|
|
الصفحة السابقةالفصل الثانيبيان تفصيليّ لطريقة السلوك إلی الله تحصيل العلم بأحكام الإيمان هو بداية تكليف السالكوأمّا البيان الثاني فاعلم أنّ علماء الطريقة ذكروا منازل وعقبات للسالك، وبيّنوا طريق السير فيها. وأ نّهم اختلفوا في عدد المنازل وترتيبها، حتّي تفاوتت ما بين سبعة منازل ـ علی أقلّ الاقوال وسبعمائة ـ وهو قول الاكثريّة وصرّح بعضهم بأ نّها تبلغ سبعين ألفاً. [الشرح] لوازم السلوك إلی اللهوأكثر هذه المنازل واقعة في عالَم النفس، ومن جملة مراحل ومنازل الجهاد الاكبر. ويختلف ترتيبها باختلاف الاشخاص. وطيّ جميع مراحل النفس من الضروريّات، لانّ إيمان النفس سينقص بقدر النقصان الحاصل في تلك المراحل. فلا يليق ـ والحال هذه أن نذكر بعضها، بل يكفي ـ في هذا المجال أمر السالك بالجهاد الاكبر عند ذكر هذه العقبات والمنازل. وحقيقة السلوك ومفتاحه هو تسخير البدن والنفس تحت راية الإيمان الذي يبيّن أحكامه فقه الجوارح وفقه النفس. ثمّ يأتي دور إفناء النفس والروح تحت راية الكبرياء الإلهيّ ؛ وجميع العقبات والمنازل مندرجة في هذه المراحل. بَيدَ أنّ سلوك هذه المراحل، وطيّ هذا الطريق، والسفر في هذه العوالم موقوف علی أُمور يتعذّر من دونها بلوغ المنزل المقصود، بل يتعذّر مجرّد السير في هذا الطريق. ولذلك فإنّ الوصـول إلی المقصـد وحصـول المطـلب منـوط بهذه الاُمـور المذكورة، وبلوغ المنزل مشروط بملازمتها. وليس من مجال ـ في هذا المقام لذكر عدد منازل الطريق، ولا لعقبات النفس وأخطار هذا السفر ؛ فإن اقتضي الامر التعرّض لذكرها، فإنّ ذِكر أحوال الجوارح والاعضاء ـ وهو فقه البدن سيكون ضروريّاً بدوره، لا نّها أيضاً من منازل السفر. فالمهمّ إذاً أن نذكر الاُمور التي يمكن بواسطتها طيّ هذا الطريق الخطر، والبلوغ بالطالب إلی مقصده. وتفصيل هذه الاُمور: أنّ الطالب إذا وصل بعد الفحص والنظر إلی الإسلام والإيمان الاصغرَين، فإنّ أوّل ما يلزمه هو تحصيل العِلم بأحكام الإيمان بالطريق الذي مرّ ذِكره. ويدلّ عليه قول: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ علی كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ. [الشرح] فمَن لم يكن له هذا العِلم، لم يزده جهادُه إلاّ هزيمة وخُسراً. كما قال أبو عبد الله عليه السلام: العَامِلُ عَلَی غَيْرِ بَصِيرَةٍ، كَالسَّائِرِ عَلَی غَيْرِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَزْدَدْهُ السَّيْرُ إلاَّ بُعْداً. [الشرح] وكلّما كان هذا العِلم أوضح، كان أثره أكبر وأسرع. فيكون أخذ تلك الاحكام عن النبيّ أو الوصيّ ـ عند الإمكان أشرف. كما أنّ استخراجها من كلامهما أفضل من التقليد. ويندرج في هذا العِلم العلم المجمل بالضروريّات، الذي هو من علوم أهل السلوك. أمّا ما خرج منه فيُعلِم في عِلم النفس. ويلزمه تحصيل مأخذ العِلم. ولا يلزم ـ في بداية الامر فاعليّة جميعها، بل يجب أن تُظهر تدريجيّاً عند الضرورة. وهذه هي مقدّمات السلوك، والطالب ـ حتّي الا´ن ليس في مقام السير والحركة. فإن أتمّ الطالب هذه المرحلة، فعليه أن يبدأ سفره مستعيناً بالعناية الربّانيّة. [الشرح] ويناط القيام بهذا السفر بأُمور كثيرة، وأهمّها عدّة أُمور: ترك العادات والمجاملاتالاوّل: ترك العادات. وترك الا´داب والاُمور المتعارفة التي تعرقل السفر، وتصبح عائقاً في الطريق إلی الله تعإلی. بِالقَادِسِـيَّـةِ فِتْـيَةٌ لاَ يَحْـسَـبُـونَ العَـارَ عَاراً لاَ مُسْلِمُونَ وَلاَ يَهُودَ وَلاَ مَجُوسَ وَلاَ نَصَارَي حيث تصرّح بذلك الآية الكريمة وَلاَ يَخَافُونَ ] فِي اللَهِ [ لَوْمَةَ لاَ´نءِمٍ ] الآية 54، من السورة 5: المائدة [. فعلی الطالب أن يكفّ عن تقليد العادات وينظر إلی ما فيه صلاح نفسه، وأن يعدّ اجتناب ملامة أهل عالَم القُدس أولي من اجتناب ملامة أبناء الدهر. ويمثّل هذا التوبة التي هي بداية مرحلة الجهاد الاكبر. أمّا التوبة عن المعاصي والذنوب، فهي من فرائض فقه إيمان الجوارح، وهي ممّا يلزم السالك والمجاهد وغير المجاهد. العزمالثاني: العزم. وينبغي أن يكون راسخاً في عزمه، بحيث لا يحتمل رجوعه من مقارعة السيف والسِّنان ومقاتلة الابطال والشجعان، وتحمّل الشدائد، واحتمال المخاوف. الرفق والمداراةالثالث: الرفق والمداراة. لانّ النفس تنكسر إذا حُمِّلت فوق طاقتها وتنزجر عن السفر، كما ورد في رواية عبد العزيز المتقدّمة، وجاء في رواية عبد الملك ابن غالب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العِلْمُ خَلِيلُ المُؤْمِنِ، وَالحِلْمُ وَزِيرُهُ، وَالرِّفْقُ أَخُوهُ. [الشرح] وقال أبو جعفر عليه السلام: إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ. [6] وجاء في حديث حَفص بن البَختري: لاَ تُكَرِّهُوا إلی أَنْفُسِكُمُ العِبَادَةَ. [7] الوفاءالرابع: الوفاء. الثبات والمداومةالخامس: الثبات والمداومة. إذ إنّ العمل القليل المستمرّ ـ في كلّ مقام حاصل أفضل من العمل الكثير غير المستمرّ ؛ حيث جاء في حديث أبي جعفر عليه السلام في رواية زرارة: أَحَبُّ الاًعْمَالِ إلی اللَهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ العَبْدُ وَإنْ قَلَّ. [8] والمراد من الثبات هو أن يثبت علی كلّ ما عقد عليه العزم ووفي به، ففي نكوصه عنه خوف الخطر، لانّ حقيقة العمل تتصدّي للمخاصمة بعد ترك ذلك العمل. فإذا لم يجزم علی الوفاء والثبات علی عملٍ ما، فعليه أن لا يعزم علی القيام به. ومن هنا فقد أُمِر بالرفق، من أجل أن يطوّع بدنه ونفسه تدريجيّاً، ليمكنها الثبات علی الامر إذا كان فوق ما تزاوله فعلاً. وما دام السالك لم يجزم بعدُ علی الثبات في مرحلةٍ ما، فلا يعزم علی السير فيها، وليتوقّف في المرحلة التي تسبقها. وهذا التوقّف لتحصيل المقام في الحال الاوّل ممّا يعتبره أصحاب السلوك بمثابة قصد الإقامة في ذلك المنزل، كما أنّ الثبات المذكور يُعدّ من درجات الصبر. المراقبةالسادس: المراقبة. وهو عبارة عن تحصيل الالتفات والتوجّه في جميع الاحوال، لكي لا يتخلّف عمّا عزم عليه وعاهد علی القيام به. وهناك مراقبتان أُخريان سيُشار إليهما. ارجاعات الاختلاف في بيان الحُجب الواقعة في طريق السلوك[1] ـ اعلم أ نّه إنّما عبّر عن اختلافهم في الحُجُب الواقعة في طريق السالك، فقد عدّ البعض الحُجب حجاباً واحداً، وهو عبارة عن النفس، واعتبروا أنّ رفعه يحصل إمّا بواسطة العرفان، إذ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ، أو بواسطة بتزكية النفس وتطهيرها كما في قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّب'هَا، أو عبورها، حسب مقولة: أَمَاتَ نَفْسَهُ وَأَحْيَي قَلْبَهُ. ومنهم من قال بأنّ الحجاب هو الدنيا، والمقصود بالدنيا: «ما سوي الله»، حيث قيل: أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ. وعدّه بعضهم الاءنّيّة والوجود، حيث قيل: بَيْنِي وَبَيْنَكَ إنِّيٌّ يُنَازِعُنِي فَارْفَعْ بِلُطْفِكَ إنِّيِّ مِنَ البَيْنِ وعدّ بعضـهم الحُجـب حجابَـين: الظاهـر والباطـن، أو الدنـيا والا´خرة، حيث قيل: از تو تا مقصود چندان منزلي در پيش نيست يكقدم بر هر دو عالم نِه كه گامي بيش نيست يقول: «ليس بينك وبين مقصودك إلاّ منازل معدودة، فاخطو علی العالَمَين فليس أمامك إلاّ خطوة». أو الشريعة والطريقة، فإن هو أفاد منهما سويّاً بلغ إلی الحقيقة ؛ أو هما عالما الشهود والغيب، أو عالما الخلق والامر. واعتبرها بعضهم ثلاثة حُجب: الطبع، المثال، والعقل ؛ وقال: بأنّ عبور هذه المنازل هي الوقوف علی المطلوب. واعتبرها بعضهم أربعة حُجب، حيث نُقل عن بايزيد البسطاميّ أ نّه قال: تركتُ الدنيا في اليوم الاوّل، وتركتُ الا´خرة في الثاني، وتخطّيتُ ما سوي الله في الثالث، وفي اليوم الرابع سُئلتُ: مَا تُرِيدُ؟ فقلت: أُرِيدُ أَنْ لا أُرِيدَ. وهو إشارة إلی ما قاله البعض في تعيين المنازل الاربعة: الاوّل: تَرْكُ الدنيا ؛ الثاني: ترك العُقبي ؛ الثالث: ترك المولي ؛ والرابع: تركُ التَّرْك. واعتبرها بعضهم خمسة حُجب، ودعوها عوالم الحضرات الخمس، حيث ورد في الدعاء المنسوب إلی أمير المؤمنين عليه السلام: اللَهُمَّ نَوِّرْ ظَاهِرِي بِطَاعَتِكَ، وَبَاطِنِي بِمَحَبَّتِكَ، وَقَلْبِي بِمُشَاهَدَتِكَ، وَرُوحِي بِمَعْرِفَتِكَ، وَسِرِّي بِاسْتِقْلاَلِ اتِّصَالِ حَضْرَتِكَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالاءكْرَامِ. و يقول المرحوم الحاجّ المولي جعفر كبوتر آهنكي في شرحه: وَكُلِّيَّاتُ هَذِهِ المَرَاتِبِ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسٍ: اثْنَانِ مِنْهَا مَنْسُوبَتَانِ إلی الحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَثَلاَثٌ مَنْسُـوبَةٌ إلی الكَوْنِ، وَتُسَـمَّي بِالحَضَـرَاتِ الخَمْسِ الكُلِّيَّةِ. الاُولَي: حَضْرَةُ الغَيْبِ المُطْلَقِ، وَيُسَمُّونَهَا أَيْضاً «غَيْبَ الغُيُوبِ» وَ«عَيْنَ الجَمْعِ» وَ«حَقِيقَةِ الحَقَائِقِ» وَمَقَامَ «أَوْ أَدْنَي» وَ«غَايَةَ الغَايَاتِ» وَ«نِهَايَةَ النِّهَايَاتِ». الثَّانِيَةُ: حَضْرَةُ الاَسْمَاءِ، وَيُسَمُّونَهَا «حَضْرَةَ الصِّفَاتِ وَالجَبَرُوتِ» وَ«بَرْزَخَ البَرَازِخِ» وَ«بَرْزَخِيَّةً أُولَي» وَ«مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ» وَ«قَابَ قَوْسَيْنِ» وَ«مُحِيطَ الاَعْيَانِ». وَفِيهَا يَظْهَرُ الحَقُّ بِالاُلُوهِيَّةِ، وَتَكُونُ لِلاَعْيَانِ فِيهَا ثُبُوتٌ عِلْمِيٌّ، فَهِيَ ظَاهِرَةٌ لِلعَالِمِ بِهَا، لاَ لاِنْفُسِهَا وَمِثَالِهَا، فَيَعُمُّهَا اسْمُ الغَيْبِ. الثَّالِثَةُ: حَضْرَةُ الاَفْعَالِ، وَيُسَمُّونَهَا «عَالَمَ الاَرْوَاحِ» وَ«عَالَمَ الاَمْرِ» وَ«عَالَمَ الرُّبُوبِيَّةِ» وَ«غَيْبَ مُضَافٍ» وَ«غَيْبَ بَاطِنٍ»، وَفِيهَا يَظْهَرُ الحَقُّ بِالرُّبُوبِيَّةِ. الرَّابِعَةُ: حَضْرَةُ المِثَالِ وَالخَيَالِ، وَفِيهَا يَظْهَرُ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ دَالَّةٍ عَلَی حَقَائِقٍ وَمَعَانٍ. الخَامِسَةُ: حَضْرَةُ الحِسِّ وَالمُلْكِ، وَفِيهَا يَظْهَرُ بِصُوَرٍ مُتَعَيِّنَةٍ كَوْنِيَّةٍ، وَهُوَ «العَالَمُ المَحْسُوسُ»، وَفِي الثَّلاَثَةِ الا´خِرَةِ يَكُونُ لِلاَعْيَانِ ظُهُورٌ لاِنْفُسِهَا وَلاِمْثَالِهَا عِلْماً وَوُجْدَاناً. الحُجب الخمسة في صلوات ابن عربي علی الرسول الاكرموقال محيي الدين ابن عربي في صلواته علی خاتم الانبياء محمّد بن عبد الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: اللَهُمَّ أَفِضْ صِلَةَ صَلَوَاتِكَ وَسَلاَمَةَ تَسْلِيمَاتِكَ عَلَی أَوَّلِ التَّعَيُّنَاتِ المُفَاضَةِ مِنَ العَمَاءِ الرَّبَّانِيِّ، وَآخِرِ التَّنَزُّلاَتِ المُضَافَةِ إلی النَّوْعِ الإنسانيِّ المُهَاجِرِ مِنْ مَكَّةَ ؛ كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ ثَانٍ، إلی مَدِينَةَ، وَهُوَ الا´نَ عَلَی مَا هُوَ عَلَيْهِ كَانَ، مُحْصِي عَوَالِمَ الحَضَرَاتِ الخَمْسِ فِي وُجُودِهِ «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَب'هُ فِي´ إِمَام مُّبِينٍ». وعبّر البعض عن هذه العوالم بعوالم الطبع والمثال والروح والسرّ والذات، وستجري الاءشارة إلی ذلك فيأنواع وأقسام المكاشفات. واعتبرها بعضهم سبعة حُجب ؛ واعتبر أنّ المراد بـ «الارضون السبع» الحُجب المادّيّة والظلمانيّة، وأنّ «السماوات السبع» الحُجب النورانيّة والملكوتيّة، وهي: عالم الحسّ، المثال، العقل، السرّ، السرّ المستسرّ، السرّ المقنّع بالسرّ، والذات. وقد ورد في الروايات أيضاً تعبير الحُجب السبع. واعتبرها بعضهم عشرة عوالم، حيث ورد أنّ للاءيمان عشرة أجزاء، وأنّ سلمان الفارسيّ كان له الاجزاء العشرة. هذا، وقد قسّم المرحوم نصير الدين الطوسيّ عليه الرحمة في كتابه «أوصاف الاشراف» المنازل إلی ستّ مراحل، ثمّ قسّم كلّ مرحلة من المراحل الخمس الاُولي إلی ستّ مراحل، فبلغ مجموع العوالم ـ مع العالم الاخير الذي عدّ له مرحلة واحدة واحداً وثلاثين عالماً. ذكر الروايات الواردة في حُجب طريق السلوكوبلغ بعضهم بالحجب إلی سبعين حجاباً، حيث روي في «بحار الانوار» ج 6، ص 393، عن «كشف اليقين» بإسناده عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم رواية عن معراجه صلّي الله عليه وآله وسلّم جاء فيها قوله: فَتَقَدَّمْتُ فَكَشَفَ لِي عَنْ سَبْعِينَ حِجَاباً. وأوصلها بعضهم إلی مائة حجاب، حيث ذكر الخواجة عبد الله الانصاريّ في «منازل السائرين» أنّ المنازل عشرة، ثمّ قسّم كلاّ منها إلی عشـرة أجزاء، فبلغت مائة منزل. وبطـبيعة الحال، فإنّ هذه المنازل المائة تقابل مائة اسم من أسماء الله تعإلی، أحدها هو الاسم المخزون المكنون، أمّا التسعة والتسعون اسماً الاُخري فمعلومة. ولذا فقد جاء في كثير من روايات الخاصّة والعامّة أنّ للّه تعإلی تسعة وتسعين اسماً. فقد جاء في «التوحيد» و«الخصال» مُسنداً عن سليمان بن مهران، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن علی عليه السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلمّ: إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مِائَةً إلاَّ وَاحِداً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ... قال الصدوق في «الخصال» بعد عدّ هذه الاسماء واحداً بعد واحد: وَقَدْ رَوَيْتُ هَذَا الخَبَرَ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَلفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ. وروي في «التوحيد» مسنداً عن الهرويّ، عن الرضا، عن آبائه، عن علی عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً، مَنْ دَعَا اللَهَ بِهَا اسْتَجَابَ لَهُ، وَمَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. كما روي في «التوحيد» مسنداً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَإلی تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً إلاَّ وَاحِداً ـ إنَّهُ وَتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. وورد في بعض الروايات أنّ للّه تعإلی ثلاثمائة وستّين اسماً، حيث ورد في «أُصول الكافي» ج 1، ص 112، مسنداً عن إبراهيم بن عمر، عن الصادق عليه السلام قال: إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَإلی خَلَقَ اسْماً بِالحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوِّتٍ، وَبِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَـقٍ، وَبِالشَّـخْصِ غَيْرَ مُجَسَّـدٍ، وَبِالتَّشْـبِيهِ غَيْرَ مَوْصُـوفٍ، وَبِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ، مَنْفِيٌّ عَنْهُ الاَقْطَارُ، مُبَعَّدٌ عَنْهُ الحُدُودُ، مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ ؛ فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلَی أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعاً، لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الا´خَرِ ؛ فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلاَثَةَ أَسْمَاءٍ لِفَاقَةِ الخَلْقِ إلَيْهَا، وَحَجَبَ مِنْهَا وَاحِداً، وَهُوَ الاسْمُ المَكْنُونُ المَخْزُونُ. فَهَذِهِ الاَسْمَاءُ الثَّلاَثَةُ الَّتِي ظَهَرَتْ. فَالظَّاهِرُ هُوَ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَإلی. وَسَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الاَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ، فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْناً. ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلاَثِينَ اسْماً فِعْلاً مَنْسُوباً إلَيْهَا، فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ... إلی أن قال: فَهَذِهِ الاَسْمَاءُ وَمَا كَانَ مِنَ الاَسْمَاءِ الحُسْنَي حَتَّي تَتِمَّ ثَلاَثْمِائَةٍ وَسِتِّينَ اسْماً، فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهَذِهِ الاَسْمَاءِ الثَّلاَثَةِ... وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَإلی: «قُلِ ادْعُوا اللَهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـ'نَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي'». (الآية 110، من السورة 17: الاءسراء). وقال بعضهم بأنّ الحُجب ألف حِجاب، مقابل أسماء الله تعإلی الالف. وصرّح بعضهم بأنّها سبعون ألفاً ؛ حيث روي في «بحار الانوار» ج 6، ص 395، نقلاً عن «كشف اليقين»، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: وَوَصَلْتُ إلی حُجُبِ رَبِّي دَخَلْتُ سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ، بَيْنَ كُلِّ حِجَابٍ إلی حِجَابٍ مِنْ حُجُبِ العِزَّةِ وَالقُدْرَةِ وَالبَهَاءِ وَالكَرَامَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةَ وَالوَقَارِ وَالكَمَالِ، حَتَّي وَصَلْتُ إلی حِجَابِ الجَلاَلِ. ذكر روايات طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ[2]ـ اعلم أنّ رواية «طلبُ العِلم فَريضةٌ علی كُلِّ مُسلمٍ» من الروايات المشهورة والمستفيضة. أمّا الرواية التي وردت بعطف لفظة «مسلمة» علی لفظة «مسلم»، فلم ترد إلاّ في موارد معدودة فقط في روايات مرفوعة. أوّلها: في «مصباح الشريعة»، حيث وردت في موضعَين، أحدهما في الباب الثالث، قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ. وهو علم النفس. والثاني في الباب الثاني والستّين، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، أي: عِلم التقوي واليقين. الثاني: في مقدّمة كتاب «معالم الاُصول»، حيث يروي عن الكلينيّ، إلاّ أنّ من غير المعلوم أ نّه كان بخطّ صاحب «المعالم» أو من إضافات النسّاخ. ذلك أنّ رواية «الكافي» لا تتضمّن لفظ «مسلمة». الثالث: في «المحجّة البيضاء» ج 1، ص 4، عن الغزّإلی، مع أنّ «إحياء العلوم» ج 1، ص 3، خالٍ من هذا اللفظ. الرابع: رواية في «بحار الانوار» ج 1، ص 57، نقلاً عن «غوإلی اللئإلی» قال: قال النـبيّ صلّي الله علـيه وآله وسـلّم: طَلَـبُ العِلْـمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ. والخامس: في مقدّمة تفسير «مجمع البيان» ص 1، قال: وقد صحّ عن النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم في ما رواه لنا الثقات بالاسانيد الصحيحة مرفوعاً إلی إمام الهدي وكَهفِ الوري أبي الحسن علی بن موسي الرضا عليه السلام، عن آبائه سيّدٍ عن سيّد، وإمامٍ عن إمام، إلی أن اتّصل به عليه وآله السلام، أ نّه قال: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، فَاطْلُبُوا العِلْمَ مِنْ مَظَانِّهِ الحديث. وأمّا الطرق الاُخري لهذه الرواية، فخالية من لفظة «مسلمة» ؛ حيث روي في نفس المجلد من كتاب «البحار» ص 55، عن «أمإلی الشيخ»، بإسناده عن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ، فَاطْلُبُوا العِلْمَ مِنْ مَظَانِّهِ... الحديث. وظاهراً أنّ متن هذه الرواية هو متن الرواية التي نقلناها عن تفسير «مجمع البيان»، إلاّ أ نّها وردت هنا بعطف لفظة «مسلمة»، بينما خلت في الاُولي منها. وروي في ص 56، عن «أمإلی الشيخ» بسنده عن المجاشعيّ، عن الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: العَالِمُ بَيْنَ الجُهَّالِ كَالحَيِّ بَيْنَ الاَمْوَاتِ... إلی أن قال: وَإنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ. كما روي في نفس الصفحة عن «بصائر الدرجات»، عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ. أَلاَ إنَّ اللَهَ يُحِبُّ بُغَاةَ العِلْمِ. وروي في نفس الصفحة عن «بصائر الدرجات» أيضاً، عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ. وروي في ص 14، عن «روضة الواعظين»، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الشَّاخِصُ فِي طَلَبِ العِلْمِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَهِ. إنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ.... وروي في ص 51، عن «روضة الواعظين» عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، قال: اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، فَإنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ. وعلی أيّة حال، فإنّ هذه الروايات قد خلت من لفظة «مسلمة»، إلاّ أن من المسلّم أنّ المراد بها يشمل النساء المسلمات أيضاً، فقد ورد لفظ «مسلم» للجنس مقابل الكافر، وليس المراد به الرجل المسلم مقابل المرأة المسلمة. وبطبيعة الحال فإنّ مثل هذا النوع من التعبير الذي يُراد به الجنس لا يُقصَد به خصوص المذكّر، وقد ورد لذلك نظائر وأشباه في أحكام الشريعة أُريد بها الجنس، مثل قوله صلّي الله عليه وآله وسلّم: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. أو قوله: المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ التي يراد بها جميع أفراد جنس المسلمين والمهاجرين، دون أن يكون للمذكّر أو المؤنّث دخلاً في ذلك. الروايات الواردة في ذمّ العمل من غير علم[3] ـ ورد هذا الحديـث في «بحار الانـوار» ج 1، ص 64، نقلاً عن «الامإلی» للصدوق، عن طلحة بن زيد ؛ كما نقله عن «المحاسن». ونقله في ص 65 عن «المجالس» للمفيد بإسناده عن موسي بن بكر، عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام قال: العَامِلُ عَلَی غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَی السَّرَابِ بِقِيعَةٍ، لاَ يَزِيدُ سُرْعةُ سَيْرِهِ إلاَّ بُعْداً. ونقل في نفس الصفحة عن «نهج البلاغة» أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال بعد كلامٍ له: فَإنَّ العَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَی غَيْرِ طَرِيقٍ، فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ إلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ. وَالعَامِلُ بِالعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَی الطَّرِيقِ الوَاضِحِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ؟ ونقل في نفس الصفحة عن «المحاسن» للبرقيّ، عن ابن فضّال، عمّن رواه عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: مَنْ عَمِلَ عَلَی غَيْرِ عِلْمٍ، كَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ. التقسيم الرباعيّ للاسفار الإلهيّة واختصاص العشق والسكر بالسفر الاوّل[4] ـ اعلم أنّ أساطين المعرفة من العرفاء الشامخين قد قسّموا الاسفار الاءلهيّة إلی أربعة أسفار. فقد قال المولي صدرا الشيرازيّ قدّس سرّه في أوّل كتاب «الاسفار» ج 1، ص 13: وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسُّلاَّكِ مِنَ العُرَفَاءِ وَالاَوْلِيَاءِ أَسْفَاراً أَرْبَعَةً: أَحَدُهَا: السَّفَرُ مِنَ الخَلْقِ إلی الحَقِّ. وَثَانِيهَا: السَّفَرُ بِالحَقِّ فِي الحَقِّ. وَالسَّفَرُ الثَّالِثُ: يُقَابِلُ الاَوَّلَ لاِ نَّهُ مِنَ الحَقِّ إلی الخَلْقِ بِالحَقِّ. وَالرَّابِعُ: يُقَابِلُ الثَّانِي مِنْ وَجْهٍ، لاِ نَّهُ بِالحَقِّ فِي الخَلْقِ. ونظراً لانّ العِشق والسُّكر ينحصران في السفر الاوّل، وأنّ بقيّة الاسفار تخلو من الحماس والهيجان، بل في بعض مراحلها الطمأنينة والسكينة، فإنّ شعر الخواجة حافظ: نگويمت كه همه ساله مي پرستي كن سه ماه مي خور ونه ماه پارسا مي باش 1 يقول: «لم أقُل لك أن تعبد الخمرة طوال السنة، بل قلت: اقرع الكأس ثلاثة أشهر وكُن تقيّاً في التسعة الباقية». عائد إلی السفر الاوّل، وليس إلی الثلاثة الباقية. بيان المرحومَين السبزواريّ والقمشئيّ في خصوص الاسفار الاربعةوللمرحوم الحاجّ السبزواريّ قدّس سرّه كلام في هذه الاسفار الاربعة ذكره في حاشيته علی «الاسفار» ج 1، ص 18، نورد خلاصته هنا: قالَ الشيخُ المحقّق كمال الدين عبد الرزّاق الكاشيّ قدّس سرّه: السَّفر هو توجّه القلب إلی الحقّ تعإلی، والاسفار أربعة: الاوّل: هو السير إلی الله من منازل النفس إلی الوصول إلی الاُفق المبين، وهو نهاية مقام القلب ومبدأ التجلّيات الاسمائيّة. الثاني: هو السير في الله بالاتّصال بصفاته والتحقّق بأسمائه إلی الاُفق الاعلی ونهاية الحضرة الواحديّة. الثالث: هو الترقّي إلی عين الجمع والحضرة الاحديّة، وهو مقام قاب قوسَين ما بقيت الاثنينيّة، فإذا ارتفع فهو مقام «أو أدني»، وهو نهاية الولاية. الرابع: السير بالله عن الله للتكميل، وهو مقام البقاء بعد الفناء والفرق بعد الجمع. ثمّ يذكر المرحوم السبزواريّ قدّس سرّه توضيحات لمرتبة الاحديّة والواحديّة ومعني القلب والروح، ومعني العوالم السبعة لدي العرفاء، حيث فسّرها بمقام الطبع والنفس والقلب والروح والسرّ والخفيّ والاخفي. وقسّم في حاشية ص 21، من الجزء الاوّل من «الاسفار» مقام الفناء في الله إلی مراتب، وذكر تسلسلها: المحو والطَّمْس والمَحْق. ثمّ قال: المَحْوُ فناء أفعال العبد في فِعل الحقِّ تعإلی، والطَّمس فناء صفاته في صفته، والمَحْق فناء وجوده في وجوده. بَيدَ أنّ المرحوم أقا محمّد رضا القمشئيّ ذكر بياناً في كيفيّة مراتـب الفـناء بترتـيب آخر، فقد ذكـر في حاشيته علی «الاسفار»، ج 1، ص 13، فما بعد كلاماً هذا إجماله: السفر الاوّل (وهو من الخلق إلی الحقّ) برفع الحُجب الظلمانيّة والنورانيّة، حيث إنّ الحُجب الظلمانيّة متعلّقة بالنفس، أمّا الحجب النورانيّة فمتعلّقة بالقلب والروح. ويجب علی السالك أن يعبر الانوار القلبيّة والاضواء الروحيّة، وأن يتحرّك من مقام النفس إلی القلب، ومن القلب إلی الروح، ومن الروح إلی المقصد الاقصي. فالعوالم بين السالك والحقيقة هي ـ إذاً ثلاثة عوالم، وجميع الحجب التي ورد ذِكرها في الاخبار أو علی لسان الاعلام تتعلّق بأجمعها بهذه الحُجب الثلاثة. وحين تُزاح هذه الحُجب الثلاثة، وتُطوي هذه العوالم الثلاثة، يعني النفس والقلب والروح، فإنّ السالك سيصل إلی معرفة جمال الحقّ، ويفني في ذات الحقّ. ولذا يدعي هذا المقام بمقام الفناء في الذات. وهنا مقامات ثلاثة: السرّ، والخفيّ، والاخفي ؛ وتقع في السفر الثاني. ويُعبّـر عن مقام الروح أحياناً بالعقل. ونظـراً إلی تفصـيل شـهـود المعقولات، فإنّهم عدّوا مقام العقل غير مقام الروح. ولذا يصبح مجموع المقامات في السفرَين الاوّل والثاني سبعة مقامات: مقام النفس، مقام القلب، مقام العقل، مقام الروح، مقام السرّ، مقام الخفيّ، مقام الاخفي. وهذه المقامات السبعة هي مراتب الولاء وبلاد العشق التي ذكرها المولويّ في قوله: هفت شهر عشق را عطّار گشت ما هنوز اندر خم يك كوچه ايم يقول: «لقد طاف «العطّار» بلاد العشـق السـبعة، وما برحنا في منعطف الزقاق الاوّل». فإذا عبر السالك من مقام الروح وتجلّي أمامه جمال الحقّ وأفني نفسه في ذات الحقّ، تمّ سفره الاوّل وأضحي وجوده حقّانيّاً، وطرأ عليه المحو، وبلغ مقام الولاية. ثمّ إنّه يشرع في السفر الثاني من موقف الذات (وهو مقام السرّ)، فيسير الكمالات الواحد تلو الا´خر، حتّي يشاهد جميع كمالات الحقّ ويشاهد نفسه فانياً في جميع الاسماء والصفات، فبِه يَسمع وبِه يُبصر وبِه يَمشي وبه يَبطِش. والسرّ هو مقام الفـناء فـي الذات، والخفيّ ـ وهو أعلی منه مقام الفناء في الصفات والاسماء والافعال، و مقام الاخفي هو مقام الفناء عن فنائَي الذات والصفة، وهو نهاية السفر الثاني. وإن شئت قلت: السرّ فناء ذاته، وهو منتهي السفر الاوّل ومبدأ السفر الثاني. والخفاء هو الفناء في الاُلوهيّة. والاخفي هو الفناء عن الفناءين، فيتمّ دائـرة الولاية وينتهي السفر الثاني وينقطـع فناؤه ويأخذ في السفر الثالث. فالسفر الاوّل ـ إذاً هو العبور من عالم الناسوت والملكوت والجبروت، والسفر الثاني هو العبور من عالم اللاهوت. أمّا السفر الثالث (وهو السفر من الحقّ إلی الخلق) فأعلی من السفر الثاني، أي أنّ السُّكر والمحو سيزولان، فيسير السالك ـ مع وجود الفناء في الحقّ والفناء في صفات الحقّ والفناء عن الفناء في مقام أفعال السلوك، ويصبح ـ مع الصحو التامّ باقياً ببقاء الحقّ، ويشاهد جميع عوالم الجبروت والملكوت والناسوت بأعيانها ولوازمها، ويُخبر عن معارف الذات والصفات والافعال. بيان المرحوم الحكيم العلاّمة النوريّ في كيفيّة الاسفار الاربعةوقد ذكر المرحوم الحكيم العلاّمة الميرزا حسن النوريّ نجل الحكيم المتأ لّه المولي علی النوريّ في حاشيته علی «الاسفار» ج 1، ص 16 و 17، كلاماً يُلقي ـ مع بساطته أضواء علی كيفيّة الاسفار الاربعة، وهو كلام يمكن فهمه من قبل العامّة، وإجماله ما يلي: أنّ الإنسان ما لم يخطو في مسيرة السلوك العلميّ والنظريّ، فإنّه ـ علی الدوام سيشاهد الكثرة ويغفل عن مشاهدة الوحدة، فتكون الكثرة حاجباً عن الوحدة. فإن هو سار في السلوك العلميّ، وتحرّك من الا´ثار باحثاً عن المؤثِّر، ومن الموجودات مفتّشاً عن الصانع، فإنّ الكثرات ستضمحلّ شيئاً فشيئاً وتتبدّل بالوحدة الصرفة الحقّة الحقيقيّة، بحيث إنّه لن يشاهد الكثرة أبداً ولا ينظر أعيان الموجودات،ولا يري شيئاً غير الوحدة، فتكون الوحدة آنذاك حجاباً عن الكثرة، ويستغرق السالك في مشاهدتها عن مشاهدة الكثرة. ومنزلة هذا المنزل في السلوك الحإلی بمنزلة السفر الاوّل للسالك العارف، الذي ذكره المولي صدرا في كتابه. وهو السفر من الخلق إلی الحقّ ؛ أي: من الكثرة إلی الوحدة. وحين يصل إلی عالم الوحدة ويُحجب عن مشاهدة الكثرة، فإنّه يستدلّ بذات الحقّ بالسلوك العلميّ في أوصاف الحقّ وأسمائه وأفعاله مرتبةً بعد مرتبة ؛ وهذه المرتبة بمنزلة السفر الثاني في السلوك الحإلی، وهو السفر في الحقّ بالحقّ. أمّا في الحقّ، فلكَون هذا السفر في صفات الحقّ وأسمائه وخواصّه. وأمّا كونه بالحقّ، فلانّ السالك حينئذٍ متحقّق بحقيقة الحقّ، وخارجٌ عن إنّيّته وإنّيّة جميع الكثرات والاعيان، فانٍ في ذاته وصفاته وأسمائه. ويحصل كثيراً في هذا المقام أن ينشرح صدر السالك وتنحلّ عقدة لسانه، فيري الوحدة في الكثرة، والكثرةَ في الوحدة، دون أن يحجب أحدهما الا´خر، ويكون السـالك جامعاً لكلا النشـأتَين، وبرزخاً بين المقامَين، ويكون له آنذاك قابليّة تعليم الناقصين، ويصبح مرشداً لضعفاء العقول والنفوس. ومنزلة هذه المرتـبة من السـلوك الحإلی والعمـليّ بمنـزلة السـفر الثالث، وهو السفر من الحقّ إلی الخلق بالحقّ. وهناك مرحلة أُخري أرقي من هذه المرحلة وأدقّ وأكمل وأتقن منها، وهي الاستدلال بوجود الحقّ علی الحقّ ووجود غير الحقّ، بحيث تنتفي الواسطة في البرهان بين وجوده ووجود سواه. ويُدعي هذا البرهان ببرهان «اللِّمّ» وطريقة «الصدّيقين». وهذه المرتبة بمنزلة السفر الرابع، وهو السفر في الخلق بالحقّ. وكما هو ملاحظ، فإنّه قد قام بعملية تنظير بين الترقّيات العِلميّة والنظريّة في الحكمة الاءلهيّة وبين السير وتكامل المقامات العرفانيّة العمليّة، وشبّه مراتب السلوك العمليّ لاصحاب المعرفة بمراتب الاستدلالات البرهانيّة علی وجود الحقّ جلّ وعزّ. وأغلب حالات بكاء السالكين وتضرّعهم وانقلاب أحوالهم تحصل خلال السير الاوّل بسبب جذبهم بالجذبات الاءلهيّة التي تجذبهم إلی حريم القُدس الاءلهيّ. أمّا السفر الثاني فيتمحّض السالك في مشاهدة جمال الاحديّة في مظاهر عالم الاءمكان. ولعلّ ما أنشده الحاجّ المولي هادي السبزواريّ قدّس سرّه ـ كما في «لغت نامه دهخدا» (= معجم دهخدا) ج «س»، ص 237 عائد إلی هذا المقام: شورش عشق تو در هيچ سري نيست كه نيست منظر روي تو زيب نظري نيست كه نيست ز فغانم ز فراق رخ وزلفت به فغان سگ كويت همه شب تا سحري نيست كه نيست نه همين از غم او سينة ما صد چاك است داغ او لاله صفت بر جگري نيست كه نيست موسئي نيست كه دعويّ اَنَا الْحقّ شنود ور نه اين زمزمه اندر شجري نيست كه نيست چشم ما ديدة خفّاش بود ور نه ترا پرتو حسن به ديوار ودري نيست كه نيست * تطبيق بعض مضامين دعاء سيّد الشهداء عليه السلام يوم عرفة علی المقامات الحاصلة في سفرَي السلوك الثالث والرابعولعلّ الفقرات التي رواها السيّد الاجلّ علی بن طاووس في كتاب «الاءقبال» عن سيّد الشهداء عليه السلام، ذيل دعائه عليه السلام يوم عرفة في مناجاته للحضرة الاحديّة، عائداً لبعض مقامات السفرين الثالث والرابع، ومن جملته: إلَهِي! إنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ طَوَاءِ مَقَادِيرِكَ مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إلی عَطَاءٍ، وَاليَأْسِ مِنْكَ فِي بَلاَءٍ.... كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ؟ أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ، حَتَّي يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟ مَتَي غِبْتَ حَتَّي تَحْتَاجَ إلی دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ؟ وَمَتَي بَعُدْتَ حَتَّي تَكُونَ الا´ثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إلَيْكَ؟ عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ يَنَلْ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً. * ـ يقول: «ليس مِن رأسٍ إلاّ وفيه هيجان عشقك، وليس مِن نظر إلاّ ويزدان بمنظرك الجميل. لم تمرّ ليلة إلاّ وأ نّت كلابُ دربك إلی السَّحَر من آهاتي الحرّي لفراق طلعتك وطُرّة شعرك. ألا تري صدري قد تصدّع من غمّ الحبيب مئات المرّات، إذ ليس من كَبِدٍ إلاّ وأضحت من حرقته كشقائق النعمان. ليس هناك موسي ليسمع نداء «أنا الحقّ»، إذ ليس من شجرة إلاّ وتحتها زمزمة بهذا النداء. لو لم تكن أعيننا كأعين الخفّاش، لشاهدت حُسنه الذي لا يخلو منه شيء». الاحاديث الواردة في الرفق والمداراة[5] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 47، ولفظه: إنَّ العِلْمَ خَلِيلُ المُؤْمِنِ، وَالحِلْمُ وَزِيرُهُ، وَالعَقْلُ أَمِيرُ جُنُودِهِ، وَالرِّفْقُ أَخُوهُ، وَالبِرُّ وَالِدُهُ. وورد في «بحار الانوار» ج 17، ص 184، عن «تحف العقول»، أنّ الصادق عليه السـلام قال: إنَّ العِلْمَ خَلِيـلُ المُؤْمِـنِ، وَالحِلْـمُ وَزِيـرُهُ، وَالصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُـودِهِ، وَالرِّفْقُ أَخُوهُ، وَاللِّينُ وَالِدُهُ. («تحف العقول» ص 361). وجاء في «تحف العقول» ص 55، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم ؛ وفي «البحار» ج 17، ص 111، عن أمير المؤمنين عليه السلام بأدني اختلاف في اللفظ. [6] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 87 ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15 (كتاب الاخلاق)، ص 173، عن الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: يَا عَلِيُّ! إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إلی نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ «فَـ»إنَّ المُنْبَتَّ لاَ ظَهْراً أَبْقَي وَلاَ أَرْضاً قَطَعَ. فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرَماً، وَاحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَداً. ونُقل في «سفينة البحار» ج 2، ص 113، مادّة «عَبَدَ»، حديث شريف آخر عنه (أي عن أبي جعفر عليه السلام)، عنه صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: إنَّ هَذَا الدِّيـنَ مَتِينٌ فَأَوْغِـلُوا فِيهِ بِـرِفْقٍ، وَلاَ تُكَرِّهُوا عِبَادَةَ اللَهِ إلی عِبَادِ اللَهِ، فتَكُونُوا كَالرَّاكِبِ المُنْبَتِّ الَّذِي لاَ سَفَراً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَي. ثمّ قال (المحدّث القمّيّ): بيان: الاءيغال: السير الشديد. يريد صلّي الله عليه وآله وسلّم: سِرْ فيه بِرِفق. ويُحتمَل أن يكون الاءيغال هنا مُتعدّياً، أي أدخِلوا الناسَ برفقٍ. فإنّ الوُغولَ الدُّخول في الشيء. والمُنْبَتّ: الذي انقطع به في سفره وعَطَبَت راحلتُه، من البَتّ وهو القطع. انتهي موضع الحاجة. وأصل هذا الحديث مرويّ في «أُصول الكافي» ج 2، ص 86 ؛ وروي في «بحار الانوار» ج 15، (كتاب الاخلاق)، ص 172، نقلاً عن كتاب «الكافي». وروي السيّد الرضيّ رحمه الله في «المجازات النبويّة» ص 174 قال: إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إلی نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ، فَإنَّ المُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَي. [7] ـ روي هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 86، بسنده المتّصل عن حفص بن البَختري، عن الصادق عليه السلام ؛ وورد في «بحار الانوار» ج 15 (كتاب الاخلاق)، ص 173، نقلاً عن «الكافي». [8] ـ وردت هذه الرواية في «بحار الانوار» ج 15 (كتاب الاخلاق)، ص 174، نقلاً عن «الكافي»، بسنده عن عليّ، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة. («الكافي» ج 2، ص 82). ورواها في «فروع الكافي» ج 3، ص 274، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد، عن حريز. ووردت في «بحار الانوار» ج 15 (كتاب الاخلاق)، ص 173، عن «السرائر»، عن حريز، عن زرارة، بهذا الطريق، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ الوَقْتِ أَبَداً أَفْضَلُ. فَعَجِّلْ بَالخَيْرِ مَا اسْتَطَعْتَ. وَأَحَبُّ الاَعْمَالِ إلی اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ العَبْدُ وَإنْ قَلَّ. |
|
|