|
|
الصفحة السابقة
بسم الله الرّحمن الرّحيم و صلّي اللهُ علی محمّد و ءاله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين و لا حول و لا قوّة الاّ بالله العلی العظيم
الإمامة هي الهيمنة علی عالم الامرقال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـ'´ئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـ'بَهُمْ وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَ مَنْ كَانَ فِي هَـ'ذِهِ أَعْمَي' فَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَعْمَي' وَأَضَلُّ سَبِيلاً [198]. انّ كلّ موجود من الموجودات الخارجيّة، و حتّي أفعال الإنسان، له وجهتان، وجهة ظاهريّة مشهودة و محسوسة تُدعي بالوجهة الخلقيّة والمُلكيّة، و وجهة باطنيّة غير مشهودة و لا محسوسة تُدعي بالوجهة الامريّة و الملكوتيّة. و الوجهة الملكوتيّة و الامريّة هي التي تظهر بواسطتها الوجهة الخلقيّة و المُلكيّة، مثل إرادة الانسان التي يقوم بواسطتها بفعل الافعال في الخارج. و الإمام هو الذي يستطيع هداية البشر إلی الله من الوجهة الملكوتيّة، و تلك هي الهداية بالامر و ليست زمانيّة و لا مكانيّة. و الاية الشريفة: وَجَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [199] تعرّف اولئك الافراد. و تشير هذه الاية انّ كلّ ما يرتبط بأمر الهداية، أي القلب و العمل، فانّ باطنه و حقيقته بيد الإمام، و ذلك الباطن و الحقيقة ـ و هي الوجهة الامريّة لتلك الامور ـ حاضر دوماً عند الإمام لا يغيب عنه. و هذا المقام يستلزم الاطّلاع علی أسرار الملكوت الذي سيكون إلیقين من لوازمه. وبناءً علی هذا فانّ مقام الإمامة أشرف من النبوّة. مقام الإمامة أشرف من النبوّة:ورد في (الكافي) عن الامام الصادق علیه السلام: إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعإلی اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيًّا، وَ إنَّ اللَهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا قَبْلَ أنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولاً، وَ إِنَّ اللَهَ اتَّخَذَهُ رَسُولاً قَبلَ أَن يَتَّخِذَهُ خَلِيلاً، وَ إنَّ اللَهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً قَبلَ أَن يَجْعَلَهُ إمَامًا، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الاشْيَاءَ قَالَ: إِنّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا. قَالَ: فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَينِ إبراهِيمَ قَالَ: وَ مِن ذُرِّيَّتِي؟ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. قَالَ: لاَ يَكُونُ السَّفِيهُ إمَامَ التَّقِيِّ [200]. و ذلك لان معني النبوّة اتّصال القلب بعالم الملكوت، و تلقّي الوحي من جبرئيل، و هذا المعني أقوي في الرسول، كما انّه سيكون هناك أيضاً مشاهدة الملائكة و ملائكة الوحي، لكنه يمكن في نفس الوقت ان لا يكون لكلّ منهم سيطرة علی ملكوت بني ءادم أو إحاطة بالقلوب ليسيروا بهم إلی الكمال و إلی مقامهم الواقعي، فمقام الانبياء و المؤمنين و العلماء هو مقام الإرشاد و التبليغ و إراءة الطريق فقط. قال الله تعإلی: وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَهُ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ [201]. و تبيّن هذه الاية دائرة مأموريتهم، و هي مجرّد البيان و الدلالة علی الطريق، و إمّا الإضلال و الهداية فهي بيد الله تعإلی و ليس بيد الانبياء منها شيء، خلافاً للإمام الذي يهدي بنفسه بإذن الله. يقول في هذا الشأن: وَقَالَ الَّذِي´ ءَامَنَ يَـ'قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرِّشَادِ[202]. و قال أيضاً: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِيَتَفَقُّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُو´ا إلیهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[203]. نعم هذا كلّه دلالة علی الطريق و ليس منصباً للإمامة. و بناءً علی هذا فإن أقوال و أحاديث الفقهاء هي فقط من باب نقل الرواية و بيان الحكم، لا من جهة حجّية الرأي و الفعل و القول؛ و من الخطأ أن يُطلق علیهم إسم الإمام. فالإمام هو الذي صار له ـ بوصوله إلی مقام إلیقين و كشف الملكوت ـ الهيمنة علی عالم الامر، و صار باطن الافعال مكشوفاً له، و صار بإمكانه ـ بسيطرته علی الباطن ـ أن يهدي القلوب إلی المقاصد و الغايات. و الامر هو الإذن الذي تصدر المعجزة بواسطته من الانبياء العظام، فأحيوا به الموتي و قاموا بالاعمال الخارقة للعادة. لقد قال عيسي بن مريم، علی نبينّا و ءاله و علیه السلام، لبني اسرائيل: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِـ َ ايَةٍ مِّن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرا بِإِذْنِ اللَهِ وَ أُبْرِيءُ الاْكْمَهَ وَ الاْبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوتَي' بِإِذْنِ اللَهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَ مَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إنَّ فِي ذَ لِكَ لاَيَةً لَّكُمْ إن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[204]. ففي هذه الايات تعدّ خوارق العادات المنسوبة إلی عيسي بن مريم منوطةً بإذن الله تعإلی، و لأنّ إذن الله ليس إجازة و أمراً اعتباريّاً و ترخيصاً خارجاً عن الملكوت، لذا فقد اعطي عيسي بن مريم قوّة التصرّف في أمر الملكوت، بحيث يتصرّف في ملكوت الاشياء بإرادته الملكوتيّة، و بحيث يستطيع تغيير ماهيّة الاشياء، فصار يُحيي الموتي و يُبرء الابرص و الاعمي دون أسباب و دون إعداد المقدّمات في الخارج. يجب أن يكون لدي الإمام قوّة ملكوتيّة في الامور:و ينبغي ان يوجد لدي الائمة علیهم السلام هذه القوّة حتماً، ليكونوا قدوةً للبشر من جانب الظاهر و الباطن، و ليقودوا الامّة إلی كمال التكوين والتشريع. و الائمّة الاطهار لا يهدون فقط الافراد الصالحين فيوصلونهم إلی كمالهم، بل انهم يهدون الاشقياء و أصحاب الاعمال السيّئة أيضاً ويوصلونهم إلی كمالهم. يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـ'´ئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـ'بَهُمْ وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَ مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَي' فَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَعْمَي' وَأَضَلُّ سَبِيلاً [205]. و هذه الاية تبيّن أولاً انّ الناس جميعاً في كلّ زمان و مكان يمتلكون إماماً، و ذلك لانّ الاية تقول علی نحو الإطلاق و العموم بأننا سندعوا جميع افراد البشر يوم القيامة بإمامهم، لذا فانّ هناك إماماً في كلّ زمان و مكان هو مربّي أمّته، و بواسطته يدخل السعداءُ الجنّة، و الاشقياءُ النار، فهناك فئة من الامّة هم أصحاب إلیمين، أي أهل السعادة، و فئة أخري عميٌ و هم أصحاب الشقاء، و المراد بهذه الفئة أصحاب الشمال، حيث صرّحت بذلك بعض ءايات القرءان: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا[206]. وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا [207]. و هاتان الفئتان هما أصحاب إلیمين و أصحاب الشمال الموجودون في كلّ مجتمع من المجتمعات، والذين سيصلون إلی هذه المراحل بواسطة إمامهم،لذا فانّ المراد بهاتين الفئتين جميع افراد الامّة باستثناء الإمام. امّا اذا أردنا أن نقسم البشر بحيث يكون الامام ضمنهم،فانّ علینا بتقريب ءاخر أن نقسم الناس إلی ثلاثة أقسام: الجماعة الاولي: المقرّبون. و الثانية: أهل السعادة و أصحاب إلیمين. و الثالثة: أهل الشقاء و أصحاب الشمال. فَأَصْحَـ'بُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـ'بُ الْمَيْمَنَةِ * وَ أَصْحَـ'بُ الْمَشْئَمَةِ مَآ أَصْحَـ'بُ الْمَشئَمَةِ * وَالسَّـ'بِقُونَ السَّـ'بِقُونَ * أُولَ´ـ'نءِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـ'تِ النَّعِيمِ [208]. هؤلاء الذين سبقوا في السير إلی الله، اولئك المقرّبون من ساحة الله تعإلی، والذين تخطّوا الحساب و الكتاب و العرض والسؤال و الميزان والصراط و جهنّم، فصاروا من المقرّبين إلی الله، و اختاروا السكني في حرم الامن و الامان الالهيّ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[209]. و هؤلاء هم الذين اجتازوا هذه العقبات في الدنيا؛ و في الوقت الذي كان البشر فيه منهمكين في شهواتهم النفسانية، كان المقرّبون مشغولين في تصفية حساباتهم، و كانوا يناجون ربّهم سرّاً و علانيّة، و سيكون الائمة علیهم السلام بالتأكيد ضمن هذه الفئة. أمّا أصحاب إلیمين فهم الصالحون الذين كانت أعمالهم موافقة للعقل و لامر الإمام، فلا يبتعدون عن الحقّ و الصدق و الامان و العبادة والكسب و الاعمال الحسنة، لذا فانّ هؤلاء هم أهل الجنّة الذين سيُعطون كتاب أعمالهم بيمينهم كناية عن السعادة و الفوز و النجاة، ولكن باعتبار انّهم لايزالون محجوبين بالحجب القلبيّة، فلم يتمكّنوا أن ينسوا غير الخالق بشكل كامل، و أن يطأوا بأقدامهم علی عالم الباطل و زينة الدنيا الخادعة، فانّهم يجب أن يُحاسبوا، كما انّ مقامهم و منزلهم ليس مقام و محلّ المقرّبين. امّا أصحاب الشمال فهم الذين لم يعملوا وفق أوامر العقل و الانبياء، فواجهوهم و لم يتورّعوا عن ظلم أنفسهم، و هؤلاء هم أهل الفسق والفجور و الخيانة و الكذب و الجناية، و بالطبع فانّهم سيُعطون كتابهم بشمالهم كنايةً عن العذاب و الظّلمة و الشقاء و جهنّم. و لانّ ظهور و بروز هذه الخيرات و البركات في المؤمنين، و هذا الفجور و الخيانات في الفاسقين قد كان بسبب ظهور ولاية الإمام، لذا فانّ جميع افراد الامّة يذهبون بواسطة إمامهم إلی الجنّة أو إلی جهنّم. لذا فقد ورد في روايات كثيرة: علیٌّ قَسِيمُ الْجَنَّةِ و النَّارِ [210]. و هذه الروايات لم ترد عن طريق أهل البيت علیهم السلام فقط، بل انّه قد روي عن طريق العامّة أيضاً روايات من هذا القبيل. و سنأتي بثلاث معانٍ لهذه الروايات هيالاخري مترتّبة علی أحدها الاخر، أياننا سنفسّرها في ثلاث مراحل متفاوتة من وجهة نظر ظهورها وخفائها. معني الروايات الواردة في أنّ علیاً قسيم الجنّة و النّار:الاول من وجهة نظر العمل، و هو انّ أميرالمؤمنين كان له مقام الولاية و الإمامة من قبل الله، و فعله و قوله حجّة، أي ان جميع أفراد البشر يجب أن يقتدوا به في جميع شؤون حياتهم. و بناءً علی ذلك، فانّ كلّ من يتبعه سيكون حقّاً من أهل الصدق والصفاء و العبادة و التسليم و الجهاد و الجود و الإيثار، و من الواضح أنّ شخصاً كهذا هو من أهل الجنّة، و ذلك لانّ الجنّة هي ظهور الافعال والملكات الحميدة في العوالم الاخري، و كلّ من يرفض دعوته علیه السلام و لا يقتدي بسيرته، و ينصرف إلی الكذب و الخيانة و التطفيف في الميزان و أكل الربا و التكاثر في الاموال و عبادة الشهوة و السعي وراء المنفعة و اتباع الهوي و الإعراض عن ذكر الله، فانّ من المسلّم انّه سيكون من أهل النار، لانّ جهنّم هي ظهور الملكات و الافعال القبيحة في تلك العوالم. و ما أوجب تفرّق هاتين الفئتين و انفصالهما عن بعضهما هو أمر ونهي مقام الولاية، الذي قبلته فئة و رفضته أخري. لذا فانّه سيكون قسيم الجنّة و النار، شأنه شأن معلّم يربّي تلاميذه و يعلّمهم الدروس، فهناك فئة من التلاميذ يجدّون و يسعون فيتعلّمون تلك الدروس، و فئة أخري تتكاسل و تأبي التعلّم، فيقوم المعلّم بإنجاح الفئة الاولي و بإفشال و إبقاء الفئة الاخري في مكانها السابق، و كما انّ من الصحيح أن نقول انّ المعلّم رفع فئة إلی مقامٍ أعلی و حبس أخري في مكانها السابق، فانّ من الصحيح كذلك أن نقول: علیٌّ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ. الثاني: من وجهة نظر الحبّ و البُغض، لانّ نتيجة و روح العمل هي المحبّة، لذا فانّ الذين يفتقرون هذه المحبّة، بل اولئك الذين يربّون ـ والعياذ بالله ـ بُغضه (علیه السلام) في قلوبهم، هم في غاية البعد عن الحقيقة و الواقع، فالذي يحبّ شيئاً سيكون مسلّماً أن يحبّ اثاره أيضاً، والذين يحبّون أميرالمؤمنين سيحبّون أفعاله و أقواله و سيرته، و ستكون لهم محبّة لهذه الاثار. و علی العكس فانّ أعداءه و مُبغضيه سيُبغضون سيرته و سنّته، لذا فانّ أعمالهم ستكون طبعاً أعمالاً خشنة و سيئة. و لانّ الافعال الحسنة تُوجِد المحبة و الصفاء و النور في الإنسان، كما ان الافعال القبيحة توجِد ظلمة القلب و قساوته، فانّ محبّي أميرالمؤمنين ـ بناءً علی ذلك ـ هم طبعاً أصحاب الحقيقة و الصفاء و المحبّة، قلوبهم أطيب و اكثر نوراً، و أنفسهم أخفّ، بينما أعداء أميرالمؤمنين هم بالطبع بعيدون عن الحقيقة و الصفاء، قلوبهم مظلمة و أنفسهم مُتعبة و ثقيلة وأرواحهم مُدنّسة. و لانّ نتيجة الاعمال الحسنة هي ذلك الصفاء و النورانيّة و المحبّة لله، كما ان نتيجة الاعمال القبيحة هي الظلمة و القساوة و الإعراض عن الله، لذا فانّ أميرالمؤمنين بسبب تقسيم الناس إلی فئتين محبّ و مُبغض قد قسمهم إلی فئتين:.هل الجنّة و أهل النار. تفسير الإمام الرضا علیه السّلام في مجلس المأمون في انّ علیا قسيمالجنّة و النّاريروي القندوزي الحنفي عن أبي الصلت الهروي قال: قال المأمون لعلی ] بن موسي [ الرضا علیه السلام: أخبرني عن جدّك أميرالمؤمنين علی علیه السلام بأيّ وجه هو قسيم الجنّة و النار؟فقال له الرضا: ألم تروِ عن ءابائك عن عبدالله بن عبّاس انّه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم يَقُولُ: حُبُّ علیٍّ إِيمَانٌ وَ بُغْضُهُ كُفْرٌ. فقال: بلي. فقال الرضا علیه السلام: فقسمة الجنّة و النار إذا كانت علی حبّه وبُغضه فهو قسيم الجنّة و النار. فقال المأمون: لاَ أَبْقَانِيَ اللَهُ بَعْدَك إنَّكَ وَارِثُ جَدِّكَ رَسُولِ اللَهِ صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم. قال أبوالصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا علیه السلام إلی منزله أتيتُهُ، فقلتُ له: يابنَ رسول الله صلي الله علیه وءاله، ما أحسنَ ما أجبتَ به أميرالمؤمنين! فقال الرضا علیه السلام: يا أباالصلت! إنّما كلّمتُهُ مِن حيثُ هو، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَن ءَاَبائِهِ عَنْ علیٍّ علیهم السَّلامُ انّه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّي الله علیه و ءاله: يَا علیُّ أَنْتَ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقُولُ لِلنَّارِ: هَـ'ذَا لِي وَ هَـ'ذَا لَكِ[211]. كما يروي الخوارزمي الموفّق بن أحمد المكّي باسناده عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم لِعلی: إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤتَي بِكَ يَا علیُّ بِسَرِيرٍ مِنْ نُورٍ، وَ علی رَأسِكَ تَاجٌ، قَدْ أَضَاءَ نُورُهُ وَ كَادَ يَخْطفُ أَبْصَارَ أَهْلِ الْمَوقِفِ، فَيَأتِي النِّدَاءُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ جَلَّ جَلاَلُهُ: أَيْنَ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَهِ؟ فَتَقُولُ: هَا أَنَاذَا! فَيُنَادِي الْمُنَادِي: أَدْخِلْ مَنْ أَحَبَّكَ الْجَنَّةَ وَ أَدْخِل مَن عَادَاكَ فِي النَّارِ فَأَنْتَ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ[212]. كما يروي ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم: يَا علیُّ إِنَكَ قَسِيمُ الْجَنَّةِ والنَّارِ، أَنْتَ تَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ وَ تُدْخِلُهَا أَحِبَّاءَكَ بِغَيْرِ حِسَابٍ[213]. معني الوسيلة:و يروي الحمويني في (فرائد السمطين) عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم يقول: اذا سألتم الله عزّوجل فاسألوه لي الوسيلة [214]، فسُئل عنها فقال: هي درجة في الجنّة، و هي ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلی المرقاة بسير الفرس الجواد شهراً، مرقاة زبرجد إلی مرقاة لؤلؤ إلی رمقاة ياقوت إلی مرقاة زمرد إلی مرقاة مرجان إلی مرقاة كافور إلی مرقاة عنبر إلی مرقاة يلجوج إلی رمقاة نور، و هكذا من أنواع الجواهر، فهي في بين درجات النبيّين كالقمر بين الكواكب، فيُنادي المنادي: هذه درجة محمّد خاتم الانبياء، و أنا يومئذٍ متّزرٌ بريطة من نور، علی رأسي تاج الرسالة و إكليل الكرامة، و علی بن أبي طالب أمامي و بيده لوائي و هو لواء الحمد مكتوبٌ علیه: لاَ إلَـ'هَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، علیٌّ وَلِيُّ اللَهِ، وَ أَولِيَاءُ علیٍّ الْمُفلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِاللهِ، حتي اصعد أعلی درجة منها و علی أسفل منّي بدرجة و بيده لوائي، فلا يبقي يومئذٍ رسولٌ و نبيّ ولا صدّيق و لا شهيد و لا مؤمن الاّ رفعوا أعينهم ينظرون إلینا و يقولون: طوبي لهذين العبدين، ما أكرمهما الله علی، فينادي المنادي يسمع نداءه جميعُ الخلائق: هذا حبيب الله محمّد و هذا وليّ الله علی، فيأتي رضوان خازن الجنّة فيقول: أمرني ربّي أن ءاتيك بمفاتيح الجنّة فأدفعها إلیك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلی أخي علی، ثمّ يأتي مالك خازن النار فيقول: أمرني ربّي أن ءاتيك بمقإلید النار فأدفعها إلیك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلی أخي علی، فيقف علی علی عجزة جهنّم و يأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرُها و اشتدّ حرّها، فتنادي جهنّم: يا علی ذرني فقد أطفأ نورُك لهبي! فيقول لها علی: ذري هذا وليّي و خُذي هذا عدوّي، فلجهنّم يومئذٍ أشدّ مطاوعة لعلی فيما يأمرها به مِنْ رقِّ أحدكم لصاحبه، و لذلك كَانَ علیٌّ قَسِيمُ النّار و الجَنَّةِ[215]. الولاية تُظهر السرائر السليمة و السيّئةثالثاً: من وجهة نظر اشعاع نور الولاية و ظهور الحقائق و المخفيّات وبروز القابليّات، و هذه المرحلة تحتاج إلی الدقّة و التأمّل؛ و لإيضاح هذه المرحلة نذكر مقدّمة بعنوان مثال و شاهد: من المعلوم و المشهود انّ الشمس تبتعد في فصل الشتاء عن الارض، فتفقد الارض بعض حرارتها، و تفقد جميع ءاثارها و تجليّاتها، إذ تصبح كئيبةً باردة و تفقد ءاثارها الحياتيّة فليس فيها ظهور لخواص الموجودات او ءاثارها، فالاشجار يابسة لا ورق فيها و لا ثمر، كأنّها أخشاب يابسة مغروسة في الارض، تقف اشجار التفاح و الكمثري والرمّان و المشمش و الجوز و الاشجار غير المثمرة كلّها سواءً و في رديف واحد، لا يميّزها عن بعضها شيء، إذ ليس فيها من ظهور أو فعلیة، كما انّ قابليّاتها الكامنة غير مرئيّة، لذا فانّها تقف في منزلة واحدة و تُعدّ أخشاباً يابسة لا ضرر و لا نفع لها. كما ان الاوراد و الشقائق ذابلة كلّها و منكمشة بلا أثر، فلا ورد إلیاس و الرازقي يفوح بالعطر، و لا النباتات ذات الرائحة الكريهة تبعث برائحتها؛ لا طراوة هناك في الوردة الحمراء، و لا أوراد الدفلي ذات الرائحة النفّاذة لها أثر من ذلك. البلابل و طيور الكناري و طيور الزاغ و العُقبان قد انسحبت إلی أعشاشها و أوكارها، و الافاعي و العقارب قد سبتت و رقدت هي الاخري مع الطيور البديعة الرائعة و تهاوت في جحورها و أعشاشها متثاقلة بلا حسّ. و ما ان تقترب الشمس بأشعتها التي تغمر العالم مع حلول الربيع، وتُرسل إلی الارض بأشعتها الباعثة علی النشاط و الحياة، فانّ تلك القابليات الكامنة ستصل إلی مرحلة الفعلیة، فتبدأ شجرة التفّاح بإرسال أغصانها وأوراقها و ثمارها الحلوة الحمراء المعطّرة مزيّنةً جوّ الحديقة، ويظهر من شجرة الكمثري هذه الفاكهة الخاصّة، و تُعلن شجرة المشمش بمنظرها الزاهي المحبّب و ثمارها الصفراء العطرة اللذيذة ميزتها الوجوديّة عن سائر ما يجاورها في الحديقة. كما انّ الاشجار غير المثمرة و الاشجار ذات الثمار المرّة أو الفجّة الحامضة و الضارّة مثل بعض أشجار الغابات ستُعلن عن تفاهة شخصيّتها وأثرها، و تطأطيء رؤسها أمام الاشجار الاخري فليس لها بَعْدُ من مجالٍ للغرور و الاستكبار و التعإلی. كما ان الطيور و البلابل ستنشغل و تنهمك بالتغريد في فضاء الحدائق، بينما تحلّق طيور الزاغ و العُقبان باحثةً عن الجيف، و تظهر الافاعي والجرذان و العقارب و تُعلن عن وجودها متحرّكةً بين الصخور والانهار. و كلّ ذلك بتأثير أشعّة الشمس و ظهور دفئها الباعث علی الحياة والنشاط، فحين تبزغ الشمس فانّ كلّ موجود يُظهر قابليّته و يُبرز مراحله الكامنة، بينما لم يكن هناك فرق بين الموجودات قبل طلوع الشمس و قبل بزوغ اشعاعها. و هكذا الامر بالنسبة إلی شمس الولاية، فقبل أن تطلع و تشرق علی القلوب و الافئدة، و قبل أن تأمر و تنهي، فانّ البشر سيعيشون في مستوي واحد، فلا تفاوت بين الشقيّ و السعيد، و لا بين أهل الجنّة و النار، و لا بين مؤمن و كافر، و لا بين عادل و فاسق، و لا بين محبّ و مُبغض، و لا بين موحدّ و مُشرك: كَانَ النَّاسُ اُمَّةً وَ حِدَةً [216]. كانوا كلّهم في مستوي واحد، و ما أكثر ما كان يحصل ان يعدّ الاشقياء أنفسهم أفضل من السعداء و يفتخرون بذلك؛ ولكن ما ان طلعت شمس الولاية و أشرقت علی الارواح الكئيبة، حتّي بعثت الحركة و النشاط في النفوس و أظهرت غرائز و سرائر و ضمائر كلّ إنسان، فطووا باختيارهم طريق السعادة فأوصلوا كلّ القابليّات النورانيّة إلی مرحلة الفعلیة؛ أمّا الاشقياء فانّ خُبث السريرة سيظهر بسبب تمرّدهم و إنكارهم و جحودهم القلبيّ، و ستظهر الاثار القبيحة السيّئة لهم في مرحلة الفعل و القول. و هكذا فانّ أصحاب الفطرة السليمة سيتراصّون في صفوف العبوديّة، و سيملئون الدنيا تواضعاً و إنفاقاً و إيثاراً و رحمةً و إنصافاً وترحّماً علی الايتام و صدقاً و صفاءً و عدلاً و توحيداً. امّا أصحاب الفطرة السيّئة فانّهم سيشكّلون صفوف الفجور والفسق، فيملاون الدنيا خيانةً و قبحاً و قساوة و اغتصاباً للحقوق و الاموال، و كذباً وظلماً و شِركاً: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَ يَحْيَي' مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَهَ لَسَمِيعٌ علیمٌ [217]. و بعبارة أخري فلانّ الإمام هو روح القرءان و حقيقته، و كما انّ القرءان شفاء و نور و رحمة للمؤمنين، و سببٌ لرقيّهم و كمالهم، بينما هو في الوقت نفسه ظُلمة و خسران و وبال للظالمين و سببٌ لزيادة قسوتهم وظلمهم، فانّ وجود الإمام علیه السلام له هذا الاثر و الخاصيّة أيضاً. وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ يَزِيدُ الظَّـ'لِمِينَ إلاَّ خَسَارًا [218]. انّ الايات القرءانيّة تُقرأ علی المؤمن و توجب رفع مقامه و منزلته بناءً علی تقبّل قلبه و خضوعه و خشوعه و ازدياد إيمانه و توكّله، لكنّها عندما تُقرأ علی الكافر فانّها ستسبّب زيادة ظلمته و خُسرانه بسبب جحود قلبه و إنكاره و تمرّده. حين تشرق شمس الولاية علی قلوب المؤمنين كمصباح منير، فانّهم سيفيدون من تلك الحرارة و النور، و سيتصاعد العطر المنعش من أرواحهم و أسرارهم فيعطّر فضاء عالم الإنسانيّة، امّا قلوب الكافرين فتصبح متعبة كدرة، و ستزكم رائحة التعفّن الكامنة فيهم أنوف الإنسانيّة، وتسبب الملل و الضجر للعقل و الحق. انّ الامام سيظهر، من وجهة نظر ملكوت البشر و قلوبهم، كلّ استعداد فيهم و يوصله إلی مقاصده، فيوصل المؤمنين إلی الجنّة و يُرسل الكافرين إلی النار، و يحرّك كل موجود من وجهة نظر ملكوته في طريق وصراط يتناسب معه. ما مِن دَآبَّةٍ إلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي علی' صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ [219]. انّ لكلّ فرد من المؤمنين مقاماً معلوماً في الجنّة، كما انّ هناك لكلّ كافر مكاناً معلوماً في النار، و الوصول إلی هذه الغاية يتمّ بواسطة الامام الذيء يهدي كلّ شخص في مسيره و هدفه من وجهة نظر التكوين؛ امّا من وجهة نظر التشريع، و بسبب القبول و الرفض الذي يجعل الكافرين والمؤمنين في صفّين متقابلين مختلفين، فانّه سيقود كلاّ منهما إلی كمال استعداه. و بناء علی ذلك، فما أجمل قول رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و ما أروعه حين قال: علیٌّ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. يقول ابن شهر ءاشوب: شريك القاضي و عبدالله بن حمّاد الانصاري قال كلّ واحد منهما: حضرتُ الاعمشَ في علّته التي قُبض فيها و عنده ابن شبرمة، و ابن أبي ليلي و أبوحنيفة، فقال أبوحنيفة: يا أبا محمّد ] يخاطب الاعمش [ اتّقِ الله و انظرْ لنفسك فانّك في ءاخر يوم من أيّام الدنيا و أوّل يوم من أيّام الاخرة، و قد كنت تحدّث في علی بأحاديث لو تُبتَ عنها كان خيراً لك. قال الاعمش: مثل ماذا؟ قال: مثل حديث عباية الاسدي: إنَّ علیا قَسِيمُ النَّارِ. قال (الاعمش): أقعدوني و سنّدوني! و حَدَّثَنِي ـ والَّذي إلیه مصيري موسي بن طريف إمامُ بني أسد عن عباية بن ربعي امام الحيّ قال: سَمِعْتُ علیاً علیه السّلام يَقُولُ: أَنَا قَسِيمُ النَّارِ أَقُولُ هَذَا وَلِيِّي دَعِيهِ وَهَذَا عَدُوِّي خُذِيهِ. و حدّثني أبو المتوكّل الناجي في امرة الحجّاج، عن أبي سعيد الخدري: قال النبيّ صلي الله علیه و ءاله: اذا كان يوم القيامة يأمر الله عزّوجل، فأقعدُ أنا و علی علی الصِّراطِ و يُقالُ لنا: أَدْخِلا الجنّةَ مَنْ ءامن بي و أحبّكما و أَدْخِلا النَّارَ مَنْ كَفَرَ بِي و أَبْغَضَكُمَا. (و في لفظ: ألقيا في النار من أبغضكما و أدخلا الجنّة مَن أحبّكما). و حدّثني أبو وايل قال: حدّثني ابن عبّاس قال: قَالَ رَسول الله صلّي الله علیه و ءاله: إذا كَانَ يَومَ الْقِيَـ'مَةِ يَأمُرُ اللهُ علیاً أَن يُقَسِّمَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقُولُ لِلنَّارِ خُذِي ذَا عَدُّوِي وَ ذَرِي ذَا وَلِيّي. قال: فجعل أبو حنيفة ازاره علی رأسه و قال: قوموا بنا لا يجيء أبو محمّد بأعظم من هذا[220]. يقول القندوزي، أخرج الدار قطني في كتاب (جواهر العقدين) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال: إنَّ علیاً قالَ حَديثًا طَويلاً في الشُّورَي، و فيه انّه قالَ لاهلِ الشُّوري: فأنشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم: أنتَ قَسِيمُ النَّارِ و الجَنَّةِ غَيْرِي؟ قالوا: اللَهُمَّ لاَ [221]. أشعار السيّد الحميري و دعبل الخزاعي في رواية «علیٌّ قَسيمُ الجَنَّةِ والنّار»و قد أنشد السيّد الحميري في هذا الامر قصائد كثيرة مثل:قَسِيمُ النَّارِ هَـ'ذا لي فَكُفِّي عَنْهُ لاَ يَضْرُرْ وَ هَذا لَكِ يَا نَارُ فَحُوزِي الْفَاجِرَ الاَكْبَرْ [222] و يقول أيضاً: ذَاكَ قَسيمُ النَّارِ مِنْ قيلِه ِ خُذِي عَدُّوِّي وَ ذَرِي نَاصِرِي ذَاكَ علیُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صِهْرُ النَّبِيِّ الْمُصَطفَي الطَّاهِرِ [223] و يقول: علیٌّ وَلِيُّ الْحَوض و الذَّائِدُ الَّذِي يَذَبّبُ عَنْ أَرْجائِهِ كُلَّ مُجْرِمِ علیٌّ قَسِيمُ النَّارِ مِن قَوْلِهِ لَها ذَرِي ذَا وَ هَذا فَاشْرَبِي مِنْهُ واطْعَمِي خُذِي بِالشِّوي مِمَّنْ يُصيبُك مِنْهُمُ وَلاَ تَقْرَبي مَن كَانَ حزْبِي فَتَظلمِي [224] و يقول دعبل الخزاعي: قَسيمُ الجَحيمِ فَه'ذا لَهُ وَ هَـ'ذا لَها باعتدالِ الْقِسَمْ يَذُودُ عنِ الحَوضِ أَعداءَهُ فَكَمْ مِنْ لَعِينٍ طَرِيدٍ وَ كَمْ فَمِنْ نَاكِثِينَ و مِنْ قَاسِطِينَ و مِنْ مَارِقِينَ و مِنْ مُجتَرَمْ [225] و قال القندوزي: نُسب إلی الشافعي انّه أنشد هذه الابيات: علیٌّ حُبُّهُ جُنَّة قَسِيمُ النَّارِ و الجَنَّة وَصِيُّ الْمُصطفي حَقّاً إمام الاءنْسِ وَالجِنَّة [226] رواية عمّاربن ياسر عن الرسول الله في ولاية أميرالمؤمنين علیه السّلاميقول ابن الاثير: أروي بسندي المتصّل عن علی بن جزء قال: سمعتُ أبا مريم السلولي يقول: سمعتُ عمّار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم يقول لعلی بن أبي طالب: يَا علیُّ إنَّ اللهَ عَزَّوجلَّ قدْ زَيَّنَكَ بِزَينَةٍ لَمْ يَتَزَيَّنِ الْعِبَادُ بِزِينَةٍ أَحَبّ إلیهِ مِنْهَا: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، فَجَعَلَكَ لاَ تَنَالُ مِنَ الدُّنْيَا شَيئًا، وَ لاَ تَنَالُ الدُّنْيَا مِنْكَ شَيْئًا، وَ وَهَبَ لَكَ حُبَّ الْمَسَاكِينَ، وَ رَضُوا بِكَ إمَامًا وَ رَضيتَ بِهِمْ أَتباعاً، فَطُوبَي لِمَنْ أَحَبَّكَ وَ صَدَقَ فِيكَ، وَ وَيلٌ لِمَنْ أَبغَضَكَ وَ كَذَبَ علیكَ. فَأَمَّا الَّذِينَ أَحَبُوكَ وَ صَدَقُوا فِيكَ فَهُمْ جيرانُكَ فِي دَارِكَ، ورُفَقَاؤُكَ فِي قَصرِكَ، وَأَمَّا الَّذِينَ أَبْغُضُوكَ وَ كَذَبُوا علیكَ، فَحَقُّ علی اللهِ أَن يُوقِفَهُمْ موقِفَ الكذَّابِينَ يَوْمَ الْقِي'مَةِ [227].
بسم الله الرّحمن الرّحيم و صلّي اللهُ علی محمّد و ءاله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين و لا حول و لا قوّة الاّ بالله العلی العظيم
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: يَومَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـ'´ئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـ'بَهُمْ وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَ مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَي' فَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَعْمَي' وَأَضَلُّ سَبِيلاً [228]. و رد في كثير من الروايات عن طريق أهل البيت سلام الله علیهم أجمعين، و عن طريق العامّة، انّ رسول الله صلي الله علیه و ءاله قال: لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ مَنْ كَتَبَ لَهُ علیٌّ الْجَوازَ [229]. تحقيق في حديث (لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ مَنْ كَتَبَ لَهُ علی الْجَوازَ): و قبل ان ننقل هذه الروايات فاننا مجبرون علی ذكر مقدّمة لتوضيح معني الصراط و كيفيّة كتابة الجواز للعبور: انّ جميع الموجودات ـ كما أشرنا سابقاً ـ لها ظاهر و باطن، و من جملتها الانسان و اخلاق الانسان و أفعاله، فهي الاخري لها ظاهر و باطن. و يُقال لظاهرها الخلق و المُلك، و لباطنها الامر و الملكوت، الظاهر هو المشهود و المحسوس، امّا الباطن فمختفٍ كامن في هذا العالم. كما ان ميزان جزاء و ثواب الاعمال يُقاس علی ملكوتها و حقيقتها، لا علی ظاهرها، فالصلاة التي يصلّيها الشخص ـ مثلاً ـ يمكن من وجهة النظر الظاهري أن تراعي فيها جميع خصوصيات الاداب الواجبة والمستحبّة، من الوضوء و الطهارة و القيام و الاستقبال و السجود و التختّم بالعقيق، و العطر، و السواك، و اللباس الابيض، و العمامة و غيرها، الاّ ان النيّة تكون احياناً التقرّب إلی الله، و أحياناً اخري الرياء و التظاهر، مهما كان ظاهر الصلاتين واحداً لا اختلاف فيه، لانّ روح الصلاة، اي الباعث والداعي للمصلّي هو الذي جعل روح هذه الصلاة في بُعدين مختلفين، أحدهما التقرّب إلی الله و الاخر التقرّب إلی هوي النفس. الصلاة في الصورة الاولي تقرّب الانسان إلی الله، و في الصورة الثانية تُبعده عنه، في الصورة الاولي تقوده إلی الجنّة، و في الصورة الثانية تسوقه إلی النار. و هكذا الامر في الصوم و الجهاد و الزكاة و الحجّ و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و قراءة القرءان و عيادة المريض، و سائر الاعمال التي لها ظاهر ممدوح، حيث تمتلك جميعها هذا الملكوت و الحقيقة، و تختلف قدرة إيصالها إلی الله شدّةً و ضعفاً بمقدار شدّة أو ضعف نيّة فاعلها، امّا اذا كانت النيّة لغير الله فانّها ليس فقط لا تقرّب الإنسان إلی الله، بل انّها ستبعده عنه. المعاصي و الذنوب لها أيضاً روح تختلف في الشدّة و الضعف، كما ان العقاب سيُقاس علی أساس الباعث الذي دعا المذنب إلی المعصية. و نجد أحياناً ان شخصاً ارتكب ذنباً، لكنّه ارتكبه خطأً و عن غير عمد، لذا فانّ ذلك الفعل لن يكون له ءانذاك عنوان المعصية، و لن يكون مُبعّداً له عن الله. في عالم الحسّ و الشهادة، أي العالم الذي نرتبط معه بالحواسّ الظاهريّة، و المراد به هذا العالم الحإلی، فانّ ملكوت و واقعيّة الاعمال مختفٍ كامن، و ما هو ظاهر و مشهود في هذا العالم انّما هو هيكل الفعل و جسده ومتنه، لذا فانّ معيار كبر و صغر الافعال من الوجهة الظاهريّة عند أسري سجن الطبيعة، هو صغر و كبر نفس العمل، فكثرة الصلاة، وكثرة الصيام، و التظاهر بالورع والتقوي، والتظاهر بالخشوع والخضوع، و التكلّم بهدوء بلسانٍ ليّن هي أمور مستحسنة، و غيرها غير مستحسن وغير مرغوب. امّا في عالم المعني و الملكوت فان الامر علی العكس، فلا يُنظر هناك إلی ظاهر الاعمال من جهة صغرها و كبرها، بل انّ ما يمثّل المعيار و الميزان للمطلوبيّة والمرغوبيّة هو النيّة و الإخلاص و الروح الموجودة في العمل، فظاهر الافعال هناك كامن بينما ملكوتها و باطنها ظاهر جليّ، اي انّ الظاهر معلوم و الباطن مخفيّ، مثل عالم النوم و عالم إلیقظة. زوال عالم إلیقظة عند النوم، و بالعكسانّ كلّ ما يُشاهد و يُحسّ في عالم إلیقظة يزول في عالم النوم، حين يرقد الشخص فيضع رأسه علی و سادة النوم، فيري انّ جميع ظهورات وءاثار عالم إلیقظة و خصوصيات و كيفيّات هذا العالم ستضمحلّ و تزول، لكأنّه لم يرَ طوال عمره كهذا العالم. و حين يستيقظ و يعرض عالم إلیقظة نفسه علیه، فانّ كلّ خصائص عالم النوم سيتصوّرها اعتباريّة، و كأنّه لم يدخل في مثل ذلك العالم، و ما لم يجد الانسان سبيلاً إلی عالم الملكوت فانّه لن يدرك شيئاً غير مظاهر الطبيعة هذا و غير الهيكل و الجسم الظاهر، لكنّه حين يتّصل بعوالم الملكوت بالموت الطبيعي أو غيره، فانّ حقيقة الاعمال و واقعيّتها ستظهر له ءانذاك، و سيكون عمله و سرّه معها، و سينسي عالم الشهادة، و ستُظهر ظهـورات النيّـات و الواقـعيّات للإنسـان عـالماً جـديداً أقـوي أثـراً بـ الاف المرّات من عالم الحسّ. تحقيقٌ في معني الصِّراط:يسلك الإنسان في هذه الدنيا بواسطة النفس و صفاتها و استخدام أفعالها طريقاً في المعني[230]، و لانّ رجوع الانفس إلی الله، فانّ هذا الطريق في ملكوت الإنسان و نفسه سيكون إلی الله أيضاً. و يختلف البشر في سلوك هذا الطريق باختلاف قواهم المعنويّة، فالبعض له طريق مستقيم تماماً، و للبعض الاخر طريق يضمّ انحرافاً قليلاً، بينما البعض الاخر يتحرّك بصورة كاملة في طريق الانحراف. و لانّ الإنسان يمتلك منذ اوائل عمره حتي ءاخر لحظات حياته حالاتٍ متفاوتة و ملكات روحيّة و نفسيّة من الحالات المختلفة، والتي هي نتيجة للاعمال المتفاوتة، فهو في انتقال من حالة إلی حالة اخري. حتي اذا ما كانت حالاته حسنة و ممدوحة بشكل كامل، و اذا ما كان فعله صالحاً ونيّته التقرّب إلی الله، فانّه سيكتسب الاخلاص في العمل و ينتقل دائماً من حال إلی حال و من كمال إلی كمال، فيصير من المقرّبين و السابقين، فاذا أخذت عنايةُ الله و لطفه بيده فأعانته صار من العباد الكمّل، و اذا كان من المتوسّطين، اي انّه لم يستطع نسيان غير الله كليّاً، بل كانت نفسه الامّارة والشهوة يتغلّبان علیه أحياناً فيوقفان سيره أو يُعيدانه إلی الخلف قليلاً، الاّ انّ فعله و قوله غالباً ما يكون صالحاً و نيّته صالحة، فسيكون من أصحاب إلیمين. و اذا كانت نفسه الامّارة هي التي تقوده دائماً، و كان كلّ سيره بخلاف الوصول إلی مراحل الكمال الإنساني، فانّه سيكون من الاشقياء وأصحاب الشمال. و هذا الاختلاف الموجود لدي الناس في طريقهم سيسبّب اختلاف ملكوتهم، لذا فانّ بعضهم سيطوي الطريق بسرعة، و البعض الاخر ببطء، والبعض الاخر في نهاية المشقّة و المحنة.
و هذا الملكوت
سيظهر يوم القيامة، و هناك حيث عالم الحقيقة فان الناس سيكونون في درجات
مختلفة؛ و جهنّم التي تستعر هي ظهور و بناءً علی هذا فانّ جهنّم هي ملكوت الدنيا، كما ان الصراط الذي يُمدّ علیها هو الطريق الذي ينبغي للإنسان طيّة في نفسه لكي ينال المقصود و هو الله سبحانه و تعإلی. و عندما يطوي الانسان هذا الطريق في الدنيا، لذا فان هذا الصراط سيوضع أيضاً علی جهنّم. و لانّ علی كلّ شخص بشكل حتمي أن يفوز بمقصوده بمجاهدة النفس للشهوات في الدنيا، لذا فانّ العبور علی جهنّم ضروري لجميع الافراد، حتي للانبياء و لاولياء الله. و حين نزلت الاية الكريمة: وَ إِن مِّنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ علی' رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَ نَذَرُ الظَّـ'لِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [231]. سألوا رسول الله صلّي الله علیه و ءاله: أَوَ أنتَ أيضاً واردٌ جهنّم؟ أجاب: بلي، لكننّا نعبر علیها كالبرق الخاطف[232]. و علی هذا، فلانّ الجميع قد قدموا إلی هذه الدنيا و كان لهم جميعاً طريق في أنفسهم إلی الله، فانّ علیهم جميعاً ان يردوا إلی جهنّم، و علی الجميع ان يعبروا علی الصراط. فاولئك الذين لم يهبوا قلوبهم إلی الدنيا، و لم ينكبوا عقولهم، و لم يسألوا غير الله تعإلی و لو لحظة واحدة، فانّهم سيعبرون علی جهنّم (علی الصراط) كالبرق الخاطف، امّا الباقون فانّ سرعتهم ستتفاوت باختلاف حالهم في الاخلاص، فالبعض يمرّ بطيئاً، و البعض من زمرة الاشقياء الذين كان صراطهم منحرفاً بشكل كامل، سيزلّ علی الصراط و يهوي في النار. روي عبدالله بن مسعود عن رسول الله صلّي الله علیه و ءاله قال: يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ، ثُمَّ يَصْدُرونَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَحَضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيِهِ [233]. و في تفسير القمّي رواية عن الامام الصادق علیه السلام قال: الصِّرَاطُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ علیهِ مِثْلَ الْبَرقِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ علیهِ مِثْلَ عَدْوِ الْفَرَسِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ علیهِ مَاشِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ علیهِ حَبْوًا، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ علیهِ مُتَعَلِّقًا، فَتَأخُذُ النَّارُ مِنْهُ شَيْئًا وَتَتْرُكَ شَيْئًا [234]. لذا فانّ معني الصراط العبور علی الملكات و الاخلاق الرذيلة والصفات القبيحة، فمن لم يُدنّس بها أصلاً مرّ كالبرق الخاطف، و من تلوّث بها في الجملة مرّ كعدو الفرس، حتّي اذا ما ابتلي و تدنّس كثيراً علّق من الصراط إلی جهنّم فأحاطت النار به. انّ الإمام علیه السلام الذي يعيّن صراط الانسان و طريقة إلی الله في هذه الدنيا، و الذي له السيطرة علی نفس الإنسان و ملكوته، هو نفسه الذي سيعيّن سرعة و بطء حركة الإنسان علی الصراط يوم القيامة حيث ظهور الصفات و الملكات، و وفقاً لسرعة الانسان في حركته في الدنيا إلی الله، فانّه سيُجيزه بنفس القدر بالحركة بسرعة أو ببطء علی الصراط، امّا الافراد الذين لم يكن لديهم اتّصال بمقام المعني و الولاية، و الذين أفنوا في وجودهم روح و شرف و فضيلة الإنسانيّة، فانّه لن يسمح لهم بالحركة، وسيأمر جهنّم لتبتلعهم و تغمرهم. و لان الامام له إحاطة في الدنيا علی ملكوت المؤمنين و غير المؤمنين، فانّه سيقف هناك علی مكان عالٍ و رفيع بحيث يُشرف علی الجنّة و علی جهنّم، فيعيّن مكان و منزلة كلّ فرد صالح فيالجنّة، و منزلة كلّ فاسق و منحرف طالح في النار، و قد عبّر في القرءان الكريم عن ذلك المقام العإلی بالاعراف. وَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَ علی الاْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَـ'هُمْ [235]. و الاعراف في اللغة لها معنيان، الاول أعراف الحجاب و هو القسم الاعلی منه، و الثاني أعإلی الجبل و التلّ، و كلا المعنيين مناسب هنا، اي انّه حجاب بين أهل الجنّة و أهل النار يقف الإمام في ذروته و قمّته، لانّه كان في الدنيا في ذروة و قمّة الحالات الروحيّة و المعنوية، ينظر من هناك إلی وجوه و سيماء أمّته، و يشاهد حالاتهم الروحيّة و الملكوتيّة من سيمائهم، كما كان محيطاً علی ملكوتهم في الدنيا يسيّرهم عن طريق الملكوت إلی واقعيّتهم و مقصدهم، لذلك فانّه هناك أيضاً سيجعلهم حسب واقعيّتهم و ملكوتهم في نقاط مختلفة من الجنّة أو في دركات متفاوتة في النار. و بناءً علی ما ذكرنا فقد اتّضح بحمدالله و قوّته حقيقة و سرّ ظهور جهنّم أولاً، و ظهور الصراط ثانياً، و مقام الإمام في الاعراف و ارتباط كيفيّة إدخال اهل جهنّم فيها بأمر الإمام ثالثاً. رواية (لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصّرَاطَ إلاّ مَن كَتَبَ لَهُ علیٌ الجَوازَ) بالطرق المختلفةفنقول الان بأنّ الروايات التي وردت في شأن أميرالمؤمنين عن طريق الشيعة كثيرة جدّاً، و لكن من أجل ان يتّضح ان هذه المطالب مسلّم بها عند أهل السنّة و لا يرقي إلیها الشكّ، فقد قرّرنا ان ننقل فظائله علیه السلام في الغالب من كتبهم. يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي: روي ابن السمّان أنّ أبابكر قال له (أي لعلی علیه السلام): سَمِعْتُ رسولَ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم يقول: لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ مَنْ كَتَبَ لَهُ علی الْجَوازَ [236]. و ينقل ابن حجر قبل هذا الحديث عن سُنن الدار قطني: إنَّ علیا ] علیه السَّلامُ [ قالَ للسِّتَّةِ الَّذين جَعَلَ عُمَرُ الامرَ شُورَي بَيْنَهُمْ كَلاَمًا طَويلاً مِنْ جُمْلَتِهِ: أُنْشِدُكُمْ اللَهَ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قالَ لَهُ رسولُ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ وسلّم (يَا علیُّ أَنْتَ قَسِيمُ الْجَنَّةِ و النَّارِ يَوْمَ القِي'مَةِ) غَيرِي؟ قَالُوا: اللَهُمَّ لاَ. و معناه ما رواه عنترة عن علی الرِّضا ] علیه السّلامُ [ أَنّه صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم قالَ لَه: أَنْتَ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي يَوْمِ القِي'مَةِ تَقُولُ لِلنَّارِ هَذَا لِي وَ هَذَا لَكِ. فابن حجر يستشهد بكلام أميرالمؤمنين في الشوري لتأييد الرواية التي نقلها عن أبي بكر، ثم يفّسر كلام أميرالمؤمنين بكلام الرضا علیه السلام إلی عنترة. و ينقل محبّ الدين الطبري عين هذه الرواية عن قيس بن أبي حازم، قال: إلْتَقَي أَبُوبَكرٍ وَ علیُّ بنُ أَبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهما، فَتَبَسَّمَ أبُوبَكْرٍ فِي وَجْهِ علیٍّ، فَقالَ لَهُ: مَا لَكَ تَبَسَّمْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صلّي اللهُ علیه ] وءاله [ و سلّم يقول: لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ مَنْ كَتَبَ لَهُ علی الْجَوازَ. أخرجه ابن السمّان في كتاب (الموافقة) [237]. كما ينقل الموفّق بن أحمد الخوارزمي في كتابه (المناقب) رواية الجواز[238]. كلام المرحوم العلاّمة العسكري في رواة هذه الرواية من العامّةيقول العلاّمة الميرزا نجم الدين الشريف العسكري في كتاب (مقام الامام أميرالمؤمنين عند الخلفاء)، الصفحة الخامسة: و قد نقل الكثير من الاعلام في كتبهم هذا الحديث: 1 ـ ابراهيم بن محمد الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين)، ج1، الباب الرابع و الخمسين. 2 ـ محبّ الدين الطبري الشافعي أيضاً في كتابه الاخر بإسم (الرياض النضرة في فضائل العترة) ج2،ص 173 و 177 و 244. و قال انّ الحاكمي رواه في كتابه (الاربعين). 3 ـ أورده ابن أبي عدسه في تأريخه بهذا اللفظ: قال أبوبكر لعلی: سمعتُ رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم يقول: لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ مَنْ كَتَبَ لَهُ علی الْجَوازَ. 4 ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في (ينابيع المودّة)، ص 86 و112. 5 ـ ابن المغازلي الشافعي في كتابه (المناقب)، كما في (غاية المرام). 6 ـ الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، ج 3، ص 161، عن ابن عبّاس. 7 ـ القاضي عياض في (الشفاء). 8 ـ العلاّمة السيّد أبوبكر ابن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي في كتاب (رشفة الصادي من بحور فضائل بني الهادي)، ص 459. 9 ـ القرشي في (شمس الاخبار). 10 ـ العلاّمة الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي في (الإتحاف بحبّ الاشراف)، ص 25. 11 ـ (اسعاف الراغبين)؛ ثم يقول: و روي حديث الجواز جماعة ءاخرون عن الصحابة من غير أبي بكر، كابن عبّاس و ابن مسعود، و ينبغي العلم انّ جميع هؤلاء المذكورين خرّجوا هذا الحديث في كتبهم [239]. و عند مراجعة (ينابيع المودّة) في ص 112 فانّه ينسبه إلی الإمام أميرالمؤمنين و عبدالله بن عباس و عبدالله بن مسعود و أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري. و يقول: روي الحمويني بسنده عن مالك بن أنس عن جعفر الصادق عن ءابائه عن علی بن أبي طالب رضي الله عنهم عن النبيّ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم قال: إِذَا جَمَعَ اللَهُ الاوَّلِينَ وَ الاْخرِينَ يَوْمَ الْقِيـ'مَةِ نَصَبَ الصِّرَاطَ علی جَهَنَّمْ لَمْ يَجُزْ عَنْهَا أَحَدٌ إلاَّ مَنْ كَانَت مَعَهُ بَرَاةٌ بِوِلاَيَةِ علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ. و أخرج هذا الحديث أيضاً الموفّق بن أحمد بسنده عن الحسن البصري عن ابن مسعود. و أخرجه الموفّق أيضاً بسنده عن مجاهد عن ابن عبّاس رضي الله عنهما. و اخرج هذا الحديث ايضاً ابن المغازلي بسنده عن مجاهد، عن ابن عبّاس؛ و عن طاوس، عن ابن عبّاس. و أيضاً بسنده عن أنس بن مالك، و بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. و في الصفحة 86 و في ص 113، فقد رواه عن ابن مسعود بمتن ءاخر عن الموفّق بن احمد، باسناده عن الحسن البصري، عن ابن مسعود. قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: إذَا كَانَ يَوم الْقِي'مَةِ يَقْعُدُ علی علی الْفِردُوسِ، وَ هُوَ جَبَلٌ قَدْ عَلاَ علی الْجَنَّةِ وَ فَوْقَهُ عَرْشُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَ مِنْ سَفْحِهِ تَتَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ وَ تَتَفَرَّقُ فِي الجِنَانِ، وَ علیٌّ جَالِسٌ علی كُرسِيٍّ مِن نُورٍ، يَجْرِي بَيْنَ يَدَيْهِ التَّسْنِيمُ، لاَ يَجُوَزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ وَ مَعَهُ سَنَدٌ بِوِلاَيَةِ علیٍّ وَ وَلاَيَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيُدْخِلُ مُحِبِّيهِ الْجَنَّةَ وَ مُبْغِضِيهِ كالنَّارَ. كما ينقل الخوارزمي هذه الرواية بهذا المضمون في مقتله (طبع النجف، ج ا، ص 39). توضيح معني الرواية المذكورةبلي، يبيّن هذا الحديث مقام أميرالمؤمنين في الاعراف، و أنّ هذا المقام في ءاخر درجات الفرق الذي يبدأ منه عالم الكثرة، يعني في حقيقة الولاية التي هي الحجاب الاقرب، و من الاعراف يجري نهر التسنيم في الجنّة. و هذا النهر ينبع من الولاية، و تجري فروعه في قلوب الشيعة، كما يجري في جنانهم في ذلك العالم من ظهور الملكوت. و أميرالمؤمنين علیه السلام الذي هو حقيقة الولاية، يعيّن مقامات أهل الجنّة حسب ميزان جريان التسنيم، فيعبرون الصراط و يصلون إلی منازلهم، كما يعيّن في النار أماكن الذين لا يؤمنون بالولاية. يقول ابن شهرءاشوب: روي ابن عبّاس و أنس عن النبّي الاكرم صلّي الله علیه و ءاله: قَالَ: إذَا كَانَ يَومَ الْقِيَامَة، وَ نُصِبَ الصِّرَاطُ علی جَهَنَّمَ، لَمْ يَجُزْ علیهِ إلاَّ مَنْ مَعَهُ جَوَازٌ فِيهِ وَلاَيَةُ علی بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَإلی: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسؤُلُونَ[240]. و يقول أيضاً: و يروي والدي شهرءاشوب باسناده عن رسول الله صلّي الله علیه و ءاله قال: لِكُلِّ شَيْءٍ جَوَازٌ، وَ جَوَازُ الصِّرَاطِ حُبُّ علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ [241]. و يروي أيضاً في تأريخ الخطيب، عن ليث، عن مجاهد، عن طاووس، عن ابن عبّاس قال: قُلتُ للنَبِيّ: يَا رَسولَ اللهِ! لِلنَّاسِ جَوَازٌ؟ قالَ: نَعَم؟ قُلْتُ: وَ مَا هُوَ؟ قالَ: حُبُّ علیِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [242]. و في حديث وكيع، قال أبوسعيد: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا مَعْنَي بَراةُ علیٍّ؟ قالَ: لاَ إلَـ'هَ إلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، علیٌّ وَلِيُّ اللهِ [243]. و سأل النبّيُ الاكرمُ من جبرئيل: كَيفَ تَجُوزُ أُمَّتِي الصِّرَاطَ؟ فَمَضَي وَعَادَ وَ قَالَ: إنَّ اللَهَ تَعَإلی يَقْرَئُكَ السَّلامَ و يقول: إنَّكَ تَجُوزُ الصِّراطَ بِنُوري، وَعلیُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يَجُوزُ الصِّرَاطَ بِنُورِكَ، وَ أُمَّتُكَ تَجُوزُ الصِّرَاطَ بِنُورِ علی، فَنُورُ أُمَّتِكَ مِنْ نُورِ علیٍّ، وَ نُورُ علیٍّ مِنْ نُورِكَ، وَنُورُكَ مِنْ نُورِ اللَهِ [244]. و ورد في الخبر: وَ هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي يَقِفُ علی يَمِينِهِ رَسُولُ اللهِ، وَ علی شِمَالِهِ أَمِيرُالمؤمنينَ، وَ يَأْتِيهِمَا النِّدَاءُ مِنَ اللهِ: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [245]. و روي الحسن البصري في خبر ءاخر عن عبدالله، عن رسول الله قال: وَ هُوَ جَالِسٌ علی كُرسِيٍّ مِن نُورٍ ـ يَعْنِي علیاً ـ يَجْرِي بَيْنَ يَدَيْهِ التَّسْنِيمُ، لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ الصِّرَاطَ إلاَّ وَ مَعَهُ بَراةٌ بِوِلاَيَتِهِ وَ وَلاَيَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ، يُشْرِفُ علی الْجَنَّةِ وَ يُدْخِلُ مُحِبِّيهِ الْجَنَّةَ وَ مُبْغِضِيهِ النَّارَ [246]. ارجاعات [198] ـ الاية 71 و 72 ، من السورة 17 : الإسراء . [199] ـ الاية 73 ، من السورة 21 : الانبياء . [200] ـ (اُصول الكافي) ، المجلّد الاول ، ص 175 . [201] ـ الاية 4 ، من السورة 14 : ابراهيم . [202] ـ الاية 38 ، من السورة 0 4 ، المؤمن . [203] ـ الاية 122 ، من السورة 9 : التوبة . [204] ـ الاية 0 5 ، من السورة 3 : ءال عمران . [205] ـ الاية 71 و 72 ، من السورة 17 : الإسراء . [206] ـ الاية 7 و 8 ، من السورة 84 : الإنشقاق . [207] ـ الاية 0 1 و 11 ، من السورة 84 : الإنشقاق . [208] ـ الاية 8 ـ 12 ، من السورة 56 : الواقعة . [209] ـ الاية 55 ، من السورة 54 : القمر . [210] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 83 ـ 86 . [211] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 85 و 86 . [212] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 83 . [213] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 84 . [214] ـ و لذا يُستحبّ أن نقول عند الشروع بالصلاة قبل تكبيرات الافتتاحية : اللهمَّ ربّ ه'ذه الدَّعْوة التّامة و الصَّلو'ة القائمة بَلِّغْ محمّدًا صلّي الله علیه و ءاله الدرجةَ و الوسيلةَ والفَضْلَ و الفَضِيلةَ . [215] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 84 ؛ و قد ذكر المرحوم الكليني ما يقرب من ثلثي هذه الرواية في (روضة الكافي) ، ص 24 ـ 25 ضمن خطبة الوسيلة لاميرالمؤمنين علیه السلام التي أنشأها بعد سبعة أيّام من رحلة رسول الله في المدينة حول غصب الخلافة و إظهار مقاماته . [216] ـ الاية 213 ، من السورة 2 : البقرة . [217] ـ الاية 42 ، من السورة 8 : الانفال . [218] ـ الاية 82 ، من السورة 17 : الإسراء . [219] ـ الاية 56 ، من السورة 11 : هود . [220] ـ (المناقب) ، ج 1 ، ص 347 . [221] ـ (ينابيع المودّة) ص 84 . [222] ـ (ديوان الحميري) ، ص 252 ، و اورد أصله عن (أعيان الشيعة) ، ج 12 ، ص 246 ؛ و (المناقب) ، ج 2 ، ص 159 و 194 و 233 و 288 ؛ و ج 3 ، ص 0 9 و 91 . [223] ـ (ديوان الحميري) ، ص 245 ؛ و قد أورد أصله عن (اعيان الشيعة) ، ج 12 ، ص 246 ؛ و (المناقب) ، ج 2 ، ص 125 و 159 . [224] ـ (ديوان الحميري) ، ص 399 ؛ و أورد أصله عن (أعيان الشيعة) و (الغدير) و(المناقب) و (الكني و الالقاب) . [225] ـ (مناقب ابن شهر ءاشوب) ، ج 1 ، ص 349 . [226] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 86 . [227] ـ (أسد الغابة) ، ج 4 ، ص 23 . [228] ـ الاية 71 و 72 ، من السورة 17 : الإسراء . [229] ـ (الصواعق المحرقة) ، ص 78 ، طبع مصر نقلاً عن كتاب (مقام الامام أميرالمؤمنين عند الخلفاء) للعلاّمة الميرزا نجم الدين الشريف العسكري ، ص 3 ؛ و (مناقب الخوارزمي) ، ص 222 . [230] - فی البا طن – فی الحقیقه. [231] ـ الاية 71 و 72 ، من السورة 19 : مريم . [232] ـ التعبير مُترجم و ليس نصّ كلامه صلوات الله علیه و ءاله (م) . [233] ـ (تفسير مجمع البيان) ، ج 3 ، ص 525 . [234] ـ (تفسير الصافي) ، ج 1 ، ص 54 . [235] ـ الاية 46 ، من السورة 7 : الاعراف . [236] ـ (الصواعق المحرقة) ، طبع مصر ، ص 78 ، نقلاً عن كتاب (مقام الإمام اميرالمؤمنين) ، ص 3 . [237] ـ (ذخائر العقبي) ، ص 71 . [238] ـ (مناقب الخوارزمي) ، ص 222 . [239] ـ (مقام الامام أميرالمؤمنين) ، ص 6 . [240] ـ (المناقب ابن شهرءاشوب) ، ج 1 ، ص 346 ، الطبعة الحجريّة . [241] ـ (المناقب ابن شهرءاشوب) ، ج 1 ، ص 346 ، الطبعة الحجريّة . [242] ـ (المناقب ابن شهرءاشوب) ، ج 1 ، ص 346 ، الطبعة الحجريّة . [243] ـ (المناقب ابن شهرءاشوب) ، ج 1 ، ص 346 ، الطبعة الحجريّة . [244] ـ (المناقب ابن شهرءاشوب) ، ج 1 ، ص 346 ، الطبعة الحجريّة . [245] ـ (المناقب) ، ج 1 ، ص 346 . |
|
|