|
|
الصفحة السابقةالمحاسبةالسابع: المحاسبة. فقد أُمِر بها في حديث: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا. [الشرح] وقال الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ كُلَّ يَوْمٍ.[2] وهي عبارة عن تخصيص وقتٍ معيّن من يومه لمحاسبة نفسه، فينظر إلی ما عزم علی فعله مع سائر الاحكام اللازمة، أخانه عامله (أي بدنه أو نفسه) في تنفيذه أم لا؟ المؤاخذةالثامن: المؤاخذة. وهي عبارة عن التزامه بالتأديب والعقوبة عند ظهور الخيانة، سواء بالعتاب والخطاب، بل بالزجر والضرب والتعذيب. وقد أُثر عن أحد الاكابر أ نّه كان يضع عند مصلاّه سوطاً، فإن تبيّن له بعد محاسبة نفسه أ نّها خانته، فإنّه كان يؤدّب نفسه بذلك السوط. ونقل عن آخر أ نّه مرّ يوماً فرأي عمارة جديدة في الطريق، فسأل: متي بُنِيت؟ ثمّ عاد إلی نفسه فعاقبها علی هذا اللغو بأن حرمها من الارتواء من الماء سنة. واعتذر شخص في زمن عيسي عليه السلام لانّ نفسه شكت الحرّ يوماً، فعاقبها بالعبادة أربعين عاماً. فإن كانت الخيانة الصادرة ذات عقوبة مقرّرة في الشريعة، فإنّ علی السالك أن يُهرع لإيقاع تلك العقوبة بنفسه. المسارعةالتاسع: المسارعة. وتعني الإسراع إلی تنفيذ ما عقد عليه العزم بمقتضي وَسَارِعُوا، قبل أن يجد الشيطان مجالاً للوسوسة والمماطلة. الإرادةالعاشر: الإرادة. وهي عبارة عن إخلاصه باطنَه عن تعلّق الخاطر، وأن يكون له تجاه مقنّن قوانين الاعمال وصاحب الشريعة (التي ينتهجها) وخلفائه، بحيث يكون له تجاههم كمال الإخلاص والمحبّة، بعيداً عن أيّة شائبة أو غشّ. وينبغي أن يصل ذلك عنده إلی حدّ الكمال، لانّ لهذه المرحلة دخلاً كبيراً في تأثير الاعمال، ويدلّ علی هذا المطلب ما ورد من ردّ الاعمال بدون ولاية الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، بل هو من أعظم الدلالات. وتحصيل هذه المحبّة هي أحد المنازل، ويحتاج طيّها إلی حركة سنتطرّق إلی ذكرها لاحقاً. ومن كمال هذه الإرادة الإخلاص والمحبّة لذرّيّة الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم ومن ينتسب إليهم، وتعظيم شعائرهم، وهي مشاهدهم وقبورهم والكتب الجامعة لكلامهم الشريف. أجل: أَذِلُّ لآلِ لَيْلَي فِي هَوَاهَا وَأَحْتَمِلُ الاَصَاغِرَ وَالكِبَارَا ونظراً لانّ أساس هذه القوانين والقواعد إنّما هي من قِبل الله تعإلی، توجّب ملازمة آثار المحبّة والشفقة والعطف علی جميع المنسوبين إلی الله تعإلی (أي علی جميع المخلوقات)، من الحيوان وغيره، كلٌّ بحسبه، تبعاً للحديث الدالّ علی أنّ أعظم شعب الإيمان هُوَ الشَّفَقَةُ عَلَی خَلْقِ اللَهِ الذي يشير إليه. أُحِبُّ بِحُبِّهَا تَلَعَاتِ نَجْدٍ وَمَا شَغَفِي بِهَا لَوْلاَ هَوَاهَا وينبغي إظهار لوازم الخلوص والشفقة علی هؤلاء، لانّ لذلك التأثير الكبير في حصول الخلوص الباطنيّ، وكذلك الامر تجاه الاُستاذ والشيخ والمفتيّين الذين يفتون السالك. [الشرح] أَمُرُّ عَلَی الدِّيَـارِ دِيَـارِ سَـلْمَي أُقَبِّـلُ ذَا الجِـدَارِ وَذَا الجِـدَارَا وَمَا حُبُّ الدِّيَـارِ شَـغَفْنَ قَلْـبِي وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا [4] الالتزام علی الادب تجاه الباري تعإلی ورسوله وخلفائهالحادي عشر: المحافظة علی الادب تجاه الباري تعإلی ورسوله وخلفائه. وهذه المرحلة تغاير مرحلة الإرادة، علی الرغم من أ نّهما يجتمعان أحياناً ؛ وهذا الشرط من أهمّ الشرائط. وقد تكلّم أحد الاشخاص يوماً، فكان في كلامه شائبة من إثبات قدرة للإمام عليه السلام، فهوي عليه السلام ساجداً فعفّر جبينه المقدّس بالتراب. وخطر علی لسان بعضهم كلامٌ فيه اعتراض، فعمد إلی فمه فحشاه بالرماد. وطائفة من أرباب القلوب لم يتلوا القرآن جلوساً، بل كانوا يمسكونه بكلتا يديهم وهم مواجهو القبلة، فيتلونه في منتهي المسكنة والعجز. وكانوا إذا تُلي القرآن إمّا أن ينهضوا وقوفاً، وإمّا أن يتمسّكوا بمنتهي الادب، شأن مَن يقف أمام السلاطين. وكان البعض ينهضون وقوفاً تعظيماً لاسماء الله تعإلی والاسماء الشريفة للرسول والائمّة عليهم السلام. وكان البعض يُراعي في جلوسه وسيره وتناول طعامه وسائر أحواله شؤون الادب كما لو كان يري الله تعإلی حاضراً. ومن جملة اللوازم مراعاة الادب حين عرض الحاجات، والاحتراز عن ألفاظ الامر والنهي. النيّةالثاني عشر: النيّة. وهي عبارة عن إخلاص القصد للّه تعإلی في السير والحركة وسائـر الاعمال، وقطـع الطـمع في الاغراض الدنيـويّة، بل والاُخرويّة، بل في جميع ما يعود إلی السالك، بل ينتهي الامر ـ في أواخر الحال إلی انتفاء النيّة، حيث سُئل من أحد الاعلام: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لاَ أُرِيدَ. ذكر الطريقة الإحراقـيّة للمرحـوم القاضي لاسـتئصال جذور الاهواء والنوايا النفسانيّة (الشرح) 192وعلی السالك بعد هذه المرحلة أن يغضّ بصيرته عن المشاهدة وعدم المشاهدة، وعن الوصول وعدم الوصول، وعن العِلم وعدم العِلم، وعن الردّ والقبول. بل شرط السلوك في المحبّة الكاملة أن ينسي المحبوب أيضاً.[5] إذ لا يزال حتّي الآن يتعامل بالمحبّة. وتمثّل هذه المرحلة لدي السالكين قطع الطمع. [6] الصمتالثالث عشر: الصمت. وهو علی نوعَين: عامّ ومضاف، وخاصّ ومُطلق. والاوّل: عبارة عن حفظ اللسان عن مكالمة الناس بمّا يزيد علی الضرورة، والاكتفاء في الضروريّ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِن. وهذا النوع مما يجب علی السالك الالتزام به في جميع أوقات السلوك، بل مطلقاً. وما جاء في الاخبار إشارة إلی هذا النوع من الصمت. حيث قال الإمام الباقر عليه السلام في حديث أبي حمزة: إنَّمَا شِيعَتُنَا الخُرْسُ.[7] وقد قال أبو عبد الله عليه السلام: الصَّمْتُ شِعَارُ المُحِبِّينَ.[الشرح] وَفِيهِ رِضَا الرَّبِّ، وَهُوَ مِنْ أَخْلاَقِ الاَنْبِيَاءِ وَشِعَارِ الاَصْفِيَاءِ. وفي حديث البزنطيّ عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: الصَّمْتُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الحِكْمَةِ، وَإنَّهُ دَلِيلُ كُلِّ خَيْرٍ....[9] ولهذا السبب، فقد كان بعض الصحابة يضع في فمه حصاةً، ليعوّد نفسه علی ملازمة الصمت. أمّا الثاني: فعبارة عن حفظ اللسان عن الكلام مع الناس، بل في الخارج مطلقاً، وهو من الشرائط اللازمة في الاذكار الحصريّة الكلاميّة. [10] وأمّا في الإطلاقيّات فليس ذلك ضروريّاً، ولو كان أفضل. وعند التعسّر أو التعذّر في الضروريّات، فعليه توزيع الذِّكر علی أوقات متقاربة، واجتناب أربعة أشياء: مخالطة العوام، وكثرة الكلام، وكثرة المنام، وكثرة الطعام. [الشرح] الجوع وقلّة الاكلّالرابع عشر: الجوع وقلّة الاكل. وأفضله ما لم يستتبع الضعف عن السلوك، ولم يشوّش الاحوال. وهو ـ أيضاً من الشروط المهمّة. وقول الصادق عليه السلام: الجُوعُ إدَامُ المُؤْمِنِ وَغِذَاءُ الرُّوحِ وَطَعَامُ القَلْبِ.[12] بيانٌ لهذه المرحلة. وأفضل أصنافه الصوم، وقد يلزم أحياناً كما سيأتي في شرائط بعض الاذكار الكلاميّة. الخلوةالخامس عشر: الخلوة. وهي علی قسمَين: خلوة عامّة، وخلوة خاصّة. الخلوة العامّة (وتُدعي بالعُزلة)، وهي عبارة عن اعتزال غير أهل الله من الناس، سيّما النسوان والاطفال والعوامّ وأرباب العقول الضعيفة وأهل العصيان وطالبي الدنيا، إلاّ بقدر الحاجة والضرورة، أمّا مجالسـة أهل الطاعة فلا تتنافي مع هذه الخلوة، ولا يشترط فيها مكان خاصّ. وما ورد في أخبار المعصومين عليهم السلام، فالمراد به هذا النوع. حيث قال أبو عبد الله عليه السلام: صَاحِبُ العُزْلَةِ مُتَحَصِّنٌ بِحِصْنِ اللَهِ مُتَحَرِّسٌ بِحَرَاسَتِهِ. فَيَا طُوبَي لِمَنْ تَفَرَّدَ بِهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً. [الشرح] وقال: فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الاَسَدِ وَالاَفْعَي، فَإنَّهُمْ كَانُوا دَوَاءً فَصَارُوا دَاءً... وقال: مَا مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ وَصِيٍّ إلاَّ وَاخْتَارَ العُزْلَةَ فِي زَمَانِهِ، إمَّا فِي ابْتِدَائِهِ، أَوِ انْتِهَائِهِ. وقال: كُفُّوا أَلْسِنَتِكُمْ وَالزَمُوا بُيُوتِكُمْ. [14] وقضيّة غار حراء دالّة علی هذا المطلب، والآية الكريمة: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَو'ةُ الدُّنْيَا ] الآية 70، من السورة 6: الانعام [ ناطقة له. وهذه الخلـوة راجحة في كلّ الاحوال. وأمّا الخلوة الخاصّة، فإنّها ـ ولو كانت لا تخلو من فضل في جميع العبادات والاذكار شرط لدي مشايخ الطريقة في طائفة من الاذكار الكلاميّة، بل في جميعها. ومراد أهل الاوراد من الخلوة: هذا النوع منها. ويشترط فيها الوحدة والابتعاد عن محلّ الزحام والضوضاء والاصوات التي تشوّش البال، وحِلّيّة المكان وطهارته ـ حتّي السقف والجدران وأن تكون علی قدر سعة الذاكِر وعبادته فحسب. وقول عيسي عليه السلام: وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ[15] إشارةٌ إليها. وأفضل البيوت ما كان له باب واحد ولم يكن فيه نافذة أو كوّة. والذاكرُ مندوب أن يقول إذا دخل في البيت: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَـ'نًا نَّصِيرًا. [16] ثمّ يقول: بِسْمِ اللَهِ وَبِاللَهِ وَصَلَّي اللَهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. ثمّ يصلّي ركعتَين، يقرأ في الاُولي بعد الحمد هذه الآية: وَمَن يَعْمَلْ سُو´ءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ و ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَهَ يَجِدِ اللَهَ غَفُورًا رَّحِيمًا. [17] وفي الثانية: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. [18] وعليه ـ خلال الذِّكر أن يفترش الارض أو ما ينبت منها، كالحصير وما شابهه، وأن يجلس تجاه القِبلة متورِّكاً أو مربّعاً. وأن يهتمّ بالتعطّر في تلك الحال، سيّما بالبخورات اللائقة. السهرالسادس عشر: السَّهَر. بالقدر الذي تطيقه طبيعة البدن ؛ قوله تعإلی: قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. [19] دوام الطهارةالسابع عشر: دوام الطهارة. المبالغة في التضرّع والذلّة والمسكنة والتواضع في فناء ربّ العزةالثامن عشر: المبالغة في التضرّع والذلّة والمسكنة والتذلّل في فِناء ربّ العِزّة. الاحتراز عن المشتهيات بقدر الاستطاعةالتاسع عشر: الاحتراز عن المشتهيات بقدر الاستطاعة. كتمان السِّرِّالعشرون: كتمان السِّرِّ. وهو من أهمّ الشروط، وقد بالغ مشايخ الطريقة وأساتيذ الاذكار في الوصيّة بهذا الشرط، سواء في العمل والاوراد، أو في الحالات والواردات الحاليّة والمقاميّة، وكانوا يعدّون أبسط تخلّف أو تخطٍّ لهذا الشرط ممّا يُخلّ بالقصد ويمنع بلوغ المطلوب. كما كانوا يعدّون التورية في الكلام ومخالفة العزم عند الإشراف علی الإفشاء من لوازم السلوك. ومقولة وَاسْتَعِينُوا عَلَی حَوَائِجِكُمْ بِالكِتْمَانِ دالّة علی هذا المطلب. [الشرح] ومن هنا قال سيّد الاولياء علی عليه السلام إلی ميثم التمّار: وَفِي الصَّدْرِ لُبَانَاتٌ إذَا ضَاقَ لَهَا صَدْرِي نَكَتُّ الاَرْضَ بِالكَفِّ وَأَبْدَيْتُ لَهَا سِرِّي فَمَهْمَا تَنْبُتُ الاَرْضُ فَذَاكَ النَّبْتُ مِنْ بَذْرِي [21] وقال أبو عبد الله عليه السلام: مَا عُبِدَ اللَهُ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الحَيَاءِ. * وقال: أَمْرُنَا مَسْتُورٌ مُقَنَّعٌ بِالمِيثَاقِ، فَمَنْ هَتَكَ عَلَيْنَا أَذَلَّهُ اللَهُ. [22] وجاء في حديث الثمإلی: وَدِدْتُ ـ وَاللَهِ أَ نِّي افْتَدَيْتُ خَصْلَتَيْنِ فِي الشِّيعَةِ لَنَا بِبَعْضِ لَحْمِ سَاعِدِي: النَّزَقُ وَقِلَّةِ الكِتْمَانِ. [23] وفي حديث سليمان بن خالد، عن الصادق عليه السلام، قال: إنَّكُمْ عَلَی دِينٍ، مَنْ كَتَمَهُ أَعَزَّهُ اللَهُ، وَمَنْ أَذَاعَهُ أَذَلَّهُ اللَهُ. [24] يقول جابر بن يزيد: حدّثني أبو جعفر عليه السلام بسبعين ألف حديث لم أُحدّث بها أحداً قطّ، ولا أُحدِّث بها أحداً أبداً. فلمّا ارتحل عليه السلام ضاق صدري وبهظني حَملُ تلك الاحاديث، قصدتُ أبا عبد الله عليه السلام فأخبرتُه بحالتي. فقال: أُخرُج إلی الجَبّانِ فاحفِر حَفيرةً ودَلِّ رأسَكَ فيها، ثُمّ قُل: حدّثني محمّد بنُ علی بكذا وكذا، ثمّ أهِل التراب عليها.[25] الشيخ والاُستاذالحادي والعشرون: الشيخ والاُستاذ. وهو علی نوعَين: أُستاذ خاصّ وأُستاذ عامّ. فالاُستاذ الخاصّ هو الذي نُصّ عليه وخُصّ بالدلالة والهداية، وهو النبيّ وخلفاؤه الخاصّون. وأمّا الاُستاذ العامّ، فهو الذي لم يُنصّ عليه بالهداية، بل هو داخل في عُموم: فَسْـَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ] الآية43، من السورة 16: النحل [. وَلاَ مَفَرَّ للسالك في كلّ حال من الاُستاذ الخاصّ، حتّي لو كان بلغ هدفه المقصود،[الشرح] لانّ ذلك الاُستاذ يعلّمه آداب الوطن أيضاً، ولا نّه الوإلی في تلك المملكة أيضاً. ومرافقته من الضرورة العامّة في حال السلوك، بل في أواخر السلوك (عند حصول التجلّيات الذاتيّة والصفاتيّة). وما ورد عن أرباب السلوك في باب آداب خدمة الشيخ وتعاهده، فقد أرادوا به الاُستاذ الخاصّ، ولو كان ملاحظة الادب والاحترام لازمَين للاُستاذ العامّ أيضاً لقيامه في الهداية مقام الاُستاذ الخاصّ. وما يفهمه الاكثريّة من توقّف السلوك علی الشيخ، أنّ طلب السلوك بدون إرشاد الشيخ والاُستاذ ومتابعتهما غير ممكن. ومع أنّ الامر كذلك، إلاّ أنّ هناك مرحلة أُخري أعلی من هذه المرحلة، إذ إنّ مرافقة الاُستاذ الخاصّ في جميع الاحوال في ترتيب المظاهر ـ وهو ما سيُشار إليه من أهمّ الشرائط وأعظم اللوازم. كما أنّ مرافقة الاُستاذ العامّ أولي وأنسب، سيّما للمبتدي. وتحصل معرفة الاُستاذ الخاصّ في بداية الامر حسب الطريقة التي مرّت في تحصيل الإيمان الاصغر، كما أ نّه سيعرّف نفسه في نهاية المطاف. أمّا الاُستاذ العامّ فلا يعرف إلاّ بمصاحبته في الخلاء والملاء، وبالمعاشرة الباطنيّة وملاحظة تماميّة إيمان جوارحه ونفسه. وحَذارِ من متابعته بالانخداع بظهور خوارق العادات، وبيان دقائق النكات، وإظهار الخفايا الآفاقيّة والحبايا الانفسيّة، وتبدّل بعض حالاته، لانّ الإشراف علی الخواطر والاطّلاع علی الدقائق، والعبور علی الماء والنار، وطيّ الارض والهواء، والإحضار من المستقبل وأمثال ذلك يحصل في مرتبة المكاشفة الروحيّة، وهي مرحلة يفصل بينها وبين المنزل المقصود طريق بلا انتهاء. [الشرح] وما أكثر المنازل والمراحل! وما أكثر السائرين الذين طـووا هذه المرحـلة، ثمّ انحـرفوا بعدها عن الجـادّة ودخـلوا في وادي اللصوص والابالسـة! وما أكثر الكفّار الذين حصـلوا بهذا السـبيل علی اقتـدار علی فِعل أشـياء كثيرة! بل لا يمكن أيضاً الاسـتدلال بالتجلّيات الصفاتيّة علی وصول صاحبها، لانّ ما يختصّ بالواصلين إنّما هو التجلّـيات الذاتـيّة، بنـوعها الربّـانيّ لا الروحـانيّ.[الشرح] و هناك طريقة أُخري لمعرفة الاُستاذ وشيخ الطريقة سنشير إليها إن شاء الله تعإلی. ارجاعات الاحاديث الواردة في محاسبة النفس[1] ـ ورد هذا الحديـث في «بحار الانـوار» ج 15 (في الاخـلاق)، ص 40، عن «المجالس» للشيخ المفيد، وعن «الامإلی» للشيخ الطوسيّ رضوان الله عليه، بإسناده المتّصل عن حفص، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أَلاَ فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإنَّ فِي القَيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مَقَامُ أَلْفِ سَنَةٍ. ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ و´ أَلْفَ سَنَةٍ». كما ورد هذا الحديث في «الامإلی» للشيخ، ج 1، ص 34 و 109. [2] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 453، بإسناده المتّصل عن إبراهيم بن عمر إليمانيّ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإنْ عَمِلَ حَسَناً اسْتَزَادَ اللَهَ، وَإنْ عَمِلَ سَيِّئاً اسْتَغْفَرَ اللَهَ مِنْهُ وَتَابَ إلَيْهِ. ونظراً لانّ هذا الحديث هو فقرة من وصيّة للاءمام موسي بن جعفر عليهما السلام أوصاها إلی هشام بن الحكم، وهي وصيّة مفصّلة ؛ لذا فقد وردت هذه الفقرة في «تحف العقول» ص 383 ؛ و«بحار الانوار» ج 1، ص 43، نقلاً عن «تحف العقول» ضمن تلك الوصيّة. أمّا عن وجوب محاسبة النفس، فيدلّ عليه صريح الآية القرآنيّة: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. (الآية 18، من السورة 59: الحشر). حكاية المرحوم الميرزا جواد الملكيّ التبريزيّ في تربية التلميذ[3] ـ الظاهر أنّ المراد بالشيخ هو الاُستاذ العامّ، والعطف هنا عطف تفسير. والمفتون هم فقهاء الشريعة. أو أن المراد بالشيخ مَن أوكل إليه الاُستاذ العامّ أمر تربية السالك، حيث إنّ من المتداول أن يرجع الطالب إلی الاُستاذ العامّ لهديه في سلوك الطريق إلی الله تعإلی، فيوكل الاُستاذ العامّ أمر تربيته في الاُمور الابتدائيّة إلی أحد تلامذته، وبعد تربية هذا الطالب وظهور قابليّاته يُكمل طيّ الطريق علی يد الاُستاذ العامّ. نُقل أنّ المرحـوم الحاجّ الميـرزا جواد الملكيّ التبريزيّ لازم جمال الاولياء والعرفاء المرحوم الآخوند المولي حسين قلي الهمدانيّ رضوان الله عليه مدّة أربع عشرة سنة. قال المرحوم الحاجّ الميرزا جواد: قال لي الاُستاذ يوماً: إنّ تربية الشخص الفلانيّ في عُهدتك. وكان ذلك الطالب ذا همّة عالية وسعي دؤوب بالغ، فقضي مدّة ستّ سنوات في المراقبة والمجاهدة وأتمّ دورة مقدّمات التجرّد، واكتسب قابليّة إفاضة مقام التجرّد. فأردتُ أن يرتدي هذه الخلعة علی يد الاُستاذ، فصحبتُه معي إليه وقلت: أيّها الاُستاذ، لقد أتمّ هذا الشخص الكريم ما يُراد منه، والمطلوب أن ينال هذا الفيض علی يدكم المباركة. فأشار المرحوم الآخوند بيده المباركة إشارة وقال: التجرّد كهذا! قال ذلك الطالب: فشاهدتُ علی الفور أ نّي قد انفصلتُ عن بدني، وأضحيتُ أشاهد بدنيـ بكامله واقفاً إلی جانبي. [4] ـ وردت هذه الاشعار في «جامع الشواهد» بلفظ «ديار ليلي»، وذكر مؤلّفه أ نّها للمجنون قيس بن الملوّح العامريّ. ووردت أيضاً في ديوان المجنون قيس بن الملوّح العامريّ، طبعة طهران، 1270. ونقلها النراقيّ في «الخزائن» ص 247 بهذا اللفظ: أُقَبِّلُ أَرْضاً سَارَ فِيهَا جِمَالُهَا فَكَيْفَ بِدَارٍ حَلَّ فِيهَا جَمَالُهَا وَقَدْ كُنْتُ لاَ أَرْضَي بِوَصْلٍ مُقَطَّعٍ فَهَا أَنَا رَاضٍ لَوْ أَتَانِي خَيَالُهَا [5] ـ المحبّة صفة، والمحبوب موصوف، وما دامت الصفة باقية، فإنّ السالك لم يتخطّ بعدُ التعيّنات، ولن يصل ـ من ثَمَّ إلی مطلوبه، وهو الفناء في الذات. ويجب في هذه المرحلة أن يزول عنوان المحبّة والمحبّ والمحبوب، وأن تحترق الصفة وتفني. نُقل أنّ المرحوم القاضي رضوان الله عليه قال: إنّ أفضل الطرق وأسرعها في القضاء علی الاغراض والنوايا النفسانيّة المؤثّرة في طريق السلوك إلی الله، والتي لها حُكم الطريق المختصر، بحيث تُنجي السالك كلّيّاً وتُخرجه من كلّ داعية وباعث غير إلهيّ، وتخرجه في نهاية الامر من الصفة: طريقة الاءحراق، وهي الطريقة التي علّمنا القرآن إيّاها. فالذي تنزل به مصيبة ـ مثلاً من موت أهل أو ولد أو غير ذلك، يمكنه أن يسكّن ألمه بطرق مختلفة، كأن يقول: لعلّ أهلي وولدي سيلحقون بي الضرر مستقبلاً، أو يُتعبونني في تنفيذ طلباتهم. أو أن يقول: لقد فقد الآخرون أهليهم وأولادهم كما فقدت أهلي وولدي ؛ ونظائر ذلك. أمّا القرآن الكريم، فيقول: وَبَشِّرِ الصَّـ'بِرِينَ * الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُو´ا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، (الآيتان 155 و 156، من السورة 2: البقرة)، أي: أنّ كلّ شيء مِلكٌ مُطلَقٌ لِلَّهِ تعإلی، وأنّ الإنسان ليس من حقّه أبداً ادّعاء المِلكيّة. فالمِلك إذاً مِلك الله، وللمالك أن يتصرّف بمِلكه حيث يشاء دون اعتراض. وهذا النوع من التفكير يُريح المُصاب علی الفور. أو أنّ شخصاً ما ـ مثلاً يريد امتلاك أُمور مادّيّة ومعنويّة كثيرة، لكنّه لا يقدر علی نيله، وهو ـ لذلك مكدّر الخاطر ومشوّشه. وحين يلجأ إلی القرآن ويري أنّ فقره ذاتيّ، فإنّ قلقه سيزال، وسيفهم أ نّه مهما أُعطي فإنّ تلك الاشياء ليست مِلكه، بل هي للّه تعإلی، وأ نّه سيبقي في فقره الذاتيّ. ولو أدرك السالك في طريق السلوك أنّ الله تعإلی قد جعل نفسه طمّاعة، وأ نّها تطمع في كلّ مقام ومكرمة، وأ نّه ما لم يتخطّ طمع نفسه ورغباتها، فإنّه لن يصل إلی المقصود. وذلك بأن يتغاضي بالمرّة عن جميع المشتهيات النفسانيّة من مقام الكرامة والدرجات، ويُخلي باطنه من جميع النوايا والرغبات، حيث يجلو ذهنه من جميع غبار الاغيار، فيتجـلّي فيه جمال الحضـرة الاءلهـيّة. ونظراً لانّ هذا النوع من التفكّر كأ نّه يحرق جميع النوايا والصفات، فقد دُعي بطريقة الاءحراق [6] ـ جاء في «حلية الاولياء» ص 36، عن بايزيد البسطاميّ، قال: الجَنَّةُ لاَ خَطَرَ لَهَا عِنْدَ المُحِبِّينَ، وَأَهْلُ الجَنَّةِ مَحْجُوبُونَ بِمَحَبَّتِهِمْ. أي: أنّ الجنّة لا أهمّيّة لها لدي المحبّين، وأنّ أهل الجنّة محجوبون عن لقاء الله تعإلی بسبب محبّتهم للجنّة، حيث حجبهم عنه تعإلی محبّتهم لسواه (أي: للجنّة). [7] ـ وردت هذه الرواية في «أُصول الكافي» ج 2، ص 113 ؛ و«بحار الانوار» ج 15 (قسم الاخلاق)، ص 186، نقلاً عن «السرائر» ؛ وفي ص 188، نقلاً عن «الكافي» بإسناده، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة. الرواية الواردة في الصمت[8] ـ وردت هذه الرواية في «مصباح الشريعة» ص 20 ؛ ونقلها المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 15 (قسم الاخلاق)، ص 186، بهذه الكيفيّة: قال الصادق عليه السلام: الصَّمْتُ شِعَارُ المُحَقِّقِينَ بِحَقَايِقِ مَا سَبَقَ وَجَفَّ القَلَمُ بِهِ، وَهُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ رَاحَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفِيهِ رِضَا الرَّبِّ وَتَخْفِيفُ الحِسَابِ وَالصَّوْنُ مِنَ الخَطَايَا وَالزَّلَلِ. قَدْ جَعَلَهُ اللَهُ سِتْراً عَلَی الجَاهِلِ، وَزَيْناً لَلعَالِمِ، وَمَعَهُ عَزْلُ الهَوَي، وَرِيَاضَةُ النَّفْسِ، وَحَلاَوَةُ العِبَادَةِ، وَزَوَالُ قَسْوَةِ القَلْبِ، وَالعِفَافُ، وَالمُرُوَّةُ، وَالظَّرْفُ. فَأَغْلِقْ بَابَ لِسَانِكَ عَمَّا لَكَ مِنْهُ بُدٌّ، لاَ سِيَّمَا إذَا لَمْ تَجِدْ أَهْلاً لِلكَلاَمِ، وَالمُسَاعِدَ فِي المُذَاكَرَةِ لِلَّهِ وَفِي اللَهِ، وَكَانَ رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَضَعُ قِرْطَاساً بَيْنَ يَدَيْهَ فيَكْتُبُ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، ثُمَّ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ فِي عَشِيَّتِهِ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَيَقُـولُ: آه آه نَجَـا الصَّامِتُـونَ وَبَقِيـنَا. وَكَانَ بَعْـضُ أَصْـحَابِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ حَصَاةً فِي فَمِهِ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم بِمَا عَلِمَ أَ نَّهُ لِلَّهِ وَفِي اللَهِ وَلِوَجْهِ اللَهِ، أَخْرَجَهَا مِنْ فَمِهِ. وَإنَّ كَثِيراً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَتَنَفَّسُونَ تَنَفُّسَ الصُّعَدَاءِ وَيَتَكَلَّمُونَ شِبْهَ المَرْضَي. وَإنَّمَا سَبَبُ هَلاَكِ الخَلْقِ وَنَجَاتِهِمُ الكَلاَمُ وَالصَّمْتُ. فَطُوبَي لِمَنْ رُزِقَ مَعْرِفَةَ عَيْبِ الكَلاَمِ وَصَوَابِهِ، وَعَلِمَ الصَّمْتَ وَفَوَائِدَهُ، فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلاَقِ الاَنْبِيَاءِ وَشِعَارِ الاَصْفِيَاءِ. وَمَنْ عَلِمَ قَدْرَ الكَلاَمِ أَحْسَنَ صُحْبَةَ الصَّمتَ، وَمَنْ أَشْرَفَ عَلَی مَا فِي لَطَائِفِ الصَّمْتِ وَائْتَمَنَهُ عَلَی خَزَائِنِهِ، كَانَ كَلاَمُهُ وَصَمْتُهُ كُلُّهُ عِبَادَةً، وَلاَ يَطَّلِعُ عَلَی عِبَادَتِهِ إلاَّ المَلِكُ الجَبَّارُ. [9] ـ روي هذا الحديث في «أُصول الكافي»، ج 2، ص 113 ؛ وفي «الاختصاص» ص 232 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15 (قسم الاخلاق)، ص 184، نقلاً عن «قُرب الاءسناد» و«عيون أخبار الرضا» و«الخصال» و«الكافي» ج 2، ص 113، بأدني اختلاف في اللفظ، ونورد هنا لفظ «الكافي». قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: مِنْ عَلاَمَاتِ الفِقْهِ الحِلْمُ وَالعِلْمُ وَالصَّمْتُ. إنَّ الصَّمْتَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الحِكْمَةِ، إنَّ الصَّمْتَ يَكْسِبُ المَحَبَّةَ، إنَّهُ دَلِيلٌ عَلَی كُلِّ خَيْرٍ. * ـ ورد في «مصباح الشريعة»: وكان بعض أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم يضع الحصاة في فمه، فإذا أراد أن يتكلّم بما عَلِم أ نّه للّه وفي الله ولوجه الله، أخرجها مِن فمه. [10] ـ لعلّ مراده أنّ الإنسان يكون ساكتاً في باطنه أيضاً، وأن يجتنب محادثة المَلَك ومن الالتفات إلی آماله، ويُعرض بالمرّة عن مكالمة غير الحقّ. رسالةالمرحوم الآخوند حسينقليالهمدانيّ إلیالسيّد علی الإيرواني[11] ـ نقل أحد أساتيد الحقير أنّ المرحوم آية الحقّ الآخوند المولي حسين قلي الهمدانيّ رضوان الله عليه كتب في رسالة له إلی السيّد علی الاءيروانيّ رحمة الله عليه جواباً علی رسالة الاخير: عَلَيْكَ بِقِلَّةِ الكَلاَمِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ وَقِلَّةِ المَنَامِ، وَتَبْدِيلِهَا بِذِكْرِ اللَهِ المَلِكِ العَلاَّمِ. وقد جمع هذا البيت آداب السلوك هذه في بيان مختصر جميل: صَمْت وجوع وسَهَر وعُزلت وذِكري به دوام نا تمامان جهان را كند اين پنج تمام يقول: «صمت وجوع وسهر وعزلة وذكري دائمة، هذه الاُمور الخمسة توصل إلی الكمال مَن لم يبلغه». [12] ـ وهو فقرة من حديث مرويّ نقله بتمامه المرحوم الشيخ جعفر الكشفيّ في «تحفة الملوك» في السُّدس الاخير من كتابه. والحديث هو: مَا مِنْ شَيْءٍ أَضَرَّ لِقَلْبِ المُؤْمِنِ مِنْ كَثْرَةِ الاَكْلِ، وَهِيَ مُورِثَةٌ شَيْئَيْنِ: قَسْوَةَ القَلْبِ وَهَيَجَانَ الشَّهْوَةِ. وَالجُوعُ إدَامُ المُؤْمِنِ وَغِذَاءٌ لِلرُّوحِ وَطَعَامٌ لِلقَلْبِ وَصِحَّةٌ لَلبَدَنِ. وقد ورد أصل هذا الحديث في «مصباح الشريعة»، الباب الحادي والاربعين بهذا اللفظ باختلاف يسير في اللفظ، بإسناده عن الصادق عليه السلام. رواية الإمام الصادق عليه السلام في العزلة[13] ـ هذه فقرات منتزعة من رواية مفصّلة وردت في «مصباح الشـريعة» ص 18 ؛ و«بحار الانوار» ج 15 (الجـزء الثاني)، ص 51، نقلاً عن «مصباح الشريعة»، بإسناده عن ابن معروف، عن الصادق عليه السلام قال: صَاحِبُ العُزْلَةِ مُتَحَصِّنٌ بِحِصْنِ اللَهِ تَعَإلی، وَمُتَحَرِّسٌ بِحَرَاسَتِهِ، فَيَا طُوبَي لِمَنْ تَفَرَّدَ بِهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً. وَهُوَ يَحْتَاجُ إلی عَشَرَةِ خِصَالٍ: عِلْمُ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَتَجَنُّبِ الفَقْرِ، وَاخْتِيَارُ الشِّدَّةِ، وَالزُّهْدُ، وَاغْتِنَامُ الخَلْوَةِ، وَالنَّظَرُ فِي العَوَاقِبِ، وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فِي العِبَادَةِ مَعَ بَذْلِ المَجْهُودِ، وَتَرْكُ العُجْبِ، وَكَثْرَةُ الذِّكْرِ بِلاَ غَفْلَةٍ ـ فَإنَّ الغَفْلَةَ مُصْطَادُ الشَّيْطَانِ وَرَأْسُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَسَبَبُ كُلِّ حِجَابٍ وَخَلْوَةُ البَيْتِ عَمَّا لاَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الوَقْتِ. قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اخْزِنْ لِسَانَكَ لِعِمَارَةِ قَلْبِكَ، وَلْيَسَعَكَ بَيْتُكَ، وَفِرَّ مِنَ الرِّيَاءِ وَفُضُولِ مَعَاشِكَ ] وفي نسخة «مصباح الشريعة»: وَاسْتَحِي مِنْ رَبِّكَ [، وَابْكِ عَلَی خَطِيئَتِكَ، وَفِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الاَسَدِ وَالاَفْعَي، فَإنَّهُمْ كَانُوا دَوَاءً فَصَارُوا اليَوْمَ دَاءً، ثُمَّ الْقَ اللَهَ مَتَي شِئْتَ. قال ربيعُ بن خُثيم: إنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ ] اليَوْمَ [ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَعْرِفُ وَلاَ تُعْرَفُ فَافْعَلْ. وَفِي العُزْلَةِ صِيَانَةُ الجَوَارِحِ، وَفَرَاغُ القَلْبِ، وَسَلاَمَةُ العَيْشِ، وَكَسْرُ سِلاَحِ الشَّيْطَانِ، وَالمُجَانَبَةُ بِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَرَاحَةُ الوَقْتِ. وَمَا مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ وَصِيٍّ إلاَّ وَاخْتَارَ العُزْلَةَ فِي زَمَانِهِ، إمَّا فِي ابْتِدَائِهِ، وَإمَّا فِي انْتِهَائِهِ. [14] ـ روي حديـث كُفُّوا أَلْسِـنَتِكُمْ في «أُصـول الكافي» ج 2، ص 225 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15 (الجزء الرابع، وهو كتاب العشرة)، ص 140، عن «الكافي». كما روي في «وسائل الشيعة» ج 2، كتاب «الامر بالمعروف»، باب «تحريم إذاعة الحقّ»، ص 507، عن أحمد بن محمّد ابن خالد البرقيّ. [15] ـ ورد هذا القول عن عيسي عليه السلام ضمن رواية عن الصادق عليه السلام، وقد نقلناها في الهامش السابق نقلاً عن «مصباح الشريعة» و«بحار الانوار». [16] ـ الآية 80، من السورة 17: الاءسراء. [17] ـ الآية 110، من السورة 4: النساء. [18] ـ الآية 4، من السورة 60: الممتحنة. [19] ـ الآية 17، من السورة 51: الذاريات. الرواية الواردة في كتمان السرّ[20] ـ نقل المجلسيّ في«بحار الانوار» ج 17، ص 46، عن «غوإلی اللئإلی» ضمن حِكم رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قوله: اسْتَعِينُوا عَلَی الحَوَائِجِ بِالكِتْمَانِ لَهَا. وجاء في «تحف العقول» ص 48 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 17، ص 44، نقلاً عن «تحف العقول»، قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: اسْتَعِينُوا عَلَی أُمُورِكُمْ بِالكِتْمَانِ، فَإنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ. [21] ـ قال المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 9، ص 472: وَجَدْتُ فِي مَزَارٍ كَبِيرٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ السَّيِّدِ فَخَّار أَوْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ بِإسْنَادِهِ (ثمّ يذكر الاءسناد) عَنْ مَيْثَمِ التَّمَّارِ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ قَالَ: أَصْحَرَ بِي مَوْلاَيَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (ثمّ يذكر مناجاة الإمام ودعاءه وبثّه أسراره في البئر، حتّي يصل إلی قوله:) يَا مَيْثَمُ! * وَفِي الصَّدْرِ لُبَانَاتٌ إذَا ضَاقَ بِهَا صَدْرِي * والمراد بحفر الارض بالكفّ وإخفاء السرّ فيها وإنبات الارض ذلك السرّ إمّا استعارة وكناية طبق محاورات عامّة الناس عن عدم وجود مَن يبثّه المرء سرّه، فيضطرّ إلی إخفاء سرّه في التراب، أو أنّ الإمام أراد بنفسه القدسيّة كتمان تلك الاسرار في أعماق الارض وفي روح الارض وملكوتها، لتنبت الارض فيما بعد تلك الاسرار نباتاً، مثل أولياء الله يصبح صاحب سرّ الاءمام. * ـ في «الكافي»: الخَبَاءِ. [22] ـ روي حديث «أَمْرُنَا مَسْتُورٌ مُقَنَّعٌ بِالمِيثَاقِ» في «بحار الانوار» ج 15 (الجزء الرابع، كتاب العشرة)، ص 140، عن «الكافي» ؛ وفي «وسـائل الشـيعة» ج 2، ص 507، بإسـناده عن خالـد بن نجـيح، عن الصادق عليه السلام. [23] ـ نقل حديث الثمإلی «وَدِدْتُ وَاللَهِ» في «أُصول الكافي» ج 2، ص 221 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15 (كتاب العشرة)، ص 137، عن «الكافي» ؛ وفي «الخصال» ص 136. [24] ـ وردت هذه الرواية في «أُصول الكافي» ج 2، ص 222 ؛ وفي «المحاسن» للبرقيّ، ج 1، ص 257 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15 (كتاب العشرة)، ص 137، عن «الكافي» ؛ وفي «وسائل الشيعة» ج 2، ص 508، بإسناده عن «المحاسن» للبرقيّ. [25] ـ وهو جابر بن يزيد الجُعفيّ، وهو ثقة من أصحاب الصادقَين عليهما السلام. وقد رواها عنه الشيخ الكشّيّ باختلاف يسير، قال: جبرئيل بن أحمد، حدّثني محمّد بن عيسي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ لَمْ أُحَدِّثُ بِهَا أَحَداً قَطُّ، وَلاَ أُحَدِّثُ بِهَا أَحَداً أَبَداً. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ لاِبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إنَّكَ حَمَّلْتَنِي وَقْراً عَظِيماً بِمَا حَدَّثْتَنِي بِهِ مِنْ سِرِّكُمُ الَّذِي لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً، فَرُبَّمَا جَاشَ فِي صَدْرِي حَتَّي يَأْخُذَنِي مِنْهُ شِبْهُ الجُنُونِ! قَالَ: يَا جَابِرُ! فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَاخْرُجْ إلی الجَبَّانِ فَاحْفِرْ حَفِيرَةً وَدَلِّ رَأْسَكَ فِيهَا، ثُمَّ قُلْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ علی بِكَذَا وَكَذَا. وقد ورد هذا الحديـث في «اختـيار معـرفة الرجال» (المعـروف بـ «رجال الكشّيّ») الذي طبعته دانشكدة إلهيّات مشهد (= كلّيّة الاءلهيّات في مشهد) بمناسبة الذكري الالفيّة لولادة الشيخ الطوسيّ أعلی الله مقامه، ص 194. وفي طبعة بمبي، ص 128 ؛ كما ورد في «معجم رجال الحديث» ج 4، ص 22. ضرورة مرافقة السالك لاُستاذ خاصّ وأُستاذ عامّ[26] ـ إنّ أولياء الله والافراد الذين ارتقوا إلی مقام الكمال الإنسانيّ قد يتعدّدون في كلّ زمان، بحيث يكون كلّ منهم لائقاً لهداية السالكين وإرشادهم ؛ أمّا الإمام (وهو خليفة رسول الله) صاحب الولاية الكبري وحافظ الشريعة والطريقة، والمُهيمن علی جميع العوالم، والمحيط بالجزئيّات والكلّيّات، فهو في كلّ عصر واحد فحسب. وجميع الاولياء تحت لوائه وضمن شريعته وطريقته. ومن الضروريّ للسالك أن يكون ملتفتاً إليه علی الدوام، وهو معني المرافقة الذي ذكره المصنّف. ومن المسلّم أنّ المرافقة البدنيّة غير مُشترطة، بل المشترط هي المرافقة الروحيّة. وهي مبتنية علی سيطرة روح الوليّ علی السالك، مضافاً إلی توجّه السالك والتفاته التامّ إلی الوليّ، وصولاً إلی صدق المرافقة. ويحصل عمدة سير السالك من خلال مرافقته للاءمام الذي عبّر عنه المصنّف رحمه الله بالاُستاذ الخاصّ، وينحصر في زمن الغَيبة الكبري بوجود صاحب العصر والزمان، حجّة الله البالغة محمّد بن الحسن العسكريّ عجّل الله فرَجه. أمّا سائر الاولياء الذين يُعينون السالك، فإنّما بالتبعيّة للاُستاذ الخاصّ أوّلاً، وإنّ ضرورة الاستعانة بهم إنّما تتحقّق عند عدم التمكّن من الاُستاذ الخاصّ ثانياً. أمّا في زمن التمكّن من الاُستاذ الخاصّ، فلا يلزم الاستعانة بهم، ولو كانت ممكنة وخالية من الاءشكال. علی أنّ مرافقة السالك للاُستاذ العامّ لازمة أيضاً، لانّ النفحات الرحمانيّة من جانب ربّ العزّة تصل إلی السالك عن طريق الحجاب الاقرب (وهو الاُستاذ الخاصّ) بواسطة قلب الاُستاذ العامّ. ومن هنا فإنّ علی السالك أن لا يغفل عن الاءفاضات القلبيّة للاُستاذ العامّ كي لا يُحرم من إفاضاته المعنويّة. أمّا الاولياء الذين بلغوا مقاماً خاصّاً بدون توسّط الإمام والاُستاذ الخاصّ، فإنّهم ـ لمّا لم يتابعوا الإمام في طريق الشريعة سيعُدّون من المستضعفين في حال افتراض قصورهم وعدم إنكارهم أو جُحودهم، وستشملهم آية: وَأَمْرُهُمْ إلی اللَهِ. فإن شملتهم العناية الاءلهيّة في هذه الحال، فطلع عليهم باطن مقام الولاية الحقّة للاءمام، صاروا ـ بلا شكّ مُستبصرين، وانضمّوا في التشريع تحت لواء الإمام أيضاً، علی الرغم من قد يُجبرون علی التقيّة والتورية لفقدان المحيط المساعد. وإن هم لم يقفوا علی باطن ولاية الاءمام، توقّفوا في أماكنهم، وانسدّ أمامهم سبيل الوصول إلی المعرفة الاءلهيّة، ولو تظاهروا بالوصول والمعرفة. وإن هم سلكوا سبيل الجحود والاءنكار، امتنع عليهم طيّ الطريق، وتعذّر الوصول إلی مقام الكمال، لانّ الطريق قائم علی أساس الخلوص المتنافي مع الجحود والاءنكار. أنواع المكاشفات[27] ـ المكاشفات علی أنواع: الاوّل: المكاشفات المادّيّة والطبيعيّة، وهي الاطّلاع علی المخفيّات، وتحصل للاءنسان في عالم الطبع. كالعلوم الطبيعيّة والرياضيّة والهيئة وأمثالها. الثاني: المكاشفات التي تحصل للسالك بعد العبور من عالم الطبع والورود في عالم المثال، وتدعي بالمشاهدات القلبيّة، لا نّها تجسّم بعض المعاني في صور مثاليّة، ومثلها في عالم اليقظة مثل الرؤيا والاحلام التي يشاهدها الإنسان في منامه. الثالث: المكاشفات التي تحصل للسالك بعد العبور من عالم المثال والورود في عالم الروح والعقل، وتدعي بالمشاهدات الروحيّة، لا نّها تحصل بواسطة قدرة الروح وسيطرتها في العالم، مثل الاءحاطة بالخواطر والافكار، وطيّ الارض، وطيّ الهواء، والعبور من النار، والاطّلاع علی المستقبل، والتصرّف في النفوس بالمرض أو الصحّة، والتصرّف في أفكار العامّة. الرابع: المكاشفات التي تحصل للسالك في عالم الخلوص واللاهوت بعد العبور من الروح والجبروت، وتدعي بالمكاشفات السرّيّة، لا نّها كشف أسرار عالم الوجود والاطّلاع علی المعاني الكلّيّة وكشف الصفات والاسماء الكلّيّة الاءلهيّة. الخامس: المكاشفات التي تحصل للسالك بعد الكمال والعبور من مراتب الخلوص والوصول إلی مقام التوحيد المطلق والبقاء بالله، وتدعي بالمكاشفات الذاتيّة، لا نّها إدراك حقيقة الوجود وآثاره وترتيب نزول الحكم إلی عالم الاءمكان، ومصدر القضاء والقدر والمشيئة الاءلهيّة ومصدر التشريع والوحي، والاءحاطة بجميع العوالم النازلة، وكيفيّة تحقّق الحادث وربطه بالعوالم الربوبيّة، واتّحاد الوحدة والكثرة وأمثال ذلك. ويتبيّن ـ بناء علی ما قيل أنّ المكاشفات الروحيّة تحصل قبل الورود في العالم الاءلهيّ، وأ نّها مشتركة بين المؤمن والكافر، وأ نّها لا تدلّ بأيّ وجه علی وجود الكمال أو انتفائه. أنواع التجلّيات[28] ـ التجلّيات علی أربعة أنواع: الاوّل: التجلّيات الفعليّة، وهي أنّ السالك إذا ما فعل شيئاً لم يره مِن فعل نفسه، بل يراه ـ علی الاءجمال من فِعل موجود آخر. أو أ نّه يري الافعال التي يفعلها الناس علی أ نّها ليست من فِعلهم، بل هي قائمةً بغيـرهم. كأن يُدرك أنّ جمـيع حركات الناس وسكناتـهم وذهابـهم وإيابهم وكلامهم قائمٌ بذات واحدة لا غير. الثاني: التجلّيات الصفاتيّة، وهي أن السالك لا يري صفته راجعة إليه، بل يُدرك ـ إجمالاً أ نّها من ذات أُخري. كأن يسمع كلاماً، فلا يري أنّ نفسه هي السامع، بل يري أنّ السامع موجود آخر. أو يري شيئاً، فلا يري أنّ نفسه هي التي رأت، بل يري الرائي موجوداً آخر. وهكذا الامر بالنسبة إلی الصفات الاُخري، وإلی صفات سائر الناس، فإنّه يري ذلك مستنداً بأسره إلی علم وقدرة وسمع وبصر وحياة موجودٍ آخر. الثالث: التجلّيات الذاتيّة، وهي أن يُدرك السالك الصفة مع قيّومها معاً في هيئة الاسم ؛ كأن يسمع شيئاً فيري السميع ذاتاً أُخري، ويري الحيّ والعليم والبصير والقدير ذاتاً أُخري، وهكذا في بقيّة أفراد الناس، حيث إنّه لا يري أسماءهم لهم، بل يراها بأجمعها من أسماء الله تعإلی. الرابع: تجلّي الذات، وهي أن يري السالك أصل حقيقة وجوده أو وجود موجود آخر، أو وجود سائر الموجودات من ذات الحقّ القدسيّة. ويصطلح البعض علی هذا التجلّي بالتجلّيات الذاتيّة أيضاً. وعلی أيّة حال، فقد قصد المصنّف رحمه الله أنّ التجلّيات الصفاتيّة الاءلهيّة ليست دليلاً علی بلوغ صاحبها المقصد، بل يلزم في ذلك امتلاك التجلّيات الذاتيّة بنوعها الربّانيّ لا الروحانيّ. واعلم أ نّي لم أعثر علی تقسيم التجلّيات الذاتيّة إلی ربّانيّة وروحانيّة في أيّ من كتب القوم، وهوـ ظاهراًـ من التعبيرات الخاصّة بالمصنّف، ومراده بها غير واضح. ويُحتمل أن يكون المراد بالتجلّيات الربّانيّة التجلّيات الاسمائيّة في عالم الذات والربوبيّة. مثل تجلّي اسم الحيّ والعلـيم والقديـر والسـميع والبصـير. والمراد بالتجـلّيات الذاتـيّة الروحانيّة التجلّيات الاسمائيّة في عالم الفعل، كالخالق والرازق وأمثال ذلك. كما يحتمل أنّ المراد بالتجلّيات الذاتيّة الربّانيّة تجلّي الاسم، وحقيقته فناء السالك في ذلك الاسم المتجلّي عليه، فيكون السالك في هذه الحال مَجلي الاسم الربوبيّ، ويكون فانياً في ذلك الاسم. والمراد بالتجلّيات الذاتيّة الروحانيّة صرف انكشاف ذلك الاسم في عالم الروح، دون أن يتحقّق للسالك فناء في ذلك الاسم، علی الرغم من أنّ هذا لا يُصـطلح عليه بالتجـلّي، بل بالكشـف والانكشـاف، واللهُ العالِم. |
|
|