصب الاوّل الذي ذكره المصنّف (وهو إعفاؤه من حساب الحشر) يستلزم عدم تسلّط الشيطان، فإنّه لم يعُدّ هذا المنصب علی حِدة. [11] ـ ويُعفي كذلك من حساب الحشر الانفسيّ، فقد أعقبه بقوله: لانّ هـذه الطـائفة قـد أدّت حسـابها بعبـورها مـن القـيامة العظـمي الانفسيّة. [12] ـ اعلم أنّ المصنّف رحمه الله اعتبر أنّ الغاية هي عالَم ظهور ينابيع الحِكمة، أي البقاء بالله تعإلی، وعيّن سير الاربعين لبلوغ هذا الهدف في عالَم الخلوص. وعلی السالك أن يدخل عالَم الخلوص (وهو مقام المُخلَصين)، وينال ثلاثة مناصب رفيعة عيّنها له، ثمّ يسير مدّة أربعين كاملة في هذا العالَم ليبلغ مقام ظهور الينابيع والبقاء بالله تعإلی. ولمّا كان الدخول في عالَم الاءخلاص يعني الدخول في عالم الوجوب واللاهوت، فقد عبّر عن ورود هذا العالَم بأ نّه غاية مرتبة المخلوق ونهاية منصب الممكن، علی الرغم من أنّ الفاصلة بين هذا المنصب وبين درجة الكمال (وهو عالَم البقاء والظهور) تعادل أربعين منزلاً، ولذا فإنّه لم يُعبّر عن ورود عالَم الخلوص بعالَم ظهور ينابيع الحِكمة علی اللسان، حيث إنّ ظهور ينابيع الحكمة في عالَم الخلوص إنّما يحصل في أرض القلب، وبعد طيّ الاربعين والبلوغ بجميع مراتب القابليّات إلی فعليّتها، فإنّ الخلوص سيجري من القلب علی اللسان. [13] ـ صفة «معلوم» التي جِيء بها كصفةٍ للرزق ليس لها معني مشخّص ومقدّر في مقابل غير المقدّر والخارج عن الحدّ والحصر، بل استُعملت من أجل بيان أهمّيّة هذا الرزق والتأكيد علی أهمّيّته، في مقابل غير المعلوم الذي يعني التافه وغير المهمّ. [14] ـ يعني «رزق معلوم» ورزق «أحياء عند ربّهم». [15] ـ وردت هذه الرواية في «بحار الانوار» ج 9، ص 334، نقلاً عن «كشف الغمّة»، وجاء في «أمإلی الطوسيّ» ص 338: يَا علی خَلَقَ اللَهُ النَّاسَ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّي، وَخَلَقَنِي وَأَ نْتَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَنَا أَصْلُهَا وَأَ نْتَ فَرْعُهَا، فَطُوبَي لِعَبْدٍ تَمَسَّكَ بِأَصْلِهَا وَأَكَلَ مِنْ فَرْعِهَا. وأورد (القندوزيّ) في «ينابيع المودّة» ص 235 و 256، روايات في هذا الشأن. كلّ نبوّة متفرّعة عن الولاية إجمالاً[16] ـ لانّ النبوّة تستلزم الوحي، وهو أعلی درجات المخاطبة بين الله تعإلی والعبد بدون حجاب ولا واسطة، حيث قال: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَّرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً. وهذا النـوع من التكلّم يحصـل فقـط في حال فنـاء العبد خـلال تجلّـيات الله، وهو ما يُدعـي بالولايـة. فكلّ نبـوّة إذاً متفـرّعة عن الولاية. بلي لا يلزم النبيّ أن يمتـلك الولاية العامّة المطـلقة، بل تكـفي الولاية في الجملة في حصول مقام النبوّة. المراد برداء الكبرياء ، الياقوتة البيضاء والروضة الخضراء في الروايات[17] ـ المراد برداء الكبرياء: هو المقام الرفيع للذات وعظمتها وتجرّدها، وهو ما يفوق كلَّ اسم ورسم، لانّ نهاية سير الإنسان هو الفَناء في اسم «أَحَد». ومن الجليّ أنّ «أَحَد» اسم. وهذه هي نهاية التجرّد الاءمكانيّ الذي سبقت الاءشارة إليه. وأمّا المقام الذي يعلو هذا المقام، فهو التجرّد المحض المطلق، حتّي خارج أُفق الاءمكان، بل خارج تقيّده وتعلّقه بالعين الثابتة. وهو أعلی من اسـم «أحد» الذي سـيحصـل بعد الموت. والمراد بالياقوتة البيضاء مقام الاحديّة الذي يفوق كلّ ظهورٍ وتجلٍّ، والذي يفوق في النورانيّة كلّ اسم، والاقرب إلی الاءطلاق. والمراد بالروضة الخضراء مقام ذات الاحد بملاحظة شؤون الوحدة في روضة الكثرة ومرج عالم الواحديّة. والمراد بالياقوتة البيضاء في الروضة الخضراء هو نقطة الوحدة بين قوسَي الاحديّة والواحديّة، وهو ذروة المقامات، إذ هو في عين الفَناء في الاحديّة حائزٌ لمقام الواحديّة. وقد جاء في كلام محيي الدين بن عربي في الصلاة علی رسول الله: نُقْطَةُ الوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَيِ الاَحَدِيَّةِ وَالوَاحِدِيَّةِ. [18] ـ جاء كلام جبرئيل في «مرصاد العِباد» ص 65 و 189 و 191، وفي رسالة «عشق وعقل» ص 64 و 84 و 93، وفي «عوارف المعارف» هامش ص 228، عن «إحياء العلوم» ج 4، بلفظ: لَوْ دَنَوْتُ أُنْمُلَةً لاَحْتَرَقْتُ. [19] ـ جاء في النسخة الفارسيّة: (محتمل، نسخه بدل) أي: احتماله بدل تحمّله. [20] ـ ورد هذا الحديث في «مرصاد العباد»، الباب 3، الفصل 9، ص 116، وفي الباب 3، الفصل 10، ص 123، وفي الباب الرابع، الفصل 3، ص 190، وفي الباب 5، الفصل 8، ص 268 ؛ وفي «إحياء العلوم» ج 4، ص 256 ؛ وفي «كشف المحجوب» للهويجريّ ص 70، طبعة لينينغراد. [21] ـ ما ذكره المصنّف رحمة الله عليه من هذه الفقرة إلی قوله: «وأمّا المنازل الاربعون لعالَم الخلوص» ـ الذي سيرد في الصفحات التالية لا يتعلّق بعالَم الخلوص، بل بخصائص العوالم المتقدّمة علی عالَم الخلوص، وسيأتي الحديث عنها مفصّلاً. أمّا وقد ذكر في هذا المجال أنّ الوصول إلی عالم الخلوص يتوقّف علی القتل في سبيل الله تعإلی، فإنّه أراد بيان شمّة من خصائص تلك العوالم، ومن جملتها أحوال المنافقين التي تحدّث عنها مستطرداً. أمّا تفصيل القتل في سبيل الله بتمام مراتبه ومقدّماته من الجهاد والهجرة والإسلام والإيمان بجميع درجاتها (وهي المقدّمة للورود إلی عالَم الخلوص)، فسيذكرها فيما بعد في قوله «وأمّا تفصيل العوالم المتقدّمة علی الخلوص». المراد بالقلب والروح في اصطلاح العرفاء[22] ـ اعلم أنّ المراد بالقلب في اصطلاح العُرفاء هو عالَم المثال والملكوت، وأنّ المراد بالروح هو عالَم العقل والجبروت، قال حافظ رحمة الله عليه: دردم از يار ودرمان نيز هم دل فداي او شد وجان نيز هم يقول: «إنّ سقمي وشفائي كلاهما بِيَدِ الحبيب، وقد فديت له القلب والروح معاً». حيث إنّ المراد بالقلب والروح: المثال والعقل. وقال أيضاً في «ساقي نامه» (= رسالة الساقي»: در خاكروبانِ ميخانه كوب رهِ ميفروشان ميخانه روب مگر آب وآتش خواصت دهند ز هستي به مستي خلاصت دهند كه حافظ چه بر عالَم جان رسيد چه از خود برون شد، به جانان رسيد يقول: «اقرع أبواب كنّاسي الحانة، واكنس طريق بائعي الخمرة. فعسي يسقيك الخواصّ ماءً وناراً، ويخلّصونك من الوجود إلی السُّكر. ولقد بلغ حافظ عالم الروح والخلود، فقد خرج من وجوده فوصل إلی المحبوب». حيث إنّ المراد بـ «عالَمِ جانْ» (= عالم الروح): عالم العقل والجبروت، والمراد بـ «جانان» (= الحبيب): عالَم اللاهوت. ولذ فإنّ مراد المصنّف رحمة الله عليه بقطع علاقة الروح بالبدن هو قطع علاقة الجبروت والعقل بالبدن. ومراده بقطع علاقة روح الروح بالروح هو قطع علاقة اللاهوت بالعقل والجبروت، ويعني الوصول إلی روح الروح. [23] ـ روي هذا الحديث في «مصباح الشريعة» ص 6 عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وفي «مُنية المريد» ص 27 عنه صلّي الله عليه وآله وسلّم ؛ ونقله المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 15، القسم الثاني، الإيمان والكُفر، ص 77، عن «مصباح الشريعة» و«غوإلی اللئإلی»، وفي ص 78، عن «مُنية المريد». ظاهر القرآن وباطنة[24] ـ نقل هذا الحديث العامّة كما هو مصرّح به في المقدّمة الرابعة من «تفسير الصافي» ج 1، ص 18. أمّا الخاصّة، فقد وردت في هذا الباب روايات عديدة، منها ما ورد في «بحار الانوار» ج 19، ص 5، عن «تفسير العيّاشيّ» عن الإمام الصادق عليه السـلام وعن «نوادر الراونـديّ» عن الإمام الكاظـم عليه السلام، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّكُمْ فِي زَمَانِ هُدْنَةٍ... إلی أن قال: وَلَهُ (أي للقرآن) ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، فَظَاهِرُهُ حِكْمَةٌ، وَبَاطِنُهُ عِلْمٌ. ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ. لَهُ نُجُومٌ وَعَلَی نُجُومِهِ نُجُومٌ. وروي في ص 24 عن «المحاسن»، وفي ص 25 عن «العيّاشيّ» عن الإمام الصادق عليه السلام قال: يَا جَابِرُ! إنَّ لِلْقُرْآنِ بَطْناً، وَلِلْبَطْنِ بَطْنٌ ؛ وَلَهُ ظَهْرٌ، وَلِلظَّهْرِ ظَهْرٌ.... وفي ص 26 عن «بصائر الدرجات» عن فضيل بن يسار قال: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مَا مِنَ القُرْآنِ إلاَّ وَلَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ.... فَقَالَ: ظَهْرُهُ تَنْزِيلُهُ، وَبَطْنُهُ تَأْوِيلُهُ.... الروايات الواردة في الجهاد الاكبر[25] ـ نقل المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 2، ص 42، أنّ لفظ «رجعنا» قد ورد في «جامع الاخبار». هذا، ونُقلت هذه الرواية عن ثلاثة من الائمّة: فقد نقلت أوّلاً عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث جاءت في «بحار الانوار» ج 6، ص 443، نقلاً عن «الكافي» بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام: إنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ بِسَرِيَّةٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ: مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الجِهَادَ الاَصْغَرَ وَبَقِيَ الجِهَادُ الاَكْبَرُ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَهِ! وَمَا الجِهَادُ الاَكْبَرُ؟ قَالَ: جِهَادُ النَّفْسِ. ثمّ قال في البحار: «نوادر الراونديّ» بإسناده عن موسي بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام مثله. ونُقلت ثانياً عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، حيث وردت في «البحار» ج 15، القسم الثاني، ص 40، نقلاً عن «معاني الاخبار» و«الامإلی» للشيخ الصدوق، الذي روي بإسناده عن موسي بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله عليهما الصلاة والسلام... ثمّ نقل الروايات المذكورة، وزاد بعد لفظة «بقي» لفظة «عليهم»، وزاد في آخر الرواية هذه الجملة: ثُمَّ قَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ. ثمّ قال في «البحار»: وفي «الاختصاص» عنه عليه السلام مثله. وفي «نوادر الراونديّ» بإسناده عن موسي بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، عن النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم مثله إلی قوله «جِهاد النفس». يعني أنّ عبارة الراونديّ لا تحتوي علی تلك الاءضافة. هذا، وعند الرجوع إلی «معاني الاخبار» ص 160، طبع المطبعة الحيدريّة، سنة 1379 ه، فقد لاحظنا أ نّه ـ بعد نقله الرواية بنفس اللفظ الذي ذكره المجلسيّ قد ذيّلها بلفظ «عليه السلام» بدلاً من حرف «ص» المستعمل كاختصار لعبارة «صلّي الله عليه وآله وسلّم»، ممّا يُدلّل علی أ نّه اعتبر الرواية للاءمام موسي بن جعفر عليه السلام، وهو أقرب إلی الحقيقة، لانّ الرواية التي نُقلت سابقاً عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام لا تضمّ هذه الاءضافة، ويُمكن أن يكون الإمام الكاظم عليه السلام قد فاه بهذه الجملة ليوضِّح للراوي كلام رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. ونُقلت ثالثاً عن الإمام الرضا عليه السلام، نقلاً عن «فِقه الرضا». قال المجلسيّ في ص 41 من القسم الثاني المذكور: يُرْوَي أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَأَي بَعْضَ أَصْحَابِهِ مُنْصَرِفاً مِنْ بَعْثٍ كَانَ بَعَثَهُ، وَقَدِ انْصَرَفَ بِشُعْثِهِ وَغُبَارِ سَفَرَهِ وَسِلاَحُهُ عَلَيْهِ، يُرِيدُ مَنْزِلَهُ، فَقَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: انْصَرَفْتَ مِنَ الجِهَادِ الاَصْغَرِ إلی الجِهَادِ الاَكْبَرِ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَ جِهَادٌ فَوْقَ الجِهَادِ بِالسَّيْفِ؟ قَالَ: نَعَمْ، جِهَادُ المَرْءِ نَفْسَهُ. وقد وردت هذه الرواية بهذا اللفظ في «إحياء العلوم» ج 3، ص 6. [26] ـ يروي الكلينيّ في «أُصول الكافي» ج 2، ص 52، بإسناده عن حمران بن أعين قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: إنَّ اللَهَ فَضَّلَ الإيمَان عَلَی الاءسْلاَمِ بِدَرَجَةٍ، كَمَا فَضَّلَ الكَعْبَةَ عَلَی المَسْجِدِ الحَرَامِ. تعريف المؤمن[27] ـ المؤمن هو الذي يعتقد بحصر الاُلوهيّة في الله تعإلی قولاً وفعلاً واعتقاداً وسرّاً وعلانيةً، إذ لا إله إلاّ الله: هُوَ الْحَيُّ لاَ´ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِـينَ لَهُ الدِّينَ (الآية 65، مـن السـورة 40: غافـر)، ولذا نهـت الشـريعة عن اتّخـاذ أيّ نوع من الا´لهة: وَلاَ تَدْعُ مَـعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَـرَ لاَ´ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ (الآية 88، من السورة 28: القصص)، سواء كان الاءله صنماً غير شاعر ولا مُدرك، كما فعل قومُ موسي حين طلبوا مثل هذا الاءله: قَالُوا يَـ'مُوسَي اجْعَل لَّنَآ إِلَـ'هًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ (الآية 138، من السورة 7: الاعراف) ؛ أو كان إبليساً، أو هوي النفس (وهو من جُند إبليس وآلته المسيّرة) أو إنساناً آخراً طمعاً في ماله أو جاهه، أو خوفاً منه، كما كان فِرعون يعتبر نفسَه إلهاً ويدعو موسي إلی العبوديّة له: قَالَ لَنءِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـ'هًا غَيْرِي لاَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (الآية 29، من السورة 26: الشعراء) ؛ أو طمعاً في الجنّة وبلوغ المقامات أو الغفران، كما فعل النصاري: اتَّخَذُو´ا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـ'نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (الآية 31، من السورة 9: التوبة) ؛ أو الاموال والاولاد، حيث يقول: يَـايُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَ لُكُمْ وَلاَ´ أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَهِ (الآية 9، من السورة 63: المنافقون)، لانّ كلّ ما يُلهي الإنسان عن الله تعإلی سـيكون إلهاً له، سـواء ألهاه زوجـته أو بطـنه. قال رسـول الله صلّي الله عليه وآله وسـلّم في وصـاياه لابن مسـعود في صـفة قوم آخر الزمان: مَحَـارِيبُـهُمْ نِسَـاؤُهُمْ، وَآلِهَتُـهُمْ بُطُـونُهُـمْ. («مكارم الاخـلاق» للطبرسيّ، ص 249). |
|
|