|
|
الصفحة السابقةمقدّمة عمر للحؤول دون كتابة رسول اللهوالآن ـ بعد أن تحدّدت مصادر هذا الحديث في هذه الرزيّة من كتب الصحاح والسنن الموثوقة من الدرجة الاُولي لاهل السنّةـ [1] نعرض فيما يأتي عدداً من الابحاث حول مفاد ما تقدّم: البحث الاوّل: يستفاد من هذه الاحاديث والروايات أنّ هذه الواقعة لمتكن مفاجئة، حيث ينكر القوم ابتداءً تخطيط الرسول الاعظم للكتابة، بل تدلّ القرائن المشهودة علی أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله كان يعلم بتآمرهم علی حكومة علیّ علیه السلام، لذلك أنفذ جيش أُسامة. وكان قد أدرك جيّداً الخطط المدبّرة من خلال الاخبار المبثوثة داخل بيته من قبل حزب النساء المعارضات، وكذلك من خلال الاخبار التي تناهت إلی سمعه من خارج البيت ودارت حول تأخير جيش أُسامة وتخلّف أبي بكر، وعمر عن اللحاق به، فلهذا طلب الدواة والكتف في مثل هذا الظرف علی أساس تلك الشواهد والمشهودات. ولم يجتمع عمر وشرذمته في ذلك المجلس صدفة وبغتة، بل كانوا يجتمعون مراراً في مجالس سابقة ويخطّطون لغصب ولاية المسلمين وإمارتهم. وكان اجتماعه الاخير مع زمرته وأترابه مخطَّطاً له من قبل. وكيف يمكن أن نتصوّر أنّ حضور عمر مع جميع أعوانه ـالذين كان عددهم من الكثرة بحيث أوجدوا جبهتين في مجلس الرسول الاكرم وصاحوا وقالوا: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، وبلغ الامر أ نّهم تميّزوا عن الصحابة المؤمنين المطيعين الذين كانوا في حجرة نبيّهم، وزاد لَغَطُهم حتّي غلبوهمـ كان صدفة، وقد تحقّق بصورة تلقائيّة اعتياديّة ! كيف يتسنّي لنا تصوّر ذلك في مجلس زعيم الحاضرين ومتكلّمهم فيه عمر الذي حاكاه رفقاؤه في كلامه فاعترضوا علی كلام رسولالله ؟ [2] رأينا في الحديث الاوّل الذي نقله البخاريّ أنّ ابن عبّاس يقول: اختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. ومنهم من يقول ما قاله عمر. أي: أنّ رسولالله يهجر. ويتبيّن هنا أنّ عمر كان إمام المعترضين وزعيمهم، وأوّل من نطق بهجر رسولالله. البحث الثاني: لا شكّ ولا شبهة أنّ الجملة التي تفوّه بها عمر هي قوله: إنَّ رَسُولَ اللَهِ يَهْجُرُ. بَيدَ أنّ أصحاب السنن والاخبار لمّا رأوا أنّ كلمته مستهجنة جدّاً، أرادوا أن يخفّفوا من استهجانها، ويدافعوا عن أدب عمر فاستبدلوا بها كلمتهم: إنَّ النَّبِيَّ قَدْ غَلَبَ عَلَیهِ الوَجَعُ. نسبة عمر الهجر إلی رسول الله صلّي الله علیه وآلهوالدليل علی كلامنا رواية ذكرها ابن أبي الحديد في « شرح نهج البلاغة » بتخريج أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهريّ في كتاب « السقيفة » بإسناده إلی ابن عبّاس أ نّه قال: لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولُ اللَهِ الوَفَاةُ وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ رَسُولُ اللَهِ: إئْتُونِي بِدَوَاةٍ وَصَحِيفَةٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لاَ تَضِلُّونَ بَعْدَهُ (قَالَ): فَقَالَ عُمَرُ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَنَّ الوَجَعَ قَدْ غَلَبَ عَلَی رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدَنَا القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ. فَاخْتَلَفَ مَنْ فِي البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْ قَائِلٍ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ، وَمِنْ قَائِلٍ: مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَاللَّغْوَ وَالاخْتِلاَفِ غَضِبَ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ فَقَالَ: قُومُوا ! إنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يُخْتَلَفَ عِنْدَهُ هَكَذَا. فَقَامُوا، فَمَاتَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ مَا حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كِتَابِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي الاخْتِلاَفَ وَاللَّغَطَ. يقول ابن أبي الحديد: هذا الحديث قد خرّجه الشيخان: محمّدبن إسماعيل البخاريّ، ومسلم بن الحجّاج القُشَيْريّ في صحيحيهما. واتّفق كافّة المحدّثين علی روايته. [3] ونكتفي هنا بذكر النكتة الآتية التي تمثّل الدليل علی ما نقول: يقول هنا: قال عمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب علی رسولالله. وهذا صريح أنّ كلمة عمر كانت شيئاً آخراً. ولمّا لم يرغب القوم في ذكر كلمته نصّاً، استبدلوا بها مفادها ومعناها. وتلك الكلمة هي الهَجْر. [4] ودليلنا الآخر هو عقد مقارنة بين الروايات المذكورة، إذ لو وضعناها جنباً إلی جنب ووازنّا بينها، لتبيّن لنا بلا مراء أنّ كلمة عمر كانت قوله: إنَّ النَّبِيَّ يَهْجُرُ. إنّ البخاريّ الذي ذكر في الصحيحتين الاُولي والثانية اسم المعترض بصراحة ـوهو عمرـ قال: كانت كلمته: قَدْ غَلَبَ عَلَیهِ الوَجَعُ، بَيدَ أ نّه لميصرّح باسمه في صحيحته الثالثة، وكذلك لم يفعل مسلم في صحيحته، بل قالا بنحو عامّ: قَالُوا، وأوردا كلمة عمر نفسها: يَهْجُر. فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ. فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَهِ لَيَهْجُرُ. [5] وقال ابن سعد في طبقاته في الرواية التي نقلناها عن سعيد بن جُبَيْر: فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ: إنَّ نَبِيَّ اللَهِ لَيَهْجُرُ. وهنا لمّا لم يتعيّن قائل كلمة: يَهْجُرُ بنفسه، وذُكر بلفظ: قَالُوا، أو: قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، فإنّ الإتيان بكلمة هَجَرَ ويَهْجُرُ لمتُسْتَهْجَنْ بل ذُكرت كما هي. ولكنّنا عندما نوازن بين هذه الروايات، يستبين لنا جيّداً أنّ قائل كلمة يَهْجُرُ في قولهم: قَالُوا، أو: بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هو عمر نفسه، بَيْدَ أنّ هؤلاء المحرّفين والمبدّلين وحماة أريكة الاستبداد والظلم استبدلوا بها في تلك الروايات كلمتهم: قَدْ غَلَبَ عَلَیهِ الوَجَعُ حماية لعمر ولشأنه. تغيير لفظة الهجر من قبل أنصار عمروقد لاحظنا في إحدي روايات مسلم بن الحجّاج أ نّه ذكر عمر بكلامه: أَهَجَرَ ؟ اسْتَفْهِمُوهُ ! ومن الواضح أنّ لفظ عمر لا يحمل الاستفهام والشكّ وقد قال ما قال جازماً، إذ تفوّه بكلمته: هَجَرَ. وإذا بعض المدافعين عنه قالوا: لعلّه قال: هَجَرَ علی سبيل الاستفهام، ولا فرق بينهما في الكتابة. ثمّ جاء بعض آخر فأراد أن يثبّت هذا الاستفهام ويؤيّده، فوضع همزة الاستفهام في أوّل الكلمة وقال: أَهَجَرَ ؟ ثمّ أضاف مدافعون آخرون جملة: اسْتَفْهِمُوهُ، لتثبيت كلمتهم: أَهَجَرَ؟ ونجد في الروايات كثيراً من هذه التصرّفات التي تتّضح للشخص الخبير مواضع التغيير والتحريف فيها. وقد استبان جيّداً من خلال بحثنا هذا، ومن خلال عقد المقارنة بين روايات البخاريّ، ومسلم، وابن سعد أنّ كلمة عمر كانت هَجَرَ و يَهْجُرُ، ولا ريب أنّ التغييرات الواردة في ألفاظ الروايات المختلفة نابعة من تدخّل الرواة والمحدِّثين وتحريفهم. البحث الثالث: ماذا كان يقصد رسول الله صلّي الله علیه وآله من الكتابة ؟ وما هو الشيء الذي أراد أن يكتبه فلا تضلّ أُمّته بعده أبداً ؟ ويمكننا أن نستخرج الجواب ابتداءً من كلام عمر نفسه: عِنْدَكُمُ القُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ وهو الوارد في صحيحة البخاريّ الاُولي. وكذلك من كلامه الآخر: عِنْدَنَا كِتَابُ اللَهِ حَسْبُنَا، وهو المأثور في صحيحته الثانية. أي: أ نّنا نستطيع أن نفهم ماذا أراد الرسول الاعظم أن يكتب عندما طلب دواة وكتفاً، وذلك من خلال كلام عمر نفسه، بلا رجوع إلی الاخبار والشواهد التأريخيّة، والروايات والقرائن الموجودة. ولمّا كان عمر في مقام الاعتراض علی كتابة رسول الله. قال: حَسْبُنَا كتاب الله و كَفَانَا كتاب الله. وينكشف لنا أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله كان يريد أن يلحق بالقرآن شيئاً آخراً، أو يجعله حجّة للمسلمين، بَيدَ أنّ عمر منع من إلحاقه بالقرآن أو إفراده بالحجّيّة والولاية. وليس هذا الشيء إلاّ العترة الطاهرة المتمثّلة بأميرالمؤمنين علیّ بن أبي طالب وأبنائه المعصومين. وذلك هو ما جاءت به الاحاديث المتواترة ـبل التي فاقت حدّ التواترـ وهي التي ذكرها الشيعة والعامّة في كتبهم بمئات الاسانيد، وفيها أنّ رسولالله صلّي الله علیه وآله خطب في مواطن عديدة، منها في مرضه الذي مات فيه، حيث ذهب إلی المسجد، فقال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي. ونحن قد ذكرنا في بحثنا هذا خطبة رسولالله ـحين مرضهـ في المسجد حول حجّيّة القرآن والعترة وخلافتهما باللفظ المذكور نقلاً عن الشيخ المفيد في « الإرشاد »، [6] وابن سعد في « الطبقات الكبري ». [7] قصد رسول الله من الكتابة الوصيّة لعلیّولكنّ القوم لمّا حالوا دون تطبيق تلك الخطـب الشـفويّة عمليّاً، وحاولوا معارضة ذلك وطمسه، وكان رسول الله يعرف هذا الموضوع، لذلك أراد أن يثبّته ويعزّزه خطّيّاً وهو علی فراش المرض، وفي يوم الخميس الذي سمّاه ابن عبّاس يوم الرزيّة، أثار عمر الخلاف بجلبته وضجيجه ولغطه وصياحه ولغوه فجرح مشاعر رسول الله، حتّي أعرض صلّيالله علیه وآله بوجهه الكريم عنهم وقال لهم: قوموا ! فلهذا لمّا قالوا: نأتيك بالدواة والكتف ! قال: أَبَعْدَ الَّذِي قُلْتُمْ ؟ لاَ، وَلَكِنِّي أُوصِيكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي خَيْراً. ويتبيّن أنّ موضوع كتابته هم أهل البيت، بَيدَ أ نّه لمّا تعذّرت علیه الوصيّة الخطّيّة، اجتزأ بالوصيّة الشفويّة. ونقرأ في رواية البخاريّ الثالثة ورواية مسلم الاُولي اللتين ذكرناهما هنا أنّ رسول الله يوصي بثلاث. والراوي هو سعيد بن جبير عن ابن عبّاس. قال: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ أُنسِيتُهَا. سكت ابن عبّاس عن الثالثة، أو قال: وأنا سعيد بن جبير راوي هذا الحديث قد نسيتها. والواضح هو أنّ تلك الوصيّة هي الامر بالتمسّك بالعترة، وحجّيّة إمارة وولاية أميرالمؤمنين وذرّيّته حتّي الإمام الثاني عشر علیهم السلام، وهو ما جاء في حديث الثَّقَلَين. ولا جرم أنّ ابن عبّاس لم يسكت، وابن جبير لميَنْسَ، وإنّما هي ظُلمة عصر السياسة والاستبداد التي انتهت بسيف الحجّاجبن يوسف الثَّقَفيّ أنست سعيد بن جبير ومنعته من ذكرها. [8] وأمّا الاحتمال القائل إنّ الوصيّة الثالثة هي الوصيّة بجيش أُسامة، فليس له محلٌّ من الإعراب هنا، وهو ما ذكره محمّد فؤاد عبدالباقي في تعلیقه علی صحيح مسلم نقلاً عن المهلّب. وهذا ليس بِذِي بالٍ فيُسكت ابنعبّاس أو يُنسي ابن جبير. إنّ الدليل الواضح علی أنّ المراد من كتابة رسول الله صلّي الله علیه وآله الوصيّة بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام هو ما قاله عمر نفسه: إنّي كنتُ أعلم أنّ رسول الله أراد أن يوصي في مرضه لعلیّ بن أبي طالب فخالفته وصددته. [9]
ذكر ابن أبي الحديد سفر ابن عبّاس مع عمر إلی الشام، ونقل أنّ عمر أخبره
في الطريق بعتابه لامير المؤمنين علیه السلام لعدم اصطحابه في وقد ذكرنا تفصيل هذا السفر في الجزء السابع من كتابنا هذا « معرفة الإمام ». وتحدّثنا أيضاً في بعض المواضع عن منع عمر رسول الله من الكتابة. [11] ولكنّ حديثنا كان في كلّ موضع حسب مناسبته الخاصّة، وورد هنا لمناسبة الامر بالكتابة وحديث الثقلين. لذلك فمضافاً إلی أنّ مطالباً بديعة وواضحة قد مرّت في كلّ موضع، فهذا الموضع أيضاً قد فصّلنا فيه إجمالاً، بَيدَ أ نّه ليس فيه تكرار أبداً، بل إنّ المطالب فيه جديدة أيضاً. قبول القرآن دون قبول كلام الرسول خطأ فادحالبحث الرابع: لو تغاضينا عن الوصاية لامير المؤمنين علیه السلام، فإنّ كلام عمر: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ خطأ في حدّ نفسه سواء أوصي النبيّ لامير المؤمنينبالخلافةأملميُوصِ،ذلكلكلام رسولالله حُجّيّة في كلّ موضوع حسب ما نصّ علیه القرآن الكريم. قال تعإلی: مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَهَ. [12] وقال: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنكُمْ. [13] وقال: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ. [14] وقال: وَمَآ ءَاتَب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَب'كُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا. [15] وقال: إِنَّهُ و لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ. [16] في ضوء هذه الآيات القرآنيّة وآيات كثيرة غيرها، تكون طاعة الرسول واجبة كطاعة الله المتمثّلة في كتاب الله. وأنّ فرز حُجّيّة القرآن عن حُجّيّة كلام الرسول جمع بين المتناقضين. [17] مضافاً إلی ذلك أنّ القرآن نفسه يثبت وجوب قبول قول النبيّ. وأنّ العمل بالكتاب دون طاعة الرسول نقض للعمل بالكتاب. إذن كان عمر أوّل مَن رفض السُّنَّة، أي: أوّل من تجاهل وأهمل قول رسول الله. بل هو لميعمل حتّي بقوله: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، فهو قد رفض الكتاب والسنّة معاً ونبذهما جانباً. أمّا الشيعة فقد عملوا بالكتاب والسنّة كليهما. فهم السنّة الحقيقيّون حقّاً. أمّا السُّـنَّة فلا كتاب لهم ولا سنّة، إذ رفضـوا السنّة، ومن ثمّ رفضوا الكتاب، مع ذلك فإنّهم وضعوا لهم اسماً بلا مسمّيً ولامحتويً، أي: أهل السنّة والتابعين كلام رسول الله، وسمّوا الشيعة رافضةً، في حين هم الرافضة أنفسهم، والشيعة هم السنّة الحقيقيّون. وهذه مكيدة من مكائدهم إذ يرون أنفسهم محقّين من خلال اسم ونسبة غير صحيحة، ويرون الشيعة مبطلين بلا دليل مقنع. البحث الخامس: هل توافق القرآن نسبةُ الهجر والهذيان إلی رسولالله، أو قولُ: قَدْ غَلَبَ عَلَیهِ الوَجَعُ، ورفع الصوت عالياً عند رسولالله، ونبذ رأيه وتقديم آرائهم مهما كان المنطلق والنيّة ؟ فالقرآن الكريم يقول: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَهِ وَرَسُولِهِ. [18] لاتُبدوا آراءكم في العمل والإرادة، ولا تقدّموا آراءكم وعقائدكم بل اتّبعوهما دائماً واقتفوا أحكامهما ! ويقول أيضاً: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُو´ا أَصْوَ ' تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ و بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـ'لُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ. [19] ويقول بعدها: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ ' تَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَهِ أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ أمْتَحَنَ اللَهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَي' لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. [20] وحينئذٍ ما هو التناسب بين رفع الصوت والجَلَبة واللَّغَط لطمس إمامة علیّ المعصوم وآله الطاهرين. وبين موازين القرآن ؟ وأيّ صوت وجلبة ولَغَط ؟ إنّه الصوت والجلبة واللَّغَط الذي آذي رسول الله ! البحث السادس: كان عمر يعلم أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله هو الاُسوة الوحيدة للحقّ والحقيقة وإقصاء الباطل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَهَ كَثِيرًا. [21] وكان يعلم أنّ كلّ دعوة لرسول الله صلّي الله علیه وآله هي دعوة إلی الحياة الحقيقيّة: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ. [22] وكان يعلم أنّ مصير مَن يخالف رسول الله صلّي الله علیه وآله ويخاصمه جهنّم. قال تعإلی: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي' وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي' وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا. [23] وكان يعلم قوله تعإلی: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي' * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي' * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي'´ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي' * عَلَّمَهُ و شَدِيدُ الْقُوَي'. [24] وكان يعلم أنّ قول رسول الله ليس قولاً شعريّاً خياليّاً لفّقه من عنده. إِنَّهُ و لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بَقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَـ'لَمِينَ. [25] كان عمر يعلم ذلك كلّه جيّداً، وهذه آيات كانت تتلي ليل نهار،لعلّ أطفال المدينة كانوا يعلمونها أيضاً. ولا يعقل مسلم نسبة الهجر أو الكلام الصادر من شدّة الوجع والمحكي عبثاً ولغواً إلی نبيّه أبداً. كان عمر يعرف ذلك بأسره، وأنّ ما نسبه من الهجر إلی رسولالله لميقله صادقاً، إذ إنّه نفسه لم يعتقد أنّ النبيّ يهجر، بَيدَ أ نّه تفوّه بذلك اللفظ البذيء لإثارة اللَّغَط والفتنة والفوضي. وأراد هو وأعوانه أن يؤذي النبيّ من خلال افتعال ذلك الموقف الشائن، ومن ثمّ يحول دون تحقيق هدف النبيّ، وقد بلغ ما أراد. فلهذا عندما قال صلّي الله علیه وآله: قُومُوا، قاموا قاطبة وذهبوا ولميقل أحد منهم إنّ هذا الكلام ( قوموا ) هَجْر ! وما علینا إلاّ الجلوس وعدم الذهاب ! وكان ينبغي أن تكتب رسالة النبيّ الاعظم في وصاية أميرالمؤمنين علیه أفضل صلوات المصلّين في مثل ذلك المجلس الذي كان يضمّ علیة القوم ووجهاءهم من قريش، وبعبارة أُخري، أهل الحلّ والعقد منهم، لتكون حجّة علیهم، وإلاّ كان صلّي الله علیه وآله قادراً علی أن يكتب ذلك في الخفاء أو بمحضر بعض الصحابة من أُولي النُّهَي والبصائر، لكنّهم كانوا سينكرونها، إذ لن يقولوا: هذا ليس إملاء النبيّ وختمه، بل يقولون: كتب ذلك من وحي الهجر وغلبة المرض. إنّهم بتكتّلهم تقوّلوا علی النبيّ الهجر وهو حيّ بين ظهرانيهم، فكيف إذا غاب عنهم ؟ ألا يفعلون في غيابه كما فعلوا في حياته ؟ وما فتي صلّي الله علیه وآله يدعو إلی وصاية علیّ علیه السلام وخلافته طول عصر نبوّته ابتداءً من اليوم الاوّل لدعوته العامّة في دار أبي طالب، إذ أنذر عشيرته الاقربين، حتّي اللحظات الاخيرة من حياته المقدّسة. بَيدَ أ نّه أُمر بالتوقّف عند غدير خُمّ لإعلان ذلك رسميّاً، فأوقف الركب كلّه وألقي خطبته الغرّاء الشاملة الكاملة في الحاضرين. لكنّه لمّا أحسّ أنّ زاعمي الخلافة وأترابهم لم يهتمّوا بتلك الخطبة، وأنّ روح النبوّة في خطر بسبب عزل علیّ علیه السلام، عزم علی تدوين ما قاله شفويّاً ورأي ذلك لزاماً علیه، فبادر إلی الكتابة وختمها بختم النبوّة. تواطؤ عمر وأبي بكر للحؤول دون خلافة علیّ علیه السلاموكان عمر يتحدّث يوماً في أيّام خلافته مع ابن عبّاس. ودار حديثه حول علیّ بن أبي طالب، وأقرّ في حديثه بأنّ أحداً لا يليق بالخلافة بعد رسولالله غيره، وذكر بأنّ سبب إقصائه هو حداثة سنّه وحبّه بني عبدالمطّلب، [26] وقال بصراحة: كان أبو بكر منذ اليوم الاوّل كارهاً خلافة علیّ. [27] من هذا المنطـلق نجـد أنّ عمر وأبا بكر كانا مترافقـين متعـاونيـن دائماً سـواء في حياة رسـول الله أو بعد مماته. وقد تآخيا معاً في المؤاخاة التي عقدها رسـول الله. وكلاهما تخلّف عن جيـش أُسـامة قبيـل رحيل رسولالله، وتباطآ وفترا وأتيا بالمعاذير الواهية، إلی أن قُبِض رسولالله فأسرعا إلی السقيفة عاجلاً، وَكَانَا يَتَسَابَقَانِ علی حدّ تعبير ابن أبي الحديد. وعلی هذا الاساس قال عمر بمحضر رسول الله في مجلس الرزيّة المعهود: إذا مات النبيّ، فنحن ننتظره حتّي يرجع فيفتح حواضر الروم، كأصحاب موسي الذين انتظروه ورجع إليهم. وكان كلام عمر هذا من أجل أن يقول حين وفاة النبيّ أ نّه لم يمت. وقد فعل ذلك، وشهر سيفه، وجاب أزقّة المدينة وهو يقول: ما مات رسول الله ومَن قال إنّه مات ضربت عنقه بسيفي هذا. لماذا كان ذلك ؟ كان ذلك لانّ أبا بكر لم يكن حاضراً في المدينة وقتئذٍ، إذ كان ذهب إلی زوجته في السُّنْح علی فرسخ من المدينة. وما كان يتمّ أمر الخلافة بدون قدوم أبي بكر، وكان قلقاً من انثيال الناس علی أمير المؤمنين فور سماعهم خبر وفاة النبيّ، إذ يبادر المهاجـرون والانصـار إلی بيت رسول الله الذي كان فيه أميرالمؤمنين فيبايعونه، وحينئذٍ تبطل خططهم ويُنْقَضُ نسجهم وتذهب جهودهم كلّها أدراج الرياح. فلهذا سلّ سيفه ونادي إنّ رسول الله لم يمت، حتّي تزبّد شدقاه، وأراد من ذلك أن يُبقي الناس علی ما هم علیه ريثما يعود أبو بكر من السنح. وما إن قال أبو بكر: مات النبيّ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ إلی آخر الآية، قال عمر هذا صحيح، مات رسول الله. وكلاهما لم يأت دار رسول الله، ولميشهدا جنازته، ولم يصلاّ علیه. بل توجّها إلی سقيفة بني ساعدة، ونصب عمر صاحبه أبا بكر خليفة للمسلمين بمكيدة وكلمات سجّلها التأريخ. ومن الجلاء بمكان أنّ هذا الطريق هو طريق الضلال والغي، ولو تعبّدوا بنصّ رسول الله، واستجابوا لامره في الكتابة لاَمِنُوا مِنَ الضَّلاَلِ، ورتعوا في وادي الامن والامان الخصب، وكانوا علی الصراط المستقيم السويّ، لانّ النبيّ صلّي الله علیه وآله قال: لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً. [28] لكنّهم غرقوا في الضلالة وأوّل درجتها نسبة الهجر والهذيان إلی رسولالله. القرآن وحده لا يكفيوليتهم اكتفوا بعدم امتثال أمر رسول الله، وعدم جلب الدواة والكتف، ولميردّوا كلام رسول الله بقولهم: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ. وكأنّ النبيّ لم يعرف منزلة كتاب الله بينهم ! أو كانوا أعرف منه بخواصّ الكتاب وفوائده وآثاره وأرادوا أن ينبّهوه علی هذه النقطة. وليتهم اكتفوا بقوله: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ، ولم يتفوّهوا بكلمتهم القبيحة: هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ بوجه ذلك النبيّ المبعوث رحمةً للعالمين وهو يُحْتَضَر. ماذا قالوا في وداع النبيّ الاكرم وهو في اللحظات الاخيرة من حياته ؟ لقد قاموا من المجلس تاركين له وهم يقولون: هَجَرَ رَسُولُ اللَهِ ! وليتهم أدركوا أ نّهم بحاجة ماسّة إلی كتابة رسول الله، وأنّ القرآن وحده لايكفيهم، لانّ القرآن هو الذي جعل كلام رسول الله حجّة، وضمّ في طيّاته قوله: وَمَآ ءَاتَب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَب'كُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا. [29] وليتهم عرفوا أنّ النبيّ والإمام هما روح القرآن، وأنّ كلامهما سند القرآن وأنّ القرآن بلا إمام كالقِربة بلا ماء. وليتهم وآلاف ليتهم كانوا يفهمون، فلم يجرّوا أنفسهم والاُمّة وراءهم إلی الضلال حتّي يوم القيامة. ونحن إذا نظرنا في كلام رسول الله صلّي الله علیه وآله: إِئْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وكلامه الآخر في حديث الثقلين: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي! ووازنّا بينهما، نجدهما ذَوَي مفاد واحد، وهو ضمان عدم الضلالة الابديّة علی نهج واحد. فوجودهما معاً ( الكتاب والعترة ) لازم وضروريّ. ولاشكّ أنّ ما أراد أن يكتبه رسول الله هو: « عَلَیكُم بِعلیّبن أبي طالب ووُلْده المعصومين من بعدي إماماً وخليفةً » وأمثال هذه العبارات. وهذه الكتابة في الحقيقة تفصيل إجمال حديث الثَّقَلين، إذ أراد رسول الله أن يعيّن الثقل الآخر باسمه وسِمَته خطّيّاً. [30] سبب إعراض النبيّ عن كتابة الكتاب بعد نسبة الهجر إليهالبحث السابع: سبب عدم كتابة رسول الله صلّي الله علیه وآله في وقت كان عمر ومرافقوه لم يقوموا بعد ولم يذهبوا، إذ طلب بعض الحاضرين من النبيّ أن يأتيه بما أراد، فقال: لا ! بعد الذي قلتم. لعلّ شخصاً يقول هنا: ما ضرّ لو أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله كتب ما أراده بعد انصرافهم، وأودعه أمير المؤمنين أو عمّه العبّاس ليكون حجّة قاطعة علی الجميع، بخاصّة في مثل هذا الموضوع الخطير الذي يكفل سعادة الاُمّة وينقذها من الضلال ؟ وجوابه أنّ الظروف كانت بنحو لو أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله كتب فيها ما أراد، لرفع الحزب المعارض عقيرته قائلاً: لقد كتب رسولالله هذه الورقة من وحي الهجر وخبط الدماغ والعياذ بالله من ذلك، وحينئذٍ تفقد جميع كلماته التي تفوّه بها في مرضه حُجّيّتها. وتدلّ القرائن والشواهد علی أنّ القوم بلغوا هذه المرحلة من انتهاك الحُرمة. وأنّ مَن نسب إلی رسول الله الهجر والهذيان بمحضر الصحابة والنساء اللائي كُنَّ خلف الستار ورسول الله حيّ، يسهل علیه الإنكار والقذف بالهجر أيضاً، كما نسب أبو بكر الكذب إلی الصِّديقة الكبري فاطمة الزهراء سلامالله علیها التي امتلات مجاميع أهل السُّنَّة وكتبهم بالاحاديث النبويّة في شأنها، ومنها أنّ رسول الله قال: « سيّدة نساء أهل الجنّة »، وفيها وفي أبيها وبعلها وولديها الحسنين نزلت آية التطهير في القرآن الكريم. ومن المؤلم حقّاً أن يكذّبها أبو بكر، ويطلب منها شاهداً علی فدك، ويغصب منها فدكاً بحديث موضوع هو وضعه ونسبه إلی أعرابيّ بَوَّال علی عَقِبَيْه: « نحن معاشر الانبياء لا نورّث، وما ورّثناه صدقة للمسلمين ». وأنّ من وضع الحبل في عنق أمير المؤمنين علیه السلام وقاده إلی المسجد من أجل البيعة، وجرّ صدّيقته معفّرةً بالتراب ملطّخةً بالدم، وأسقط جنينها، وضربها بالسوط علی عضدها حتّي ظلّ بادياً كالدملج إلی أن ماتت، فهذا الشخص ممّ يخاف إن أنكر كتابة رسول الله ؟ وممّ يخشي إن تقوّل بالهجر وعدّ كلمات رسول الله في مرضه لغواً وعبثاً ؟ إنّ الموضوع المهمّ هنا هو أنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله تنازل عن الكتابة احتراماً لسُّنَّته وصوناً لحرمته، وحجّيّة قوله الذي هو عِدل كتاب الله، وأغضي عن هذا الامر حفظاً لجماعة المسلمين وشوكتهم، وحرصاً علی بقاء كتابالله. كما كان يُرجي الخطبة الغديريّة التي كُلِّف بإلقائها لتعريف علیّ خوفاً من حدوث الانشقاق بين المسلمين إلی أن هبط جبرائيل مهدّداً بقوله تعإلی: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ. [31] لقد واجه عمر رسول الله في مواطن عديدة، وتصرّف معه بغلظة وفظاظة. وأنّ رزيّة يوم الخميس التي كان يبكي لها ابن عبّاس حتّي ابتلّت الارض من دموع عينيه التي كانت تسيل من وجهه ليست أوّل تصرّف فظّ اجترحه عمر مع رسول الله، فقد سبقه تصرّفه الشائن في صلح الحديبيّة، إذ افتعل تلك الواقعة التأريخيّة، وكان علی رأس المناوئين لرسولالله والمتّهمين إيّاه بالكذب، [32] حتّي قال هو نفسه من أجل كفّارة ذلك: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأُعْتِقُ مَخَافَةَ كَلاَمِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ. [33] وكان تصرّفه قبيحاً فظّاً شاذّاً مع النبيّ عندما أراد أن يصلّي علی جنازة عبداللهبن أُبيّ حتّي صرفه عن ذلك باعتراضه قائلاً: لِمَ تصلّي علی رجل منافق ؟ وهذا ما ثبّتته كتب التأريخ كلّها. [34] أمّا رزيّة يوم الخميس فقد كانت أشدّ، لا نّه هو وزمرته كانوا جميعهم حاضرين في مجلس رسول الله، وقد أخلّوا بنظم المجلس، وهو نفسه نسب الهجر والهذيان إلی رسول الله، ودعمه أترابه، أي: كلّهم تقوّلوا بالهجر والهذيان حتّي عطّلوا المجلس ولم يستطع النبيّ أن يحقّق هدفه. فلو كتب النبيّ ورقة في مثل ذلك الجوّ، ألا يمزّقونها ؟ ألم يمزّق عمر سند فدك الذي كانت فاطمة علیها السلام قد أخذته من أبي بكر ؟ وجاء إلی أبي بكر وقال له بفظاظة: كيف تُرجع السند إلی فاطمة في مثل هذه الحالة التي يحتاج فيها المسلمون إلی المال ؟! بيان العلاّمة الطباطبائيّ في عدم التصريح باسم علیّ في القرآنسألتُ سماحة سيّد الاساتذة آية الله العلاّمة الطباطبائيّ قدّسالله نفسه الزكيّة يوماً فقلتُ له: ما ضرّ لو صرّح الله تعإلی باسم علیّ في القرآن كما صرّح باسم محمّد تجنّباً لهذا الخلاف العميق ؟ فقال: لو فعل ذلك لحذفوه بسهولة. فلهذا لم يصرّح به حفظاً لكتابه العظيم. إذن، غياب اسم علیّ عن القرآن لا يضرّ الإسلام والإيمان والولاية والمؤمنين، لانّ الذين اتّبعوا السنّة واقتفوا كلام نبيّهم كانوا شيعة علیّ الذائبين فيه يوم كان نبيّهم بين ظهرانيهم. والمؤمنون حقّ الإيمان هم شيعته المغرمون به منذ يوم الخميس الذي لم يستطع أن يكتب فيه رسولالله شيئاً إلی يومنا هذا. وها هو التشيّع اليوم يرتقي في سيره التصاعديّ وتعلو رايته في أرجاء شتّي من العالم، إذ نشهد سنويّاً إقبالاً متعاظماً علیه من أتباعمختلفالمذاهب.[35] سبب الحؤول دون تدوين الحديث النبويّالبحث الثامن: تزعزع شأن الولاية وفُتح باب الاجتهاد في مقابل النصّ في موقف عمر بتقدّمه علی كلام رسول الله صلّي الله علیه وآله وسنّته يوم الخميس. ولقد آثر هو وصاحبه أبو بكر رأييهما علی سنّة رسولالله مصلحة للمسلمين بزعمهما، وكانت محصّلة ذلك إقصاء السنّة والكتاب معاً، وتراكم الآراء الفاسدة في مقابل القرآن. وقد ضيّعا الحقائق في كلّ موضوع من الموضوعات بذريعة المصلحة. وفُتح باب الاجتهاد في مقابل كتاب الله وسنّة رسوله بنحو لم يُعْهَدْ مثله حتّي ذلك اليوم قطّ. ولوحظ في كلّ يوم موضوع جديد يغاير الكتاب والسنّة، ووقع أصل الدين وحقائقه في الخطر بغلالة ولاية المصلحة التي يتطلّبها الزمان، حتّي وصل الدور إلی عثمان الذي قدّم رأيه علی كتاب الله بصراحة، وحطّم سنّة رسولالله عمليّاً، وضرب معاوية علی وتر: « أنا ربّكمالاعلی» في الشام. وأخيراً، أغار الامويّون علی الكتاب والسنّة خلال ثمانين سنة من حكمهم، وجاء بعدهم العبّاسيّون ففعلوا كفعل أسلافهم طول خمسمائة سنة من حكمهم، وجري كلّ ذلك تحت غطاء الإمارة والولاية ومصلحة المسلمين. وهُجرت حقيقة الكتاب والولاية واستُغربت. وفُتح هذا الباب حتّي قيام قائم آل محمّد صلّي الله علیه وآله. وقد أمضي فقهاء العامّة وقضاتهم من أمثال شُريح جرائم حكّام الجور وأُمراء الظلم جميعها تحت عنوان: تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ. وأيّدوهم في جرائمهم. وفي باب ولاية الفقيه والحاكم. أحبطوا وخرّبوا أحكام القرآن الثابتة وسنّة رسول الله المقطوع بها، أو نسوا أو تناسوا أنّ ولاية الفقيه في الموضوعات الشخصيّة الاجتماعيّة، لا في تبديل وتغيير الكتاب وأحكام السنّة. وسمّوا أُمراء الجور خلفاء تجب طاعتهم حسب سنّة عمر وأبي بكر، وأضفوا علیهم لقب أُولو الامر. وأبادوا معارضيهم تحت لياظ سياطهم وتعذيبهم وحبسهم وإعدامهم وصلبهم وتخريب بيوتهم علی رؤوسهم بتهمة مخالفة رأي الفقيه والحاكم المفترض الطاعة. البحث التاسع: من الواضح أنّ الوضع الذي أوجده الحزب المناوي لاميرالمؤمنين علیه السلام منذ ذلك الحين، وما كان يمارسه هذا الحزب، إذ كان يتبادل الاخبار علی شكل شبكة اتّصال بين ما يجري داخل البيت النبويّ ( عائشة وحفصة وغيرهما ) وبين ما يجري خارج البيت، وقد أتي بعمر إلی الميدان وحطّم السنّة من خلال انتهاك حرمة الرسول الاعظم بنطق الهذيان والهجر، فذلك الوضع لايمكن للحزب المنتصر معه أن يعمل حسب نهج رسول الله إذا أراد أن يبقي ماسكاً بزمام الاُمور، إذ إنّ ذلك النهج كان قراءة كتاب الله والتدبّر فيه، ونقل حديث رسول الله وبيانه، وذِكره وعرض مواعظه وأحكامه وخطبه في كلّ مجلس ومحفل. أجل، إذا أراد هذا الحزب أن يدع الناس أحراراً في بيان الحديث والسنّة، فلاشكّ أنّ الحديث سيدور حول مقام ومنزلة أهل بيت العترة وعلوم أميرالمؤمنين علیه السلام اللامتناهية وفضائله ومناقبه، وسيرة الصدِّيقة الكبري ومنهاجها، وطهارة آل العباء وعصمتهم، وأمثال هذه الموضوعات التي كان المؤمنون يسمعونها من رسول الله منذ بداية النبوّة حتّي ذلـك الحيـن. وسـيحـوم الكـلام حـول مثالب الخلفـاء المتحكّميـن وسيّئاتهم، وحزبهم في داخل بيت النبيّ ( عائشة وحفصة )، وخارجه الذي يُمثّله الفارّون من الحروب، وكذلك يحوم حول انتهاك حرمة الرسول، وقتل ابنته رقيّة علی يد عثمان، ومقتل الصدِّيقة الكبري بعد غارة الحزب المنتصر علی بيتها لإخراج المعتصمين فيه، من أجل البيعة والتسليم لذلك النظام الظالم. وسيحوم أيضاً حول تفسير الآيات القرآنيّة التي بيّنها النبيّ كلّها، وهي حافلة بذكر مولي المتّقين و مقامه وشأن نزول الآيات فيه. وسيتناول الحديث حقائق وأسرار لا شأن للحزب المذكور بها طبيعيّاً. فلهذا، ما إن تصرّمت سنتا أبي بكر، وجاء دور عمر، حتّي منع طرح السنّة النبويّة تماماً، فعادت لا تذكر في المساجد والمحافل والمدارس وخطب العيدين والجمعة علی امتداد مائة وخمسين سنة بعد المنع، كما لميدوّن كتاب في الحديث والسنّة قرابة مائة عام. أي: أنّ ردّ عمر كلام رسول الله قد هيّأ هذه اللوازم الواسعة، ثمّ تطوّع الوضّاعون من متزلّفي بلاط معاوية كأبي هريرة وأبي الدرداء اللذين كانا من الصحابة، فوضعوا من الاحاديث في مناقب أبي بكر وعمر وعثمان، وعائشة بخاصّة ما ملا الكتب وطوامير المسانيد والصحاح، وقلّلوا الاحاديث المأثورة في فضائل أمير المؤمنين وآل العبا إلی درجة أ نّك نادراً ما تجد فيها حديثاً بشأنهم. وعلیه، فإنّ الاحاديث الواردة كلّها في هذا المجال موضوعة، ولاينظر الشيعة إلی صحّة السند في مثل هذه الحالات، بل يرون المتن دليلاً علی كذبه، لا نّه من الواضح أنّ الحزب الذي انتصر وقمع معارضيه بالسيف والحجر والقتل صبراً، وارتكب الجرائم النكراء ـكجريمته في واقعة الطفّ، وواقعة محمّد وإبراهيم وَلَدَي عبد الله المحض، وواقعة زيدبن علیّبن الحسين وابنه يحيي، وواقعة الحسين بن علیّ صاحب فخّ القريبة من المدينة، وهي كواقعة الطفّ، ثمّ تأمير العبّاسيّين أنفسهم وسعيهم في إطفاء نور منافسيهم من أولاد فاطمة علیها السلام وحياتهم وعلمهم وحتّي حياتهم المادّيّةـ سوف لن يتورّع في تحريف السنّة النبويّة وافتراء الاحاديث الكاذبة علی رسول الله ممّا يقبله الناس جميعهم. حديث البخاريّ المنحول في تقليل منزلة علیّ علیه السلامومن الاحاديث المختلقة التي وضعت بدهاءٍ تامّ، وتبدو علیها آثار الكذب بقرائن وشواهد عديدة، حديث أورده البخاريّ في صحيحه، ونحن نذكره فيما يأتي بسنده ثمّ نناقشه: حدّثني إسحاق عن بِشـر بن شُعَيْب بن أبي حمـزة قال: حدّثني أبي عنالزُّهريّ، قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الانصاريّ ـوكعب ابنمالك أحد الثلاثة الذين تاب الله علیهمـ أنّ عبد الله بن عبّاس أخبره: إنَّ علیَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ ؟! فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَهِ بَارِئاً ! فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ العَصَا ! [36] وَإنِّي وَاللَهِ لاَرَي رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ سَوْفَ يُتَوَفَّي مِنْ وَجَعِهِ هَذَا. إنِّي لاَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إلَی رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ فَلْنَسْـأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الاَمْرُ ؟ إنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَي بِنَا ! فقال علیّ: إنّا والله لئن سألناها رسول الله صلّي الله علیه وآله فمنعناها لايُعطيناها الناس بعده، وإنّي والله لا أسألها رسول الله صلّيالله علیه وآله. [37] ارجاعات [1] ـ أورد المرحوم آية الله السيّد محسن جبل عامليّ رحمه الله في كتاب «أعيان الشيعة» ج 2، ص 226 إلي 232، الطبعة الثانية، من المطالب التي ذكرها الشيخ المفيد في «الإرشاد» والتي نقلناها هنا وكذلك روايات العامّة عن البخاريّ، ومسلم. وذكر السيّد ابن طاووس كثيراً من هذه الروايات في طرائفه، طبعة مطبعة الخيّام بقم، ص 431 إلي 435 تحت عنوان: منع عمر النبيّ صلّي الله عليه وآله عند وفاته أن يكتب كتاباً لا يضلّ بعده أبداً، عن محمّد بن عليّ المازندرانيّ في كتاب «أسباب نزول القرآن»، وعن الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين»، وعن مسند أحمد بن حنبل، وصحيح مسلم، وصحيح البخاريّ. وعرض بحثاً كلاميّاً دقيقاً. خاطب عمر وحاكمه وعاتبه في مواطن كثيرة منتحلاً اسم عبدالمحمود. فأدان عمر إدانة قاطعة وحمّله آثام الاُمّة كلّها، وألقي علي عاتقه جميع أسباب الخلافات، ونشوب الحروب والمذابح والنهب والسلب، وضلال الاُمّة بعد رسولالله. وعدّه السبب الوحيد للانحراف. [2] ـ يُستشفّ من أخبار العامّة وأحاديثهم أنّ لعمر صحابة وأتباع وعصابة كما كان لرسولالله صحابة وأتباع. روي العلاّمة شرف الدين في «النصّ والاجتهاد» ص 177، الطبعة الثانية، عن «سنن أبي داود» المثبّتة في هامش شرح الزرقانيّ علي موطّأ مالك، وكذلك في ص 103 من الجزء الثاني لشرح الزرقانيّ الموجود في هامش الصفحة، في باب حجّ التمتّع وكراهة عمر التمتّع بالنساء وسط العمرة إلي الحجّ، قال: وَهذا ما كَرِهَهُ عُمَر وبعضُ أتباعِهِ فقال قائلهم: أنَنطلقُ وذكورنا تقطر ؟ من جهة أُخري، لمّا سأل أبو موسي الاشعريّ عمر عن هذه المسألة ـوفقاً لرواية الإمام أحمد في ص 50 من الجزء الاوّل لمسنده من حديث عمرـ قال له عمر مجيباً: قد علمتُ أنّ النبيّ صلّي الله عليه وآله قد فعله هو وأصحابه ولكن كرهت أن يضلّوا بها معرّسين في الاراك ثمّ يروحون بالحجّ تقطر رؤوسهم ! ونجد هنا بكلّ وضوح أنّ عمر وأصحابه في جانب، ورسول الله وصحابته في جانب آخر. فافهم وتأمّل واغتنم. [3] ـ «شرح نهج البلاغة» ج 2، ص 20، طبعة دار الكتب العربيّة الكبري. [4] ـ هَجَرَ يَهْجُرُ هَجْراً فِي نَوْمِهِ أَوْ مَرَضِهِ: خَلَطَ وَهَذَي. [5] ـ حتّي البخاريّ الذي نقلنا عنه الرواية الاُولي عن كتاب الطبّ، في باب قول المريض: قوموا عنّي وذكر فيها هذا اللفظ: فقال عمر، نجد قد أورد هذه الرواية عينها بنفس اللفظ والسـند في كتاب النبيّ، باب مرضه، طبعة بولاق، ج 6، ص 9 و 10، وقال: قال بعضهم. وذكر عبارة: ومنهم من يقول غير ذلك مكان عبارة: ومن قائل ما قال عمر. [6] ـ «الإرشاد» ص 97، الطبعة الحجريّة. [7] ـ «الطبقات» ج 2، ص 194، طبعة بيروت ؛ وهذا الجزء نفسه، الدرس 181 إلي 185. ومن الادلّة الفاضحة الواضحة اعتراف الشهرستانيّ وكلامه أنّ القائل كان عمر. قال العلاّمة الحلّيّ في كتاب «منهاج الكرامة» ص 48 و 49، طبعة عبدالرحيم: وقد ذكر الشهرستانيّ وهو أشدّ المتعصّبين علي الإماميّة: أنّ منشأ الفساد بعد إبليس الاختلافات الواقعة في مرض النبيّ صلّي الله عليه وآله: فأوّل تنازع في مرضه فيما رواه البخاريّ بإسناده إلي ابن عبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ صلّي الله عليه وآله مرضه الذي توفّي فيه، قال: إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي ! فقال عمر: إنّ صاحبكم ليهجر حسبنا كتاب الله ! وكثر اللَّغَط. فقال النبيّ صلّي الله عليه وآله: قوموا عنّي لاينبغي عندي التنازع! [8] ـ هل يعقل أنّ الصحابة الحاضرين في المجلس ينسون وصيّة رسول الله وهم الذين نُقل عنهم جودة حفظهم وقدرة أذهانهم، إذ كانت تُقرأ عليهم القصائد الطويلة مرّة واحدة فيحفظونها، وتُتلي عليهم الخطب البديعة المفصّلة فيحفظونها بلا أدني تغيير ؟ فهل يخال المرء أنّ مثل هؤلاء الرجال ينسون الوصيّة النبويّة الثالثة ؟! لا، ليس الامر كذلك، ولكنّ السياسة الحاكمة الجائرة أرغمتهم علي النسيان وعدم الذكر، وذلك ما أصبح أُلعوبة بِيَدِ اللاعبين وموضعاً لسخرية أُولئك الصحابة الجهلاء حقّاً. ولا يخامرنا أدني شكّ في أنّ تلك الوصيّة هي الوصيّة باستخلاف أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ذكرها الراوي. [9] ـ «صحيح مسلم» ج 3، ص 1258، طبعة دار إحياء التراث، التعليقة رقم 4. [10] ـ «شرح نهج البلاغة» ج 3، ص 14، سطر 27 و 28، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة الكبري. وذكر العلاّمة البحرانيّ في «غاية المرام» ص 595 إلي 620، سبعة عشر حديثاً عن طريق العامّة، منها ثمانية عن ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»، وسبعة عن صاحب كتاب «سير الصحابة»، كما ذكر حديثين عن طريق الخاصّة: أحدهما: مفصّل جدّاً عن كتاب سُليمبن قيس الهلاليّ، والآخر عن مؤلّف كتاب «الصراط المستقيم». وكلّها تدور حول تجرّؤ عمربن الخطّاب علي رسول الله، إذ كان يعلم أنّ النبيّ أراد أن يكتب نصّاً علي ولاية عليّ عليه السلام في مرضه الذي مات فيه. [11] ـ كما في الدرس 14، الجزء الاوّل من كتابنا هذا «معرفة الإمام» الدرس 91 إلي 93 من الجزء السابع منه. والدرس 110 إلي 115 من الجزء الثامن منه. [12] ـ الآية 80، من السورة 4: النساء. [13] ـ الآية 59، من السورة 4: النساء. [14] ـ الآية 64، من السورة 4: النساء. [15] ـ الآية 7، من السورة 59: الحشر. [16] ـ الآيات 19 إلي 22، من السورة 81: التكوير. [17] ـ أ لّف أحمد أمين المصريّ كتاباً في أُخريات حياته تراجع فيه عن كثير من التهم التي كان قد لصقها بالشيعة في كتابَيْه: «فجر الإسلام»، و«ضحي الإسلام»، وكتابه المذكور في الحقيقة كتاب توبة وإن لم يصرّح فيه بالتوبة والاعتذار. قال في ص 12 منه: وَأَمّا السُّنَّة فهي أهمّ مصدر بعد القرآن، وقد تجرّأ قوم فأنكروها واكتفوا بالعمل بالقرآن وحده. وهذا خطأ. ففي السُّنَّة تفسير كثير من النبيّ صلّي الله عليه وآله في القرآن. ثمّ يشرح أحمد أمين هذا الموضوع بشكل مفصّل نسبيّاً. [18] ـ الآية 1، من السورة 49: الحجرات. [19] ـ الآية 2، من السورة 49: الحجرات. [20] ـ الآية 3، من السورة 49: الحجرات. ومن العجيب حقّاً أنّ هذه الآيات نزلت في أبي بكر وعمر لمّا تصايحا وتنازعا عند رسولالله. قال السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ والاجتهاد» ص 196 و 197، الطبعة الثانية: وكان سبب نزولها أن قدم علي رسول الله صلّي الله عليه وآله ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمّر عليهم رجلاً منهم، فقال أبو بكر ـفيما أخرجه البخاريّ في تفسير الحجرات من الجزء الثالث من صحيحه ص 127 ـ: يا رسول الله ! أمّر عليهم القعقاعبن معبد! متقدِّماً بقوله هذا ومبادراً برأيه. فقال عمر علي الفور من قول صاحبه: بل أمّر الاقرعبن حابس أخا بني مجاشع يا رسول الله ! فقال أبو بكر: ما أردتَ إلاّ خلافي ياعمر. وتماريا جدالاً وخصومةً، وارتفعت أصواتهما في ذلك. فأنزل الله تعالي هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرّعهما في الرأي، وتقدّمهما فيه بين يدي رسول الله ورفع أصواتهما فوق صوته صلّيالله عليه وآله. ثمّ فسّر السيّد شرف الدين الآية: لاَ تَرْفَعُو´ا أَصْوَ ' تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ كالآتي: نهي عن القول المشعر بأنّ لهم مدخلاً في الاُمور أو وزناً عند الله ورسوله، لانّ من رفع صوته فوق صوت غيره، فقد جعل لنفسه اعتباراً خاصّاً، وصلاحيّة خاصّة، وهذا ممّا لايجوز ولايحسن من أحد عند رسول الله صلّي الله عليه وآله. [21] ـ الآية 21، من السورة 33: الاحزاب. [22] ـ الآية 24، من السورة 8: الانفال. [23] ـ الآية 115، من السورة 4: النساء. وقال آية الله العلاّمة السيّد شرف الدين العامليّ في خطبة كتاب «النصّ والاجتهاد» هامش ص 50، الطبعة الاُولي 1375، بعد الاستشهاد بهذه الآية: أخرج ابن مردويه في تفسير الآية أنّ المراد بمشاققة الرسول هنا إنّما هي المشاققة في شأن عليّ ] بن أبي طالب [. وأنّ الهدي في قوله: بعدما تبيّن له الهدي إنّما هو شأنه عليه السلام. وأخرج العيّاشيّ في تفسيره نحوه. والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة في أنّ سبيل المؤمنين إنّما هو سبيلهم عليهم السلام. [24] ـ الآيات 1 إلي 5، من السورة 53: النجم. [25] ـ الآيات 40 إلي 43، من السورة 69: الحاقّة. [26] ـ «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج 2، ص 57 ضمن الخطبة 26، طبعة دار الإحياء، إذ قال عمر لابن عبّاس: خشيناه علي حداثة سنّه وحبّه بني عبدالمطّلب. [27] ـ «شرح نهج البلاغة» ج 2، ص 58 ضمن الخطبة 26، طبعة دار الإحياء، إذ قال عمر لابن عبّاس: يابن عبّاس ! إنّ أوّل من ريّثكم عن هذا الامر أبو بكر ! إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة. [28] ـ علي الرغم من أنّ عمر كان يعلم ويدرك أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسولالله صلّيالله عليه وآله، لكنّه بادر إلي غصب الخلافة منه. روي المرحوم السيّد ابن طاووس في طرائفه، طبعة مطبعة الخيّام بقم، ص 133 عن الفقيه الشافعيّ ابن المغازليّ في مناقبه بإسناده إلي نافع غلام ابن عمر قال: قلتُ لابن عمر ـونحن نعلم أنّ رأي ابن عمر كرأي عمر في مثل هذه المسائلـ مَن خيرُ الناسِ بعد رسول الله صلّي الله عليه وآله ؟ قال ابن عمر: ما أنت وذاك لا أُمّ لك ؟ ثمّ قال: أستغفر الله، خيرهم بعده من كان يحلّ له ما يحلّ له، ويحرم عليه ما يحرم عليه. قلتُ: من هو ؟! قال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام. سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ وقال له: لك في هذا المسجد ما لي وعليك فيه ما عَلَيَّ، وأنت وارثي ووصيّي تقضي دَيني وتنجز عداتي وتقتل علي سنّتي، كذب من زعم أ نّه يبغضك ويحبّني. وهذه الرواية موجودة في «مناقب ابن المغازليّ» ص 261، و«بحار الانوار» ج 39، ص 33، الطبعة الحديثة. [29] ـ الآية 7، من السورة 59: الحشر. [30] ـ قال ابن حجر في «الصواعق المحرقة» أواخر الفصل الثاني من الباب التاسع، ص 75: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله في حجرته المباركة في مرضه والحجرة غاصّة بأصحابه: أَيُّهَا النَّاسُ ! يُوشك أن أُقبضَ قبضاً سريعاً فَيُنْطَلق بي، وقد قدّمتُ إليكم القولَ معذرة إليكم، ألا إنّي مُخلِّفٌ فيكم كتابَ ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي. ثمّ أخذ بِيَدِ عليّ فرفعها فقال: هذا عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّي يَرِدَا عَلَيَّ الحوضَـ الحديث. ونقله السيّد شرف الدين رحمه الله أيضاً في مراجعاته ص 15 و 16، الطبعة الاُولي، عن «الصواعق». [31] ـ الآية 67، من السورة 5: المائدة. [32] ـ ذكر أصحاب السير والتواريخ في كتبهم قصّة نفاق عمر وارتداده في صلح الحديبيّة مفصّلاً، منهم البخاريّ في صحيحه، في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، ج 2، ص 122، ومسلم في صحيحه، باب صلح الحديبيّة، ج 2 [33] ـ السيرة الحلبيّة، باب صلح الحديبيّة، ج 2، ص 706. و قال آية الله السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ والاجتهاد» ص 160، الطبعة الثانية: أخرج الإمام أحمد من حديث المسوّر بن مخرمة، ومروان بن الحكم في مسنده، ونصّ الحلبيّ في غزوة الحديبيّة من سيرته وغير واحد من أهل الاخبار: أنّ عمر جعل يردّ علي رسولالله الكلام، فقال له أبو عبيدة الجرّاح: ألا تسمع يابن الخطّاب رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول ما يقول ؟ نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ! قال الحلبيّ وغيره: وقال رسولالله صلّيالله عليه وآله يومئذٍ: يا عمر إنّي رضيتُ وتأبي! [34] ـ ذكرنا قصّـة عبد الله بن أُبيّ مفصّلاً في الجزء العاشـر من كتابنا هذا، الدرس 142 إلي 148. [35] ـ كالعالم الجليل والعلاّمة المجاهد الكبير قاضي القضاة في حلب السوريّة الشيخ محمّد مرعي أمين الانطاكيّ الذي اعتنق مذهب التشيّع، وأ لّف كتابه المعروف: «لماذا اخترتُ مذهب الشيعة مذهب أهل البيت ؟» وله الابيات الآتية: لمـاذا اختـرتُ مذهـب آل طـه وحاربـتُ الاقـارب فـي ولاها وعفـتُ ديـار آبـائــي وأهـلـي وعيشـاً كـان ممتلـئـاً رفـاها ؟ لا نّـي قـد رأيـتُ الحـقّ نـصّـاً وربّ البيـت لم يألـف سـواها فمـذهبـي التشـيّـع وهـو فخـرٌ لمـن رام الحقيـقـة وامتـطـاها وهل ينجـو بيـوم الحشـر فـردٌ مشـي في غير مذهـب آل طه ؟ لقد طالعتُ الكتاب المذكور فرأيته نفيساً ثميناً حقّاً. وكذلك الدكتور السيّد محمّد التيجانيّ السماويّ وهو من أهل قفصة التونسيّة، وله كتاب عنونه: «ثمّ اهتديتُ»، ذكر فيه سفره إلي الحجاز والعراق والتقائه بعلماء الشيعة في النجف الاشرف. ونقل أ نّه تأثّر كثيراً بكلام المرحوم آية الله السيّد محمّد باقر الصدر أعلي الله مقامه الذي استُشهد علي يد حزب البعث في العراق. ثمّ اختار مذهب التشيّع بعد تحقيق عميق في صحاح العامّة وسننهم دام ثلاث سنين. وقد وصلني الكتاب في هذه السنة وطالعتُه كلّه فوجدته عذباً رائعاً يشدّه الدليل والبرهان. أطال الله بقاء مؤلّفه ونصر الله به الحقّ في تأييد المذهب المبين. [36] ـ أي: أ نّك ستتعرّض إلي الاذي وسيخيفونك بعد ثلاثة أيّام. وجاء في «أقرب الموارد»: الناس عبيد العصا: يهابون مَن آذاهم. [37] ـ «صحيح البخاريّ» ج 6، ص 12، كتاب النبيّ، باب مرضه، طبعة بولاق ؛ وذكره ابن أبي الحديد في شرحه علي النهج، ج 2، ص 51 ؛ وكذلك نقله المقريزيّ في كتاب «النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم» طبعة النجف، سنة 1386، ص 32، عن البخاريّ، عن حديث الزهريّ. |
|
|