بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الاول/ القسم السادس: حقیقة انهار الجنة، معنی وحی الخیرات الی الائمة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

في‌ أشعار السيّد الحِمْيَري‌

و ما أجمل‌ قول‌ شاعر أهل‌ البيت‌ السيد اسماعيل‌ بن‌ محمد الحميري‌ حين‌ يقول‌:

 قَوْلُ علی‌ٍّ لِحَارِثٍ عَجَبٌ         كَمْ ثَمَّ أُعْجُوبَةً لَهُ حَمَلاَ

 يَا حَارِ [247] هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي        ‌ مِنْ مُؤمِنٍ كانَ أَوْ مُنَافِقٍ قَبَلاَ [248]

 يَعْرِفُنِي‌ طَرْفُهُ وَ أَعْرِفُهُ         بِعَيْنِهِ [249] وَاسْمِهِ وَ مَا فَعَلاَ

 وَ أَنْتَ عِنْدَ الصِّرَاطِ تَعْرِفُنِي‌         فَلاَ تَخَف‌ عَثْرَةً وَ لاَ زَلَلاَ

 أَسْقِيكَ مِنْ بَارِدٍ علی‌ ظَمَأً         تَخَالُهُ فِي‌ الْحَلاَوَةِ الْعَسَلاَ

 أَقوُلُ لِلنَّارِ حِينَ تُوقَفُ لِلْعَرْ         ضِ علی‌ جسرِهَا ذَرِي‌ الرَّجُلاَ

 ذَرِيه‌ لاَ تَقْرَبِيهِ إنَّ لَهُ         حَبْلاً بِحَبْلِ الوَحْي‌ [250] مُتَّصِلاَ

 هَذَا لَنَا شِيعَةٌ وَ شِيعَتُنَا         أَعْطَانِيَ اللَهُ فِيهِمُ الاَمَلاَ [251]

 الرجوع الي الفهرس

مدح‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌ لقبيلة‌ همدان‌ إلیمنيّين‌ في‌ صفّين‌

 يخاطب‌ أميرالمؤمنين‌ بهذا الكلام‌ الحارث‌ الهمداني‌.

 يروي‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ عن‌ (الامإلی‌) للطوسي‌، باسناده‌ عن‌ الحارث‌ الهمداني‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌:

 إذَا كَانَ يَومَ الْقِي'مَةِ أَخَذتُ بِحُجزَةٍ مِن‌ ذِي‌ الْعَرشِ، وَ أَخَذتَ أَنْتَ يَا علی‌ُّ بِحُجزَتِي‌، وَ أخَذَت‌ ذُرِّيَّتُكَ بِحُجْزَتِكَ، وَ أَخَذَتْ شَيعَتُكُمْ بِحُجْزَتِكُمْ، فمَاذا يَصْنَعُ اللَهُ بِنَبِيِّهِ؟ وَ مَاذَا يَصْنَعُ نَبِيُّهُ بِوَصِيِّه‌؟ إلی‌ أن‌ قال‌ ] علی‌ٌّ علیه‌ السلام‌ [: خُذْهَا إلیكَ يَا حَارُ قَصِيرَةً مِن‌ طَوِيلَةٍ [252]، أَنتَ و مَن‌ أَحبَبتَ وَ لَكَ مَا اكْتَسَبْتَ [253].

 و لقد جاهد الحارث‌ الهمداني‌ (بسكون‌ الميم‌) و قومه‌ من‌ قبيلة‌ همدان‌ في‌ إلیمن‌، في‌ يوم‌ صفّين‌ جهاداً كبيراً و حاموا عن‌ دين‌ الله‌ و عن‌ إمامهم‌، و واجهوا المشاقّ و المحن‌ و الشدائد، حتّي‌ قال‌ أميرالمؤمنين‌ فيهم‌:

 فَلَو كُنتُ بَوَّابَاً علی‌ بَابِ جَنَّةٍ         لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِي‌ بِسَلاَمِ [254]

 و يقول‌ السيّد الحميري‌:

 وَ لَدَي‌ الصِّراطِ تَرَي‌ علیاً وَاقِفَاً         يَدْعُو إلیهِ وَلِيَّهُ الْمَنْصُورَا

 اللهُ أَعْطي‌ ذَا علیاً كُلَّهُ         وَ عَطَاءُ رَبِّكَ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورَا

 الرجوع الي الفهرس


 

الدرس‌ العاشر:

لزوم‌ الإمام‌ الحيّ لتمتّع‌ القلوب‌

 

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدِّين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ  تِ وَ إِقَامَ الصَّلَوَ  ةِ وَ إِيَتَآءَ الزَّكَو'ةِ وَ كَانُوا لَنَا عَـ'بِدِينَ[255].

 أصل‌ العلیة‌ و المعلوليّة‌:

 انّ كلّ واحد من‌ الموجودات‌ التي‌ تُشاهد في‌ العالم‌ له‌ أصل‌ و علّة‌ يستند في‌ نشأته‌ إلیها، كما انّ التغيّرات‌ و التبدّلات‌ التي‌ تحصل‌ فيها لها عللها هي‌ الاخري‌.

 فلو ضربنا زجاجةً بحجر لانكسرت‌، و لو أجرينا ماءً في‌ جدول‌ لجري‌ الماء إلی‌ حيث‌ ما أمكن‌ له‌، و لبلّ النقاط‌ التي‌ يلامسها، حتّي‌ انّ الماء يجري‌ في‌ خُلل‌ الجبال‌ و شقوقها ما وجد إلی‌ ذلك‌ سبيلاً.

 و هذا هو أصلٌ عام‌ في‌ النشوء و في‌ التغيّرات‌ المشهودة‌ في‌ موجودات‌ العالم‌.

 الرجوع الي الفهرس

 تأثير المجالسة‌ في‌الإنسان‌:

 كما انّ أخلاق‌ و ملكات‌ و عقائد و روحيّات‌ بني‌ الإنسان‌ ليست‌ مستثناةً من‌ هذا الاصل‌ العام‌، فقد ثبت‌ بالتجربة‌ انّ معاشرة‌ الابرار تؤثر علی‌ الإنسان‌، و انّ المعاشرة‌ مع‌ الاشرار تؤثر علیه‌ هي‌ الاخري‌، و ما أكثر ما حصل‌ أن‌ يصاحب‌ شخصٌ ذو فطرة‌ طيبة‌ و أعمال‌ صالحة‌ أصدقاءَ السوء فتلاشي‌ صفاؤه‌ الباطني‌، و أظلم‌ قلبه‌ و اختنقت‌ روحه‌.

 و علی‌ العكس‌ من‌ ذلك‌، فما أكثر ما حصل‌ انّ شخصاً ذا سيرة‌ سيّئة‌ غيرّ اسلوبه‌ و نهجه‌ إثر معاشرته‌ لشخص‌ طيّب‌، فصلُحت‌ نيّته‌ تدريجاً، وتبعتها أفعالُه‌ فصارت‌ صالحةً حسنة‌ حميدة‌.

 لذا ورد التأكيد كثيراً في‌ التعإلیم‌ الإسلاميّة‌ علی‌ مصاحبة‌ الابرار والمنع‌ من‌ الاُنس‌ بالاشرار و التوادّ معهم‌، حتي‌ انّ جلسةً واحدة‌ قد تؤثّر علی‌ الانسان‌ و لو أمضاها بالسكوت‌ او المذاكرة‌، لان‌ تأثير الارواح‌ لا يحتاج‌ إلی‌ مذاكرة‌، و انّما الارواح‌ المؤتلفة‌ تميل‌ إلی‌ بعضها و تبتادل‌ التأثير مع‌ بعضها.

 و من‌ أجل‌ أن‌ يستطيع‌ الإنسان‌ تغيير أخلاقه‌ و صفاته‌ إلی‌ اخلاق‌ وصفات‌ الإنسان‌ الكامل‌، فانّ علیه‌ أن‌ يعرّف‌ قلبه‌ و روحه‌ علی‌ أصل‌ و علّة‌ الاخلاق‌ و الصفات‌ الحسنة‌، لتؤثّر تلك‌ المحامد في‌ الإنسان‌ بواسطة‌ الاتّصال‌. و علیه‌ أن‌ يصل‌ مركز قلبه‌ بمنبع‌ العلم‌ و المعرفة‌ و الحياة‌، ليحصل‌ منه‌ علی‌ العلم‌ و المعرفة‌ و الحياة‌ قدر سعته‌ و استعداده‌ و قابليّته‌.

 و كما انّ هناك‌ في‌ شبكة‌ المياه‌ في‌ المدن‌ مخزناً عظيماً للماء متّصل‌ بعدد كبير من‌ البيوت‌، بحيث‌ يصل‌ إلیها الماء حسب‌ ظروفها و قابليّاتها، فكذلك‌ الامر في‌ علّة‌ و منبع‌ الحياة‌ و المعرفة‌ الذي‌ يجب‌ ان‌ يروي‌ و يُشبع‌ القلوب‌ بواسطة‌ التسليم‌ و الانقياد و الاتباع‌ و الخضوع‌، بقدر سعة‌ تلك‌ القلوب‌ و ظرفيّتها.

 و لهذا الموضوع‌ أمران‌ ضروريّان‌:

 الاول‌: وجود ذلك‌ الاصل‌ و العلّة‌، أي‌ مبدأ إفاضة‌ العلم‌ و الحياة‌.

 و الثاني‌: التسليم‌ و التلقّي‌ و الخضوع‌؛ ليمكن‌ لتلك‌ العلّة‌ ان‌ تؤدّي‌ وظيفتها، لانّ التسليم‌ له‌ حكم‌ الشروط‌ لتلقّي‌ العلم‌ و المعارف‌، و معتبر من‌ المقدّمات‌ المُعِدّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 قلب‌ الإمام‌ مركز إفاضة‌ العلوم‌:

  مبدأ إفاضة‌ العلم‌ هو قلب‌ الامام‌ الذي‌ يفيض‌ ـ بواسطة‌ السيطرة‌ علی‌ ملكوت‌ الموجودات‌ ـ علی‌ كلّ موجود بقدر قابليّته‌ و استعداده‌: وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [256].

 و الهداية‌ بأمر الله‌ هي‌ هداية‌ أفراد البشر عن‌ طريق‌ ملكوتهم‌ ونفوسهم‌.

 و لذا يجب‌ ان‌ يكون‌ في‌العالم‌ و علی‌ الدوام‌ إمامٌ حيّ، و قد استفدنا من‌ الاية‌: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ[257].

 انّ الإمام‌ موجود في‌ كلّ زمان‌، يُدعي‌ بواسطته‌ أفراد البشر واحداً فواحداً؛ و هذا أمر مسلّم‌ و صحيح‌ تستند علیه‌ جميع‌ أديان‌ العالم‌ و مذاهبه‌، و يعتمد علیه‌ الدين‌ الاسلامي‌ الذي‌ يعتبر تعيين‌ الإمام‌ للمجتمع‌ من‌ قبل‌ الله‌، و يعرّفه‌ بأنّه‌ صاحب‌ القلب‌ و المحيط‌ بالملكوت‌ و المعصوم‌ عن‌ الخطايا و المعاصي‌. كما انّ الشيعة‌ قد استفادوا هذا الامر علی‌ أساس‌ تعإلیم‌ الاسلام‌، فقد جعلوا سيرتهم‌ علی‌ واقع‌ و حقيقة‌ التعإلیم‌ الاسلاميّة‌، امّا أهل‌ السنّة‌ الذين‌ لا يُراعون‌ هذا الامر، فانّ أيديهم‌ قاصرة‌ عن‌ إدراك‌ منبع‌ الحياة‌ و العلم‌، و كما أُشير سابقاً فانّهم‌ لا يستفيدون‌ من‌ الإسلام‌ بالمعني‌ الحقيقي‌ّ.

 و علی‌ هذا الاصل‌ القائل‌ بالحاجة‌ إلی‌ الإمام‌ الحيّ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌، و هو الوجود المقدّس‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، فانّ ذلك‌ من‌ أجل‌ أن‌ يصل‌ جميع‌ أفراد البشر بواسطة‌ ذلك‌ القلب‌ الحيّ الواعي‌ في‌ عالم‌ الجمع‌ إلی‌ الإفادة‌ من‌ حياتهم‌ و علومهم‌، و إلاّ فانّه‌ اذا كفي‌ مجرّد العمل‌ بنداء (كفانا كتاب‌ الله‌)، لزحف‌ كلّ امري‌ء فانزوي‌ في‌ زاوية‌ النفس‌ و خرائبها المظلمة‌، و لما أمكنه‌ أن‌ يتخطّي‌ نفسه‌ و هواه‌ إلی‌ ءاخر عمره‌، وذلك‌ لان‌ الإمام‌ هو الملقي‌ للمعارف‌ القرءانيّة‌ إلی‌ قلب‌ الانسان‌، و بدونه‌ فانّ الإنسان‌ الاعمي‌ المهووس‌ بالشهوات‌ المنغمر في‌ اللذّات‌ سيفسّر ويؤوّل‌ الايات‌ القرءانيّة‌ لخدمة‌ أغراضه‌ و نواياه‌، و مهما عمل‌ فانّ عمله‌ لن‌ يتعدّي‌ دائرة‌ ميوله‌ و رغباته‌ النفسانيّة‌. و مثل‌ هذا القرءان‌ بدون‌ الروح‌ الحيّة‌ العميقة‌ الإدراك‌ للإمام‌ لاَ يَزيدُهم‌ مِنَ اللَهِ إلاَّ بُعْدًا.

 الرجوع الي الفهرس

 الشيعة‌ تعتبر أساس‌ تعإلیم‌ الإسلام‌ قائم‌ علی‌ الإمامة‌.

  تقول‌ الشيعة‌ انّ أساس‌ تعإلیم‌ الاسلام‌ قائمة‌ علی‌ الإمامة‌، ففي‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ كان‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ هو الإمام‌، و كان‌ يفيض‌ المعارف‌ علی‌ قلوب‌ الامّة‌ بقلبه‌ إلیقظ‌ منبع‌ علوم‌ فَأَوْحَي‌' إلی‌' عَبْدِهِ  مَآ أَوْحَي‌' [258]، ثمّ جري‌ ذلك‌ بعده‌؛ بواسطة‌ الائمة‌ الاطهار الواحد بعد الاخر، وصولاً إلی‌ حضرة‌ بقيّة‌ الله‌ الاعظم‌ عجّل‌ الله‌ تعإلی‌ فَرَجه‌ الشريف‌؛ ريّ كلّ قلب‌ بقدر سعته‌ من‌ قبل‌ مراكز الحياة‌ و المعرفة‌ تلك‌.

 أمّا الموضوع‌ الاخر و هو التسليم‌ و الخضوع‌ و الاتّباع‌ للإمام‌، الذي‌ يُعدّ القلوب‌ لتلقّي‌ و اكتساب‌ المعارف‌ و العلوم‌، فهذه‌ الخصوصيّة‌ موجودة‌ لدي‌ الشيعة‌، لذا يُشاهد أنّ الشيعة‌ يفوقون‌ العامّة‌ بقدر ملحوظ‌ في‌ صفات‌ المحبّة‌ والوفاء والصفاء والإنفاق‌ والإيثار وقضاء حوائج‌ الناس‌ وفي‌ رقّة‌ القلب‌ والعاطفة‌ ونظائرها  من‌  الصفات‌ الحميدة‌، وهذا ناجم‌ عن‌ روح‌ التسليم‌ و الخضوع‌ مقابل‌ معلّم‌ البشريّة‌ و مبدأ التعلیم‌ و التربية‌، سواءً كان‌ الإمام‌ حاضراً أو غائباً، لانّ تأثير و تأثّر الارواح‌ لا حاجة‌ له‌ كثيراً إلی‌ الحضور، لانّه‌ ليس‌ مادّه‌ ليشترط‌ لتأثيرها في‌ مادّه‌ أخري‌ القُرب‌ المكاني‌ والتماسّ الخارجي‌، بل‌ هو تأثير فعلیة‌ النفس‌ الفعّالة‌ في‌ قابليّات‌ النفوس‌ المستعدّة‌.

 ولانّ عالم‌ الملكوت‌ خارج‌ عن‌ الزمان‌ و المكان‌، لذا يمكن‌ أن‌ نجد تأثير فعلیة‌ الاثار الحياتيّة‌ للإمام‌ في‌ كلّ قلب‌، فإن‌ كان‌ الإمام‌ في‌ مشرق‌ العالم‌ و كان‌ تابعه‌ في‌ المغرب‌، فانّ قلب‌ التابع‌ مع‌ ذلك‌ سيحصل‌ علی‌ استفادته‌، كما انّ الانسان‌ ـ علی‌ اثر محبّته‌ لولده‌ ـ في‌ ذكره‌ دوماً، سواءً كان‌ ولده‌ قربه‌ أو مسافراً بعيداً عنه‌، فصورة‌ الولد لا تفارقه‌ بل‌ مطبوعة‌ في‌ قلبه‌. و كذلك‌ اذا ما وجدت‌ تجليّات‌ الإمام‌ في‌ قلب‌ المؤمن‌ أينما كان‌ ذلك‌ المؤمن‌، فانّه‌ سوف‌ يستمدّ ماء الحياة‌ من‌ ذلك‌ المعدن‌ اللامتناهي‌ اثر انعكاس‌ الصورة‌ الحقّة‌.

 لذا فانّ الشيعة‌ يفيدون‌ ـ و لو في‌ زمن‌ الغيبة‌ ـ من‌ ذلك‌ المركز للعلم‌ والمعرفة‌، بسبب‌ التفاتهم‌ الكامل‌ إلی‌ مصدر الخيرات‌ و العلوم‌، مع‌ انّه‌ لاشك‌ هناك‌ و لا ريب‌ في‌ انّ أثر حضور الإمام‌ و فوائده‌ أكثر و أوفر؛ خلافاً لغير الشيعة‌ الذين‌ لا ترتبط‌ قلوبهم‌ بهذا المعدن‌، لذا فانّ نفوسهم‌ حائرة‌ متردّدة‌ ليس‌ لها إلی‌ الخروج‌ عن‌ ذواتها من‌ سبيل‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الشيعة‌ يمتلكون‌ اللطف‌ و الرقّة‌ و المداراة‌:

 يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بعد أن‌ يذكر قدراً من‌ صفات‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

 وَ قَدْ بَقِيَ هَذا الخُلُقُ مُتَوارَثاً مُتَنَاقَلاً فِي‌ مُحِبّيهِ وَ أوليائِهِ إلی‌ الآن‌، كما بَقِيَ الجَفَاءُ و الخُشونَةُ و الوُعُورَةُ فِي‌ الجَانبِ الآخرِ، و مَن‌ لَهُ أَدْني‌ مَعرفَةٌ بِأخلاقِ النَّاسِ و عَوَائِدِهِمْ يَعْرفُ ذَلكَ [259].

 انّ المعارف‌ و العلوم‌ الالهيّة‌ تجري‌ في‌ قلوب‌ اتباع‌ الإمام‌ اثر اتّصال‌ قلوبهم‌ بقلبه‌، كما انّ السبب‌ في‌ انّ للمؤمنين‌ أنهاراً من‌ ماء زلال‌ في‌ الجنّة‌ يعود إلی‌ تأثير ذلك‌ الإتصّال‌ القلبّي‌ و الإفادة‌ من‌ نبع‌ فضائل‌ الائمة‌. و نري‌ كثيراً في‌ القرءان‌ الكريم‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ يعد المؤمنين‌ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِنْ تَحْتِهَا الاَنْهَـ'رُ مثل‌:

 إِنَّ اللَهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِنْ تَحْتِهَا الاَنْهَـ'رُ[260].

 الرجوع الي الفهرس

 الجنّة‌ تجلّي‌ الصفات‌ و الافعال‌:

 و كما ذكرنا فانّ الجنّة‌ هي‌ ظهور و بروز عالم‌ نفس‌ المؤمن‌ في‌ الاخرة‌، و لانّ نفس‌ المؤمن‌ قد نجت‌، بسبب‌ الاطمئنان‌ بالله‌ و بالسكينة‌ التي‌ حصلت‌ علیها، من‌ حرارة‌ ولسع‌ إلیأس‌ و الفشل‌ و من‌ طوفان‌ خواطر الشيطان‌ و الاضطرابات‌ الفكريّة‌ و الاخلاقيّة‌، فهم‌ مسرورون‌ فرحون‌ في‌ رحمة‌ الله‌ و مقام‌ أمنه‌ و أمانه‌، فقد عشقوا الله‌ بنشاط‌ و لذّة‌ كاملين‌ حتّي‌ في‌ أدقّ لحظات‌ سكرات‌ الموت‌، فهم‌ في‌ سكينة‌ و اطمئنان‌، لذا فعندما يظهر ملكوت‌ الاشياء في‌ الاخرة‌، فانّ ملكوت‌ نفس‌ المؤمن‌ سيكون‌ بصورة‌ جنّة‌ متشابكة‌ الاشجار، تشابكت‌ فيها فروع‌ الاعمال‌ الصالحة‌ و أوراقها، فألقت‌ ظلالها علی‌ الارض‌، فلا مجال‌ هناك‌ لاشعّة‌ الشمس‌ اللاهبة‌ و لا لطوفان‌ الحوادث‌ أو غبار الخيالات‌ و الخواطر الشيطانيّة‌.

 سواءً اعتبرنا انّ الجنّة‌ من‌ جهة‌ تجسّم‌ أعمال‌ المؤمن‌ و ظهور ملكوت‌ النفس‌ المؤمنة‌، أو بعنوان‌ الجزاء المترتّب‌ علی‌ العمل‌، فانّ النتيجة‌ ستكون‌ واحدة‌. يشهد علی‌ هذا المعني‌ خطاب‌ الله‌ تعإلی‌ إلی‌ ءادم‌ أبي‌ البشر قبل‌ وروده‌ في‌ هذه‌ النشأة‌:

 فَـقُلْنَا يَـ ' ´ـ َ اَدَمُ إِنَّ هَـ'ذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلاَ يُـخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَي‌'´ * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيَهَا وَ لاَتَعْرَي‌' * وَ أَنَّكَ لاَتَظْمَؤُا فِيهَا وَ لاَ تَضْحَي‌'[261].

 فقد خاطب‌ الله‌ ءادم‌: انّ هذه‌ الجنّة‌ لا خواطر نفسانيّة‌ فيها و لا اضطرابات‌ للخيال‌ والقوي‌ الواهمة‌، هناك‌ حيث‌ لا تجوع‌ و لا تعري‌، و لا تظمأ و لا تضحي‌ بحرارة‌ الشمس‌، فالجوع‌ و العُري‌ و الحرارة‌ و الانصهار كلّها من‌ أثر تسلّط‌ النفس‌ الامّارة‌ بالسوء علی‌ الإنسان‌، أمّا في‌ الجنّة‌ حيث‌ قلب‌ الإنسان‌ مطمئنّ هادي‌ بعيد عن‌ الخواطر و الانفعالات‌، هناك‌ حيث‌ الاستقرار و الاستراحة‌ فِي‌ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيْكٍ مُّقْتَدِرٍ [262].

 فالذين‌ يغادرون‌ الدنيا إلی‌ الله‌ بالإيمان‌ و الاعمال‌ الصالحة‌ هم‌ الذين‌ يدخلون‌ الجنّة‌ و يتمتّعون‌ فيها تحت‌ ظلال‌ الاشجار المتكاثفة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الانهار الجارية‌ في‌ الجنّة‌:

 و امّا الانهار الجارية‌ في‌ الجنّة‌، فهي‌ العلوم‌ و المعارف‌ التي‌ أوجبت‌ حياة‌ القلب‌، و ذلك‌ لان‌ المؤمنين‌ كانوا قد رووا قلوبهم‌ بالعلم‌ و المعرفة‌ والإقرار بوحدانيّة‌ الله‌ و أسماء ذاته‌ المقدّسة‌، و بالإقرار بحقّانيّة‌ الإمام‌ والنبيّ، فانّ ظهور هذه‌ العلوم‌ التي‌ هي‌ حياة‌ القلوب‌ سيكون‌ هناك‌ في‌ هيئة‌ أنهار ماء. و سيكون‌ لجميع‌ الذين‌ عملوا الصالحات‌ ـ و من‌ جملتها الإقرار بإمام‌ زمانهم‌ ـ امتلاك‌ هذه‌ الانهار، بل‌ يمكن‌ اعتبار مقياس‌ فصل‌ الاعمال‌ الصالحة‌ عن‌ غير الصالحة‌ هو مصادقة‌ الإمام‌ علیها أو عدمها، فكلُّ فعل‌ أَمَرَ به‌ الإمام‌ صالحٌ، و كلّ ما نهي‌ عنه‌ سيكون‌ غير صالح‌، و ذلك‌ لانّ نظر الإمام‌ يمثّل‌ النظرة‌ الواقعيّة‌ و الحقيقيّة‌، و لذلك‌ فانّ تخطّي‌ كلام‌ الإمام‌ يمثّل‌ انحرافاً عن‌ متن‌ الواقع‌ و حقيقة‌ نفس‌ الامر.

 امّا الذين‌ لم‌ يوكلوا قلوبهم‌ للإمام‌، و لم‌ يستفيدوا من‌ ذلك‌ المنبع‌ الفيّاض‌، فانّ قلوبهم‌ ستبقي‌ يابسة‌ لا طراوة‌ لها و لا محبّة‌ و لا صفاء و لا معرفة‌، كالقربة‌ إلیابسة‌ العتيقة‌ البإلیة‌، قد فقدت‌ مرونتها و سعتها، لذا فانّ ماء اولئكم‌ هو الحرمان‌ و الحسرة‌ و الندم‌ الذي‌ سيصبّ في‌ أفواههم‌ علی‌ هيئة‌ الفلز المصهور.

 مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي‌ وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَـ'رٌ مِّن‌ مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَ أَنْهَـ'رٌ مِّنْ لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهَـ'رٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّـ'رِبِينَ وَ أَنْهَـ'رٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّي‌ وَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَـ'لِدٌ فِي‌ النَّارِ وَ سُقُوا مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ [263].

 الرجوع الي الفهرس

الانهار الاربعة‌ الجارية‌ في‌ الجنّة‌: أنهار الماء، اللبن‌، الخمر، و العسل‌ المصفّي‌

 أنهار الجنّة‌ الاربعة‌:

 ذكر الله‌ سبحانه‌ في‌ هذه‌ الاية‌ المباركة‌ أربعة‌ أنهار، أوّلها أنهار الماء الزلال‌ غير الاسن‌، لان‌ الماء في‌ عالم‌ الطبيعة‌ هو حياة‌ الموجودات‌:

 وَ جَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَي‌ءٍ حَيٍّ[264].

 أنهار الماء: و حياة‌ القلوب‌ بالعلم‌ و معرفة‌ الله‌، لذا فانّ أنهار العلم‌ والمعرفة‌ الجارية‌ في‌ القلوب‌ ستتجلّي‌ هناك‌ في‌ هيئة‌ أنهار ظاهرة‌ صافية‌ من‌ ماء زلال‌ غير ءاسن‌، و المراد بالانهار أصناف‌ و أنواع‌ المعارف‌ و العلوم‌ الحقّة‌ و الحقيقيّة‌ التي‌ تناط‌ بها حياة‌ القلوب‌ و تروي‌ بها غرائز الإنسان‌، والمراد بغير الاسن‌ غير المتعفّن‌ و غير المتغيّر، اي‌ عدم‌ تغيّر تلك‌ العلوم‌ بأوهام‌ و شكوك‌ و عادات‌ باطلة‌ و سنن‌ ضالّة‌ و اعتقادات‌ فاسدة‌.

 و هذا النهر مختصّ بالذين‌ وصلوا في‌ طريق‌ الله‌ إلی‌ مقام‌ القلب‌، واستفادوا من‌ العلوم‌ الالهيّة‌ الحقّة‌ دون‌ أي‌ تدخّل‌ للنفس‌ لتغييرها.

 انهار من‌ لبن‌: و النوع‌ الثاني‌ هو الانهار من‌ اللبن‌ الذي‌ لم‌ يتغيّر طعمه‌، و هذه‌ الانهار هي‌ ظهور و بروز العلوم‌ التي‌ كانت‌ مفيدة‌ للمبتدئين‌ في‌ الطريق‌ إلی‌ الله‌، لانّ اللبن‌ طعام‌ الطفل‌، و العلوم‌ التي‌ تتعلّق‌ بالافعال‌ والاخلاق‌ كعلوم‌ الشرائع‌ و الحكمة‌ العمليّة‌ باعتبارها مقدّمة‌ للعمل‌ و تزكية‌ النفس‌، لذا فانّ ظهور هذه‌ الانهار مختصّ بالضعفاء المستعدّين‌ للسير في‌ منازل‌ النفس‌ و الذين‌ لهم‌ قابلية‌ الوصول‌ إلی‌ مقام‌ القلب‌ بسبب‌ الابتعاد عن‌ المعاصي‌ و الاخلاق‌ الرذيلة‌، الاّ انّهم‌ لم‌ يصلوا بعدُ إلی‌ ذلك‌ المقام‌، فهم‌ بتعلّمهم‌ المقدّمات‌ من‌ علوم‌ الشرائع‌ و الاخلاق‌ و بالعمل‌ بها في‌ صدد تقوية‌ بُنيتهم‌ الروحية‌. كما انّ عدم‌ تغيّر طعم‌ هذه‌ الانهار إشارة‌ إلی‌ عدم‌ تلوّث‌ هذه‌ العلوم‌ بالنوايا الفاسدة‌ و الاهواء و البدع‌ الباطلة‌ و الاعمال‌ و العصبيّات‌ الجاهليّة‌ التي‌ تُسقط‌ هذه‌ العلوم‌ عن‌ خاصيّتها و فضيلتها، و تحوّلها إلی‌ سمّ مهلك‌.

 أنهار الخمر: و النوع‌ الثالث‌ من‌ الانهار أنهارٌ من‌ خمر لذّة‌ للشاربين‌، فالخمر في‌ الدنيا مع‌ انّ مادّتها خبيثة‌ و نكهتها مُقرفة‌ و طعمها ردي‌ء، لانّها تخدّر العقول‌ و تسقطها من‌ الإحساس‌ و الإدراك‌، و تهوي‌ بالانسان‌ إلی‌ مصافّ البهائم‌، لكن‌ خمر الاخرة‌ جذباتٌ الهيّة‌ تظهر اثر تجليّات‌ الصفات‌ و الاسماء في‌ القلب‌، فتحيّر العقول‌ و تبهتها بحيث‌ يسقط‌ العقل‌ المفكّر في‌ العواقب‌ و المصالح‌ عند مشاهدة‌ تلك‌ الاسماء الكليّة‌ و الصفات‌ الالهيّة‌ غير المحدودة‌ و ينسي‌ كليّاً مراتب‌ الوجود.

 و لانّها تمتلك‌ هذه‌ الخاصيّة‌ فقد عُبّر عنها بالخمر، لكّن‌ هذه‌ الخمر ترفع‌ الانسان‌ من‌ مرتبة‌ العقل‌ و تهديه‌ إلی‌ مرتبة‌ أعلی‌ و هي‌ الشهود والقلب‌.

 و علی‌ ذلك‌ فانّ انهار الخمر هي‌ ظهور أصناف‌ و أنواع‌ محبّة‌ صفات‌ و ذات‌ الله‌ التي‌ جعلها الله‌ سبحانه‌ للشاربين‌، و هم‌ الكاملين‌ الواصلين‌ إلی‌ درجة‌ الشهود، و الذين‌ صار لديهم‌ القابليّة‌ لمشاهدة‌ حسن‌ تجليّات‌ الصفات‌ و شهود جمال‌ الذات‌، و صاروا مولّهين‌ بالجمال‌ المطلق‌ للحضرة‌ الربوبيّة‌ لا إدراك‌ لهم‌ بسببه‌، و وصلوا إلی‌ مقام‌ الروح‌ و استغرقوا في‌ الانوار الالهيّة‌، و ستوجب‌ لهم‌ اللذة‌ و البهجة‌ و السرور و الحبور.

 أنهار من‌ عسل‌ مصفّي‌: و النوع‌ الرابع‌ من‌ هذه‌ الانهار هي‌ أنهار من‌ عسل‌ مصفّي‌ لا يُري‌ فيها شي‌ء من‌ الشمع‌ و الخبث‌ و المواد القذرة‌. و لانّ العسل‌ له‌ حلاوة‌ زائدة‌، فانّ تلك‌ الحلاوة‌ التي‌ هي‌ من‌ واردات‌ عالم‌ القدس‌ و البوارق‌ النورانيّة‌، و اللذات‌ التي‌ توجد في‌ حالات‌ مختلفة‌ للمتوسّطين‌ في‌ طريق‌ الله‌، و تعيدهم‌ إلی‌ الله‌ بالذوق‌ والوجد و التوجّه‌، و توجّههم‌ إلی‌ كمالاتهم‌، فانّها تظهر هناك‌ في‌ هيئة‌ أنهار من‌ عسل‌ مصفّي‌ خالٍ من‌ الشوائب‌ و الاكدار و تدخّلات‌ النفس‌ و تسويلاتها، و هذا بالطبع‌ مختصّ بالافراد الذين‌ هم‌ في‌ مقام‌ ذوق‌ تلك‌ الجذبات‌، و الذين‌ لم‌ يصلوا بعدُ إلی‌ مرحلة‌ السكر اثر مشاهدة‌ التجلّيات‌.

 و بناءً علی‌ ما سبق‌ فانّ أنهار اللبن‌ هي‌ العلوم‌ لدي‌ المبتدئين‌ والضعفاء من‌ سالكي‌ طريق‌ الله‌، و أنهار العسل‌ مختصّة‌ بالافراد المتوسّطين‌ المشغولين‌ بملاحظة‌ الجذبات‌ الالهية‌ و مشاهدة‌ الصفات‌، وأنهار الخمر مختصّة‌ بالافراد الذين‌ نسوا وجودهم‌ بسبب‌ تجلّيات‌ الجمال‌ و عشق‌ تلك‌ الذات‌ الازليّة‌ فامّحوا في‌ أنوارها.

 و المراد بالاية‌ الشريفة‌: وَ سَقَب'هُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [265]، الشراب‌ الذي‌ يطهّرهم‌ و يزكّيهم‌ من‌ جميع‌ التعلّقات‌ الدنيويّة‌ من‌ المال‌ و الولد و العيال‌ والجاه‌ و الاعتبار، و يرفع‌ نفس‌ الشارب‌ عن‌ هذه‌ المراحل‌.

 ثمّ انّ أنهار الماء الزلال‌ غير الاسن‌ و غير المتغيّر مختصّة‌ بالذين‌ وصلوا إلی‌ مرحلة‌ القلب‌، و الذين‌ طلعت‌ و أشرقت‌ في‌ قلوبهم‌ جميع‌ أنواع‌ العلوم‌ و المعارف‌ الالهيّة‌ بدون‌ تدخّل‌ النفس‌ و زيغ‌ الاهواء.

 الرجوع الي الفهرس

نهر الزنجبيل‌ و عين‌ الكافور

 امّا الافراد المتوسّطون‌ الذين‌ يمّحون‌ بجمال‌ الله‌ اثر تجلّيات‌ صفاته‌ ومشاهدة‌ أسمائه‌، فيعمدون‌ إلی‌ خلط‌ قدر من‌ نهر الزنجبيل‌ ـ و هو مادّة‌ تبعث‌ الحرارة‌ ـ في‌ كؤوس‌ شرابهم‌ ليبقي‌ طلبهم‌ و عشقهم‌ حيّاً علی‌ الدوام‌ ولكي‌ تبقي‌ الحرارة‌ موجودة‌ فيهم‌ بقدرٍ كاف‌.

 وَ يُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّي‌' سَلْسَبِيلاً[266].

 و الزنجبيل‌ نهر يسمّي‌ بالسلسبيل‌، فهو من‌ فرط‌ حُسن‌ مذاقه‌ يمنح‌ الشاربين‌ حرارة‌ الطّلب‌، و بالطبع‌ فلانّ هؤلاء لم‌ يصل‌ اشتياقهم‌ و عشقهم‌ إلی‌ الذروة‌، فانّهم‌ لذلك‌ لا يُسقون‌ من‌ الزنجبيل‌ الخالص‌، بل‌ يمزجون‌ في‌ كأسهم‌ من‌ نهر الزنجبيل‌ فيسقونهم‌ منها؛ و لانّهم‌ لايزالون‌ مشتاقين‌ للسير في‌ الصفات‌، فانّ محبّتهم‌ لذلك‌ لم‌ تصفُ عن‌ لذّة‌ حرارة‌ الطلب‌، فهم‌ يهدأون‌ و يسكنون‌ أحياناً من‌ واردات‌ و تجلّيات‌ الجمال‌، لذا يُصبّ في‌ كأسهم‌ من‌ عين‌ الكافور، و الكافور شراب‌ بارد معطّر يبعث‌ علی‌ السكون‌ والارتياح‌.

 إِنَّ الاْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [267].

 و لانّهم‌ لم‌ يصلوا إلی‌ مقام‌ الجمع‌، و لم‌ يستغرقوا في‌ عين‌ جمع‌ الذات‌، لذلك‌ فليس‌ لهم‌ ذلك‌ السكون‌ المطلق‌ و ذلك‌ الهدوء من‌ جميع‌ الجهات‌، و انّما السكون‌ للذين‌ وصلوا إلی‌ مرحلة‌ العبوديّة‌ المطلقة‌ وأصبحوا من‌ عبادالله‌، فاولئك‌ من‌ المقرّبين‌ و يسقون‌ من‌ أصل‌ عين‌ الكافور، بالإضافة‌ إلی‌ انّهم‌ يُجرون‌ من‌ تلك‌ العين‌ في‌ قلب‌ كلّ من‌ له‌ قابليّة‌ و استعداد، و يصبّون‌ منها في‌ كأس‌ كلّ فرد حسب‌ قابليّته‌.

 و علی‌ كلّ حال‌ فانّ عين‌ الكافور هذه‌ هي‌ نفسها عين‌ التسنيم‌ المختصّة‌ هي‌ الاخري‌ بالمقرّبين‌، لكنّهم‌ يصبّون‌ قدراً منها في‌ كأس‌ الابرار .

 إِنَّ الاْبْرَارَ لَفِي‌ نَعِيمٍ * علی‌ الاْرَآئِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي‌ وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَ فِي‌ ذَ  لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَ مِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ[268].

 انّ الابرار يشربون‌ من‌ شراب‌ مختوم‌، ختامه‌ طيّب‌ و طاهر، هي‌ قوانين‌ الشرع‌ المقدس‌ التي‌ ملاوا بها ءانية‌ الشراب‌ و صانوها عن‌ تلاعب‌ الشيطان‌، فهم‌ يصبّون‌ قدراً من‌ نهر التسنيم‌ في‌ ذلك‌ الشراب‌ الصافي‌ ويقدّمونه‌ للابرار، لكنّ المقربين‌ يُسقون‌ من‌ نفس‌ عين‌ التسنيم‌ الجارية‌ من‌ أعلی‌ نقاط‌ الجنّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 عين‌ التسنيم‌ تجري‌ تحت‌ أقدام‌ أميرالمؤمنين‌:

 انّ المستقرّ علی‌ الاعراف‌، الذي‌ يجري‌ التسنيم‌ تحت‌ أقدامه‌، هو مولي‌ الموإلی‌ أميرالمؤمنين‌ صاحب‌ مقام‌ الولاية‌ الكبري‌، ذلك‌ الذي‌ يشرب‌ جميع‌ المقرّبين‌ من‌ العين‌ الجارية‌ تحت‌ أقدامه‌.

 كما انّ نهر التسنيم‌ يستمدّ مائه‌ من‌ قلب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فيسقي‌ المقرّبين‌، ثمّ يرد في‌ حوض‌ الكوثر. ثم‌ انّ جميع‌ أنواع‌ تلك‌ العلوم‌ التي‌ ذكرناها من‌ التسنيم‌ و الكافور و الزنجبيل‌ و الخمر الصافي‌ و أنهار اللبن‌ و الماء غير الاسن‌ و أنهار العسل‌ تنبع‌ كلّها من‌ مقام‌ الولاية‌، أي‌ العلم‌ المطلق‌، فتجري‌ إلی‌ قلوب‌ الشيعة‌ و الموإلین‌ أينما كانوا و حيثما حلّوا، فتروي‌ كلّ واحد من‌ الناس‌ بدوره‌ حسب‌ قابليّته‌ و ظرفيّته‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ساقي‌ حوض‌ الكوثر:

 وردت‌ كثير من‌ الروايات‌ المستفيضة‌ عن‌ الائمة‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌ في‌ أنّ ساقي‌ حوض‌ الكوثر هو أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، فهو يسقي‌ موإلیه‌ بالاقداح‌ التي‌ توزّعت‌ علی‌ جوانب‌ الحوض‌، و يذود عن‌ الحوض‌ بالعصا التي‌ في‌ يده‌ أعداء أهل‌ بيت‌ العصمة‌.

 الاّ اننا نذكر بعض‌ الروايات‌ المنقولة‌ عن‌ العامّة‌ في‌ هذا الباب‌، فيروي‌ محبّ الدين‌ احمد بن‌ عبدالله‌ الطبري‌، عن‌ أبي‌ سعيد الخدري‌
 قال‌:

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: يَا علی‌ُّ مَعَكَ يَوْمَ الْقِيـ'مَةِ عَصَا مِنْ عَصَي‌ الْجَنَّةِ تُذودُ بِهَا الْمُنَافِقِينَ عَنِ الْحَوْضِ. أخرجه‌ الطبراني‌[269].

 يقول‌ القندوزي‌ الحنفي‌: أخرج‌ أبو المؤيد أخطب‌ الخطباء الموفّق‌ بن‌ أحمد الخوارزمي‌ عن‌ سيّد الحفّاظ‌ أبي‌ منصور شهردار ابن‌ شيرويه‌ الديلمي‌ بسنده‌، عن‌ زيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌ أميرالمؤمنين‌ علی رضي‌ الله‌ عنهم‌، ثم‌ ينقل‌ رواية‌ مفصّلة‌ و من‌ جملة‌ فقراتها يقول‌:

 يَا علی‌ُّ... وَ إنَّكَ غَدَاً علی‌ الْحَوْضِ خَلِيفَتِي‌، وَ أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ علی‌َّ الْحَوْضَ، وَ أَنْتَ تَذُودُ الْمُنَافِقِينَ عَنْ حَوضِي‌، وَ أَنتَ أَوَّلُ دَاخِلٍ فِي‌ الْجَنَّةِ مِنْ أُمَّتِي‌، وَ إنَّ مُحِبِّيكَ وَ أَتْبَاعَكَ علی‌ مَنَابِرٍ مِنّ نُورٍ، روآءٌ مَروِيِيّنَ، مُبيَضَّةٌ وُجُوهُهُمْ حَوْلِي‌، أَشْفَعُ لَهُمْ فَيَكُونُونَ غَدًا جِيرَانِي‌، وَ إِنَّ أَعَدَاءَكَ غَدًا ظِماءٌ مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةٌ وُجُوهُهُمْ، يُضْرَبُونَ بِالْمَقَامِعِ وَ هِي‌ سِيَاطٌ مِن‌ نَارٍ مُقْمَحِينَ، الحديث‌[270].

 و يقول‌ أيضاً: أخرج‌ أبونعيم‌ الحافظ‌، عن‌ أبي‌ هُريرة‌ قال‌:

 قال‌ رسولُ اللَهِ صَلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ لِعلی‌ٍّ رضي‌ الله‌ عنه‌: أَنْتَ يَا علی‌ُّ علی‌ حَوضِي‌ تَذُودُ عنه‌ المُنَافِقِينَ، وَ إنَّ أَبَارِيقَهُ عَدَد نُجُومِ السَّمَاءِ، وَ أَنْتَ و الحَسَنُ و الحُسَينُ وَ حَمْزَةٌ وَ جَعْفَرٌ فِي‌ الجنَّةِ إخوانًا علی‌ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، وَ أَنْتَ وَ أَتْبَاعَكَ مَعِي‌، ثُمَّ قَرَأ: (وَ نَزَعْنَا مَا فِي‌ صُدُورِهِم‌ مِن‌ غِلٍّ إخوانًا علی‌ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[271].

 و يقول‌ أيضاً: و في‌ جمع‌ الفوائد: جابر و أبوهريرة‌ رفعاه‌:

 علی‌ُّ بنُ أبي‌ طَالِبٍ صَاحِبُ حَوضِي‌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. للاوسط‌ [272].

 و يقول‌ أيضاً: أبوسعيد رفعه‌:

 يَا علی‌ُّ! مَعَكَ يَومَ الْقِيَـ'مَةِ عَصًا مِن‌ عَصَي‌ الْجَنَّةِ تَذُودُ بِهَا المُنَافِقِينَ عَن‌ حَوضِي‌. للاوسط‌ [273].

 و يقول‌: و في‌ (جواهر العقدين‌)، أخرج‌ الطبراني‌ عن‌ أبي‌ كثير قال‌:

 كُنتُ جَالِسًا عِنْدَ الْحَسَنِ بنِ علی‌ٍّ رضي‌ اللهُ عنهما، جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَه‌: إِنَّ مُعَاوِيَة‌ بنَ خَديجٍ يَسُبُّ أَبَاكَ عِنْدَ ابنِ أَبِي‌ سُفيَانَ، فَقالَ لَهُ: إن‌ رَأَيتَهُ مِن‌ بَعْدُ، ارنيه‌! فَرَءاهُ يَوْمًا فَأراه‌ ذلك‌ الرجل‌،

 فقال‌ الحسنُ رَضي‌ اللهُ عنه‌ لابنِ خَدِيجٍ: أَنْتَ تَسُبُّ أَبَايَ عِنْدَ ابنِ آكِلَةِ الاَكْبَادِ؟

 أَما لَئِن‌ وَرَدتَ علی‌ الحَوضِ وَ مَا أَرَاكَ تَرِدُهُ، لَتَجِدَنَّ أَبَاي‌ مُشَمِّرًا حَاسِرًا ذِرَاعَيْهِ، يَذُودُ المُنَافِقِينَ

عَنْ حَوضِ رسولِ الله‌ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ وهَذَا قَوْلُ الصَّادِقِ المُصَدَّقِ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ وسلّم‌ [274].

 و يقول‌ أيضاً: لاحمد في‌ (المناقب‌)، انّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ قال‌: أُعْطِيَتْ فِي‌ علی خَمْسٌ، هُنَّ أَحَبُّ إلی‌َّ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا،...

 إلی‌ أن‌ قال‌: وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ فَهُوَ وَاقِفٌ علی‌ حَوضِي‌ يَسْقِي‌ مَنْ عَرَفَهُ مِن‌ أُمَّتِي‌[275].

 و يقول‌ أيضاً: و في‌ (المناقب‌)، عن‌ سيعد بن‌ جبير، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ رضي‌ الله‌ عنهما قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌:

 يَا علی‌ُّ، أَنْتَ صَاحِبُ حَوْضِي‌، وَ صَاحِبُ لِوائِي‌، وَ حَبِيبُ قَلْبِي‌، وَوَصِيِّي‌، وَ وَارِثُ عِلْمِي‌، وَ أَنْتَ مُسْتَوْدعُ مَوَارِيثِ الاَنْبِياءِ مِنْ قَبْلِي‌، وَأَنْتَ أَمِينُ اللهِ فِي‌ أَرْضِهِ، وَ حُجَّةُ اللهِ علی‌ بَرِيَّتِهِ، وَ أَنْتَ رُكْنُ الإيمَانِ، وَ عَمُودُ الإسْلاَمِ، وَ أَنْتَ مِصْبَاحُ الدُّجَي‌، وَ مَنَارُ الْهُدَي‌، و الْعَلَمُ الْمَرفُوعُ لاِهْلِ الدُّنْيَا، يَا علی‌ُّ، مَنِ اتَّبَعَكَ نَجَي‌، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْكَ هَلَكَ، وَ أَنْتَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَ أَنْتَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَيَعْسُوبُ الْمُؤمِنِينَ، وَ أَنْتَ مَوْلَي‌ مَنْ أَنَا مَوْلاَهُ، وَ أَنَا مَوْلَي‌ كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ، لاَ يُحِبُّكَ إلاَّ طَاهِرُ الْوِلاَدَةِ، وَ لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ خَبِيثُ الْوِلاَدَةِ، وَ مَا أَعْرَجَنِي‌ رَبِّي‌ عَزَّوَجَلَّ إلی‌ السَّمَاءِ وَ كَلَّمَنِي‌ رَبِّي‌ إلاَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إقْرَءْ علیاً مِنِّي‌ السَّلاَمَ وَ عَرِّفهُ أَنَّهُ إمَامُ أَولِيائِي‌ وَ نُورُ أَهْلِ طَاعَتِي‌، وَ هَنِيئَاً لَكَ هَذِهِ الْكَرَامَة‌ [276].

 و يقول‌ ابن‌ شهر ءاشوب‌: و في‌ أخبار أبي‌ رافع‌ من‌ خمسة‌ طرق‌: قال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌:

 يَا علی‌ُّ تَرِدُ علی‌َّ الْحَوضَ وَ شِيعَتُكَ رُوَاءً مَروِيّينَ، وَ يَرِدُ علیكَ عَدُوُّك‌ ظِمآءٌ مُقْمَحِينَ[277].

 و جاء في‌ تفسير قوله‌ تعإلی‌: وَ سَقَب'هُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا، يَعنِي‌ سَيِّدهُم‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالِبٍ، و الدَّلِيلُ علی‌ أَنَّ الرَّبَّ بِمعنَي‌ السَّيِّدِ، قولُهُ تعإلی‌: واذْكُرنِي‌ عِنْدَ رَبِّكَ [278].

 الفايق‌ (للزمخشري‌): إنَّ النَّبِي‌َّ قَالَ لِعلی‌ٍّ: أَنْتَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي‌ يَوْمَ القِيَـ'مَةِ، تَذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يُذادُ الاصيدُ البعيرُ الصَّادِي‌، أي‌ الَّذِي‌ بِهِ الصَّيْدُ، و الصَّيدُ دَاءٌ يَلْوِي‌ عُنُقَهُ[279].

 الرجوع الي الفهرس

أشعار السيّد الحميري‌ في‌ حوض‌ الكوثر و ساقيه‌

 و يقول‌ الحميري‌ شاعر أهل‌ البيت‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌:

 أُؤَمِّلُ فِي‌ حُبِّهِ شِرْبَة        ً مِنَ الْحَوْضِ تَجْمَعُ أَمْنَاً وَ ريَّا

 إذَا مَا وَرَدْنَا غَدَاً حَوْضَهُ         فَأَدْنَي‌ السَّعِيدَ وَ ذَادَ الشَّقِيَّا

 مَتَي‌ يَدْنُ مَولاهُ مِنْهُ يَقُلْ         رِدِ الْحَوضَ وَاشْرَبْ هَنِيئَاً مَرِيَّا

 وَ إن‌ يَدْنُ مِنْهُ عَدوٌ لَهُ         يَذُدْهُ علی‌ٌّ مَكَانَاً قَصِيّا[280].

 و يقول‌ أيضاً في‌ غاصبي‌ مقام‌ الولاية‌ ضمن‌ قصيدة‌ طويلة‌:

 وَ أَزْمَعُوا غَدْرَاً بمولاهمُ         تَبَّاً لِمَا كَانُوا بِهِ أَزْمَعُوا

 لاهُمْ علیهِ يَردُوا حَوْضَهُ         غَداً وَ لاَ هُوَ فِيهُم‌ يَشفَعُ

 حَوضٌ لَهُ مَا بَيْنَ صَنعَا إلی‌         أيْلَةِ أَرضِ الشَّامِ أَو أوسَعُ

 يُنْصَبُ فيهِ عَلَمٌ لِلْهُدَي        ‌ وَالْحَوضُ مِنْ مَاءٍ لَهُ مُتْرَعُ

 يَفيضُ مِنْ رَحْمَتِهِ كَوْثَرٌ         أَبْيَضُ كَالفِضَّةِ أَو أَنْصَعُ

 حَصَاهُ يَاقُوتٌ وَ مَرْجَانَةٌ         و لُؤْلُؤٌ لَمْ تَجْنِهِ إِصْبَعُ

 بَطْحاؤهُ مِسْكٌ و حافاتُهُ         يَهْتَزّ مِنْها مونقٌ مُونعُ

 أَخْضَرُ مادونَ الْجني‌ ناضِرٌ         وَفَاقِعٌ أَصْفَرُ مَا يَطْلَعُ

 وَالْعِطْرُ وَالرَّيْحَانُ أَنواعُه        ُ تَسْطَعُ إن‌ هَبَّت‌ بِهِ زَعْزَعُ

 رِيحٌ منَ الجنَّةِ مَأمُورَةٌ         دَائِمَةٌ لَيْسَ لَها مَنْزَعُ

 إذَا مَرَتهُ فَاحَ مِن‌ رِيحِهِ         أَزكي‌ مِنَ الْمِسكِ اِذَا يَسْطَعُ

 فيه‌ أَباريقُ وَ قِدْحَانُهُ         يَذُبُّ عَنْهَا الانزَعُ الاَصلَعُ

 يَذُّبُ عَنْهُ ابنُ أَبي‌ طالِبٍ         ذَبَّكَ حَربي‌ إِبِلٍ تَشْرَعُ

 إذا دَنَوا مِنْهُ لِكَيْ يَشْرَبُوا         قيلَ لَهُمْ تَبَّاً لَكُمْ فَارجِعُوا

 دُونَكُمُو فَالْتَمِسُوا مَنْهَلاً         يُروِيكُمُ أَو مطْعَمَاً يُشْبِعُ

 هَذَا لِمَنْ وَإلی‌ بَنِي‌ أَحْمَدٍ         وَ لَمْ يَكُن‌ غَيْرَهُمُ يَتْبَعُ

 فَالفَوزُ لَلشَّارِبِ مِنْ حَوضِهِ         وَالْوَيلُ وَالذلُّ لِمَنْ يُمْنَعُ [281]

 و الخلاصة‌ فهذا الحوض‌ هو معدن‌ علم‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ يُحيي‌ الارواح‌ و يشفي‌ القلوب‌، من‌ دخله‌ أعمي‌ صار مُبصراً، و من‌ ورده‌ أسودَ صار أبيضاً، و من‌ دخله‌ مريضاً شُفي‌، و من‌ دخله‌ محترقاً وجد روحاً جديدة‌، و لذا فانّ هذا الحوض‌ يجري‌ من‌ الاعراف‌ و هو مقام‌ أميرالمؤمنين‌، و يجري‌ من‌ التسنيم‌ و هو علمه‌ علیه‌ السلام‌، و لا مقام‌ أعلی‌ منه‌ الاّ عرش‌ الله‌ الذي‌ يُشير إلی‌ مقام‌ الحقيقة‌ النبويّة‌.

 قال‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ في‌ حديثه‌ المتّفق‌ علیه‌ لدي‌ الفريقين‌:

 أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ علی‌ٌّ بَابُهَا [282].

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الحادي‌ عشر:

معني‌ وحي‌ الخيرات‌ إلی‌ الائمّة‌

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدِّين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ  تِ وَ إِقَامَ الصَّلَو'ةِ وَ إِيتَاءَ الزَّكَو'ة‌ وَ كَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[283].

 بحثنا في‌ المباحث‌ السابقة‌ في‌ كيفية‌ الهداية‌ بأمرالله‌ و شرائط‌ تحقّقها من‌ خلال‌ ما استنتجناه‌ من‌ الايات‌ القرءانيّة‌، و نبحث‌ الان‌ في‌ الجملة‌ الاخري‌ من‌ الاية‌، القائلة‌: وَ أَوْحَيْنَآ إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ  تِ لنستنتج‌ معناها بحول‌ الله‌ و قوّته‌.

 الرجوع الي الفهرس

 معني‌ ايحاء الخيرات‌ إلی‌ الائمّة‌:

 يقول‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ هذه‌ العبارة‌ الشريفة‌ انّ نفس‌ الاعمال‌ الخيرة‌ التي‌ كانوا يعملونا هي‌ من‌ وحينا، لانّ المصدر المضاف‌ يفيد تحقّق‌ الفعل‌ في‌ الخارج‌، فاذا قال‌ أحد: يُعجِبُنِي‌ إِحْسَانُكَ وَ فِعْلُكَ الْخَيْرَ، فانّه‌ يُستفاد منه‌ انّ الإحسان‌ و فعل‌ الخير الذي‌ عملتَه‌ قد سرّني‌. امّا اذا أرادوا أن‌ يقولوا إنّ إحسانك‌ و فعلك‌ الخير بعد هذا يسرّني‌، فانّهم‌ لا يضيفون‌ المصدر، بل‌ امّا يقطعونه‌ عن‌ الإضافة‌ أو أن‌ يذكروا الفعل‌ مع‌ (أن‌ المصدريّة‌)، فيقولون‌: يُعجبني‌ أن‌ تُحسن‌ و أن‌ تفعل‌ الخير، أو يقولون‌: يعجبني‌ الإحسان‌ لك‌ والفعل‌ لك‌.

 شأن‌ ذلك‌ شأن‌ الايات‌ التي‌ بُيّنت‌ في‌ القرءان‌ بعنوان‌ تشريع‌ الاحكام‌، و يقصد بها الإتيان‌ بتلك‌ الافعال‌ في‌ الزمان‌ المستقبل‌ لوقت‌ الخطاب‌، فاستعمل‌ في‌ تلك‌ الايات‌ (أن‌ المصدرية‌).

 مثل‌ (أَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُمْ) [284]، و (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَهَ) [285]، و (أَلاَّ تَعْبُدُو´ا إلاَّ اللَهَ) [286]، و (أَنْ أَقِيمُوا الصَّلَو'ةَ)[287].

 الرجوع الي الفهرس

 معني‌ الوحي‌ التكويني‌:

 امّا في‌ الاية‌ مورد البحث‌، فهو لا يقول‌: وَأَوْحَيْنَآ إلیهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا الْخَيْرَاتِ، بل‌ يقول‌: انّ الافعال‌ الخارجيّة‌ التي‌ تصدر منهم‌ هي‌ عين‌ وحينا، و انّا أوحينا إلیهم‌ الافعال‌ الخيّرة‌ التي‌ يعملونها، و في‌ هذه‌ الحال‌ فانّ نفس‌ فعلهم‌ هو مورد الوحي‌. وينبغي‌ أن‌ نري‌ ـ بناءً علی‌ هذا ـ كيف‌ يمكن‌ ان‌ يكون‌  الفعل‌  مورد  الوحي‌ ؟  ونأتي‌ بشاهد من‌  القرءان‌  الكريم‌ لبيان‌  هذا الامر:

 وَ أَوْحَي‌' رَبُّكَ إلی‌ النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي‌ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي‌ مِن‌ كُلِّ الثَّمَرَ  تِ فَاسْلُكِي‌ سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن‌ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي‌ ذَ  لِكَ لاَيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ[288].

 فهل‌ هذا الوحي‌ الذي‌ أوحاه‌ الله‌ تعإلی‌ للنحل‌ مثل‌ الوحي‌ إلی‌ قلوب‌ الانبياء؟

 فالوحي‌ يصل‌ إلی‌ قلب‌ النحل‌ في‌ كلّ لحظة‌ أن‌ اصنعي‌ هذا النوع‌ من‌ البيوت‌، و اسكني‌ هنا، وقِفي‌ علی‌ هذه‌ الوردة‌، ثمّ علی‌ تلك‌ الوردة‌! و لا تقفي‌ علی‌ الوردة‌ ذات‌ الرائحة‌ الكريهة‌! أو انّ الامر ليس‌ كذلك‌، بل‌ انّ الله‌ سبحانه‌ خلق‌ هذا الحيوان‌ اللطيف‌ العجيب‌ بحيث‌ انّها لا تعمل‌ شيئاً الاّ بإرادة‌ الله‌. فهذا الحيوان‌ المعصوم‌ يسير دون‌ أيّ تدخّل‌ للنفس‌ الامّارة‌ والامال‌ الباطلة‌ و حبّ الشخصيّة‌ وفق‌ برنامج‌ معيّن‌ عينّه‌ الله‌ تعإلی‌ له‌ في‌ عالم‌ التكوين‌، و يسير في‌ كلّ لحظة‌ بأمر و إذن‌ ربّ العالمين‌، فينتقل‌ حسب‌ دعوة‌ الفطرة‌ من‌ هذه‌ الوردة‌ إلی‌ تلك‌، و يتناول‌ رحيق‌ الوردة‌ ذات‌ الرائحة‌ الجيّدة‌، و يصنع‌ بيتاً هندسيّاً بشكل‌ عجيب‌ في‌ السقوف‌ و الجبال‌ والاشجار. و هذا الوحي‌ يُدعي‌ بالوحي‌ التكويني‌، اي‌ انّ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ ينظّم‌ في‌ عالم‌ التكوين‌ و الخارج‌ حركات‌ ذلك‌ الحيوان‌ و سكناته‌ دون‌ تدخّل‌ أي‌ أمر خارجي‌ يُخرجه‌ من‌ الصراط‌ المستقيم‌ في‌ سيره‌ التكاملي‌، كما يحرّكه‌ في‌ السبل‌ و طرق‌ السعادة‌ و الاعمال‌ الحسنة‌ حسب‌ برنامج‌ الخلقة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 وحي‌ الخيرات‌ للائمّة‌ :

 تقول‌ الاية‌ القرءانيّة‌ المباركة‌: وَ أَوْحَيْنَآ إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ  تِ، اي‌ انّ جميع‌ الافعال‌ الحسنة‌ التي‌ تظهر عنهم‌ هي‌ بإذننا و أمرنا، و انّ ملكوتها بيدنا، و بالنتيجة‌ فانّ أعمالهم‌ تصدر منهم‌ دون‌ أي‌ّ تدخلّ للفكر النفساني‌ّ والهوي‌ و العُجب‌.

 فهم‌ لا يفكرّون‌ و لا يفعلون‌ بالاعتبار شيئاً للمحافظة‌ علی‌ مصالحهم‌، و لا يقعون‌ في‌ اعتبارات‌ واهية‌ من‌ أجل‌ فعلٍ ما، فيفعلوه‌ علی‌ أساس‌ مصلحةٍ خيإلیة‌، بل‌ انهم‌ اجتازوا جميع‌ هذه‌ المراحل‌، فصارت‌ إرادتهم‌ إرادة‌ الله‌، و صار فعلهم‌ يصدر عن‌ ضمير طاهر بلا مواربة‌ و لا خيانة‌ و بلا شائبة‌ من‌ التفكير بالمصلحة‌ أو ملاحظة‌ للاجر و الثواب‌ أو تفكيرٍ بعاقبة‌. هؤلاء هم‌ الذين‌ جزاؤهم‌ نفس‌ فعلهم‌، فليسوا في‌ صدد جزاء خارج‌ عن‌ نفس‌ فعلهم‌ و حقيقته‌.

 هذا الفعل‌ هو فعل‌ الله‌ الذي‌ يطلع‌ بإرادة‌ الله‌ من‌ مرءاة‌ وجودهم‌ وصُقع‌ نفوسهم‌، و يظهر من‌ مجري‌ و مجلي‌ وجودهم‌، و لذلك‌ يمكن‌ القول‌ أنّ نفس‌ فعلهم‌ هو وحي‌ الله‌. انّ الانسان‌ مالم‌ تبصر عينه‌ جمال‌ ربّه‌ فينسي‌ تدريجاً مراتب‌ وجوده‌ و يصبح‌ موجوداً بالله‌ تبارك‌ و تعإلی‌، فانّه‌ سيري‌ أنّ جميع‌ أفعاله‌ صادرة‌ عنه‌، و سيقوم‌ بها حتماً من‌ أجل‌ غايةٍ وهدف‌. لكنّه‌ اذا تقدّم‌ بقدم‌ صدق‌ في‌ مرحلة‌ العبوديّة‌ فانّه‌ سوف‌ يتأثّر تدريجاً بمشاهدة‌ قدرة‌ الله‌ و علمه‌ المطلق‌ و بانكشاف‌ مراحل‌ التوحيد في‌ وجوده‌، فيصبح‌ لا يدرك‌ وجوداً لنفسه‌ بعدُ ليقوم‌ بعملٍ ما لحفظه‌ أو لاستجلاب‌ منفعةٍ له‌ و دفع‌ الضرر عنه‌، و سيري‌ نفسه‌ خاضغاً مستسلماً بيد القدرة‌ الالهيّة‌ كالعجينة‌ في‌ القبضة‌ القوّية‌، و سيري‌ وجوده‌ سراباً اثر بزوغ‌ شمس‌ الحقيقة‌ و مشاهدة‌ الجمال‌ المطلق‌ و العلم‌ و الحياة‌ المطلقة‌، فلا يمكنه‌ أن‌ يعمل‌ لنفسه‌ ولمصلحته‌، و سيكون‌ كلّ ما يصدر عنه‌ في‌ هذه‌ الحال‌ هو عمل‌ الحق‌ فقط‌.

 كما يقول‌ سُبحانه‌ في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ الذي‌ رواه‌ الفريقان‌: لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ يََقَرَّبُ إلی‌َّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحَبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي‌ يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي‌  يُبْصِرُ بِهِ وَ لِسَانَهُ الَّذِي‌ يَنْطِقُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي‌ يَبْطِشُ بِهَا[289].

 اي‌ انّه‌ لن‌ يعدّ أذنه‌ ملكاً له‌، بل‌ انّ أذنه‌ مجريً يسمع‌ الله‌ بها، و عينه‌ وسيلة‌ يري‌ الله‌ بها؛ و تدلّ الاية‌ المباركة‌ القرءانية‌:

 وَ مَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَهَ رَمَي‌' [290]، علی‌ هذا المقام‌. كما انّ الاية‌ المباركة‌: يَدُاللَهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[291]، تدلّ علی‌ هذا المعني‌ أيضاً.

 الرجوع الي الفهرس

 تحقّق‌ شرائط‌ الإمامة‌:

 و عموماً فانّه‌ يُستفاد من‌ الاية‌ المباركة‌: وَ أَوْحَيْنَآ إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، أنّ الإمام‌ هو من‌ توجّب‌ علیه‌ حقّاً أن‌ يجتاز مراحل‌ النفس‌ والورود في‌ مراحل‌ التوحيد الحقيقي‌، و مع‌ طلوع‌ الشمس‌ المشرقة‌ علی‌ العالم‌ و ظهور ذات‌ الحقّ المقدّسة‌ جلّ و علا في‌ مرايا الكائنات‌ و تجلّيها في‌ الماهيّات‌ الإمكانية‌، فانّ علیه‌ ان‌ لا يري‌ في‌ نفسه‌ ظهوراً أو بروزاً، بل‌ علیه‌ أن‌ يجعل‌ أصل‌ وجوده‌ مندكّاً في‌ وجود حضرة‌ مفيض‌ الوجود، ليصبح‌ فعله‌ و حركته‌ و سكونه‌ و قيامه‌ و قعوده‌ و حربه‌ و سلمه‌ فعل‌ الله‌.

 و لو وصل‌ امرؤ ما إلی‌ هذه‌ المرحلة‌ كان‌ له‌ قابليّة‌ الإمامة‌ بإذن‌ الله‌، والاّ فلا، و ذلك‌ لانّ الإمام‌ يعني‌ مَن‌ يهدي‌ المأموم‌ إلی‌ مقامه‌ و مقصده‌، فمن‌ لم‌ يخرج‌ من‌ شوائب‌ النفس‌ الامّارة‌ إذا أصبح‌ إماماً فانّه‌ سيدعو جميع‌ المأمومين‌ إلی‌ مقامه‌ و محلّه‌، أي‌ للميول‌ و الرغبات‌ النفسيّة‌. و من‌ الواضح‌ انّ هذه‌ الدعوة‌ ليست‌ دعوةً إلی‌ الله‌ بل‌ دعوةً للنفس‌. و الإمام‌ بهذه‌ الخاصيّة‌ التي‌ ذُكرت‌، لانّ فعله‌ فعل‌ الحقّ و قوله‌ قول‌ الحقّ فلذا فهو حجّة‌، لانّ فعل‌ و قول‌ الحقّ حُجَّة‌.

 و بناءً علی‌ هذا يجب‌ اتباعه‌ (اي‌ الإمام‌) و عدم‌ انتقاد فعله‌، لانّ انتقاد فعل‌ الإمام‌ يعني‌ انتقاد فعل‌ الحقّ، و علی‌ الناقد ان‌ يرجع‌ إلی‌ ذاته‌ ليجد العيب‌ و الخلل‌ هناك‌، لانّها نسبت‌ ـ لجهلها و عدم‌ معرفتها بالإمام‌ ـ العيبَ إلیه‌.

 كما يمكن‌ ان‌ يكون‌ هناك‌ كثير من‌ الافراد الطيّبين‌ ذوي‌ الاعمال‌ الصالحة‌، لكنّهم‌ لم‌ يتخطّوا ذواتهم‌ خارجاً، لذا فانّهم‌ لم‌ يتعرّفوا علی‌ الإمام‌، لانّ الإمامة‌ في‌ غاية‌ الرفعة‌ و السمّو.

 الرجوع الي الفهرس

 ثُورة‌ زيد بن‌ علی‌ بن‌ الحسين‌ كانت‌ بأمر من‌ الإمام‌:

 ينقل‌ المرحوم‌ الكليني‌ في‌ (أصول‌ الكافي‌)، كتاب‌ الحجّة‌، باسناده‌ عن‌ أبان‌ عن‌ الاحول‌[292] ، أنّ زيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ بَعَث‌ إلیه‌ و هو مستخفٍ، قال‌: فأتيتُه‌.

 فقال‌ لي‌: يا أَبا جعفر ما تقول‌ إنْ طَرَقَكَ طارقٌ منّا أتخرجُ معه‌؟

 قال‌: فقلتُ له‌: إنْ كان‌ أباك‌ ] الإمام‌ علی بن‌ الحسين‌ [ أو أخاك‌ ] الإمام‌ محمّد الباقر [ خرجتُ معه‌.

 قال‌: فقال‌ لي‌: فأنا أريد أن‌ أخرج‌ أجاهد هؤلاء القوم‌ فاخرج‌ معي‌.

 قال‌: قلتُ لا ما أفعل‌ جُعلتُ فداك‌.

 قال‌: فقال‌ لي‌: أترغب‌ بنفسكَ عنّي‌؟

 قال‌: قلتُ له‌: إنّما هي‌ نفسٌ واحدة‌، فإنْ كان‌ لله‌ في‌ الارض‌ حجّة‌ فالمتخلّفُ عنك‌ ناجٍ و الخارجُ معك‌ هالكٌ، و إنْ لاتكن‌ لله‌ حجّة‌ في‌ الارض‌ فالمتخلّفُ عنك‌ و الخارجُ معك‌ سواء.

 قال‌: فقال‌ لي‌: يا أبا جعفر كنتُ أجلس‌ مع‌ أبي‌ علی‌ الخوان‌ فيُلقمني‌ البَضعةَ السمينة‌ و يبرّد لي‌ اللقمة‌ الحارّة‌ حتّي‌ تبرد شفقةً علی و لم‌ يشفق‌ علی من‌ حرّ النار إذا أخبرك‌ بالدين‌ و لم‌ يُخبرني‌ به‌؟

 فقلتُ له‌: جُعِلْتُ فِداكَ مِنْ شفقته‌ علیك‌ من‌ حرّ النار لم‌ يُخبرك‌؛ خافَ علیك‌ أن‌ لا تقبله‌ فتدخل‌ النارَ و أخبرني‌ أنا، فإن‌ قبلتُ نجوتُ و إن‌ لم‌ أقبل‌ لم‌ يُبالِ أن‌ أدخل‌ النّار.

 ثمّ قلتُ له‌: جُعلت‌ فداك‌ أنتم‌ أفضل‌ أم‌ الانبياء؟ قال‌: بل‌ الانبياء.

 قلتُ: يقول‌ يعقوبُ ليوسفَ علیهما السلام‌: يَـ'بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ علی‌'´ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [293]، لِمَ لَمْ يُخبرهم‌ حتّي‌ كانوا لا يكيدونه‌ ولكن‌ كتمهم‌ ذلك‌، فكذا أبوك‌ كتمك‌ لانّه‌ خاف‌ علیك‌.

 قال‌: فقال‌: أما واللهِ لئن‌ قُلتَ ذَلك‌ لقد حدّثني‌ صاحبُك‌ بالمدينة‌ أنّي‌ أُقتل‌ و أُصلب‌ بالكناسة‌ و أنّ عنده‌ لصحيفة‌ فيها قتلي‌ و صلبي‌.

 فحججتُ فحدّثتُ أبا عبدالله‌ علیه‌ السلام‌ بمقالة‌ زيد و ما قلتُ له‌، فقال‌ لي‌: أخذتَهُ من‌ بين‌ يديه‌ و من‌ خلفه‌ و عن‌ يمينه‌ و عن‌ شماله‌ و من‌ فوق‌ رأسه‌ و من‌ تحت‌ قدميه‌ و لم‌ تتركْ له‌ مَسلكاً يسلكه‌ [294].

 لقد كان‌ لزيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ مقام‌ شامخ‌، و كان‌ مشهوراً بالتقوي‌ و الزهد و الغيرة‌ و الإيثار و الإنفاق‌ و العبادة‌، و عندما استشهد تأثّر الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علیه‌ كثيراً و بكي‌ و ترحّم‌ علیه‌، ولكن‌ و مع‌ ذلك‌ كّله‌ فقد كان‌ مقام‌ الإمام‌ شيئاً ءاخر لم‌ يكن‌ زيد يعرف‌ عنه‌ شيئاً.

 الرجوع الي الفهرس

 حركة‌ الإمام‌ و سكونه‌ كلاهما صحيح‌:

 لقد نفد صبر زيد أمام‌ انحراف‌ هشام‌ بن‌ عبدالملك‌ و جرائمه‌، و لم‌ يكن‌ له‌ سعة‌ صدر ليتحمّل‌ هذه‌ الامور، فقام‌ بثورته‌ ضدّه‌، امّا الإمام‌ فانّه‌ لا يكلّ أبداً من‌ التصدّي‌ للظلم‌، و لانّ نفسه‌ لا تضيق‌ فانّه‌ لا يُقدم‌ علی‌ المواجهة‌ الدمويّة‌ ما دام‌ ذلك‌ في‌ غير صالح‌ الاسلام‌ و المجتمع‌ الاسلامي‌، ولا يتأثّر بإحساساته‌ أو إحساسات‌ جلسائه‌ أو إلقاءآتهم‌، فهو لا يمتلك‌ حسّ الانتقام‌، و لا يُقدم‌ علی‌ عملٍ ليُرضي‌ رغبته‌ و ليشفي‌ غرائزه‌، بل‌ انّ أعماله‌ كلّها وفق‌ أعلی‌ برامج‌ الإنسانيّة‌ لهداية‌ الخلق‌ إلی‌ أعلی‌ درجة‌ الكمال‌، و في‌ هذه‌ الحال‌ فانّ حربه‌ و سلمه‌ كلاهما مصلحة‌، و كلاهما من‌ فعل‌ الله‌ تعإلی‌، و حركته‌ و سكونه‌ من‌ أفعال‌ الله‌ أيضاً و يجب‌ اتّباعه‌ فيهما.

 و الخلاصة‌ فانّ مقام‌ الإمامة‌ هوالالتزام‌ برسالة‌ الله‌ و هداية‌ نفوس‌ الناس‌ إلی‌ الله‌، و ليس‌ هناك‌ من‌ يليق‌ بهذا المقام‌ الاّ من‌ اتّسعت‌ نفسه‌ و فاز بعلوم‌ الله‌ و صار حيّاً بحياة‌ الله‌ و أفلح‌ في‌ الامتحانات‌ الالهيّة‌ و تجاوز مراحل‌ النفس‌ كليّاً.

 و لقد كان‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ نفس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وءاله‌، و كان‌ الرسول‌ الاكرم‌ يصرّح‌ بهذا الامر في‌ مواطن‌ كثيرة‌، و لم‌ يكن‌ هذا التصريح‌ بالطبع‌ من‌ وجهة‌ نظر الظاهر و المجاملات‌ الإعتباريّة‌ والبلاغات‌ العاديّة‌ للناس‌، بل‌ كان‌ ذلك‌ علی‌ أساس‌ إدراك‌ للواقع‌ و الوقوف‌ علی‌ مراتبه‌ و قابليّاته‌ و مقاماته‌ اللامتناهية‌، فهي‌ كاشفة‌ و مظهرة‌ لتلك‌ الواقعيّة‌.

 و حسب‌ تصريح‌ الاية‌ القرءانيّة‌ في‌ قضيّة‌ المُباهلة‌، فقد عُدّت‌ نفس‌ أميرالمؤمنين‌ نفسَ رسول‌ الله‌ و اعتُبرت‌ بمنزلة‌ نفس‌ النبّي‌ الاكرم‌، كما قد اعترف‌ الفخر الرازي‌ في‌ ذيل‌ تفسير ءاية‌ المباهلة‌ بهذه‌ الحقيقة‌.

 يقول‌ القندوزي‌: أخرج‌ صاحب‌ (المناقب‌) عن‌ جعفر الصادق‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌ علی بن‌ الحسين‌: أنّ الحسن‌ بن‌ علی (علیهم‌ السلام‌) قال‌ في‌ خطبته‌:

 قال‌ الله‌ تعإلی‌ لجدّي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ حين‌ جحده‌ كفرةُ أهل‌ نجران‌ و حاجّوه‌:

 الرجوع الي الفهرس

الرواية‌ في‌ اتّحاد نفس‌ الرسول‌ الاكرم‌ مع‌ نفس‌ أميرالمؤمنين‌

 فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَ أَبْنَآءَكُمْ وِ نِسَآءَنَا وَ نِسَآءَكُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَتَ اللَهِ علی‌ الْكَـ'ذِبِينَ[295].

 فَأَخْرَجَ جَدِّي‌ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ مَعَهُ مِنَ الاَنْفُسِ أَبِي‌، وَمِنَ البَنِينَ أَنَا وَ أَخِي‌ الْحُسَين‌، وَ مِنَ النِّسَآءِ فَاطِمَةَ أُمِّي‌، فَنَحنُ أَهْلُهُ وَلَحْمُهُ وَ دَمُهُ وَ نَفْسُهُ، وَ نَحْنُ مِنْهُ وَ هُوَ مِنَّا.

 ثم‌ قال‌: و في‌ (عيون‌ الاخبار) عن‌ الريّان‌ بن‌ الصلت‌، قال‌ الرضا رضي‌ الله‌ عنه‌: عَنَي‌ اللَهُ مِنْ أَنْفُسِنَا نَفْسَ علی‌ٍّ، وَ مِمَّا يَدُلُّ علی‌ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِي‌ِّ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: لِتَنْتَهِيَنَّ بَنُو وليعة‌ أَوْ لاَبْعَثَّنَّ إلیهِمْ رَجُلاً كَنَفْسِي‌ يَعْنِي‌ علی‌َّ بنَ أَبي‌ طالِبٍ، فَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لاَ يَلْحَقُهُمْ فِيهِ بَشَرٌ. و قد تقدّم‌ في‌ الباب‌ الخامس‌ [296].

 ثم‌ يقول‌: أخرج‌ أحمد ] بن‌ حنبل‌ [ في‌ (المسند) عن‌ عبدالله‌ بن‌ حنطب‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ لوفد ثقيف‌ حين‌ جاؤه‌. لَتُسْلِمَنَّ أَوْ لاَبْعَثَنَّ إلیكُمْ رَجُلاً كَنَفْسِي‌ لَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَكُمْ، وَ لَيَسْبِيَنَّ ذَرَارِيكُمْ، وَ لَيَأخُذَنَّ أَمْوَالَكُمْ، فَالْتَفَتَ إلی‌ علی‌ٍّ وَ أَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا هُوَ (مرّتين‌) [297].

 و يقول‌ أيضاً: أخرج‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ (المسند) و في‌ (المناقب‌): انّ رسول‌ الله‌ قال‌: لَتَنتَهِيَنَّ يَابَنِي‌ وَليعة‌، أَو لاَبْعَثَنَّ إلیكُمْ رَجُلاً كَنَفْسِي‌ يُمْضِي‌ أَمْرِي‌، يَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ، وَ يَسْبِي‌ الذُّرِّيَّةَ، فَالتَفَتَ إلی‌ علی‌ٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ قَالَ: هُوَ هَذَا (مرّتين‌).

 ثم‌ يقول‌: و قد أخرج‌ الموفّق‌ بن‌ أحمد الخوارزمي‌ عين‌ هذا الحديث‌ بنفس‌ الالفاظ‌[298].

 و ينقل‌ أيضاً من‌ كتاب‌ (المشكاة‌) عن‌ حبيش‌ بن‌ جنادة‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ قال‌:

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: علی‌ٌّ مِنِّي‌ وَ أَنَا مِن‌ علی وَ لاَ يُؤَدِّي‌ عَنِّي‌ إِلاَّ أَنَآ أَوْ علی.

 ثم‌ يقول‌: روي‌ الترمذي‌ هذا الحديث‌، و رواه‌ أيضاً أحمد بن‌ حنبل‌ عن‌ حبيش‌ بن‌ جنادة‌. و يقول‌ الترمذي‌: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح‌.

 كما روي‌ هذا الحديث‌ عن‌ ابن‌ ماجة‌ عن‌ ابن‌ جنادة‌[299].

 و يقول‌ أيضاً انّه‌ رواه‌ في‌ (المشكاة‌) عن‌ عمران‌ بن‌ حصين‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ قال‌:

 انّ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ قال‌: إِنَّ علیاً مِنِّي‌ وَ أَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِي‌ُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعْدِي‌. رواه‌ الترمذي‌[300].

 و يقول‌ الحمويني‌ في‌ (فرائد السمطين‌) باسناده‌ عن‌ علی كرّم‌ الله‌ وجهه‌ قال‌: أُهْدِيَ إلی‌ رَسُولِ اللهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ قَنْوُ مَوزٍ، فَجَعَلَ يَقشرُ الموزَ بيدهِ وَ يَجْعَلُها فِي‌ فَمِي‌، فقالَ قَائلٌ: يَا رسولَ اللهِ! إِنَّكَ تُحِبُّ علیاً!

 قالَ: أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ علیاً مِنِّي‌ وَ أَنَا مِنْ علی[301].

 و يقول‌ أيضاً: روي‌ أحمد بن‌ حنبل‌ في‌ مسنده‌ عن‌ حبيش‌ بن‌ جنادة‌ السلولي‌ قال‌: سمعتُ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ يقول‌: علی‌ٌّ مِنِّي‌ وَ أَنَا مِنهُ وَ لاَ يُوَدِّي‌ عَنِّي‌ إلاَّ أَنَا أَو علی‌ٌّ [302].

 و يقول‌ أيضاً: في‌ كتاب‌ (المناقب‌)، عن‌ عطيّة‌ بن‌ سعد العوفي‌، عن‌ مخدوج‌ بن‌ يزيد الذهلي‌ قال‌: نَزَلَتْ ءايَةُ (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)

 فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ؟

 قال‌: مَنْ أَطَاعَنِي‌، وَ وَإلی‌ علیاً مِنْ بَعْدِي‌، وَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ بِكَفِّ علی فقالَ: إنَّ علیاً مِنِّي‌، وَ أَنَا مِنْهُ، فَمَنْ حَادَّهُ فَقَدْ حَادَّنِي‌، وَ مَنْ حَادَّنِي‌ أَسْخَطَ اللهَ عَزَّوَجَلَّ.

 ثُمَّ قالَ: يَا علی‌ُّ! حَرْبُكَ حَربِي‌، وَ سَلِمُكَ سِلْمِي‌، وَ أَنْتَ الْعَلَمُ بَيني‌ وَبَيْنَ أُمَّتِي‌.

 قالَ عَطِيّهُ: سَأَلْتُ زَيْدَ بنَ أَرقَم‌ عَنْ حديثِ مخدوجٍ قالَ: أُشْهِدُ اللهَ لَقَدْ حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَهِ[303].

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[247]  ـ يا حارُ ، يا حارِ ، الاصحّ و الاشهر في‌ المنادي‌ المرخّم‌ ان‌ تُترك‌ حركة‌ الحرف‌ الاخرالباقي‌ علی‌ حالها الاول‌ ، و بالطبع‌ فانّ الكثير يَرون‌ انّ حركة‌ الحرف‌ المحذوف‌ يجب‌ ان‌ تُنقل‌ الی‌ الحرف‌ الذي‌ قبله‌ .

[248] رأيتُهُ قُبُلاً و قَبلاً و قَبِيلاً وَ قَبَلِياً : أي‌ عَيانًا و مُقابلةً . و لقد وُضعت‌ احتمالات‌ في‌ ضبط‌ كلمة‌ (قَبَل‌) لا يناسب‌ معني‌ أيّ منها المقامَ ، و ما يبدو في‌ نظر الحقير انّها فعل‌ ماض‌ بفتح‌ القاف‌ و فتح‌ أو كسر الباء ؛ و ذلك‌ لانّ أحد معاني‌ قَبَل‌ و قَبِلَ أن‌ يكون‌ قَبَل‌ في‌ العينين‌ ، و القَبَل‌ في‌ العينين‌ عبارة‌ عن‌ اقبال‌ نظر كلّ من‌ العينين‌ الی‌ الاخري‌ ، و هو ما يدعي‌ بالحَوَل‌ في‌ العينين‌ و رؤية‌ الشي‌ء شيئين‌ ، و لازم‌ الحول‌ الغرور و العُجب‌ ، حيث‌ تحاول‌ العيون‌ علی‌ الدوام‌ النظر الی‌ نفسها ، و هذا المعني‌ من‌ آثار النفاق‌ الذي‌ عدّه‌ المولي‌ اميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ هنا من‌ صفات‌ المنافق‌ .

 كما ورد في‌ اللغة‌ ان‌ رأيته‌ قُبُلا أي‌ عياناً و مقابلة‌ ؛ و علی‌ ذلك‌ فانّ من‌ الممكن‌ ان‌ تكون‌ الكلمة‌ هنا بضمّ القاف‌ و الباء ، اي‌ : مَن‌ يَمُتْ يَرَني‌ قُبُلا ؛ و هو احتمال‌ مقبول‌ أيضاً . و ربّما كان‌ أقرب‌ من‌ الاحتمال‌ الاوّل‌ .

 قال‌ في‌ (المنجد) : رأَيتُهُ قُبُلاً و قَبَلاً و قُبَلاً و قِبَلاً و قَبيلاً و قَبَلِيًّا أي‌ عياناً و مقابلةً . وبذلك‌ فانّ من‌ الممكن‌ قراءة‌ شعر الحميري‌ علی‌ أربعة‌ أشكال‌ من‌ القراءة‌ .

[249] ـ ورد في‌ (مناقب‌ ابن‌ شهرءاشوب‌) بلفظ‌ (بِنَعْتِهِ) .

[250] ـ جاءت‌ في‌ (ديوان‌ الحميري‌) بلفظ‌ (حبل‌ الوحي‌) ، لكن‌ الاظهر أنها (بحبل‌
 الوصيّ) .

[251] ـ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  327  و  328  ؛ و أورد أصله‌ عن‌ (أعيان‌ الشيعة‌) ، ج‌  12  ، ص‌ 263  ، و (كشف‌ الغمّة‌) ، ص‌  124  ، و (المناقب‌) ، ج‌  3  ، ص‌  237  ، و (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌) ، ج‌  1  ، ص‌  299  .

[252] ـ من‌  الامثال‌ ، و القصيرة‌ هي‌ التمرة‌ و الطويلة‌ : النخلة‌ . م‌.

[253]  ـ تعلیقة‌ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  326  و  327  علی‌ الترتيب‌ .

[254]  ـ (ديوان‌ السيّد) ، ص‌  212  ؛ و أورد أصله‌ عن‌ (أعيان‌ الشيعة‌) و (المناقب‌) .

[255]  ـ الاية‌  73  ، من‌ السورة‌  21  : الانبياء .

[256] ـ الاية‌  73  ، من‌ السورة‌  21  : الانبياء .

[257] ـ الاية‌  71  ، من‌ السورة‌  17  : الإسراء .

[258] ـ الاية‌ 0 1  ، من‌ السورة‌  53  : النجم‌ .

[259] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌) ، الطبعة‌ ذات‌ العشرين‌ مجلّداً ، ج‌  1  ، ص‌  26  .

[260] ـ الاية‌  14  و  23  ، من‌ السورة‌  22  : الحجّ ؛ و الاية‌  12  ، من‌ السورة‌  47  : محمد .

[261] ـ الاية‌  117  ـ  119  ، من‌ السورة‌ 0 2  : طه‌ .

[262] ـ الاية‌  55  ، من‌ السورة‌  54  : القمر .

[263] ـ الاية‌  15  ، من‌ السورة‌  47  : محمّد .

[264] ـ الاية‌ 0 3  ، من‌ السورة‌  21  : الانبياء .

[265] ـ ذيل‌ الاية‌  21  ، من‌ السورة‌  76  : الدهر .

[266] ـ الاية‌  17  و  18  ، من‌ السورة‌  76  : الدهر .

[267] ـ الاية‌  5  و  6  ، من‌ السورة‌  76  : الدهر . 

[268] ـ الاية‌  22  الی‌  29  ، من‌ السورة‌  83  : المطففّين‌ .

[269] ـ (ذخائر العقبي‌) ، ص‌  91  .

[270]  ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌ 0 13  .

[271]  ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌ 0 13  .

[272]  ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌ 0 13  .

[273] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  132  .

[274] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  132  .

[275] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  132  .

[276] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  133  .

[277]  ـ (مناقب‌ ابن‌ شهرءاشوب‌) ، ج‌  1  ، ص‌ 0 35  .

[278]  ـ (مناقب‌ ابن‌ شهرءاشوب‌) ، ج‌  1  ، ص‌ 0 35  .

[279]  ـ (مناقب‌ ابن‌ شهرءاشوب‌) ، ج‌  1  ، ص‌ 0 35  .

[280] ـ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  464  ؛ و تخريجها من‌ (المناقب‌) ، ج‌  2  ، ص‌  162  و 223  ، و (أعيان‌  الشيعة‌) ، ج‌  12  ، ص‌  276  .

[281] ـ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  261  ؛ و قد أخرج‌ هذه‌ القصيدة‌ عن‌ (بحار الانوار) و(مجالس‌ المؤمنين‌) و (الغدير) و (أعيان‌ الشيعة‌) و (ضحي‌ الاسلام‌) و (الاغاني‌) و (ظرافة‌ الاحلام‌) .

[282] ـ (كنز العمال‌) ، ج‌  12  ، الحديث‌ 0 113  ، طبع‌ الهند  1384  ؛ و (وسائل‌ الشيعة‌) الطبعة‌ الحروفيّة‌ ، ج‌  18  ، ص‌  52  .

[283]  ـ الاية‌  73  ، من‌ السورة‌  21  : الانبياء .

[284] ـ ذيل‌ الاية‌  184  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[285] ـ مقطع‌ من‌ الاية‌  11  ، من‌ السورة‌  39  : الزمر .

[286] ـ صدر الاية‌  26  ، من‌ السورة‌  11  : هود .

[287]  ـ صدر الاية‌  72  ، من‌ السورة‌  6  : الانعام‌ .

[288]  ـ الاية‌  68  و  69  ، من‌ السورة‌  16  : النحل‌ .

[289] ـ وردت‌ مصادر هذا الحديث‌ في‌ كتاب‌ (معاد شناسي‌) = معرفة‌ المعاد ، المجلد   ï  ïالثاني‌ ، المجلس‌ التاسع‌ .

[290] ـ مقطع‌ من‌ الاية‌  17  ، من‌ السورة‌  8  : الانفال‌ .

[291] ـ مقطع‌ من‌ الاية‌ 0 1  ، من‌ السورة‌  48  : الفتح‌ .

[292] ـ هو محمّد بن‌ النعمان‌ ، من‌ خواص‌ اصحاب‌ الامام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ، و كان‌ يُدعي‌ بـ (مؤمن‌ الطاق‌) لانّه‌ كان‌ يمتلك‌ دكّة‌ تحت‌ الطاق‌ ، لكن‌ أهل‌ السنّة‌ لقّبوه‌ بـ (شيطان‌ الطاق‌) لمهارته‌ في‌ المناظرة‌ و للعداء الذي‌ يكنّه‌ بعضهم‌ لاهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ .

[293] ـ صدر الاية‌  5  ، من‌ السورة‌  12  : يوسف‌ .

[294] ـ (اُصول‌ الكافي‌) ، ج‌  1  ، ص‌  174  .

[295] ـ الاية‌  61  ، من‌ السورة‌  3  : ءال‌ عمران‌ .

[296] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  52  و  53  .

[297] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  53  .

[298] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  53  .

[299]  ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  54  .

[300] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  54  .

[301] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  54  .

[302] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ص‌  54  و  55  .

[303] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ص‌  54  و  55  .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com