بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثانی عشر / القسم الاول: اختصاص علم الغیب بالله، الاولیاء و علم الغیب

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع إلی المجلد الحادی عشر

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلي‌ّ العظيم‌

 

اختصاص‌ الله‌ تعالي‌ بعلم‌ الغيب‌ وإظهار الرسل‌ عليه‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ و يَسْلُكُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن‌ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لَـ'تِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي‌' كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا.[1]

 يخبرنا صدر الآية‌ أنّ الله‌ تعالي‌ وحده‌ عالم‌ الغيب‌، بل‌ عالم‌ بجميع‌ أنواع‌ الغيب‌. بخاصّـة‌ أ نّه‌ جعل‌ الاسـم‌ الظاهـر الغيب‌ مكان‌ الضمير، فلم‌يقل‌: فَلاَيُظْهِرُ عَلَيْهِ، بل‌ قال‌: فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ. وهذا المعني‌ ملحوظ‌ في‌ الآية‌ المذكورة‌. ثمّ قال‌: إنّه‌ يُطْلع‌ علی غيبه‌ كلّ من‌ ارتضاه‌ من‌ أنبيائه‌ ورسله‌ إلی خلقه‌، ويمكّنه‌ من‌ عالم‌ الغيب‌ ويرفع‌ الحجاب‌ عن‌ بصره‌. فهو تعالي‌ يلهمه‌ من‌ غيبه‌ شيئاً.

 وعندما يرفع‌ الله‌ عنهم‌ الحجاب‌ ويظهر رسله‌ علی الغيب‌، فإنّه‌ يجعل‌ عليهم‌ فريقين‌ من‌ الرصد والمراقبين‌:

 الاوّل‌: فريق‌ من‌ الملائكة‌ يجعلهم‌ بين‌ أيديهم‌ بعد الوقوف‌ علی الغيب‌ كي‌ لاتوسوس‌ لهم‌ الشياطين‌ في‌ أداء تلك‌ المهمّة‌ وإبلاغ‌ ذلك‌ العلم‌ للناس‌، ولاتكدّر ذلك‌ العلم‌ الصافي‌ الخالص‌ بالهواجس‌ النفسانيّة‌ والاهواء الشيطانيّة‌.

 الثاني‌: فريق‌ من‌ الرصد المحافظين‌ يجعلهم‌ بين‌ مصدر الوحي‌ والتنزيل‌ وبينهم‌ من‌ خلفهم‌ قبل‌ الوقوف‌ علی الغيب‌ ليظلّ الوحي‌ مصوناً من‌ تدخّل‌ مخلوقات‌ العالم‌ العلويّ خلال‌ سيره‌ النزوليّ في‌ عوالمه‌ إلی أن‌ يصل‌ إلی قلب‌ الرسول‌. ويتكوّن‌ هذا الفريق‌ من‌ ملائكة‌ هم‌ شركاء في‌ إنزال‌ الوحي‌ وسيره‌ في‌ مراتبه‌ ودرجاته‌ حتّي‌ يُبَلّغ‌ به‌ الرسول‌.

 إنّ الهدف‌ من‌ جميع‌ هذا المراقبات‌ والمراقبين‌ هو أن‌ يتحقّق‌ إبلاغ‌ رسالات‌ أُولئك‌ الرسل‌ بنحو صائب‌ صحيح‌، إذ إنّ من‌ الواضح‌ أنّ قوله‌: لِيَعْلَمَ أَن‌ قَدْ أَبْلَغُوا يُشعِر بعلم‌ الله‌ الفعليّ لا علمه‌ الذاتي‌ّ. والعلم‌ الفعلي‌ّ هو نفـس‌ تحقّق‌ الاُمـور الخارجيّة‌، وعين‌ الواقعيّة‌ والحقيقة‌ في‌ الخارج‌، وليس‌منفصلاً عن‌ نفس‌ التحقّق‌ الخارجي‌ّ، لانّ علم‌ الله‌ بالموجودات‌ ليس‌حصوليّاً، بل‌ حضوريّاً محضاً. ومعني‌ العلم‌ الحضوري‌ّ هو وجود المعلوم‌ وتحقّقه‌ عند العالم‌ به‌. وعلي‌ هذا، فمعني‌ لِيَعْلَمَ: لِيَتَحقَّقَ. أي‌: أنّ حضور هذين‌ الفريقين‌ من‌ الملائكة‌ أمام‌ الرسل‌ وخلفهم‌ هو للاطمئنان‌ علی تحقّق‌ إبلاغهم‌، إذ يبلّغون‌ الناس‌ ما يتلقّونه‌ من‌ الوحي‌.[2]

 إنّ هذا الاُسلوب‌ من‌ الإرسال‌ يشبه‌ أُسلوب‌ السلاطين‌ والحكّام‌ في‌ بعث‌ الرسائل‌ إلی ممثّليهم‌ ورسلهم‌ كي‌ يبلّغونها الناس‌. فهم‌ أوّلاً: يحافظون‌ علی رسالتهم‌ بواسطة‌ عدد من‌ الحرّاس‌ حتّي‌ تصل‌ إلی ذوي‌ العلاقة‌. وثانياً: يجعلون‌ الحرّاس‌ في‌ هذا المسير لاداء هذه‌ المهمّة‌ كي‌ لاتمتدّ إليها يد التغيير والتبديل‌ بعد وصولها، وقبل‌ إبلاغها للناس‌.

 ولمّا كان‌ ينبغي‌ في‌ القسم‌ الاوّل‌، أعني‌: إرسال‌ الله‌ علم‌ الغيب‌ إلی رسله‌، أن‌ لايظهر فيه‌ أي‌ّ تصرّف‌ وتبدّل‌، وكذلك‌ الامر في‌ القسم‌ الثاني‌ المتجسّد في‌ إبلاغ‌ الناس‌ علم‌ الرسل‌، إذ يجب‌ أن‌ لا يطرأ عليه‌ أي‌ّ تغيير أيضاً. فإنّ هذا يتوقّف‌ أوّلاً: علی تلقّي‌ الرسول‌ الوحي‌ والغيب‌ كما هو علی حقيقته‌. ثانياً: يحفظه‌ جيّداً بعد التلقّي‌ الصحيح‌. ثالثاً: يبلّغه‌ الناس‌ بلازيادة‌ ولانقصان‌ بعد التلقّي‌ الصحيح‌ والحفظ‌ الجيّد. ولابدّ من‌ توفّر هذه‌ المراحل‌ الثلاث‌ من‌ العصمة‌ في‌ الرسل‌. وهي‌ في‌ مرحلة‌ الامام‌، أو بتعبير القرآن‌ الكريم‌: مِن‌ بيْنِ يَدَيْهِ، مضافاً إلی العصمة‌ السابقة‌ ومرحلة‌ الخلف‌، أو بتعبير القرآن‌: مِنْ خَِلْفِهِ.

 يضاف‌ إلی ذلك‌، أنّ الآية‌ تخبرنا أنّ الله‌ قد أحصي‌ كلّ شي‌ء من‌ صغير وكبير، ومُلكيّ وملكوتيّ، ومادّيّ ومعنويّ، وطبعيّ وطبيعيّ ومثالي‌ّ. وهو عليم‌ بمقدار ذرّاتها وهويّتها. وهو خبير مطّلع‌ علی ما عند الرسل‌ من‌ الاُمور النفسيّة‌ والاعتقاديّة‌، والمنهاج‌ والسنّة‌، والمعارف‌ اليقينيّة‌ والعلوم‌ الغيبيّة‌، وما عند المرسَـل‌ إليهم‌ ـالناس‌ـ من‌ قابليّات‌ وإمكانيّات‌، ومواقع‌ اجتماعيّة‌، واستعدادات‌، أ نّه‌ خبير مطّلع‌ علی ذلك‌ كلّه‌. وعلي‌ هذا الاساس‌ جعل‌ وجودهم‌ مرضيّاً عنده‌، وأظهرهم‌ علی عوالم‌ غيبه‌ بمقدار رضاه‌ عنهم‌. وينبغي‌ التذكير هنا بعدد من‌ الاُمور:

 الاوّل‌: أنّ جميع‌ العلوم‌ ـ ومنها علم‌ الغيب ‌ـ مقصورة‌ علی الله‌ تعالي‌ ولاسبيل‌ لاحد إليها، إلاّ بالاستقلال‌ والاصالة‌. وأنّ كافّة‌ العلوم‌ التي‌ تفضّل‌ بها الله‌ علی غيره‌ إفاضة‌ منه‌ جلّ شأنه‌. وأنّ لكلّ كائن‌ من‌ الكائنات‌ بحسب‌ مستواه‌ علماً معيّناً، لكنّه‌ بالتبعيّة‌ وبإفاضة‌ الله‌ وإعطائه‌. وحينئذٍ لامنافاة‌ ولاتضارب‌ بين‌ الآيات‌ الكريمة‌ التي‌ تحصر علم‌ الغيب‌ بالله‌ كالآية‌:

 وَعِندَهُ و مَفاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي‌ الْبَْرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْـقُطُ مِن‌ وَرَقَـةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّـةٍ فِي‌ ظُلُمـ'تِ الاْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَيَابِسٍ إِلاَّ فِي‌ كِتَـ'بٍ مُّبِينٍ[3].

 والآية‌: قُل‌ لاَّ يَعْلَمُ مَن‌ فِي‌ السَّـمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.[4]

 والآية‌: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَهَ عَلَي‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [5] وبين‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ التي‌ تري‌ أنّ الرسل‌ يعلمون‌ الغيب‌، وتفتح‌ لهم‌ الطريق‌ إلی الغيب‌.

 وقد ورد مثل‌ هذا الاستقلال‌ والتبعيّة‌، إمّا ذاتيّ وعرضي‌ّ، أو أصلي‌ّ وظلّي‌ّ، كثيراً في‌ القرآن‌ الكيم‌ كالآية‌: اللَهُ يَتَوَفَّي‌ الاْنفُسَ [6] الدالّة‌ علی الحصر، مع‌ الآية‌: حَتَّي‌'´ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا.[7] وكالآية‌: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، [8] مع‌ الآية‌: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُوْمِنِينَ وَلَـ'كِنَّ الْمُنَـ'فِقِينَ لاَيَعْلَمُونَ. [9]

 وهذه‌ الآية‌ تجعل‌ العزّة‌ لرسول‌ الله‌ وللمؤمنين‌، مضافاً إلی الله‌ تعالي‌.

 وفي‌ ضوء ذلك‌، نجد أنّ علم‌ الغيب‌ أمر ضروريّ وحتميّ لرسل‌الله‌، ولايغاير اختصاصه‌ تعالي‌ به‌.

 الثاني‌: نلحظ‌ في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ ينفي‌ علمه‌ بالغيب‌ كما نقرأ في‌ الآية‌: قُل‌ لآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي‌ خَزَآنءِنُ اللَهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي‌ مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَي‌'´ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الاْعْمَي‌' وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ.[10]

 والآية‌: قُلْ لآ أَمْلِكُ لِنَفْسِي‌ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّو´ءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. [11]

 والآية‌: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي‌ مَا يُفْعَلُ بِي‌ وَلاَبِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَي‌'´ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. [12]

 هذه‌ الآيات‌ كلّها وما يماثلها تخبرنا أنّ رسول‌ الله‌ ينفي‌ علمه‌ بالغيب‌ استقلالاً لاتبعيّةً. أي‌: أنّ العلم‌ للّه‌ وحده‌، وأنا لم‌ آت‌ به‌ مستقلاّ من‌ عندي‌ كما لم‌يمنحنيه‌ الله‌ تفويضاً. أنا مرآة‌ وآية‌ من‌ علم‌ الله‌. وعلمه‌ الاستقلاليّ تقدّس‌ ذكره‌ ينحصر فيه‌، ويتجلّي‌ في‌ّ أنا المرآة‌، ولذلك‌ لا أعلم‌ الغيب‌، بل‌ لا أعلم‌ شيئاً. فجميع‌ علومي‌ من‌ الله‌، وقد تجلّت‌ فيّ بكلّ مقدارٍ أراده‌، وفي‌ كلّ زمان‌ شاءه‌. وإذا ما انطوي‌ زمانه‌، فهو يعود إليه‌. فالمصدر هو نفسه‌، والمبدأ هو عينه‌، والمنتهي‌ هو ذاته‌. وعلي‌ هذا فإنّي‌ لا أملك‌ علماً من‌ عندي‌، كما لا أملك‌ قدرة‌، ولا نفعاً، ولا ضرّاً، ولاموتاً، ولاحياة‌، ولانشوراً. فكلّ هذه‌ الصفات‌ للّه‌ وحده‌ لا يشاركه‌ فيها أحد، ومرجعها إلی الله‌. والعارية‌ في‌ هذه‌ الحياة‌ تُعطَي‌ كعارية‌، ثمّ تعود إلی أصلها.

 جاء في‌ سورة‌ الاعراف‌: قُلْ لآ أَمْلِكُ لِنَفْسِي‌ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَهُ. [13]

 وورد في‌ سورة‌ يونس‌: قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي‌ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَهُ. [14]

 الرجوع الي الفهرس

معرفة‌ الانبياء علم‌ الغيب‌ الإلهي‌ّ

 الثالث‌: لمّا كان‌ عموم‌ الآية‌ موضع‌ بحثنا المذكورة‌ في‌ مطلع‌ الكلام‌: عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحْدًا، قد تخصّصت‌ في‌ الرسل‌ المرضيّين‌ عند الله‌، وقد استُثني‌ هؤلاء الرسل‌ من‌ مفاد قوله‌: فَلاَيُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ بأداة‌ الاستثناء إلاَّ في‌ قوله‌: إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ، فلامانع‌ حينئذٍ من‌ تخصيص‌ سائر الانبياء الذين‌ هم‌ أنبياء فحسب‌، وليسوا رسلاً. ونري‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ أنّ الله‌ ـوفقاً للآيات‌ القرآنيّة‌ـ أوحي‌ إلی الانبياء الذين‌ هم‌ في‌ قبال‌ الرسل‌، وأطلعهم‌ علی الغيب‌: إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَي‌' نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن‌ بَعْدِهِ.[15]

 ومن‌ الطبيعيّ أنّ هذا يتحقّق‌ عندما يتخصّص‌ لفظ‌ الرسول‌ في‌ قوله‌: مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ بالانبياء المرسلين‌، وإلاّ إذا كان‌ أعمّ منهم‌ ومن‌ الانبياء غير المرسلين‌، فلا حاجة‌ إلی الاستثناء وإلي‌ تخصيص‌ آخر، وقوله‌: إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' وحده‌ يخرج‌ جميع‌ الانبياء والمرسلين‌ من‌ قوله‌: لاَيُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ، ويذيق‌ الجميع‌ حلاوة‌ علم‌ الغيب‌.

 وأمّا الإمام‌ بالمعني‌ الذي‌ استعمله‌ القرآن‌ الكريم‌ للفظ‌ الإمام‌، فإنّنا نري‌ من‌ جهة‌ أنّ الله‌ يصف‌ الائمّة‌ بالصبر واليقين‌: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَنءِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِـَايَـ'تِنَا يُوقِنُونَ. [16]

 ومن‌ جهة‌ أُخـري‌ يجعل‌ انكشـاف‌ غطـاء الغيب‌ ورؤية‌ ملكـوت‌ السماوات‌ والارض‌ مقدّمة‌ لبلوغ‌ مقام‌ اليقين‌: وَكَذَ ' لِكَ نُرِي‌´ إِبْرَ ' هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ. ( ليقرّ بوحدانيّة‌ الله‌ وصفاته‌، ويسلّم‌ لربّ العالمين‌، وينظر إلی آزر وقومه‌ الذين‌ يعبدون‌ الاصنام‌ وهم‌ في‌ غيّهم‌ وضلالهم‌. ) وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.[17]

 ويري‌ أيضاً في‌ سورة‌ التكاثر أنّ رؤية‌ الجحيم‌ ومشاهدة‌ ملكوت‌ جهنّم‌ يلازمان‌ علم‌ اليقين‌، ولذلك‌ فإنّ شروط‌ علم‌ اليقين‌ كشف‌ حجاب‌ الغيب‌، وطي‌ّ بساط‌ الاعتبار والكثرة‌، والدخول‌ في‌ عالم‌ التوحيد ووحدة‌ ذات‌ الحقّ. كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمِ الْيَقِينِ * لَتَروُنَّ الْجَحِيمَ. [18]

 وعلي‌ هذا، فقد اجتاز جميع‌ الائمّة‌ وسالكي‌ سبيل‌ معرفة‌ الذات‌ الاحديّة‌ المتأسّين‌ بهم‌ مراحل‌ عالم‌ المادّة‌ والطبع‌، وقطعوا شوطاً في‌ المنهاج‌ القويم‌ والصراط‌ المستقيم‌ لتزكية‌ النفس‌، فكان‌ كشف‌ الحجب‌ الظلمانيّة‌ والنورانيّة‌ أمراً ضروريّاً لهم‌، وتحقّق‌ لهم‌ معني‌ ومفهوم‌ قوله‌ تعالي‌: فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. [19] وتيسّر لهم‌ ما عسر أو استحال‌ علی الناس‌ العاديّين‌.

 الرابع‌: أنّ المراد من‌ الغيب‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ هو الغيب‌ المخفيّ الذي‌ لاتدركه‌ حواسّنا الظاهرة‌ علی البسيطة‌ في‌ هذه‌ الحياة‌ الدنيا، وإن‌ كان‌ لايخفي‌ علی البعض‌ الآخر الذين‌ يدركونه‌ بحواسّهم‌. مثلاً وقائع‌ الغد غيب‌ لنا ولكنّها شهود لمن‌ يأتون‌ في‌ غضون‌ الغد. والإخبار عن‌ الاشياء المشـاهدة‌ في‌ الخارج‌ غيب‌ للاعمي‌ والاصـمّ، بَيْدَ أ نّه‌ شـهود للبصير والسميع‌.

 وأنّ ما تشهده‌ الملائكة‌ وتعلمه‌ في‌ العوالم‌ العِلْويّة‌ غيب‌ للساكنين‌ في‌ نشأة‌ الطبيعة‌، إذ ينبغي‌ أن‌ يلاحَظَ المشهود والغيب‌ علی أساس‌ الظروف‌ والنشآت‌ التي‌ تنال‌ حظّها من‌ البحث‌. وأنّ عالم‌ القيامة‌ وما يجري‌ علی الاموات‌ غيب‌ في‌ ضوء النصّ القرآنيّ، وعدّ القرآن‌ الإيمان‌ بالمعاد إيماناً بالغيب‌، مع‌ أنّ ما يجري‌ علی الاموات‌ من‌ حوادث‌ هو عين‌ الشهود: ذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ[20].

 الخامس‌: أنّ جميع‌ الكائنات‌ في‌ ضوء الاُصول‌ الاعتقاديّة‌ للإسلام‌ ومنطق‌ القرآن‌ هي‌ أسماء الحقّ جلّ وعلا وصفاته‌. وأنّ الخلقة‌ ـبمعني‌ إيجاد الشـي‌ءـ غير منفصلة‌ عن‌ نطـاق‌ الذات‌ الاحديّة‌ واسـمها وصفتها وفعلها، وهي‌ تعني‌ ظهور الذات‌ المنزّهة‌ الظاهرة‌ الجليّة‌ وتجلّيها وآيتها ودلالتها. وكلّ كائن‌ يوجد ويرتدي‌ خلعة‌ الوجود اسم‌ من‌ أسمائه‌ تعالي‌. فهو الحي‌ّ من‌ حيث‌ الوجود والحياة‌، وهو القادر من‌ حيث‌ قدرة‌ الحقّ بالحجم‌ الذي‌ يتّسم‌ فيه‌ بالقدرة‌. وهو العالم‌ من‌ حيث‌ علم‌ الحقّ بالقدر الذي‌ يستوعبه‌ من‌ العلم‌، وهكذا بالنسبة‌ إلی سائر أسماء الباري‌ تعالي‌ شأنه‌ العزيز وصفاته‌. فهو يكون‌ تحت‌ الاسماء الكثيرة‌ ويطلق‌ عليه‌ السميع‌، والبصير، والحكيم‌، والمريد، والمختار، وغيرها.

 الرجوع الي الفهرس

 علم‌ الإمام‌ والرسول‌ عين‌ علم‌ ذات‌ الحقّ

لذلك‌، فإنّ علم‌ الاشخاص‌ بالغيب‌ الإلهيّ بإذنه‌ تعالي‌ لايعني‌ أ نّهم‌ أنفسهم‌ صاروا عالمين‌ بالغيب‌ في‌ مقابل‌ ذات‌ الحقّ، فيكون‌ ذلك‌ مغايراً للتوحيد، بل‌ يعني‌ أ نّه‌ عين‌ علمه‌ الذي‌ ظهر فيهم‌ حقيقةً. وهذا هو عين‌ التوحيد. وأنّ الله‌ لا يعطي‌ الغير مستقلاّ مثقال‌ حبّة‌ من‌ خردل‌ من‌ علمه‌ اللامتناهي‌، ولايمكن‌ أن‌ يعطيه‌، لانّ هذا العطاء يستلزم‌ نقصان‌ علمه‌ اللامتناهي‌، بل‌ نقصان‌ ذاته‌، تَعَالَي‌ اللَهُ عَنْ ذَلِكَ. أمّا العطاء غير المستقل‌، فلاينافي‌ التوحيد، بل‌ هو التوحيد نفسه‌.

 إنّ العطاء غير المستقلّ يعني‌ الظهور والتجليّ والإشعاع‌ والتأ لّق‌ كالشمس‌ التي‌ تبسط‌ نورها وأشعّتها في‌ العالم‌، وتنشر ضوءها في‌ كلّ مكان‌ وعلي‌ كلّ كائن‌ اعتباراً من‌ الذرّة‌ حتّي‌ الدُّرّة‌، ومن‌ البسيطة‌ إلی الافلاك‌ والمجرّات‌. وكلٌّ يأخذ منها النور والحرارة‌ فينشأ وينمو بمقدار سعته‌ وحجم‌ ما يستوعبه‌ وجوده‌، بَيْدَ أنّ النور لا ينفصل‌ عن‌ الشمس‌، كما أ نّها لاتظلّ مشعّة‌ إلی الابد علی الموجودات‌ والكائنات‌ التي‌ تعطيها ضوءها. فما دامت‌ الشمس‌ في‌ كبد السماء، فإنّها تضي‌ء الاشياء، ولاتهب‌ الاشياء النور، بل‌ لها إشعاع‌ ذو طابع‌ إعاريّ مؤقّت‌. وإذا ما حان‌ الليل‌، وغاب‌ منبع‌ النور تحت‌ الاُفق‌، فإنّه‌ يأخذ معه‌ التأ لّق‌ والنور والظهور، ويترك‌ الاشياء خالية‌ من‌ نوره‌.

 وما ضرّ هذه‌ الشمس‌ التي‌ لا تفصل‌ النور عن‌ نفسها، ولاينقص‌ نورها في‌ نطاق‌ ذاتها وفعلها أن‌ تمنح‌ النور بمقدار ذرّة‌، أو تمنحه‌ فيشمل‌ جميع‌ عوالم‌ الطبيعة‌ والفضاء غير المرئيّ والكواكب‌ التي‌ لاحدّ ولاحصر لها؟ فالشمس‌ ليست‌ بخيلة‌، وهي‌ تمنح‌ الجميع‌ نورها، وتلقي‌ شعاعها، وتبسطه‌ بكلّ سخاء. بَيْدَ أنّ كلّ شي‌ء من‌ الاشياء يأخذ نصيبه‌ منها حسب‌ استعداده‌، فالذرّة‌ تنال‌ حظّها بمقدار صغرها، وهكذا بقيّة‌ الاشياء كالجبل‌، والصحراء، والسهل‌، والبحر، والمحيط‌، والفضاء الواسع‌، فكلّ واحد من‌ هذه‌ الاشياء يأخذ نصيبه‌ بما يتمتّع‌ به‌ من‌ استيعاب‌، وقابليّة‌، واستعداد.

 ويجري‌ علم‌ الله‌ جلّ شأنه‌ علی هذا النسق‌. فالكائنات‌ مرايا وأوعية‌ لتجلّي‌ علم‌ ذاته‌ وتأ لّقه‌. وهو تعالي‌ غير ضنين‌ أن‌ يمنّ علی الآخرين‌ بعلومه‌ في‌ طابع‌ الظهور واللمعان‌، سواء كان‌ شعوريّاً، بأن‌ يمنّ بها علی ذبابة‌، أم‌ علميّاً بأن‌ يمنّ بها علی الناس‌ العاديّين‌، والجنّ، والملائكة‌، والحيوانات‌، أم‌ علميّاً أيضاً فيفيض‌ بها من‌ خزانته‌ الخاصّة‌ علی الإمام‌ والرسول‌. وإذا ما أطلع‌ أُولئك‌ علی علم‌ الغيب‌، وغيب‌ الغيب‌، والسرّ، والسرّ المستور، والسرّ المستسرّ، والخزائن‌ المخفيّة‌ التي‌ لاتصل‌ إليها يد البشر والملائكة‌، فهو أمر اعتياديّ، ولا ينقص‌ من‌ كبريائه‌ وعظمته‌ حتّي‌ بمقدار سمّ الخياط‌، بل‌ إنّ ذلك‌ هو عين‌ كبريائه‌ وعظمته‌ وجماله‌ المطلق‌، إذ يجعل‌ كائناً من‌ الكائنات‌ في‌ عوالم‌ الإمكان‌ مرآة‌ لظهور جميع‌ صفاته‌.

 الإمام‌ مرآة‌، وآية‌، واسم‌. غاية‌ الامر أ نّه‌ مرآة‌ تامّة‌ لظهور صفات‌ الباري‌، ومن‌ مفردات‌ هذه‌ المرآة‌ التامّة‌ علم‌ الباري‌. وَلِلَّهِ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي‌' فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي‌´ أَسْمَـ'´نءِهِ سَيُجْزَوْنُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [21]

 السادس‌: أنّ جميع‌ الكائنات‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌ سواء كانت‌ جماداً أم‌ حيواناً أم‌ إنساناً تتّصف‌ بالوحدة‌ علی الرغم‌ من‌ الاختلاف‌ الملحوظ‌ بين‌ أفرادها. وبغضّ النظر عن‌ خصوصيّات‌ الزمان‌ والمكان‌ وسائر العوارض‌ والاعراض‌ المؤدّية‌ إلی تميّزها وتفرّدها وتحقّقها الخارجي‌ّ، فإنّ ذلك‌ الامر الوحدانيّ موجود. وأنّ كافّة‌ هؤلاء الاشخاص‌ المختلفين‌ يوجدون‌، وينمون‌ ويقطعون‌ الطريق‌ في‌ مسير تكاملهم‌ بواسطة‌ ذلك‌ الامر الوحدانيّ المشترك‌ بين‌ الجميع‌.

 وذلك‌ الامر الوحدانيّ المنبعث‌ من‌ عالم‌ الامر والملكوت‌ هو الذي‌ عبّر عنه‌ الشرع‌ المقدّس‌ بمَلَك‌ التدبير، وعبّرت‌ عنه‌ الفلسفة‌ بـ المُثُلِ الأفلاَطُونِيَّةِ. وبرهن‌ عليه‌ المرحوم‌ الملاّ صدرا الشيرازيّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ الشريف‌ في‌ أسفاره‌ الاربعة‌، وذكرناه‌ نحن‌ أيضاً في‌ المجلس‌ السابع‌ عشر الوارد في‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتاب‌«معرفة‌ المعاد » الصادر ضمن‌ سلسلة‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌، وأثبتنا هناك‌ أنّ العلوم‌ التي‌ يظفر بها البشر ـ في‌ ضوء النظريّة‌ الإسلاميّة‌ـ إنّما تتحقّق‌ بواسطة‌ ملائكة‌ العلم‌. وكلّ من‌ كان‌ له‌ علم‌، فهو يُفاض‌ عليه‌ عبر مَلَكِ العلم‌، حتّي‌ يبلغ‌ العلم‌ الكلّيّ للحقّ تعالي‌ الذي‌ يُمنَح‌ بواسطة‌ جبرائيل‌ والروح‌.

 وكلّ إنسان‌ يزيد علمه‌، يخضع‌ لملك‌ أقوي‌ وأعلي‌ حتّي‌ يبلغ‌ درجة‌ يُوكَّل‌ فيها جبرائيل‌ علی علومه‌، والاعلي‌ من‌ ذلك‌ أنّ الروح‌ الامين‌، ومقامه‌ واحد، ودرجته‌ أعلي‌ من‌ درجة‌ جميع‌ الملائكة‌ المقرّبين‌ يمسك‌ زمام‌ أُموره‌. وأنّ الرسل‌ والائمّة‌ الذين‌ يعلمون‌ الغيب‌ يُمَوَّنُونَ من‌ قبل‌ جبرائيل‌ الامين‌، وبعضهم‌ يُمَوَّن‌ من‌ قبل‌ الروح‌ الامين‌.

 السابع‌: أنّ الاستثناء الوارد في‌ الآية‌ التي‌ هي‌ مثار بحثنا: إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ يشمل‌ كافّة‌ الاقسام‌ الخاصّة‌ بتبليغ‌ رسالة‌ الرسول‌. أي‌: أنّ الله‌ يربط‌ قلب‌ رسوله‌ المرضيّ عنده‌ بالغيب‌ في‌ كلّ ما يتوقّف‌ عليه‌ إبلاغ‌ رسالته‌، سواء كان‌ ذلك‌ متن‌ رسالته‌، كالمعارف‌ الاعتقاديّة‌ والشريعة‌ والاحكام‌ والقصص‌ والاعتبارات‌ والمواعظ‌ والحكم‌، أم‌ كان‌ من‌ آيات‌ رسالته‌ وأشراطها، أم‌ من‌ المعجزات‌ الدالّة‌ علی صدقه‌.

 كما نقرأ في‌ القرآن‌ الكريم‌ أنّ الله‌ تعالي‌ يصف‌ الكلام‌ الغيبيّ الذي‌ قاله‌ نبيّه‌ صالح‌ لقومه‌ بقوله‌: فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي‌ دَارِكُمْ ثَلَـ'ثَةَ أَيَّامٍ ذَ ' لِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ[22].

  ونقرأ كلام‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ علی نبيّنا وآله‌ وعليهما الصلاة‌ والسلام‌ الذي‌ قاله‌ لليهود وبني‌ إسرائيل‌: وَأُنَبِّئُكُم‌ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي‌ بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي‌ ذَ ' لِكَ لاَيةً لَّكُمْ. [23] ( لا يعلم‌ أحد بما تأكلون‌ وما تدّخرون‌ غيركم‌ ).

 وما ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ من‌ مواعيد الانبياء بالملاحم‌ والإخبار بالغيب‌، وقد وقع‌ ذلك‌ كلّه‌، كوعيد نوح‌ بحدوث‌ الطوفان‌، وإنذار هود، وشعيب‌، ولوط‌ بوقوع‌ العذاب‌.

 الرجوع الي الفهرس

إخبار رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بالغيب‌ علی لسان‌ القرآن‌

 ونقرأ في‌ سورة‌ الروم‌ معجزة‌ من‌ معجزات‌ رسول‌ الله‌، وهي‌ إخباره‌ بانهزام‌ الفُرس‌ علی يد الروم‌: ال´م‌´ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي‌´ أَدْنَي‌ الاْرْضِ وَهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي‌ بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الاْمْرُ مِن‌ قَبْلُ وَمِن‌ بَعْدُ وَيَوْمَنءِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤمِنُونَ[24].

 وعن‌ « الخرائج‌ والجرائح‌ » للقطب‌ الراونديّ روي‌ محمّدبن‌ الفضل‌ الهاشـمي‌ّ، عن‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السـلام‌ أ نّه‌ نظر إلی ابن‌ هذّاب‌ فقال‌: إن‌ أنا أخبرتك‌ أ نّك‌ ستُبتلي‌ في‌ هذه‌ الايّام‌ بدم‌ ذي‌ رحم‌ لك‌، لكنت‌ مصدّقاً لي‌؟ قال‌: لا، فإنّ الغيب‌ لا يعلمه‌ إلاّ الله‌ تعالي‌. قال‌ الإمام‌: أَوَ ليس‌ أ نّه‌ يقول‌: عَـ'لِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ. فرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ عند الله‌ مرتضي‌. ونحن‌ ورثة‌ ذلك‌ الرسول‌ الذي‌ أطلعه‌ الله‌ علی ما يشـاء من‌ غيبه‌. فعلّمنا ما كان‌ ويكون‌ إلی يوم‌ القيامة‌[25].

 والاخبار الواردة‌ في‌ هذا الموضوع‌ تفوق‌ حدّ الإحصاء. ومفادها ومدلولها أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أخذ علم‌ الغيب‌ بوحي‌ من‌ ربّه‌، وأنّ الائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌ أخذوه‌ بالوراثة‌ منه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. وأنّ العلوم‌ الغيبيّة‌ المأثورة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ّبن‌ أبي‌طالب‌ عليه‌ السلام‌، والواردة‌ في‌ كتب‌ الاحاديث‌، والتواريخ‌، والتفاسير. والسِّيَر، والسنن‌، والتي‌ اعترف‌ بها الخاصّة‌ والعامّة‌، وعدّوها من‌ المسلّمات‌ اليقينيّة‌ كثيرة‌. ولمّا كانت‌ هذه‌ كلّها تفوق‌ العدّ، نكتفي‌ فيما يأتي‌ بمختصر منها:

 ذكر في‌ « مروج‌ الذهب‌ » في‌ وقائع‌ سـنة‌ 183 ه: حجّ هارون‌ الرشـيد في‌ هذه‌ السنة‌، وهي‌ آخر حجّة‌ حجّها. ولمّا انصرف‌ منها، واجتاز بالكوفة‌، قال‌ أبوبكربن‌ عيّاش‌ ـوكان‌ من‌ علية‌ أهل‌ العلم‌ـ: لايعود إلی هذا الطريق‌، ولاخليفة‌ من‌ بني‌ العبّاس‌ بعده‌ أبداً.

 فقيل‌ له‌: أضرب‌ من‌ الغيب‌؟ قال‌: نعم‌. قيل‌: بوحي‌؟! قال‌: نعم‌. قيل‌: إليك‌؟ قال‌: لا، إلی محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. وكذلك‌ أخبر عنه‌ أميرالمؤمنين‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ المقتول‌ في‌ هذا الموضع‌ وأشار إلی الموضع‌ الذي‌ قتل‌ فيه‌ علی عليه‌ السلام‌ بالكوفة[26]‌.

 إنّ صاحب‌ كتاب‌ « مروج‌ الذهب‌ » هو علی بن‌ الحسين‌ المسعودي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 346ه. صنّف‌ كتابه‌ المذكور في‌ حدود سنة‌ 300ه. أي‌: ثلاثمائة‌ وخمسون‌ سنة‌ قبل‌ انقراض‌ الدولة‌ العبّاسيّة‌ علی يد هولاكو، وقتل‌ المستعصم‌بالله‌ الذي‌ كان‌ آخر حاكم‌ عبّاسي‌ّ. وذكر أبوبكربن‌ عيّاش‌ هذا الخبر عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ سنة‌ 182ه، في‌ أواخر القرن‌ الثاني‌ الهجري‌ّ. أي‌ 468 سنة‌ قبل‌ تقويض‌ حكومتهم‌ والعجيب‌ هنا أ نّه‌ خلال‌ هذه‌ المدّة‌ التي‌ تناهز خمسة‌ قرون‌ لم‌ يذهب‌ حاكم‌ عبّاسيّ إلی حجّ بيت‌الله‌ الحرام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الكلام‌ الغيبي‌ّ الذي‌ قاله‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لخولة‌ الحنفيّة‌

 وروي‌ القطب‌ الراونديّ في‌ كتاب‌ « الخرائج‌ والجرائح‌ » عن‌ دِعبل‌ الخُزاعي‌ّ، قال‌: حدّثنا الرضا عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌ عليهم‌ السلام‌، قال‌: كنتُ عند أبي‌ الباقر عليه‌ السلام‌ إذ دخل‌ عليه‌ جماعة‌ من‌ الشيعة‌ وفيهم‌ جابربن‌ يزيد فقالوا: هل‌ رضي‌ أبـوك‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ بإمامـة‌ الاوّل‌ والثاني‌؟ قال‌: اللهمّلا. قالوا: فلم‌ نكح‌ من‌ سـبيهم‌ خولـة‌ الحنفيّـة‌ إذا لم‌يرض‌ بإمامتهم‌؟

 فقال‌ ] الإمام‌ [ الباقر عليه‌ السلام‌: امض‌ يا جابر بن‌ يزيد إلی منزل‌ جابربن‌ عبدالله‌ الانصاري‌ّ فقل‌ له‌: إنّ محمّد بن‌ علی يدعوك‌. قال‌ جابربن‌ يزيد: فأتيتُ منزله‌ وطرقت‌ عليه‌ الباب‌. فناداني‌ جابربن‌ عبدالله‌ من‌ داخل‌ الدار: اصبر يا جابربن‌ يزيد. فقلتُ في‌ نفسي‌: من‌ أين‌ علم‌ جابربن‌ عبدالله‌ أنّي‌ جابربن‌ يزيد، ولا يعرف‌ الدلائل‌ إلاّ الائمّة‌ من‌ آل‌ محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌؟ والله‌ لاسألنّه‌ إذا خرج‌ إلي‌ّ. فلمّا خرج‌ قلتُ له‌: من‌ أين‌ علمتَ أ نّي‌ جابر بن‌ يزيد، وأنا علی الباب‌، وأنت‌ داخل‌ الدار؟!

 قال‌: أخبرني‌ مولاي‌ الباقر عليه‌ السلام‌ البارحة‌ أ نّك‌ تُسأل‌ عن‌ الحنفيّة‌ في‌ هذا اليوم‌، وأنا أبعثه‌ إليك‌ يا جابر بكرة‌ غدٍ وأدعوك‌. فقلتُ: صدقتَ.

 قال‌ ] جابر بن‌ عبد الله‌ [: سر بنا. فسرنا جمعياً حتّي‌ أتينا المسجد. فلمّا بصر مولاي‌ الباقر عليه‌ السلام‌ بنا ونظر إلينا، قال‌ للجماعة‌: قوموا إلی الشيخ‌ فاسألوه‌، حتّي‌ ينبّئكم‌ بما سمع‌ ورأي‌.

 فقالوا: يا جابر! هل‌ راضٍ إمامك‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ بإمامة‌ من‌ تقدّم‌؟ قال‌: اللهمّ لا. قالوا: فلم‌ نكح‌ من‌ سبيّهم‌ خولة‌ الحنفيّة‌ إذا لم‌يرض‌ بإمامتهم‌؟

 قال‌ جابر: آه‌ آه‌! لقد ظننتُ أ نّي‌ أموت‌ ولا أُسأل‌ عن‌ هذا، فالآن‌ إذ سألتموني‌، فاسمعوا وعوا. حضرتُ السبي‌ّ وقد أُدخلت‌ الحنفيّة‌ فيمن‌ أدخل‌، فلمّا نظرتْ إلی جميع‌ الناس‌، عدلتْ إلی تربة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، فرنّت‌ وزفرت‌ وأعلنتْ بالبكاء والنحيب‌، ثمّ نادت‌: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَهِ وَعَلَي‌ أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ! أُمَّتَكَ سَبَتْنَا سَبي‌َ النَّوبِ وَالدَّيْلَمِ، وَاللَهِ مَا كَانَ لَنَا إلَيْهِمْ مِنْ ذَنْبٍ إلاَّ المَيْلُ إلی أَهْلِ بَيْتِكَ فحُوِّلَتِ الحَسَنَةُ سَيِّئَةً، وَالسَّيِّئَةُ حَسَنَةً، فَسُبِينَا. ثمّ التفتت‌ إلی الناس‌، وقالت‌: لِمَسـبيتمونا وقد أقررنا بشـهادة‌ أن‌ لا إله‌ إلاّ الله‌ وأنّ محمّداً رسول‌ الله‌؟ قال‌ أبوبكر: منعتم‌ الزكاة‌!

 قالت‌: هب‌ الرجال‌ منعوكم‌، فما بال‌ النسوان‌؟ فسكت‌ المتكلّم‌ كأ نّما أُلقم‌ حجراً. ثمّ ذهب‌ إليها خالد ] بن‌ غسّان‌ [ وطلحة‌ يرميان‌ في‌ التزويج‌ إليها، ورميا عليها ثوبيهما. فقالت‌: لستُ بعريانة‌ فتكسونني‌. قيل‌: إنّهما يريدان‌ أن‌ يتزايدا عليكِ، فأيّهما زاد علی صاحبه‌، أخذك‌ من‌ السبي‌.

 قالت‌: هيهات‌! لا يكون‌ هذا أبداً ولا يملكني‌ ولا يكون‌ لي‌ ببعلٍ إلاّ من‌ يخبرني‌ بالكلام‌ الذي‌ قلته‌ ساعة‌ خرجتُ من‌ بطن‌ أُمّي‌! فسكت‌ الناس‌ ونظر بعضهم‌ إلی بعض‌، وورد عليهم‌ من‌ ذلك‌ الكلام‌ ما أبهر عقولهم‌، وأخرس‌ ألسنتهم‌، وبقي‌ القوم‌ في‌ دهشة‌ من‌ أمرها. فقال‌ أبوبكر: ما لكم‌ ينظر بعضكم‌ إلی بعض‌؟ قال‌ الزبير: لقولها الذي‌ سمعت‌.

 فقال‌ أبو بكر: ما هذا الامر الذي‌ أحصر أفهامكم‌. إنّها جارية‌ من‌ سادات‌ قومها ولم‌يكن‌ لها عادة‌ بما لقيت‌ ورأت‌، فلا شكّ أ نّها داخَلها الفزع‌ وتقول‌ ما لاتحصيل‌ له‌.

 قالت‌: رميتَ بكلامك‌ غير مرمي‌ّ! والله‌ ما داخلني‌ فزع‌ ولاجزع‌، ووالله‌ ما قلتُ إلاّ حقّاً، وما نطقتُ إلاّ فصلاً. ولابدّ أن‌ يكون‌ كذلك‌ وحقّ صاحب‌ هذه‌ البنيّة‌، ما كذبت‌. ثمّ سكتت‌.

 وأخذ خالد ] بن‌ غسّان‌ [ وطلحة‌ ثوبيهما. وهي‌ قد جلست‌ ناحية‌ من‌ القوم‌ فدخل‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ ] المسجد [ فذكروا له‌ حالها، فقال‌: عليه‌ السلام‌: هي‌ صادقة‌ فيما قالت‌. وكان‌ من‌ حالها وقصّتها كيت‌ وكيت‌ في‌ حال‌ ولادتها. وقال‌: إنّ كلّ ما تكلّمت‌ به‌ في‌ حال‌ خروجها من‌ بطن‌ أُمّها هو كذا وكذا. وكلّ ذلك‌ مكتوب‌ علی لوح‌ معها. فرمت‌ باللوح‌ إليهم‌ لمّا سمعت‌ كلامه‌ عليه‌ السلام‌. فقرأوا ذلك‌ علی ما حكي‌ علي‌ّبن‌ أبي‌طالب‌ عليه‌ السلام‌، لا يزيد حرفاً ولا ينقص‌.

 فقال‌ أبو بكر ] للإمام‌ [: خُذها يا أباالحسن‌. بارك‌ الله‌ لك‌ فيها.

 فوثب‌ سلمان‌، فقال‌: والله‌، ما لاحد ها هنا منّةٌ علی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، بل‌ للّه‌ المنّة‌ ولرسوله‌ ولامير المؤمنين‌. والله‌ ما أخذها ] علی عليه‌ السلام‌ [ إلاّ لمعجزه‌ الباهر، وعلمه‌ القاهر، وفضله‌ الذي‌ يعجز عنه‌ كلّ ذي‌ فضل‌.

 ثمّ قام‌ بعده‌ المقداد فقال‌: ما بال‌ أقوام‌ قد أوضح‌ الله‌ لهم‌ الطريق‌ للهداية‌ فتركوه‌، وأخذوا طريق‌ العمي‌؟ وما من‌ قوم‌ إلاّ وتبيّن‌ لهم‌ فيه‌ دلائل‌ أميرالمؤمنين‌ ] عليه‌ السلام‌ [!

 وقال‌ أبو ذرّ: وا عجباً لمن‌ يعاند الحقّ! وما من‌ وقت‌ إلاّ وينظر إلی بيانه‌. أيّها الناس‌، قد تبيّن‌ لكم‌ فضل‌ أهل‌ الفضل‌، ثمّ قال‌: يافلان‌! أتمنّ علی أهل‌ الحقّ بحقّهم‌. وهم‌ بما في‌ يديك‌ أحقّ وأولي‌؟!

 وقال‌ عمّار: أُناشدكم‌ الله‌! أما سلّمنا علی أميرالمؤمنين‌ هذا علي‌ّبن‌ أبي‌طالب‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ بإمرة‌ المؤمنين‌؟

 فزجره‌ عمر عن‌ الكلام‌، فقام‌ أبو بكر؛ فبعث‌ علی عليه‌ السلام‌ خولة‌ إلی بيت‌ أسـماء بنت‌ عميـس‌، وقال‌: خذي‌ هذه‌ المرأة‌ وأكرمي‌ مثواها. فلم‌تزل‌ خولة‌ عندها إلی أن‌ قدم‌ أخوها، فتزوّجها علي‌ّبن‌ أبي‌طالب‌ عليه‌ السلام‌، فكان‌ الدليل‌ علی علم‌ أمير المؤمنين‌ وفساد مايورده‌ القوم‌ من‌ قولهم‌ أنّ الإمام‌ تزوّج‌ بها من‌ طريق‌ السبي‌. فالإمام‌ عليه‌ السلام‌ تزوّج‌ بها نكاحاً لا استرقاقاً وسبياً.

 فقالت‌ الجماعة‌ لجابر: أنقذك‌ الله‌ من‌ حرّ النار كما أنقذتنا من‌ حرارة‌ الشكّ.[27]

 ورواها السيّد هاشم‌ البحرانيّ مفصّلاً في‌ « مدينة‌ المعاجز » عن‌ كتاب‌ « سِيَر الصحابة‌ » بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الباقر عليه‌ السلام‌. [28]

 كما رواها ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ مناقبه‌، باب‌ إخباره‌ بالفتن‌ والملاحم‌، مرسلاً عن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌. وورد فيها أنّ خالداً وطلحة‌ لمّا طرحا عليها ثوبين‌، قالت‌: يا أيّها الناس‌! لستُ بعريانة‌ فتكسوني‌، ولاسائلة‌ فتتصدّقون‌ علی! فقال‌ الزبير: إنّهما يريدانك‌.

 فقالت‌: لا يكون‌ لي‌ بعل‌ إلاّ من‌ خبّرني‌ بالكلام‌ الذي‌ قلته‌ ساعة‌ خرجت‌ من‌ بطن‌ أُمّي‌. فجاء أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وناداها: ياخولة‌! اسمعي‌ الكلام‌ وعي‌ الخطاب‌! لمّا كانت‌ أُمّك‌ حاملة‌ بك‌ وضربها الطلق‌ واشتدّ بها الامر، نادت‌: اللهمّ سلّمني‌ من‌ هذا المولود سالماً! فسبقت‌ الدعوة‌ لك‌ بالنجاة‌. فلمّا وضعتك‌، ناديتِ من‌ تحتها: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّداً رَسُولُاللَهِ. يا أُمّاه‌! لم‌ تدعين‌ علی وعمّا قليل‌ سيملكني‌ سيّد يكون‌ لي‌ منه‌ ولد.

 فكتبتْ أُمّك‌ ذلك‌ الكلام‌ في‌ لوح‌ نحاس‌، فدفنته‌ في‌ الموضع‌ الذي‌ سـقطتِ فيه‌. فلمّـا كانـت‌ في‌ الليلـة‌ التـي‌ تغيّبـت‌ أُمّـك‌ فيهـا ( قبضـت‌ روحهاـخ‌ل‌ )، أوصت‌ إليك‌ بذلك‌. فلمّا كان‌ وقت‌ سبيك‌، لم‌تكن‌ لكِ همّة‌ إلاّ أخذ ذلك‌ اللوح‌، فأخذتيه‌ وشددتيه‌ علی عضدك‌! هاتي‌ اللوح‌ فأنا صاحب‌ اللوح‌! وأنا أميرالمؤمنين‌، وأنا أبو ذلك‌ الغلام‌ الميمون‌ واسمه‌ محمّدـإلي‌ آخر الرواية‌، وفيها: فلم‌ تزل‌ عندها ( أي‌ عند أسماء ) إلی أن‌ قدم‌ أخوها فَتَزَوَّجَهَا مِنْهُ وَأَمْهَرَهَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَتَزَوَّجَهَا نِكَاحَاً[29].

 وقال‌ ابن‌ شهرآشوب‌ هنا وهو ينقل‌ هذا الخبر وسائر الاخبار الغيبيّة‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وهذه‌ كلّها أخبار بالغيب‌ أفضي‌ إليه‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ ممّا أطلعه‌ الله‌ عزّ وعلا عليه‌، كما قال‌ الله‌ تعالي‌: عَـ'لِمُ الغَيْبِ فَلاَيُظْهِرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَي‌' مِن‌ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ و يَسْلُكُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن‌ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لَـ'تِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي‌' كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا. ولم‌ يشحّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وصيّه‌ بذلك‌ كما قال‌ تعالي‌: وَمَا هُوَ علی الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[30]. ولاضنّ علی عليه‌ السلام‌ علی الائمّة‌ من‌ ولده‌ عليهم‌ السلام‌. وأيضاً لايجوز أن‌ يخبر بمثل‌ هذا إلاّ من‌ أقامه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ مقامه‌ من‌ بعده‌. [31]

 ولمّا كان‌ الجدّ الاعلي‌ لخولة‌ حَنَفِيَّة‌ بن‌ لجيم‌، قيل‌ لها: خولة‌ الحنفيّة‌. وقيل‌ لابنها محمّد: ابن‌ الحنفيّة‌ تميّزاً له‌ عن‌ سائر أولاد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بخاصّة‌ الحسنين‌ عليهما السلام‌. وإذا استثنينا الحسنين‌ عليهما السلام‌، فهو أشجع‌ أولاد الإمام‌ وأعلمهم‌ وأزهدهم‌. وكان‌ لواء أبيه‌ بيده‌ يوم‌ الجمل‌ وصفّين‌.

 وذكر ابن‌ خَلَّكان‌ نسب‌ أُمّه‌ خولة‌ كالآتي‌: خولة‌ بنت‌ جعفربن‌ قَيْس‌ ابن‌مَسْلَمَة‌بن‌ عبدالله‌ بن‌ تغلِبَة‌ بن‌ يَرْبُوع‌ بن‌ تَغْلِبَةِ بن‌ الدُّؤل‌بن‌ الحَنفِيَّة‌بن‌ لجيم‌. وقال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد بعد هذا السرد: ابن‌ صَعْب‌بن‌ علي‌ّبن‌ بكر ابن‌وائل‌. [32] وأُسرت‌ خولة‌ في‌ حروب‌ الردّة‌ أيّام‌ أبي‌ بكر، وسيقت‌ إلی المدينة‌. وعرفنا ما جري‌ لها.

 من‌ الجدير ذكره‌ أنّ حروب‌ الردّة‌ التي‌ وقعت‌ في‌ عهد أبي‌بكر كانت‌ علی ضربين‌: الاوّل‌: حروب‌ الردّة‌ الحقيقيّة‌ عن‌ الإسلام‌، كحرب‌ مسيلمة‌ الكذّاب‌، والاسود العنسيّ الكذّاب‌ وطُليحة‌، وغيرهم‌. والثاني‌: حروب‌ قامت‌ بسبب‌ عدم‌ انقياد أصحابها لخلافة‌ أبي‌ بكر.

 وآية‌ الضرب‌ الاوّل‌ من‌ تلك‌ الحروب‌ أنّ أصحابها كانوا لايقيمون‌ الصلاة‌، ولايؤذّنون‌، ولا يطبّقون‌ سائر شعائر الدين‌. أمّا آية‌ الضرب‌ الثاني‌ منها فهي‌ أنّ أصحابها كانوا يؤذّنون‌ ويقيمون‌ ويؤدّون‌ الصلاة‌، بَيدَ أ نّهم‌ امتنعوا عن‌ دفع‌ الزكاة‌ إلی الحاكم‌ آنذاك‌، وكانوا يقولون‌: إنّ النبي‌ّ نصب‌ وصيّاً له‌، ونحن‌ ندفع‌ زكاتنا إلی وصيّه‌. وما لم‌ يقبل‌ الوصي‌ّ منّا ذلك‌، فإنّا لاندفعها إلی صندوق‌ الخليفة‌ المزيّف‌ المفروض‌. وكانت‌ حرب‌ خالدبن‌ الوليد مع‌ قبيلة‌ بني‌ يربوع‌، وهم‌ الحنفيّة‌ الذين‌ ينتمي‌ إليهم‌ مالك‌ ابن‌نُوَيْرَة‌ من‌ هذا الضرب‌. علماً أنّ خولة‌ الحنفيّة‌ أُسرت‌ في‌ هذه‌ الحرب‌.

 قدم‌ مالك‌ بن‌ نُوَيْرة‌ المدينة‌ أيّام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وتشـرّف‌ بالإسـلام‌ بين‌ يديه‌، وطلب‌ من‌ رسـول‌ الله‌ أن‌ يوصيـه‌. فأوصاه‌ بأميـر المؤمنيـن‌ عليه‌ السـلام‌. وهو نفسـه‌ سـمع‌ من‌ رسـول‌ الله‌ إمـامـة‌ أميرالمؤمنين‌ ووصايته‌ وخلافته‌. وكان‌ ـمن‌ جهة‌ أُخري‌ـ رئيس‌ قبيلته‌، وشاعراً منيعاً رفيع‌ الهمّة‌.

 ولمّا توفّي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، جاء إلی المدينة‌ مع‌ جماعة‌ من‌ بني‌ تميم‌ ورأي‌ أبا بكر علی منبر رسول‌ الله‌، فقال‌ له‌: مَنْ أرْقَاكَ هَذَا المِنْبَرَ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلِيَّاً وَصِيَّهُ وَأَمَرَنِي‌ بِمُوالاَتِهِ؟

 فأمر أبو بكر بإخراجه‌ من‌ المسجد. فأخرجه‌ قُنفُذبن‌ عمير، وخالد ابن‌الوليد. وعاد إلی قبيلته‌ ونصح‌ قومه‌ الذين‌ كانوا يريدون‌ الامتناع‌ عن‌ دفع‌ الزكاة‌ وقال‌: إنّا مسلمون‌ وقد اعتنقنا هذا الدين‌ فتربّصوا بزكاتكم‌ حتّي‌ نوصلها إلی وصي‌ّ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 الرجوع الي الفهرس

قتل‌ خالد بن‌ الوليد مالك‌ بن‌ نويرة‌ وزناه‌ بزوجته‌

 فوجّه‌ إليه‌ أبو بكر خالد بن‌ الوليد وقال‌ له‌: أنت‌ تعلم‌ ما قال‌ لنا مالك‌ أخيراً؟ ولستُ آمن‌ أن‌ يفتق‌ علينا فتقاً لايلتئم‌، فاقتله‌.

 قدم‌ خالد البطاح‌ فلم‌ يجد من‌ خالفه‌ وقال‌ له‌ جنوده‌: رأينا هؤلاء القوم‌ يؤذّنون‌ ويقيمون‌ الصلاة‌. وممّن‌ شهد علی ذلك‌ عند خالدبن‌ الوليد أبوقُتادة‌ الحارث‌بن‌ رِبعي‌ حليف‌ بن‌ سلمة‌، قال‌: أنا رأيت‌ وسمعت‌ صلاتهم‌ وأذانهم‌. فلم‌يسمع‌ كلامه‌. فلمّا جنّ الليل‌ وآمنهم‌ خالد وطلب‌ منهم‌ أن‌ يضعوا أسلحتهم‌ لا نّهم‌ مسلمون‌! وضعوا أسلحتهم‌ علی الارض‌ فضرب‌ خالد أعناقهم‌، وكان‌ مع‌ مالك‌ بن‌ نويرة‌ عدد من‌ بني‌ ثعلبة‌بن‌ يربوع‌، وفيهم‌ عاصم‌، وعبيد، وعَرين‌، وجعفر. وجعل‌ رؤوسهم‌ أثافي‌ لقدورهم‌ طبخوا عليها طعامهم‌. وفي‌ تلك‌ الليلة‌ تزوّج‌ خالد بزوجة‌ مالك‌، وهي‌ أُمّتميم‌ بنت‌ المنهال‌، وكان‌ قد رآها وفتن‌ بجمالها. وقيل‌: إنّها كانت‌ من‌ أجمل‌ نساء عصرها. وقال‌ لها مالك‌ عند قتله‌: أنتِ قتلتيني‌ بعرض‌ نفسك‌!

 وقال‌ أبو قتادة‌ لخالد: قتلت‌ مسلماً بريئاً ونزوت‌ علی امرأته‌ في‌ تلك‌ الليلة‌، والله‌ لا أسير تحت‌ لواء خالد في‌ جيش‌ أبداً. وركب‌ فرسه‌ شادّاً إلی أبي‌بكر، فقدم‌ المدينة‌ وأخبر أبا بكر بالقصّة‌، فلم‌يقبل‌ قوله‌.

 وكان‌ عمر صاحب‌ مالك‌ بن‌ نويرة‌ وحليفه‌ في‌ الجاهليّة‌ فغضب‌ لما فعل‌ خالد، ومضي‌ إلی أبي‌ بكر وحرّضه‌ علی قتل‌ خالد ورجمه‌، لا نّه‌ قتل‌ مسلماً وزني‌ بزوجته‌. فقال‌ أبو بكر: هِيهِ يَا عُمَرُ! تَأَوَّلَ وَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ. فقال‌ عمر: إن‌ لم‌ تقتله‌، فاعزله‌ من‌ إمارة‌ الجيش‌! فقال‌ أبوبكر: لاَ، يَا عُمَرُ! لَمْ أَكُنْ لاَشِيمَ سَيْفَاً سَلَّهُ اللَهُ علی الكَافِرِينَ.

 ولمّا رجع‌ خالد، دخل‌ المسجد وعليه‌ قباء غشاه‌ صدأ الحديد وقد غرز في‌ عمامته‌ أسهماً، فقام‌ إليه‌ عمر فانتزعها، فحطّمها وقال‌ له‌: أَرِيَاءٌ؟ قَتَلْتَ امْرِءَاً مُسْلِمَاً ثُمَّ نَزَوْتَ علی امْرَأَتَهُ! وَاللَهِ لاَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ. وخالد لايكلّمه‌، يظنّ أنّ رأي‌ أبي‌ بكر مثله‌. ودخل‌ علی أبي‌بكر، فعذره‌ أبوبكر وتجاوز عنه‌. ولمّا خرج‌ خالد من‌ عنده‌، التفت‌ إلی عمر وقال‌: هَلُمَّ إلی يَابْنَ أُمَّ شَمْلَةَ. يُعرّض‌ بذلك‌ بعمر.

 وجملة‌ القول‌ أنّ أبا بكر أعطي‌ دية‌ مالك‌ بن‌ نويرة‌ من‌ بيت‌ المال‌. ويري‌ أصحابنا رضوان‌ الله‌ عليهم‌ أنّ هذه‌ الحادثة‌ من‌ مطاعن‌ أبي‌بكر. وقدحوا فيها من‌ عدّة‌ جهات‌. منها: لو فرضنا أنّ مالكاً وجب‌ قتله‌ بمنع‌ الزكاة‌، فلاريب‌ في‌ إسلام‌ النساء والذراري‌. وليس‌ ارتداد الرجال‌ بمنعهم‌ الزكاة‌ موجباً لكفر النساء والذراري‌. وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي‌'.[33] ولو فرضنا أنّ أبابكر عذر خالداً لقتله‌ مالكاً، فما عذر خالد في‌ سبي‌ النساء والذراري‌؟ وما عذر المدافع‌ عنه‌ أبي‌ بكر؟ هل‌ يجوز غصب‌ الفروج‌، والزنا بامرأة‌ مسلمة‌، ونهب‌ أموال‌ القوم‌؟

 فلهذا مضافاً إلی أنّ عمر قد أقسم‌ أن‌ يقتصّ من‌ خالد ويقتله‌ إذا تقلّد أمر الحكومة‌، فإنّه‌ أقسم‌ أيضاً أن‌ يردّ السبايا مع‌ الاموال‌ المنهوبة‌ إلی أصحابها. وكذلك‌ فعل‌ فيما يخصّ الاموال‌ والسبايا. أوّلاً: لم‌يتصرّف‌ في‌ حصّته‌ من‌ الاموال‌. ثانياً: جمعها مع‌ باقي‌ الاموال‌ والسبايا، مع‌ أنّ بعض‌ النساء كنّ حوامل‌، وكنّ قد أُشخصن‌ إلی مناطق‌ بعيدة‌ كنواحي‌ الشام‌ وأطراف‌ الروم‌، جمعها كلّها وأرجعها إلی بني‌ ثعلبة‌ بن‌ يربوع‌.

 ولكن‌ هل‌ اقتصّ من‌ خالد ورجمه‌؟ أبداً. ومن‌ هنا نفهم‌ أنّ عتابه‌ أبابكر ومؤاخذته‌ إيّاه‌ لقتل‌ مالك‌ لم‌ تنطلق‌ من‌ حسّ دينيّ وشعور بالذبّ عن‌ شريعة‌ سيّد المرسلين‌، بل‌ انطلقت‌ من‌ كونه‌ صديقاً وحليفاً له‌ في‌ الجاهليّة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآيات‌ 26 إلی 28، من‌ السورة‌ 72: الجنّ.

[2] ـ إنّ مثل‌ هذا المعني‌ من‌ العلم‌ القائل‌ بأنّ التحقّق‌ الخارجيّ في‌ التعبير العلمي‌ّ هو العلم‌ الفعلي‌ّ كثير في‌ القرآن‌ الكريم‌ كالآية‌ 3، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ'ذِبِينَ. أي‌: يتحقّق‌ ظهور الصادقين‌ والكاذبين‌ في‌ الخارج‌، وهو ما يستوعبه‌ العلم‌ الفعلي‌ّ للحقّ تعالي‌. وكالآية‌ 25، من‌ السورة‌ 57: الحديد: وَلِيَعْلَمَ اللَهُ مَن‌ يَنصُرُهُ و وَرُسُلُهُ و بِالْغَيْبِ. أي‌: ليتحقّق‌ علم‌ الله‌ الفعلي‌ّ بوجود ناصري‌ الله‌ ورسله‌.

[3] ـ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[4] ـ الآية‌ 65، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[5] ـ الآية‌ 77، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[6] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[7] ـ الآية‌ 61، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[8] ـ الآية‌ 139، من‌ السورة‌ 4: النساء: أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا.

[9] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 63: المنافقون‌.

[10] ـ الآية‌ 50، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[11] ـ الآية‌ 188، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[12] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 46: الاحقاف‌.

[13] ـ الآية‌ 188، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[14] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[15] ـ الآية‌ 163، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[16] ـ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[17] ـ الآية‌ 75، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[18] ـ الآيتان‌ 5 و 6، من‌ السورة‌ 102: التكاثر.

[19] ـ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[20] ـ الآية‌ 103، من‌ السورة‌ 11: هود: إِنَّ فِي‌ ذَ ' لِكَ لاَيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاْخِرَةِ ذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ.

[21] ـ الآية‌ 180، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[22] ـ الآية‌ 65، من‌ السورة‌ 11: هود.

[23] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[24] ـ الآيات‌ 1 إلی 4، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

 ذكر الشيخ‌ المفيد في‌ «الإرشاد» ص‌ 173، الطبعة‌ الحجريّة‌، حوادث‌ غيبيّة‌ أُخري‌ أخبر بها رسول‌الله‌ علی لسان‌ القرآن‌ الكريم‌ مضافاً إلی حادثة‌ انهزام‌ الروم‌ في‌ الآية‌: ال´م‌´* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي‌´ أَدْنَي‌ الاْرْضِ. منها ما يتعلّق‌ بأهل‌ بدر قبل‌ الواقعة‌: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 54: القمر). فكان‌ الامر كما قال‌ الله‌ تعالي‌ من‌ غير اختلاف‌ في‌ ï ïذلك‌.وقال‌ عزّ وجلّ (الآية‌ 27، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌): لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن‌ شَآءَ اللَهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ... فكان‌ الامر في‌ ذلك‌ كما قال‌ الله‌ تعالي‌. وقال‌ سبحانه‌ (الآيتان‌ 1 و 2، من‌ السورة‌ 110: النصر) إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي‌ دِينِ اللَهِ أَفْوَاجًا، فكان‌ الامر في‌ ذلك‌ كما قال‌ تعالي‌، وقال‌ سبحانه‌: وَيَقُولُونَ فِي‌´ أَنفُسِهِمْ لَوْ لاَ يُعَذِّبُنَا اللَهُ بِمَا نَقُولُ (الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 58: المجادلة‌). فخبّر عن‌ ضمائرهم‌ وما أخفوه‌ من‌ سرائرهم‌. وقال‌ جلّ ذكره‌ في‌ قصّة‌ اليهود: (الآيتان‌ 5 و 6، من‌ السورة‌ 62: الجمعة‌): قُلْ يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُو´ا إِن‌ زَعَمْتُمْ أَ نَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن‌ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن‌ كُنتُم‌ صَـ'دِقِينَ * وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ و أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَهُ عَلِيمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ. فكان‌ الامر كما قال‌ الله‌ تعالي‌ ولم‌ يجسر أحد منهم‌ أن‌ يتمنّاه‌. فحقّق‌ ذلك‌ خبره‌ وأبان‌ عن‌ صدقه‌. ودلّ به‌ علی نبوّته‌ في‌ أمثال‌ ذلك‌ ممّا يطول‌ به‌ الكتاب‌.

 أقول‌: من‌ الموارد التي‌ أسند القرآن‌ الكريم‌ إخبار النبيّ وسائر الانبياء فيها إلی الغيب‌ صراحة‌ (الآية‌ 179، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌): وَمَا كَانَ اللَهُ لِيُطْلِعَكُمْ علی الْغَِيْبِ وَلَـ'كِنَّ اللَهَ يَجْتَبِي‌ مِن‌ رُّسُلِهِ مَن‌ يَشَآءُ. و(الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 11: هود): تِلْكَ مِن‌ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن‌ قَبْلِ هَـ'ذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَـ'قِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. بيّن‌ الله‌ تعالي‌ هذه‌ الآية‌ بعد سرد قصّة‌ نوح‌ والطوفان‌ وغرق‌ المتمرّدين‌. ومنها (الآية‌ 102، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌): ذَ ' لِكَ مِن‌ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُو´ا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ. هذه‌ الآية‌ من‌ الآيات‌ الاخيرة‌ في‌ سورة‌ يوسف‌ ذُكرت‌ بعد بيان‌ قصّة‌ يوسف‌ وإلقائه‌ في‌ غيابت‌ الجُبّ، وبيعه‌ في‌ سوق‌ مصر، ثمّ حكومته‌ علی مصر وجمع‌ شمله‌ مع‌ أبيه‌ يعقوب‌. ومنها (الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌): ذَ ' لِكَ مِن‌ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُـونَ أَقْلَـ'مَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَـمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ يَخْتَصِمُـونَ. جاءت‌ هذه‌الآية‌ بعد بيان‌ ولادة‌ السيّدة‌ مريم‌، ودعاء زكريّا بالولد في‌ كبره‌. ومنها (الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 66: التحريم‌): وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَي‌' بَعْضِ أَزْوَ ' جهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ و وَأَعْرَضَ عَن‌ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَن‌ أَنْبَأَكَ هَـ'ذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. نزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ حفصة‌ بنت‌ عمر بن‌ الخطّاب‌، وهي‌ من‌ آيات‌ سورة‌ التحريم‌ النازلة‌ في‌ عائشة‌ وحفصة‌. ومنها (الآية‌ 27، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌): لَقَدْ صَدَقَ اللَهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن‌ شَآءَ اللَهُ ءَامِنِينَ. ومنها (الآية‌ 85، من‌ السورة‌ ï ï 28:القصص‌): إِنَّ الَّذِي‌ فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَي‌' مَعَادٍ. ومنها مواطن‌ أخبر فيها النبي‌ّ الاكرم‌ بالغيب‌ في‌ مقام‌ التحدّي‌ وإعجاز القرآن‌ بأن‌ يأتي‌ كلّ من‌ يستطيع‌ بسورة‌ أو عشر سور مثله‌، ولم‌يأت‌ أحد بذلك‌. منها (الآية‌ 38، من‌ السورة‌ 10: يونس‌): فَأْتُو بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ. و(الآية‌ 13، من‌ السورة‌ 11: هود): فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَـ'تٍ. ومنها مواضع‌ جاء فيها الوعد بالفتوحات‌ والغنائم‌ الكثيرة‌، كـ (الآية‌ 20، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌): وَعَدَكُمُ اللَهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا. ومنها إخباره‌ تعالي‌ أ نّه‌ يحفظ‌ نبيّه‌ من‌ أذي‌ المنافقين‌، كـ(الآية‌ 67، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌): وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. و(الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌): وَإِن‌ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن‌ يَضُرُّوكَ شَيئًا. ومنها إخباره‌ بكفر أبي‌ لهب‌ وكونه‌ في‌ جهنّم‌ في‌ (الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 111: المسد): سَيَصْلَي‌' نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. ومنها إخباره‌ تعالي‌ بحفظ‌ نبيّه‌ من‌ أذي‌ مشركي‌ العرب‌ عندما كانوا يعذّبون‌ المسلمين‌ في‌ رمضاء الحجاز، كـ(الآيتين‌ 94 و 95، من‌ السورة‌ 15: الحجر): فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَـ'كَ الْمُسْتَهْزِءِينَ. وبعض‌ الموارد الاُخري‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ الفتح‌، كقوله‌: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ ـسَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَي‌' مَغَانِمَـ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا. وجاء في‌ كتاب‌ «راه‌ سعادت‌» (=طريق‌ السعادة‌) لآية‌الله‌ الفقيد الميرزا أبي‌ الحسن‌ الشعرانيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌، وهو من‌ الكتب‌ المفيدة‌، سـتّة‌ وعشـرون‌ خبراً غيبيّاً عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، من‌ ص‌ 49 إلی 74.

[25] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 20، ص‌ 135.

[26] ـ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 3، ص‌ 353 و 354، طبعة‌ مصر، مطبعة‌ السعادة‌، سنة‌ 1367.

[27] ـ «الخرائج‌ والجرائح‌» ص‌ 228 و 229، في‌ مجموعة‌ مجلّدة‌ مع‌ «الاربعين‌» للمجلسي‌ّ؛ و«كفاية‌ الاثر» للشيخ‌ علی بن‌ محمّد الخزّاز؛ وكذلك‌ رواها المجلسيّ في‌ بحاره‌ عن‌ «الخرائج‌ والجرائح‌» ج‌ 9، ص‌ 582 طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[28] ـ «مدينة‌ المعاجز» ص‌ 128 و 129، الحديث‌ 361.

[29] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 432، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[30] ـ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 81: التكوير.

[31] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 432، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[32] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» طبعة‌ مصر وأُوفسيت‌ بيروت‌، دار المعرفة‌، دار الكاتب‌ العربي‌ّ، دار إحياء التراث‌ العربي‌ّ؛ وقد ورد فيه‌ ثَعْلَبَة‌ بدلاً من‌ تَغْلِبَة‌، و عُبَيْد بدلاً من‌ عبدالله‌.

[33] ـ وردت‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ في‌ خمسـة‌ مواضـع‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌. وفيها كناية‌ عن‌ أنّذنوب‌ كلّ امري‌ءٍ وأوزار معصيته‌ تتعلّق‌ به‌ نفسه‌، ولا مسؤول‌ عنها غيره‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com