|
|
الصفحة السابقةالخصال الموجودة في أميرالمؤمنين:و يقول القندوزي أيضاً: و في (المناقب) عن جابربن عبدالله رضي الله عنهما قال: لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّي اللهُ علیه ] و ءاله [ يقول: فِي علی خِصَالٌ لَوْ كَانَت وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي رَجُلٍ اكتَفِي بِهَا فَضْلاً وَشَرَفَاً. قوله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم: مَن كُنْتُ مَولاَهُ فَعلیٌّ مَوْلاَه. و قوله: علیٌّ مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسَي. و قوله: علیٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ. و قوله: علیٌّ مِنِّي كَنَفْسِي، طَاعَتُهُ طَاعَتِي، وَ مَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَتِي. و قوله: حَرْبُ علیٍّ حَرْبُ اللَهُ، وَ سَلْمُ علیٍّ سِلْمُ اللَهُ. و قوله: وَلِيُّ علیٍّ وَلِيُّ اللَهِ وَ عَدُوُّ علیٍّ عَدُوُّ اللَهِ. و قوله: علیٌّ حُجَّةُ اللَهِ علی عِبَادِهِ. و قوله: حُبُّ علیٍّ إيمَانٌ وَ بُغْضُهُ كُفْرٌ. و قوله: حِزْبُ علیٍّ حِزبُ اللَهِ، وَ حِزْبُ أَعْدَائِهِ حِزْبُ الشَّيْطَانِ. و قوله: علیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَهُ لاَ يَفْتِرِقَانِ. و قوله: علیٌّ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. و قوله: مَنْ فَارَقَ علیاً فَقَدْ فَارَقَنِي، وَ مَنْ فَاَرقَنِي فَارَقَ اللَهَ. و قوله صلّي الله علیه ] و ءاله [ و سلّم: شِيعَةُ علیٍّ هُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ. و يُستفاد من مجموع هذه الروايات انّ رسول الله قد جعل علی بن أبي طالب أميرالمؤمنين علیه السلام في بيته و حرمه حرم الله، من وجهة الباطن و المعارف الالهيّة، و الاطّلاع علی الاسرار الغيبيّة، و من وجهة الظاهر، و كانا دائماً في السرّ و الشهادة و الظاهر و الخفاء نفسين تشعّبا من أصل واحد، و خاصةً في تلك الفقرة من الرواية حيث قال: لاَ يُؤَدِّي عَنِّي إلاَّ أَنَا أَو علیٌّ و المقصود هو انّ أحداً لا يستطيع حمل ثقل الرسالة و هداية الناس إلی الله من وجهة الظاهر و الباطن، أي بالسيطرة علی أنفسهم وملكوتهم، الاّ أنا أو علی، و بناءً علی ذلك فانّه كان علیه السلام شريكاً لرسول الله في جميع المقامات و الدرجات، و في نفس الدرجة، و هي مقام الحمد و حمل لواء الحمد، و وفقاً للعديد من الروايات فانّ ذلك اللواء بيد أميرالمؤمنين، اي انّ أحداً لم يعرف الله كما عرفه أميرالمؤمنين، لذا فانّ أحداً غيره علیه السلام لم يستطع حمد الله كما يليق بذلك المقام العإلی الرفيع، كما انّ مقام الشفاعة يوم القيامة في يده علیه السلام و يد ذريّة رسول الله. لقد نقلنا في المباحث السابقة بعضاً من مقامات أميرالمؤمنين، مثل كونه قسيم الجنّة و النار، و إعطائه الجواز علی الصراط، و كونه ساقي الكوثر؛ و ذكرنا أيضاً مقام الشفاعة و ميزان العمل. رفع الشبهة في أنّ خصائص مقام الولاية منافية لقدرة الله تعإلی مقام الولاية هو ظهور الصفات و الاسماء الإلهيّةو يجب ان نعلم انّ اتّصافه علیه السلام بهذه الصفات لا ينافي قدرة الله تعإلی، بل هو عين الصفات التي في الله سبحانه، لم تنسلخ عنه سبحانه حين أُعطيت لاميرالمؤمين ففقد الله سبحانه قدرته، بل هي عين صفات الله التي تظهر فيه علیه السلام في امتلاكه الولاية الكبري، بل انّ نفس الولاية هي عين تجلّيات و ظهورات حضرة الحقّ.و علیه فانّ كلّ موجود راجع إلی الله وحده، و ما هو موجود في مقام الولاية، انّما هو الاحتياج و الفاقة المحضة إلی الذات المقدّسة، كما هو الامر في هذا العالم المادي حيث الموجودات مقدّرة و محدودة قُسّم بينها العلم و القدرة فاكتسب كلّ موجود منها حسب حاله و سعته، لكنّ هذا التقسيم لا يتنافي مع وجود منبع العلم و القدرة و الحياة في الله، و ليس مقسّمها من أحد غير الله تعإلی.
كما
انّ ظهورات التقسيم في أيّ مرحلة هي نفس ظهورات الله، وكذلك الامر في
عالم العقل و الملكوت، فانّ المقسّم هو الله، لا تخرج الاستفادة و التقسيم
عن صفاته و أسمائه، لذا فانّ مقام الولاية و هو وَ مَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَهُ [304]. و علی هذا فانّ أحداً لن يشاهد في القيامة التي هي عالم الظهور والبروز، غير قدرة الله و عظمته و حياته، و ستكون جميع الموجودات ازاء ذاته المقدّسه صفراً و عدماً. يَوْمَ هُمْ بَـ'رِزُونَ لاَ يَخْفَي' علی اللَهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [305]. وَ بَرَزُوا لِلهِ الْوَ حِدِ الْقَهَّارِ [306]. وَ لَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُو´ا إِذْ يَرَونَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلهِ جَمِيعًا [307]. و عموماً فانّ جميع أسماء و صفات الله التي حُصرت في القرءان الكريم، مثل: إِنَّ اللَهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [308]. و فَلِلهِ الْحَمْدُ [309]. و جميع درجات و مراتب الحمد و التمجيد (من أي موجود إلی أيّ موجود) مختصّة بذات الله. اللَهُ لآ إلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ[310]. هَوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [311]. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [312]. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعلیمُ [313]. و ستظهر في ذلك العالم، و سيكون انحصارها بذات الحقّ المقدّسة مشهوداً. انّ مقام الولاية هو نفس تلك الصفات والاسماء لا غيرها، و لذلك فانّ ظهور تلك الصفات و الاسماء يُدعي بالولاية لا غيرها. و الحمد لله ربّ العالمين و صلّي الله علی محمّد و ءاله الطاهرين. بسم الله الرّحمن الرّحيم و صلّي اللهُ علی محمّد و ءاله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين و لا حول و لا قوّة الاّ بالله العلی العظيم قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: أَفَمَن يَهْدِي´ إلی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَي' فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [314]. يعلّم الله سبحانه رسول في هذه الاية المباركة كيفيّة محاججة المشركين، و كيف يُثبت لهم أنّ شركاء الله لا يستحقّون الحمد والاتّباع، وأساس هذا الاحتجاج قائم علی لزوم اتّباع الصدق و الإعراض عن غير الحق. و هذا الاحتجاج احتجاجٌ عقليّ لانّه يستند إلی أصل عام و كلّي، و هو لزوم الاتّباع الدائم للحقّ، و لذلك فانّه أفضل دليل للزوم اتباع الامام المعصوم. وعلینا ـ من أجل الورود في أصل الاحتجاج ـ أن نبيّن ذلك المبني كمقدّمة للبحث. لزوم اتّباع الحقّ:انّ أحد الاحكام الفطريّة و العقليّة للإنسان، هو لزوم اتّباع الحقّ، وهذا الحكم قانون عام يستند علیه الإنسان دائماً، و اذا ما انحرف عنه أحياناً في أعماله و أقواله فمال إلی غير الحقّ بسبب هوي نفسه أو شبهة أو خطأ قد يبدر منه، فانّه سيكون بسبب ظنّه أنّه حقّ، و لقد تبع غيرالحق لالتباس الامر علیه، لذا فانّه حين يعتذر، يجعل بأنّه قد ظنّ ذلك حقّاً. و علی هذا فانّ الحقّ واجب الاتّباع بدون أيّ قيد أو شرط، و يتفرّع علی هذا الاصل قاعدة اخري، هي انّ الذي يهدي إلی الحقّ يجب اتّباعه لانّه مع الحقّ و دالٌّ علی الحقّ، و بناءً علی هذا يجب تقديمه في الاتّباع علی الاخر الذي لا يدلّ علی الحقّ أو الذي يدلّ علی غير الحقّ، لانّ اتّباع الهادي إلی الحقّ هو اتّباعٌ للحقّ الموجود معه. و قد ذكرنا ءانفاً انّ اتّباع ذات الحقّ حكم ضروري فطريّ عقلي، وعلی هذا الاساس أقام القرءان الكريم استدلاله ضدّ المشركين في هذه الاية المباركة، فهو يسألهم أوّلاً باستفهام: قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِي´ إلی الْحَقِّ [315]. و من الجليّ انّ المشركين ليس لديهم جواب إيجابيّ في هذا المجال، لان الشركاء الذين يجعلونهم لله إمّا من الجمادات مثل الاصنام، أو من الاحياء مثل الملائكة و أرباب الانواع و الجنّ و طواغيت الزمان والفراعنة و حكّام الجور الذين يتابعونهم، و من الواضح انّ أيّاً منهم لا يهدي إلی الحقّ، لانّهم لا يملكون لانفسهم ضرّاً و لا نفعاً و لا موتاً و لا حياةً و لا نشوراً. و لانّهم ليس لديهم جواب ايجابيّ، فانّ الله جعل علی لسان نبيه ان يُجيبهم فوراً جواباً ابتدعه بنفسه فيقول: قُلِ اللَهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ. الله هو الهاديإلی الحقّ، يهدي كلّ موجود في مقاصده التكوينيّة إلی ما يحتاجه، و هو الذي يرسل إلیه ما يحتاجه، كما في قوله تعإلی: رَبُّنَا الَّذِي´ أَعْطَي' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَي'[316]. فعندما سأل فرعونُ هارونَ و موسي: من ربّكما؟ قالا: ربّنا الذي أعطي كلّ موجود في عالم الخلق احتياجاته الوجودية و خلقه تامّ الخلقة، ثم هداه إلی كماله. و مثل قوله: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّي' * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَي'[317]. فانّ الله هو الذي خلق ثم لحظ في الخلقة التعادل و التناسب من جميع الجهات، و هو الذي خلق كلّ موجود في العالم بقدر و حدّ معين، ثم يسيّره في طريق الكمال. و بناءً علی هذا فانّ الله هو الذي هدي الإنسان إلی سعادة الدنيا، و دعاه إلی الجنّة و السعادة المطلقة بإرساله للانبياء والكتب السماويّة و الاحكام الالهيّة. لزوم اتّباع الامام المعصوم مبتنٍ علی أصل لزوم اتّباع الحقّ:و علی كلّ حال، فانّ رسول الله لمّا انتزع في مقام الاحتجاج اعترافيْن من المشركين، الاوّل: أنْ ليس من شركائهم من يهدي إلی الحقّ. و الثاني: أنّ الله هو وحده الهادي إلی الحقّ. فانّه يري لزاماً و واجباً أن يسأل هذا السؤال: أَفَمَن يَهْدِي إلی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي´ إلاَّ أَن يُهْدَي'؟ و من الواضح انّ جواب هذا السؤال هو ان يقولوا انّ الله الذي يهدي إلی الحقّ أحقّ أن يُتّبع، بيد ان الكفّار و المشركين لا يلتزمون عمليّاً بهذا المنطق، و يعبدون الشُركاء الذين لا يهدون إلی الحقّ، و يُعرضون عن عبادة الله الذي لا شريك له و الذي يهدي إلی الحقّ، و بذلك يجعلون حُجباً علی القوي الفطريّة و الاحكام العقليّة، و يتعاملون خلاف ناموس الفطرة والعقل. لذا فانّ النبيّ يُخاطبهم من باب التوبيخ و اللوم: فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ و ينبغي إعمال دقّة النظر عند المقابلة بين جملة أَفَمَنْ يَهْدِي´ إلی الْحَقِّ و بين جملة أَمَّنْ لاَّ يَهِدِّي´ إلاَّ أَن يُهْدَي'، لنري كيف جُعلت هاتان الجملتان عِدْلاً لبعضهما؟ لانّ من الواضح أنّ السائل بطريق الاستفهام ينبغي أن ينفي طرفاً من الجملة، كأن يقول: أَرَأيْتَ زيداً أم لا؟ أَدَرَسَ حَسنٌ أَمْ لَمْ يَدْرُس؟ أمّا اذا استفهم مثلاً: أيدرس حسن أم انّه مغرورٌ بنفسه؟ فانّ من اللازم، من أجل أن تكون هذه المعادلة الاستفهاميّة صحيحة، أن يُقال: انّ المغرور بنفسه لا يدرس. و بناءً علی ذلك فانّ هناك جملة منطوية و ضمنيّة في جملة (مغرور بنفسه)، و هي (لا يدرس). و كذلك الامر في هذا الجانب، أي جملة (مغرور بنفسه) و التي سيكون عِدلها جملة (ليس مغروراً بنفسه)؛ و لان الجملة السابقة الاستفهاميّة تحوي جملة (يدرس) بدلاً من جملة (ليس مغروراً بنفسه)، لذا يجب القول انّ جملة (ليس مغروراً بنفسه) منطوية و متضّمنة في هذه الجملة. و تكون النتيجة (حسن ليس مغروراً بنفسه و يدرس) أو (حسن مغرور بنفسه و لا يدرس). يجب أن يكون طرفا الجملة في الاستفهام نفياً و اثباتاً:يدرس حسن مغرور بنفسه ليس مغروراً بنفسه أو لا يدرس و لم يكن في الاية المباركة أيضاً طرفي الجملة الاستفهاميّة (النفي والاثبات) لكي تنتفي الحاجة إلی جملة ضمنيّة اُخري (لان يَهِدِّي كان في الاصل يهتدي، و القاعدة في باب الافتعال جواز إدغام تاء الافتعال في عين الفعل بعد قلبه إلی عين الفعل) و تكون نتيجة المعني: هل انّ الذي يهدي إلی الحقّ أحقّ أن يُتّبع، أم الذي لا يهتدي بنفسه الاّ بهداية الغير؟ لان جملة (يهدي إلی الحقّ) عدلها جملة (لا يهدي إلی الحقّ). لذا يُستفاد من ذلك انّ الذي لا يهتدي الاّ بهداية الغير لا يهدي إلی الحقّ؛ و كذلك فلانّ جملة (مَن لاَ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَي) سيكون عدلها (من يهتدي بنفسه)، لذا يُستفاد انّ الذي يهدي إلی الحقّ هو الذي يهتدي بنفسه و بذاته لا بهداية الغير. من يهدي إلی الحقّ من لا يهدّي (يهتدي) الاّ أن يُهدي أحقّ أن يُتّبع من يهتدي بنفسه من لا يهدي إلی الحقّ و لذلك فانّه يستفاد من هذه الاية جيّدًا انّه يجدر بالإنسان أن يتّبع من يهدي إلی الحقّ، و هو بالطبع من يهتدي بنفسه لا بهداية غيره، و ذلك هو الإمام المعصوم الذي لا يعبد غير الله في أيّ لحظة، و لا يصدر منه أيّ معصية، و مثل هذا الإنسان قد اهتدي علی يدالله نفسه دون تدخّل واسطةٍ ما؛ أمّا من عَبَدَ غيرالله مدّةً، أو من صدرت منه معصية مهما تنبّه واهتدي فعلاً علی يد الغير فصار عابداً لله و عادلاً، لكنّه غير لائق لمقام الإمامة و لا للاتّباع. و يجب أن نعلم بالطبع انّ كلمة (أحقّ) في الاية الشريفة، و هي من أدوات التفضيل و الدالّة علی رجحان متابعة الحقّ لا لزومه، مبنيّة علی قواعد فنّ المناظرة و المباحثة لتحريك عصبيّة الطرف المقابل، و الاّ فانّ من الجليّ انّ تبعيّة غير الحقّ غير جائزة كليّاً، و انّ اتّباع الحقّ لازم وواجب في كلّ الاحوال، و بالنتيجة فانّ اتّباع الإمام المعصوم واجب، و اتّباع الإمام غير المعصوم حرام. هذه هي احدي الطرق الاستدلإلیة التي احتجّ بها كبار علماء الشريعة في لزوم اتّباع الإمام المعصوم، و نقلوا تبعاً للروايات المتواترة عن رسول الله: أنّ أميرالمؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام لم يعبد صنماً ءانا واحداً و لم يرتكب معصية و لو للحظةٍ واحدة، و لا مكان للشكّ في انّه تربّي في حضن رسول الله، و كان أوّل شخص ءامن بالرسول و هو صبيّ لم يبلغ الحلم. نُقل في (الامإلی) للشيخ الطوسي مسنداً، و كذلك في (المناقب) لابن المغازلي مرفوعاً عن ابن مسعود عن النبيّ صلّي الله علیه ] و ءاله [ وسلّم في الاية: ] لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـ'لِمينَ [ عن قول الله لابراهيم: مَن سَجَدَ لِصَنَمٍ دُونِي لاَ أَجْعَلُهُ إمَامًا ـ قال علیه السّلام: وَ انْتَهَت الدَّعْوَةُ إلیَّ وَ إلی أَخِي علی، لَمْ يَسْجُدْ أَحَدُنَا لِصَنَمٍ قَطُّ[318]. علی مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ علیٍّ: روايات أهل السنّة في معيّة علیّ للحقّ و الحقّ لعلیيروي السيّد هاشم البحراني[319] خمس عشرة رواية عن طريق العامّة واحدي عشرة رواية عن طريق الخاصّة في انّ علیاً مع الحقّ و الحقّ مع علی، و في انّه قال صلّي الله علیه و ءاله في شأنه: اللهم أدر الحقّ معه حيثما دار، و في لزوم متابعته و الإقتداء بسيرته، و نذكر هنا باختصار و بحذف السند الروايات التي نقلت عن العامّة مع احدي الروايات التي نقلت عن طريق الخاصّة. 1 ـ يروي ابراهيم بن محمد الحمويني، و هو أحد علماء العامّة، و 2 ـ الموفّق بن أحمد الخوارزمي باسنادهما المتّصل عن شهر بن حوشب؛ و 3 ـ الزمخشري في (ربيع الابرار) مُرسلاً [320]، قال شهر بن حوشب: كنتُ عند أمّ سلمة رضي الله عنها، إذ استأذن رجل فقالت له: من أنت؟ قال: أنا أبو ثابت مولي علی علیه السلام. فقالت أمّ سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابت أُدخل، فدخل و رحّبت به. ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: تَبَع علیٍّ علیه السلام. فقالت: وُفّقتَ و الذي نفسي بيده؛ لقد سمعتُ رسول الله صلي الله علیه ] وءاله [ و سلّم يقول: علی مع الحقّ و القرءان، و الحقّ و القرءان مع علی، و لن يفترقا حتّي يردا علی الحوض. [321] و [322] و ورد في رواية الموفّق بن أحمد الخوارزمي أنّ أبا ثابت قال: مولي أبي ذر، ثم يقول بعد بيان حديث أمّ سلمة: وَ لَقَدْ بَعَثْتُ ابْنِي عُمَرَ، وَابْنَ أَخِي عَبْدِالله بْنِ أَبِي أُمَيَّه، وَ أَمَرْتُهُمَا أَنْ يُقَاتِلاَ مَعَ علی مَنْ قَاتَلَهُ، وَلَو لاَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ أَمَرَنَا أَنْ نَقِرَّ فِي حِجَالِنَا وَ فِي بُيُوتِنَا لَخَرَجتُ وَ كُنتُ حَتَّي أَقِفِ فِي صَفِّ علیٍّ. 4 ـ يروي الحمويني باسناده المتّصل عن أبي حيّان التميمي، عن أبيه، عن علی علیه السلام. 5 ـ في كتاب (الجمع بين الصحاح الستّة) تإلیف رزين إمام الحرمين، عن (صحيح البخاري)، عن أميرالمؤمنين علیه السلام. 6 ـ من الجزء الاول من كتاب (الفردوس)، عن أميرالمؤمنين علیه السلام. 7 ـ يروي الموفّق بن أحمد الخوارزمي باسناده المتّصل عن أبي الحباب التيمي، عن أبيه، عن علی علیه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللهِ: رَحِمَ اللَهُ علیاً، اللَهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ. و يقول الخوارزمي: أخرجه أبوعيسي الترمذي في جوامعه. 8 ـ يروي الحمويني باسناده المتّصل عن أخي دعبل الخزاعي، عن هارون الرشيد، عن الازرق بن قيس، عن عبدالله بن عبّاس قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: الْحَقُّ مَعَ علیِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ دَارَ [323]. 9 ـ عن كتاب (فضائل الصحابة) باسناده المتّصل عن الاصبغ بن نباته، عن محمد بن أبي بكر، عن عائشة قالت: سمعتُ رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم يقول: علیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ علیٍّ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدَا علیَّ الْحَوْضَ. 10 ـ الموفّق بن أحمد الخوارزمي باسناده المتّصل عن شريك، عن سليمان الاعمش، عن ابراهيم، عن علقمة و الاسود قالا: سَمِعْنَا أَبا أيّوب الانصاري قال: سَمِعتُ النبيَّ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم يقولُ لِعَمَّار بن يَاسِر: تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ البَاغِيَةُ وَ أَنْتَ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَكَ يَا عَمَّارُ، إذَا رَأَيتَ علیا سَلَكَ وَادِيًا وَ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا غَيْرَهُ: فَاسْلُك مَعَ علی وَدَعِ النَّاسَ، إنَّهُ لَنْ يَدُلُّكَ علی رَدَيً، وَ لَنْ يُخْرِجُكَ عَنْ الهُدَي. يَا عَمَّارُ إنَّهُ مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفَاً أَعَانَ بِهِ علیا علی عَدُوِّهِ، قَلَّدَهُ اللَهُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وُشَاحًا مِن دُرٍّ، وَ مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفًا أَعَانَ بِهِ عَدُوَّ علی قَلَّدَهُ اللَهُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَشَاحًا مِن نَارٍ. قالَ: قُلْتُ: حَسْبُكَ. لقاء علقمة و الاسود عند أبي أيّوب الانصاري و المذاكرة في خلافة علی علیه السلام:11 ـ يروي ابراهيم بن محمّد الحمويني باسناده المتّصل عن الاعمش، عن ابراهيم، عن علقمة و الاسود قال: قالا: أَتَيْنَا أَبَا أَيّوبَ الاَنْصَارِيَّ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا أَيُّوبَ! إنَّ اللهَ تبارَكَ و تعإلی أَكْرَمَ نَبِيَّهُ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم وَ صَفَا لَكَ مِنْ فَضْلِهِ مِنَ اللهِ فَضَّلَكَ بِهَا! أَخْبِرْنَا بِمَخْرِجِكَ مَعَ علی علیه السّلامُ تُقَاتِلُ أَهْلَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ! (يقصدان حربه مع أصحاب معاوية المسلمين ظاهراً). فقال (أبو أيّوب): أُقسِمُ لَكُمَا بِاللهِ، لَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَنْتُمَا فِيهِ مَعِي، وَ مَا فِي الْبَيْتِ غَيْرُ رَسُولِ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم و علیٌّ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَ أَنَا جَالِسٌ عَن يسارِهِ، وَ أَنَسٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، إذ حرَّكَ البابَ، فَقالَ رسولُ الله صلّي الله علیه ] واله [ و سلّم: إفْتَح لِعَمَّارِ الطَيِّبِ الْمُطَيَّبِ. فَفَتَحَ النَّاسُ [324] البَابَ وَ دَخَلَ عَمَّار، فَسَلَّمَ علی رَسُولِ اللهِ فَرَحَّبَ بِهِ؛ ثُمَّ قَالَ لِعَمَّارٍ، إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي بَعدِي هُنَاة، حَتّي يَخْتَلِفَ السَّيفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَتَّي يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، فَإذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَعلیكَ بِهَذَا الاَصْلَعِ عَنْ يَمِينِي، يَعنِي علی بْنَ أَبِي طالبٍ. فَإن سَلَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَادِيًا وَ سَلَكَ علی وَادِيًا، فَاسْلُك وَادِيَ علیٍّ علیه السَّلامُ وَ خَلِّ عَنِ النَّاسِ. يَا عَمَّارُ! إنَّ علیاً لاَ يَرُدُّكَ عَنْ هُدَيً وَ لاَ يَدُلُّكَ علی رَدَيً. يَا عَمَّارُ! طَاعَةُ علیٍّ طَاعَتِي، وَ طَاعَتِي طَاعَةُ الله عَزَّوَجَلَّ. 12 ـ الموفّق بن أحمد الخوارزمي، باسناده المتّصل عن أبي ليلي قال: قال رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: سَتَكُونُ مِنْ بَعْدِي فِتْنَةٌ، فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَالْزَمُوا علی بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَإنَّهُ الْفَارُوقُ الاَكْبَرُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ[325]. 13 ـ الحمويني بإسناده عن الاعمش، عن أبي وائل، عن حُذيفة قال: قال رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: علیٌّ طَاعَتُهُ طَاعَتِي وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَتِي. 14 ـ عن كتاب (الفردوس) بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرقَتَينِ، فَيَمْرُقُ بَيْنَهُمَا فِرقَةٌ مَارِقَةٌ، يَقْتُلُهَا أَوْلَي الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ. 15 ـ يروي عامر الشعبي، و هو من النواصب و المنحرفين عن أميرالمؤمنين، عن عروة بن الزبير، عن أبي بكر قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: أَلْحَقُّ مَعَ علیٍّ وَ علیٌّ مَعَ الْحَقِّ. كانت هذه هي الروايات التي ذُكرت في (غاية المرام) عن طريق أهل السنّة، و لقد نُقلتْ احدي عشرة رواية عن طريق الشيعة، نكتفي بذكر إحداها: عيادة عطا لعبدالله بن عبّاس و التذاكر في خلافة علی بن أبي طالب علیه السلام:ينقل ابن بابويه باسناده المتّصل عن عبدالحميد الاعرج، عن عطا قال: دخلنا علی عبدالله بن العبّاس و هو علیل بالطائف و قد ضعف، فسلّمنا علیه و جلسنا، فقال لي: يا عطا، مَن القوم؟ فقلت: يا سيّدي شيوخ هذا البلد، منهم عبدالله بن سلمة بن هرم، وعمارة بن الاجلح، و ثابت بن مالك، فمازلتُ أذكر له واحداً بعد واحد، ثمّ تقدّموا إلیه و قالوا: يابن عمّ رسول الله! انّك رأيتَ رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سمعتُ منه ما سمعتَ، فأخبرنا عن اختلاف هذه الامّة، فقومٌ قدّموا علیاً علی غيره، و قومٌ جعلوه بعد ثلاثة! قالَ: فَتَنَفَّسَ ابنُ عَبَّاس فقال: سَمعْتُ رسولَ اللهِ صلّي الله علیه وءاله يقول: علیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ علی، وَ هُوَ الإمَامُ والْخَلِيفَةُ بَعْدِي، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فَازَ وَ نَجَا، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَ ضَلَّ وَ غَوَي، يَلِي تَكْفِينِي وَغَسلِي وَ يَقْضِي دَيني وَ أَبُو سِبْطَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَ مِنْ صُلْبِ الْحُسَينِ تَخْرُجُ الاَئِمَّةُ التِّسعَةُ، وَ مِنَّا مَهدِيُّ هَذِهِ الاَمَّةِ. فقال له عبدالله بن سلمة الحضرمي: يابن عمّ رسول الله صلّي الله علیه و ءاله، فهل لا كنت تعرفنا قبلُ؟! فقال: قد واللهِ أدّيتُ ما سمعتُ وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ. ثُمَّ قال: اتَّقُوا اللَهَ عِبَادَ اللَهِ تَقِيَّةَ مَنِ اعْتَبَرَ تَمْهِيدًا، وَ أَبقَي فِي وَجَلٍ، وَكَمَشَ فِي مَهَلٍ، وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ، وَ هَرَبَ فِي هَرَبٍ، فَاعْمَلُوا لآخِرَتِكُمْ قَبْلَ حُلُولِ ءاجَالِكُمْ، وَ تَمَسَّكُوا بِالْعُروَةِ الْوُثْقَي مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكُمْ، فَإِنِيّ سَمِعْتُهُ صلّي الله علیه و ءاله و سلّم يَقُولُ: مَن تَمَسَّكَ بِعِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي كَانَ مِنَ الْفَائِزِينَ. ثمّ بكي بكاءً شديداً، فقال له القوم: أتبكي و مكانك من رسول الله صلّي الله علیه و ءاله مكانك؟! فقال لي: يا عطا انّما أبكي لخصلتين لِهَولِ المُطّلعِ و فِرَاقِ الاحِبَّةِ. ثم تفرّق القوم فقال: يا عطا خُذ بيدي واحملني إلی صحن الدار، فأخذنا بيده أنا و سعيد و حملناه إلی صحن الدار، ثمّ رفع يديه إلی السماء وقال: اللَهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إلیكَ بِمُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّدٍ اللَهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إلیكَ بِوِلاَيَةِ الشَّيخِ علی بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّي وَقَعَ علی الارضِ، فَصَبَرنَا علیهِ سَاعَةً ثُمَّ أقَمْنَاهُ فَإذَا هُوَ مَيِّتٌ رحمة اللهِ علیه[326]. سبب مخالفة المعاندين لخلافة أميرالمؤمنين:و علی كلّ حال، فلو سأل سائل: كيف حصل ـ مع وجود هذه النصوص الصريحة الواصلة عن رسول الله، و التي نقل الكثير منها الخلفاء الثلاثة و عائشة بأنفسهم ـ أن صرف هؤلاء الخلافة عنه علیه السلام، فارتقوا منبر النبيّ و تربّعوا في مقام الخلافة بدلاً من أميرالمؤمنين؟ فالجواب هو قول رسول الله الذي رواه أهل السنة أيضاً: حُبُّكَ الشَّيءَ يُعْمِي و يُصِمُّ [327]. فمن أحبّ شيئاً و كانت محبّته هذه نابعة من الإحساسات، و كان هوي النفس و القوي الدنيّة مؤثرة في نشأتها، فانّ ذلك الشخص سيكون أعمي و أصمّ بالنسبة إلی غير ذلك المقصود و المحبوب، اي أنّه لن يري غير ذلك الهدف و لن يسمع غير ذلك الكلام. و ليس خفيّاً علی أرباب الملل و النحل، و لا مُبهماً علی المطّلعين علی السيرة و التاريخ، أنّ غصب مقام الخلافة من ءال بيت الرسول صلي الله علیه و ءاله لم يكن له من داعٍ الاّ حبّ الحكومة و الترؤّس علی المسلمين، و الاّ بروز النزعة الشخصيّة، لذا فان جميع هذه الاحاديث و النصوص لن تجدي شيئاً مع وجود تلك الغريزة المهلكة، فستدفع بها جميعاً ـ عندما تريد نيل هدفها ـ إلی طوفان البلاء ليجرفها أشبه بقشّة و أعشاب يابسة، و لا تتورّع عن مواجهتها لهدفها عن محاربة أهل البيت، أو عن إحراق باب بيت بضعة رسول الله، أو عن اقتياد مقام الولاية و جرّه إلی المسجد قسراً، ثمّ السعي بحدّ السيف المُشرع للإدّعاء بتسليمه و خضوعه مقابل هذه التعدّيات. و هذه مسألة يجب التأمّل و التدقيق فيها، لانّ مقام العلم و إدراك الحقائق أمر، و مرحلة خضوع النفس و انقيادها إلی الحقّ أمر ءاخر منفصل عنه، و هكذا فانّ الكثير من الذين تردّوا في بئر الطبيعة و هاويتها لم يحصل ذلك لهم بجهلهم بطريق الصلاح، فما أكثر من امتلك منهم علماً كافياً فصار يميّز جيّداً بين القبيح و الحسن؛ ولكنهم أوقعوا أنفسهم عملاً ـبسيطرة القوي النفسيّة وعدم انقيادها لملكة العقل وبغلبة الغرائز الشهويّةـ في مثل تلك الاعمال القبيحة الذميمة. لذا فانّ دعوة الانبياء و الائمّة الاطهار مبنيّة علی إصلاح النفس والخضوع و الانقياد أمام الحق، قال الله العلی الاعلی: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّب'هَا * وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّب'هَا [328]. إعتراف عُمر بمقام أميرالمؤمنين في روايات أهل السّنَةلقد كان عُمر يعلم جيداً بمقام و منزلة و شخصيّة المولي أميرالمؤمنين، فهناك روايات كثيرة وردت عن أهل السنّة يعترف فيها بنفسه بذلك، و ينقل بشأنها الاحاديث عن رسول الله، و لكن ـ و كما ذُكر ـ فانّ اتّباع الحقّ يستلزم طهارة النفس و صفاء الباطن و الانقياد، وأين هذا؟ يقول العلاّمة الاميني: أخرج الحافظ الدار قطني و ابن عساكر: انّ رجلين أتيا عمر بن الخطاب و سألاه عن طلاق الامَة، فقام معهما فمشي حتّي أتي حلقة في المسجد فيها رجلٌ أصلع فقال: أيّها الاصلع ما تري في طلاق الامَة؟! فرفع رأسه إلیه ثم اوحي إلیه بالسبّابة و الوسطي، فقال لهما عمر: تطليقتان. فقال أحدهما: سُبحان الله، جئناك و أنت أميرالمؤمنين فمشيتَ معنا حتّي وقفتَ علی هذا الرجل فسألتَه فرضيتَ منه أن أومي إلیك. فقال لهما: تدريان مَن هذا؟ قالا: لا. قال: هذا علی بن أبي طالب، أُشهِدُ علی رَسُولِ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم لَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالاَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَا فِي كَفَّةٍ ثُمَّ وُضِعَ إيمَانُ علی فِي كَفَّةٍ لَرَجَحَ إِيمَانُ علی بنِ أَبِي طالِبٍ[329]. ثمّ يقول العلاّمة الاميني: و في لفظ الزمخشري: جئناك و أنت الخليفة فجئتَ إلی رجل فسألتَه، فوالله ما كلّمتُكَ. فقال له عمر: ويلك أتدري من هذا؟ الحديث. و نقله عن الحافظين: الدار قطني و ابن عساكر: الكبخي في (الكفاية) ص 129 و قال: هذا حسنٌ ثابت. و رواه من طريق الزمخشري خطيب الحرمين الخوارزمي في (المناقب)، ص 78، و السيّد علی الهمداني في (مودّة القربي)، و حديث الميزان[330]. رواه عن عمر محبّ الدين الطبري في (الرياض)، ص 244، والصفوري في (نزهة المجالس)، ج 2، ص 240. بسم الله الرّحمن الرّحيم و صلّي اللهُ علی محمّد و ءاله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين و لا حول و لا قوّة الاّ بالله العلی العظيم قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: أَفَمَنْ يَهْدِي´ إلی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبِعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي´ إلاَّ أَن يُهْدَي' فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[331]. جري البحث في الفصل السابق مفصّلاً حول هذه الاية المباركة، وكانت النتيجة انّ الهادي إلی الحقّ يجب حتماً أن تكون هدايته بنفسه لا بغيره، و أنّ مَن كان مِن أهل الشرك و المعصية و من اهتدي بغيره لا يمكن ان يكون إماماً و لا يمكنه هداية الناس إلی الحقّ، و يلزم هنا ذكر نكات عدّة: الاولي: انّ المراد بالحقّ في الاية الشريفة المعني الحقيقي و ليس معني الحقّ المبني بنحوٍ ما علی التساهلات العرفيّة في ألسنة الناس، كما يُشاهد انّهم ينسبون الهداية للحقّ لكلّ من يتكلّم بالحقّ، حتي لو كان معتقداً بذلك أو غير معتقد، و سواءً عمل بذلك الاّ انّ نفسه لم تتحقّق به أو لم يعمل، و سواءً اهتدي بنفسه أم لم يهتدِ. فهذه بأجمعها ليست هدايةً للحقّ، بل انّها تدعي هداية إلی الحقّ من باب المسامحات العرفيّة، فالهداية إلی متن الحقّ هي الوصول إلی متن الواقع، و هي فقط لله وللواصلين إلیه سُبحانه دون واسطة الغير. الثانية: انّ المراد بالهداية إلی الحقّ في هذه الاية، هو الإيصال إلی المطلوب، لا بمعني إراءة الطريق إلی الله، لانّ من البديهي انّ إراءة الطريق أمرٌ سهل ممكن لكلّ شخص، سواءً كان إماماً أم لم يكن، و سواءً اهتدي بنفسه أم بغيره، و سواءً كان ضالاّ غير مهتد أصلاً؛ فالهداية بمعني إراءة الطريق ستكون علی كلّ حال أمراً ممكناً لهم، ولكنّ الإيصال إلی متن الواقع و الحقّ و كمال كلّ موجود أمرٌ مختصٌ بالمهتدين بأنفسهم و الهادين إلی الحقّ. الثالثة: انّ المراد بجملة (لا يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَي) هو الذي لم يهتدِ بنفسه، و هو أعمّ من غير المهتدي أصلاً، أو المهتدي بالغير، و الدليل علی عموميّتها أنّ جملة (إلاّ أن يُهْدَي) و هي استثناء من جملة (لاَ يَهِدِّي) جاءت مع (أَنْ المصدريّة). و هذه الجملة لا تدلّ علی تحقّق الوقوع، خلافاً للمصدر المضاف. و هناك فرق بين أن نقول (أعجبني ضربُك) أو أن نقول (أعجبني أن تضرب)، فالإعجاب من نفس الضرب في الصورة الاولي متحقّق في الخارج، بينما الإعجاب في الصورة الثانية من إمكان تحقّق الضرب، و قد نصّ علی هذا المطلب الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في (دلائل الإعجاز). و علی ذلك فانّ جملة (إِلاَّ أَن يُهْدَي) لا تعني كونه الان مهتدياً بالغير، بل تعني انّه (ولو أمكن أن تصل الهداية ا ليه من الغير). و من الواضح انّ الهداية من الغير ستكون في حال قبول الهداية، و امّا اذا كان غير قابل للهداية فانّ الهداية من الغير لن تصل إلیه، و لذلك فانّ جملة (لاَ يَهِدِّي) باقية علی عمومها و سيكون معناها: لم يهتدِ بنفسه، سواءً لم يجد الهداية أو كان قابلاً للهداية فاهتدي بغيره. الإمام يجب ان يكون مهتدياً بالحقّ و في ذلك شروط ثلاثة:و عموماً فانّ الإمام هو الذي يكون مهتدياً إلی الحقّ ذاتيّاً، و ليس من فئة من الفئتين اللتين مرّ ذكرهما، و علی هذا فانّ الإمام هو المصون من الضلالة و المعصية، اي انّه أوّلاً لا يخطأ في تلقّي المعارف الالهيّة والإلهامات الرحمانيّة، و انّ متن الواقع ينعكس في قلبه دون اضطراب أو تدخّل النفس التي تغيّره إلی صورة أخري و تفسّره علی نحوٍ ءاخر. و ثانياً: انّ الامام هو الذي يقوم ـ في ابلاغ الاحكام و هداية الناس من جانب الباطن والظاهر ـ بتحريكهم علی طريق مستقيم لا عوج فيه. و ثالثاً: أن لايكون الإمام نفسه مبتلياً بالمعصية و ظلم النفس، و قد استفدنا هذه المعاني من جملتي (وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ ' تِ) [332]. و يستفاد أيضاً من الاية الخاصّة بابراهيم و التي سأل فيها الإمامة لذريّته، أنّ الإمامة لا ينالها الظالم، لانّ تعبير الظالم ورد في الاية بشكل مُطلق: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـ'لِمِينَ [333]، أي انّ عهدي لاينال ظالماً و لو كان ظلمهُ محدوداً؛ و علی العكس فانّ عهدي ينال اولئك الذين ليسوا ظالمين علی نحوٍ مطلق، و هذا هو عين العصمة. انّ الإمام هو الذي لم يرتكب طوال عمره أي ذنب، امّا من ارتكب الذنب الصغير أحياناً، أو من بدر منه ظلمٌ أو شرك ثم تاب منه فامّحي أثر ذلك الذنب، فانّه لا يكون إماماً. يقول العلاّمة الطباطبائي (مُدّ ظلّه العإلی)[334] في تفسير هذه الاية الشريفة: و قد سُئل بعض أساتيدنا رحمة الله علیه عن تقريب دلالة الاية علی عصمة الإمام، فأجاب: إنّ الناس بحسب القسمة العقليّة علی أربعة أقسام: مَن كان ظالماً في جميع عمره، و من لم يكن ظالماً في جميع عمره، و من هو ظالم في أوّل عمره دون ءاخره، و من هو بالعكس من هذا. وإبراهيم علیه السلام أجلّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الاولّ والرابع من ذريّته، فبقي قسمان و قد نفي الله أحدهما، و هو الذي يكون ظالماً في أوّل عمره دون ءاخره، فبقي الاخر، و هو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره، و هذا هو معني العصمة.[335] و [336] سبع مسائل من أُمّهات مسائل الإمامةو إجمالاً فانّ كلّ ما استدللنا علیه من ءايات القرءان هو سبع مسائل من أهم مسائل الإمامة التي تقول بها الشيعة و تصرّ علیها و التي تمثّل الحدّ الفاصل بينهم و بين أهل السنّة (الذين لا يعتبرون أيّاً منها شرطاً للإمامة). المسألة الاولي: الإمامة غير قابلة للانتخاب:المسألة الاولي: انّ الإمامة ليست قابلة للاختيار و الانتخاب، بل هي مجعولة بجعلٍ الهيّ يُعلن للناس من قبل النبّي او الإمام السابق، او باتّضاح الإمام نفسه للناس بواسطة النصوص و المعجزات، لانّه أولاً ـ و كما قلنا ـ فانّ الله سبحانه و تعإلی يعرّف هذا المنصب في القرءان الكريم بعنوان (الجعل و التنصيب الالهيّ)، حيث ورد: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [337]. و يقول أيضاً: وَ جَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [338]. و يقول أيضاً: وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ ' تِ [339]. و في جميع هذه الايات التي ذكرت منصب الإمامة، فانّها أوردت عنوان الجعل الالهيّ. ثانياً: انّ الإمامة قوّة الهيّة فينفس الإمام يحصل بواسطتها علی الاطّلاع علی ملكوت و نفوس الاشياء و يسيطر علیها، كما هو مستفاد من جملة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، فمن كانت فيه هذه القوّة كان هو الإمام، و من خلا منها لم يكن إماماً. و لا دخل للاختيار و الانتخاب في هذا الامر، ليس لجهة قولنا انّ الناس باعتبار جهلهم بالملكوت و بمقام العصمة لا يمكنهم معرفة الامام، ولذا فانّ انتخابهم و اختيارهم ليس صحيحاً، بل اننا لو فرضنا انّ جميع الناس صار لهم اطّلاع علی ملكوت الاشياء و روحها، و انّ الله قد أعطاهم نوراً يمكنهم به تشخيص مقام العصمة، فانّ الإمامة ـ مع ذلك ـ لن تكون قابلة للانتخاب، لانها ـ و كما قلنا سابقاً - ملكة الهيّة و قوّة قدسيّة موجودة في نفس الإمام، و ليس هناك من معني للقول بأنّ الانسان ينتخب موجوداً خارجياً، فالموجود الخارجي موجود و لا يحتاج إلی انتخاب الانسان ليوجد. أمن الصحيح أن نقول للعالِم الذي صارت لديه مَلَكة استنباط الاحكام: انّنا ننتخب اجتهادك؟ أو نقول للبطل الفائز في المسابقات والذي وصلت القدرة في بدنه إلی الفعلیة: انّنا ننتخب قوّتك؟ أو نقول لحافظ القرءان الكريم: انّنا ننتخب حفظك؟! كلاّ بالطبع، فهذا الكلام ليس صحيحاً أبداً. انّ الانتخاب يحصل في الامور الاعتباريّة التي دورانها بيد الاعتبار والانتخاب، و التي توجد بواسطة الانتخاب و تفني بعدمه. امّا في الامور التكوينيّة و الواقعيّة التي وجدت قبل مرحلة الانتخاب و امتلكت وجودها، فانّ الانتخاب ليس له مجال فيها أبداً. المسألة الثانية: انّ الامام يجب أن يكون معصوماً حتماً:المسألة الثانية: انّ الإمام يجب حتماً ان يكون معصوماً بعصمة الباري جلّ و عزّ، و قد استنتجنا بعض الاستنتاجات في هذا الباب من ءايات: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـ'لِمِينَ. و جملة: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا و جملة: وَأَوْحَيْنَا إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيرَاتِ؛ و أصبح معلوماً أنّ الإمام حينما عبر جميع مراحل النفس و تحقّق بوجود حضرة الحقّ، و تحكّمت في وجوده إرادة و مشيئة الحقّ دون تدخّل النفس الامّارة، و صار فعله نفس وحي الله، لذا فانّ ذلك الإمام معصوم و منزّه عن كلّ دنس نفسي، و هذا هو معني العصمة. كما اننا استفدنا المصونيّة و العصمة من ءاية: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [340]. بحيث أوضحت الايات القرءانيّة هذه الحقيقة بشكل كامل. المسألة الثالثة: انّ الإمام يجب ان يكون مؤيّداً من قبل الله تعإلی:المسألة الثالثة: ان الامام يجب ان يكون مؤيّداً من عندالله، أي انّ علومه و إدراكاته تحصل في نفسه بواسطة إلیقين و الإلهامات الغيبيّة، ويكون الله هو المتكفّل بأموره، و قد أستفيد هذا الامر من جملة: وَ أَوْحَيْنَا إلیهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [341]، و جملة: لَمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بِأيَـ'تِنَا يُوقِنُونَ [342]، و جملة: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا[343]، لأنّ الإمامة تستلزم امتلاك مقام إلیقين، و مقام إلیقين كما ذُكر ليس ميسوراً دون انكشاف الملكوت و حقيقة الاشياء و بناءً علی هذا فانّ الله سبحانه و تعإلی يؤيّده كلّ لحظة بانكشاف الملكوت و الهداية بأمر الله. المسألة الرابعة: انّ الارض لاتخلو من حجّة أبداً:المسألة الرابعة: انّ الارض و جميع الافراد الذين يعيشون علیها لهم إمام في كلّ زمان، و لا يمكن أن تخلو الارض عن حجّة الله أبداً، و قد استفيد هذا الامر أيضاً من ءاية: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ[344]، لان الله سبحانه و تعإلی يدعو جميع أفراد بني ءادم إلی الحشر يوم القيامة بإمامهم، فلا يوجد فردٌ من البشر إلاّ و له إمام، و لا يوجد فردٌ علی الارض بدون إمام، كما انّه ورد في روايات كثيرة انّه لو لم يبقَ علی الارض الاّ نفرين، لكان أحدهما إماماً للاخر، و لو لم يوجد الاّ شخص واحد لوجب أن يكون الإمام نفسه. المسألة الخامسة: علم الإمام المحيط بأعمال الامّة:المسألة الخامسة: انّ الامام يعلم بجميع أعمال و أقوال و سيرة وملكات عباد الله، و ليس هناك علمٌ غائب أو مخفٍ عن نظر الإمام، و قد بيّنت الابحاث السابقة هذا المعني في هذا الامر استناداً إلی الايات القرءانيّة، لانّ الامام له سيطرة علی نفوس و ملكوت الموجودات، و مع هذه الملكة فانّ جميع الارواح و النفوس و روح الاعمال ستكون في مشهد الإمام و في حضور الولاية، كما انّ موجودات عالم الطبيعة مشهودة عند الشخص البصير و غائبة عند الاعمي. و بالرغم من أنّ ملكوت كثير من الاعمال و الاقوال و النفوس سينكشف لدي الافراد الذين لم يصلوا بعدُ إلی مرحلة الإمامة، و بالرغم من انّ هذا المعني سيتّضح لديهم اثر التقوي و العبادة و مخالفة النفس الامّارة ومجاهدتها، الاّ انّهم لن يمتلكوا السيطرة الكليّة علی جميع الارواح والنفوس أو هداية كلّ منهما إلی كماله، كلاّ حسب دوره و بقدر ظرفيّته، لكنّ هذه الدرجة من البصيرة هي بصيرة القلب التي لا توجد لدي الاخرين، الاّ ان هذه البصيرة و الرؤية قويّة و نافذة لدي الإمام بحيث لا يخفي عنه شيء من الملكوت في كلّ ءان و في أيّ مكان. المسألة السادسة: علم الإمام بحاجات العباد:المسألة السادسة: انّ الإمام يعلم جميع الامور التي يحتاجها العباد في معاشهم أو معادهم، لانّه ـ و حسب الفرض ـ فانّ الإمام يهدي النفوس إلی الحقّ من ملكوتها، و يوصلها إلی كمالها، فكيف يمكن أن يكون نفسه جاهلاً بما يحتاجه العباد في أمور تكاملهم؟ و هذه الخاصيّة تتّضح أيضاً من الاية القرءانية: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، و من أفضليّة مقام الإمامة علی النبوّة حسب مفاد خطاب حضرة الحقّ لإبراهيم الخليل. و علاوةً علی ذلك، فلان فعل الإمام و قوله منطبق علی الحقّ بتمام معني الكلمة، و لانّ الإمام قد خطا في مقام العبوديّة و التقرّب إلی مرحلةٍ بعيدة بحيث انّ الله نفسه سيكون هو الامر و الناهي في وجوده، و سيكون فعل الإمام هو عين وحي الله، فكما انّ مايحتاجه العباد ليس خافياً علی الله، فانّه لن يكون خافياً علی الإمام الذي هو المجلي الاتمّ و المجري الكامل لإفاضات الحضرة الاحديّة إلی الموجودات، و هذا الامر ليس خافياً علی الامام، بل انّ علم الامام هو عين علم الله تعإلی، و ليس هناك أي تفاوت في أصل المعني. المسألة السابعة: أفضليّة الإمام علی أفراد البشر في الكمالات النفسانيّة:المسألة السابعة: انّ الامام هو أعلی من جميع أفراد البشر من حيث الفضائل النفسانيّة و الملكات الالهيّة، و من المستحيل أن يكون هناك شخص أفضل من الإمام في محاسن الاخلاق و الملكات الانسانيّة، لانّه ـوكما فرضنا ـ فانّ الطريق إلی الله عن طريق ملكات و صفات النفس. ولانّ الامام أعلی و أرفع من سائر الافراد في هذه المرحلة، لذا فانّه يهديهم عن طريق الملكوت إلی الحقّ، و اذا ما وجد في هذه الحالة شخصان أحدهما يفوق الاخر في هذا المعني، فانّ الشخص المتفوّق سيكون حتماً إماماً للآخر، لأنّ الذي أفق ملكوته و نفسه أنور و أكثر مضاءً و بصيرة سيستطيع أن يدعو إلی منزله و محلّه الشخص الاخر الذي ليس في مستوي أفقه، و في هذه الحالة فانّه سيكون هو الإمام، خلافاً للشخص الضعيف الذي لن يستطع تحريك القوي أو تحمّل ثقله. و هذه المسائل السبع هي من أصول مسائل الإمامة، و سائر المسائل الاخري متفرّعة عنها. أفضليّة أميرالمؤمنين في جميع الفضائل النفسيّة:امّا في أفضليّة علی بن أبي طالب أميرالمؤمنين علیه الصلاة و السلام علی جميع أفراد البشر عدا خاتم الانبياء، فليس فيه مجال للشبهة و الشكّ، و هذه الحقيقة يعترف بها العدوّ و الصديق. و بغضّ النظر عن الظهورات التي صدرت عنه علیه السلام خلال ثلاث و عشرين سنة في حياة رسول الله، و خلال ثلاثين سنة بعد رحلته في فنون العلوم المختلفة، و في حلّ المسائل الرياضيّة الغامضة، و القضاء بالحقّ، و في علوّ النفس و الهمّة والإيثار، و الاتّصال بحرم الله و الإنجذاب بالجذبات الالهيّة، و في إدراك الحقائق و المعارف الكليّة المعنوية الإلهيّة و عبور جميع مراحل النفس وءاثارها، و في السبق إلی الاسلام و الهجرة و الجهاد. و بغضّ النظر عن الاحاديث التي رويت عن رسول الله و التي تُثبت أفضليّته علیه السلام بالمعني الضمني او الالتزامي، مثل حديث: أَنتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي، و حديث: إِنَّ علیاً وَزِيرِي، وَ وَصِيّي، وَوَارِثِي، وَأَخِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ مِنْ بَعْدِي، وَ إنِّ علیاً أَمِيرُالمؤمِنِينَ، وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ، وَ يَعْسُوبُ الْمُؤمِنِينَ، وَ قَائِدُ الغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَ هُوَ الصِّدِّيقُ الاكْبَرُ، وَالْفَارُوقُ الاَكْبَرُ، وَ عَالِمُ هَذِهِ الاُمَّةِ، وَ ذُو قَرْنِهَا. و بغض النظر عن حديث: أَنَا مَدِيَنَةُ الْعِلْمِ وَ علیٌّ بَابُهَا، و الاحاديث الاخري في علمه علیه السلام. وبغض النظر عن الاحاديث التي وردت مستفيضة في الدلالة علی أنّه علیه السلام له حكم نفس رسول الله، و عن الاحاديث التي تُشير إلی انّه علیه السلام كان يمتلك فضائل خاصّة به، مع ان كلاّ منها يدلّ بمفرده علی علی أفضليّته علیه السلام علی سائر الامّة. لو غضضنا الطرف عن هذا كلّه، فانّ هناك روايات كثيرة وردت عن رسول الله صلّي الله علیه و ءاله عن طريق أهل البيت و شيعتهم و عن طريق العامّة أيضاً تدلّل علی أفضليّته علی الامّة، بل علی جميع أفراد البشر، بل علی الانبياء و المرسلين، و هذه الاحاديث تدلّ بالمعني المطابقي علی أفضليّة ذلك الإمام المعصوم. روايات «علی خَيْرُ البَشَرِ»يروي الشيخ حافظ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي عن كتاب (مودّة القربي) تإلیف السيد علی الشافعي عن عطاء قال: سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ علیٍّ، قالتَ: ذَلِكَ خَيْرُ الْبَشَرِ لاَ يَشُكُّ إلاَّ كَافِرٌ [345]. و يروي عن أميرالمؤمنين علیه السلام قال: قال رسول الله: يَا علی أَنتَ خَيْرُ الْبَشَرِ، مَا شَكَّ فِيهِ إلاَّ كَافِرٌ [346]. و يروي عن حذيفة انّه قال: علی خَيرُ الْبَشَرِ وَ مَنْ أَبَي فَقَدْ كَفَرَ [347]. و يروي عن جابر بن عبدالله الانصاري انّ رسولَ اللهِ قَالَ: علی خَيرُ الْبَشَرِ، مَن شَكَّ فِيهِ فَقَدْ كَفَرَ[348]. كما يروي عن أمّ هاني بنت أبي طالب و أخت أميرالمؤمنين علیه السلام انَّ رسولَ اللهِ قال: أَفْضَلُ الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَهِ مَنْ نَامَ فِي قَبْرِهِ، وَ لَمْ يَشُكَّ فِي علی وَ ذُرِّيَتِهِ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[349]. و روي عن الإمام محمّد بن علی الباقر، عن ءابائه علیهم السلام قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلّي الله علیه و ءاله عَنْ خَيرِ النَّاسِ؛ فَقَالَ: خَيْرُهَا، وَأَتْقَاهَا، وَ أَفْضَلُهَا، وَ أَقْرَبُهَا إلی الْجَنَّةِ أَقْرَبُهَا مِنِيّ، وَ لاَ أَتْقَي وَ لاَ أَقْرَبَ إلی مِنْ علی بنِ أَبِي طَالِبٍ[350]. الروايات المعراجيّة الدالّة علی ولاية أميرالمؤمنين:و يروي عن أميرالمؤمنين علیه السلام انّه قال: قالَ رسولُ الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: إِنِّي رَأَيْتُ اسْمَكَ مَقْرُونَاً بِاسْمِي فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فِي مِعْرَاجِي إلی السَّمَاءِ، وَجَدْتُ علی صَخْرَةٍ بِهَا: لاَ إلَـ'هَ اِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، أَيَّدْتُهُ بِعلی وَزِيرِهِ، وَ لَمَّا انْتَهَيْتُ إلی سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي وَجَدْتُ علیهَا: إِنَّي أَنَا اللَهُ، لاَ إلَـ'هَ إلاَّ أَنَا وَحْدِي، مُحَمَّدٌ صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي، أَيَّدْتُهُ بِعلی وَزِيرِهِ، وَ نَصَرْتُهُ بِهِ، وَ لَمَّا انتَهَيْتُ إلی عَرشِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَوَجَْدُتُ مَكْتُوبَاً علی قَوَائِمِهِ: إِنِّي أَنَا اللَهُ، لاَ إلَـ'هَ إلاَّ أَنَا، مُحَمَّدٌ حَبِيبِي مِنْ خَلْقِي، أَيَّدْتُهُ بِعلی وَزِيرِهِ، وَنَصَرْتُهُ بِهِ، فَلَمَّا وَصَلْتُ الْجَنَّةَ وَجَدْتُ مَكْتُوبَاً علی بَابِ الْجَنَّةِ: لاَ إلَـ'هَ إلاَّ أَنَا، وَ مُحَمَّدٌ حَبِيبِي مِنْ خَلْقِي، أَيَّدتُهُ بِعلی وَزِيرِهِ، وَ نَصَرْتُهُ بِهِ [351]. بيانات جبرئيل في هيئة دحية في الولاية:يروي الخوارزمي أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد باسناده المتّصل عن الاعمش عن سيعدبن جبير، عن ابن عبّاس قال: كان رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم في بيته، فغدا علیه علی بن أبي طالب كرّم الله وجهه بالغداة أن لا يسبقه إلیه أحد، فدخل فإذا النبيّ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم في صحن الدار، فاذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي، فقال: السلام علیك كيف أصبح رسول الله؟ قال: بخير يا أخا رسول الله. فقال علی: جَزَاكَ اللَهُ عَنَّا خَيْرَاً أَهْلَ الْبَيتِ. فقال له دحية: إنّي لاحبّك، و انّ لك عندي مدحة ازفّها لك، أَنتَ أمِيرُالمُؤمِنِينَ، وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، أَنتَ سَيِّدُ وُلْدِ ءَادَمَ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ مَا خَلاَ النَّبِيّينَ وَ الْمُرسَلِينَ، لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِكَ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ، تُزَفُّ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ إلی الْجَنَّةِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَ حِزْبِهِ إلی الْجِنَانِ زَفَّاً، وَ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَوَلاَّكَ وَخَسِرَ مَنْ تَخَلاَّكَ، فَبَحُبِّ مُحَمَّدٍ حَبُّوكَ، وَ مُبْغِضُوكَ لَنْ تَنَالُهُمْ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم؛ ادْنُ مِنِّي صفوةَ اللهِ! فأخذ رأس النبيّ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم فوضعه في حجره، فقال النبيّ صلّي الله علیه ] وءاله [ و سلّم: ما هذه الهمهمة؟ فقال علی بما جري. فقال: يا علی، لم يكن دحية، ولكن كان جبرائيل، و سمّاك بإسم سمّاك الله به، فهو الذي ألقي محبتّك في صدور المؤمنين، و رهبتك في صدور الكافرين [352]. ارجاعات [304] ـ صدر الاية 0 3 ، من السورة 76 : الإنسان . [305] ـ صدر الاية 16 ، من السورة 0 4 : غافر . [306] ـ ذيل الاية 48 ، من السورة 14 : ابراهيم . [307] ـ ذيل الاية 165 ، من السورة 2 : البقرة . [308] ـ الاية 58 ، من السورة 51 : الذاريات . [309] ـ صدر الاية 36 ، من السورة 45 : الجاثية . [310] ـ صدر الاية 255 ، من السورة 2 : البقرة . [311] ـ صدر الاية 255 ، من السورة 2 : البقرة . [312] ـ ذيل الاية 1 ، من السورة 17 : الإسراء . [313] ـ ذيل الاية 6 ، من السورة 44 : الدخان . [314] ـ ذيل الاية 35 ، من السورة 0 1 : يونس . [315] ـ صدر الاية 35 ، من السورة 0 1 : يونس . [316] ـ الاية 0 5 ، من السورة 0 2 : طه . [317] ـ الاية 2 و 3 ، من السورة 87 : الاعلی . [318] ـ (تفسير الميزان) ، ج 1 ، ص 282 . [319] ـ (غاية المرام) ، ص 539 و ص 0 54 . [320] ـ يقول الزمخشري : استأذن أبو ثابت مولي علی ... الخ . [321] ـ وينقل هذه الروايات الثلاثة في (ينابيع المودّة) ، ص 0 9 بأدني اختلاف في اللفظ. [322] ـ يروي (ينابيع المودّة) ص 0 9 عن جمع الفوائد معيّة علی للقرءان و عدم افتراقهما حتّي يردا الحوض ثم يقول : للاوسط و الصغير . [323] ـ و يذكر هذه الرواية أيضاً في (ينابيع المودّة) ، ص 91 . [324] ـ الظّاهر انّه (أنس) . [325] ـ روي هذه الرواية في (ينابيع المودّة) ، ص 82 عن (الإصابة) بأدني تغيير ، ويقول: و في كتاب (الإصابة) ، أبو ليلي الغفاري قال : سمعتُ رسول الله صلّي الله علیه ] وءاله [ وسلّم يقول : تكون من بعدي فتنة ، فاذا كان ذلك فالزموا علی بن أبي طالب ، فانّه أوّل من ءامنبي، و أوّل من يصافحني يوم القي'مة ، و هو الصدّيق الاكبر ، و هو فاروق هذه الامّة ، و هو يعسوب المؤمنين ، و المال يعسوب المنافقين . [326] ـ (غاية المرام) ، ص 541 ؛ و قد أورد في كتاب (علی و الوصيّة) من ص 61 الی 65 أحاديثاً باسناد مختلفة في معيّة أميرالمؤمنين للحقّ و القرءان . [327] ـ روي المسعودي هذا الحديث في (مروج الذهب) ، ج 2 ، ص 2 0 3 . [328] ـ الاية 9 و 0 1 ، من السورة 91 : الشمس . [329] ـ (الغدير) ، ج 2 ، ص 299 . [330] ـ يعني ذيل الحديث اعلاه ، اي جملة : لو انّ السموات السّبع ... الخ . [331] ـ ذيل الاية 35 ، من السورة 0 1 : يونس . [332] ـ صدر الاية 73 ، من السورة 21 : الانبياء . [333] ـ ذيل الاية 124 ، من السورة 2 : البقرة . [334] ـ الكتاب مؤلّف في حياة العلاّمة الطباطبائي قُدّس سرّه ، و ءاثرنا الابقاء علی تعبير المؤلّف (م) . [335] ـ (الميزان) ، ج 1 ، ص 277 . [336] ـ و يورد القاضي نور الله نظير هذا الاستدلال بتقريب ءاخر في (إحقاق الحقّ) ، ج 2 ، ص 396 . [337] ـ بعض الاية 124 ، من السورة 2 : البقرة . [338] ـ صدر الاية 24 ، من السورة 32 : السجدة . [339] ـ صدر الاية 73 ، من السورة 21 : الانبياء . [340] ـ صدر الاية 73 ، من السورة 21 : الانبياء . [341] ـ صدر الاية 73 ، من السورة 21 : الانبياء . [342] ـ ذيل الاية 24 ، من السورة 32 : السجدة . [343] ـ مقطع من الاية 24 ، من السورة 32 : السجدة . [344] ـ صدر الاية 71 ، من السورة 17 : الإسراء . [345] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 246 . [346] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 246 . [347] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 246 . [348] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 247 . [349] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 247 . [350] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 247 . [351] ـ (ينابيع المودّة) ، ص 256 ، و (الغدير) ، ج 2 ، ص 51 نقلاً عن (مودّة القربي) . |
|
|