|
|
الصفحة السابقةالوِردالثاني والعشرون: الوِرد. وهو عبارة عن عدّة أذكار وأوراد كلاميّة لسانيّة تفتح أبواب الطريق وتُعين السالك في العقبات والعوائق والمهمّات. ومن شروطها أن تكون بإذن من الاُستاذ، إذ لا يُسمح الشروع بها بدون إذن منه، إنّها في حُكم الدواء الذي منه ما ينفع ومنه ما يضرّ، بل هو دواء حيناً وسُمّ حيناً آخر. وبعضه شفاء، وبعضه الآخر داء. يُضاف إلی ذلك أنّ بعض الاوراد قد ينفع بفرده، فإذا ضُمّ إلی وِرد آخر أضحي ضارّاً. وقد يتعرّض السالك للخطر إذا زاد في الوِرد علی عدد معيّن، أو أنقصه عن ذلك العدد. أجل، هناك رخصة عامّة فيما رخّص الاساتذة الحاذقون فيه بإذن عامّ. والوِرد علی أربعة أقسام: القالبيّ والنفسيّ، وكلّ منهما ينقسم إلی إطلاقيّ وحَصريّ. وأصحاب السلوك لا يُعيرون اهتماماً للورد القالبيّ. [الشرح] نفي الخواطر والفكر والذِّكرالثالث والعشرون إلی الخامس والعشرين: نفي الخواطر، نفي الفكر، ونفي الذكر. وهذه المراحل الثلاث من مهمّات وسائل الوصول إلی المقصد، بل هو ممتنع بدونها. كما أنّ الإتيان بها من أصعب الاُمور وأشقّها. ولا أقصد أنّ أصل العمل بها شاقّ وعسير ـ مع أنّ الامر كذلك حقّاً بل أرمي إلی أنّ هذه الاودية الثلاثة أودية علی درجة كبيرة من الخطورة، وأ نّها مراحل مخوفة يُخشي فيها من الهلاك الابديّ والشقاء السرمديّ. وأكثر الذين انحرفوا عن الجادّة وهلكوا، إنّما هلكوا بسبب هذه المراحل والمرحلتين السابقتَين عليها، بَيدَ أنّ خطورة هذه المراحل الاخيرة أشدّ وأكبر وأعظم! ذلك أنّ خطر المرحلة السابقة أكثره فساد البدن وتعويق المهمّات، وخطر المرحلة التي تسبقها ـ وكذلك خطر التقصير في مرحلة فِقه الجوارح والنفس هو عدم الوصول إلی المطلوب، إلاّ أن يسبّب الخطأُ فيها الخطأ في المراحل الثلاث الاخيرة. وخطر هذه المراحل الثلاث هو الهلاك الابديّ والشقاء السرمديّ ؛ وكلّ ما طرق سمعك من عبادة الاصنام والاوثان والبقر والكواكب والنار والحيوانات ومراتب الغلوّ والإلحاد والزندقة والإباحة وادّعاء الحلول والاتّحاد وغيرها، ناشيٌ بأجمعه عن هذه المراحل، وعائد إلی إحداها، كما سيُشار إليه إن شاء الله تعإلی. وسيَفهم الذكيّ الفَطِن ما نُشير إليه خلال هذه المراحل. نفي الخواطرفنقول: أمّا نفـي الخـواطر، فعـبارة عن صمـت القلب وتسخيره، كي لا يتكلّم إلاّ بمشيئة صاحبه، وهو من أعظم مطهّرات السرّ ومُنتج أكثر المعارف الحقّة والتجلّيات الحقيقيّة ؛ وهو عقبة كؤود وقِمّة عسيرة. فإن أراد الطالب ارتقاءها، هاجمته الخواطر من كلّ صوب وحدب، وشوّشت عليه. وعلی السالك أن يكون في هذا المقام كالجبال الرواسي، وأن يهوي علی كلّ خاطر يتحرّك ويظهر بسيف الذِّكر، وأن لا يتسامح في المحقَّرات، لا نّها ـ ولو كانت حقيرة تافهة كالشوكة في قدم السالك، تجعلة يعرج في مسيره. وكثير من المتشيّخين يوصون تلامذتهم بطيّ هذه المرحلة بالذِّكر[الشرح]، ويحاولون نفي الخواطر بالذِّكر، وهذا أوّل خَبطهم، لانّ نفي الخواطر أمر عسير ينبغي أن لا يستسهله المجاهد، وأن يستمرّ في المجاهدة مدّة ليصل إلی هذه المرحلة، وهي مرحلة يسمّيها أرباب السلوك بالداء العضال. في الذِّكروالذِّكر بمثابة ملاحظة المحبوب وقصر النظر علی جماله من بعيد. وحين يكون النظر إلی المحبوب، فإنّ من اللائق أن يُغضّ النظر عمّن سواه، إذ المحبوب غيور، ومِن غيرته أن لا يُجيز للعين التي تنظر إليه أن تنظر إلی سواه، ومن غيرته أن يُعمي العين التي تُعرض عنه لتنظر إلی غيره. فإن تكرّرت الإعراض والتوجّه في هذه الحال، غدا بمثابة الاستهزاء، وأعقب صفعة يصفعها المطلوب علی قفا الطالب، لا يبحث بعدها عن رأسه ولا عن عمامته. ألم تسمع قوله: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي. وقوله: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـ'نِ نُقَيِّضْ لَهُ و شَيْطَـ'نًا فَهُوَ لَهُ و قَرِينٌ ] الآية 36، من السورة 43: الزخرف [. أفتظنّ أنّ المحبوب يُدني إليه مَن ينهض مِن مُجالسته فيكون قريناً للشيطان؟ أو تخال أنّ الرحمن يجلس في موضع تنجّس بالشيطان الرجس النجس؟ أَتَلْتَذُّ مِنْهَا بِالحَدِيثِ وَقَدْ جَرَي حَدِيثُ سِوَاهَا فِي خُرُوقِ المَسَامِعِ [3] بل إنّ محض نفي الخواطر غير كافٍ في تجويز الشروع بالذكر، لانّ نفي الخواطر بمثابة تطهير المنزل من الغبار والاشواك، وهذا القدر لا يكفي لمنزل المحبوب، بل يلزم ـ كذلك تزيينه بالفرش وتطييبه. [4] وَكَيْفَ تَرَي لَيْلَي بِعَيْنٍ تَرَي بِهَا سِوَاهَا وَمَا طَهَّرْتَهَا بِالمَدَامِعِ [5] أجل، هناك نوع واحد من الذكر مُرخّص فيه لنفي الخواطر، وهو الذي يكون بقصد ردع الشيطان وليس بقصد الذِّكر. [6] كمثل مَن يريد طرد الغير من المجلس ليدعو إليه المحبوب ؛ فلا تكون غايته ملاحظة المحبوب ولا الالتذاذ بوصاله، بل قصده تخويف الغير وتهديده. وكيفيّة ذلك أنّ السالك إذا اشتغل بنفي الخواطر، فهاجمه في تلك الحال خاطر تعسّر عليه طرده، فعليه أن يلجأ إلی الذكر لطرده، وهو المراد من قوله تعإلی: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَـائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَـ'نِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ] الآية 201، من السورة 7: الاعراف [. وطريقة المحقّقين في هذا السبيل والواصلين الواعين في تعليم المبتدئين وإرشادهم، أن يأمروهم ابتداءً بنفي الخواطر، ثمّ بممارسة الذِّكر. [7] أمّا نفي الخواطر، فيتمّ بأن يتوجّه السالك ابتداءً إلی أحد المحسوسات، كقطعة من الحجر أو جسم آخر سواه، وقد رُخّص في التوجّه إلی الصور الرقميّة للاسماء الحُسني[8]، بل هو مُستحسَن. بحيث يركّز العين الظاهرة علی ذلك الشيء، وأن لا يُغمض عينيه ـ مهما أمكن إلاّ قليلاً. [9] وأن يتوجّه إلی ذلك الشيء بجميع قواه الظاهريّة والباطنيّة، ويداوم علی ذلك مدّة من الزمن، والافضل أن يداوم عليها مدّة أربعين أو أكثر. أمّا الوِرد الذي يكرّره خلال هذه المدّة، فثلاثة أوراد: الاستعاذة والاستغفار الإطلاقيّ ـ وتعيين عدده ووقته منوط إلی الذاكر[10]، وذِكر «يا فعّال»، وهو ذِكر حصريّ بعدد مُجمَل أو مفصّل [الشرح]؛ فالمفصّـل بعد فريضـة الغداة، والمُجمل بعد فريضـة العشاء، مع ملاحظة الخلوة. وبعد المداومة علی ذلك مدّة وحصول حال معيّنة للسالك، فإنّ عليه من ثمّ أن يتوجّه إلی القلب الصنوبريّ (الجسميّ الواقع إلی يسار الصدر)، والالتفات إليه بالكامل، وعدم الغفلة عنه في أيّة حال من الاحوال، وعدم السماح لايّ خيال غيره. فإن هاجمته خاطرة[الشرح] وأحدثت له تشويشاً، فعليه استحضار خيال صورة الاُستاذ العامّ، فهو مصدر الذكر ومناسبٌ لحال الذاكر، بعيداً عن بعض المخاطر[13]، فذلك أتمّ للفائدة. وإلاّ توجّب عليه أن يتنفّس بقوّة ثلاث مرّات كمن يُخرج شيئاً من أنفه، فيُخلي نفسه من ذلك ويعود إلی توجّهه والتفاته. فإن عاد الخاطر من جديد خلال توجّه السالك بالرغم من قيامه بتلك التخلية بالطريقة المذكورة، فعليه الاستغفار ثلاث مرّات ثمّ يقول ثلاثاً: أَستَغْفِرُ اللَهَ مِنْ جَمِيعِ مَا كَرِهَ اللَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً وَخَاطِراً وَسَامِعاً وَنَاظِراً وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ. ويكون قلبُه موافقاً للسانه في هذا الاستغفار. ثمّ ينشغل في قلبه باسم «يا فعّال» بحسب المعني، ثمّ يضع يده علی قلبه ويقول سبعاً: سُبْحَانَ اللَهِ المَلِكِ القُدُّوسِ الخَلاَّقِ الفَعَّالِ «إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَ لِكَ عَلَی اللَهِ بِعَزِيزٍ». [14] فإن لم يندفع بذلك، فليتأمّل في كلمة لاَ مَوجُودَ إلاَّ اللَهُ. فإن عاد إلی التشويش عليه، فليقُل بجهد (جهراً خ ص) «الله» فيمدّ الالف فيها، ويستمرّ في ذلك ما لم يُصبه الملل، فإن هو شاهد آثار الملل تركه. وليستمرّ علی ذلك أيضاً مدّة حتّي تتملّكه حالة يخرج فيها عن طوره. ووِرد هذه المرحلة هو الاستغفار وذِكر «يا فعّال»، وكلاهما حَصريّ، فالاوّل في الاسحار بالعدد الكبير، والثاني بعد فريضة الغداة بنفس العدد، وبعد فريضة العشاء بالعدد المفصّل. وعليه أن يكثر من قول «يا باسط» في هاتَين المرحلتين. والاولي أن يكرّره كلّ ليلة بالعدد المفصّل. [الشرح] فإن هو داوم علی هذه الطريقة، وأضحت لديه قوّة علی الذِّكر وعلی طرد الخواطر، رُخّص له في التوسّل بمبادي الذكر في طرد باقي الخواطر، من خلال استحضار خيال الاُستاذ الخاصّ، أو استحضار الصور الخياليّة الكتبيّة القالبيّة لاسماء الله المناسبة لهذه الاحوال الثلاث، من دون الالتفات إلی المعني. [16] وبعد الترقّي الذي يحصل له عموماً، يُرخّص في التوجّه إلی نورانيّة الاُستاذ الخاصّ والذِّكر النفسيّ الخيإلی لطرد الخواطر بالكامل. [17] ولو خطر علی قلب السالك شيء علی سبيل الاختلاس، فإنّه سيندفع وينطرد حين يدخل في مراتب الذِّكر والتفكّر إن شاء الله تعإلی. أمّا خطر هذه المرحلة، فهو السقوط في ورطة عبادة الاصنام والكواكب والاجسام. لانّ التوجّه والالتفات إلی شيء ما يورث الاُنس به ويستتبع حبّه. فإن خطي السالك المتوجّه خارجاً، ابتُليَ بعبادة ما كان متوجّهاً إليه. فإن سخّر السالكُ قلبَه وطهّره من نجاسات الخواطر، وضع قدمه في دائرة الذِّكر. وأهمّ الاُمور في هذه المرحلة، مراعاة الترتيب، لانّ الطالب سيتخلّف بدونه في الطريق، بل سيبتلي بأخطار عظيمة. ومبادي الذكر[18] هي حقيقة الذكر، لانّ المطلوب مختفٍ في المذكور. فالغرض الكلّيّ منها هو التهيّؤ للذكر وتزيين المنزل. وعلی الاُستاذ أن يرشد الطالب إلی الترتيب، وعلی الطالب أن يلتزم به لا نّه من أوجب الواجبات. وهناك جماعة طريقتهم في الترتيب أن يستحضروا في البداية الشخص النورانيّ للاُستاذ الخاصّ (وهو الوليّ)، ثمّ يتعلّمون الذكر الخيإلی القالبيّ، لكنّي لا أُرخّص في ذلك. [الشرح] لانّ الغرض الكلّيّ من هذا الترتيب هو الصعود بالرفق، والاحتراز عن غيرة المطلوب بسبب احتمال غفلة القلب عنه وميله إلی المبادي. فينبغي ـ إذاً الابتداء بما فيه النورانيّة الذاتيّة أخفي، وظهور الغيوريّة فيه أقلّ. ونورانيّة الوليّ أعلی بكثير من الذِّكر الخيإلی القالبيّ. فالمبدأ ـ إذاً هو ذِكر الصور الخياليّة القالبيّة لاسماء الله تعإلی. [20] والاُستاذ الحاذق ضروريّ في هذه المرحلة، لانّ روحانيّة المعاني ونورانيّة المسمّي مخفيّة في هذه الاسماء، وهذان الاثنان مؤثّران تامّان في مظهريّة الروحانيّة، حيث تظهر الروحانيّة والنورانيّة في الذاكر بواسطة التوجّه والالتفات إليهما باستمرار، وتؤثّر في أحواله. وما أكثر ما حصل ـ بواسطة قصور المبتدي أو تقصيره في بعض المراحل اللاحقة أن اغترّ بهما، فلم تظهر فيه آثارهما ظهوراً تامّاً، وبقي غافلاً عن سائر المظاهر، فسقط لهذا السبب في وادي الهلاك، كالإباحة والتعطيل وإليأس والجنون والفِرعونيّة والإذاعة وأمثال ذلك. [الشرح] ذلك أنّ القاصر إذا توجّه إلی الاسماء المؤثّرة في الحبّ والرجاء، ظهرت فيه آثار الاُنس والرجاء ورفع التكاليف ؛ وإذا توجّه إلی أسماء مظاهر الكبرياء، ظهر فيه الغلوّ والفرعونيّة وخوف اليأس والتعطيل إلی غير ذلك. [22] وهناك كثير لا طاقة لهم بتحمّل المظاهر، فإمّا أن لا تظهر فيهم نورانيّة تلك المظاهر، أو تظهر فتسبِّب جنونهم أو ابتلائهم بأمراض عسيرة، مثل الذِّكر الكبير والاكبر والاعظم. [23] فإذا عزم السالك علی الذكر، فعليه أن يفعل ذلك بعد طيّ المراحل التي تسبقه، والتي أرشده إليها مظهر الذكر. ويجب ـ بطبيعة الحال أن يبدأ بالاذكار الصغيرة، كما يجب في مراتب الذكر الصغير أن يرقاها السالك بالترتيب. [24] في أقسام الذِّكروبيان ذلك، أنّ الذكر أقسام: الخيإلی والنفسيّ والسرّيّ والذاتيّ. والخيإلی ينقسم إلی القالبيّ والخفيّ. وكلّ منها ينقسم إلی إثباتيّ وثبتيّ. [الشرح] وينقسم كلّ منها إلی جمعيّ وبسطيّ. كما ينقسم الخفيّ إلی القالبيّ والنفسيّ، ولهذا السبب فقد حصلت للذكر درجات. وكيفيّة صعود هذه الدرجات علی هذا النحو: [الشرح] الاوّل: الخيإلی القالبيّ الجمعيّ الإثباتيّ ؛ لانّ القالبيّ أبعد عن محلّ الغيرة، وله ربّانيّة ونورانيّة أقلّ. والجمعيّ أقرب إلی اجتماع الخاطر وحصول ملَكة اجتماع الحواسّ ؛ والإثبات مقدّم علی الثبت. [27] الثاني: الخيإلی القالبيّ الجمعيّ الإثباتيّ. الثالث: الخيإلی القالبيّ البسطيّ الإثباتيّ. الرابع: الخيإلی القالبيّ البسطيّ الثبتيّ. الخامس: الخيإلی النفسيّ الجمعيّ الإثباتيّ. السادس: الخيإلی النفسيّ الجمعيّ الثبتيّ. السابع: الخيإلی النفسيّ البسطيّ الإثباتيّ. الثامن: الخيإلی النفسيّ البسطيّ الثبتيّ. التاسع: الخفيّ النفسيّ. وأمّا الخفيّ القالبيّ فلا يُعتني به بعد ارتقاء الدرجات السابقة. العاشر: السِّرِّيّ. ويجب أن يكون انتهاء البسط في البسطيّ في القلب، فإن كان ابتداؤه من القلب أيضاً، كان أنسب وأولي. [28] وهاتان المرتبتان من الذكر بمنزلة السُّلّم الذي يجب أن يِرقي درجةً فدرجة. ولكن كثيراً ما يكون السالك قويّاً، قد نشر جناحَي العِلم والعمل، فلم يمكنه إلاّ ارتقاء بعض هذه الدرجات. والتدريج في جميع الاحوال أسلم. وما لم يتمّ السالك هذه المراحل، فيجب أ لاّ يشرع في الذكر الكبير أو الاكبر أو الاعظم، لا نّها موضع خطورة، وقد يتعرقل سير السالك بسببها. اللهمّ إلاّ أن يكون في تلك الاثناء علی درجة كبيرة من القوّة، وأن يُجيز له الاُستاذ ذلك. بل ما أكثر ـ بعد طيّ هذه الدرجات أن يأمر الاُستاذ السالك بارتقاء بعض هذه الدرجات من جديد، ويري أنّ صلاحه في أن يسير في الذكر من جديد. الذِّكر الذاتيّفإن أتمّ السالك الدرجات، شرع آنذاك في الذكر الذاتيّ، وهو علی هذا النحو: أن يتوجّه إلی ملاحظة حضرة العزّة، مجرّداً عن لباس الحرف والصوت، ومن دون تقييد بصفة مخصوصة عربيّة أو فارسيّة، ولا يدع ملابسات الحوادث من الجسم والعرض والجوهر تسبِّب له إزعاجاً. [29] فإن لم يستطع ذلك لقصوره، فليضع نَصب بصيرته صفةً نوريّة غير متناهية تبعاً لحديث: رَأَيْتُ رَبِّي نُورَانِيّاً[الشرح]، فإن لم يستطع تصوّره بصفة غير متناهية فيتصوّر ما أمكنه تصوّره، وآناً فآناً يرتفع بتصوير نفيه، ويرتفع بإحاطته ونورانيّته. الذِّكر الكبيرذِكر النفيوهذه المرحلة من النفاسة بمكان. فإن تخطّي المسافر هذه الدرجـات، انشـغل بالذِّكـر الكبـير، وهـو ذِكـر النفـي والإثـبات المركّب. [الشرح] وذكر النفي والإثبات المركّب هو كلمة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، والبسيط يَا هُو والاكبر اللَه. وبعد طيّ المراحل السابقة[32]، فإنّ الذكر القالبيّ في هذه المرحلة والمراحل التي تليها سيكون عبثاً لا فائدة منه، بل ينشغل السالك بالطريق النفسيّ. وهو ذكر في منتهي العظمة، ولاهل الطريق فيه إشارات ورموز كثيرة، وله طرق متعدّدة. الذِّكر بطريق مجمع البحرينوأفضـلها أن يبـدأ الذاكر بطريق الجـزر والمدّ، ثـمّ بطريق التربّع، ثمّ بالطريق الذي يسمّيه المتأخّرون بـ «مجمع البحرَين». [الشرح] هكـذا ذكروا، أمّا أنا فأُرجّـح تقديم مجـمع البحـرين علی التربّع. أمّا حَبس النفَس، والتوجّه إلی القلب الصنوبريّ، وتصوّر خروج جميع الحروف من اللسان والقلب[34]، وخلوّ المعدة، وزيادة العدد بالرفق، والابتداء بالبسملة، والاستقبال والتربّع في الجلوس وإغماض العينَين، فهي أُمور ضروريّة، إلاّ في غير حال الخلوة. ومن الاُمور اللازمة: الجلوس في مجمع البحرَين مربّعاً مُجَنّحاً، والخلوة مع غير المحارم، ومع النساء والعوامّ وأرباب العقول الناقصة. ومن المستحسن إلصاق اللسان بسقف الفم، وجعل وقت الذكر في الليإلی والاسحار وعقيب الفرائض. ويجب لحاظ هويّة الذات في جميع الاحوال، وأن يقول بعد إرادة قطع الذكر بلسانه وقلبه مخاطباً الله تعإلی: أَنْتَ مَقْصَدِي وَرِضاَكَ مَطْلَبِي وَبِرَحْمَتِكَ اسْتِغَاثَتِي. ارجاعات المراد بالذِّكر القالبيّ ، الوِرد القالبيّ ، الحصريّ والإطلاقيّ[1] ـ ورد في حاشية الكتاب هذه العبارة: «المراد بالذكر القالبيّ ما انجمد في قالب الوِرد ولم يتعرّض للمعني، والنَّفسيّ بخلافه. والمراد بالوِرد الاءطلاقيّ الوِرد غير المحدود بعدد معيّن ؛ والوِرد الحَصْريّ بخلافه». وقد ذكر سماحة العلاّمة الطباطبائيّ في بيانها: المراد بالوِرد القالبيّ الوِرد الجاري علی اللسان دونما ملاحظة لمعناه، والمراد بالوِرد النفسيّ الوِرد الجاري علی اللسان مع ملاحظة معناه. والمراد بالاءطلاقيّ الوِرد الذي لا يُشترط فيه عدد معيّن، بل يكرره السالك بمقتضي حاله بلا ضبط للعدد ؛ والمراد بالوِرد الحصريّ الذي يُشترط فيه عدد معيّن. الإشـكال علی طريقة المصـنِّف في نفي الخواطـر ، والاسـتدلال علی صحّة طريقة المرحومَين الآخوند والقاضي في نفي الخواطر بحربة لذِّكر[2] ـ اعلم أنّ هناك طريقَين مشهورَين لنفي الخواطر: الاوّل: الطريق الذي ذكره المصنّف رحمه الله، وهو أن يعمد السالك إلیتقوية ذهنه من خلال التوجّه والالتفات التامّ إلی شيء من الاشياء، كقطعة من الحجر أو الخشب أو الصور الرقميّة لاسماء الله تعإلی، ثمّ يعمد بعد ذلك إلی نفي الخواطر، وذلك بأن يفرض المرء نفسه حارساً لقلبه، فيقوم بطرد كلّ خاطر يحاول الورود إليه. وبعد أن يقوي السالك في هذا الموضوع، فإنّه ينصرف إلی الذِّكر والتوجّه. الثاني: الطريق الذي رفضه المصنّف رحمه الله ونسبه إلی المتشيّخين، وهو نفي الخواطر بحربة «الذِّكر». أي أنّ السالك يعمد إلی ذِكر الله والتوجّه إليه تعإلی أو إلی أحد أسمائه، من أجل أن لا يُبقي في ذِهنه مجالاً لخُطور خاطر آخر. فيتبع نفيُ الخواطر الذِّكرَ تلقائيّاً، ويكون السالك ذاكراً علی الدوام، ويكون ذهنه ـ تبعاً للذِّكر خالياً من الخواطر. وقد كانت هذه هي طريقة المرحوم الآخوند المولي حسين قلي الهمدانيّ وأتباعه وطريقة المرحوم الحاجّ الميرزا علی القاضي رضوان الله عليهم. ويمكن الاستدلال علی صحّتها بعدّة أُمور: 1) إنّ نفي الخواطر لا يحصل تلقائيّاً، إلاّ أن يلتفت السالك خلال مرحلة المقدّمات إلی شيء ما ـ كقطعة من الحجر أو الخشب ثمّ يقوم بنفي الخاطر. وعلی الرغم من أنّ ذلك العمل له عنوان المقدّمة لتصفية الذهن والتجلّيات الاءلهيّة، فإنّ السالك لو داهمه الموت علی تلك الحالة لم يكن ذاكراً للّه، إنّ نفي الخاطر ليس ذكراً، بل هو مقدّمة للذكر. 2) إنّ ما يستفاد من منهج الشرع هو أنّ أئمّة الشريعة وحُماة الدين قد أمروا الناس علی الدوام بالذِّكر، وأ نّهم كانوا لا يجيزون لهم الابتعاد عن الذِّكر منذ القَدَم الاوّل للسلوك إلی مرحلته الاخيرة، ومنذ العبادات الابتدائيّة إلی العبادات النهائيّة. حيث تحصل التجلّيات الصفاتيّة والذاتيّة خلال الذِّكر. وما ذكره المصنّف رحمه الله من أنّ السالك إذا أعرضَ فإنّ المحبوب الغيور سيصفعه علی قفاه، لا يختصّ بحال من أحوال الذِّكر، بل إنّ السالك إذا ما انشغل بالذِّكر بعد حصول نفي الخواطر لديه ثمّ عرضت له خاطرة ما، فإنّ هذا الامر سيتحقّق، وسيُعاقب هذا السالك من قِبَل المحبوب الغيور. أمّا إذا انشغل السالك بالذِّكر من دون نفي الخواطر، ثمّ ظهر بالجمع من دون أن يغفل عن المذكور، فإنّه سيأمن من الاءصابة بأيّ ضرر. وحاصل الكلام هو أنّ خطر غيرة الحبيب والامن من خطر غيرة الحبيب أمر متصوّر ممكن في كِلا النهجَين. 3) إنّ الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَـ'´نءِفٌ مِّنَ الشَّيْطَـ'نِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الآية 201، من السورة 7: الاعراف) تدلّ بصراحة علی وجوب طرد الخواطر الشيطانيّة عن طريق الذِّكر. [3] ـ هذا البيت والذي يليه للعاشق المحبّ قيس بن الملوّح العامريّ المشهور بمجنون ليلي. وقد ورد في ديوانه المطبوع في بمبي، ص 109 مع بيتين آخرين بهذا الترتيب: تَمَنَّيْتُ مِنْ لَيْلَي عَلَی البُعْدِ نَظْرَةً لِيُطْفَي جَوَيً بَيْنَ الحَشَا وَالاَضَالِعِ فَقَالَتْ نِسَاءُ الحَيِّ تَطْمَعُ أَنْ تَرَي بِعَيْنَيْكَ لَيْلَي مُتْ بِدَاءِ المَطَامِعِ وَكَيْفَ تَرَي لَيْلَي بِعَيْنٍ تَرَي بِهَا سِوَاهَا وَمَا طَهَّرْتَهَا بِالمَدَامِعِ وَتَلْتَذُّ مِنْهَا بِالحَدِيثِ وَقَدْ جَرَي حَدِيثُ سِوَاهَا فِي خُرُوقِ المَسَامِعِ [4] ـ لعلّ مراد المصـنّف رحمه الله من تزيين المنـزل وتطـييبه بعد تطـهيره بنفي الخواطـر قبل حلول ضيف الذِّكـر، التوجّه إلی مقام الاُستاذ الخاصّ الذي سيكون مُعدّ الذكر ومُمدّه. [5] ـ أورد المرحوم النراقيّ في كتابه «خزائن» ص 130، هذه الابيات الاربعة لمجنون ليلي، بَيدَ أ نّه أورد البيتين الاوّلين بهذه الكيفيّة: وَإذْ رُمْتُ مِنْ لَيْلَي عَلَی البُعْدِ نَظْرَةً لاِطْفِي بِهَا نَارَ الحَشَا وَالاَضَالِعِ تَقُولُ نِسَاءُ الحَيِّ تَطْمَعُ أَنْ تَرَي مَحَاسِنَ لَيْلَي مُتْ بِدَاءِ المَطَامِعِ وَكَيْفَ تَرَي............................. [6] ـ اعلم أنّ الخواطر التي تخطر علی ذهن الإنسان ـ عدا الخواطر الرحمانيّة وذِكر الله تعإلی هي بأجمعها خواطر شيطانيّة يجب طردها بسيف الذِكر. والآية المباركة إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَـ'´نءِفٌ مِّنَ الشَّيْطَـ'نِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ أفضل دليل وشاهد علی مدّعانا. وحين يقال بأنّ كلّ خاطرة ينبغي أن تُطرد بالذِّكر، فإنّما يعنون بذلك أنّ الشيطان يجب أن يُطرَد بنور الله، وأنّ المعاصي يجب دفعها بتأييد الله تعإلی. إلَهِي! إنْ لَمْ تَبْتَدِئْنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفِيقِ، فَمَنِ السَّالِكُ بِي إلَيْكَ فِي وَاضِحِ الطَّرِيقِ. ومضافاً إلی ذلك، فإنّ نفي الخواطر المطلق ممكن ـ أساساً لمن تخطّي جميع درجات الذكر التعيّنيّ، حيث يمكنه آنذاك أن يُبقي ذهنه دونما ذكر معيّن. ومن الجليّ أنّ مثل هذا الذهن سيكون ذاكراً للّه تعإلی بدون لباس التعيّن، وعارياً عن جمـيع الملابسـات والشـؤونات التقييديّة والاسماء والصفات المعيّنة. وبطبيعة الحال فإنّ الذكر له تقدّم رتبيّ علی هذا المقام. [7] ـ فيه إشكال... كما تقدّم سابقاً، ولنا أدلّة أُخري ليس ها هنا مجال ذكرها. [8] ـ المراد بالصور الرقميّة المجسّمة للاسماء الحُسني هي أن يُنحَت للفظ «الله» أو «العالِم» أو «الرحمن» وأمثالها من الحجر أو الخشب ما يكون له جسميّة. [9] ـ اقتبس المصنّف رحمه الله هذه الطريقة في التوجّه إلی قطعة من الخشب ـ أو إلی أحد المحسوسات من جامي في شرح رباعيّاته، ونسبها جامي في ص 71 و 72، إلی بعض أهل الطريقة من المنتسبين إلی السلطان إبراهيم الاَدهَم. [10] ـ المقصود هو أنّ الاستعاذة ليس لها عدد خاصّ، بل عددها إطلاقيّ، لكنّ علی الذاكر أن يوردها بعدد معيّن يعيّنه حسب ماتقتضيه حاله، وفي وقت معيّن يراه أصلح له وأنسب. حساب الابجد والطرق المختلفة لحساب الكلمات علی أساسه[11] ـ نحن مجبرون ـ من أجل بيان عبارة المصنّف علی ذكر مقدّمة، وهي أنّ لكلّ حرف من الحروف العربيّة الثمانية والعشرين عدد خاصّ حسب حساب الابجد. والحروف حسب ترتيب الابجد مع أعدادها علی هذا الترتيب: أبْجَدْ هَوَّزْ حُطِّي كَلِمَنْ سَعْفَصْ قَرِشَتْ ثَخِّذْ ضَظِغ لا: أ 1، ب 2، ج 3، د 4، ه 5، و 6، ز 7، ح 8، ط 9، ي 10، ك 20، ل 30، م 40، ن 50، س 60، ع 70، ف 80، ص 90، ق 100، ر 200، ش 300، ت 400، ث 500، خ 600، ذ 700، ض 800، ظ 900، غ 1000، ا 1. وبطبيعة الحال فإنّ الهمزة «أ» والالف «ا» يحسبان كلاهما بعدد واحد «1»، وتُحسب الحروف المكرّرة بالتشديد حرفاً واحداً. فكلمة علی مثلاً تحسب 110، لانّ حرف ع = 70، وحرف ل = 30، وحرف ي = 100، ومجموعها 110، وتشديد الياء لا يُحتسب. وكلمة قدّوس تحسب 170، لانّ ق = 100، د = 4، و = 6، س = 60، والدال المكرّرة في التلفّظ لا تُحتسب، إذ الكتابة هي المناط في الحساب. وكلمة فعّال تحسب 181، لانّ ف = 80، ع = 70، ا = 1، ل = 30. أمّا كلمة الجلالة الله ففيها استثناء في الحساب، لانّ اللام فيها مشدّدة، إلاّ أ نّهم يحسبونها حرفَين، كما أنّ ألف الله لا تُحسب، فتكون كلمة الله 66، لانّ الهمزة أ = ا، ل = 30، ه = 5. ولهذا السبب فإنّهم يكتبون كلمة الله بدون تشديد، بل يكرّرون حرف اللام، كما لا يكتبون الالف، أمّا في قواعد رسم الخطّ المتعارفة فكان ينبغي كتابتها بهذه الهيئة ألاّه، لكن باعتبار أنّ الخطّ العربيّ تابع لحساب الابجد، لذا يجب كتابة ألاّه في هيئة الله دونما تشديد فوقها. وعلی هذا الاساس، فلانّ الحروف المشدّدة في التلفّظ تكتب حرفاً واحـداً، فإنّها تُحسـب حرفاً واحداً كذلـك. ووفقاً لما قيل، فإنّ ألف إلاه لمّا كانت لا تُكتب: فإنّها لا تُحتسب أيضاً، فيكون مجموعها 37 لا نّها تكتب في هيئة إله. كما أ نّهم لا يحسبون ألف رحمان، لا نّها تكتب رحمن، فيكون مجموعها 298. أمّا وقد علمت هذه المقدّمة، فاعلم أنّ كلّ حرف من حروف الابجد إمّا أن يُحسب وفق الحساب المُجمل، أو الحساب المفصّل. فالحساب المجمل هو الذي يحسب فيه عدد الحروف حسب كتابتها، فكلمة قدّوس مثلاً لها أربعة حروف: ق = 100، د = 4، و = 6، س = 60. وكلـمة فعّال لها أربعـة حـروف: ف = 80، ع = 70، ا = 1، ل = 30. و يا أحـد يا صمد لها عشـرة حـروف: ي = 10، ا = 1، ا = 1، ح = 8، د = 4، ي = 10، ا = 1، ص = 90، م = 40، د = 4. فتكون قدّوس = 170، وفعّال = 181، ويا أحد يا صمد = 169. أمّا المفصّل فتحسب فيه حروف الكلمة كما تُلفظ. أي أنّ كلّ حرف من الحروف يُلفظ بعدّة حروف، فيُحسب في الحساب المفصّل حسب تلك الحروف. فكلمة قدّوس مثلاً لها أربعة حروف: ق، د، و، س. وحرف ق يُلفظ قاف، فيحسب ثلاثة حروف: ق = 100، ا = 1، ف = 80. وحـرف د يُلفـظ دال، فيحـسـب ثلاثة حـروف أيضـاً: د = 4، ا = 1، ل = 30. وحـرف و يُلفـظ واو، فيحسـب ثلاثة حروف: و = 6، ا = 1، و = 6. وحرف س يلفظ سين، فيحسب ثلاثة حروف أيضاً: س = 60، ي = 10، ن = 50. فتكون كلمة قدّوس في الحساب المفصّل 349. وكلمة يا أحد يا صمد ـ كمثال آخر لمّا كان كلّ واحد من حروفها يلفظ بهذه الكيفيّة: يا، ألف، ألف، حا، دال، يا، ألف، صا، ميم، دال ؛ فإنّ كلّ واحد من هذه الحروف ينبغي حسابه في الحساب المفصّل بهذا الترتيب: ي 10، ا 1، ا 1، ل 30، ف 80، ا 1، ل 30، ف 80، ح 8، ا 1، د 4، ا 1، ل 30، ي 10، ا 1، ا 1، ل 30، ف 80، ص 90، ا 1، د 4، م 40، ي 10، م 40، د 4، ا 1، ل 30 ؛ فيكون مجموعها في الحساب المفصّل 619، بينما كان مجموع نفس هذه الكلمة المباركة في الحساب المُجمل 169. بيان المصنِّف في نفي الخواطر منتزع من الطريقة النقشبنديّة[12] ـ اعلم أنّ هذه الطريقة التي ذكرها المصنّف رحمه الله لنفي الخواطر هي بعينها الطريقة النقشبنديّة في نفي الخواطر، كما أنّ أغلب العبارات التي أوردها المصنّف في هذا الباب، ابتداءً من قوله: «التوجّه إلی أحد المحسوسات» إلی قوله: «ما لم يُصبه الملل، فإن هو شاهد آثار الملل تركه» مقتبس من كتاب «شرح رباعيّات» عبد الرحمن جامي، (وهو من النقشبنديّة، وكان تابعاً لطريقة الخواجة محمّد النقشبنديّ) حتّي أ نّه أورد في أغلب عباراته نفس عبارات الكتاب المذكور دونما زيادة ولا نُقصان. وقال جامي في شرح رباعيّته «وصل اعداد اگر نتـواني كرد، كار مردان مرد دانـي كـرد»(يقول: إن عجزتَ عن ربـط الاعداد، فإنّ عمل الرجال إنّما يعلمه الرجل). قال الخواجة قدّس الله روحه: إذا حصل تشويش الخاطر... إلی آخر ما قال. وقد وردت هذه المطالب في ص 66 و 67 من «شرح رباعيّات جامي». [13] ـ لعلّ المصنّف رحمه الله يقصد بأنّ السالك لو استحضر في ابتداء أمره صورة الاُستاذ الخاصّ من أجل طرد الخواطر الشيطانيّة، فإنّ هذا الخيال القويّ الذي لا يطيقه السالك قد يؤدّي إلی تشويش له، ممّا قد يؤدّي إلی النظر إلی تلك الصورة ـ في تلك الحال علی نحوٍ من أنحاء الاستقلال، فيُبتلي السالك بالشرك وعبادة الصورة. أمّا استحضاره لخيال الاُستاذ العامّ باعتباره مصدراً للذكر، ولمناسبته لحال الذاكر، وكونه علی قدر من القوّة غير كبير، ممّا ينفي احتمال ابتلاء السالك ـ بسببه بعبادة الصورة، فإنّه سيكون أولي وأنسب. [14] ـ من إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ إلی آخره آية من آيات القرآن الكريم، (الآيتان 16 و 17، من السورة 35: فاطر). بيان العدد الكبير ، الصغير ، الوسيط والاكبر[15] ـ اعلم أنّ علماء الاعداد يطلقون علی عدد الحروف الابجديّة من واحد إلی ألف اسم «العدد الكبير»، ويُطلقون علی عدد حروف الابجد من واحد إلی ألف بطرح تسعة تسعة، اسم «العدد الصغير». فحرف «ي» ـ مثلاً بحساب الابجد الصغير يقابل عدد واحد، لانّ عدده عشرة، يُطرح منها تسعة، فيتبقّي واحد. وحرف «ن» عدده يقابل خمسة، لانّ الخمسين إذا طُرح منها تسعة تسعة آلت إلی عدد خمسة. وبناءً علی هذا، فإنّ حرف «ط» وحرف «ظ» وحرف «ص» ليس لها عدد أصلاً، لا نّه عند طرح تسعة تسعة من أعدادها لا يتبقّي منها شيء. كما أ نّهم يطلقون اسم «العدد الوسيط» علی الحروف الابجديّة بطرح «12» «12» منها، واسم «العدد الاكبر» علی الحروف الابجديّة بمضاعفتها عشرة أضعاف، فحرف «ي» مثلاً يصبح في العدد الاكبر «100». ولربّما كان مراد المصنّف رحمه الله من العدد الاكبر نفس الحروف الابجديّة من واحد إلی ألف. وباعتبار أ نّه ذكر القسيم بالعدد المفصّل، فإنّ العدد الاكبر سيكون نفس العدد المجمل الذي مرّ بيانه مؤخّراً. [16] ـ المراد أن يتصوّر في خياله صوراً تناسب حاله من أسماء الله في هيئتها المكتوبة، فيتوجّه إليها فقط من دون ملاحظة معانيها. وهذا هو المراد من لفظ القالبيّة الذي ذكره المصنّف رحمه الله. كما أنّ المراد من الاحوال الثلاث: الحال التي تحـصل للسـالك إثر «الاسـتغفار»، وذِكر «يا فعّال»، وذِكر «يا باسط». [17] ـ المقصود بالذكر النفسيّ الخيإلی، هو أن يذكر السالك الذِّكر بلسانه مع التفاته إلی معناه في نفس الوقت. [18] ـ يطـلق تعـبير «مبادي الشـيء» علی ما له ـ مضـافاً إلی كـونه ابتداء ذلك الشيء جانب العِلّيّة والتسبيب لذلك الشيء. ولعلّ مراد المصنّف رحمه الله من مبادي التصوّر الخيإلی، صورة الاُستاذ العامّ والعمل باسم الوليّ ومسمّاه، وهي مورثة للذكر، بل هي ـ بعبارة أُخري حقيقة الذكر، لانّ المراد (وهو المذكور) مختفٍ في الذكر وفي اسم الوليّ ومسمّاه. والهدف الكلّيّ من هذا العمل بالاسم والمسمّي بعد نفي الخواطر، تهيئة منزل الذهن للذِّكر، وتزيين المنزل لنزول المذكور بالذِّكر. وعليه، فعلی الاُسـتاذ أن يأمر الطالب ـ إذا أنهـي مقدّمات الذِّكر أن يسـتمرّ علی الذِّكر، وبمراعاة الترتيب في درجات الذِّكر، وعلی الطالب أن يراعي الترتيب عند تنفيذ أمر الاُسـتاذ، لتلافي الوقوع في المنزلقات والمخاطر. الفرق بين الذِّكر والوِرد[19] ـ اعلم أنّ الذِّكر في اصطلاح العُرفاء هو غير الوِرد، إذ الورد عبارة عن الذِّكر اللفظيّ الجاري علی اللسان ؛ أمّا الذِّكر فهو التوجّه إلی المعني بإمراره ـ أو من دون إمراره علی القلب. وذلك لانّ أصل معني الذِّكر في اللغة هو التذكّر والتذكير. وإذا ما أُطلق علی بعض الاوراد اللفظيّة، فبسبب أنّ اللفظ باعث علی التذكير بالمعني ؛ فهم يُطلقون لفظ المسبّب علی السبب. وعلی هذا الاسـاس، فقد أطلق المصنّف رحمه الله الذكـر هنا علی الاوراد اللفظيّة، وحيثما جري الحديث عن الذكر، فإنّ المقصود به هو الاوراد اللفظيّة التي تنقسم إلی عدّة أقسام. يقول المصنّف رحمه الله: إنّ أهل السلوك لا يعتنون بالذكر القالبيّ بعد طيّهم درجات معيّنة. أمّا في بداية السلوك، فإنّ الذكر القالبيّ يندرج ضمن الاذكار الضروريّة للسالك. والمراتب الاربع من الذكر التي يتوجّب علی السالك أن يلتزم بها بالترتيب ـ ابتداء من أوّلها هي بأجمعها من الاذكار القالبيّة. أمّا الذكر الخفيّ القالبيّ، فمع أ نّه أقوي من جميع الاذكار الخياليّة القالبيّة، لكنّ الحاجـة إليه سـتنتهي بعد طيّ المراحـل الثمان للذكر الخيإلی القالبيّ والنفسيّ، وبعد طيّ مرحلة الذكر الخفيّ النفسيّ، وستنتفي ضرورته ـ كما يأتي لاحقاً بعد ارتقاء الدرجات السابقة. فإن ورد السالك الذكر الاكبر والاعظم بعد طيّه المراحل التسعة السابقة، وبعد طيّه مرحلة الذكر الذاتيّ، فإنّ عليه القيام بها بأجمعها في هيئتها النفسيّة، مع الاءعراض عن القالبيّ بشكل كامل، كما ستأتي الاءشارة إليه. [20] ـ المراد بالذكر الخيإلی القالبيّ هو أن يُجري السالكُ الذِّكر علی لسانه دون توجّه إلی معناه. [21] ـ المـراد بالاءبـاحـة، الاءبـاحـة فـي الاكـل والشـرب. والمـراد بالتعطيل، نفي الاحكام كلّيّاً بالمرّة، وبعبارة أُخري: عدم التكليف. والمراد بالاءذاعة، نشر وإشاعة الاسرار الاءلهيّة بين الاجانب. الاخطار الناشئة من طريق الطريق من دون أُستاذ كاملوالاخطار التي ذكرها المصنّف رحمه الله من أهمّ مخاطر السلوك، حيث إنّ استعمال هذه الاذكار وما يشابهها ممنوع من دون إشراف وتربية لاُستاذ كامل وعالِم عامل واصل. قيل إنّ علّة انحراف حسين ابن المنصور الحلاّج في إذاعة وإشاعة المطالب الممنوعة والاسرار الاءلهيّة، هي فقدان تعلّمه علی يد أُستاذ ماهر وكامل ودليل خبير واصل. فقد شرع بالسير والسلوك من تلقاء نفسه، فواجه هذه المخاطر. ولذا فقد رفضه الاعلام من أرباب السلوك والعرفان، ولم يعدّوا له وزناً في نهج المعرفة. وكمثل الشيخ أحمد الاحسائيّ الذي أراد الوصول بنفسه إلی مقام الحكمة والعرفان، فاعتبر نفسه من أصحاب النظر بمحض مطالعة الكتب الفلسفيّة، فصدرت منه أخطاء كثيرة، مثل الالتزام بتعطيل وانعزال الذات الاءلهيّة المقدّسة من الاسماء والصفات، وكمثل الالتزام بأصالة الوجود والماهيّة معاً، وهي أُمور أسقطته عند أرباب العلم والنقّاد المتبصّرين ذوي الخِبرة، وألقت بمؤلّفاته في زوايا النسيان والاءهمال. المدرسـة التربـويّة للآخونـد المولي حسـين قلي الهمدانيّ ، وبيان المرحـوم القاضي في أهمّيّة الاُستاذ في السلوكولم يُشاهد أيّاً من هذه الاخطار لدي أيّ تلميذ من تلامذة المدرسة التربويّة لآية الحقّ الآخوند المولي حسين قلي الهمدانيّ رضوان الله عليه، مع أنّ كلاّ منهم قد سطع في سماء الفضيلة والكمال سطوعاً بقي نوره إلی الازمنة التي جاءت بعده. إذ كانوا يبثّون النور والحـرارة في شعاع واسع يحيط بمحور ومركز وجودهم المثإلی والنفسيّ. وأ نّي يمكن للتأريخ أن يمحو المعارف السلوكيّة العلميّة والعمليّة لآيات من أمثال السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ والحاجّ الشيخ محمّد البهاريّ والحاجّ الميـرزا جواد الملكيّ التبـريزيّ والسـيّد محمّد سعيد الحبّـوبيّ، ويودعـها في زوايا النسـيان؟ ومن هنا كان المرحـوم الحاجّ الميرزا علی القاضي رضوان الله عليه يقول: أهمّ ما يلزم في هذا السبيل هو الاُستاذ الخبير والبصير، والإنسان الكامل المتخطّي للهوي، والواصل إلی المعرفة الاءلهيّة، الذي طوي ـ مضافاً إلی السير إلی الله ثلاثة أسفار أُخري، وغدا سائراً متأمّلاً في عالم الخلق بالحقّ. وكان المرحوم القاضـي يقول: لو صرف طالب سـلوك طريق الله نصف عمره في التفحّص والبحث من أجل العثور علی أُستاذ يدلّه في طريقه، كان محقّاً. وكان يقول: مَن عثر علی الاُستاذ، طوي نصف الطريق. رحمة الله عليهم أجمعين رحمةً واسعة. اللهمّ أعلِ درجتَهم، واجْعَلهم مع محمّد وآله الطاهرين. [22] ـ اعلم أنّ من الممكن علی إثر التوجّه إلی الاسماء المؤثّرة في الحبّ والرجاء أن تظهر آثار رفع التكليف. وعلی إثر التوجّه إلی أسماء مظاهر الكبرياء، كاسم شديد العقاب، والعظيم، والكبير، والمنتقم وأمثالها، أن تظهر حالة الغلوّ والفرعونيّة، أو حالة خوف اليأس من رحمة الله، فيحصل رفع التكليف، وهذه بأجمعها من الاخطار. ولذلك فإنّ علی الاُستاذ أن يسير بالسالك سيراً لا يغلب فيه أثر بعض الاسماء علی بعضها الآخر. فإن داوم أحياناً علی اسمٍ دواماً أوجب غلبة ذلك الاسم، فمع تعليم ذلك الاسم المعتدل سيجعله إلی حدّ الاعتدال. [23] ـ المراد بالذكر الكبير: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وبالذكر الاكبر: اللَه، وبالذكر الاعظم: لاَ إلَهَ إلاَّ هُو، كما سيأتي. [24] ـ يعني بعد أن يطوي مقدّمات الذكر، وبعد أن يصل إلی محلّ بروز وظهور أوّل مرتبة لظهور ذِكره. والمراد بالاذكار الصغيرة: ذكر الحيّ، ويا نور، ويا قدّوس، ومحيط، وعليم وأمثاله، في مقابل الذكر «الكبير» و«الاكبر» و«الاعظم»، التي ستأتي. حاشية العلاّمة الطباطبائيّ في بيان أنواع الذِّكر[25] ـ ما يستفاد من تضاعيف الكلمات اللاحقة في هذه الرسالة أن المراد بالذكر الاءثباتيّ هو أنّ الذاكر يكون في مقام ادّعاء وإثبات مضمون الذكر. والمراد بالذكر الثبتيّ هو أنّ القصد هو ثبوت نفس المعني في الخارج والحقيقة. والاءثبات مقدّم علی الثبوت بسبب أ نّه أقرب إلی بداية حال السالك، وأ نّه يتضمّن الكثرة، وأ نّه أبعد عن الوحدة. والمراد بالذكر الجمعيّ هو أن يكون توجّه الذاكر حين الذكر إلی القلب. والمراد بالذكر البسطيّ هو أن يكون توجّه الذاكر إلی الخارج، فهو يبسط الذكر إلی خارج القلب، وذلك مستفاد من أوّل الشرائط الخمسة التي ستأتي، والله العالِم. (هذه الحاشية في هامش الرسالة بخطّ يد العلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظلّه، وقد استفسر منه الحقير عن كونها من إنشائه، فردّ بالقول: نعم، وقد استفدتها من «الطرائق»). أنواع الذِّكر لدي العرفاء نقلاً عن «الخزائن» للنراقي[26] ـ قال النراقيّ رحمه الله في «الخزائن» ص 335: فائدة: جاء في بعض رسائل العرفاء أنّ الذكر علی سبعة أقسام: القالبيّ، النفسيّ، القلبيّ، السرّيّ، الروحيّ، العيونيّ، وغيب الغيوب. وبيان ذلك كالتإلی: أنّ مداومة الذاكر علی ذكر اللسان في بداية الاءنابة، التي لم يَسْرِ الذكر خلالها إلی باطنه، ولم يتخطّ سيره في السلوك المحسوسات الجزئيّة، يُدعي بالذكر القالبيّ. فإن حصل له تبديل بعض الاخلاق الذميمة إثر التكرار والمواظبة، فصار يُدرك أثر الذكر في نفسه، ويسرّ بتعقّل معني الذكر، دُعي ذِكره حينذاك بالذكر النفسيّ. فإن بلغ سيره نهاية عالَم العنصر، وصار لنفسه صفاء في الجملة بسبب تبديل بعض الصفات الذميمة، وخمد غبار كدورات الصفات النفسانيّة والبشريّة، أثّرت فيه حلاوة الذِّكر وغلب عليه الشوق المذكور، فصار ذاكراً دونما تحريك لسان، وغدا يسمع أحياناً إنشاد ذكر القلب كصوت قمريّة أو شدو طائر، دُعي ذِكره آنذاك بالذكر القلبيّ. وسيبلغ سيره في هذه المرحلة إلی بداية الافلاك. فإن زاد صفاء قلبه، تصرّف فيه إثر نورانيّة الذكر القلبيّ، وفرغ سرّه من الالتفات إلی الغير في الجملة، فدُعي ذكره بالذكر السرّيّ. وقد يحصل أحياناً إثر تحريك القلب في هذا الذكر، أن يُسمع صوت أشبه برنّة إلقاء أُسطوانة صغيرة في طاس نُحاسيّ. ويصل سير السالك في هذه المرحلة إلی أواسط عالم الافلاك. فإذا تطهّر سرّ السالك تماماً من التشتّت بالآراء الفاسدة والعقائد المشوّشة، ولم يبقَ للقلب التفات إلی غير المذكور، عبر من نهاية مراتب الافلاك وبلغ أوائل عالم الجبروت وصار له حُكم الروح، ويُدعي ذلك بالذكر الخفيّ. ويحصل أحياناً همهمة في الباطن بواسطة غلبة توجّه الذاكر، ويُدرَك صوت كصوت ذبابة تحطّ علی خيط حريريّ. فإن انتفت واستترت مراتـب الوجـود المسـتعار كلّيّاً في جذبات نـور الانـوار، وتحقّق بمقام الفناء عن نفسه وعن ما سوي الله، ارتقي سيره إلی السير في عالم اللاهوت. فلم يبقَ وجود للذكر ولا للذاكر في جنب التجلّي المذكور، فصار يذكر ذِكره لنفسه، ولم يبقَ من «الانا» إلاّ الاسم، ومن الذكر والذاكر إلاّ تبادل الاوهام، دُعي غيب الغيوب. [27] ـ باعتبار أنّ الذكر الجمعيّ هو فقط جمع الذكر في القلب، وأنّ البسطيّ يتكفّل بسرايته من القلب إلی الخارج وبإجراء التوحيد في سائر المظاهر، لذا تقدّم الجمعيّ علی البسطيّ، لانّ غيوريّته منحصرة في القلب، والبسطيّ راجعة إلی القلب وغيره. [28] ـ أوضحنا سابقاً أقسام الوِرد، ونُذكِّر هنا بأنّ المراد بالذِّكر القالبيّ هو جريـان الذِّكـر علی اللسـان أو علی القلـب فقـط، دون التوجّـه إلی معناه. والمراد بالذِّكر النفسيّ هو جريان الذِّكر علی اللسان أو القلب مضافاً إلی توجّه الذاكر إلی المعني. والمراد بالذِّكر الخيإلی هو الذِّكر اللفظيّ. والمراد بالذِّكر الخفيّ هو أن لا يورد الذاكر الذِّكر علی لسانه، بل يُمرّه علی قلبه فقط، فيكون قلبه هو الذاكر. ففي ذكر «الله» مثلاً، إذا ما أجراه في قلبه، كان الذكر الخفيّ، وإذا توجّه إلی لفظ «الله» في القلب دونما مروره، فهو الذكر السرّيّ. والمراد بالذكر الذاتيّ، الذكر الذي يكون الذاكر خلاله ملتفتاً إلی ربّ العزّة بدون تعيّن اسم خاصّ، بل مجرّداً عن جميع الآثار واللوابس، ومجرّداً عن كلّ اسم وصفة، وعن كلّ قيد وتعيّن، كما سيبيّن المصنّف رحمه الله. [29] ـ هذه العبارة التي أوردها المصنّف رحمه الله مقتبسة من عبارة جامي في شرح رباعيّاته: از درون سر آشنا و از برون بيگانه وش اين چنين زيبا روش كم مي بود اندر جهان يقول: «عارف لباطن السرّ، غريب عن الخارج، ومثل هذا النهج الجميل قليل في هذا العالَم». وقد أورد جامي في ص 72 هذا المطلب إلی قوله «فليضع نَصب بصيرته صفةً نوريّة غير متناهية» نقلاً عن بعض العرفاء قدّس الله أسرارهم دونما زيادة ولا نقصان. تحقيق حول رواية رَأَيْتُ رَبِّي نُورَانِيَّاً[30] ـ لم أعثر علی هذه الرواية في أيّ من المجاميع الحديثيّة للشيعة والعامّة. نعم روي مسلم في صحيحه، ج 1، كتاب الإيمان، ص 111 بإسناده عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذرّ قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَ نَّي أَرَاهُ. وأورد هذا الحديث بهذا اللفظ كلّ من الترمذيّ وأحمد بن حنبل في مجاميعهما، حسب نقل «المعجم المفهرس». كما روي مسلم في صحيحه ج 1، كتاب الإيمان، ص 111، بإسناده عن عبد الله بن شقيق قال: قُلْتُ لاِبِي ذَرِّ: لَوْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ نُوراً. وحسب نقل «المعجم المفهرس» فقد أورد أحمد بن حنبل والترمذيّ في مجاميعهما هذا الحديث بلفظ «رَأَيْتُهُ نُوراً». وعلی أيّة حال فمع أنّ ضبط الحديث الاوّل قد ورد في الكتب المطبوعة علی هيئة الاستفهام «نورٌ أ نّي أراهُ»، إلاّ أنّ من المحتمل أنّ هذا الضبط من ناشري الكتاب، وأنّ أصل الحديث كان «نورانِيٌّ أراهُ» بياء النسبة، وبجملة خبريّة. ذلك أنّ راوي الحديث في صورتَيْه شخصٌ واحد، وهو عبد الله بن شقيق، عن أبي ذرّ الغفاريّ، ومن الاقرب أن نقول إنّ كِلا الحديثَين واحد. منتهي الامر، أنّ رواة الحديث نقلوه بالمعني، فنجم من ذلك اختلاف لفظ الحديث، والله أعلم. مفاد كلمة لا إله إلاّ الله منحصر في جملة النفي[31] ـ اعلم أنّ ذكر النفي والاءثبات في اصطلاح العرفاء هو مركّب لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وأ نّهم ينعتونه بالنفي والاءثبات لتضمّنه جملتَين: الاُولي جملة لاَ إلَهَ مَوجُودٌ وهي نفي، والثانية اللَهُ مَوجُودٌ وهي إثبات. وهم يدعون الجملة بأسرها مركّباً، مقابل ذكر النفي والاءثبات البسيط، وهو ذكر لاَ إلَهَ إلاَّ هُو أو لاَ هُوَ إلاَّ هُو الذي يشير إلی الذات البسيطة دونما ملاحظة لاسم أو صفة. بَيدَ أنّ من المعلوم وفق النظر الدقيق أنّ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ لا تتضمّن جملتي نفي وإثبات، بل هو جملة نفي واحدة لا أكثر. وبيان ذلك أنّ المستثني (وهو لفظ اللهُ) لو كان يُقرأ بالنصب، كانت الجملة مركّبة من النفي والاءثبات، وكان لكلّ من المستثني والمستثني منه مطلب خاصّ. لكنّ المستثني في هذه الجملة «مرفوع»، حيث تُقرأ عبارة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ برفع كلمة اللَهُ باعتبارها بدلاً من إلَهَ المرفوعة محلاّ. ووفقـاً لقـواعـد العربـيّة، فإنّ أداة الاسـتثـناء «إلاّ» إذا اتّصـلـت بالمستثني، وكان المستثني منه منفيّاً، فإنّهم يوردونه علی البدليّة. وبملاحظة بدليّة الجملة، فإنّها لن تكون أكثر من جملة نفي واحدة، ويكون المعني: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ موَجُودٌ. أي ليس مِن إله إلاّ الله. فتأمّل جيّداً. [32] ـ يعني ذِكر لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ. بيان المرحوم النراقيّ في «الخزائن» في الذِّكر الخفيّ أو القلبيّ-[33] يقول المرحوم النراقيّ في «الخزائن» ص 333: فائدة في بيان طرق الذكر الخفيّ «ويدعي أيضاً بالقلبيّ» في كلمة التوحيد: اعلم أنّ هناك عدّة أنواع من الذكر منقولة عن مشايخ الطريقة في هذا الخصوص: الاوّل: أنّ الذاكر يفترض دائرة يمتدّ قطرها من موضع سرّته إلی فمه، بحيث إنّ جانبَي الذاكر يشكّلان قوسَي تلك الدائرة. ثمّ يقصد بالكلمة الطيّبة لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ علی نحوٍ تبـدأ معه من السـرّة، وبحـيث تنطـبق كلمة لاَ إلَهَ علی قوس الطرفَين المتعلّقين بنفسه، ليرجع نفي ذلك إلی قطع تعلّق الذاكر بمشتهيات نفسه ومألوفاتها. ثمّ يُنزل إلاَّ اللَهُ بحيث تنطبق من ابتداء الحلق علی قوس اليسار (المتعلّق بالقلب). وعليه أن يحبس نَفَسه قدر الوسع، ثمّ يزفر بقوّة بحيث يتأثّر منها قلبه. والقصد من ذلك إثبات الوحدانيّة وانحصار المطلوبيّة في الذات الاحديّة. والبعض يؤدّي هذا الذكر بحركة الرأس والبدن بما يقرب من هيئة دائرة محسوسة، ويكتفي البعض الآخر بتصوّر تلك الحركة. وهذه هي طريقة مشايخ النقشبنديّة. وهم يسمّون هذا الذكر بالحمايليّ والهيكليّ. ونوعه الآخر أن يقوم السالك ـ مع رعاية القوّة وحفظ النفس بوضع رأسه مقابل سرّته، ثمّ يرسم «لا» علی القطر المذكور، وينزل «إلهَ» علی الجانب الايمن بالقصد المذكور، ثمّ يرفع «إلاّ» علی نفس القطر، فينزل «اللهُ» من الجانب الايسر إلی القلب. ويدعي هذا النوع من الذكر بالخفيّ وبالضربات الاربع. ونوعه الآخر المسمّي «مجمع البحرين» يقسم فيه الجانبان (وهما السرّة والحلق) إلی دائرتَين كاملتَين، إحداهما دائرة النفي، وهي رفع «لا» علی الطريقة المذكورة وإنزال «إلهَ» علی الجانب الايمن، بحيث إذا اتّصل بالسرّة من جديد، فإنّه سيكون علی هيئة دائرة تشكّل هاتان الكلمتان قوسَيها. وليتصوّر تلك الدائرة دائرة الاءمكان، بحيث إنّ أيّ ممكن لا يقع خارجها، من أجل أن يقع الجميع داخل دائرة النفي. والاُخري دائرة الاءثبات، وهي رفع «إلاّ» حسب الطريقة المذكورة وإنزال كلمة «اللهُ» علی الجانب الايسر علی الهيئة المذكورة، بحيث يكونان قوسَي هذه الدائرة التي هي دائرة الوجوب في التصوّر. وقال الشيخ نجم الدين الرازيّ في «مرصاد العباد»: لقد علّم جبرئيل هذا الذكر لسيّد المرسلين، وكان صلّي الله عليه وآله وسلّم يشتغل به بعد فريضة الغداة، ثمّ علّمه صلّي الله عليه وآله وسلّم لصاحب سرّه ووليّ عهده علی المرتضي، وانتقل منه إلی أولاده الاطهار. هذا، وقد فسّر أرباب العرفان الآية الشريفة: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (الآية 205، من السورة 7: الاعراف) بهذا الذكر، واعتبروا أنّ عطف دُونَ الْجَهْرِ سوي عطف اذْكُر رَّبَّكَ، وأنّ كلمة دُونَ بمعني القريب، وفسّروه بالذكر الاءخفاتيّ الذي هو وسط بين الجهر والاءخفات انتهي. أقول: أراد ذلك المرحوم بالنوع الاوّل طريقة الجزر والمدّ، وأراد بالنوع الثاني (الضربات الاربع) المربّع الذي ذكره المصنّف رحمه الله. ومن هنا فإنّ مراد المصنّف من التربّع والجزر والمدّ ومجمع البحرين واضح بما ذكره النراقيّ رحمه الله. [34] ـ لانّ الكلام في الذكر وليس في الوِرد، لذا يجب أ لاّ يجري الذكر علی اللسان، بل يجب أن يتصوّر خروجه علی اللسان والقلب. |
|
|