|
|
الصفحة السابقةالهجرة العظميالعاشر: الهجرة العظمي: وهي عبارة عن هجرة السالك من وجوده ورفضه له، وسفره إلی عالم الوجود المطلق، والتفاته التامّ لذلك العالم. وقد أُمِر بهذه الهجرة فقيل: دَعْ نَفْسَكَ وَتَعَالَ.[1] ويشير إليه قوله تعإلی: وَادْخُلِي جَنَّتِي بعد قوله: فَادْخُلِي فِي عِبَـ'دِي، لانّ يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ خطابٌ إلی النفس التي فرغت من الجهاد الاكبر و وردت عالَم الفتح و الظفر، و هو مقرّ الاطمئنان. ولمّا كان هذا القدْر من الوصول إلی المقصد غير كافٍ، فقد أُمِر بالرجوع إلی ربّه. وقد ذكرنا تفصيل كيفيّة الرجوع. [الشرح] فقد أُمِر ـ إذاً بالدخول ابتداءً في العِباد، وهو الإيمان الاعظم، ثمّ أُمر بالترقّي والدخول في جنّة الله بترك وجوده وبالدخول في عالم الخلوص والرجوع إلی ربّه. أمّا ما عُبّر عنه بتعبير مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ، فليس إلاّ هذه المرحلة: مرحلة الإيمان الاعظم. لانّ صدق الامر الذي هو فناؤه، ومحلّ السكون الصادق الذي هو الوجود المحض إنّما يحصلان في هذه المرحلة. وبالنظر إلی أنّ المجاهدة العظمي لم تتحقّق بعدُ، وأنّ آثار وجود السالك لا تزال باقية حتّي الا´ن، وأنّ اضمحلال تلك الا´ثار في نظر السالك موقوف علی المجاهدة، فإنّه لم يأمن تماماً من سطوات سياط القـهر، وهو ـ لذلـك يقـف في مضـمار هذيـن الاسمَين الجليلَين. [3] عالم الجهاد الاعظمالحادي عشر: عالم الجهاد الاعظم: وهو عبارة عن توسّله ـ بعد هجرته من وجوده بالمليك المقتدر، ليجاهد آثار وجوده الضعيفة، من أجل أن ينفيها بالمرّة ليخطو ـ وهو ممحيّ علی بساط التوحيد المطلق. عالم الخلوصالثاني عشر: عالم الخلوص: وقد سمعتَ شيئاً من تفصيله، وهو عالم الفتح والظفر بعد الجهاد الاعظم. وإليه أُشير في قوله تعإلی: أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ. أمّا وقد أمن الا´ن من سطوة القهر، وترعرع في حِجر تربية مربّي الازل، فسيدخل في مضمار هذا الاسم الذي أُشير إليه في يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي´ إلی' رَبِّكِ، وفي: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ ] الآية 156، من السورة 2: البقرة [. بِدَمِ المُحِبِّ يُبَاعُ وَصْلُهُمُ فَاسْمَحْ بِنَفْسِكَ إنْ أَرَدْتَ وِصَالاً وحينذاك تقوم قيامته العظمي الانفسيّة، ويكون قد تخطّي الاجسـام والارواح والتعيّـنات والاعيان بأسـرها، وفَنـي منها بأجمعها، وخطي في عالَم اللاهوت، وفاز بالحياة الحقيقيّة الابديّة، وانتقل من المعاينات الجبروتيّة إلی التجلّيات اللاهوتيّة، وفاز وَذَ لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ،[4] لِمِثْلِ هَـ'ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَـ'مِلُونَ ] الآية 61، من السورة 37: الصافّات [، فيخرج آنذاك من تحت كُلُّ نَفْسٍ ذَآنءِقَةُ الْمَوْتِ ] الآية 185، من السورة 3: آل عمران ؛ والآية 35، من السورة 21: الانبياء ؛ والآية 57، من السورة 29: العنكبوت [، إذ ليس عندئذ مِن نفس، ويصبح مصداق أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـ'هُ وَجَعَلْنَا لَهُ و نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ] الآية 122، من السورة 6: الانعام [، ومصداق إِلاَّ مَن شَآءَ اللَهُ في الآية الكريمة وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَـ'وَ تِ وَمَن فِي الاْرْضِ ] الآية 68، من السورة 39: الزمر [. وهو آنذاك الميّت الحيّ. فهو ميّت بالموت الإراديّ من عالم الطبيعة والنفس، وحيٌّ بالحياة الحقيقيّة في عالَم اللاهوت والخلوص. ومن هنا قيل: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلی مَيِّتٍ يَمْشِي، فَلْيَنْظُرْ إلی علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. [5] الفصل الاوّل: بيان إجمإلی في طريق السلوك إلی اللهعند غياب اليقين العلميّ ينبغي اللجوء إلی التضرّع والابتهالفأقول في البيان الاوّل: أوجّه كلامي إلی مَن فكّر بالطلب ولم يكن غافلاً ولا ذاهلاً بالمرّة. ومثل هذا الشخص عليه ـ أوّلاً أن يسعي في الطلب، فيجتهد في تفحّص الاديان والمذاهب علی قدر قابليّته، وينظر في الشواهد والا´يات والبيّنات والقرائن والامارات الحسّيّة والذوقيّة والعقليّة والحدسيّة، ويبذل في ذلك قصاري وسعه من أجل أن يُدرك توحيد الله وحقيقة هدايته ولو بأدني مرتبة علم اليقين. بل ينفعه في هذا المقام مجرّد الظنّ والرجحان. وبعد تحصيل هذا التصديق العِلميّ أو الرجحانيّ يخرج من عالم الكفر ويدخل مرحلتَي الإسلام والإيمان الاصغرَين ويطويهما. والإجماع واقع في هاتين المرحلتَين علی أنّ تحصيل الدليل واجب علی كلّ مكلّف. فإن لم يحصل له أيّ رجحان بعد تفحّصه وجهده وتعقّله ونظره، فعليه أن يتعلّق بأذيال التضرّع والبكاء والتوسّل والابتهال والتذلّل، وأن يصرّ في ذلك، فسيُفتح له حتماً، كما هو المأثور عن النبيّ إدريس عليه السلام وأتباعه. [الشرح] ومن الافضل في هذه الاوقات أن ينشغل بعدّة أذكار مؤثّرة في حصول اليقين في هذه المرحلة. وسيُشار إلی بعض تلك الاذكار. فإن هو تخطّي هذه المرحلة، فليسعَ جهده في تحصيل الإسلام والإيمان الاكبرَين. وأوّل ما يلزمه في هذه المرحلة العِلم بأحكام وآداب وفرائض وشرائع الهادي الناجي الذي اعتقد بكونه ناجياً. سواء عن طريق سماعها من ذلك الهادي أم من خليفته أم نائبه، أو عن طريق فهمه لكلامه ـ إن كان أهلاً للفهم أو باتّباع مَن هو أهلٌ للفهم، الذي يدعي في الشريعة بـ «الفقيه». وبعد العِلم بها وتحصيلها والتسليم والانقياد وترك الاعتراض، عليه أن يواظب علی العمل بها والمحافظة علی أداء الفرائض والا´داب، ليزداد ـ بهذا السبب وضوح المعرفة واليقين بها درجةً فدرجةً، وليشتدّ ـ بسبب العمل والا´ثار الإيمان في الجوارح، أنّ العمل موجب للعلم، والعلم مورث للعمل. وقد صرّح بهذه الطريقة في أخبار كثيرة، حيث ورد في حديث عبد العزيز المذكور: الإيمَانُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مَرْقَاةً بَعْدَ مَرْقَاةً. ويشير إلی ذلك ما ورد في حديث الحسن الصيقل، أنّ أبا عبد الله عليه السلام قال: الإيمَانُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. [7] العلم والعمل يورِثان بعضهماوجاء في حديث إسماعيل بن جابر عنه عليه السلام قال: العِلْمُ مَقْرُونٌ بِالعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ.[الشرح] وأصرحُ منها حديث محمّد بن مسلم، أ نّه عليه السلام قال: الإيمَانُ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالعَمَلِ وَالعَمَلُ مِنْهُ، وَلاَ يَثْبُتُ الإيمَانُ إلاَّ بِعَمَلٍ. [9] وجاء في حديث جميل بن درّاج،[10] عنه عليه السلام قال: وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ الإيمَانُ إلاَّ بِالعَمَلِ وَالعَمَلُ مِنْهُ. وفي تصريحات وتلويحات سيّد الاوصياء عليه السلام أنّ الإيمان الكامل يولد من العمل. فمن طلب الإيمانَ الاكبر، فعليه أن يطلبه من العمل. بَيدَ أنّ عليه في هذه المرحلة أن يكون شعاره الرفق والمداراة كما مرّ في حديث عبد العزيز، وأن يداوم علی كلّ عمل يبادر إليه، فقد ورد في الاحاديث المتواترة أنّ العمل القليل المستمرّ أفضل عند الله من الكثير غير المستمرّ. وعليه أن يرتفع درجةً فدرجةً، من أجل أن تحظي جميع أعضائه وجوارحه بنصيبها من الإيمان، ولئلاّ يبقي عضوٌ لم ينل نصيبه. ثمّ يصل به الامر إلی حيث تنال جميع أعضائه الظاهرة والباطنة حظّها الكامل من الإيمان، من الاوامر والنواهي الحتميّة والتنزيهيّة التي لو أُهمل منها جزء، لنقص من الإيمان بذلك القدر. ومع وجود قصور الإيمان ـ ولو قيدَ شعرة يتعذّر السير في العالم الذي يعلوه، وقد مرّ أنّ عوالم السلوك إلی الله تعإلی شأنها شأن الساعات، فما لم ينطو المتقدّم تماماً، تعذّر الحصول علی المتأخّر. وقد نُقل أنّ سالكاً أتي إلی شيخ طمعاً في نيل المراتب، فوجده في المسجد، ورآه وهو يبصق في المسجد، فعاد أدراجه ولم يعدّه مهتدياً. [11] وآخر سار ثوره مع المحراث في أرض موقوفة ثمّ عاد إلی أرضه، فشـاهد أنّ شيئاً من تراب الارض الموقـوفة قد اختـلط بأرضه، فلم يأكل من محصولات أرضه.[الشرح] حَسَنَاتُ الاَبْرَارِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ. [13] لزوم الحظّ الإيمانيّ لجميع الاعضاء والجوارحويكفي في بيان هذا المطلب قول الحقّ سبحانه وتعإلی: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ـ إلی قوله وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، لانّ اللغو لا تخصيص له باللسان، وكلّ عملٍ يصدر من أي عضو بحيث لا يوافق الامر الإلهيّ، ولا يستوجب الثواب والاجر والنورانيّة، ولا يرضي به الله، فإنّه يعدّ لغواً. وأهمّ الاعضـاء التي يجـب أن يوفّي حظّـه من الإيمان: القلب، لا نّه أمير البدن، ولانّ إيمان القلب يتعدّاه إلی سائر الاعضاء والجوارح كما في حديث الزبيريّ وحمّاد السابقَين. فيجب مراقبة القلب في جميع الاحوال. وأمّا إيمانه فبالذِّكر والتفكّر، ولذا فقد ورد في أحاديث عديدة أنّ أفضل العبادة هو التفكّر والذِّكر. ولذلك جاء في كتاب الله: وَلَذِكْرُ اللَهِ أَكْبَرُ ] الآية 45، من السورة 29: العنكبوت [، وبه يحصل الإيمان التامّ أَلاَ بِذِكْرِ اللَهِ تَطْمَنءِنُّ الْقُلُوبُ ] الآية 28، من السورة 13: الرعد [. فإن تخلّف القلب عن آثار إيمانه، تخلّفت معه سائر الاعضاء: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـ'نِ نُقَيِّضْ لَهُ و شَيْطَـ'نًا فَهُوَ لَهُ و قَرِينٌ ] الآية 36، من السورة 43: الزخرف [. فإن حَظِيَت جميع الاعضاء والجوارح بنصيبها من الإيمان واعتادت عليه، وكانت مصونة عن الطغيان والتمرّد، شرع السالك في عالم المجاهدة، وهجر مرافقة أبناء الزمان وأولياء الشيطان، وارتحل عن مقتضيات الوهم والشهوة والغضب والعادات والا´داب بمقتضي لاَ يَخَافُونَ ] فِي اللَهِ [ لَوْمَةَ لاَ´نءِمٍ ] الآية 54، من السورة 5: المائدة [، وانتمي إلی عالم العقل،[14] واستعان بعساكر العقل في محاربة حزب الهوي وجُند الابالسة. وينبغي ألاّ تؤخّر هذه المرحلة بكاملها عن جميع المراحل السابقة، إذ كثيراً ما تكون آثار الإيمان في الجوارح منوطة بصلاح الباطن، وكثيراً ما تكون لوازم وآثار إيمان النفس متعلّقة بأعمال الجوارح. بل هاتان المرحلتان متلازمتان في الحقيقة، بحيث إنّ النشاط التامّ لكلّ منهما يحصل في آن واحد. ضرورة نيل أحكام الطبّ الروحانيّ لإصلاح الباطنوبإجمال، فإنّ السالك إذا خطي في هذه المرحلة، فإنّ أوّل ما يلزمه العِلم بأحكام الطبّ الروحانيّ، من أجل أن يعرف المصالح والمفاسد، والفضائل والرذائل، والدقائق والخفايا، وحِيَل النفس ومكائدها، ويتعرّف علی سائر جنود إبليس ؛ وهذا هو فِقه النفس، مقابل فروع الاحكام التي هي فقه الجوارح. والعقل هو معلّم فقه النفس، كما أنّ الفقيه هو معلّم فقه الجوارح. ويدلّ عليه حديث: العَقْلُ دَلِيلُ المُؤْمِنِ. [15] وحديث: إنَّ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَحُجَّةٌ بَاطِنَةٌ. أَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالاَنْبِيَاءُ وَالاَئِمَّةُ، وَأَمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ. [الشرح] لكنّ أكثر العقول قد تكدّرت بدخولها في عالم الطبيعة، ومنازعتها جُنود الوهم والغضب والشهوة، فأضحت قاصرة عن إدراك دقائق مكائد جند الشيطان وسبيل التغلّب عليهم، لهذا لا مناص لها من الرجوع إلی الشرع والقواعد المقرّرة فيه، حيث قال صلّي الله عليه وآله وسلّم: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاقِ. [الشرح] ضرورة الاُستاذ والشيخفلا مفرّ للطالب في هذه المرحلة أيضاً من الرجوع إلی الهادي، أو إلی خليفته، أو نائبه، أو فهم كلماته. ونظراً لضرورة الاستنباط في هذه المرحلة واستخراج دقائقه، ومعرفة الامراض النفسانيّة ومعالجاتها، وتشخيص المصالح والمفاسد، ومعرفة مقدار دواء كلّ شخص وطريقة معالجته الخاصّة، فإنّ القائم بهذا الاستنباط ـ باعتبار دقّته وخفائه يجب أن يكون تامّاً ذا نظر ثاقب وقوّة كبيرة ومَلَكة قدسيّة وعلمٍ غزير وسعي كثير. ولهذا السبب فإنّ حصول هذا العلم قبل العمل به أمرٌ متعسّر، بل متعذّر. ولا مفرّ للطالب ـ والحال هذه من الرجوع إلی الهادي أو من يقوم مقامه، ويُعبَّر عنه بالشيخ أو الاُستاذ. [18] شرائط أُستاذ فقه النفسصعوبة التعرّف علی الاُستاذ الروحانيّلزوم ملازمة ومراقبة الشيخ الروحانيّ لمعرفتهوكما أنّ هناك شروطاً مُفترَضة في أُستاذ فقه الجوارح، بحيث لا يجوز الرجوع إليه قبل معرفة تحقّقها فيه، وبحيث يبطل من دونها العمل ؛ فإنّ الامر كذلك في فقه النفس والطبّ الروحانيّ، كما أنّ معرفة الاُستاذ في هذا الفنّ أصعب، وشرائطه أكثر. خَلِيلَيَّ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إلی الحِمَي كَثِيرٌ وَلَكِنْ وَاصِلُوهُ قَلِيلُ [19] وهناك فرق آخر بين أُستاذ الفقه الجسمانيّ (الذي يُدعي بالفقيه) وبين أستاذ الفقه الروحانيّ (الذي يُدعي بالشيخ)، وهو أنّ طريق فقه الجوارح جليّ وظاهر، وأنّ قطّاع طريق الله فيه قليلون وظاهرون ؛ فيكفي أُستاذ هذا الفقه أن يشير إلی الطريق وأن يُشخّص المخادعين. خلافاً لطريق فقه النفس والطبّ الروحانيّ، حيث يختلف طريق كلّ شخص، ويتفاوت مرضه، وحيث يتعذّر معرفة مقدار المرض ومقدار الدواء، ويعسر معرفة مرض كلّ شخص ومعالجته، وحيث عقبات الطريق بلا حصر، وامتداد ارتفاعاته بلا انتهاء، وقطّاعه بلا عدد، ومعرفة لصوصه مستصعب مُشـكل.[الشرح] إذ يحصـل كثيراً أن يتلبّسـون بلـباس الدراويـش. فلا مناص إذن من مرافقة الاُستاذ والشيخ ومراقبته في جميع الاحوال، ومن عرض الحال عليه في كلّ عقبة. ومن هنا نجد السـالكين يلازمـون الاُسـتاذ مدّة متمادية، ولا يفارقونه دقيقة واحدة. واعلم أنّ حال فقه النفس كحال فقه الجوارح في أنّ تمام إيمان النفس موقوف علی تمام ظهور آثارها، وأنّ أثراً من آثارها لو أُهمل، فإنّ إيمان النفس سينقص بنفس القدر، فيعجز السالك ـ من ثمّ عن السير في العالم الذي يعلو عالمه. فإن طوي السالك ـ بالعناية والتوفيق الربّانيّين، وبتعليم الشيخ الروحانيّ وجاهد كما ينبغي له المجاهدة، فإنّ النقصان الذي كان موجوداً في إسلامه وإيمانه الاصغرَين سيرتفع. فإن أخطأ آنذاك، بدا له خطأه بوضوح، وتجلّي أمامه الصراط المستقيم، وانتقل من الظنّ والتخمين إلی المشاهدة واليقين: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّي' يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ] الآية 99، من السورة 15: الحجر [، وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ] الآية 54، من السورة 24: النور [، وَالَّذِينَ جَـ'هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ] الآية 69، من السورة 29: العنكبوت [، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـ'لِحًا ثُمَّ اهْتَدَي'[الشرح]. ] الآية 82، من السورة 20: طه. قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المجاهدين وغاية أحوالهم: فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ العَمَي وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الهَوَي، وَصارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الهُدَي، وَمَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَي، وَأَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَسَلَكَ سَبِيلَهُ، وَعَرَفَ مَنَارَهُ وَقَطَعَ غِمَارَهُ. فَهُوَ مِنَ اليَقِينِ عَلَی مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ. [22] وقال أيضاً في وصفهم: هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَی حَقِيقَةِ البَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاَعْلَي.... اللهمّ إلاّ مَن قصّر في طريق الطلب، وتسامح في مرحلة من مراحله ؛ كمن قصّر في بذل الجهد خلال الفحص الاوّل الضروريّ ـ في الإسلام والإيمان الاصغرَين فاختار دليلاً ضالاّ، أو انحرف عن متابعة فقيهه وشيخه، أو قصّر في سعيه في معرفتهما، أو قصّر في إعطاء حظّ الجوارح أو النفس من الإيمان، أو أخطأ في ترتيب المعالجة، وسنذكر لك أُنموذجاً من ذلك. فإذا فرغ الطالب السالك من هذه المراحل، وتغلّب علی حزب الشيطان والجهل، وورد عالَم الفتح والظفر، فسيحين زمن طيّه للمراحل اللاحقة، إذ إنّه طوي عالم الجسم ودخل في مُلك الروح. وحان زمن السفر الاعظم والسفر من عالم النفس والروح، والانتقال من دولة الملكوت إلی مملكة الجبروت واللاهوت وغيرها. الذِّكر والتفكّر والتضرّع أساس طريق السير، بعد الانتقال من عالم النفس إلی ملك الجبروتوأساس طريق السير في هذه المرحلة يتمثّل ـ بعد مبايعة الشيخ البصير في الذِّكر والتفكّر والتضرّع والابتهال والتبتّل والبكاء: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ] الآية 8، من السورة 73: المزّمل [، وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ] الآية 205، من السورة 7: الاعراف [. ومن هنا فقد قال ربّ العالمين بأنّ ذِكره أكبر من الصلاةِ التي هي عمود الدِّين، وقال الصادق عليه السلام بأنّ التفكّر أفضل العبادة، وأنّ تفكّر ساعة واحدة أفضل من عبادة سبعين سنة. [الشرح] فإن انتهت هذه المرحلة بدورها،فقد تمّ الكلام والتفكّر والعزلة والسير والسلوك والطلب والطالب والمطلوب والنقصان والكمال إذَا بَلَغَ الكَلاَمُ إلی اللَهِ فَأَمْسِكُوا. [24] وهذا هو البيان الإجمإلی الاوّل لطريق سلوك سبيل عالم الخُلوص. ارجاعات [1] ـ جاء في «تذكرة الاولياء» ج 1، ص 149، نقلاً عن بايزيد البسطاميّ أ نّه قال: لمّا بلغتُ مقام القُرب قيل لي: أَرِدْ. قلتُ: لا إرادة لي، فأَرِد أَنتَ لي. قيل: أَرِد! قلتُ: أريدُك أنت فحسب!... قيل: ذاك محال مادام هناك ذرّة من وجود بايزيد، دَعْ نَفْسَكَ وَتَعَالَ ونقل في ص 150 عن بايزيد أ نّه قال: ناجيتُ مرّة فقلتُ: كَيْفَ الوُصُولُ إلَيْكَ؟ فسمعتُ منادياً يقول: يا بايزيد! طَلِّقْ نَفْسَكَ ثَلاَثاً ثُمَّ قُلِ اللَهُ. أمّا في «طـبقات الاخـيار» للشـعرانيّ، ج 1، ص 77، فقد نقل كلام بايزيد بهذا اللفظ: وَكَانَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي النَّوْمِ ـ المَنَامِ فَقُلْتُ يَا رَبِّ! كَيْفَ أَجِدُكَ؟ فَقَالَ: فَارِقْ نَْفسَكَ وَتَعَالَ إلیّ. الهجرة العظمي والجهاد الاعظم[2] ـ يمكن القول بأنّ خطاب يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ هو خطاب للنفس التي فرغت من الجهاد الاكبر ووردت في عالم الظفر والفتح، وسلّمت نفسها للحقّ تعإلی، وأدركت الإسلام الاعظم، وبواسطة مشاهدة فنائها في قبال وجود ذات الحقّ واعترافها وإذعانها القلبيّ بهذا الامر، فقد بلغت مرتبة الإيمان الاعظم (الذي هو مقرّ الاطمئنان ومحلّ السكينة والطمأنينة) وحطّت رحالها في هذا الموضع، وبعد ذلك جاءها خطاب ارْجِعِي´ إلی' رَبِّكِ يأمرها بالهجرة من وجودها إلی وجود الحقّ (الربّ)، إذ الرجوع بالهجرة أنسب. ومعلوم أنّ السالك بعد هذه الهجرة (وهي الهجرة العظمي التي ارتحل فيها من عالم النفس وحطّ رحاله في عالم الحقّ) سيكون راضياً بقضاء وقدر الله التشريعيّ والتكوينيّ، وأنّ أيّ مخالفة أو معصية لن تبدر منه، وهو معنـي رضا العبد عن الله تعإلی. كما أنّ من المعلوم أنّ الله تعإلی سيكون راضياً عن مثل هذا العبد الذي طوي طريق العبوديّة بكامله، ولذلك ستتّصف نفس العبد بصفة «راضيةً مرضيّةً». بَيدَ أ نّه لمّا كانت الا´ثار الوجـوديّة للعبد غير منتفية تماماً، فينـبغي عليه الشـروع بالجـهاد الاعظـم للقضـاء علی آثارها، ولو كانت بقايا خفيّة. وحينذاك يتحقّق له معني العبوديّة الذاتيّة، وجملة «فَادْخُلِي فِي عِبَـ'دِي» دالّة علی هذا الجهاد الاعظم الذي هو الغاية القصوي لدرجة العبوديّة. وبعد ذلك يجب أن يزال هذا المَيْز في العبوديّة، الذي أوجد لديه شائبة الاثنينيّة، فيرد ـ بواسطة الفناء المطلق في الذات الإلهيّة في عالم اللاهوت (وهو عالم المُخلَصين) الذي يُدعي جنّة الذات. ويدلّ علی ذلك جملة «وَادْخُلِي جَنَّتِي» الواردة بعد جملة «فَادْخُلِي فِي عِبَـ'دِي». وبعد الدخول في جنّة الذات ينتهي السير في العوالم الاثني عشر، الذي هو «السير إلی الله تعإلی». واعلمْ أنّ الله تعإلی لم ينسب في قرآنه الكريم الجنّة إلی نفسه إلاّ في هذا الموضع، فعبّر عنها بلفظ «جنّتي». وأعلی هذه الاقسام من الجنّات الثمانية يُدعي «جنّة الذات». [3] ـ يعني أنّ السالك لمّا وصل إلی عالم الإيمان الاعظم (وهو موضع الصدق)، فإنّه ـ باعتبار عدم مجاهدته بالجهاد الاعظم، وباعتبار عدم نفيه آثار وجوده نفياً كاملاً سيكون في مضمار الاسمَين الكبيرَين، يعني اسم المليك واسم المقتدر. وبعبارة أُخري، فإنّه سيجد نفسه تحت سيطرة وقهر الملك المقتدر، وعليه أن يجاهد متوسّلاً بهذا المليك المقتدر ليخرج كلّيّاً من بقايا آثار وجوده. وحينذاك سيخرج من مضمار هذين الاسمَين ويدخل تحت اسم أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ. [4] ـ وردت هذه الآية بهذه الكيفيّة في موضعين من القرآن الكريم، الاوّل: سورة التوبة، الآية 111 ؛ والثاني: سورة غافر، الآية 9 ؛ كما وردت بدون الواو في أربعة مواضع أُخري. [5] ـ لم يعثر هذا الحقير علی سند لهذا الحديث علی الرغم من تفحّصي الزائد، مع أنّ من الممكن أنّ المصنّف رحمه الله لم يقصد في قوله «ومن هنا قيل» أنّ هذا القول حديث، بل لعلّه كلام لبعض الاعلام والعرفاء. بَيدَ أنّ هذا الاحتمال من سياق عبارات المصنّف رحمه الله بعيد، لا نّه حيثما أورد نظير هذا التعبير، فقد نقل كلمات لرسول الله والائمّة المعصومين. أجل، أورد صدر المتأ لّهين في تفسير سورة السجدة، ص 117، الطبعة الحروفيّة، أ نّه جاء في حديث رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلی مَيِّتٍ يَمْشِي، فَلْيَنْظُرَ إلی. الروايات الواردة في كيفيّة تضرّع النبيّ إدريس وقومه[6] ـ روي المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 5، ص 75، طبعة أمين الضرب، عن «علل الشرايع» ؛ والصدوق في «علل الشرايع» ص 27، طبعة النجف، بإسناده عن وهب بن منبّه قال: إنَّ إدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ رَجُلاً طَوِيلاً... إلی أن قال: وَإنَّمَا سُمِّيَ إدْرِيسَ لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَدْرُسُ مِنْ حِكَمِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَنِ الاءسْلاَمِ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِ قَوْمِهِ. ثُمَّ إنَّهُ فَكَّرَ فِي عَظَمَةِ اللَهِ جَلَّ جَلاَلُهُ، فَقَالَ: إنَّ لِهَذِهِ السَّمَاوَاتِ وَلِهَذِهِ الاَرَضِينَ وَلِهَذَا الخَلْقِ العَظِيمِ وَالشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالسَّحَابِ وَالمَطَرِ وَهَذِهِ الاَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ لَرَبَّاً يُدَبِّرُهَا وَيُصْلِحُهَا بِقُدْرَتِهِ، فَكَيْفَ لِي بِهَذَا الرَّبِّ؟ فَأَعْبُدُهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ.... فَخَلاَ بِطَائِفَةٍ مِنَ قَوْمِهِ فَجَعَلَ يَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلی عِبَادَةِ خَالِقِ هَذِهِ الاَشْيَاءِ، فَلاَ يَزَالُ يُجِيبُهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّي صَارُوا سَبْعَةً، ثُمَّ سَبْعِينَ، إلی أَنْ صَارُوا سَبْعَمِائَةٍ، ثُمَّ بَلَغُوا أَلْفاً. فَلَمَّا بَلَغُوا أَلْفاً، قَالَ لَهُمْ: تَعَالَوا نَخْتَرْ مِنْ خِيَارِنَا مِائَةَ رَجُلٍ، فَاخْتَارُوا مِنْ خِيَارِهِمْ مِائَةَ رَجْلٍ، وَاخْتَارُوا مِنَ المِائَةِ سَبْعِينَ رَجُلاً، ثُمَّ اخْتَارُوا مِنَ السَّبْعِينَ عَشْرَةً، ثُمَّ اخْتَارُوا مِنْ العَشْرَةِ سَبْعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: تَعَالَوا فَلْيَدْعُ هَؤُلاَءِ السَّبْعَةُ فَلْيُؤَمِّنْ بَقِيَّتُنَا فَلَعَلَّ هَذَا الرَّبَّ جَلَّ جَلاَلُهُ يَدُلُّنَا عَلَی عِبَادَتِهِ. فَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَی الاَرْضِ، وَدَعَوا طَوِيلاً، فَلَم يَتَبَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلی السَّمَاءِ، فَأَوْحَي اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ إلی إدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَنَبَّأَهُ وَدَلَّهُ عَلَی عِبَادَتِهِ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ. فَلَمْ يَزَالُوا يَعْبُدُونَ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُشرِكُونَ بِهِ شَيْئاً حَتَّي رَفَعَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ إدْرِيسَ إلی السَّمَاءِ وَانْقَرَضَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَی دِينِهِ إلاَّ قَلِيلاً. ثُمَّ إنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْدَثُوا الاَحْدَاثَ وَأَبْدَعُوا البِدَعَ حَتَّي كَانَ زَمَانُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. [7] ـ نُقل هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 1، ص 44، عن الحسن ابن الصيقل. كما أورد المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 1، ص 64، عن «الامإلی» و«المحاسن» بإسنادهما عن الحسن بن الصيقل قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لاَ يَقْبَلُ اللَهُ عَمَلاً إلاَّ بِمَعْرِفَةٍ، وَلاَ مَعْرِفَةَ إلاَّ بِعَمَلٍ، فَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْهُ المَعْرِفَةُ عَلَی العَمَلِ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلاَ مَعْرِفَةَ لَهُ. أَلاَ إنَّ الإيمَان بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. بيان الروايات الواردة في اقتران الإيمان بالعمل[8] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 1، ص 44، عن إسماعيل بن جابر ؛ وفي «بحار الانوار» ج 1، ص 81، عن «منية المريد»، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العِلْمُ مَقْرُونٌ إلی العَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ. وَالعِلْمُ يَهْتِفُ بِالعَمَلِ، فَإنْ أَجَابَهُ وَإلاَّ ارْتَحَلَ عَنْهُ. كما ورد في «بحار الانوار» ج 1، ص 80، عن «نهج البلاغة» بهذا اللفظ: العِلْمُ مَقْرُونٌ بِالعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ. وَالعِلْمُ يَهْتِفُ بِالعَمَلِ، فَإنْ أَجَابَهُ وَإلاَّ ارتَحَلَ عَنْهُ. [9] ـ روي هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 38، بإسناده المتّصل عن محمّد بن مسلم ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15، الجزء الاوّل، ص 219، في الإيمان، نقلاً عن «الكافي»، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الإيمَانِ ؛ فَقَالَ: شَـهَادَةُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ، وَالاءقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَهِ، وَمَا اسْتَقَرَّ فِي القُلُوبِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ. قَالَ، قُلْتُ: الشَّهَادَةُ أَلَيْسَتْ عَمَلاً؟ قَالَ: بَلَي. قُلْتُ: العَمَلُ مِنَ الإيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الإيمَان لاَ يَكُونُ إلاَّ بِعَمَلٍ، وَالعَمَلُ مِنْهُ، وَلاَ يَثْبُتُ الإيمَان إلاَّ بِعَمَلٍ [10] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 2، ص 38، عن جميل ابن درّاج ؛ وفي «بحار الانوار» ج 15، ص 219، الجزء الاوّل، في الإيمان، قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الإيمَانِ، فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ. قَالَ، قُلْتُ: أَلَيْسَ هَذَا عَمَلٌ؟ قَالَ: بَلَي. قُلْتُ: فَالعَمَلُ مِنَ الإيمَانِ؟ قَالَ: لاَ يَثْبُتُ لَهُ الإيمَان إلاَّ بِالعَمَلِ، وَالعَمَلُ مِنْهُ. وعلی أيّة حال، فقد وردت روايات جمّة نظير هذه الرواية، مثلما جاء في «أُصول الكافي» ج 2، ص 24، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: الإيمَان إقْرَارٌ وَعَمَلٌ. وكما ورد في ص 33 من نفس الجزء عن سلام الجُعفيّ قال: سَأَ لْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الإيمَانِ، فَقَالَ: الإيمَان أَنْ يُطَاعَ اللَهُ فَلاَ يُعْصَي. [11] ـ جاء في «تذكرة الاولياء» ج 1، ص 130، ضمن ترجمة حال بايزيد البسطاميّ: نُقل أ نّه أُخبر بأنّ في المكان الفلانيّ شيخ كبير (فيالطريقة)، فقصده من مسافة بعيدة، فلمّا جاءه رآه يبصق تجاه القبلة، فعاد أدراجه وقال: لو كان له شيء من الطريقة، لما عمل خلاف الشريعة. المبالغة في الاحتياط لا ينسجم مع مذاق الشرع[12] ـ نُقل الكثير من هذه الاحتياطات والاحترازات عن كثير من الاعلام من أرباب السلوك والعرفان والزهّاد والعبّاد. بَيدَ أنّ هذه الاحتياطات إنّما حصلت علی أساس الحال التي كانت تعرض لهم في بعض الاحيان أو في غالبها. لكنّ الشريعة الغرّاء لا تقوم علی أساس هذا النوع من الضيق والعسر، إذ إنّ الشرع المقدّس قد أرسي بناءه علی أساس الالتفات التامّ إلی الله تعإلی والمراقبة الشديدة في الاخلاق والتزكية. أمّا في الاُمور الظاهريّة، فقد أرساه علی أساس «أصالة الطهارة والحلّيّة» ونظائر ذلك. أمّا الاحتياطات الزائدة فتصرف السالك عن التفاته إلی الله وتعيقه في سيـره التكامليّ نحو عالم الاءطلاق والتجـرّد ؛ والتدقيق الخارج عن ذوق الشرع يجعل الإنسان أسير الاوهام والوساوس، ويوجّه أفكاره علی الدوام إلی هذه الموارد، ويحرمه كلّيّاً من التفكّر والالتفات واطمئنان البال (التي هي أدوات السلوك)، ويغلق في وجهه الطريق إلی الله تعإلی. [13] ـ ليست عبارة حَسَنَاتُ الاَبْرَارِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ مضمون رواية، علی الرغم من أ نّها حكم صحيح ومطلب واقعيّ وحقيقيّ. [14] ـ ليس المراد بعالم العقل هنا عالم الروح والجبروت، لا نّه يأتي بعد الجهاد الاكبر لا بعده، بل المراد هو ترك ما سوي الله تعإلی. [15] ـ ورد هذا الحديث في «أُصول الكافي» ج 1، ص 25، بإسناده المتّصل عن إسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام. رواية الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام في شأن العقل[16] ـ وردت هذه الفقرة ضمن وصيّة الإمام موسي بن جعفر عليه السلام إلی هشام بن الحكم، وهي وصيّة طويلة ذكر فيها الإمام مزايا العقل وخصوصيّاته... قال فيها: يَا هِشَامُ! إنَّ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حُجَّتَينِ: حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَحُجَّةٌ بَاطِنَةٌ، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالاَنْبِيَاءُ وَالاَئِمَّةُ، وَأَمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ. وقد وردت هذه الرواية المباركة في «أُصول الكافي» ج 1، ص 13، عن أبي عبد الله الاشعريّ، عن بعض أصحابنا مرفوعاً، عن هشام بن الحكم. ووردت الوصـيّة بتمامها في «تحـف العقـول» ص 383. ونقلـها المجـلـسـيّ فـي «بحـار الانـوار» ج 1، ص 43، عـن «تحـف العقـول». ومطلعها: يَا هِشَامُ! إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَإلی بَشَّرَ أَهْلَ العَقْلِ وَالفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: «بَشِّـرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْـتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّـبِعُونَ أَحْسَـنَهُ و´ أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ هَدَب'هُمُ اللَهُ وَأُولَـ'´نءِكَ هُمْ أُولُوا الاْلْبَـ'بِ». (الا´يتان 17 و 18، من السورة 39: الزمر). ذكر الروايات الواردة في مكارم الاخلاق[17] ـ جاء في «المعجم المفهرس لالفاظ الحديث النبويّ» مادّة «خ ل ق» ومادّة «ب ع ث» عن «الموطّأ» لمالك، باب حُسن الخلق، ص 8، أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. وجاء في «إحياء العلوم» ج 3، ص 43 ؛ وج 2، ص 138 و 313، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: إنَّمَا بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. وقال في التعليقة: رواه أحمد والحاكم في «المستدرك» والبيهقيّ. بَيدَ أ نّي لم أعثر علی هذه الرواية بهذا اللفظ في جوامع وأُصول الشيعة. بلي جاء في «مكارم الاخلاق» للطبرسيّ مرسلاً أ نّه صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. وللمرحوم المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 6 (في النبوّة)، ص 146 و 147، في تفسير قوله تعإلی: وَإِنَّكَ لَعَلَی' خُلُقٍ عَظِيمٍ بيان جاء فيه: سُمِّيَ خُلُقُهُ عَظِيماً لاِجْتِمَاعِ مَكَارمِ الاَخْلاَقِ فِيهِ، وَيَعْضُدُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَ نَّهُ قَالَ: إنَّمَا بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. وَقَالَ: أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي. كما جاء في «سفينة البحار» ج 1، ص 410: وقال صلّي الله عليه وآله وسلّم: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. أمّا في «الامإلی» للشيخ الطوسيّ، ج 2، ص 209، فقد روي بإسناده المتّصل عن الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، عن آبائه الواحد عن الا´خر، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. وروي هذا الحديث بعينه في «بحار الانوار» ج 6، ص 163، عن «الامإلی» للشيخ الطوسيّ. كما روي الطوسيّ في «الامإلی» ج 2، ص 92، بإسناده المتّصل عن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه الواحد عن الا´خر، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: عَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الاَخْلاَقِ، فَإنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي بِهَا. وَإنَّ مِنْ مَكَارِمِ الاَخْلاَقِ أَنْ يَعْفُوَ الرَّجُلُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَأَنْ يَعُودَ مَنْ لاَ يَعُودَهُ. وروي المجلسـيّ فـي «بحار الانـوار» ج 15، (جـزء الاخـلاق)، ص 216، هذه الرواية عن «الامإلی» للطوسيّ. وروي الصدوق في «معاني الاخبار» ص 191، بإسناده المتّصل عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَإلی خَصَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَارِمِ الاَخْلاَقِ، فَامْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإنْ كَانَتْ فِيكُمْ فَاحْمَدُوا اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ وَارْغَبُوا إلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ مِنْهَا. فَذَكَرَهَا عَشَرَةً: اليَقِينُ وَالقَنَاعَةُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالرِّضَا وَحُسْنُ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَالغَيْرَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالمُرُوءَةُ. وورد نظير هذه الرواية في «أُصول الكافي» ج 2، ص 56، عن الإمام الصادق عليه السلام بأدني اختلاف في اللفظ، إلاّ أ نّه أورد لفظ «خَصَّ رُسُلَهُ» بصيغة الجمع بدلاً من «خَصَّ رسولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ». كما أورد في نفس الصفحة رواية أُخري بإسناده المتّصل عن الصادق عليه السلام قال: إنَّا لَنُحِبُّ مَنْ كَانَ عَاقِلاً فَهِماً فَقِيهاً حَلِيماً مُدَارِياً صَبُوراً صَدُوقاً وَفِيَّاً. إنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ الاَنْبِيَاءَ بِمَكَارِمِ الاَخْلاَقِ، فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ فَلْيَحْمَدِ اللَهَ عَلَی ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلْيَتَضَرَّعْ إلی اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلْيَسْأَلْهُ إيَّاهَا. قَالَ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: هُنَّ الوَرَعُ وَالقَنَاعَةُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالحِلْمُ وَالحَيَاءُ وَالسَّخَاءُ وَالشَّجَاعَةُ وَالغَيْرَةُ وَالبِرُّ وَصِدْقُ الحَدِيثِ وَأَدَاءُ الاَمَانَةِ. وروي في «كنوز الحقائق» للمناويّ (المطبوع في هامش «الجامع الصغير» للسيوطيّ) ج 1، ص 99، عن «ق» و«حم» (يقصد البخاريّ ومسلم ومسـند أحمد بن حنبل) عن رسـول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال: بُعِثْتُ لاِتَمِّمَ مَكَارِمَ الاَخْلاَقِ. [18] ـ لزوم رجوع الجاهل إلی العالِم في جميع موارد الحاجة في مراحل الاحكام الثلاثة (الفطريّة، العقليّة، والشرعيّة) أمرٌ مسلّم وثابت يتّفـق عليه عقـلاء العالَم. وتدلّ عليه الآية المبـاركة: فَسْـَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُـونَ (الآية 43، من السـورة 16: النحل ؛ والآية 7، من السورة 21: الانبياء). وأصرح منها في أمر التربية والهداية إلی الصراط المستقيم قول إبراهيم عليه السلام لا´زر: يَـ'´أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي´ أَهْدِكَ صِرَ طًا سَوِيًّا (الآية 43، من السورة 19: مريم). لا نّه يصرّح: يا أبتِ لقد جاءني من العِلم ما لم يأتِك، فعليك أن تتبعني لاهديك إلی الصراط المستقيم. وأهل الذِّكر وأساتذة الفنون الاءلهيّة والمعارف الحقّة الربّانيّة، الذين يخبرون طرق السلوك ومنجيات النفوس ومهلكاتها ليسوا سوي العلماء بالاحكام الظاهريّة الشرعيّة. وينبغي ـ في سلوك الطريق إلی الله تعإلی وكشف الحُجب أن يستشير السالك أُستاذاً متخصّصاً في هذا الفنّ، وهو الذي يدعي «العالِم بالله». وهناك في هذا الباب روايات تفوق الحصر. ولعلماء الاخلاق والعرفان الاءلهيّ بيانات نفيسة وقيّمة في هذا المجال. وقد عبّر أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لكميل بن زياد عن هذا الاُستاذ بـ «عالِم ربّانيّ»، وجعل التعلّم علی سبيل النجاة منحصراً في متابعته، وعبّر عن هؤلاء بالحُجج الاءلهيّة... فقال: اللَهُمَّ بَلَي لاَ تَخْلُو الاَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ؛ إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللَهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ ـ وَاللَهِ الاَقَلُّونَ عَدَداً وَالاَعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللَهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتَهُ حَتَّي يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُونَهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ. هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَی حَقِيقَةِ البَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاَعْلَي. أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إلی دِينِهِ. آهْ آهْ شَوْقاً إلی رُؤْيَتِهِمْ، انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ. («نهج البلاغة»، باب الحِكم، ص 171 إلی 174). والمراد بالحجّة المشهور أو الخائف المغمور: مطلق أولياء الله تعإلی والحُجج الاءلهيّة الذين يتكفّلون بتعليم الاُمّة وتربيتها وهدايتها إلی الحضرة الاحديّة جلّ وعزّ. وليس المراد بهم في هذا الحديث خصوص الائمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. والدليل علی ذلك ـ أوّلاً أنّ الإمام بعد أن حصر جميع أفراد البشر في ثلاثة أصناف: عالِم ربّانيّ، ومتعلّم علی سبيل نجاة، وهمج رُعاع، فإنّه تحدّث عن الحُجج الاءلهيّة. ومعلوم أنّ العالم الربّانيّ في اللغة لا يختصّ بالاُمّة، علی الرغم من أ نّه أفضل وأعلی وأشرف هؤلاء الافراد. وبناء علی ذلك فإنّ الحُجج الاءلهيّة في هذا الكلام هم ضمن مصاديق العالم الربّانيّ، وليس هناك قرينة لصرف تلك المصاديق إلی الائمّة الطاهرين، ويجب القول ـ علی أساس إطلاق الكلام بأنّ كلّ من يمتلك هذه الصفات والحالات، فإن بإمكانه أن يتصدّي لمقام تربية سالكي طريق الله، وأن يعلّم الاسرار الاءلهيّة لمتعطّشي وادي المعرفة ومولّهي عالم لقاء الذات الاحديّة والفناء فيها، كما هو مشهود في طريقة آية الله الكبري الا´خوند المولي حسين قلي الهمدانيّ رحمة الله عليه، وفي طريقة تلامذته العرفاء المبرّزين، الذين تلالا كلٌّ منهم نجماً ساطعاً في سماء التوحيد والمعرفة. وثانياً أنّ الإمام يقول في كلامه بأنّ الله تعإلی يحفظ حُججه وآياته البيّنات بهم، حتّي يودعوا تلك الاسرار الاءلهيّة نظائرهم، ويزرعوها في قلوب أمثالهم. ومن الجليّ أن ليس من شبيه ولا نظير لشخص الإمام عليه السلام، لانّ مقامه (الاءمامة) أعلی وأسمي من مقام جميع الافراد. فيكون المراد بالحُجّة المشهور أو الخائف المغمور أولياء الله تعإلی، الذين بلغـوا مقام المخلَصـين، والذين لا يتصـوّر لهم أشـباه ونظائر. ومن جملة الادلّة علی لزوم متابعة السالك للهادي البصير الخبير بصراط المعرفة، كلام الإمام السجّاد عليه السلام المنقول في «كشف الغمّة»: هَلَكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَكِيمٌ يُرْشِدُهُ. وعبارة سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ضمن خطبة له في «مِني»، وقد عدّها البعض لامير المؤمنين عليه السلام (كما في «تحف العقول»): وَأَنْتُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ مُصِيبَةً لِمَا غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنَازِلِ العُلَمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ تَشْعُرُونَ (تَعْنُونَ خ ل) ذَلِكَ بِأَنَّ مَجَارِي الاُمُورِ وَالاَحْكَامِ عَلَی أَيْدِي العُلَمَاءِ بِاللَهِ، الاُمَنَاءِ عَلَی حَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ. ومعلوم أنّ مجاري الاُمور الباطنيّة والاسرار الربّانيّة منحصرة لدي العالِم الربّانيّ الذي ورد منهل الشريعة، واطّلع علی مصدر الاحكام، وتعرّف علی دقائق النفوس وأسرارها. والشاهد والدليل الا´خر علی هذا المدّعي ما أورده المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 1، ص 93، عن كتاب «البصائر» بسندَين ـ بأدني اختلاف في اللفظ مرفوعاً عن الصادق عليه السلام قال: أَبَي اللَهُ أَنْ يُجْرِي الاَشْيَاءَ إلاَّ بِالاَسْبَابِ، فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءً سَبَباً، وَجَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً، وَجَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، ذَلِكَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ. لا نّه علّل الرجوع في أيّ مقصود إلی السبب المختصّ بالوصول إلی ذلك المقصود. ومن الواضح أنّ الامر كذلك في مجال الامراض الروحانيّة التي يجب الرجوع فيها إلی المتخصّص والطبيب الروحانيّ. وأصرح منها جميعاً: كلام أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة»، الخطبة 220، حيث يذكر مطالب تثير العجب في آثار وصفات هؤلاء العلماء الربّانيّين: وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي البُرْهَةِ بَعْدَ البُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الاَبْصَارِ وَالاَسْمَاعِ وَالاَفْئِدَةِ. يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَهِ وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الاَدِلَّةِ فِي الفَلَوَاتِ، مَنْ أَخَذَ القَصْدَ حَمِدُوا إلَيْهِ طَرِيقَهُ وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إلَيْهِ الطَّرِيقَ وَحَذَّرُوهُ مِنَ الهَلَكَةِ. وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ، وَإنَّ لِلذِّكْرِ لاَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الحَيَاةِ وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَهِ فِي أَسْمَاعِ الغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إلی الا´خِرَةِ وَهُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَ نَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ البَرْزَخِ فِي طُولِ الاءقَامَةِ فِيهِ، وَحَقَّقَتِ القِيَامَةُ عَلَيهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لاِهْلِ الدُّنْيَا، حَتَّي كَأَ نَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَي النَّاسُ وَيَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ.... إلی أن يقول: يَعِجُّونَ إلی رَبِّهِمْ فِي مَقَاوِمِ نَدَمٍ وَاعْتِرَافٍ، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُديً وَمَصَابِيحَ دُجَي، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ المَلاَئِكَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الكَرَامَاتِ، فِي مَقَامٍ اطَّلَعَ اللَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ إلی آخر الخطبة. ومن المسلّم أنّ مثل هؤلاء الافراد يمكنهم التكفّل بتربية السالك، لا نّهم ـ وفقاً لهذا الكلام الذين يهتفون في أسماع الغافلين بالطرق المختلفة يزجرونهم عن ارتكاب محارم الله تعإلی التي سبقوهم في التناهي عنها، ويأمرونهم بالعدل والقسط الذي سبقوهم بالعمل به. حتّي كأ نّهم اطّلعوا علی خفايا أهل البرزخ في طول إقامتهم فيه، فهم يكشفون لاهل الدنيا عن تلك الاُمور الحقّة. وكأ نّهم يرونَ ما لا يري الناس ويسمعون ما لا يسمعون. قد أحاطت بهم ملائكة السماء من كلّ صوب وحدب، وتنزّلت عليهم السكينة، وفُتِحت لهم أبواب السماء، وأُعدّت لهم مجالس الكرامة، في مقام لا يطّلع عليه إلاّ اللهتعإلی، قد شَكَر اللَهُ سَعيهم وحمِد مقامهم. طيّ اين مرحله بي همرهي خضر مكن ظلماتست بترس از خطر گمراهي يقول: «لا تطوينّ هذه المرحلة دون أن تصطحب الخضر، فهي ظُلمات عليك أن تخشي الضياع فيها!». [19] ـ ذكر صاين الدين علی بن محمّد بن تركه هذا البيت في رسالته إلی فيروز شاه، وجاءت في ص 300 من كتابه «جهارده رسالة فارسي» (= أربع عشرة رسالة بالفارسيّة) بهذا اللفظ: خَلِيلَيَّ قُطَّاعُ الفَيَافِي إلی الحِمَي كَثِيرٌ وَأَمَّا الوَاصِلُونَ قَلِيلُ ضرورة تبعيّة السالك لاُستاذ مُتأ لِّه[20] ـ نقل في «حِلية الاولياء» ج 10، ص 40، عن بايزيد البسطاميّ أ نّه قال: لَوْ نَظَرْتُمْ إلی رَجُلٍ أُعْطِيَ مِنَ الكَرَامَاتِ حَتَّي يُرْفَعَ فِي الهَوَاءِ، فَلاَ تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّي تَنْظُرُوا كَيْفَ تَجِدُونَه عِنْدَ الاَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحِفْظِ الحُدُودِ وَأَدَاءِ الشَّرِيعَةِ. أشعار حافظ في ضرورة إطاعة الاُستاذ الروحانيّ[21] ـ وأجاد حافظ الشيرازيّ رحمه الله حين أنشد في هذا المعني: مرا به رندي وعشق آن فضول عيب كند كه اعتراض بر اسرار علم غيب كند كمال صدق ومحبّت ببين نه نقص گناه كه هر كه بي هنر افتد نظر به عيب كند ز عطر حور بهشت آن زمان بر آيد بوي كه خاك ميكدة ما عبير جيب كند چنان بزد ره اسلام غمزة ساقي كه اجتناب ز صهبا مگر صهيب كند كليد گنج سعادت قبول اهل دلست مباد آنكه در اين نكته شكّ وريب كند شبان وادي ايمن گهي رسد به مراد كه چند سال به جان خدمت شعيب كند ز ديده خون بچكاند فسانة حافظ چو ياد عهد شباب وزمان شيب كند يقول: «يعيب علی ذلك الفضول عشقي ولا مبالاتي ؛ وهو ـ في ذلك إنّما يعترض علی عِلم الغيب. انظر إلی كمال الصِّدق والحبّ، لا إلی نقص الذنوب ؛ إذ مَن كان بلا فنّ، تطلّع إلی العيوب. سيعبق ـ يوماً عطر حور الجِنان، إذا هنّ ضمّخن جيوبهنّ بتراب حانتنا. لو أشار الساقي بطَرفه علی طريقةِ أهل الاءسلام، لَما امتنع عن الصهباء حتّي صُهيب. مفتاح كنز السعادة هو قبول أصحاب القلوب، فلا يعتريك في الامر شكّ ولا ريب. قد يدرك راعي الغنم في الوادي الايمن مراده، إن قضي من شبابه سنوات في خدمة شُعيب. إذا تذكّر حافظ عهد شبابه ومشيبه، تقاطرت قصّة لوعته من ناظرَيه دماً». [22] ـ فقرة من كلامه عليه السلام في «نهج البلاغة»، الخطبة 85، ومطلعها: عِبَادَ اللَهِ! إنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَهِ إلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَهُ عَلَی نَفْسِهِ. بَيدَ أنّ فيها لفظ قَدْ أَبْصَرَ بدلاً من وَأَبْصَرَ ؛ كما ورد فيها بعد قوله: وَقَطَعَ غِمَارَهُ جملة: وَاسْتَمْسَكَ مِنَ العُرَي بِأَوْثَقِهَا، وَمِنَ الحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، ثمّ قال: فَهُوَ مِنَ اليَقِينِ عَلَی مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ. وأمّا كلامه الا´خر: «هجم بهم العلم»، فقد ورد أيضاً ضمن حِكمه عليه السلام في «نهج البلاغة» ج 2، ص 548، شرح المولي فتح الله ؛ وفي شرح محمّد عبده، ص 171، الحكمة رقم 147، في موعظته لكُمَيل، ومطلعها: يَا كُمَيْلُ! إنَّ هَذِهِ القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، وورد في «النهج» لفظة مُعَلَّقَةٌ بدلاً من مُتَعَلِّقَةٌ. في أنّ الصلاة أسمي من كلّ موضوع آخر[23] ـ لقد فسّر الكثير من الاعلام الآية المباركة علی النحو الذي فسّرها به المصنّف رحمه الله، فقالوا بأنّ ذِكر الله أكبر من الصلاة. بَيدَ أنّ هذا المطلب لا يمكن القبول به، لاُمور: أوّلها: أنّ الصلاة هي بذاتها ذِكر، بل من أعظم مصاديق الذِّكر، لانّ روح الصلاة في جميـع أفعال الصلاة وأقوالها هو حضـور القلب، وهو حقيقة الذكر. وثانيها: أنّ هذه الا´ية، أي الآية 45، من السورة 29: العنكبوت: وَأَقِمِ الصَّلَو'ةَ إِنَّ الصَّلَو'ةَ تَنْهَي' عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَهِ أَكْبَرُ، لا تقول بأنّ ذِكر الله أكبر من الصلاة. بل وردت جملة وَلَذِكْرُ اللَهِ تعليلاً للجملة السابقة. أي أ نّها تريـد القـول بأنّ الصلاة ـ التي هي بذاتـها ذِكـر تنـهي عن الفحشاء والمنكَر لا نّها ذِكر الله الاكبر. وأنّ الصلاة أكبر وأشدّ تأثيراً في النهي عن الفحشاء والمنكر من أيّ شيء آخر. فإن لم نعتبر الجملة تعليليّة، فإنّ معناها سيبقي: أنّ الصلاة ـ التي هي ذِكر الله أكبر من الفحشاء والمُنكر، وأنّ ذِكر الله (أي الصلاة) أكبر وأعلی من كلّ لذّة وسرور غير مشروعَين. وثالثها: أنّ مذاق الشرع والرسول (الذي جاء بهذه الا´ية) يفيدان أنّ الصلاة أكبر وأعلی من كلّ عمل وموضوع ؛ فقد قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ. وقال: الصَّلاَةُ مِيزَانٌ، مَنْ وَفَّي اسْتَوْفَي. وقال: الصَّلاَةُ عَمُودُ الدِّينِ. وقال: إنَّمَا مَثَلُ الصَّلاَةِ كَمَثَلِ عَمُودِ الفُسْطَاطِ. وقال: أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ العَبْدُ عَنْهُ الصَّلاَةُ. وقال: الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ. وأصرحُ منها جميعاً ما رواه الكلينيّ في «الكافي» ج 3، ص 264، عن معاوية بن وَهَب قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ العِبَادُ إلی رَبِّهِم وَأَحَبِّ ذَلِكَ إلی اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ المَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الصَّلاَةِ، أَلاَ تَرَي أَنَّ العَبْدَ الصَّالِحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ قَالَ: «وَأَوْصَـ'نِي بِالصَّلَو'ةِ وَالزَّكَو'ةِ مَادُمْتُ حَيًّا». [24] ـ روي الكلينيّ في «أُصول الكافي» ج 1، ص 92 ؛ والصدوق في «التوحيد» ص 456 ؛ والمجلسيّ في «بحار الانوار» ج 2، ص 83، عن «المحاسن» للبرقيّ، بإسنادهم جميعاً، عن سليمان بن خالد قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «وَأَنَّ إلی' رَبِّكَ الْمُنتَهَي'» ؛ فَإذَا انْتَهَي الكَلاَمُ إلی اللَهِ فَأَمْسِكُوا. كما نقل المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 2، ص 82، عن تفسـير علی ابن إبراهيم في تفسير الآية المباركة وَأَنَّ إلی' رَبِّكَ الْمُنتَهَي'، عن ابن أبي عُمَير، عن جميل، قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إذَا انْتَهَي الكَلاَمُ إلی اللَهِ فَأَمْسِكُوا، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا دُونَ العَرْشِ وَلاَ تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ العَرْشِ، فَإنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ العَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ، حَتَّي كَانِ الرَّجُلُ يُنَادَي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ، وَيُنَادَي مِنْ خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. |
|
|