بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الاسلام / المجلد الثالث عشر / القسم السادس: الجواب عن الحدیث المجعول لتقلیل منزلة علی علیه السلام، صبر رسول اله...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الجواب‌ عن‌ حديث‌ البخاري‌ّ المنحول‌

 تفرّد البخاري‌ّ وحده‌ في‌ نقل‌ هذا الحديث‌، إذ لم‌ يُلْحَظْ في‌أي‌ّ كتاب‌ من‌ كتب‌ أهل‌ السنّة‌ وصحاحهم‌، وكلّ مَن‌ جاء بعده‌ من‌ مصنّفي‌ كتب‌ السيرة‌ والتأريخ‌ أخذه‌ منه‌. والله‌ أعلم‌ هل‌ وضعه‌ البخاري‌ّ نفسه‌ أو أخذه‌ من‌ وضّاع‌ آخر ؟ ولاريب‌ أنّ البخاري‌ّ كان‌ ضاغناً علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، إذ ذكر الاحاديث‌ المرويّة‌ في‌ مناقبه‌ وفضائله‌ مبتورةً، وقد وجدنا عنده‌ حالات‌ كثيرة‌ من‌ هذا القبيل‌.

 وقال‌ ابن‌ كثير الذي‌ نقل‌ هذا الحديث‌ في‌ تأريخه‌: انْفَرَد بِهِ البُخَارِي‌ُّ. [1]

 وذكره‌ ميرخواند في‌ « روضة‌ الصفا » بنحو يقبله‌ العقل‌ تقريباً. ولعلّ أصل‌ الحديث‌ هو المذكور عنده‌، ثمّ حُرِّف‌ عند البخاري‌ّ واتّخذ ذلك‌ الطابع‌ الذي‌ لايُعقل‌.

 يقول‌ ميرخواند: ينقل‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ خرج‌ يوماً من‌ عند رسول‌الله‌ في‌ مرضه‌ الذي‌ مات‌ منه‌، فقال‌ له‌ الصحابة‌: كيف‌ حال‌ رسول‌الله‌ هذا اليوم‌ يا أبا الحسن‌ ؟! فقال‌: أصبح‌ بحمد الله‌ علی‌ أحسن‌ وجه‌. فأخذ العبّاس‌ يد علی‌ّ وقال‌ له‌ بصوت‌ خفيض‌: سينتقل‌ النبي‌ّ إلی جوار رحمة‌ ربّ العالمين‌ بعد ثلاثة‌ أيّام‌، لا نّي‌ أري‌ أمارات‌ الموت‌ علی‌ وجهه‌ المبارك‌. والآن‌ تقتضي‌ المصلحة‌ أن‌ نذهب‌ عنده‌ ونسأله‌ لمن‌ تكون‌ الخلافة‌ بعده‌ ؟ فإذا كانت‌ لنا، فيها، وإذا كانت‌ لغيرنا، سألناه‌ أن‌ يوصيه‌ بنا. فامتنع‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ وقال‌: والله‌ لا أسأله‌ ولا أطلب‌ الدنيا. [2]

 نلاحظ‌ في‌ نحل‌ هذا الحديث‌ أنّ عدداً من‌ النقاط‌ المهمّة‌ قد زُوِّرت‌ ودُسّت‌ في‌ جواب‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ لابن‌ عبّاس‌.

 الاُولي‌: يُشعرنا الحديث‌ أنّ الإمام علیه‌ السلام‌ لم‌ يعلم‌ بخلافته‌. وبعامّة‌ لم‌يُنْصَبْ أحدٌ خليفةً لرسول‌ الله‌، وكانت‌ هناك‌ حاجة‌ إلی سؤال‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌. وهذه‌ أهمّ نقطةً دقيقة‌ يتوكّأ علیها الحزب‌ المناوي‌، ويريد أن‌ يُثبت‌ أحقّيّته‌ علی‌ هذا الاساس‌.

 الثانية‌: يُحتمل‌ أن‌ يمنع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ علیاً علیه‌ السلام‌ من‌ الخلافة‌ بعد سؤاله‌ رسولَ الله‌، وحينئذٍ لن‌ تكون‌ الخلافة‌ من‌ نصيبه‌. وهذه‌ من‌ أبدع‌ مكائد التزوير، إذ تُتيح‌ للحزب‌ المناوي‌ فرصة‌ أكبر لان‌ يجول‌ ويصول‌ أ نّي‌ شاء، كما تمنحه‌ مجالاً أوسع‌ لتوطيد دعائمه‌.

 الثالثة‌: يبيّن‌ لنا الحديث‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ رجل‌ محبّ للدنيا والرئاسة‌ والإمارة‌، فإذا ما منعه‌ رسول‌ الله‌، فإنّ الناس‌ لن‌ ينصبوه‌ خليفة‌. فلندع‌ السؤال‌ إذن‌، إذ يزول‌ عندئذٍ احتمال‌ الرئاسة‌ والإمارة‌ وإن‌ كان‌ في‌ أعصار بعيدة‌.

 هذه‌ هي‌ الاحتمالات‌ الواردة‌ في‌ الحديث‌ المذكور، ومواطن‌ الدسّ والتزوير واضحة‌ فيه‌ إلی درجة‌ أنّ كلّ من‌ له‌ اطّلاع‌ مجمل‌ علی‌ سيرة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وسيرة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وتأريخ‌ ذينك‌ العظيمين‌، يعلم‌ أ نّه‌ كذب‌ وافتراء. فإنّ خلافته‌ قد عُيِّنَتْ من‌ قبل‌، وأنّ رسول‌ الله‌ يراه‌ خليفته‌ الوحيد الفريد، وكان‌ هو نفسه‌ مطّلعاً علی‌ هذا الموضوع‌، وأنّ أمر سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ وترشيح‌ أبي‌ بكر للخلافة‌ كان‌ غامضاً لديه‌ ولا يمكن‌ قبوله‌ كما يبدو. وتدلّ علی‌ ذلك‌ خطب‌ « نهج‌ البلاغة‌ » وسائر الخطب‌ والاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ الشيعة‌ والعامّة‌، والعالم‌ كلّه‌ يعلم‌ بما فيه‌ مؤرّخو اليهود والنصاري‌، والمستشرقون‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ لم‌ يكن‌ طالب‌ حكم‌ ورئاسة‌. لقد كان‌ رجلاً إلهيّاً بما لهذه‌ الكلمة‌ من‌ معني‌، ولم‌تزنه‌ الخلافة‌، بل‌ هو زانها. ونجد أنّ بعض‌ العامّة‌ يقرّون‌ أ نّه‌ لم‌يكن‌ من‌ أهل‌ السياسة‌، بل‌ كان‌ هو وخاصّة‌ أصحابه‌ كالمسيح‌ وحواريّيه‌ شغلهم‌ الشاغل‌ هو الشؤون‌ المعنويّة‌ والروحانيّة‌ والإلهيّة‌. لقد كان‌ علیه‌ السلام‌ ملاكاً سماويّاً، فما شأنه‌ والانهماك‌ في‌ الشؤون‌ الدنيويّة‌ واللعب‌ السياسيّة‌ ومزاولتها ؟

 إنّ الحديث‌ المذكور وأمثاله‌ علی‌ درجة‌ واضحة‌ من‌ النحل‌ والافتراء بحيث‌ إنّ كلّ من‌ كان‌ له‌ أدني‌ اطّلاع‌ علی‌ الاخبار والتأريخ‌ يحكم‌ بتزويره‌ فور رؤيته‌. ونحن‌ عندما أُمرنا من‌ قِبل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أن‌ نعرض‌ الاخبار علی‌ كتاب‌ الله‌ فنقبل‌ منها ما وافقه‌ ونرفض‌ ما خالفه‌، فإنّنا نري‌ أنّ معظم‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ قد نزلت‌ في‌ شأنه‌ وفضائله‌. حتّي‌ نقل‌ أثباتُ العامّة‌ ومشاهيرهم‌ مصدِّقين‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: مَا أَنْزَلَ اللَهُ آيَةً فِيهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إلاَّ وَعلی‌ٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. [3]

 وعندما نجد أنّ أعيان‌ العامّة‌ رووا فيه‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌ للانصار: يَا مَعْشَرَ الاَنْصَارِ ! أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَی‌ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً ؟! قَالُوا: بَلَي‌ يَا رَسُولَ اللَهِ ! قَالَ: هَذَا علی‌ُّ فَأَحِبُّوهُ بِحُبِّي‌ وَأَكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي‌، فَإنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَني‌ بِالَّذِي‌ قُلْتُ لَكُمْ مِنَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ.[4]

 وعندما نقرأ أ نّهم‌ رووا فيه‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌ له‌: يَا علی‌ُّ ! أَخْصِمُكَ بِالنُّبُوَّةِ وَلاَ نُبُوَّةَ بَعْدِي‌. [5] وأنت‌ فُقتَ الناس‌ جميعهم‌ بسبع‌ خصال‌.

 وعندما نجد أنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ نزلت‌ في‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كما في‌ التفاسير الموثوقة‌ لاهل‌ السنّة‌ كتفسير الثَّعْلَبي‌، والقُرطبي‌ّ، و « الدرّ المنثور»، علمنا أنّ الحديث‌ المذكور منحول‌ وموضوع‌.

 ويمكننا من‌ خلال‌ الموازنة‌ بين‌ الاحاديث‌ أن‌ نقف‌ علی‌ صدقها وكذبها، فنرفضها أو نقبلها.

 وكذلك‌ عندما نجد أنّ القرآن‌ الكريم‌ أحبط‌ عمل‌ الذين‌ يرفعون‌ أصواتهم‌ فوق‌ صوت‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، أي‌: أنّ جميع‌ حسناتهم‌ وأعمالهم‌ الصالحة‌ التي‌ قاموا بها من‌ قبل‌ تُحبَط‌ وتزول‌ فور القيام‌ بالعمل‌ المذكور ( و هذا هو معني‌ حبط‌ الاعمال‌ )، عندما نجد ذلك‌، ونلاحظ‌ من‌ جهة‌ أُخري‌ أنّ عمر رفع‌ صوته‌ فوق‌ صوت‌ رسول‌ الله‌ ونسب‌ إليه‌ الهجر، وأعدّ هو وأصحابه‌ مجلس‌ الانتهاك‌ والتعدّي‌ حقّاً، فحينئذٍ نفهم‌ أنّ الاحاديث‌ التي‌ نقرأها في‌ كتب‌ العامّة‌ حول‌ فضائله‌ ومناقبه‌ كلّها منحولة‌ موضوعة‌. لانّ رسول‌ الله‌ قال‌: قيسوا صحّة‌ الحديث‌ بكتاب‌ الله‌ ! فإذا جعل‌ كتابُالله‌ جزاءَ رفع‌ الصوت‌ عند رسول‌ الله‌ حبطاً للاعمال‌، فكيف‌ يتسنّي‌ لنا إذن‌ أن‌ نسلّم‌ بهذه‌ المناقب‌ المنحولة‌ ؟!

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ أبي‌ الفداء الدمشقي‌ّ الماكر في‌ الجمع‌ بين‌ أحاديث‌ الوصيّة‌

 البحث‌ العاشر: قال‌ أبو الفداء ابن‌ كثير الدمشقي‌ّ في‌ تاريخه‌ بعد إيراد الحديث‌ الاوّل‌ الذي‌ نقلناه‌ عن‌ البخاري‌ّ، ثمّ ذكرناه‌ عن‌ مسلم‌، وهو أيضاً رواه‌ عنهما، وجاء فيه‌: مَا شَأْنُهُ ؟ أَهَجَرَ ؟ اسْتَفْهِمُوهُ ! وَهَذَا الحَدِيثُ مِمَّا قَدْ تَوَهَّمَ بِهِ بَعْضُ الاَغْبِيَاء مِنْ أَهْلِ البِدَعِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ ؛ كُلٌّ مُدَّعٍ أَ نَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ فِي‌ ذَلِكَ الكِتَابِ مَا يَرْمُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَقَالاَتِهِمْ. ثمّ قال‌: هذا توهّم‌ باطل‌. وهذا هو التمسّك‌ بالمتشابه‌ وترك‌ المحكم‌، وأهل‌ السنّة‌ يأخذون‌ بالمحكَم‌ ويردّون‌ ما تشابه‌ إليه‌. وهذه‌ هي‌ طريقة‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌ كما وصفهم‌ الله‌ عزّ وجلّ في‌ كتابه‌.

 ثمّ قال‌: وهذا الموضع‌ ممّا زلّ فيه‌ أقدام‌ كثير من‌ أهل‌ الضلالات‌. وأمّا أهل‌ السنّة‌ فليس‌ لهم‌ مذهب‌ إلاّ اتّباع‌ الحقّ يدورون‌ معه‌ كيفما دار. وهذا الذي‌ كان‌ يريد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أن‌ يكتبه‌ قد جاء في‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ التصريح‌ بكشف‌ المراد منه‌. فإنّه‌ قد قال‌ الإمام أحمد ابن‌ حنبل‌ عن‌ مؤمّل‌، عن‌ نافع‌، عن‌ ابن‌ عمر، وابن‌ أبي‌ مليكة‌، عن‌ عائشة‌ أ نّها قالت‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ واله‌ في‌ مرض‌ موته‌: ادْعُوا لِي‌ أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ لِكَي‌ لاَ يَطْمَعَ فِي‌ أَمْرِ أَبِي‌ بَكْرٍ طَامِعٌ وَلاَ يَتَمَنَّاهُ مُتَمَنٍّ. ثمّ قال‌: يَأَبَي‌ اللَهُ ذَلِكَ وَالمُؤْمِنُونَ مَرَّتَيْنِ. انفرد به‌ أحمد من‌ هذا الوجه‌.

 وروي‌ أحمد بن‌ حنبل‌ أيضاً عن‌ أبي‌ معاوية‌، عن‌ عبد الرحمن‌ بن‌ أبي‌ بكر القرشي‌ّ، عن‌ ابن‌ أبي‌ مليكة‌، عن‌ عائشة‌ قالت‌: لمّا ثقل‌ رسول‌الله‌، قال‌ لعبد الرحمن‌ بن‌ أبي‌ بكر: ائْتِنِي‌ بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ حَتَّي‌ أَكْتُبَ لاِبِي‌ بَكْرٍ كِتَاباً لاَ يَخْتَلِفُ عَلَیهِ أَحَدٌ. فلمّا ذهب‌ عبد الرحمن‌ ليقوم‌، قال‌: أَبَي‌ اللَهُ وَالمُؤْمِنُونَ أَنْ يَخْتَلِفَ عَلَیكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ! انفرد به‌ أحمد من‌ هذا الوجه‌ أيضاً.

 وروي‌ أيضـاً عن‌ يحيي‌ بـن‌ يحيي‌، عن‌ سليمان‌ بن‌ بلال‌، عن‌ يحيي‌ ابن‌ سعيد، عن‌ القاسم‌ بن‌ محمّد، عن‌ عائشة‌ أ نّها قالت‌: قال‌ رسول‌الله‌: لَقَدْ هَمَمْتُ أَن‌ أُرْسِلَ إلَی أَبِي‌ بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّي‌ مُتَمَّنُونَ، فَقَالَ: يَأْبَي‌ اللَهُ ـ أَوْ يَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَهُ وَيَأْبَي‌ المُؤْمِنُونَ. [6]

 الرجوع الي الفهرس

الاحاديث‌ المتقدّمة‌ من‌ وضع‌ عائشة‌

 لا يداخلنا الريب‌ أنّ هذه‌ الاحاديث‌ من‌ صنع‌ عائشة‌، إذ وضعتها لتعزيز موقع‌ أبيها وأخيها عبدالرحمن‌ الذي‌ أُرصد له‌ العذاب‌ الابدي‌ّ حسب‌ الآيتين‌ الكريمتين‌: وَالَّذِي‌ قَالَ لِوَ ' لِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي‌´ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن‌ قَبْلِي‌ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إنَّ وَعْدَ اللَهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـ'ذَآ إِلآ أَسَـ'طِيرُ الاْوَّلِينَ * أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَیهِمُ الْقَوْلُ فِي‌´ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن‌ قَبْلِهِم‌ مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَـ'سِرِينَ، [7] وعائشة‌ هي‌ التي‌ أوقدت‌ نار الجَمَل‌، وسبّبت‌ في‌ قتل‌ اثني‌ عشر ألفاً من‌ المسلمين‌، بعد أن‌ ركبت‌ جملها وتولّت‌ قيادة‌ الجيش‌ من‌ أجل‌ إطفاء نور أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ الإمام بالحقّ والحجّة‌ علی‌ الخلق‌ ومركز الولاية‌ ومصدر الصدق‌ والحقيقة‌.

 وهي‌ التي‌ كانت‌ تقول‌ في‌ عثمان‌: اقْتُلُوا نَعْثَلاً فَقَدْ كَفَرَ. ولكن‌ لمّا بايع‌ الناس‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، قالت‌: علی‌ّ قاتل‌ عثمان‌، وكتبت‌ إلی الامصار تدعو الناس‌ إلی حرب‌ أمير المؤمنين‌ متذرِّعة‌ بأنّ عثمان‌ قُتل‌ مظلوماً وأنّ علیاً هو الذي‌ قتله‌.

 ولكن‌ ما عسانا أن‌ نقول‌ لإخواننا السنّة‌ الذين‌ يرون‌ أنّ عائشة‌ هي‌ الصدِّيقة‌ الوحيدة‌، وقد أضفوا علیها لقب‌ حبيبة‌ رسول‌ الله‌، وعدّوها طاهرة‌ مطهّرة‌ أمينة‌ صادقة‌، وصحّحوا الاحاديث‌ المنقولة‌ عنها.

 ونحن‌ ندعو القرّاء الكرام‌ إلی مطالعة‌ كتاب‌ « أحاديث‌ أُمّ المؤمنين‌ عائشة‌ » للعلاّمة‌ الجليل‌ المجاهد ابن‌ خالنا المكرّم‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ السيّد مرتضي‌ العسكري‌ّ [8] أطال‌ الله‌ بقاءه‌، وأمدّ في‌ عمره‌ الشريف‌ ونفع‌ المسلمين‌ بدوام‌ حياته‌ ومؤلّفاته‌، وذلك‌ من‌ أجل‌ أن‌ تستبين‌ لهم‌ سيرة‌ عائشة‌ وأحاديثها.

 ولا نروم‌ التحدّث‌ عن‌ عائشة‌ وأحاديثها المنحولة‌ الموضوعة‌ هنا أو في‌ مواطن‌ أُخري‌. وإنّما يحوم‌ حديثنا حول‌ أبي‌ الفداء الدمشقي‌ّ مؤلّف‌ كتاب‌ « البداية‌ والنهاية‌ » الذي‌ عدّ الاحاديث‌ المنقولة‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ في‌ رزيّة‌ يوم‌ الخميس‌ التي‌ طلب‌ فيها رسول‌ الله‌ الكتف‌ والدواة‌ متشابهة‌، والاحاديث‌ الموضوعة‌ علی‌ لسان‌ عائشة‌ محكمة‌، وأرجع‌ تلك‌ الاحاديث‌ إلی هذه‌ الاحاديث‌، وتقوّل‌ علی‌ الشيعة‌ وقذفهم‌ بالغباء والحمق‌، إذ استهدوا بها دليلاً علی‌ ولاية‌ أمير المؤمنين‌ وخلافته‌.

 ونكتفي‌ في‌ شرح‌ وتوضيح‌ بطلان‌ كلام‌ هذا الرجل‌ المتعصّب‌ بالقول‌: حسناً، نحن‌ لا نقول‌ شيئاً إذ حسبتَ تلك‌ الاحاديث‌ ( الاحاديث‌ المنقولة‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌) متشابهة‌، وهذه‌ الاحاديث‌ ( المنقولة‌ عن‌ عائشة‌ ) محكمة‌، لكن‌ كيـف‌ تنكـر الحقيقة‌ والمعالـم‌ واضـحة‌ دالّـة‌ علیها ؟ إذا كان‌ مـراد رسول‌الله‌ من‌ كتابته‌ الوصيّة‌ لابي‌ بكر، فلماذا زعق‌ عمر وأعوانه‌ ؟ ولماذا نسب‌ الهجر إلی رسول‌ الله‌ ؟ ولماذا أخلّوا بنظم‌ المجلس‌ وكثر اللَّغط‌ وعلت‌ الجَلَبة‌ ؟ ولماذا قال‌ رسول‌ الله‌: هذه‌ النساء خير منكم‌ ؟ وقال‌: قوموا، اذهبوا ؟ ولماذا عدّ ابن‌ عبّاس‌ تلك‌ القضيّة‌ رزيّة‌ ؟ ولماذا ذكر شدّة‌ تلك‌ المصيبة‌ وصعوبتها بقوله‌: يوم‌ الخميس‌ وما يوم‌ الخميس‌ ؟ ولماذا بكي‌ حتّي‌ ابتلّ الحصي‌ بدموع‌ عينيه‌، وكانت‌ دموعه‌ تسيل‌ كحبّات‌ اللؤلؤ ؟

 كان‌ عمر النصير الوحيد لابي‌ بكر، وكان‌ معينه‌ وأخاه‌ وأداته‌ التنفيذيّة‌ ! فلابدّ أن‌ يبتهج‌ إذا ما أراد النبي‌ّ أن‌ يوصي‌ له‌، ولابدّ أن‌ يؤيّده‌، ويري‌ كلامه‌ وحياً منزلاً ! فلماذا أثار تلك‌ الضجّة‌ مشاقّة‌ لرسول‌ الله‌، فيقول‌ بعض‌ الحاضرين‌: ائتوا بالكتف‌ والدواة‌ كما قال‌ رسول‌ الله‌، وبعض‌ آخر يري‌ ما رآه‌ عمر فلا حاجة‌ إلی ذلك‌ ؟

 هذه‌ كلّها قرائن‌ وأدلّة‌ ساطعة‌ كالشمس‌، وهي‌ تكشف‌ لنا أنّ المراد من‌ كتابة‌ رسول‌ الله‌ كتابة‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ وتفصيل‌ حديث‌ الثَّقَلَين‌ المتكرّر.

 ولو كانت‌ الاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ عائشة‌ صحيحة‌ أيضاً، فعلیك‌ أن‌ تعدّها محكمة‌ بهذه‌ القرائن‌ الكثيرة‌، في‌ الاحاديث‌ العديدة‌ التي‌ ذكرها البخاري‌ّ، ومسلم‌، وأحمد، وغيرهم‌، وسندها صحيح‌ أيضاً، وتعدّ أحاديث‌ أحمد متشابهة‌، وتُرجع‌ تلك‌ إلی هذه‌، فتكون‌ قد قمت‌ بعمل‌ عقلائي‌ّ، وأرحتَ نفسك‌ والمسلمين‌ وأتباع‌ مذهبك‌، ونفضتَ عنك‌ غبار الجهل‌ والإصرار علی‌ العناد بشهادة‌ أَنَّ علیاً أمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الوَصِيِّينَ وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَهِ ! وهذا هو الصراط‌ المستقيم‌.

 بَيْدَ أ نّك‌ لم‌ تفعل‌ ذلك‌ ! وحسبتَ الشيعة‌ ضالّين‌ إذ وصفتهم‌ بالغباء والحمق‌، وظننتَ أنّ الموضوع‌ قد انتهي‌ عند هذا الحدّ ! هَيهاتَ ! هَيهاتَ ! فإنّ الآيات‌ الظاهرة‌ مَعْلَم‌ علی‌ إخفاء الحقيقة‌. ونحن‌ الشيعة‌ نحمّلكم‌ أنتم‌ العلماء والمصنّفون‌ والمؤلّفون‌ وِزر الاُمّة‌ المسكينة‌ وإصرها، فإنّكم‌ زوّرتم‌ الحقائق‌ مع‌ علمكم‌ وتدبيركم‌ ! إنّكم‌ عجزتم‌ عن‌ أن‌ تفعلوا شيئاً لهذه‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ المرويّة‌ في‌ صحاحكم‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ وهي‌ أظهر من‌ الشمس‌ في‌ دلالتها ! وعجزتم‌ عن‌ أن‌ تقدحوا في‌ صحّتها ! وعجزتم‌ عن‌ أن‌ تتغاضوا عنها فتريحوا أنفسكم‌ من‌ شرّها ! عجزتم‌ عن‌ ذلك‌ كلّه‌ وجئتم‌ فحسبتموها متشابهة‌ بهذا التزوير والدسّ، وخلتم‌ أنفسكم‌ من‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌ وجلسـتم‌ مجلسـهم‌ وَالرَّ ' سِـخُونَ فِي‌ الْعِلْمِ [9] واحسرتاه‌، إذ لم‌تعلموا أ نّهم‌ يريدون‌ أن‌ يضلّوكم‌ وينزلوكم‌ من‌ مجلسكم‌.

 الرجوع الي الفهرس

أجوبة‌ علماء العامّة‌ في‌ الاعتذار عن‌ عمل‌ عمر مرفوضة‌ كلّها

 البحث‌ الحادي‌ عشر: إنّ الاجوبة‌ التي‌ قدّمها علماء العامّة‌ لهذا الحديث‌ تتمثّل‌ في‌ أنّ مراد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ هذه‌ الكتابة‌ لم‌يكن‌ الوصيّة‌ لعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌، وتعود محصّلة‌ تلك‌ الاجوبة‌ إلی عدد من‌ الاجوبة‌، هي‌:

 الاوّل‌: لعلّ رسول‌ الله‌ حين‌ أمرهم‌ بإحضار الدواة‌ والكتف‌ لم‌يكن‌ قاصداً لكتابة‌ شي‌ء من‌ الاشياء، وإنّما أراد بكلامه‌ مجرّد اختبارهم‌، هل‌ يطيع‌ أحد أمره‌ أم‌ لا ؟ كاختبار الله‌ تعإلی إبراهيم‌ في‌ ذبح‌ ولده‌، اذ لم‌يكن‌ القصد حقيقة‌ الذبح‌، بل‌ هو اختبار إبراهيم‌ علیه‌ السلام‌.

 وتنبّه‌ عمر الفاروق‌ وحده‌ هنا لهذه‌ النقطة‌ دون‌ غيره‌ من‌ الصحابة‌، فمنعهم‌ من‌ الإحضار، فيجب‌ ـعلی‌ هذاـ عدّ تلك‌ الممانعة‌ في‌ جملة‌ كراماته‌ وموافقاته‌ لربّه‌ تعإلی.

 ولا يصحّ هذا الجواب‌، لانّ قوله‌: لاَ تَضِلُّوا يأبي‌ ذلك‌، لا نّه‌ جواب‌ ثان‌ لامر رسول‌ الله‌: ائْتُونِي‌، وجوابه‌ الاوّل‌: أَكْتُبْ. فمعناه‌ أ نّكم‌ إن‌ أتيتم‌ بالدواة‌ والكتف‌، أكتب‌ لكم‌، وإذا كتبتُ لا تضلّوا بعده‌ ! ولايخفي‌ أنّ الإخبار بمثل‌ هذا الخبر لمجرّد الاختبار إنّما هو نوع‌ من‌ الكذب‌ الواضح‌ الذي‌ يجب‌ تنزيه‌ كلام‌ الانبياء علیهم‌ السلام‌ عنه‌، لا سيّما في‌ موضع‌ يكون‌ ترك‌ إحضار الدواة‌ والكتف‌ أولي‌ من‌ إحضارهما.

 مضافاً إلی ذلك‌، أنّ صريح‌ الحديث‌ يدلّ علی‌ أنّ هذه‌ الواقعة‌ إنّما كانت‌ حال‌ احتضار رسول‌ الله‌، فالوقت‌ لم‌ يكن‌ وقت‌ اختبار، وإنّما كان‌ وقت‌ إعذار وإنذار، ووصيّة‌ بكلّ مهمّة‌، ونظر في‌ الاُمور الواجبة‌ الذكر، ونصح‌ تامّ للاُمّة‌.

 والمحتضر بعيد عن‌ الهزل‌ والمفاكهة‌، مشغول‌ بنفسه‌ وبمهمّاته‌، ومهمّات‌ ذويه‌، ولا سيّما إذا كان‌ نبيّاً. وإذا كانت‌ صحّته‌ مدّة‌ حياته‌ كلّها لم‌تسع‌ اختبارهم‌، فكيف‌ يسعها وقت‌ احتضاره‌ ؟

 علی‌ أنّ قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ حين‌ أكثروا اللغو واللَّغَط‌ والاختلاف‌ عنده‌: « قوموا » ظاهر في‌ استيائه‌ منهم‌. ولو كان‌ الممانعون‌ مصيبين‌ لاستحسن‌ ممانعتهم‌، وأظهر الارتياح‌ إليها.

 ومَن‌ أَلَمَّ بأطراف‌ هذا الحديث‌، وبخاصّة‌ قول‌ عمر: هَجَرَ رَسُولُاللَهِ يقطع‌ بأ نّهم‌ كانوا عالمين‌ أ نّه‌ إنّما يريد أمراً يكرهونه‌، ولذا تجاسروا بكلمة‌ هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ تلك‌ وأكثروا عنده‌ اللغو واللغط‌ والاختلاف‌ كما لايخفي‌، وبكاء ابن‌ عبّاس‌ بعد ذلك‌ لهذه‌ الحادثة‌، وعدّها رزيّة‌ دليل‌ علی‌ بطلان‌ هذا الجواب‌.

 ولو كان‌ هذا الامر للاختبار، فإنّه‌ دليل‌ علی‌ ذمّ عمر لا مدحه‌، لا نّه‌ سقط‌ فيه‌ ! ونحن‌ نجد في‌ الامر الاختباري‌ّ كما في‌ قصّة‌ إبراهيم‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ عمل‌ حسب‌ الامر الموجَّه‌ إليه‌، لكنّ الله‌ حال‌ بينه‌ وبين‌ تنفيذ العمل‌. أمّا عمر فإنّه‌ لم‌ يأتمر بل‌ خالف‌ منذ البداية‌. ولو قام‌ وأتي‌ بالكتف‌ والدواة‌، ومنعه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ ذلك‌، لكان‌ هذا التسويغ‌ موجّهاً، بَيدَ أنّ الموضوع‌ علی‌ عكس‌ ذلك‌ !

 الثاني‌: إنّ أمره‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ هنا لم‌ يكن‌ أمر عزيمة‌ وإيجاب‌ حتّي‌ لايجوز ردّه‌، ويصير الرادّ عاصياً، بل‌ كان‌ أمر مشورة‌. لانّ الناس‌ كانوا يردّون‌ كلام‌ النبي‌ّ في‌ بعض‌ تلك‌ الاوامر، ولا سيّما عمر، فإنّه‌ كان‌ يعلم‌ من‌ نفسه‌ أ نّه‌ موفّق‌ للصواب‌ في‌ إدراك‌ المصالح‌، وكان‌ صاحب‌ إلهام‌ من‌ الله‌ تعإلی. وقد أراد التخفيف‌ عن‌ النبي‌ّ إشفاقاً علیه‌ من‌ التعب‌ الذي‌ يلحقه‌ بسبب‌ إملاء الكتاب‌ في‌ حال‌ المرض‌ والوجع‌، وقد رأي‌ أنّ ترك‌ إحضار الدواة‌ والبياض‌ أولي‌.

 وربّما خشي‌ أن‌ يكتب‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أُموراً يعجز الناس‌ فيستحقّون‌ العقوبة‌ بسبب‌ ذلك‌، لا نّها تكون‌ منصوصة‌ لا سبيل‌ إلی الاجتهاد فيها.

 ولعلّه‌ خاف‌ من‌ المنافقين‌ أن‌ يقدحوا في‌ صحّة‌ ذلك‌ الكتاب‌ لكونه‌ في‌ حال‌ المرض‌ فيصير سبباً للفتنة‌، فقال‌: حَسبُنَا كِتَابُ اللَهِ لقوله‌ تعإلی: مَّا فَرَّطْنَا فِي‌ الْكِتَـ'بِ مِن‌ شَيْءٍ. [10] وقوله‌: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیكُمْ نِعْمَتِي‌. [11] وكأنّ عمر أمِنَ من‌ ضلال‌ الاُمّة‌ حيث‌ أكمل‌ الله‌ لها الدين‌ وأتمّ علیها النعمة‌، لذا قال‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ.

 وهذا الجواب‌ لا يصحّ أيضاً، لانّ قول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: لاَ تَضِلُّوا يفيد أنّ الامر أمر عزيمة‌ وإيجاب‌ لا أمر مشورة‌. لانّ السعي‌ فيما يوجب‌ الامن‌ من‌ الضلال‌ واجب‌ مع‌ القدرة‌ علیه‌ بلا ارتياب‌. واستياء النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ منهم‌ وقوله‌ لهم‌: قوموا، حين‌ لم‌يمتثلوا أمره‌ دليل‌ آخر علی‌ أنّ أمره‌ إنّما كان‌ للإيجاب‌ لا للمشورة‌.

 ومضافاً إلی ذلك‌ فإنّهم‌ قالوا: إنّ عمر كان‌ موفّقاً للصواب‌ في‌ إدراك‌ المصالح‌، وكان‌ صاحب‌ إلهام‌ من‌ الله‌ تعإلی. وهذا ممّا لا يُصغي‌ إليه‌ في‌ مقامنا هذا، لا نّه‌ يرمي‌ إلی أنّ الصواب‌ في‌ هذه‌ الواقعة‌ إنّما كان‌ في‌ جانبه‌ لافي‌ جانب‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وأنّ إلهام‌ عمر يومئذٍ كان‌ أصدق‌ من‌ الوحي‌ الذي‌ نطق‌ عنه‌ الصادق‌ الامين‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌.

 وإذا قال‌ أحد هنا لردّ الامر الإيجابي‌ّ: لو كان‌ الإتيان‌ بالدواة‌ والكتاب‌ واجباً، وكانت‌ الكتابة‌ واجبة‌ علی‌ النبي‌ّ، ما تركها بمجرّد مخالفتهم‌، كما أ نّه‌ لم‌يترك‌ التبليغ‌ بسبب‌ مخالفة‌ الكافرين‌.

 وجوابه‌: لو تمّ هذا الكلام‌، فإنّما يفيد كون‌ كتابة‌ ذلك‌ الكتاب‌ غير واجبة‌ علی‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌. وهذا لا يُنافي‌ وجوب‌ الإتيان‌ بالدواة‌ والكتف‌ علیهم‌ حين‌ أمرهم‌ النبي‌ّ به‌، وبيّن‌ لهم‌ أنّ فائدته‌ الامن‌ من‌ الضلال‌ ودوام‌ الهداية‌ لهم‌. إذ الاصل‌ في‌ الامر إنّما هو الوجوب‌ علی‌ المأمور، لاعلی‌ الآمر، ولا سيّما إذا كانت‌ فائدته‌ إلی المأمور خاصّة‌، والوجوب‌ علیهم‌ هو محلّ الكلام‌، لا الوجوب‌ علیه‌. علی‌ أ نّه‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ واجباً علی‌ النبي‌ّ أيضاً، ثمّ سقط‌ الوجوب‌ عنه‌ بعدم‌ امتثالهم‌، وقولهم‌: هَجَرَ، حيث‌ لم‌يبق‌ لذلك‌ الكتاب‌ أثر سوي‌ الفتنة‌ والفساد.

 الثالث‌: إنّ عمر لم‌ يفهم‌ من‌ كلام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أنّ ذلك‌ الكتاب‌ سيكون‌ سبباً لحفظ‌ كلّ فرد من‌ أفراد الاُمّة‌ من‌ الضلال‌، بحيث‌ لايضلّ بعده‌ منهم‌ أحد أصلاً، وإنّما فهم‌ من‌ قوله‌: لا تضلّوا، أ نّكم‌ لاتجتمعون‌ علی‌ الضلال‌ بقضّكم‌ وقضيضكم‌، وكان‌ يعلم‌ أنّ اجتماعهم‌ علی‌ الضلال‌ ممّا لا يكون‌ أبداً، وبسبب‌ ذلك‌ لم‌ يجد أثراً لكتابته‌. وظنّ أنّ مراد النبي‌ّ ليس‌ إلاّ زيادة‌ الاحتياط‌ في‌ الامر، لما جُبِل‌ علیه‌ من‌ وفور الرحمة‌. فعارضه‌ تلك‌ المعارضة‌ بناءً منه‌ علی‌ أنّ الامر ليس‌ للإيجاب‌.

 وهذا الجواب‌ غير سديد أيضاً، لانّ قوله‌: لا تضلّوا يفيد أنّ الامر للإيجاب‌، واستياءه‌ منهم‌ دليل‌ علی‌ أ نّهم‌ تركوا أمراً من‌ الواجبات‌ علیهم‌. وهذا المعني‌ هو المتبادر من‌ الحديث‌ إلی أفهام‌ الناس‌، وفهم‌ القروي‌ّ والحضري‌ّ علی‌ أ نّه‌ لو كُتب‌، لكان‌ علّة‌ تامّة‌ في‌ حفظ‌ كلّ فرد من‌ الضلال‌. وعمر لم‌يكن‌ بهذا المقدار من‌ البعد عن‌ الفهم‌، فيفهم‌ أنّ مراده‌ عدم‌ اجتماع‌ الاُمّة‌ علی‌ الضلال‌.

 وكان‌ عمر يعلم‌ يقيناً أنّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ لم‌يكن‌ خائفاً علی‌ أُمّته‌ أن‌ تجتمع‌ علی‌ الضلال‌، لا نّه‌ كان‌ يسمع‌ قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: لاَ تَجْتَمِعُ أُمـَّتِي‌ عَلَی‌ ضَلاَلٍ. وَلاَ تَجْتَمِعُ عَلَی‌ الخَطَأ. وكان‌ يسمع‌ قوله‌: لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي‌ ظَاهِرينَ عَلَی‌ الحَقِّ. وكان‌ يقرأ قوله‌ تعإلی: وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي‌ الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي‌ ارْتَضَي‌' لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُـدُونَنِي‌ لاَ يُشْـرِكُونَ بِي‌ شَيْـًا. [12] إلی كثير من‌ نصوص‌ الكتاب‌ والسنّة‌ الصريحين‌ بأنّ الاُمّة‌ لا تجتمع‌ بأسـرها علی‌ الضلال‌.

 فلا يعقل‌ مع‌ هذا أن‌ يسنح‌ في‌ خواطر عمر أو غيره‌ أنّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ حين‌ طلب‌ الدواة‌ والكتف‌ كان‌ خائفاً من‌ اجتماع‌ أُمّته‌ علی‌ الضلال‌. والذي‌ يليق‌ بعمر أن‌ يفهم‌ من‌ الحديث‌ ما يتبادر منه‌ إلی الاذهان‌، لا ما تنفيه‌ صِحاح‌ السنّة‌ ومحكمات‌ القرآن‌.

 علی‌ أنّ استياء رسول‌ الله‌ منهم‌ دليل‌ علی‌ أنّ الذي‌ تركوه‌ كان‌ من‌ الواجب‌ علیهم‌. ولو كانت‌ معارضة‌ عمر عن‌ اشتباه‌ منه‌ في‌ فهم‌ الحديث‌ كما زعموا، لازال‌ النبي‌ّ شبهته‌، وأبان‌ له‌ مراده‌ منه‌، بل‌ لو كان‌ في‌ وسع‌ النبي‌ّ أن‌ يقنعهم‌ بما أمرهم‌ به‌، لما آثر إخراجهم‌ عنه‌.

 وبكاء ابن‌ عبّاس‌ وجزعه‌ من‌ أكبر الادلّة‌ علی‌ ما نقوله‌. والإنصاف‌ أنّ هذه‌ الرزيّة‌ من‌ أعظم‌ الرزايا التي‌ حلّت‌ بالنبي‌ّ والإسلام‌ والشرف‌ والإنسانيّة‌، وهي‌ ممّا يضيق‌ عنها نطاق‌ العذر عن‌ عمر دفاعاً عن‌ ساحته‌.

 وقولهم‌: خاف‌ عمر من‌ المنافقين‌ أن‌ يقدحوا في‌ صحّة‌ ذلك‌ الكتاب‌ لكونه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ في‌ حال‌ المرض‌، فيصير سبباً للفتنة‌، اعتباط‌ ومحال‌، مع‌ وجود قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: لاتضلّوا، لا نّه‌ نصّ بأنّ ذلك‌ الكتاب‌ سبب‌ للامن‌ علیهم‌ من‌ الضلال‌، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ سبباً للفتنة‌ بقدح‌ المنافقين‌ ؟

 وإذا كان‌ عمر خائفاً من‌ المنافقين‌ أن‌ يقدحوا في‌ صحّة‌ ذلك‌ الكتاب‌، فلماذا بذر لهم‌ بذرة‌ القدح‌، حيث‌ عارض‌ ومانع‌ وقال‌: هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ.

 وأمّا قولهم‌ في‌ تفسير قوله‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ أ نّه‌ تعإلی قال‌: « ما فرّطنا في‌ الكتاب‌ من‌ شي‌ء » وقال‌: « اليوم‌ أكملتُ لكم‌ دينكم‌ » فغير صحيح‌، لانّ الآيتين‌ لا تفيدان‌ الامن‌ من‌ الضلال‌، ولا تضمنان‌ الهداية‌ للناس‌. فكيف‌ يجوز ترك‌ السعي‌ في‌ ذلك‌ الكتاب‌ اعتماداً علیهما ؟

 ولو كان‌ وجود القرآن‌ العزيز موجباً للامن‌ من‌ الضلال‌، لما وقع‌ في‌ هذه‌ الاُمّة‌ من‌ الضلال‌ والتفرّق‌ ما لا يُرجَي‌ زواله‌.

 ولم‌ يكن‌ مراد رسول‌ الله‌ من‌ الكتاب‌ كتابة‌ الاحكام‌، حتّي‌ يقال‌ في‌ جوابه‌: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ. ولو فرض‌ أنّ مراده‌ كان‌ كتابة‌ الاحكام‌، فلعلّ النصّ علیها منه‌ كان‌ سبباً للامن‌ من‌ الضلال‌، فلا وجه‌ لترك‌ السعي‌ في‌ ذلك‌ النصّ اكتفاءً بالقرآن‌.

 ولو فرضنا أ نّه‌ لم‌ يكن‌ لذلك‌ الكتاب‌ أثر إلاّ الامن‌ من‌ الضلال‌ بمجرّده‌، لما صحّ تركه‌ والإعراض‌ عنه‌ أيضاً اعتماداً علی‌ أنّ كتاب‌ الله‌ جامع‌ لكلّ شي‌ء. وهذا كلام‌ لا يُعقَل‌.

 إنّ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ بحاجة‌ ماسّة‌ إلی السنّة‌ المقدّسة‌، ولا تستغني‌ عنها بكتاب‌ الله‌ تعإلی وإن‌ كان‌ جامعاً مانعاً، لانّ الاستنباط‌ منه‌ غير مقدور لكلّ أحد.

 ولو كان‌ كتاب‌ الله‌ مغنياً عن‌ بيان‌ الرسول‌، ما أمر الله‌ نبيّه‌ ببيانه‌ للناس‌، إذ قال‌: وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. [13]

 وأجاب‌ البعض‌ عن‌ فعل‌ عمر بأ نّه‌ علی‌ خلاف‌ سيرة‌ القوم‌ كَفَرْطَةٍ سَبَقَتْ وَفَلْتَةٍ نَذَرَتْ. ونحن‌ لا نعلم‌ وجه‌ صحّته‌ مفصّلاً.

 وهذا غير سديد أيضاً، لانّ القضيّة‌ لو كانت‌ زلّة‌ مؤقّتة‌ مضت‌ في‌ وقتها ولم‌تُعْقِب‌ شيئاً، لامكن‌ التغاضي‌ عنها. بَيدَ أ نّها لم‌ تكن‌ كذلك‌، إذ أعقبت‌ نتائج‌ سيّئة‌ للنبوّة‌ والولاية‌ وحياة‌ البشريّة‌ والمسلمين‌ حتّي‌ قيام‌ قائم‌ آل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌.

 إنّ هذه‌ الفرطة‌ والفلتة‌ كعمل‌ ضئيل‌ يسير يتمثّل‌ في‌ إصدار قائد الجيـش‌ أمراً يُبيد فيه‌ جنـوده‌ برمّتهـم‌. وهـي‌ كالضـغـط‌ علی‌ زرّ قنبلـة‌ هيدروجينيّة‌ أو ذرّيّة‌، فيحيل‌ الضاغط‌ قارّة‌ بأسرها رماداً علی‌ غرّة‌. وينبغي‌ أن‌ لا نقول‌ عملاً ضئيلاً يمكن‌ التغاضي‌ عنه‌، إذ لابدّ أن‌ نري‌ مدي‌ أثره‌ إلی أقصي‌ مداه‌ في‌ العالم‌. مضافاً إلی ذلك‌، أ نّنا لم‌ نجد أنّ عمر قد ندم‌ علی‌ عمله‌، بل‌ كان‌ يزداد انتهاكاً وتعدّياً علی‌ مرِّ الايّام‌ منذ الوقت‌ الذي‌ رتّب‌ فيه‌ ذلك‌ المجلس‌ المعروف‌. فهل‌ يمكن‌ التغاضي‌ عن‌ هذا الإصر ؟!

 الرجوع الي الفهرس

جرائم‌ عمر غيّرت‌ مجري‌ التأريخ‌

 إنّ جرائم‌ عمر لم‌ تقتصر علی‌ أهل‌ بيت‌ النبوّة‌ وبني‌ عبدالمطّلب‌ وعلی‌ رأسهم‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ وبضعة‌ الرسول‌ الكريمة‌ فاطمة‌ الزهراء، بل‌ امتدّت‌ فغيّرت‌ مجري‌ التأريخ‌ الإسلامي‌ّ. إنّه‌ أساء إلی خطّ النبوّة‌ وانتهك‌ قداسته‌، وخان‌ إبراهيم‌ وموسي‌ والمسيح‌، وأضرّ بأصل‌ الإنسانيّة‌ ومسّ شرفها وخلودها. وأغار علی‌ موكب‌ السائرين‌ في‌ طريق‌ المعرفة‌، وترك‌ الدنيا ناراً مستعرة‌، وشلّ الخطّة‌ التي‌ أتي‌ بها رسول‌ الله‌ بأمر ربّه‌ من‌ أجل‌ خير الناس‌ وإعدادهم‌ لدخول‌ الجنّة‌. فلو كانت‌ قضيّة‌ عمر منحصرة‌ في‌ جنايته‌ علی‌ أمير المؤمنين‌ وفاطمة‌ الزهراء وحدهما، لامكن‌ التغاضي‌ عنها.

 إنّه‌ حطّم‌ كيان‌ الصدق‌ والامانة‌، واشتبك‌ مع‌ روح‌ النبوّة‌ من‌ خلال‌ نسبة‌ الهجر إلی القطب‌ الاوّل‌ في‌ عالم‌ الوجود، وتشكيل‌ مشهد المنع‌، وردّ الاعتراض‌. إنّه‌ طَيَّن‌ عين‌ الشمس‌.

 شوربختان‌ به‌ آرزو خواهند                         مقبلان‌ را زوال‌ نعمت‌ وجاه‌

 گر نبيند به‌ روز شب‌ پره‌ چشم‌                           چشمة‌ آفتاب‌ را چه‌ گناه‌

 راست‌ خواهي‌ هزار چشم‌ چنان‌                 كور، بهتر كه‌ آفتاب‌ سياه‌ [14]

 لقد كان‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ روح‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسرّه‌ ونفسه‌ النفيسة‌. وكان‌ عالماً بالكتاب‌ والسنّة‌، عارفاً بالله‌ ومبدأه‌ ومعاده‌. ولم‌ يكن‌ أحد مثله‌ كما أجمعت‌ علی‌ ذلك‌ الاُمّة‌ بأسرها. أمّا عمر فقد سلّط‌ فأسه‌ علی‌ جذر هكذا شجرة‌، وحاول‌ تنزيله‌ من‌ مقامه‌ الشامخ‌ ليرديه‌ إلی الارض‌ ! لقد عزل‌ أمير المؤمنين‌، أو حقيقة‌ العلم‌ والمعلّم‌ الثاني‌ للاُمّة‌ بعد رسول‌ الله‌، ولم‌ يعزله‌ خمساً وعشرين‌ سنة‌ فحسب‌، بل‌ عزله‌ حتّي‌ ظهور الإمام المهدي‌ّ. وقد طمس‌ معني‌ القرآن‌ وتفسيره‌ وتأويله‌، وقدّمه‌ إلی الاُمّة‌ جسداً بلا روح‌ كالورق‌. ولو كان‌ عمله‌ جزئيّاً وفلتة‌ وفرطة‌، فلا معني‌ عندنا للعمل‌ العامّ والمهمّ.

 وهنا يتبيّن‌ كلام‌ رسول‌ الله‌: مَا أُوذِي‌َ نَبِي‌ٌّ مِثْلَمَا أُوذِيتُ قَطُّ. إنّه‌ الاذي‌ الروحي‌ الذي‌ عاناه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ مقرّبين‌ كهؤلاء حتّي‌ قال‌ وهو يحتضر: قوموا، اذهبوا، وأعرض‌ بوجهه‌ الكريم‌ عنهم‌، ورأي‌ أنّ أفضل‌ هديّة‌ يقدّمها لابنته‌ فاطمة‌ بعده‌ هي‌ الموت‌. ولمّا أخبرها أ نّها أوّل‌ أهله‌ لحوقاً به‌، سُرَّتْ وضحكت‌. أي‌ّ فاطمة‌ هي‌ ؟ إنّها فاطمة‌ التي‌ قال‌ الشاعر في‌ حقّها:

 مِـشْـكَاةُ نُـورِ الـلَـهِ جَـلَّ جَـلاَلُـهُ                                     زَيْـتُــونَـة‌ عَـمَّ الـوَرَي‌ بَـرَكَـاتُـهَـا

 هِي‌َ قُطْـبُ دَائِـرَةِ الوُجُـودِ وَنُقْطَـةٌ                                  لَـمَّـا تَـنَـزَّلَـتْ أَكْـثَـرَت‌ كَـثَـراتِـهَا

 هِي‌َ أَحْمَدُ الثَّانِـي‌ وَأَحْمَدُ عَصْـرِهَا                      هِي‌َ عُنْصُرُ التَّوْحِيدِ فِي‌ عَرَصَـاتِهَا [15]

 الرجوع الي الفهرس

صبر رسول‌ الله‌ وعلی‌ّ علیهما السلام‌ وتحمّلهما أمام‌ المشاكل‌

 وأوصي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ بالصبر والاستقامة‌ حفظاً للإسلام‌ وبقاءً للشرف‌ الإنساني‌ّ، وصبر علیه‌ السلام‌ واستقام‌ حتّي‌ حار الصبر والاستقامة‌ منه‌.

 وينبغي‌ أن‌ لا نتلمّس‌ شجاعة‌ علی‌ّ في‌ السيف‌ يوم‌ أُحُد، وبدر، والاحزاب‌، وحُنَين‌. بل‌ نتلمّسها هنا، إذ السيف‌ بيده‌ ولم‌ يضرب‌ به‌، ولم‌يسفك‌ قطرة‌ دم‌ واحدة‌ حتّي‌ لو عصروا فاطمة‌ بين‌ الباب‌ والجدار. ذلك‌ أنّ حبيبه‌ رسول‌ الله‌ قال‌ له‌: إن‌ لم‌ تجد ناصراً، فلا تُشهر سيفك‌ !

 غير از علی‌، كه‌ لايق‌ پيغمبري‌ بُدي‌ ؟                                       گر خواجة‌ رسل‌ نبُدي‌ ختم‌ أنبياء

 فردا كه‌ هر كسي‌ به‌ شفيعي‌ زنند دست‌                  دست‌ من‌ است‌ ودامن‌ معصوم‌ مرتضي‌ [16]

 يقول‌ القاضي‌ نور الله‌ الشوشتري‌ّ في‌ « مجالس‌ المؤمنين‌ » في‌ باب‌ تشيّع‌ سعدي‌ الشيرازي‌ّ: من‌ جملة‌ أشعار الشيخ‌ العظيم‌ التي‌ تدلّ علی‌ صحّة‌ عقيدته‌ البيتان‌ المذكوران‌ اللذان‌ رأيتهما في‌ نسخة‌ قديمة‌ من‌ ديوانه‌.

 ويمكن‌ أن‌ نعد شعره‌ في‌ ديباجة‌ « بوستان‌ » دليلاً آخراً علی‌ تشيّعه‌ أيضاً؛ يقول‌:

 خدايا به‌ حقّ بني‌ فاطمه‌                               كه‌ بر قول‌ ايمان‌ كنم‌ خاتمه‌

 اگر دعوتم‌ رد كني‌ يا قبول‌                      من‌ ودست‌ دامان‌ آل‌ رسول‌ [17]

 ويرشدنا البيت‌ الآتي‌ أيضاً بصراحة‌ إلی ولائه‌ لإمامة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وولايته‌:

 سعديا شرمي‌ بدار آخر چه‌ مي‌ترسي‌بگو                 نيست‌ بعد از مصطفي‌ مولاي‌ ما إلاّ علی‌ [18]

 روي‌ أبو نُعَيم‌ الإصفهاني‌ّ بسنده‌ عن‌ أبي‌ صالح‌ الحنفي‌ّ، عن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَوْصِنِي‌ ! قَالَ: قُلْ رَبِّي‌َ اللَهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ ! قَالَ: قُلْتُ: اللَهُ رَبِّي‌ وَمَا تَوْفِيقِي‌ إِلاَّ بِاللَهِ، عَلَیهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ ! فَقَالَ: لِيَهنِكَ العِلْمُ أَبَا الحَسَنِ لَقَدْ شَرِبْتَ العِلْمَ شُرْباً، وَنَهِلْتَهُ نَهْلاً.

 ونحن‌ لا نجد أحداً من‌ الصحابة‌ مطّلعاً علی‌ سرّ عالَم‌ الوجود وسبيل‌ الخير والسعادة‌ وطريق‌ الحصانة‌ من‌ الآفات‌ والعاهات‌ الروحيّة‌ والمعنويّة‌ كأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وخطبه‌ وكلماته‌ كخطب‌ رسول‌ الله‌ وكلماته‌، وكأ نّه‌ هو ورسول‌ الله‌ قد تناميا من‌ جذر واحد. فهما علیهما الصلاة‌ والسلام‌ من‌ منظار التحليل‌ العلمي‌ّ في‌ خطّ واحد ومسير واحد. لذا يجب‌ أن‌ يكون‌ علی‌ّ خليفة‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیهما وسلّم‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلماتٌ لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 انظر في‌ الكلمات‌ الآتية‌ المأثورة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌، فهي‌ في‌ قوّتها ورصانتها ككلمات‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌:

 روي‌ أبو نُعَيم‌ بسنده‌ عن‌ قيس‌ بن‌ أبي‌ حازم‌ أ نّه‌ قال‌: قال‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌: كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكُمْ بِالعَمَلِ ! فَإنَّهُ لَنْ يَقِلَّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَي‌، وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ ؟

 وروي‌ أيضاً عن‌ عبد خَير، عن‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ قال‌: لَيْسَ الخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَاهِي‌َ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ. فَإنْ أَحْسَنْتَ حَمِدتَ اللَهَ، وَإنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَهَ. وَلاَ خَيْرَ فِي‌ الدُّنْيَا إلاَّ لاِحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْباً فَهُوَ تَدَارَكَ ذَلِكَ بِتَوْبَةٍ، أَوْ رَجُلٍ يُسَارِعُ فِي‌ الخَيْرَاتِ، وَلاَ يَقِلُّ عَمَلٌ فِي‌ تَقْوَي‌، وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ ؟

 وروي‌ أيضاً بسنده‌ عن‌ عِكَرَمة‌ بن‌ خالد أ نّه‌ قال‌، وكذلك‌ بسنده‌ الآخر عن‌ أبي‌ زَغَل‌ أ نّه‌ قال‌: قال‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌: احْفَظُوا عَنِّي‌ خَمْساً ! فَلَوْ رَكِبْتُمُ الإبِلَ فِي‌ طَلَبِهَا لاَنْضَيْتُمُوهُنَّ قَبلَ أَن‌ تُدْرِكُوهُنَّ: لاَ يَرْجُو عَبْدٌ إلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافُ إلاَّ ذَنْبَهُ، وَلاَ يَسْتَحْيِي‌ جَاهِلٌ أَن‌ يَسْأَلَ عَمَّا لاَيَعْلَمُ، وَلاَ يَسْتَحْيِي‌ عَالِمٌ إذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَن‌ يَقُولَ: اللَهُ أَعْلَمُ. وَالصَّبْرُ مِنَ الإيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ. وَلاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ.

 وروي‌ أيضاً بسنده‌ عن‌ المهاجر بن‌ عُمَير أ نّه‌ قال‌: قال‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌: إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ اتِّبَاعُ الهَوَي‌ وَطُولُ الاَمَلِ. فَأَمَّا اتِّبَاعُ الهَوَي‌ فَيَصُدُّ عَنِ الحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الاَمَلِ فَيُنْسِي‌ الآخِرَةَ.

 أَلاَ وَإنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً. ألاَ وَإنَّ الآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ. فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابٌ، وَغَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ. [19]

 وكذلك‌ روي‌ بسنده‌ عن‌ عاصم‌ بن‌ ضُمَرَة‌ أ نّه‌ قال‌: قال‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌: أَلاَ إنَّ الفَقِيهَ كُلَّ الفَقِيهَ الَّذِي‌ لاَ يُقَنِّطَ النَّاسَ مِن‌ رَحْمَةِ اللَهِ، وَلاَ يُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَهِ، وَلاَ يُرَخِّصُ لَهُمْ فِي‌ مَعَاصِي‌ اللَهِ، وَلاَ يَدَعُ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إلَی غَيْرِهِ. وَلاَ خَيْرَ فِي‌ عِبَادَةٍ لاَ عِلْمَ فِيهَا، وَلاَ خَيْرَ فِي‌ عِلْمٍ لاَ فَهْمَ فِيهِ، وَلاَ خَيْرَ فِي‌ قِرَاءَةٍ لاَ تَدَبُّرَ فِيهَا. [20]

 وروي‌ أيضاً بسنده‌ عن‌ عمرو بن‌ مُرَّة‌، عن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: كُونُوا يَنَابِيعَ العِلْمِ، مَصَابِيحَ اللَّيْلِ، خَلِقَ الثِّيَابِ، جُدُدَ القُلُوبِ، تُعْرَفُوا بِهِ فِي‌ السَّمَاءِ، وَتُذْكَرُوا بِهِ فِي‌ الاَرْضِ. [21]

 وروي‌ بسنده‌ عن‌ أبي‌ أراكة‌ أ نّه‌ قال‌: صَلَّي‌ علی الغَدَاةَ ثُمَّ لَبِثَ فِي‌ مَجْلِسِهِ حَتَّي‌ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ كَأَنَّ عَلَیهِ كَآبَةً. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ أثَراً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ فَمَا أَرَي‌ أَحَداً يُشْبِهُهُمْ. وَاللَهِ إنْ كَانُوا لَيُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ مِثْلُ رُكَبِ المَعْزَي‌، قَدْ بَاتُوا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَهِ، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِمْ وَجِبَاهِهِمْ ( بين‌ السجود والقيام‌ ) [22]، إذَا ذُكِرَ اللَهُ مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرَةُ فِي‌ يَوْمِ رِيحٍ، فَانْهَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّي‌ تَبَلَّ وَاللَهِ ثِيَابُهُمْ، وَاللَهِ لَكَأَنَّ القَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ. [23]

 وروي‌ بسنده‌ عن‌ نوف‌ البِكإلی أ نّه‌ قال‌: رأيتُ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ خرج‌ ونظر في‌ النجوم‌ وقال‌: يَا نَوْفُ ! أَرَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ ؟! قُلْتُ: بَلْ رَامِقٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! فَقَالَ: يَا نَوْفُ ! طُوبَي‌ لِلزَّاهِدِينَ فِي‌ الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ فِي‌ الآخِرَةِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الاَرْضَ بِسَاطاً، وَتُرابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالقُرآنَ والدُّعَاءَ دِثَاراً وَشِعاراً، قَرَضُوا الدُّنْيَا عَلَی‌ مِنْهَاجِ المَسِيحِ عَلَیهِ السَّلاَمُ.

 يَا نَوْفُ ! إنَّ اللَهَ تَعَإلَی أَوْحَي‌ إلَی عِيسَي‌ أَنْ مُرْ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ أَنْ لاَ يَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي‌ إلاَّ بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، وَأَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ، وَأَيْدٍ نَقِيَّةٍ، فَإنِّي‌ لاَ أَسْتَجِيبُ لاِحَدٍ مِنْهُمْ وَلاِحَدٍ مِنْ خَلْقِي‌ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ.

 يَا نَوْفُ ! لاَ تَكُنْ شَاعِراً، وَلاَ عَرِيفاً، وَلاَ شُرْطِيّاً، وَلاَ جَابِياً، وَلاَ عَشَّاراً، فَإنَّ دَاوُدَ عَلَیهِ السَّلاَمُ قَامَ فِي‌ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إنَّهَا سَاعَةٌ لاَيَدْعُو عَبْدٌ إلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا، إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَرِيفاً، أَوْ شُرطِيَّاً، أَوْ جَابِياً، أَوْ عَشَّاراً، أَوْ صَاحِبَ عُرْطُبَةِ ـوَهُوَ الطُّنْبُورُـ أَوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ ـوَهُوَ الطَّبْل[24].

 هل‌ تعلمون‌ لماذا لم‌ يَنْقَدْ أبو بكر، وعمر وزمرتهما من‌ قريش‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ ؟ لا نّهم‌ يعلمون‌ أ نّه‌ رجل‌ من‌ هذا الطراز. وهذا هو خطّه‌ ومنهجه‌، وهذه‌ هي‌ علومه‌ وزهده‌، وهذا هو إنصافه‌ وعدله‌، وهذه‌ هي‌ كلماته‌ ومواعظه‌.

 إنّ علیهم‌ أن‌ يلملموا رحلهم‌ في‌ ظلّ حكومة‌ علی‌ّ، وعلیهم‌ أن‌ يكونوا مأمورين‌ بالسير في‌ هذه‌ الطرق‌، بَيدَ أ نّهم‌ لا يريدون‌ ذلك‌، يريدون‌ أن‌ يكونوا أُمراء، أُمراء في‌ تعبئة‌ الجيوش‌، والانتهاك‌، والعدوان‌، والغارة‌، والاسر، لا للّه‌ ولا في‌ الله‌، بل‌ حبّاً لرئاستهم‌، وإن‌ اقترنت‌ أعمالهم‌ تلك‌ بضروب‌ الظلم‌ والعدوان‌، لذلك‌ فهم‌ يهجون‌ حكومة‌ علی‌ّ، ويرونها في‌ غير سَدَد.

 وأنا مشغول‌ الآن‌ بكتابة‌ هذه‌ الكلمات‌، خطر في‌ ذهني‌ معني‌ لقول‌ عمر: هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ. وهو أ نّه‌ أراد أن‌ يقول‌: رئاسة‌ علی‌ّ وإمارته‌، وحكومته‌ هَجْر وهذيان‌، كقولنا: إنّ الموضوع‌ الفلاني‌ّ ناتج‌ عن‌ رؤيا مضطربة‌. أ نّه‌ يقول‌: إنّ كلام‌ رسول‌ الله‌ في‌ أبديّة‌ الثقلين‌ يتعذّر قبوله‌ إلی درجة‌ أ نّه‌ عين‌ الهجر والهذيان‌.

 أمّا علی‌ّ فقد اجتاز أنانيّة‌ الهوي‌ والهوس‌، ولَحِقَ بالحقّ، واندكّ في‌ الذات‌ الاحديّة‌، ووقّف‌ نفسه‌ فداءً للّه‌ ورسوله‌، فما علاقته‌ بمكيدة‌ القوم‌ التي‌ اختدموها لإقرار حكومتهم‌ ؟

 الرجوع الي الفهرس

شعر في‌ مدح‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 وما أروع‌ الشعر الذي‌ نظمه‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسـه‌ الشـريفة‌ ! حيث‌ قال‌:

 دامن‌ از انديشة‌ باطل‌ بكش‌                               دست‌ از آلودگي‌ دل‌ بكش‌

 كار چنان‌ كن‌ كه‌ در اين‌ تيره‌ خاك‌                 دامن‌ عصمت‌ نكني‌ چاك‌ چاك‌ [25]

 يا به‌ دل‌ انديشة‌ جانان‌ ميار                               يا به‌ زبان‌، نام‌ دل‌ وجان‌ ميار

 پيش‌ نياور سخن‌ گنج‌ را                                        ور نه‌ فراموش‌ نما رنج‌ را

 يا منگر سوي‌ بتان‌ تيز تيز                                      يا قدم‌ دل‌ بكش‌ از رستخيز

 روي‌ بتان‌ گرچه‌ سراسر خوش‌است‌                   كشتة‌ آنيم‌ كه‌ عاشق‌ كش‌ است‌

 عشق‌ بلند آمد ودلبر غيور                                             در أدب‌ آويز رها كن‌ غرور

 چرخ‌ بدين‌ سلسله‌ پا در گل‌ است‌                           عقل‌ بدين‌ مرحله‌ لايعقل‌ است‌

 جان‌ وجسد سوخته‌ زين‌ مرهمند                    مُلك‌ ومَلَك‌ سوختة‌ اين‌ غمند [26]

 أجل‌، إنّ علیاً هو الذي‌ اجتاز الكون‌ والمكان‌، وطاطأ رأسه‌ مسلّماً خاضعاً لعبوديّة‌ الحقّ.

  صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیكَ يَا أَبَا الحَسَنِ وَعَلَی‌ زَوْجَتِكَ الطَّاهِرَةِ وَأَوْلاَدِكَ الطَّاهِرِينَ مَا بَقِي‌َ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

 مهر تو را به‌ عالم‌ امكان‌ نمي‌دهم‌                           اين‌ گنج‌ پربهاست‌ من‌ ارزان‌ نمي‌دهم‌

 يك‌ قطره‌ از سرشگ‌ كه‌ ريزم‌ به‌ يادشان‌                    آن‌ قطره‌ را به‌ گوهر غلطان‌ نمي‌دهم‌

 گر انتخاب‌ جنّت‌ وكوثر به‌ من‌ دهند                   كوي‌ تو را به‌ جنّت‌ ورضوان‌ نمي‌دهم‌ [27]

 نام‌ تو را به‌ نزد أجانب‌ نمي‌برم‌                        چون‌ اسم‌ أعظم‌ است‌، به‌ ديوان‌ نمي‌دهم‌

 من‌ را غلامي‌ تو بود تاج‌ افتخار                                   اين‌ تاج‌ را به‌ افسر شاهان‌ نمي‌دهم‌

 دست‌ طلب‌ زدامنشان‌ من‌ نمي‌كشم‌                          دل‌ را به‌ غير عترت‌ وقرآن‌ نمي‌دهم‌

 درّ ولايتي‌ كه‌ نهفتم‌ ازو به‌ دل‌                                 تابنده‌ گوهري‌ است‌ من‌ ارزان‌ نمي‌دهم‌

 در عاريت‌ سراي‌ جهان‌ ! جان‌ عاريت‌                                جز در ثناي‌ حضرت‌ جانان‌ نمي‌دهم‌

 آل‌ علی‌ است‌ جان‌ جهان‌ وجهان‌ جان‌                      بي‌مهرشان‌ به‌ قابض‌ جان‌، جان‌ نمي‌دهم‌

 جان‌ مي‌دهم‌ به‌ شوق‌ وصال‌ تو يا علی‌                    تا بر سرم‌ قدم‌ ننهي‌ جان‌ نمي‌دهم‌ [28]

 امروز هر كسي‌ به‌ بُتي‌ جان‌ سپرده‌ است‌                 من‌ سر به‌ غير قبلة‌ ايمان‌ نمي‌دهم‌ [29]

 وروي‌ أبو نعيم‌ الإصفهاني‌ّ بسنديه‌ عن‌ حُذيفة‌ بن‌ اليمان‌ أ نّه‌ قال‌: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَلاَ تَسْتَخْلِفُ علیاً ؟ قَالَ: إنْ تُوَلُّوا علیاً تَجِدُوهُ هَادِياً مَهْدِيَّاً يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ. [30]

 وكذلك‌ روي‌ بسندين‌ عن‌ حُذيفة‌ أ نّه‌ قال‌: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ: إنْ تَسْتَخْلِفُوا علیاً ـ وَمَا أَرَاكُمْ فَاعلینَ ـ تَجِدُوهُ هَادِياً مَهْدِيَّاً يَحْمِلُكُمْ عَلَی‌ المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ. [31]

 حَفِظْتَ رَسُولَ اللَهِ فِينَا وَعَهْدَهُ               إلَيْكَ وَمَنْ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْكَ مَنْ وَمَنْ

 أَلَسْتَ أَخَاهُ فِي‌ الهُدَي‌ وَوَصِيَّةُ               وَأَعْلَمَ مِنْهُمْ بِالكِتَابِ وَبِالسُّنَنْ [32]

 وَإنَّ وَلِي‌َّ الاَمْرِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ                       علی‌ٌّ وَفِي‌ كُلِّ المَوَاطِنِ صَاحِبُهْ

 وَصِي‌ُّ رَسُولِ اللَهِ حَقَّاً وَصِنْوُهُ[33]                         وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّي‌ وَمَنْ لاَنَ جَانِبُهْ [34]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «البداية‌ والنهاية‌» لابي‌ الفداء ابن‌ كثير الدمشقي‌ّ، ج‌ 5، ص‌ 227 ؛ وابن‌ سعد في‌ طبقاته‌، ج‌ 2، ص‌ 245، طبعة‌ بيروت‌ ؛ و«السيرة‌ النبويّة‌» لابن‌ هشام‌، ج‌ 4، ص‌ 304، الطبعة‌ الرابعة‌، بيروت‌.

[2] ـ «روضة‌ الصفا» الطبعة‌ الحجريّة‌، الجزء الثاني‌، تاريخ‌ رسول‌ الله‌، ذِكر مرض‌ موت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

[3] ـ الحافظ‌ أبو نعيم‌ أحمد بن‌ عبد الله‌ الإصفهاني‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 430 في‌ كتاب‌ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64 ؛ و«مناقب‌ الخوارزمي‌ّ» ص‌ 179، الطبعة‌ الحجريّة‌، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

[4] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 63 بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ رسول‌ الله‌ أ نّه‌ قال‌: ادعوا لي‌ سيّد العرب‌! يعني‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌، قالت‌ عائشة‌: ألستَ سيّد العرب‌ ؟! فقال‌: أنا سيّد ولد آدم‌ وعلي‌ّ سيّد العرب‌. ولمّا قَدِم‌ علي‌ٌّ، قال‌ للانصار: يا معشر الانصار...

[5] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 65 و 66، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ معاذ بن‌ جبل‌، قال‌: قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: يَا عَلِي‌ّ ! أخصمك‌ بالنبوّة‌ ولا نبوّة‌ بعدي‌، وتخصم‌ الناس‌ بسبع‌ ولايحاجّك‌ فيها أحد من‌ قريش‌: أنت‌ أوّلهم‌ إيماناً بالله‌، وأوفاهم‌ بعهد الله‌، وأقومهم‌ بأمر الله‌، وأقسمهم‌ بالسويّة‌، وأعدلهم‌ في‌ الرعيّة‌، وأبصرهم‌ بالقضيّة‌، وأعلمهم‌ عند الله‌ مزيّة‌.

[6] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 227 و 228.

[7] ـ الآيتان‌ 17 و 18، من‌ السورة‌ 46: الاحقاف‌. نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 18، ص‌ 225 رواية‌ عن‌ تفسير «الدر المنثور» في‌ أنّ هذه‌ الآية‌ نزلت‌ في‌ عبدالرحمن‌بن‌ أبي‌ بكر. وقال‌: قصّة‌ خطبة‌ مروان‌ في‌ مسجد المدينة‌ ودعوته‌ الناس‌ إلي‌ قبول‌ استخلاف‌ معاوية‌ يزيد، وإنكار عبد الرحمن‌ ذلك‌ عليه‌، وجواب‌ مروان‌ له‌ بقوله‌: ألستَ الذي‌ قال‌ لوالديه‌: أُفٍّ لكما ؟ وجواب‌ عبد الرحمن‌ بقوله‌: ألست‌ ابن‌ اللعين‌ الذي‌ لعن‌ أباك‌ رسولُ الله‌ ؟ كلّ ذلك‌ معروف‌. يريد العلاّمة‌ أن‌ يستفيد من‌ هذه‌ الآية‌ شيئاً، إذ لمّا جاء فيها. حقّ عليهم‌ القول‌، فيمكن‌ أن‌ يفهم‌ منها أنّ إسلام‌ عبد الرحمن‌ كان‌ صوريّاً لا أثر له‌ فهو من‌ المخلّدين‌ في‌ النار ومن‌ الخاسرين‌ إلاّ أن‌ ننكر هذه‌ الروايات‌ فيه‌ كما أنكرتها أُخته‌ عائشة‌.

[8] ـ العلاّمة‌ الحاج‌ السيّد مرتضي‌ العسكري‌ّ سبط‌ المرحوم‌ المحدّث‌ العظيم‌ آية‌الله‌ ميرزا محمّد الطهراني‌ّ الشريف‌ العسكري‌ّ، وهذا المرحوم‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ خال‌ والدي‌ المرحوم‌ السيّد محمّد صادق‌.

[9] ـ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[10] ـ الآية‌ 38، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[11] ـ الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[12] ـ الآية‌ 55، من‌ السورة‌ 24: النور.

[13] ـ الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

 والاجوبة‌ الواردة‌ في‌ البحث‌ الحادي‌ عشر، التي‌ قدّمها علماء العامّة‌ للدفاع‌ عن‌ عمر في‌ ردّ كتابة‌ رسول‌ الله‌، وأجوبتها كلّها مأخوذة‌ من‌ الكتاب‌ النفيس‌ الثمين‌ «المراجعات‌» ص‌ 246 إلي‌ 251، المراجعتان‌ 87 و 88، الطبعة‌ الاُولي‌. وكان‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد شرف‌الدين‌ العاملي‌ّ قد سافر إلي‌ مصر سنة‌ 1329 ه. وناظر فيها أحد علمائها الاعلام‌ ـالذي‌ كان‌ شيخ‌ الإسلام‌ في‌ ربوعهاـ ثمّ تبودلت‌ مناظراتهما عبر المراسلة‌. وقد طُبع‌ هذا السِّفر الكريم‌ لحدّ الآن‌ (سنة‌ 1410 ه) عشرين‌ مرّة‌. ورحّب‌ جميع‌ المسلمين‌ بموضوعاته‌، وتشيّع‌ الكثيرون‌ من‌ إخواننا السُّنَّة‌ ببركة‌ مطالعته‌. وهو من‌ الكتب‌ الخالدة‌. وينبغي‌ للجميع‌ مطالعته‌.

[14] ـ «گلستان‌ سعدي‌» ص‌ 15، طبعة‌ عبدالعظيم‌ گرگاني‌.

 يقول‌: «يتمنّي‌ الاشقياء من‌ صميم‌ قلوبهم‌ أن‌ تزول‌ نعمة‌ السعداء وجاههم‌.

 وإذا لم‌ يبصر الخفّاش‌ طريقه‌ في‌ النهار، فما هو ذنب‌ عين‌ الشمس‌ ؟

 إذا رُمتَ الصواب‌ والحقيقة‌ فإنّ ألف‌ عين‌ عمياء كعيون‌ الخفّاش‌ خير من‌ أن‌ تكون‌ الشمس‌ كاسفة‌».

[15] ـ نقلاً عن‌ كتاب‌ «خصائص‌ الفاطميّة‌» للميرزا محمّد باقر واعظ‌ الطهراني‌ّ. ذكرها عن‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ.

[16] ـ يقول‌: «لو لم‌ يكن‌ سيّد الرسل‌ خاتم‌ الانبياء، فمن‌ يليق‌ بالنبوّة‌ غير علي‌ّ ؟

 وإذا استشفع‌ المرء بأحد غداً فإنّي‌ أمسك‌ بتلابيب‌ المعصوم‌ المرتضي‌».

[17] ـ يقول‌: «إلهي‌ ! بحقّ بني‌ فاطمة‌ وفّقني‌ أن‌ أختم‌ حياتي‌ بالإيمان‌.

 وإذا رددتني‌ أو قبلتني‌ فإنّي‌ أمسك‌ بحبل‌ آل‌ الرسول‌».

[18] ـ يقول‌: «أما تستحي‌ يا سعدي‌ ؟ ممّ تخاف‌ ؟ قل‌: ليس‌ لنا مولي‌ بعد المصطفي‌ إلاّ علي‌ّ».

 يري‌ البعض‌ أنّ سعدي‌ كان‌ سنّيّاً، مستدلّين‌ بظاهر عباراته‌ وأشعاره‌، بخاصّة‌ قصيدته‌ التي‌ نظمها في‌ رثاء المستعصم‌ وسمّاه‌ فيها: أمير المؤمنين‌. ومنها هذا البيت‌.

 آسمان‌ را حق‌ بود گر خون‌ ببارد بر زمين‌         بر زوال‌ ملك‌ مستعصم‌ أمير المؤمنين‌

 (يقول‌: «حقيق‌ لو مطرت‌ السماء دماً لزوال‌ ملك‌ أمير المؤمنين‌ المستعصم‌»). وذهب‌ كثير من‌ العلماء إلي‌ أ نّه‌ كان‌ شيعيّاً، حاملين‌ أشعاره‌ وكلماته‌ في‌ الخلفاء علي‌ التقيّة‌، ونخصّ منهم‌ القاضي‌ نور الله‌ الشوشتري‌ّ الذي‌ ذكر البيتين‌ الاوّلين‌ اللذين‌ نقلناهما في‌ النصّ، وقال‌ إنّه‌ رآهما في‌ نسخة‌ قديمة‌ من‌ نسخ‌ ديوانه‌. وعندي‌ أنّ سعدي‌، والعطّار، ومحيي‌الدين‌بن‌ عربي‌ وأمثالهم‌ كانوا في‌ البداية‌ سُنّة‌، ثمّ أدركوا الحقيقة‌ في‌ الفترة‌ الاخيرة‌ من‌ أعمارهم‌ بسبب‌ كثرة‌ مطالعاتهم‌ أو بسبب‌ تأ لّق‌ نور العرفان‌ في‌ قلوبهم‌، فتشيّعوا.

[19] ـ انظر في‌ جميع‌ ما تقدّم‌ ممّا نقله‌ أبو نعيم‌: «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 65 إلي‌ 76.

[20] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 77. وذكره‌ الكُليني‌ّ أيضاً بسندين‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 26، كتاب‌ العلم‌، باب‌ صفة‌ العلماء، طبعة‌ حيدري‌.

[21] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 77.

[22] ـ أي‌: كانوا يتلون‌ القرآن‌ في‌ ركعات‌ صلاة‌ الليل‌ وقوفاً، ثمّ يركعون‌ ويسجدون‌ بعد الفراغ‌ من‌ التلاوة‌. وهذه‌ هي‌ كيفيّة‌ صلاة‌ الليل‌ وتلاوة‌ القرآن‌. ونحن‌ تحدّثنا مفصّلاً عن‌ هذا الموضوع‌ في‌ كتاب‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌» ج‌ 3، البحث‌ السادس‌.

[23] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 76.

[24] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 79.

[25] ـ يقول‌: «طهّر نفسك‌ من‌ الباطل‌ وارْعَوِ عن‌ تدنيس‌ قلبك‌.

 اعملْ في‌ هذه‌ الدنيا المظلمة‌ عملاً تحافظ‌ فيه‌ علي‌ عصمتك‌ وطهارتك‌ (وتصون‌ فيه‌ سمعتك‌ وماء وجهك‌)».

[26] ـ يقول‌: «إمّا لا تُشْعِر قلبك‌ بفكرة‌ الله‌، أو لا تذكر اسم‌ الحبيب‌ علي‌ لسانك‌.

 لا تتحدّث‌ بالكنز وإذا أردتَ أن‌ تتحدّث‌ به‌ فانسَ العناء.

 إمّا لا تنظر بوَلَعٍ إلي‌ ذوي‌ الوجوه‌ الحسان‌، أو اصدف‌ عن‌ الاعتقاد بيوم‌ القيامة‌.

 إنّ الوجوه‌ الحسان‌ وإن‌ كانت‌ مُبهجة‌ كلّها بَيدَ أنـّنا ضحايا حبيب‌ يقتل‌ العاشقين‌.

 إنّ عالم‌ العشق‌ رفيع‌ جدّاً وإنّ محبوبنا ومعشوقنا غيور فراعِ الادب‌ ودعِ الغرور.

 الكون‌ كلّه‌ مقيّد بسلسلة‌ العشق‌ وأقدام‌ الجميع‌ غاطسة‌ في‌ الوحل‌، والعقل‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ لايعقل‌.

 إنّ الارواح‌ والاجساد احترقت‌ من‌ هذا المرهم‌، والمُلك‌ والمَلَك‌ احترقا بنار العشق‌ وغمّه‌».

 وقد نشرت‌صحيفة‌«قُدس‌»المحلّيّة‌ الصادرة‌في‌ مدينة‌مشهد المقدّسة‌ هذه‌الابيات‌ للعلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ العدد 549، السنة‌ الثانية‌، يوم‌ الاربعاء 15 ربيع‌ الآخر 1410 ه المصادف‌ 24/8/1368 ه. ش‌، (الموافق‌ 15/11/1989 م‌).

 ومن‌ المؤسـف‌ أنّ الصـحيفة‌ المذكـورة‌ جعلـت‌ الذكـري‌ السـنويّة‌ لوفـاة‌ العلاّمة‌ في‌ اليوم‌ المشـار إليه‌ حسـب‌ التأريـخ‌ الشـمسـي‌ّ. وحسـبت‌ الذكـري‌ وفقاً للسـنة‌ الشـمسـيّة‌ علـي‌ خلاف‌ الموازين‌ الشـرعيّة‌ كلّها. وكان‌ يوم‌ وفـاة‌ العلاّمة‌ في‌ الثامن‌ عشـر مـن‌ محرّم‌ الحرام‌، وليـس‌ الخامـس‌ عشر من‌ ربيـع‌ الثاني‌، فتأمّل‌ وافهم‌ وانظـر إلي‌ أين‌ يجـرّ الضـلالُ الإنسانَ.

 خشت‌ اوّل‌ چون‌ نهد معمار كج‌                   تا ثريّا مي‌رود ديوار كج‌

 يقول‌: «إذا وضع‌ المعمار اللبنة‌ الاُولي‌ معوجّة‌، فإنّ الجدار يظلّ معوجّاً ولو ارتقي‌ إلي‌ الثريّا».

[27] ـ يقول‌: «لا أُقايض‌ حبَّك‌ بعالَم‌ الإمكان‌ (لا أرتضي‌ بعالم‌ الإمكان‌، عن‌ حبّك‌ بدلاً) فهو كنز ثمين‌ لا أُعطيه‌ زهيداً.

 إنّ الدمعة‌ التي‌ أسكبها عند ذكرهم‌ لا أُعادلها بالجوهرة‌ المستديرة‌.

 لو خُيِّرتُ بين‌ الجنّة‌ والكوثر وبين‌ دربك‌ لما اخترتُ الجنّة‌ والرضوان‌ دونه‌».

[28] ـ يقول‌: «لا أذكر اسمك‌ عند الاجانب‌ (خوفاً من‌ هتك‌ حرمته‌) فهو الاسم‌ الاعظم‌، ولا أُعطيه‌ العفاريت‌.

 إنّ عبوديّتي‌ لك‌ تاجُ فخرٍ لي‌ ولا أبتغي‌ تاج‌ الملوك‌ عنه‌ بدلاً.

 لا أقبض‌ يدي‌ عن‌ التعلّق‌ بأذيالهم‌ (عن‌ أهل‌ البيت‌) وقلبي‌ لا ينشدّ إلاّ إلي‌ القرآن‌ والعترة‌.

 إنّ درّ الولاية‌ الذي‌ أخذته‌ منه‌ وأخفيته‌ في‌ قلبي‌ جوهر ساطع‌ لا أُعطيه‌ زهيداً.

 إنّ روحي‌ المودعة‌ بين‌ جَنْبَي‌َّ في‌ هذه‌ الدنيا العارية‌ لا أفديها إلاّ في‌ الثناء علي‌ الحبيب‌ المعشوق‌.

 إنّ آل‌ علي‌ّ روح‌ العالَم‌ وعالَم‌ الروح‌ ولا أُسلّم‌ روحي‌ لقابض‌ الارواح‌ بدون‌ حبّهم‌.

 أبذل‌ مهجتي‌ شوقاً إلي‌ لقائك‌ يا علي‌ّ، ولا أجود بروحي‌ ما لم‌ تضع‌ قدمك‌ علي‌ رأسي‌».

[29] ـ يقول‌: «لقد عكف‌ الناسُ اليومَ كلٌّ علي‌ صنمه‌، أمّا أنا فلا أتوجّه‌ إلاّ شطر قِبلة‌ الإيمان‌».

 عن‌ كتاب‌ «مصيبة‌ الاولياء» طبعة‌ إقبال‌، من‌ نظم‌ أحمد الحسيني‌ّ الفيروزآبادي‌ّ. وقد نظمها صاحبها في‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌، فلذا جاء البيت‌ الآتي‌ بعد البيت‌ الرابع‌:

 اي‌ خاك‌ كربلاي‌ تو مهر نماز من‌         آن‌ مهر را به‌ مهر سليمان‌ نمي‌دهم‌

 يقول‌: «يا مَن‌ تربة‌ كربلائك‌ تربة‌ صلاتي‌، فلا أُقايض‌ تلك‌ التربة‌ بخاتم‌ سليمان‌».

 وجاء في‌ البيت‌ ما قبل‌ الاخير قوله‌:

 * جان‌ مي‌دهم‌ به‌ شوق‌ وصال‌ تو يا حسين‌ *

 يقول‌: «أبذل‌ مهجتي‌ شوقاً إلي‌ لقائك‌ يا حسين‌».

 بَيدَ أ نّا لمّا أوردنا هذه‌ الابيات‌ في‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، فقد نقلناها بالنحو المذكور علي‌ سبيل‌ الاقتباس‌ والاستخدام‌.

[30] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64.

[31] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64.

[32] ـ «المراجعات‌» ص‌ 287، الطبعة‌ الاُولي‌. والبيتان‌ لحسّان‌ بن‌ ثابت‌.

[33] ـ المقصود هنا وحدة‌ مقامه‌ مع‌ النبي‌ّ، أي‌: نحن‌ صنوان‌ من‌ جذرٍ واحد، لقوله‌ عليه‌ السلام‌: وَأَنا مِن‌ رسول‌ الله‌ كالصِّنو من‌ الصِّنْو والذِّراع‌ من‌ العضد. وصنوان‌ كما قال‌ صاحب‌ «أقرب‌ الموارد»: إذا خرج‌ نخلتان‌ أو أكثر من‌ أصل‌ واحد، فكلّ واحدة‌ منهنّ صِنْوٌ.

[34] ـ «المراجعات‌» ص‌ 286. والبيتان‌ لعبدالله‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ بن‌ الحارث‌بن‌ عبدالمطّلب‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com