بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الاول/ القسم الثاني: روایات علماء اهل السنة فی مقام امیر المؤمنین علیه السلام، المخلصون و الحمد...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

روايات‌ علماء أهل‌ السنّة‌ المشهورين‌ في‌ مقام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌

 و سنذكر هنا بعض‌ الروايات‌ التي‌ أوردها علماء العامّة‌ المعروفون‌ في‌ كتبهم‌ ليتضّح‌ مقام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ و منزلته‌ في‌ نظرهم‌.

 فقد روي‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاري‌ انّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ قال‌: كَفُّ علی‌ٍّ كَفِّي‌[33].

 و من‌ البيّن‌ انّ المراد بإلید الاثار المترتّبة‌ علی‌ إلید من‌ الاخذ و العطاء و الكتابة‌ و الحرب‌ و غير ذلك‌، و اجمالاً فانّ المراد به‌ كلّ ما تفعله‌ إلید. ولانّ هذه‌ الافعال‌ مترتّبة‌ علی‌ إرادة‌ النفس‌ و اختيارها، فانّ تساوي‌ الكفيّن‌ سيلازم‌ المساواة‌ في‌ جميع‌ المبادي‌ و المراحل‌ الفعلیة‌ من‌ الحالات‌ النفسيّة‌ و مكارم‌ الاخلاق‌ و الصفات‌ الحسنة‌. و ورد أيضاً عن‌ أبي‌ بكر أن‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ قال‌:

 يَا أبابَكر كَِفّي‌ وَ كَفُّ علی فِي‌ الْعددِ سَواءٌ [34]. و في‌ رواية‌ أخري‌: يا أبابَكْر كَفِي‌ و كَفُّ علی‌ٍّ فِي‌ العدلِ سَواءٌ[35].

 و بالطبع‌ فانّ التساوي‌ في‌ العدل‌ كما بيّنا يتلازم‌ مع‌ تساوي‌ الصفات‌ النفسيّة‌ و مكارم‌ الاخلاق‌ و الإطّلاع‌ علی‌ السرائر، الذي‌ سينجم‌ عنه‌ في‌ مرحلة‌ الفعل‌ أن‌ تكون‌ أفعاله‌ و سيرته‌ كأفعال‌ و سيرة‌ النبي‌ّ الاكرم‌.

 و امّا التساوي‌ في‌ العدد فهو كناية‌ عن‌ التساوي‌ في‌ جميع‌ مراتب‌ القدرة‌ و مراحلها، فكلّ شي‌ يستطيع‌ الرسول‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ فعلَه‌ فانّ أميرالمؤمنين‌ هو الاخر يستطيع‌ فعله‌، لانّ إلید في‌ هذا التعبير الذي‌ افتُرض‌ لها عدد فيه‌ معلولٌ للقدرة‌ و ءالة‌ لإجراء النوايا النفسانية‌ و الإرادات‌ الروحيّة‌.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ هذا التعبير يبيّن‌ تساوي‌ قدرة‌ رسول‌ الله‌ مع‌ قدرة‌ علی علیه‌ السلام‌، و هكذا فانّ المعجزات‌ العجيبة‌ التي‌ ظهرت‌ علی‌ يد الرسول‌ الاكرم‌ موجودة‌ كلّها في‌ مركز إرادة‌ و قدرة‌ علی علیه‌ السلام‌.

 يروي‌ محبّ الدين‌ الطبري‌ في‌ (الرياض‌ النّضرة‌)، عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌ قال‌:

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: مَا مِنْ نَبِي‌ٍّ إلاّ و لَهُ نَظيرٌ فِي‌ أُمَّته‌، و علی‌ٌّ نَظِيري[36]‌.

 و هذه‌ الرواية‌ تبيّن‌ بأنّه‌ لا يوجد أحدٌ في‌ جميع‌ أمّة‌ رسول‌ الله‌ يُماثله‌ في‌ الصفات‌ الروحيّة‌ و الكمالات‌ النفسيّة‌ كعلی بن‌ أبي‌ طالب‌، فقد كان‌ مولي‌ الموحدين‌ وحده‌ نظيراً لرسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌.

 و جاء نظير هذه‌ الرواية‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌ برواية‌ صاحب‌ (الفردوس‌): قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءالهِ [ وسلّم‌: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ وَ لَهُ نَظِيرٌ من‌ أمّتي‌... إلی‌ أن‌ قال‌ وَ علی‌ُّ بنُ أَبِي‌ طَالِبٍ نَظِيرِي‌ [37]. و يقول‌ في‌ (صحيح‌ البخاري‌) في‌ باب‌ مناقب‌ علی:

 قَال‌ النبيُّ صلّي‌ اللَهُ علیه‌ ] و  ءالِه‌ [ و سَلَّم‌ لِعلی: أَنْتَ مِنِّي‌ وَ أَنَا مِنْكَ [38].

 و هذا التعبير يبيّن‌ غاية‌ الإتحاد و التلاحم‌ مع‌ علی علیه‌ السلام‌، كأنّ وجودهما كان‌ وجوداً واحداً تجلّي‌ في‌ جسميْن‌.

 كما نقل‌ ابن‌ حجر الهيتمي‌ المكيّ في‌ (الصواعق‌ المحرقة‌)[39]، عن‌ البراء بن‌ عازب‌؛ و نقل‌ محبّ الدين‌ الطبري‌ في‌ (الرياض‌ النضرة‌) انّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءالِه‌ [ و سَلَّم‌ قال‌: علی مِنّي‌ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِي‌ مِنْ بَدَنِي‌[40].

 و هذا التعبير يدلّل‌ علی‌ غاية‌ الاتّحاد و التكاتف‌ و التلاحم‌، فرسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ يقول‌: كما انّ الجسم‌ لا حياة‌ له‌ بدون‌ الرأس‌، فانّ حياتي‌ مرتبطة‌ و منوطة‌ بحياة‌ علی. و يروي‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) عن‌ عبدالله‌ بن‌ مسعود أن‌ رسول‌ الله‌ قال‌:

 علی‌ٌّ مِنّي‌ مثلُ رَأْسِي‌ مِنْ بَدَنِي‌[41].

 و يروي‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) عن‌ أبي‌ هُريرة‌ أنّه‌ قال‌:

 كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ اللَهُ علیه‌ ] و ءَالِهِ [ و سَلَّم‌ بَعَثَ بَعْثَيْنِ، و بَعَثَ علی‌ أَحَدِهِما علیاً وَ علی‌ الآخَرِ خالِدَ بْنَ الْوَليدِ،

 و قالَ: إذَا الْتَقَيْتُمْ فَعلی علی‌ النَّاس‌، و إذا افْتَرَقْتُمْ فَكُلٌّ علی‌ جُنْدِهِ، فَلَقينا بَني‌ زُبيدة‌، فاقْتَتَلْنا و ظَفَرْنا علیهم‌، و سَبَيْنَاهُم‌، فَاصْطَفَي‌ علی مِنَ السَّبْي‌ واحِدًا لِنَفْسِهِ.

 فَبَعَثَني‌ خالِدٌ إلی‌ النَّبيِّ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ حَتّي‌ أُخْبِره‌ ذ'لكَ، فَلَمّا أَتَيْتُ و أَخْبَرْتُهُ فَقُلْتُ: يا رَسولَ الله‌ بَلَّغتُ ما أُرْسِلْتُ بِهِ؟

 فقالَ: لاَ تَقَعُوا فِي‌ علی‌ٍّ، فَإنَّهُ مِنّي‌ و أَنَا مِنْهُ، و هُوَ وَليّي‌ وَ وَصِيّي‌ مِنْ بَعْدِي‌ [42]. رواه‌ الإمام‌ أحمد في‌ مسنده‌.

 و روي‌ ابن‌ الاثير في‌ (أسد الغابة‌) [43]، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ عمران‌ بن‌ الحصين‌؛ و القندوزي‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) [44] عن‌ (سنن‌ الترمذي‌) عن‌ عمران‌ بن‌ الحصين‌؛ كما روي‌ محبّ الدين‌ الطبري‌ عن‌ عمران‌ بن‌ الحصين‌ [45] قال‌:

 بعث‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ جيشاً، و استعمل‌ علیهم‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌، فمضي‌ في‌ السريّة‌ فأصاب‌ جارية‌، فأنكروا علیه‌، وتعاهد أربعة‌ من‌ أصحاب‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ فقالوا: اذا لقينا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ أخبرناه‌ بما صنع‌ علی. و كان‌ المسلمون‌ اذا رجعوا من‌ السفر بدأوا برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ وسلّم‌، فلمّا قدمت‌ السريّة‌ فسلّموا علی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ وسلّم‌ فقام‌ أحد الاربعة‌ فقال‌: يا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ ألم‌ تَرَ إلی‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ صنع‌ كذا و كذا؟ فأعرض‌ عنه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌، ثمّ قام‌ الثاني‌ فقال‌ مثل‌ مقالته‌، فأعرض‌ عنه‌، ثمّ قام‌ الثالث‌ فقال‌ مثل‌ مقالته‌، فأعرض‌ عنه‌، ثم‌ قام‌ الرابع‌ فقال‌ مثل‌ ما قالوا: فَأقبَلَ إلیهِم‌ رَسولُ اللَهِ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءالِه‌ [ و سَلّم‌ و الْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي‌ وَجْهِهِ، فقالَ: ما تُريدُونَ مِنْ علی‌ٍّ؟ مَا تُريدُونَ مِنْ علی‌ٍّ؟ ما تُرِيدُونَ مِنْ علی‌ٍّ؟ إنّ علیا مِنِّي‌ و أَنَا مِنْ علی‌ٍّ، وَ هُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي‌[46].

 بلي‌، أنّي‌ لاولئك‌ الذين‌ لم‌ يتحمّلوا رؤية‌ علی و هو يأخذ تلك‌ الاَمَة‌ بينما كان‌ قوام‌ الإسلام‌ مرهوناً بتضحياته‌ الفريدة‌، أن‌ يتحمّلوا رؤيته‌ علیه‌ السلام‌ و هو يتزعّم‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ و يُمسك‌ بيده‌ زمام‌ أمور المسلمين‌؟!

 لذا فقد فعلوا معه‌ ما فعلوا، فقضي‌ ثلاثين‌ عاماً مُمتحناًيتجرّع‌ الغصص‌، إلی‌ أن‌ انهالوا بالسيف‌ علی‌ مفرقه‌ الشريف‌ و هو في‌ محرابه‌، ودفنوا تلك‌ الروح‌ الكليّة‌ و الحياة‌ السرمديّة‌ تحت‌ الارض‌، فبكي‌ في‌ عزائه‌ قلوب‌ الجنّ و الإنس‌ و وحوشُ الفلوات‌ و طيور السماء.

 يكتب‌ ابن‌ الاثير: وَ أَنْبَأَنا جَدّي‌، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ علی عن‌ عُبيدِاللهِ بنِ موسي‌، حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ كثير عَنْ أبيه‌ قالَ: خَرَج‌ علی لِصَلو'ةِ الفَجْرِ فَاسْتَقْبَلَهُ الاَوزُ يَصِحْنَ فِي‌ وَجهِهِ؛ قالَ: فجَعَلْنا نَطْرُدهنَّ عَنْهُ.

 فقالَ: دَعوهُنَّ فإنَّهُنَ نَوائحٌ؛ وَ خَرَجَ فَأُصِيبَ[47].

 بلي‌ لقد بكت‌ طيور السماء و وحوش‌ الفلوات‌ في‌ عزاء ابنه‌ أيضاً؛ يقول‌ ابن‌ شهر ءاشوب‌: و دفن‌ جثثهم‌ بالطفّ أهلُ الغاضريّة‌ من‌ بني‌ أسد بعد ما قتلوه‌ بيوم‌، و كانوا يجدون‌ لاكثرهم‌ قبوراً، و يرون‌ طيوراً بيضاً [48].

 يروي‌ المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ علیه‌ عن‌ بعض‌ مؤلّفات‌ الاصحاب‌ انّه‌ روي‌ عن‌ طريق‌ أهل‌ البيت‌:

 أَنَّهُ لَمَّا استُشهِدَ الْحُسَيْنُ علیه‌ السلامُ بَقِي‌َ فِي‌ كَربَلا صَرِيعًا، وَ دَمُهُ علی‌ الارضِ مَسْفوحًا، وَ إذا بِطايِرٍ أَبْيَض‌ قَد أَتَي‌ وَ تَمَسَّحَ بِدَمِهِ؛ وَ جَاءَ وَ الدَّمُ يَقْطُرُ مِنهُ فَرَأي‌ طُيُورًا تَحتَ الظِّلاَلِ علی‌ الغُصُونِ وَالاشْجارِ، وَ كُلٌّ مِنهُم‌ يَذْكُرُ الْحَبَّ والْعَلَفَ و المَاءَ.

 فَقَالَ لَهُم‌ ذَلِكَ الطَّيرُ المُلَطِخُ بالدَّمِ: يَا وَيْلَكُمْ! أَتشتِغِلُونَ بِالمَلاَهي‌، وَذِكْرِ الدُّنيَا والمَناهي‌، وَالحُسَيْنُ فِي‌ أرْضِ كَرْبَلاَ فِي‌ ه'ذَا الحَرِّ مُلقَيً علی‌ الرَّمضاءِ ظَامِي‌ٌ مَذبُوحٌ وَ دَمُهُ مَسْفُوحٌ.

 فَعَادَتِ الطُيورُ، كُلٌّ مِنهُم‌ قَاصِدًا كَرْبلاَ؛ فَرَأُوا سَيِّدَنَا الْحُسَينَ علیه‌ السَّلامُ مُلْقَيً فِي‌ الاْرضِ جُثَّةً بِلا رَأْسٍ وَ لاَ غُسلٍ وَ لاَ كَفَنٍ، قَد سَفَّتْ علیهِ السَّوافي‌، وَ بَدَنُهُ مَرْضُوضٌ، قَدْ هَشَمَتْهُ الْخَيلُ بِحَوَافِرِهَا؛ زُوَّارُهُ وُحُوشُ الْقِفَارِ، وَ نَدَبَتْهُ جِنُّ السُّهُولِ و الاَوْعَارِ، قَدْ أَضَاءَ التُّرابُ مِن‌ أَنوارِهِ، وَ أَزْهَرُ الجَوُّ مِن‌ أَزهَارِه‌.

 فَلَمَّا رَأَتهُ الطُّيورُ تَصَاَيَحْنَ، وَ أَعْلَنَّ بالْبُكاءِ والثُّبورِ وَ تَوَاقَعْنَ علی‌ دَمِهِ يَتَمَرَّغْنَ فِيهِ، وَ طارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلی‌ نَاحِيَةٍ يُعْلِمُ أَهْلَهَا عَنْ قَتْلِ أَبي‌ عَبْدِاللَهِ علیه‌ السّلامُ[49].

 الرجوع الي الفهرس

مضامين‌ زيارة‌ سيّد الشهداء علیه‌ السّلام‌ في‌ الاول‌ من‌ رجب‌

 و نقرأ في‌ زيارته‌ علیه‌ السّلام‌ في‌ أوّل‌ رجب‌:

 يَا أبَا عَبدِاللَهِ، أَشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمَائِكُمْ أَظِلَّةُ العَرْشِ مَعَ أَظِلَّةِ الْخَلائِقِ، وَ بَكَتْكُمُ السَّمَاءُ و الاْرضُ و سُكَّانُ الجِنَانِ وَ البَرِّ وَ البَحْرِ.

 صَلَّي‌ اللهُ علیكَ عَدَدَ مَا فِي‌ عِلْمِ اللهِ، لَبَّيْكَ دَاعِي‌َ اللَهِ، إنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي‌ عِندَ اسْتِغاثَتِكَ، وَ لِسَانِي‌ عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ، فَقَد أَجَابَكَ قَلْبِي‌ وَ سَمْعِي‌ وَبَصَرِي‌، سُبحَانَ رَبِّنَا، إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا[50].

 (بدين‌ وعده‌ گر جان‌ فشانم‌ رواست‌.)[51]

فَبَشِيرِي‌ لَوْ جَاءَ مِنكَ بِعَطْفٍ         وَ وُجُودِي‌ في‌ قَبْضَتِي‌ قُلْتُ هَاكَا

 بشكر ءانكه‌ شكفتي‌ بكام‌ بخت‌ اي‌ گل‌         نسيم‌ وصل‌ ز مرغ‌ سَحَر دريغ‌ مَدار [52]

 الرجوع الي الفهرس

 

 الدرس‌ الثالث‌:

في‌ امتيازات‌ العباد المصطفين‌

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ علی‌ غَيْبِهِ  أَحَدًا * إلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ  رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن‌ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لَـ'تِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَ أَحْصَي‌' كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [53].

 يمتلك‌ الإنسان‌ أعضاء و جوارح‌ مختلفة‌، كما يمتلك‌ غرائز و صفات‌ متفاوتة‌، كالغضب‌ و كالرغبة‌ في‌ الطعام‌، و الدفاع‌ عن‌ النفس‌، و حبّ الجاه‌ و سائر اللذائذ، و غريزة‌ الإنتقام‌ و العبوديّة‌ و الإيثار و غير ذلك‌.

 و من‌ البيّن‌ انّه‌ يجب‌ ان‌ يستخدم‌ كلّ واحد منها في‌ محلّه‌ المناسب‌، ويصرفه‌ بقدرٍ معيّن‌، و الاّ أصبح‌ ذلك‌ باعثاً علی‌ ضرره‌ و هلاكه‌، و السبب‌ في‌ ذلك‌ عدم‌ استخدامه‌ لقوي‌ العقل‌ و الإدراك‌.

 فلو أحبّ شخصٌ ما ـ مثلاً ـ عند تناول‌ طعامه‌ أن‌ يتمتّع‌ بشكل‌ كامل‌ وبلا حدٍّ معيّن‌ بلذائذ الاطعمة‌، فانّه‌ سيموت‌ نتيجة‌ الإفراط‌ في‌ الاكل‌ والشرب‌؛ و لو انّ شخصاً لم‌ يتبع‌ عقله‌ في‌ إعمال‌ غريزته‌ الجنسيّة‌، فانّه‌ سيتهاوي‌ في‌ أحضان‌ الموت‌ بسبب‌ الإفراط‌ فيهلك‌.

 انّ احدي‌ الغرائز في‌ الانسان‌ هي‌ حبّ الله‌ و الوصول‌ إلی‌ كمال‌ الاطمئنان‌، و الفوز بلقاء الله‌ و الوصول‌ إلی‌ مقام‌ عزّه‌؛ و ما لم‌ يصل‌ الإنسان‌ إلی‌ هذه‌ الغاية‌ فانّه‌ لن‌ يهدأ و لن‌ يستقرّ.

 و يحتاج‌ الانسان‌ من‌ أجل‌ الوصول‌ إلی‌ هذا المقام‌ إلی‌ مجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌، أي‌ إلی‌ أن‌ يكون‌ مراقباً لنفسه‌ كلّ لحظة‌ لئلاّ يرتكب‌ أيّ عمل‌ مخالف‌ لرضا الله‌ تعالی‌، و لكي‌ يكون‌ عمله‌ صالحاً حسناً؛ فالإخلاص‌ في‌ العمل‌ الصالح‌ هو الوسيلة‌ الوحيدة‌ لإدراك‌ المقصود؛

 فَمَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ  فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَ لاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ  أحَدًا [54].

 فيُعرض‌ في‌ كلّ خطوةٍ يخطوها عن‌ نزوات‌ النفس‌ و تزيين‌ إبليس‌، ويتوكّل‌ علی‌ الله‌ و يُوكل‌ قلبه‌ إلیه‌، و يبعد الخواطر الشيطانيّة‌ عن‌ ضميره‌، ويُسكّن‌ نفسه‌ المضطربة‌ الجيّاشة‌ بذكر الله‌ تعالی‌.

 و يحتاج‌ هذا العمل‌ إلی‌ مجاهدة‌ النفس‌، و الوصول‌ إلی‌ منزل‌ الإخلاص‌ ليُصبح‌ من‌ المخلصين‌، فلا يحسب‌ له‌ هدفاً في‌ جميع‌ الامور من‌ العبادات‌ و غيرها الاّ الله‌ تعالی‌، و يكون‌ عمله‌ خالصاً لوجهه‌ الكريم‌.

 و ذلك‌ لانّ قلب‌ الإنسان‌ لا يخلو من‌ هجوم‌ الافكار و الخيالات‌ الواردة‌ علی‌ القلب‌، حتّي‌ حال‌ السكون‌ و الإستراحة‌، إذ يهجم‌ سيل‌ الخواطر علی‌ قلب‌ الإنسان‌ بدون‌ اختياره‌، و لا تكفّ هذه‌ الخواطر عنه‌ حتّي‌ حال‌ نومه‌.

 و لذلك‌ ينبغي‌ علی‌ الانسان‌ من‌ أجل‌ تسكين‌ القلب‌ و تهدئته‌، أن‌ يقاوم‌ هجوم‌ الخواطر بذكر الله‌ و المجاهدة‌ القويّة‌ للنفس‌، و أن‌ يحفظ‌ قلبه‌ عن‌ أن‌ تتصرّف‌ فيه‌، و أن‌ يكفّ نفسه‌ عن‌ نواياه‌ الشخصيّة‌ كلّ لحظة‌، فيرجحّ اختيار الباري‌ و رضاه‌ علی‌ اختياره‌ و رضاه‌.

 و اذا ما تمكّن‌ الانسان‌ ـ بعون‌ الله‌ و توفيقه‌ ـ من‌ الصمود في‌ هذه‌ المرحلة‌، و في‌ الاستمرار في‌ مجاهدته‌، فانّ جميع‌ مراتب‌ عبادة‌ الشخصيّة‌ و الإستكبار و النزعة‌ الإستقلإلیة‌ فيه‌ ستودّع‌ و تنصرف‌، فيحلّ محلّها ذلُّ العبوديّة‌ نسبةً لساحة‌ المعبود، و روح‌ طلب‌ الله‌ و الفاقة‌ إلیه‌ سبحانه‌، وسيخرج‌ من‌ عبادة‌ نفسه‌ إلی‌ عبادة‌ الله‌ و يشاهد في‌ نفسه‌ حقيقة‌ العبوديّة‌، فيسكن‌ قلبه‌ و يكفّ عن‌ التقلّب‌ و الجيشان‌، و يُهدي‌ من‌ الإضطراب‌ والحيرة‌ إلی‌ الاطمئنان‌ و السكينة‌، و يصبح‌ وجوده‌ و سرّه‌ منزّهاً و طاهراً، لا تعرف‌ الخواطر الشيطانيّة‌ طريقها إلیه‌، و لا ترده‌ سائر الخواطر الاّ بإذنه‌، و لا تنفذ فيه‌ الاّ بإجازته‌.

 و ذلك‌ لانّ القلب‌ سيصبح‌ ءانذاك‌ منزّهاً مصقولاً بصقل‌ المحبّة‌ والعبوديّة‌، لذا فانّ الجمال‌ و النور الالهي‌ سيكونان‌ مشهوديْن‌ فيه‌، وسيصبح‌ مرءاةً يعكس‌ ذات‌ و أسماء و صفات‌ المعبود، و هذا هو مقام‌ المخلصين‌ الذي‌ هو أعلی‌ و أسمي‌ المقامات‌.

 و تبعاً للايات‌ القرءانية‌ فانّ هذه‌ الفئة‌ تمتلك‌ خصائص‌ معيّنة‌ هي‌:

 الرجوع الي الفهرس

عبادالله‌ المخلصون‌ مصانون‌ عن‌ المعصية‌

 أوّلاً: انّ الشيطان‌ و النفس‌ الامّارة‌ لا سلطان‌ لهما علیهم‌، فقد يأسا منهم‌ يأساً تامّاً، فلا يستطيعان‌ النفوذ أو التأثير في‌ نفوسهم‌ و لو بأدني‌ قدر.

 وَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلاَّ عَبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[55].

 قَالَ فَبِعِزَّتِّك‌ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [56].

 انّ الشيطان‌ يعترف‌ هنا بعجزه‌ عن‌ حرفهم‌ عن‌ طريقهم‌، لانّ قلوبهم‌ صارت‌ محّلاً لله‌، و جليٌّ أنّ مثل‌ هذا المكان‌ لا قدرة‌ للشيطان‌ علی‌ الاستيلإ علیه‌ أو التصرّف‌ فيه‌. و سيكون‌ هؤلاء الافراد مصونين‌ محفوظين‌ دائماً في‌ حرم‌ الله‌ من‌ كلّ ذنب‌ فعلیاً كان‌ أو قوليّاً أو فكريّاً أو قلبياً أو سرّيّاً. كما انّهم‌ سيخلون‌ من‌ كلّ خطأ و ذنب‌، و سيكون‌ فعلهم‌ فعل‌ الحقّ، ولسانهم‌ لسان‌ الحقّ، و أعينهم‌ أعين‌ الحق‌، و ءاذانهم‌ ءاذان‌ الحقّ؛ و في‌ النهاية‌ فانّ مركز وجودهم‌ متعلّق‌ بحضرة‌ الحقّ، و ستكون‌ بيوت‌ قلوبهم‌ و أسرارهم‌ كلّها مسلّمة‌ خالصة‌ لله‌ المنّان‌.

 و جليٌّ أنّ وارداتهم‌ القلبيّة‌ بإذن‌ الحقّ و أمره‌، و كلّ ما يتلقّاه‌ ضميرهم‌ من‌ العوالم‌ العلويّة‌، سواءً في‌ هيئة‌ الوحي‌ و تشريع‌ الشريعة‌، أو بعنوان‌ إدراك‌ المطالب‌ الكليّة‌ و العلوم‌ الحقيقيّة‌ و الاطّلاع‌ علی‌ الاسرار والمغيّبات‌، و ذلك‌ من‌ شأن‌ الإمام‌ و أولياء الله‌؛ و علی‌ كلّ حال‌ فانّ قلوبهم‌ ستكون‌ معصومة‌ و عارية‌ عن‌ كلّ خطأ أو ذنب‌.

 الرجوع الي الفهرس

عبادالله‌ المخلصون‌ يمكنهم‌ حمدالله‌ كما يليق‌ بشأنه‌

 و ثانياً: باعتبار انّ أفكارهم‌ و أسرارهم‌ قد اتّسعت‌، و انّهم‌ قد اجتازوا جميع‌ مراحل‌ الوجود و تحقّقوا بذات‌ الحقّ، فانّهم‌ ـ لذلك‌ ـ يستطيعون‌ أن‌ يحمدوا الله‌ و يُثنوا علیه‌ كما يليق‌ بذاته‌ المقدّسة‌.

 سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخلَصِينَ [57].

 ذلك‌ لانّ كلّ موجود يريد حمد الله‌ فانّه‌ يحمده‌ حسب‌ استعداده‌ وظرفيّته‌، و بقدر فكره‌ و علمه‌، و حضرة‌ الحقّ أعلی‌ من‌ مقدار و مدي‌ علمه‌ و ظرفيّة‌ وجوده‌، لذلك‌ فانّ أيّ موجود لن‌ يستطيع‌ أن‌ يحمده‌ كما يليق‌ به‌ و كما هو شأنه‌؛ و علیه‌ فانّ التسبيح‌ ينبغي‌ ان‌ يقترن‌ دوماً بالحمد، أي‌ اننّا في‌ نفس‌ اللحظة‌ التي‌ نحمدك‌ فيها و نُثني‌ علیك‌ بجميع‌ مراتب‌ الجمال‌ و الكمال‌، فانّنا نُنزّهك‌ و نقدّسك‌ عن‌ أن‌ يكون‌ حمدنا لائقاً بمقام‌ عزّك‌ و جلالك‌ و عظمتك‌:

 سُبْحَـ'نَ رَبِّي‌َ الاَعلی‌ وَ بِحَمْدِهِ ـ سُبحَـ'نَ رَبِّي‌َ الْعَظِيمِ وَ بِحَمْدِهِ ـ وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلَـ'ئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ[58].

 فرعد السّماء و الملائكة‌ يُسبّحون‌ الله‌ مع‌ حمدهم‌ له‌ علی‌ الدوام‌، وذلك‌ خوفاً منه‌ و إحساساً بحقارتهم‌ أمام‌ عظمته‌:

 وَ إن‌ مِّن‌ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـ'كِن‌ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[59].

 إنّ جميع‌ الموجودات‌ بلا استثناء تعترف‌ بتحميدها و تمجيدها بعدم‌ وصول‌ الحمد و الشكر إلی‌ ساحة‌ قُدسه‌، و لذا فانّها تقوم‌ ـ مع‌ حمدها ـ بالتنزيه‌ و التقديس‌ و تعتبر ذات‌ الباري‌ المقدّسة‌ أعلی‌ و أنزه‌ من‌ أمثال‌ هذا الحمد. أمّا عبادالله‌ المخلصين‌ الذين‌ لا يُشاهد فيهم‌ أيّ جانب‌ مستقلّ للوجود، فقد صار وجودهم‌ وجوداً للحقّ، و قلوبهم‌ عرشاً لذاته‌؛ فانّهم‌ يستطيعون‌ أن‌ يحمدوا الله‌ كما يليق‌ به‌. و في‌ الحقيقة‌ فانّ الله‌ يحمد نفسه‌ بنفسه‌.

 الرجوع الي الفهرس

عدم‌ منافات‌ هذا المقام‌ مع‌ جملة‌ (مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ)

 و هذا التقريب‌ لا يُنافي‌ جملة‌ (مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ)، لانّ مفاد هذه‌ الجملة‌ عرض‌ الذلّ و الفقر في‌ عالم‌ الإمكان‌ و الكثرة‌، كما انّ مفاد:

 سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ [60].

 هو تحقّق‌ الفناء الحقيقي‌ في‌ جميع‌ مراتب‌ الاسماء و الصّفات‌ و ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، و في‌ ذلك‌ المقام‌ للفناء المطلق‌، فانّ أدني‌ شائبة‌ للوجود و لإظهار الانانيّة‌ هي‌ الكفر و الشرك‌، و ما أبعد ذلك‌ عن‌ ساحة‌ إخلاص‌ المخلصين‌!

 و ثالثاً: فليس‌ هناك‌ مؤاخذة‌ أو محاسبة‌ و لا استجواب‌ لهؤلاء، وليس‌ هناك‌ سؤال‌ في‌ القبر و لا منكر و نكير، و لا حشر و لا عرض‌، و لا كتاب‌ ولا ميزان‌ و لا صراط‌:

 فَإنَّهُمْ لَمَحْضُرونَ * إلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ [61].

 فكلّ بني‌ الإنسان‌ يحضرون‌ امام‌ عدل‌ الله‌ و يُسئلون‌ و يُعرضون‌ الاّ عباد الله‌ المخلصين‌ الذين‌ لا سؤال‌ لهم‌ و لا عرض‌، لانّهم‌ تخطّوا محلّ المؤاخذة‌ و السؤال‌ بمجاهداتهم‌ النفسانية‌ و إخلاصهم‌ في‌ العمل‌ و القول‌ والفكر و السرّ، و وردوا في‌ حرم‌ الله‌ في‌ المحلّ الرفيع‌ المعدّ للمخلصين‌، واستقرّوا هناك‌.

 و في‌ الحقيقة‌ فانّ الإنسان‌ الذي‌ سلّم‌ وجوده‌ لله‌، فلم‌ يبقَ له‌ شي‌ء ليُسئل‌ عنه‌، بل‌ انّ السؤال‌ و الكتاب‌ للذين‌ فيهم‌ شوائب‌ من‌ الربوبيّة‌، والذين‌ بدرت‌ منهم‌ أعمال‌ تبعاً لتلك‌ الشوائب‌؛ امّا الّذي‌ لم‌ يبق‌ فيه‌ غير حقيقة‌ العبوديّة‌ المحضة‌، و الذي‌ تضجّ جميع‌ مراتب‌ وجوده‌ بالنداء بفقره‌ وحاجته‌ و فاقته‌ و ذلّ عبوديّته‌، فكيف‌ يُتصوّر له‌ الحضور و السؤال‌؟!

 هؤلاء العباد لا يموتون‌، بل‌ هم‌ أحياء دوماً بحياة‌ الحقّ، لانّهم‌ أصبحوا وجه‌ الله‌ و صاروا خلفاءه‌ و مُظهري‌ ذاته‌. و من‌ الجليّ انّ الهلاك‌ والبوار في‌ المراحل‌ التي‌ يكون‌ فيها الوجود غير وجود الحقّ و غير وجهه‌.

 وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي‌ الصُّورِ فَفَزِعَ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ  تِ وَ مَنْ فِي‌ الارْضِ إلاَّ مَن‌ شَآءَ اللَهُ [62].

 وَ نُفِخَ فِي‌ الصُّورِ فَصَعِقَ مَن‌ فِي‌ السَّمَواتِ وَ مَنْ فِي‌ الاَرْضِ إلاَّ مَن‌ شَآءَ اللَهُ [63].

 و يُلاحظ‌ في‌ هاتين‌ الايتين‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ و تعالی‌ قد استثني‌ فئةً، وهم‌ الذين‌ تعلّقت‌ بهم‌ مشيئة‌ الله‌ فلا يريد لهم‌ الهلاك‌، فلا خوف‌ و لا هلاك‌ لهم.

 و نشاهد من‌ جانب‌ ءاخر أنّ الله‌ سبحانه‌ و تعالی‌ يقول‌ انّ جميع‌ الموجودات‌ ستهلك‌ بلا استثناء الاّ وجه‌ الله‌.

 كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ[64].

 كُلُّ مَنْ علیهَا فَانٍ * وَ يَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ[65].

 و نستنتج‌ من‌ هاتين‌ الايتين‌ و اللتين‌ قبلهما بأنّ نفس‌ الافراد الذين‌ أخلصهم‌ الله‌ و الذين‌ لا يموتون‌ بواسطة‌ النفخ‌ في‌ الصور، هم‌ الذين‌ أصبحوا ـ بكلّ معني‌ الكلمة‌ ـ وجه‌ الله‌ و مُظهري‌ أمره‌، أي‌ أولياء الله‌ والمقرّبين‌ إلیه‌.

 و بضمّ هذه‌ النتيجة‌ إلی‌ الاية‌ السابقة‌ القائلة‌:

 فَإنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ.

 فاننا نستفيد بأنّ عبادالله‌ المخلصين‌ ليس‌ علیهم‌ سؤال‌ و لا استجواب‌ و لا موت‌ و لا إنعدام‌، بل‌ هم‌ أحياء دوماً بحياة‌ الحق‌، حياةً سرمديّة‌ دائمة‌.

 رابعاً: انّ الله‌ العلی الاعلی‌ لم‌ يجعل‌ لعباده‌ المخلصين‌ جزاءً محدوداً أو معيّناً، لان‌ كلّ ما سيُعطيهم‌ من‌ الجنّة‌ و نعيمها أقلّ من‌ مقامهم‌ و منزلتهم‌، بل‌ انّ جزاءهم‌ نفس‌ الذات‌ الاحديّة‌ و مشاهدة‌ أنوار جمالها فقط‌.

 وَ مَا تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ [66].

 جزاؤهم‌ لا يعدّ و لا يُحصي‌، لانّهم‌ اجتازوا النفس‌ و عالم‌ المقدار ووصلوا إلی‌ بحر العظمة‌ و الجلال‌، لذا فانّ نفس‌ التحقّق‌ في‌ ذلك‌ المقام‌ هو جزاؤهم‌ اللامتناهي‌ الذي‌ لا حدّ له‌.

 و الخلاصة‌ فانّه‌ يُستفاد من‌ هذه‌ الايات‌ التي‌ وردت‌ في‌ شأن‌ المخلصين‌ و مقامهم‌ و منزلتهم‌، أنّ المخلصين‌ من‌ عبادالله‌ هم‌ غير سائر العباد من‌ جميع‌ الوجوه‌، لانّهم‌ مصونون‌ بصيانة‌ الربّ ذي‌ الجلال‌، فليس‌ فيهم‌ أي‌ّ ءافة‌ من‌ الذنب‌ و المعصية‌ التي‌ تنجم‌ عن‌ سيطرة‌ الشيطان‌ و النفس‌ الامّارة‌. و هذا هو معني‌ العصمة‌ من‌ الذنوب‌ التي‌ يبيّنها الله‌ تعالی‌ في‌ القرءان‌ الكريم‌.

 كَذَ  لِكَ لِنَصْرِفُ عَنْهُ السُّو´ءَ وَالْفَحْشَآءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[67].

 اي‌ انّنا حفظنا يوسف‌ علیه‌ السلام‌ من‌ الابتلاء بالذنب‌ مع‌ زليخا، لانّه‌ كان‌ من‌ عبادنا المخلصين‌؛ فكلّ من‌ ينال‌ مرتبة‌ و مقام‌ المخلصين‌ إذن‌ سيكون‌ محفوظاً و مصوناً من‌ قبل‌ الله‌ تعالی‌ من‌ كلّ مُنكر و قبيح‌. يُضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أنّ حياتهم‌ باعتبارها قد أصبحت‌ حياة‌ الحقّ، و انّهم‌ قد اجتازوا عالم‌ المقدار، فليس‌ فيهم‌ بَعْدُ وجودٌ للخواطر المغيّرة‌ و المبدّلة‌ للنفس‌، فانّهم‌ سيمتلكون‌ مقام‌ العصمة‌ في‌ تلقّي‌ المعارف‌ الالهيّة‌ و العلوم‌ الكليّة‌ وحفظها و إبلاغها، و سيكونون‌ مصونين‌ بصيانة‌ الحضرة‌ الاحدية‌.

 الرجوع الي الفهرس

المراحل‌ الثلاث‌ لعصمة‌ الانبياء

 و يمكن‌ الاستفادة‌ من‌ الاية‌ الشريفة‌ التي‌ ذكرناها في‌ مطلع‌ الدرس‌ في‌ اثبات‌ جميع‌ المراتب‌ الثلاثية‌ للعصمة‌ في‌ الذين‌ بُعثوا لهداية‌ الناس‌ وإرشادهم‌.

 عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ علی‌ غَيْبِهِ أَحَدًا * إلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ.

 اي‌ اولئك‌ الذين‌ يصبحون‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، و من‌ زاوية‌ العقائد، ومن‌ زاوية‌ الصفات‌ النفسيّة‌ و الروحيّة‌ مورد رضا الله‌ سبحانه‌، و اولئك‌ الذين‌ نالوا مرحلة‌ العبوديّة‌ المحضة‌، و خرجوا عن‌ الغرور و العُجب‌ والانانيّة‌ في‌ جميع‌ المراحل‌، فأصبحوا مرضيّين‌ من‌ قبل‌ الله‌.

 و معلومٌ انّ الإنسان‌ ما لم‌ يصل‌ إلی‌ هذه‌ المنزلة‌، فانّه‌ لن‌ يصبح‌ مورداً للإرتضاء المطلق‌ من‌ ربّه‌ [68]، و هذه‌ هي‌ مرتبة‌ المخلصين‌. و في‌ هذه‌ الحالة‌ فانّ الله‌ سيكشف‌ له‌ الستار و الحُجب‌ القلبيّة‌ و يُطلعه‌ علی‌ علم‌ غيبه‌ و علی‌ كلّ ما هو خارج‌ عن‌ متناول‌ يد جميع‌ أفراد الجنّ و الإنس‌ و الملائكة‌.

 و بالطبع‌ فلانّ الله‌ يُفهم‌ الإنسان‌ علمه‌ الغيبي‌ّ دون‌ أي‌ تغيير أو تبديل‌، و دون‌ أي‌ نقص‌ أو خلل‌، فإن‌ قلبه‌ ينبغي‌ أن‌ يقع‌ في‌ مقام‌ عصمة‌ الله‌ و صيانته‌، و الاّ لتصرّف‌ بنفسه‌ في‌ تلقّي‌ ذلك‌ العلم‌ و لانحرف‌ و بدّل‌ في‌ أخذه‌، و هذه‌ هي‌ مرحلة‌ العصمة‌ في‌ تلقّي‌ المعارف‌ الحقّة‌: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لـ'تِ رَبِّهِمْ وَ أَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَ أَحْصَي‌' كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا[69].

 و لانّ قلبه‌ صافٍ و بعيد عن‌ متناول‌ يد الشيطان‌، فانّه‌ ـ بعد التلقّي‌ الصحيح‌ ـ سيحفظ‌ كلّ تلك‌ المعارف‌ و العلوم‌ الكليّة‌ و يحوّلها و ينقلها كما أخذها، و هذه‌ هي‌ مرحلة‌ في‌ تبليغ‌ و إيصال‌ الاحكام‌ و المعارف‌.

 فالله‌ سبحانه‌ و تعالی‌ يجعل‌ رصداً و حرّاساً في‌ أطراف‌ قلبه‌ و جوانبه‌ و بين‌ يديه‌ و من‌ خلفه‌ لكي‌ لا تؤثرّ فيه‌ إلقاءات‌ الجنّ و الإنس‌، و لا تجد وساوس‌ النفس‌ و ابليس‌ سبيلاً إلی‌ قلبه‌، و هذه‌ هي‌ المصونيّة‌ الالهيّة‌، لان‌ الله‌ اذا وكلَ الإنسان‌ إلی‌ نفسه‌ و رفع‌ يده‌ عن‌ حمايته‌ و حفظه‌، فانّه‌ سيواجه‌ ءالاف‌ الافات‌، فذلك‌ القلب‌ محفوظ‌ عن‌ جميع‌ الشرور، مِنْ شَرِّ الْخَنَّاسِ الَّذِي‌ يُوَسْوِسُ فِي‌ صُدُورِ النَّاسِ، و من‌ شرّ جميع‌ ما خلق‌، و من‌ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي‌ الْعُقَدِ و حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ؛

 لا يؤثّر علیه‌ سحرٌ و لا طلسمة‌، و لا قدرة‌ النفس‌ الامّارة‌ بالسوء أبداً.

 و لو اجتمعت‌ المخلوقات‌ و اتّحدت‌ لحرفه‌ عن‌ مقصده‌ و مسيره‌، او لتتصرّف‌ فيه‌ خلافاً للعلوم‌ الكليّة‌ و المعارف‌ الحقّة‌، او لتغيّر معلوماته‌ وإدراكاته‌، فانّها لن‌ تفلح‌ و لن‌ تستطيع‌، و ذلك‌ لانّ قلب‌ المؤمن‌ تحت‌ مصونيّة‌ الله‌ و رصده‌، فقد عين‌ الله‌ موكّلين‌ لحراسته‌ و لحفظه‌ من‌ بين‌ يديه‌ و من‌ خلفه‌، و ذلك‌ من‌ أجل‌ ان‌ يقوم‌ بتبليغ‌ رسالات‌ الله‌ و أحكامه‌ بصورة‌ صحيحة‌ و كاملة‌، لكي‌ لا يتخطّي‌ هؤلاء المؤمنون‌ وظيفتهم‌؛ والله‌ سبحانه‌ محيطٌ بجميع‌ أمورهم‌ و مطّلع‌ علی‌ جزئيّات‌ و كليّات‌ إنجازاتهم‌ و أمورهم‌؛ و هذه‌ هي‌ مرحلة‌ العصمة‌ في‌ التبليغ‌ و التحويل‌.

 و امّا مرحلة‌ العصمة‌ من‌ المعصية‌، فهي‌ أيضاً غير خارجة‌ عن‌ مدلول‌ الاية‌ بالتقريب‌ السّابق‌، و ذلك‌ لانّه‌ اذا ما ارتكب‌ رسولٌ ذنباً فانّه‌ سيكون‌ بفعله‌ قد أعلن‌ ترخيصه‌ له‌؛ و لانّه‌ قد أعلن‌ حُرمة‌ ذلك‌ الذنب‌ قبلاً بقوله‌ وكلامه‌، فانّه‌ سيكون‌ قد دعا إلی‌ متناقضين‌؛ و المتناقضان‌ ليسا حقّاً، بل‌ انّ من‌ المسلّم‌ انّ أحدهما باطل‌، في‌ حين‌ انّ قلب‌ رسول‌ الله‌ مُصان‌ عن‌ تلاعب‌ الشيطان‌، فقد كان‌ و سيبقي‌ متحقّقاً بالحق‌.

 و تبيّن‌ ملائكة‌ الوحي‌ هذه‌ الحقيقة‌ للرسول‌ في‌ سورة‌ مريم‌:

 وَ مَا نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَ مَا خَلْفَنَا وَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَ مَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا[70].

 و هكذا فانّ المطالب‌ التي‌ ذكرت‌ تُثبت‌ عصمة‌ الانبياء و الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ في‌ جميع‌ المراحل‌، بل‌ و تثبتها كذلك‌ للخاصّين‌ و المقرّبين‌ من‌ أولياء الله‌ تعالی‌.

 الرجوع الي الفهرس

 مقام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

 أمّا بالنسبة‌ إلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، فهو قائد للمعارف‌ الحقّة‌ وصاحب‌ لواء الحمد، و السابق‌ في‌ مراحل‌ التوحيد؛ فقد جاء به‌ الله‌ سبحانه‌ في‌ بيته‌ و حرمه‌ (الكعبة‌) بعد أن‌ حفظ‌ نوره‌ المقدّس‌ في‌ الاصلاب‌ نسلاً بعد نسل‌، من‌ ءادم‌ إلی‌ أبي‌ طالب‌.

 اسمه‌ المبارك‌: علی؛ و كُنيته‌: أبوالحسن‌؛ و والده‌: أبوطالب‌ بن‌ عبدالمطلّب‌ بن‌ هاشم‌ بن‌ عبد مناف‌؛ و أبوطالب‌ أخو عبدالله‌ والد الرسول‌، و علی‌ هذا فانّه‌ ابن‌ عمّ رسول‌ الله‌، تجتمع‌ نسبتهما في‌ جدّهما عبدالمطلب‌.

 و كان‌ أبوطالب‌ من‌ أكابر أهل‌ مكّة‌ و ممّن‌ خدموا رسول‌ الله‌، فقد كان‌ يحامي‌ عنه‌ بحيث‌ أنّ أحداً من‌ مشركي‌ قريش‌ لم‌ يستطع‌ أن‌ ينال‌ الرسول‌ بأذي‌ في‌ حياة‌ أبي‌ طالب‌ و كان‌ أبوطالب‌ يحفظ‌ النبيّ و يحرسه‌ و سائر بني‌ هاشم‌ لمدّة‌ ثلاث‌ سنوات‌ في‌ الشعب‌ المعروف‌ بشعب‌ أبي‌طالب‌، و كان‌ يفدي‌ رسول‌ الله‌ بنفسه‌ و يحميه‌ حتّي‌ رحل‌ عن‌ هذه‌ الدنيا، و عندها تطاولت‌ الايادي‌ المتجاوزة‌ و المتجاسرة‌ علی‌ رسول‌ الله‌ من‌ قبل‌ المشركين‌، فأُجبر النبيّ الاكرم‌ علی‌ الهجرة‌ إلی‌ المدينة‌.

 و كان‌ أبوطالب‌ من‌ المؤمنين‌ الواقعيين‌ و المسلمين‌ الحقيقيين‌ برسول‌ الله‌ [71]، و أشعاره‌ التي‌ نظمها في‌ مدح‌ رسول‌ الله‌ كثيرة‌ و مثبتة‌ في‌ كتب‌ الاحاديث‌ و التاريخ‌، لكنّه‌ كان‌ يكتم‌ إيمانه‌ عن‌ قريش‌ لاسباب‌، من‌ أهمها المحافظة‌ علی‌ رسول‌ الله‌ و حراسته‌، و كان‌ الرسول‌ كثير المحبّة‌ له‌ وكان‌ يخاطبه‌ بـ (أبي‌).

 اسم‌ والدته‌: فاطمة‌ بنت‌ أسد بن‌ هاشم‌ بن‌ عبد مناف‌؛ و لانّ أسد كان‌ أخاً لعبد المطلّب‌، لذا فانّ أباطالب‌ و فاطمة‌ كانا ابني‌ عمّ بعضهما. وكانت‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد والدة‌ أميرالمومنين‌ من‌ أعلام‌ النساء المسلمات‌، وهي‌ أوّل‌ امرأة‌ ءامنت‌ برسول‌ الله‌ بعد خديجة‌؛ و كانت‌ تحبّ رسول‌ الله‌ كثيراً، و كان‌ الرسول‌ يخاطبها بـ (أمّي‌).

 الرجوع الي الفهرس

فاطمة‌ بنت‌ أسد أمّ أميرالمؤمنين‌

 فاطمة‌ بنت‌ أسد أوّل‌ امرأة‌ هاجرت‌ من‌ مكّة‌ إلی‌ المدينة‌:

 يقول‌ ابن‌ الجوزي‌: وَ هِي‌َ أَوّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ مِن‌ مَكَّةَ إلی‌ الْمَدِينَةِ مَاشِيَةً حَافِيةً، وَ هِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَهِ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءَالِه‌ [ وَسَلَّم‌ بِمَكَّةَ بَعْدَ خَدِيجَةَ [72].

 و يقول‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌: فاطمة‌ بنت‌ أسد، أسلمت‌ و هاجرت‌ مع‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌، و كانت‌ من‌ السابقات‌ إلی‌ الإيمان‌ بمنزلة‌ الام‌ من‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌... فلمّا ماتت‌ كفنّها النبيّ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ بقميصه‌، و أمر أسامة‌ بن‌ زيد و أبا أيّوب‌ الانصاري‌ فحفرا قبرها، فلمّا بلغا لحدها حفره‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ بيديه‌ و أخرج‌ ترابه‌، فلمّا فرغ‌ اضطجع‌ فيه‌ و قال‌:

 اللَهُ الَّذِي‌ يُحْيِي‌ و يُمِيتُ وَ هُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ اللَّهُمَ اغْفِرْ لاِمِي‌ّ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَ لَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَ وَسِّعْ علیهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نِبِيّكَ مُحَمَّدٍ وَالانبياءِ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِي‌ فَإنَّكَ أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ [73].

 فقيل‌ [74]: يا رسول‌ الله‌! رأيناك‌ و ضعت‌ شيئاً لم‌ تكن‌ وضعته‌ بأحد قبلها؟!

 فقال‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: ألبستُها قميصي‌ لتلبس‌ من‌ ثياب‌ الجنّة‌، و اضطجعتُ في‌ قبرها ليخفّ عنها من‌ ضغطة‌ القبر، انّها كانت‌ من‌ أحسن‌ خلق‌ الله‌ صُنعاً إلی بعد أبي‌ طالب‌ رضي‌ الله‌ عنهما و رحمهما [75].

 يقول‌ سبط‌ ابن‌ الجوزي‌: و كانت‌ وفاة‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد في‌ السنة‌ الرابعة‌ للهجرة‌ [76].

 و قد أنجب‌ أبوطالب‌ و فاطمة‌ بنت‌ أسد أربعة‌ أولاد هم‌ بالترتيب‌: طالب‌، و عقيل‌، و جعفر، و علی، و كان‌ كلّ واحد منهم‌ أسنّ من‌ الاخر الذي‌ء يسبقه‌ بعشر سنين‌، كما انجبا بنتاً واحدة‌ تسمّي‌ فاختة‌ و تكنّي‌ بـ (امّ هاني‌) [77].

 و ليس‌ هناك‌ من‌ شكّ في‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ ولد في‌ جوف‌ الكعبة‌ بيت‌ الله‌، و في‌ ذلك‌ يقول‌ السيّد الحميري‌:

وَلَدتُهُ فِي‌ حَرَمِ ءالإلَهِ وَ أَمْنِهِ         وَالْبَيتِ حَيثُ فِنَائُهُ والْمَسْجِدُ

 بِيضَاءُ طَاهِرَةُ الثِّيابِ كَرِيمَةٌ         طَابَت‌ وَ طَابَ وَلِيدُهَا وَالْمَولِدُ

 فِي‌ لَيْلَةٍ غَابَت‌ نُحُوسُ نُجُومِهَا         وَ بَدَت‌ مَعَ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ الاَسْعَدُ

 مَالُفَّ فِي‌ خِرَقِ الْقَوابِلِ مِثلُهُ         إلاَّ ابنُ ءامِنَةَ النَبِي‌ِّ مُحَمَّدُ [78].

 يقول‌ المستشار عبدالحليم‌ الجُندي‌، أحد أركان‌ المجلس‌ الاعلی‌ للشؤون‌ الاسلامية‌ في‌ مصر في‌ كتابه‌ القيّم‌ (الإمام‌ جعفر الصادق‌) ص‌ 31:

 و علی‌ٌّ في‌ كثير من‌ الامور هو الاوحد، فالنبيّ هو الذي‌ ربّاه‌، و ءاخاه‌، و أعدّه‌ للعظائم‌ فصنعها، و عَهِد إلیه‌ في‌ تبليغ‌ ءاي‌ القرءان‌... و هي‌ جميعها خصوصيّات‌ لا يرقي‌ رقيّه‌ فيها أحد؛ أما ما لم‌ يشركه‌ فيه‌ بشر فهو ما أجمعت‌ علیه‌ كتب‌ الشيعة‌ و شاركها فيه‌ كثيرون‌ من‌ علماء اهل‌ السنّة‌ منذ القرون‌ الاولي‌ ـ كالمسعودي‌ و الحاكم‌ و الكنجي‌ ـ حتي‌ القرون‌ الحديثة‌ ـ كالآلوسي‌ و هو أَنَّ علیا وُلِدَ بِالْكَعْبَةِ.

 كما يقول‌ عبدالباقي‌ عمر في‌ هذا الشأن‌:

 أنَتَ العلی‌ُّ الَّذِي‌ فَوقَ العلی‌ رُفِعَا         بِبَطنِ مَكَّةَ وَسط‌ الْبَيتِ إذ وُضِعا [79]

 و يقول‌ الحاكم‌ النيسابوري‌: لَم‌ يُولَدْ فِي‌ جَوْفِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ علی‌ٍّ وَ لاَ بَعدَهُ مَوْلُودٌ إكرامًا لَهُ وَ إجلاَلاً لِمَحَلِّهِ.

 كما يقول‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌: وُلِدُ علی‌ٌّ علیه‌ السلام‌ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ بِدَاخِلِ الْبَيتِ الْحَرَامِ فِي‌ يَومِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِن‌ شَهْرِ اللَهِ الاصمِّ، رَجَبِ الْفَردِ سَنَةَ ثَلاثِينَ مِن‌ عَامِ الْفِيلِ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثلاثٍ و عِشرِينَ سَنَةً، وَ قِيلَ بِخَمْسٍ وَ عِشرِينَ، وَ قَبْلَ الْبَعثِ بِاثنَتَي‌ عَشَرة‌ سَنَةً، وَ قِيلَ بِعَشرِ سِنِينَ، وَ لَمْ يُولَد فِي‌ الْبَيتِ الْحَرَامِ قَبْلَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ، وَ هِي‌َ فَضِيلَةٌ خَصَّهُ اللهُ تعالی‌ بِهَا إجْلاَلاً لَهُ وَ إعْلاَنَاً لِمَرتَبَتِهِ وَ إظْهَارًا لِتَكْرمَتِهِ، وَ كَانَ علی هَاشِمِيًّا مِن‌ هَاشِمِيّينِ وَ أَوَّل‌ مِن‌ وَلدَهُ هَاشِمُ مَرَّتَينِ[80] و[81] و [82]

 الرجوع الي الفهرس

 كيفيّة‌ ولادة‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ الكعبة‌:

 أمّا في‌ كيفيّة‌ ولادته‌ فقد ورد أنّه‌:

 أتت‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد بن‌ هاشم‌ أمّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌، و كانت‌ حاملة‌ بأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لتسعة‌ أشهر، و كان‌ يوم‌ التمّام‌، قال‌: فوقفت‌ بإزاء البيت‌ الحرام‌ و قد أخذها الطلق‌، فرمت‌ بطرفها إلی‌ السماء وقالت‌: أي‌ ربِّ، إنّي‌ مؤمنة‌ بك‌ و بما جاء من‌ عندك‌ الرسولُ، و بكلّ نبيّ من‌ أنبيائك‌، و بكلّ كتابٍ أنزلتَه‌، و انِّي‌ مصدّقة‌ بكلام‌ جدّي‌ ابراهيم‌ الخليل‌ وانّه‌ بني‌ بيتك‌ العتيق‌. فأسألك‌ بحقّ هذا البيت‌ و مَن‌ بناه‌، و بهذا المولود الذي‌ في‌ أحشائي‌ الذي‌ يكلّمني‌ و يؤنسني‌ بحديثه‌، و أنا موقنةٌ أنّه‌ إحدي‌ ءاياتك‌ و دلائلك‌ لمّا يسّرتَ علی ولادتي‌.

 قال‌ العبّاس‌ بن‌ عبدالمطّلب‌ و يزيد بن‌ قعنب‌ (و كانا يشهدان‌ ذلك‌): لمّا تكلمّت‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد ودعت‌ بهذا الدعاء، رأينا البيت‌ قد انفتح‌ من‌ ظهره‌ (في‌ موضع‌ المُستجار) و دخلت‌ فاطمة‌ فيه‌ و غابت‌ عن‌ أبصارنا، ثمّ عادت‌ الفتحة‌ و التزقت‌ بإذن‌ الله‌ (تعالی‌)، فرُمنا أن‌ نفتح‌ الباب‌ ليصل‌ إلیها بعضُ نسائنا فلم‌ ينفتح‌ الباب‌، فعلمنا أنّ ذلك‌ أمر من‌ أمر الله‌ (تعالی‌).

 و بقيت‌ فاطمة‌ في‌ البيت‌ ثلاثة‌ أيّام‌. قال‌: و أهلُ مكّة‌ يتحدّثون‌ بذلك‌ في‌ أفواه‌ السكك‌ و تتحدّث‌ المخدّرات‌ في‌ خدورهنّ.

 قال‌: فلمّا كان‌ بعد ثلاثة‌ أيّام‌ انفتح‌ الباب‌ من‌ الموضع‌ الذي‌ كانت‌ دخلت‌ فيه‌، فخرجت‌ فاطمة‌ و علی علی‌ يديها ] و هي‌ تقول‌: مَن‌ مثلي‌ يلد ولداً كهذا في‌ جوف‌ الكعبة‌؟! [ [83].

 و امّا ما نقله‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌ عن‌ كتاب‌ المناقب‌ لابي‌ المعإلی‌ الفقيه‌ المكّي‌ فهو:

 روي‌ خبراً يرفعه‌ إلی‌ علی بن‌ الحسين‌ ] علیهما السلام‌ [ انّه‌ قال‌: كنّا عندالحسين‌ (رض‌) في‌ بعض‌ الايّام‌ و اذا بنسوة‌ مجتمعين‌ فأقبلت‌ امرأة‌ منهنّ علینا، فقلتُ لها: مَنْ أنتِ يرحمك‌ الله‌؟ قالت‌: أنا زيدة‌ ابنة‌ العجلان‌ من‌ بني‌ ساعدة‌.

 فقلتُ لها: هل‌ عندك‌ من‌ شي‌ تحدّثينا به‌؟! قالت‌: أي‌ والله‌، حدّثتني‌ أم‌ عمارة‌ بنت‌ عبادة‌ بن‌ فضلة‌ بن‌ هالك‌ بن‌ عجلان‌ الساعدي‌ انّها كانت‌ ذات‌ يوم‌ في‌ نساء من‌ العرب‌، إذ أقبل‌ أبوطالب‌ كئيباً حزيناً، فقلتُ له‌: ما شأنُك‌؟ قال‌: إنّ فاطمة‌ بنت‌ أسد في‌ شدّة‌ من‌ الطلق‌. ثمّ انّه‌ أخذ بيدها وجاء بها إلی‌ الكعبة‌ فدخل‌ بها و قال‌: اجلسي‌ علی‌ إسم‌ الله‌، فطلقت‌ طلقةً واحدة‌ فولدت‌ غلاماً نظيفاً منظّفاً لم‌ أرَ أحسن‌ وجهاً منه‌، فسمّاه‌ أبوطالب‌ علیاً، وقال‌ شعراً:

 الرجوع الي الفهرس

تسمية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌

 سُمَّيْتُهُ بِعلی‌ٍّ كَيْ يَدُومَ لَهُ         عِزُّ الْعُلُوِّ وَ فَخْرُ الْعِزِّ أَدْوَمُهُ

 و جاء النبيّ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ فحمله‌ معه‌ إلی‌ منزل‌ أمّه‌. قال‌ علی بن‌ الحسين‌: فواللهِ ما سمعتُ بشي‌ء حسن‌ قطّ الاّ و هذا من‌ أحسنه‌ [84].

 و يروي‌ الشيخ‌ سليمان‌ القندوزي‌ عن‌ كتاب‌ (مودّة‌ القربي‌) عن‌ العبّاس‌ بن‌ عبدالمطّلب‌ قال‌: لمّا ولدت‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد علیاً سمّته‌ بإسم‌ أبيه‌ أسد و لم‌ يرضَ أبوطالب‌ بهذا الإسم‌ فقال‌: هلمّ حتّي‌ نعلو أبا قبيس‌ ليلاً وندعوا خالق‌ الخضراء، فلعلّه‌ أن‌ ينبئنا في‌ إسمه‌، فلمّا أمسيا خرجا و صعدا أباقبيس‌ و دعيا الله‌ تعالی‌، فأنشأ أبوطالب‌ شعراً:

 يَا رَبِّ يَا ذَا الْغَسَقِ الدُّجِي‌ِّ         وَالْفَلَقِ الْمُبتَلِجِ الْمُضِي‌ِّ

 بَيِّنْ لَنَا عَن‌ أَمْرِكَ الْمَقضِي‌ِّ         بِمَا نُسَمِّي‌ ذَلِكَ الصَّبِي‌ِّ

 فإذا خشخشة‌ من‌ السماء، فرفع‌ أبوطالب‌ طرفه‌ فإذا لوح‌ مثل‌ زبرجد أخضر فيه‌ أربعة‌ أسطر، فأخذه‌ بكلتا يديه‌ و ضمّه‌ إلی‌ صدره‌ ضمّاً شديداً، فاذا مكتوب‌:

 خُصِصْتُمَا بِالْوَلَدِ الزَّكِي‌ِ         وَالطَّاهِرِ الْمُنَتَجَبِ الرَّضِي‌ِّ

 وَ إسْمُهُ مِن‌ قَاهِرِ العلی‌ِّ         علی‌ُّ اشتُقَّ مِنَ الْعلی‌ِّ

 فسُرّ أبوطالب‌ سروراً عظيماً و خرّ ساجداً لله‌ تبارك‌ و تعالی‌، و عقّ بعشرة‌ من‌ الإبل‌، و كان‌ اللوح‌ معلّقاً في‌ بيت‌ الحرام‌ يفتخر به‌ بنوهاشم‌ علی‌ قريش‌ حتيّ غاب‌ زمان‌ قتال‌ الحجّاجِ ابنَ الزبير[85].

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الرابع‌:

لزوم‌ عصمة‌ الانبياء و الائمّة‌ علیهم‌ السّلام‌

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدِّين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَ كَذَ  لِكَ أَوْحَيْنَآ إلیكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي‌ مَا الْكِتَـ'بُ وَ لاَ الإيمَـ'نُ وَلَـ'كِنْ جَعَلْنَـ'هُ نُورًا نَهْدِي‌ بِهِ  مَن‌ نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا [86].

 الصفات‌ المعتدلة‌ في‌ الإنسان‌:

 الرجوع الي الفهرس

الصفات‌ المعتدلة‌ للإنسان‌

 يوجد في‌ الإنسان‌ صفات‌ حسنة‌ مثل‌ الشجاعة‌ و السخاء و العفّة‌ وغيرها، إذا ما أعمل‌ كلاّ منها في‌ موقعه‌ المناسب‌ و بالمقدار المعيّن‌ الضروري‌، فانّ هذه‌ الصفات‌ ستكون‌ صحيحة‌ و مُفيدة‌، امّا إذا جاوزت‌ حدودها و عَمِل‌ بخلافها فانّها ستكون‌ خطأ و باعثاً علی‌ الضرر.

 و يُقال‌ لعكس‌ هذه‌ الصفات‌ صفات‌ الرذيلة‌، و هي‌ الإفراط‌ والتفريط‌ في‌ حدود هذه‌ الصفات‌؛ فالشجاعة‌ مثلاً، و هي‌ ملكة‌ حسنة‌، تمثّل‌ الحدّ المتوسّط‌ و المعتدل‌ و الممدوح‌ بين‌ الطرفين‌ المذمومين‌، ففي‌ ناحية‌ التفريط‌ و النقص‌ في‌ تلك‌ المَلَكة‌ عنوان‌ الجُبن‌ و الخوف‌ و هو من‌ الصفات‌ الرذيلة‌، بينما هناك‌ في‌ ناحية‌ الإفراط‌ و التطرّف‌ عنوان‌ التهوّر و اللامبالاة‌ وهو أيضاً أمر خاطي‌ء و غير حسن‌. و علی‌ الإنسان‌ أن‌ يحافظ‌ في‌ نفسه‌ دائماً علی‌ هذه‌ الصفة‌ في‌ حدّ الإعتدال‌، و لا يسمح‌ لها أن‌ تنزل‌ عن‌ حدّها فتسقط‌ إلی‌ مرحلة‌ الجُبن‌، و لا أن‌ تصعد حتّي‌ تبلغ‌ مرحلة‌ التهوّر واللامبالاة‌.

 و الامر كذلك‌ في‌ العفّة‌ و هي‌ من‌ الصفات‌ الحسنة‌ جداً، لكنّها اذا تنزّلت‌ عن‌ حدّها فانّها ستنجرّ إلی‌ مرحلة‌ الخمود، أي‌ عدم‌ الإحساس‌ والكسل‌، و حينذاك‌ تصبح‌ قبيحة‌ غير مقبولة‌، و اذا صارت‌ أقوي‌ من‌ حدّها فانّها ستنجرّ إلی‌ مرحلة‌ الهتك‌ و الشَرَه‌، و هي‌ أيضاً من‌ القبائح‌ و الذمائم‌.

 و ينبغي‌ علی‌ الإنسان‌ أن‌ يكون‌ دوماً مواظباً و مراقباً لتحيي‌ فيه‌ الملكة‌ المعتدلة‌ بإسم‌ العفّة‌، فلا تسقط‌ ـ لا سامح‌ الله‌ ـ إلی‌ مرحلة‌ الخمود أو تصل‌ إلی‌ مرحلة‌ الهتك‌ و الشَرَه‌، حيث‌ ان‌ تلك‌ الملكة‌ الحسنة‌ ستموت‌ في‌ تلك‌ الحالتين‌، فتحيا في‌ الإنسان‌ بدلها إحدي‌ هاتين‌ الحالتين‌ غير الممدوحتين‌، فتصبح‌ حياته‌ حياة‌ النفس‌ الامّارة‌.

 و السّخاء أيضاً هو الحدّ الاوسط‌ و الدرجة‌ الحسنة‌، و ما لم‌ يُصرف‌ في‌ موقعه‌ أو مكانه‌ لترتّب‌ علیه‌ عنوان‌ البُخل‌، امّا اذا جاوز حدّه‌ لترتّب‌ علیه‌ عنوان‌ التبذير و الإسراف‌، و من‌ المعلوم‌ انّ كلاّ من‌ هاتين‌ الحالتين‌ فاسد وغير حسن‌. و يجب‌ علی‌ الإنسان‌ ان‌ يسعي‌ لتوجد عنده‌ حالة‌ التعادل‌ بإسم‌ ملكة‌ السخاء، و أن‌ يمتنع‌ عن‌ الإفراط‌ و التفريط‌ اللذين‌ هما مرتبة‌ التبذير والبخل‌. و سيكون‌ الإنسان‌ في‌ هذه‌ الحال‌ إنساناً صحيحاً و متعادلاً.

 انّ تلك‌ القوّة‌ الموجودة‌ في‌ الإنسان‌، و التي‌ يحافظ‌ بواسطتها علی‌ هذه‌ الصفات‌ متعادلة‌ هي‌ العقل‌؛ و بسبب‌ دراية‌ العقل‌ بالمصالح‌ و المفاسد و تمييزه‌ منافع‌ الاشياء و مضارّها، فانّه‌ سيكون‌ مقيّدًا لتلك‌ الصفات‌ المذمومة‌ كالسلسلة‌ و مانعاً من‌ حركتها و بروزها؛ و ما دامت‌ القوة‌ العقليّة‌ تعمل‌ بوظيفتها في‌ انتظام‌ هذه‌ القوي‌، فانّ أيّاً منها لن‌ يستطيع‌ التجاوز عن‌ حدّه‌ و الظهور، ولكن‌ لانّ أصل‌ هذه‌ الصفات‌ و جذورها موجود في‌ جميع‌ أفراد الإنسان‌ بلا استثناء، حتّي‌ في‌ الاخيار و الرجال‌ المتّقين‌ و أصحاب‌ الفضيلة‌ و العلم‌، و لانّ بذورها موجودة‌ في‌ القلب‌ في‌ انتظار الفرصة‌، فانّها لن‌ تتواني‌ ـ عندما تتهيّأ لها هذه‌ الارضيّة‌ المناسبة‌ و عندما تسمح‌ لها الفرصة‌ عن‌ الهجوم‌ لتسحق‌ ملكة‌ التقوي‌ و العلم‌ و الفضيلة‌ و البصيرة‌، لتطلع‌ في‌ الإنسان‌ و تبرز من‌ جديد.

 و يحصل‌ كثيراً انّ المريض‌ الذي‌ يمنعه‌ الطبيب‌ من‌ أكل‌ الطعام‌ سيمتنع‌ عن‌ تناول‌ ذلك‌ الطعام‌، بسبب‌ عقله‌ و إدراكه‌ لمنافع‌ الإحتراز عن‌ الاكل‌؛ و لكن‌ اذا ما توفّرت‌ الارضيّة‌ المناسبة‌ أحياناً كالجوع‌ و اشتهاء الطعام‌، و كان‌ هناك‌ طعامٌ لذيذ يجري‌ طبخه‌ في‌ البيت‌ تحرّك‌ رائحته‌ المتصاعدة‌ من‌ بعيد قوّة‌ الاشتهاء لدي‌ المريض‌، و اذا اتّفق‌ عدم‌ وجود أحد في‌ البيت‌ ليستحيي‌ المريض‌ منه‌ و يتمالك‌ نفسه‌، فانّه‌ كثيراً ما يحصل‌ ان‌ تتصاعد رغبة‌ اشتهاء الطعام‌ في‌ وجوده‌ إلی‌ حدّها الاقصي‌ فينهض‌ فجأةً ويأكل‌ من‌ ذلك‌ الطعام‌ حتّي‌ يشبع‌.

 و عندما يشبع‌ و يسقط‌ في‌ سريره‌ فانّه‌ سيعضّ علی‌ اصبعه‌ ندماً أن‌: أيّ عملٍ ارتكبتُ مع‌ وجود عملية‌ جراحية‌ في‌ المعدة‌ او الامعاء؟!! من‌ المسلّم‌ أنّ علی الإستعداد لاستقبال‌ المقبرة‌ بعد ساعات‌.

 و كذلك‌ الامر اذا عملت‌ التقوي‌ بوظيفتها و أمسكت‌ زمام‌ الشهوة‌ بيدها و أسرتها تحت‌ سيطرتها، فانّ من‌ المستحيل‌ علی‌ الشخص‌ أن‌ يرتكب‌ الزنا أو أن‌ يعمل‌ عملاً منافياً للعفّة‌؛ ولكن‌ و بسبب‌ وجود الشهوة‌ الجنسيّة‌ في‌ كيان‌ ا لإنسان‌، فانّها كثيراً ما تكسر هذا الطوق‌ عند وجود الارضيّة‌ المناسبة‌، فحين‌ تشتدّ هذه‌ القوّة‌ في‌ محلّ الخلوة‌ و عند انعدام‌ أيّ رادعٍ و مانع‌ خارجي‌، و عند عدم‌ وجود المؤاخذة‌، و خاصّة‌ اذا اقترن‌ ذلك‌ برغبة‌ الطرف‌ الاخر أو دعوته‌ و طلبه‌ لذلك‌؛ فانّ هذه‌ القوّة‌ ستطلع‌ فجأة‌ وسيرتكب‌ هذا الشخص‌ مثل‌ هذا العمل‌ القبيح‌.

 و من‌ المؤكّد أنّه‌ في‌ حال‌ طلوع‌ الشهوة‌ و بروزها، فانّها ستسبّب‌ النكبة‌ للعقل‌ و المعرفة‌ و التقوي‌ و العلم‌ بمفاسد هذا العمل‌ و أضراره‌، بحيث‌ انّها ستعجز عن‌ الوقوف‌ بوجهها. و من‌ المسلّم‌ ان‌ لا وجود للتقوي‌ والعقل‌ في‌ تلك‌ الحال‌، و لا للعلم‌ و المعرفة‌؛ و الاّ فكيف‌ سيمكن‌ لهذه‌ الغريزة‌ ـ مع‌ وجود هذه‌ الامور ـ أن‌ تتخطّي‌ حدودها؟!

 فقد روي‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌: لاَ يَزنِي‌ الزَّانِي‌ حِينَ يَزْنِي‌ وَ هُوَ مُؤمِنٌ وَ لاَ يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِينَ يَشْرَبُ وَ هُوَ مُؤمِنٌ[87].

 كما انّه‌ كثيراً ما تبدر من‌ العلماء و أهل‌ البصيرة‌ كلمة‌ قبيحة‌ في‌ مواقع‌ معيّنة‌ أثناء مباحثاتهم‌ و حينما يُغلبون‌، أو من‌ أجل‌ التنكيل‌ بخصمهم‌ والغلبة‌ علیه‌ في‌ مقام‌ المناظرة‌ و المجادلة‌؛ إذ يتفوّهون‌ بعبارة‌ غير لائقة‌ يندمون‌ بعدها و يقولون‌ مع‌ أنفسهم‌: لقد كنّا أصحاب‌ ملكة‌ العفّة‌، و لقد قررّنا مع‌ أنفسنا ألاّ نكذب‌ و لا نغتاب‌ و لا نَسُبّ و لا نشتم‌ و لا تصدر منا كلمة‌ تدلّ علی‌ عيب‌ خصمنا أو نقصه‌، فما بالنا نتفوّه‌ بمثل‌ هذه‌ الكلمة‌ بلا تأمّل‌ أو تفكير بعاقبة‌ الامر؟ ما بالنا هتكنا ستار عفّة‌ لساننا؟

 انّ هذه‌ و أشباهها جميعاً مسبّبة‌ عن‌ وجود صفة‌ الرذيلة‌ في‌ القلب‌ وتقييدها بقيد العقل‌ و حفظ‌ المصالح‌ الخارجيّة‌، فتبقي‌ دائماً بالمرصاد لتقتنص‌ صيدها في‌ الوقت‌ المناسب‌ و تحقّق‌ رغبتها.

 و كما قد ذُكر، فاننّا نشاهد أحياناً مثل‌ هذه‌ البروزات‌ و الظهورات‌ في‌ جميع‌ أفراد البشر بلا استثناء. يقول‌ العالم‌ الشهير فيلسوف‌ الشرق‌ أبوعلی‌ بن‌ سينا: أُلَخِّصُ لك‌ الطبَّ في‌ جملتين‌:

 اِسْمَعْ جَمِيعَ وَصِيَّتِي‌ فَاعْمَلْ بِهَا         فَالطِّبُّ مَجْمُوعٌ بِنَظْمِ كَلاَمِي‌

 أَقْلِلْ جِمَاعَكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإنَّهُ         مَاءُ الْحَيَاةِ تَصُبُّ فِي‌ الارْحَامِ

 إِجْعَلْ غِذَائَكَ كُلَّ يَومٍ مَرَّةً         وَاحْذَرْ طَعَاماً قَبْلَ هَضْمِ طَعَامِ

 قيل‌ انّه‌ سُئل‌: ما دمت‌ تعرف‌ مضارّ الإفراط‌ في‌ الجماع‌، فلماذا صرت‌ تفرط‌ فيه‌؟ فأجاب‌: أحبُّ أن‌ استفيد من‌ كيفيّة‌ عمري‌ لا من‌ كميّته‌.

 كما انّ أكثر الاطبّاء يعلمون‌ جيّداً أضرار المشروبات‌ الكحوليّة‌، وكانت‌ لهم‌ مؤتمراتهم‌ و خطاباتهم‌ في‌ هذا المجال‌، أو مقالاتهم‌ التي‌ كتبوها و ألّفواها، لكنّهم‌ ابتلوا في‌ نفس‌ الوقت‌ بهذا العمل‌ الشيطاني‌.

 بلي‌، لو اقتنع‌ الإنسان‌ بهذا الحدّ من‌ العلم‌ و التقوي‌ بحيث‌ صار يمتنع‌ عن‌ الجناية‌ و الجريمة‌ بسبب‌ ملاحظة‌ المصالح‌ الخارجيّة‌ فقط‌، و ما لم‌ يستطع‌ القضاء علی‌ أصل‌ مادّة‌ الفساد في‌ نفسه‌، أو قطع‌ جذور و ميكروبات‌ الصفات‌ الرذيلة‌ كالشره‌ والخمود و الجُبن‌ و التهوّر و البُخل‌ و التبذير ونظائرها عن‌ سويداء ضميره‌، فانّه‌ لن‌ يكون‌ قد أدرك‌ مقام‌ الإنسان‌ الواقعي‌، وسيكون‌ مثل‌ الحيوان‌ المقيّد بسلسلة‌ مستسلماً مُطيعاً، ولكن‌ حالما يكسر هذه‌ السلسلة‌ فانّه‌ سيجترح‌ الافاعيل‌.

 و اذا ما اجتنب‌ من‌ الكذب‌ و البَخس‌ في‌ البيع‌ و الظلم‌ و الزنا و أشباه‌ ذلك‌ حال‌ إلیقظة‌، فانّ هذه‌ الصفات‌ ستظهر حال‌ النوم‌ الذي‌ ليس‌ فيه‌ وجود للمصالح‌ الخارجيّة‌، فتوجِد المشاهد المفجعة‌.

 سيري‌ في‌ النوم‌ انّه‌ يزني‌، و يربح‌، و يعزّز شخصيّته‌، و يظلم‌ ويجني‌؛ و حين‌ يستفيق‌ هذا المسكين‌ سيعجب‌ من‌ هذه‌ الاحلام‌ و يستبعد أن‌ يناسبه‌ مثل‌ هذه‌ الامور، غافلاً عن‌ انّ أصل‌ و جذور هذه‌ المفاسد لا يزال‌ في‌ قلبه‌ لم‌ يغادره‌ بعدُ، بل‌ موجود فيه‌ كامنٌ في‌ زواياه‌ و خرائبه‌ ينتظر الجوّ المساعد ليبرز و يحقّق‌ هدفه‌.

 الانبياء و الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ و الاولياء المقرّبون‌ عند الله‌ هم‌ الذين‌ أخرجوا هذه‌ الصفات‌ الرذيلة‌ و جراثيم‌ الفساد من‌ قلوبهم‌، و الذين‌ قضوا علی‌ بذور هذه‌ الصفات‌ في‌ مزرعة‌ قلوبهم‌، فقد أعطاهم‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ بعنايته‌ نوعاً من‌ العلم‌ و المعرفة‌ بحيث‌ لا مجال‌ معه‌ لمثل‌ هذه‌ الرذائل‌.

 ذلك‌ العلم‌ و المعرفة‌ الذي‌ يُحرق‌ ببريقه‌ جميع‌ الصفات‌ الرذيلة‌ ويمحيها و يهدمها، و يقطع‌ أصول‌ و جذور البخل‌ و الشره‌ و التهوّر كي‌ لا تبدر منهم‌ أبداً أمثال‌ هذه‌ الرذائل‌ في‌ أيّ لحظة‌ من‌ العمر، و مع‌ أكثر الظروف‌ ملائمةً، و لو لمرّةٍ واحدة‌. فيوسف‌ الصدّيق‌ مع‌ توفّر جميع‌ الشرائط‌ و الإمكانات‌، و مع‌ وجود جميع‌ المقتضيات‌ و مع‌ مواجهته‌ للمخاطر العظيمة‌ بسبب‌ هجره‌ للذنب‌، فانّ قلبه‌ ـ مع‌ ذلك‌ كلّه‌ ـ لم‌ يسمح‌ له‌ بارتكاب‌ الذنب‌؛ و هذه‌ خاصّة‌ و جوهرة‌ القلب‌ في‌ مثل‌ هؤلاء الاشخاص‌ التي‌ لا تسمح‌ لهم‌ حتّي‌ بأن‌ يحلموا في‌ النوم‌ بارتكاب‌ الذنب‌، و لا أن‌ يتخيّلوا ارتكابه‌ في‌ إلیقظة‌. فليس‌ هناك‌ للمقرّبين‌ و أولياء الله‌ طوال‌ عمرهم‌ لحظة‌ واحدة‌ يفكّرون‌ فيها بالذنب‌، حتي‌ لو عاشوا سنوات‌ كثيرة‌ دون‌ زوجة‌، و مهما توفّرت‌ لهم‌ جميع‌ الإمكانات‌ بأعلی‌ درجاتها، حتّي‌ لو تهيّئت‌ وسائل‌ الذنب‌ بعيداً عن‌ انظار الناس‌ و اطّلاعهم‌، فانّهم‌ لن‌ تخطر علی‌ قلوبهم‌ فكرة‌ الذنب‌ أبداً.

 و هؤلاء الافراد قد استثنوا لوحدهم‌ من‌ كليّة‌ بروز غرائزهم‌، كما انّ ذلك‌ العلم‌ الذي‌ أعطاهم‌ الله‌ تعالی‌ اثر مجاهداتهم‌ النفسيّة‌ و استقامتهم‌ في‌ طريق‌ عبوديّته‌ الحقّة‌، فوصلوا بنور القلب‌ إلی‌ هذا المقام‌؛ ليس‌ من‌ العلوم‌ البسيطة‌، بل‌ هو علمٌ خاصّ و كيفيّة‌ مخصوصة‌ يعبّر عنها لسان‌ القرءان‌ الكريم‌ بـ (روح‌ الله‌) أو (روح‌ القدس‌):

 و كَذَ  لِكَ أَوْحَيْنَا إلیكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي‌ مَا الْكِتَـ'بُ وَ لاَ الإيمَـ'نُ وَلَكِن‌ جَعَلْنَـ'هُ نُورًا نَهْدِي‌ بِهِ مَن‌ نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا[89].

 لقد جعلنا هذا الروح‌ نوراً لكي‌ نهدي‌ به‌ من‌ نشاء من‌ عبادنا؛ و هذا النور هو روح‌ الله‌ أو روح‌ القدس‌ الذي‌ دخل‌ في‌ قلب‌ الإنسان‌ و حوّل‌ حالة‌ القلب‌ و صَرَفَه‌ عن‌ غير الله‌ تماماً، و جعله‌ يرتبط‌ كليّاً بالله‌ تعالی‌، و هذا هو مقام‌ عصمة‌ الانبياء و الائمة‌ الاطهار.

 و يجب‌ أن‌ نعلم‌ في‌ هذا المقام‌ أنّ النفس‌ لن‌ تضمحلّ كليّاً، بل‌ انّها ستكون‌ مُنقادة‌ و مُطيعة‌ بصورةٍ محضة‌، فلا مجال‌ لها للتخطّي‌ و التجاوز قيد شعرة‌.

 و قد قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ يوماً: ما منكم‌ من‌ أحد الاّ وقد وكّل‌ به‌ قرينه‌ من‌ الشياطين‌. قالوا: و أنت‌ يا رسول‌ الله‌؟! قال‌: نَعَمْ، وَلَكِن‌ اللَهَ أَعَانَنِي‌ علیهِ فَأَسْلَمَ [90].

 و في‌ هذه‌ الحالة‌ فانّ هذه‌ النفس‌ هي‌ أحسن‌ نعمة‌ و أغلي‌ موهبة‌ الهيّة‌ لاولياء الله‌، لانّها استحالت‌ نفساً مطمئنّة‌ و وجدت‌ لياقة‌ خطاب‌ الرجوع‌ إلی‌ حرم‌ الله‌ تعالی‌.

 انّ الله‌ تعالی‌ يذكر في‌ سورة‌ الانعام‌ سبعة‌ عشر نبيّاً من‌ الانبياء في‌ عدّة‌ ءايات‌ متعاقبة‌، من‌ نوح‌ و ابراهيم‌ و لوط‌ و اسح'ق‌ و يعقوب‌ و اسماعيل‌ و إلیسع‌ و موسي‌ و هارون‌ و عيسي‌ و يحيي‌ و داود و سليمان‌ و زكريّا وأيّوب‌ و يونس‌ و إلیاس‌؛ فيمجّدهم‌، حتّي‌ انّه‌ أثني‌ علی‌ بعض‌ ءابائهم‌ وإخوانهم‌ و ذريّاتهم‌ فدعاهم‌ بالعباد الصالحين‌ و المهتدين‌، ثم‌ يقول‌:

 ذَ  لِكَ هُدَي‌ اللَهِ يَهْدِي‌ بِهِ  مَن‌ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ [91].

 الرجوع الي الفهرس

 استفادة‌ عصمة‌ المقرّبين‌ من‌ الله‌ من‌ مجموع‌ ثلاث‌ ءايات‌ قرءانيّة‌:

 انّ هداية‌ الله‌ التي‌ وصلت‌ إلیهم‌، نوع‌ من‌ الهداية‌ التي‌ يهدي‌ بها الله‌ مَن‌ يشاء من‌ عباده‌ الخاصّين‌؛ ثم‌ يقول‌ بعد الاية‌ التي‌ ذكرناها سابقاً:

 أُوْلَـ'´نءِكَ الَّذِينَ هَدَي‌ اللَهُ فَبِهُدَب'هُمُ اقْتَدِهْ [92].

 و نستفيد من‌ هاتين‌ الايتين‌ انّ هداية‌ الله‌ قد وصلت‌ إلی‌ الانبياء. ثم‌ أنّه‌ من‌ جانب‌ ءاخر يقول‌:

 وَ مَن‌ يُضْلِلِ اللَهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَ مَنْ يَهْدِ اللَهُ فَمَا لَهُ مِن‌ مُضِلٍّ [93].

 و يقول‌ أيضاً:

 مَن‌ يَهْدِ اللَهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [94].

 و نستفيد من‌ هاتين‌ الايتين‌ أيضاً انّ الذين‌ يهديهم‌ الله‌ هم‌ الذين‌ اهتدوا إلی‌ الطريق‌، فلن‌ تؤثّر أيّ وسوسة‌ شيطانيّة‌ من‌ تسويلات‌ الجنّ والإنس‌، و لو اجتمع‌ الناس‌ علی‌ أن‌ يُضلّوهم‌ فانّهم‌ لن‌ يستطيعوا التصرّف‌ في‌ إرادتهم‌ و علومهم‌ و اختيارهم‌ و لا علی‌ زعزعتهم‌ أو زلزلتهم‌.

 و من‌ جانب‌ ءاخر يقول‌ تعالی‌:

 أَلَمْ أَعْهَدْ إلیكُمْ يَـ'بَنِي‌´ ءَادَمَ أَن‌ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَـ'نَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدوُنِي‌ هَـ'ذَا صِرَ  طٌ مُسْتَقِيمٌ * وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.

 و في‌ هذه‌ الاية‌ يعتبر الله‌ سبحانه‌ أنّ اتّباع‌ الشيطان‌ هو الضلالة‌ بعينها؛ و بمقتضي‌ الايات‌ التي‌ مرّ ذكرها فانّ الله‌ هو الذي‌ يهدي‌ الانبياء، وانّ مَن‌ يهدي‌ الله‌ فما له‌ من‌ مُضِلّ.

 و الضلالة‌ حسب‌ مفاد هذه‌ الاية‌ هي‌ اتّباع‌ الشيطان‌ و المعصية‌ والذنب‌ و الإثم‌ و الالتفات‌ إلی‌ غير الحقّ، و هي‌ التأثّر بإلقاءات‌ النفس‌ الامّارة‌.

 و لانّ الانبياء ليس‌ لهم‌ مُضِلّ ـ كما مرّ ـ فليس‌ إذن‌ من‌ إلقاءات‌ شيطانيّة‌ و لا تسويلات‌ نفسيّة‌ و لا إثم‌ لهم‌، و هذا هو معني‌ العصمة‌.

 و بجمع‌ هذه‌ المجاميع‌ الثلاث‌ من‌ الايات‌ القرءانية‌، فقد أثبتت‌ العصمة‌ للمهتدين‌ و بُرهن‌ علیه‌ بشكل‌ جليّ و الحمد لله‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[33] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  252  .

[34] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  252  .

[35] ـ و لا يُستبعد أنّ الحديثين‌ كانا كلاهما (في‌ العدل‌) فصُحِّف‌ أحدهما الی‌ (في‌ العدد).

[36] ـ (الرياض‌ النضرة‌) ، ج‌  3  ، ص‌  153

[37] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  235  .

[38] ـ (صحيح‌ البخاري‌) ، ج‌  2  ، ص‌  299   ـ

[39]  ـ (الصواعق‌ المحرقة‌) ، ص‌  123  .

[40]  ـ (الرياض‌ النضّرة‌) ، ج‌  3  ، ص‌  149  .

[41] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  236  .

[42] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  233  .

 [43] ـ (أسد الغابة‌) ، ج‌  4  ، ص‌  27  .

[44]  ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  53  و  54  .

[45] ـ  (الرياض‌ النضرة‌) ، ج‌  3  ، ص‌  164  .

[46]  ـ يبيّن‌ في‌ كتاب‌ (علی و الوصيّة‌) من‌ ص‌  352  الی‌  354  موارد عديدة‌ شكي‌ فيها البعضُ أميرالمؤمنين‌ الی‌ رسول‌ الله‌ فتغيّر صلوات‌ الله‌ علیه‌ وءاله‌ وردعهم‌ وهدّدهم‌ وسمّي‌ علیاً أخاً و وصيّاً و وليّ كلّ مؤمن‌ .

[47] ـ (أسد الغابة‌) ، ج‌  4  ، ص‌  36  .

[48] ـ (المناقب‌) ، ج‌  2  ، ص‌  224  

[49] ـ (بحار الانوار) ، الطبعة‌ الكمباني‌ ، ج‌ 0 1  ، ص‌  241  .

[50] ـ ذكر ابن‌ طاووس‌ هذه‌ الزيارة‌ في‌ ليلة‌ النصف‌ من‌ شعبان‌ في‌ (الإقبال‌) ، ص‌  712  ، و قال‌ انّها زيارة‌ يُزار بها أوّل‌ رجب‌ ، ولكن‌ لان‌ النصف‌ من‌ شعبان‌ أعظم‌ لذا فقد ذكرها فيه‌ . كما ذكرها المحدّث‌ القمّي‌ في‌ (هديّة‌ الزائرين‌) ، ص‌  113  .

[51] ـ يقول‌ : لو نثرتُ روحي‌ لهذا الوعد كان‌ منّي‌ حريّاً .

[52]  ـ يقول‌ : لكي‌ تشكري‌ أنّك‌ أزهرتِ ـ ياوردةً ـ كما يتمنّي‌ لك‌ الحظّ ، فلا تبخلي‌ عن‌ طائر السَحَر بنسيم‌ الوصال‌ !

[53]  ـ الاية‌  26  الی‌  28  ، من‌ السورة‌  72  : الجنّ .

[54] ـ ذيل‌ الاية‌ 0 11  ، من‌ السورة‌  18  : الكهف‌ .

[55] ـ الاية‌  39  و 0 4  ، من‌ السورة‌  15  : الحجر .

 [56] ـ الاية‌  82  و  83  ، من‌ السورة‌  38  : ص‌ .

[57] ـ الاية‌  159  و 0 16  ، من‌ السورة‌  37  : الصافّات‌ .

[58] ـ صدر الاية‌  13  ، من‌ السورة‌  13  : الرعد .

[59] ـ ذيل‌ الاية‌  44  ، من‌ السورة‌  17  : الإسراء .

[60] ـ الاية‌  159  و 0 16  ، من‌ السورة‌  37  : الصافّات‌ .

[61] ـ الاية‌  127  و  128  ، من‌ السورة‌  37  : الصافّات‌ .

[62] ـ صدر الاية‌  87  ، من‌ السورة‌  27  : النمل‌ .

[63] ـ صدر الاية‌  68  ، من‌ السورة‌  39  : الزُّمر .

[64] ـ مقطع‌ من‌ الاية‌  88  ، من‌ السورة‌  28  : القصص‌ .

[65] ـ  الاية‌  26  و  27  ، من‌ السورة‌  55  : الرحمن‌ .

[66] ـ الاية‌  39  و 0 4  ، من‌ السورة‌  37  : الصّافّات‌ .

[67] ـ ذيل‌ الاية‌  24  ، من‌ السورة‌  12  : يوسف‌ .

[68] ـ و يرد هنا هذا السؤال‌ : كيف‌ يكون‌ المراد بالإرتضاء هو الإرتضاء المطلق‌ ، بينما المراد بالإرتضاء في‌ الاية‌  28  من‌ سورة‌ الانبياء :  (وَ لاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَن‌ ارْتَضَي‌)  ارتضاءً في‌ الدين‌ و العقيدة‌ ؟

 و الجواب‌ : لانّ الشفاعة‌ عائدة‌ لاهل‌ المعصية‌ ، و هي‌ الكبائر ، بدليل‌ الاية‌  32  من‌ سورة‌ النجم‌ :  لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَـ'ؤُا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَي‌' * الَّذِين‌ يَجْتَنِبُونَ كَبَـ'ئِرَ الإثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللّمَمَ ؛  التي‌ تعدّ من‌ المحسنين‌ الذين‌ يجتنبون‌ الكبائر فقط‌ . و قد قال‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ : (شفاعتي‌ لاهل‌ الكبائر من‌ أمّتي‌ ، فأمّا المحسنون‌ فما علیهم‌ من‌ سبيل‌) . و جاء في‌ سورة‌ النساء ، الاية‌ 0 3  :

 إِن‌ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ؛  و علی‌ ذلك‌ فانّ نفس‌ الاجتناب‌ عن‌ الكبائر مكفّر للسيّئات‌ و المعاصي‌ الصغيرة‌ .

 و علی‌ هذا الاساس‌ فانّ المراد بالإرتضاء في‌ ءاية‌ الشفاعة‌ لابدّ ان‌ يكون‌ ـ بمناسبة‌ الحكم‌ و الموضوع‌ ـ الإرتضاء في‌ الدين‌ و العقيدة‌ لا الإرتضاء في‌ السرّ و الذات‌ و العمل‌ ، لانّ الذي‌ تصبح‌ ذاته‌ و سرّه‌ مورداً للاءرتضاء فليس‌ هناك‌ من‌ معني‌ للشفاعة‌ له‌ . و يؤيّد هذا المعني‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ علی بن‌ موسي‌ الرضا علیه‌ السلام‌ ، التي‌ يفسّر فيها الإمام‌ الإرتضاء في‌ ءاية‌ الشفاعة‌ بالإرتضاء في‌ الدين‌ (في‌ تفسير الميزان‌ ، المجلّد الاول‌ ، ص‌  171 فما بعد ، و المجلّد الرابع‌ عشر ، سورة‌ الانبياء الاية‌  28  ، روايات‌ تدلّ علی‌ هذا المقصود) . وتبقي‌ ءاية‌ الإرتضاء تلك‌ حول‌ علم‌ الغيب‌ باقيةً علی‌ إطلاقها بمناسبة‌ الحكم‌ و الموضوع‌ ؛ امّا بشأن‌ الشفاعة‌ فانّها سيكون‌ لها كذلك‌ إطلاق‌ في‌ الدين‌ و العقيدة‌ .

[69] ـ الاية‌  27  و  28  ، من‌ السورة‌  72  : الجنّ .

[70] ـ الاية‌  64  ، من‌ السورة‌  19  : مَريم‌ .

[71] ـ يُرجع‌ الی‌ كتاب‌ (أبوطالب‌ مؤمن‌ قريش‌) تالیف‌ عبدالله‌ الخنيزي‌ ، و كتاب‌ (الحجّة‌ علی‌ الذاهب‌ الی‌ تكفير أبي‌ طالب‌) تالیف‌ فخار بن‌ سعد بن‌ فخار الموسوي‌ بن‌ معد الموسوي‌ الحائري‌ الذي‌ يروي‌ عن‌ ابن‌ ادريس‌ الحلّي‌ ، و يروي‌ عنه‌ المحقّق‌ الحلّي‌ ، و يرجع‌ كذلك‌ الی‌ كتاب‌ (أبوطالب‌ حامي‌ الرسول‌ و ناصره‌) تالیف‌ العلاّمة‌ نجم‌ الدين‌ الشريف‌ العسكري‌

[72] ـ (الفصول‌ المهمّة‌) لابن‌ الصبّاغ‌ ، هامش‌ الصفحة‌  13  ؛ و (تذكرة‌ السبط‌) ابن‌ الجوزي‌ ، ص‌  6  .

[73] ـ (الفصول‌ المهمّة‌) ، ص‌  13  .

[74] ـ و ينقل‌ ابن‌ الاثير ذيل‌ كلام‌ ابن‌ الصبّاغ‌ في‌ (أسد الغابة‌) ، ج‌  5  ، ص‌  517  .

[75] ـ الی‌ هنا كلام‌ ابن‌ الصبّاغ‌ .

[76] ـ  (تذكرة‌ الخواص‌) ، ص‌  6  .

[77] ـ  (الفصول‌ المهمّة‌) لابن‌ الصبّاغ‌ ص‌  12  نقلاً عن‌ ضياء الدين‌ أبي‌ المؤيد الموفّق‌ بن‌ أحمد الخوارزمي‌ في‌ كتابه‌ (المناقب‌) .

[78] ـ  (ديوان‌ الحِمْيَري‌) ، ص‌  155  ، و يقول‌ جامع‌ الديوان‌ ان‌ تخريج‌ هذه‌ الابيات‌ من‌ (أعيان‌ الشيعة‌) ، ج‌  12  ، ص‌ 0 24  ؛ و (المناقب‌) ، ج‌  2  ، ص‌  175  ؛ و (دلائل‌ الصدق‌) ، ج‌  2  ، ص‌  328  .

 [79] ـ تعلیقة‌ أشعار الحميري‌ في‌ ديوان‌ الحميري‌ ، ص‌  155  .

[80] ـ (الفصول‌ المهمّة‌) ، ص‌  12  ؛ و كذلك‌ قال‌ ابن‌ الاثير في‌ (أسد الغابة‌) ج‌  4  ، ص‌ 14  : و هو أوّل‌ هاشمي‌ ولد بين‌ هاشميين‌ .

 [81]  ـ  علی أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌ ليس‌ أوّل‌ هاشمي‌ ولد من‌ هاشيميّين‌ ، اذ انّ أخاه‌ الاكبر له‌ هذه‌ الصفة‌ .

 [82] ـ  ذكر في‌ كتاب‌ الغدير ، ج‌  6  ، من‌ ص‌  21  الی‌  38  الروايات‌ الواردة‌ في‌ ولادته‌ علیه‌ السلام‌ في‌ جوف‌ الكعبة‌ مع‌ أسنادها و أسماء علماء أهل‌ السنّة‌ الذين‌ أوردوها في‌ كتبهم‌ والشعراء الذين‌ أنشدوا فيها قصائداً .

[83] ـ (غاية‌ المرام‌) ، ص‌  13  ، عن‌ كتاب‌ (الامالی‌) للشيخ‌ الطوسي‌ . و العبارة‌ بين‌ القوسين‌ المعقوفين‌ ترجمة‌ النصّ كما ورد بالفارسيّة‌ .

[84] ـ (الفصول‌ المهمّة‌) ، ص‌  12  ؛ و (غاية‌ المرام‌) ، ص‌  13  نقله‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌ عن‌ كتاب‌ (المناقب‌) لابن‌ المغازلي‌ الشافعي‌ .

[85] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  255  .

[86]  ـ صدر الاية‌  52  ، من‌ السورة‌  42  : الشُّوري‌ .

[87] ـ (وسائل‌ الشيعة‌) ، ج‌  14  ، ص‌  233  .

[88] ـ (الكني‌ و الالقاب‌) ، ج‌  1  ، ص‌  322  ، طبع‌ مكتبة‌ الصدر . وقد أورد في‌ (ريحانة‌ الادب‌) ، طبع‌ مكتبة‌ (خيّام‌) ، ج‌ 7 ، ص‌ 280 أحد عشر بيتاً هي‌ مجموع‌ هذه‌ الابيات‌ الثلاثة‌ مع‌ ثمانية‌ أبيات‌ أخري‌ عن‌ أبي‌ المؤيد محمد بن‌ محمّد العنتري‌ صاحب‌ (قرابادين‌) ، و هو من‌ فلاسفة‌ و حكماء و مشاهير أطبّاء و أدباء أوائل‌ القرن‌ السادس‌ :

 احْفَظْ بُنَيَّ وَصِيَّتِي‌ وَاعْمَلْ بِهَا         فَالطِّبُّ مَجْمُوعٌ بِنَصِّ كَلاَمِي‌

 قَدِّمْ علی‌ طِبِّ الْمَرِيضِ عِنَايَةً         فِي‌ حِفْظِ قُوَّتِهِ مَعَ الاَيَّامِ

 بِالشِّبْهِ يُحْفَظُ صِحَّةٌ مَوْجُودَةٌ         وَالضِّدُّ فِيهِ شِفَآءُ كُلِّ سِقَامِ

 قَلِّلْ نِكَاحَكَ مَااسْتَطَعْتَ فَإنَّهُ         مَآءُ الْحَيَو'ةِ يُرَاقُ فِي‌ الاْرْحَامِ

 وَاجْعَلْ طَعَامَكَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً         وَاحْذَرْ طَعَامَكَ قَبْلَ هَضْمِ طَعَامِ

 لاَ تُحْقِرَ الْمَرَضَ الیسِيرَ فَإِنَّهُ         كَالنَّارِ تُصْبِحُ وَ هِي‌ ذَاتِ ضَرامِ

 لاَ تَهْجُرَنَّ الْقَي‌ءَ شَهْرَكَ إِنَّمَا         كَيْمُوسُهُ سَبَبٌ الی‌ الاْسْقَامِ

 إنَّ الحِمَي‌ عَوْنُ الطَّبِيعَةِ مُسْعِدَاً         شَافٍ مِنَ الاْسْقَامِ وَالاْلاَمِ

 لاَ تَشْرَبَنْ بِعَقِيبِ أَكْلٍ عَاجِلاً         لاَ تَأكُلَنْ بِعَقِيبِ شُرْبِ مُدامِ

 وَ خُذِ الدَّوَآءَ إذَا الطَّبِيعَةُ كدرَتْ         بِالإحْتِلاَمِ وَ كَثْرَةِالاْحْلاَمِ

 والطِّبُّ جُمْلَتُهُ إذَا حَقَّقْتَهُ         حَلُّ وَ عَقْدُ طَبِيعَةِ الاْجْسَامِ

 وقد نسب‌ بعضُ أصحاب‌ التراجم‌ هذه‌ القصيدة‌ ذات‌ السبعة‌ عشر بيتاً الی‌ (ابن‌ بطلان‌) ، الاّ انّه‌ نقل‌ في‌ (نامة‌ دانشوران‌) عن‌ المؤرّخ‌ الخزرجي‌ انّ هذه‌ القصيدة‌ لابي‌ المؤيد ، أوردها في‌ كتاب‌ (نور المجتني‌) .

[89] ـ صدر الاية‌  52  ، من‌ السورة‌  42  : الشُّوري‌ .

[90] ـ (مجمع‌ الزوائد) ، ج‌  8  ، ص‌  225  ، طبع‌ بيروت‌ . و قد أورد في‌ هذا الباب‌ خمسة‌ أحاديث‌ ، و العبارة‌ الواردة‌ في‌ المتن‌ مضمون‌ هذه‌ الاحاديث‌ الخمسة‌ .

[91] ـ صدر الاية‌  88  ، من‌ السورة‌  6  : الانعام‌ .

[92] ـ صدر الاية‌ 0 9  ، من‌ السورة‌  6  : الانعام‌ .

[93] ـ ذيل‌ الاية‌  36  و صدر الاية‌  37  ، من‌ السورة‌  39  : الزُّمَر .

[94]  ـ مقطع‌ من‌ الاية‌  17  ، من‌ السورة‌  18  : الكهف‌ .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com