|
|
الصفحة السابقةالادلّة علی أنّ التدوين عند العامّة بدأ في رأس المائة الثالثةويبدأ الشيخ محمود أبو ريّة هنا ببيان مثالب تأخير التدوين وتفصيلها. أجل، إنّ ما نهدفه من عرض كلام أبي رَيَّة المفصَّل هو أن نجيب عن المزاعم الواهية التي طرحها محمّد عجّاج، علماً أنّ جوابنا ورد في سياق كلام أبي ريّة المتقدّم. وعرفنا في هذا الكلام بداية التدوين، ومجري الحديث حتّي طوره الرابع حيث كان تصحيح الحديث بعد إفراده وفرزه عن أقوال الصحابة، والآثار الاُخري، والعلوم المباينة للحديث نفسه كالشِّعر واللغة. وعلمنا أنّ تدوين السُّنّة تحقّق في بداية القرن الثالث ونهاية القرن الثاني. ولم يؤدّ اهتمام عمر بن عبد العزيز بهذا الامر دوره العمليّ المهمّ لوجوه: أوّلاً: قصر مدّة حكومته، إذ لم يحكم غير سنتين وبضعة أشهر. ولاندري هل كان أمره بالتدوين في أوّل حكومته، أو وسطها، أو آخرها، إذ لو كان في آخرها أو في وسطها القريب من آخرها، فإنّه سوف لنيتّخذ طابعاً عمليّاً بسبب الحواجز والموانع الخارجيّة. وهذا هو مفاد ومغزي كلام السيّد الصدر في غموض تأريخ أمره. ثانياً: لقد سُمّ الحاكم المذكور لعدله النسبيّ، ومودّته أهل البيت، وعدم إفراطه في بذل الاموال كأسلافه الامويّين؛ كما أنّ خلفه في الحكومة يزيدبن عبد الملك لم يفعل شيئاً بعده، ولم يصدر عنه أمر بالتدوين، إلی أن مات بعد مضي أربع سنين علی حكمه، فتولّي هشام بن عبدالملك. ثالثاً: كان أمر عمر بن عبد العزيز موجّهاً إلی أبي بكر بن حزم أساساً لا إلی ابن شهاب الزهريّ. فقد كتب إليه كتاباً دعاه فيه إلی تدوين السُّنّة النبويّة. بَيدَ أ نّه امتنع ولم يستجب لدعوته لحظر الحكّام السابقين ـ بخاصّة أبي بكر وعمرـ ذلك. وكان يري أنّ التدوين خلاف المشروع ومباين لسيرة الصحابة. وما فتي يتعلّل إلی أن مات ابن عبد العزيز. وعندما تسلّط يزيد بعده، ولم يصدر عنه أمر بالتدوين، اغتنم ابن حزم الفرصة فانصرف عن التدوين. وكان يحسب أنّ وفاة عمر، وتولّي يزيد معونة إلهيّة ومنزلة دينيّة روحانيّة له. رابعاً: استجاب ابن شهاب لدعوة هشام بن عبد الملك إلی التدوين لقربه من البلاط الامويّ وهشام، وإمضائه زهاء عشرين سنة في إمارته وولايته وسفره وحضره. فقام بالتدوين. ( علماً أنّ التدوين هنا بمعني مجموعة من التدوينات المعروفة يومئذٍ للسُّنّة والحديث وآراء الصحابة والحكّام الاُوَل أبي بكر وعمر وعثمان، وشعر العرب وآدابها، وأمثال ذلك ). من هنا نعرف أنّ ابن شهاب لمّا كان من وعّاظ السلاطين البارزين، وكان بنو أُميّة يأخذون منه آراءهم وأحكامهم، وكان مرجع قضائهم حتّي اشتهر به، فقد نُسب إليه التدوين، لا في عصر عمر بن عبد العزيز، بل في عصر من تلاه من الحكّام بعد سنين مضت علی حكمهم. ولم يعدّوا خالد بن مَعْدان الحِمْصيّ أوّل مدوِّن مع أ نّه كان قد أدرك سبعين صحابيّاً، وتوفّي قبل الزهريّ بعشرين سنة ( إذ كانت وفاته سنة 104ه، ووفاة الزهريّ سنة 124 ه ). وكان له كتاب وتدوين. ويعود ذلك إلی أنّه لم يكن من وعّاظ السلاطين القابعين في بلاطهم، في حين ينبغي عدّه أوّل مدوِّن وفقاً لنهج العامّة لو كانوا منصفين. وعندما اعتبره السيّد محمّد رشيد رضا أوّل مدوِّن في منطق الحقيقة، وقال: ولكنّ المشهور أنّ أوّل من كتب الحديث ابن شهاب الزهريّ، ولعلّ سبب ذلك أخذ أُمراء بني أُميّة عنه. [1] هاجمه الخطيب، وسجّل عليه مؤاخذتين لا وزن لهما. [2] وكان الذهبيّ عديم المثيل أو نادر المثال بين العامّة في حقل التأريخ، وعلوم الحديث، والاطّلاع الواسع علی مثل هذه الاُمور. فَرَفْضُ شهادته في مقابل كلام السيوطيّ بلا دليل بعيدٌ عن الإنصاف. وأمّا عدّه عبدَ اللهِ بن عمرو صاحب « الصحيفة الصادقة »، واعتبار صحيفته من المدوّنات الخالصة في السُّنّة النبويّة في عصر النبيّ، وحسبانها أقدم وأسبق من جميع الصُّحف بما فيها صحيفة أبي رافع، فذلك زعم لو كشفنا عنه، لزكمت رائحته الاُنوف. وعبد الله هذا هو ابن عمرو بن العاص المعروف المشهور الذي ملا جانباً كبيراً من التأريخ في محادّة النبيّ صلّي الله عليه وآله، وإنشاد الشعر في هجائه. وكان عبد الله يزور النبيّ صلّي الله عليه وآله، ويكتب عنه أشياء. وكان من المؤيّدين لامير المؤمنين علی بن أبي طالب عليه السلام، إذ كان خبيراً بصيراً بمقامه الشامخ وولايته لما سمعه من رسول الله بشأنه. ولهذا عندما كتب معاوية إلی أبيه عمرو بن العاص يدعوه إلی قتال الإمام عليه السلام، استشار عمرو ولديه: محمّد وعبد الله المذكور. أمّا محمّد فقد حرّضه علی الحرب. وأمّا عبد الله فقد أنّبه، ونوّه له بفضائل الإمام. وذكّره بأنّ مخاصمته من أجل حكومة مصر ودعم معاوية بيعٌ لآخرته بدنياه، وذهاب إلی جهنّم. بَيدَ أنّ عمرو لم يسمع كلامه، وسمع كلام محمّد، فتوجّه إلی الشام. لكنّا لم نجد في التأريخ أنّ عبد الله خالف أباه عمليّاً، أو التحق بأصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في صفّين ليؤازرهم، بل وجدنا أنّه كان مع أبيه في أصحاب معاوية عليه الهاوية. [3] ونلحظ معلومات متضاربة كثيرة في كتب علماء العامّة حول الاحاديث المرويّة عن عبد الله بن عمرو، وكتابه الذي سمّاه «الصحيفة الصادقة ». ونقرأ في الاحاديث الكثيرة المرويّة عن أبي هريرة الذي تفرّد بين أهل السُّنّة في وضع الحديث دعماً لمعاوية وبلاطه، ومشاقّةً لاميرالمؤمنين عليه السلام، وملات أحاديثه كتب العامّة، إنّه كان يقول: ما من أصحاب النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسـلّم أحد أكثر حديـثاً عنه منّي إلاّ ما كان من عبداللهبن عمرو، فإنّه كان يكتب ولا أكتب. وقد ألّف المرحوم أبو ريّة كتاباً عن أبي هريرة بعنوان: « شيخ المضيرة: أبو هريرة » اقتداءً بالمرحوم السيّد عبد الحسين شرفالدين في كتاب « أبو هريرة ». ثمّ أ لّف كتابه « أضواء علی السنّة المحمّديّة »، وأماط اللثام فيهما عن موضوعات مهمّة لم يكشف عنها أحد من العامّة إلی الآن. كلام أبو ريّة حول الإسرائيليّات في الحديثفلابدّ لنا هنا من نقل شيء منها، ممّا ذكره في سياق كلامه عن أبي هريرة، أو عن دخول الإسرائيليّات والاخبار الكاذبة في الحديث، وذلك لتتبيّن هويّة « الصحيفة الصادقة »، وأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص. يقول أبو ريّة تحت عنوان: الإسرائيليّات في الحديث: لمّا قويت شوكة الدعوة المحمّديّة واشتدّ ساعدها، وتحطّمت أمامها كلّ قوّة تنازعها، لم ير من كانوا يقفون أمامها ويصدّون عن سبيلها، إلاّ أن يكيدوا لها من طريق الحيلة والخداع، بعد أن عجزوا عن النيل منها بعدد القوّة والنزاع. ولمّا كان أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود، لانّهم بزعمهم شعب الله المختار، فلا يعترفون لاحد غيرهم بفضل، ولا يقرّون لنبيٍّ بعد موسي برسالة، فإنّ رهبانهم وأحبارهم لم يجدوا بدّاً ـ وبخاصّة بعد أن غُلبوا علی أمرهم وأُخرجوا من ديارهمـ [4] من أن يستعينوا بالمكر، ويتوسّلوا بالدهاء، لكي يصلوا إلی ما يبتغون، فهداهم المكر اليهوديّ إلی أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا نفوسهم علی دينهم، حتّي يخفي كيدهم، ويجوز علی المسلمين مكرهم. وقد كان أقوي هؤلاء الكهّان دهاءً وأشدّهم مكراً كعب الاحبار، ووهب بن منبّه، وعبد الله بن سلام. ولمّا وجدوا أنّ حيلهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوي، وأنّ المسلمين قد سكنوا إليهم، واغترّوا بهم، جعلوا أوّل همّهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم، وذلك بأن يدسّوا إلی أُصوله التي قام عليها ما يريدون من أساطير وخرافات، وأوهام وترّهات، لتوهين وتضعيف هذه الاُصول. ولمّا عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم، لا نّه قد حفظ بالتدوين، واستظهره آلاف من المسلمين، وأ نّه قد أصبح بذلك في منعة من أن يزاد فيه كلمة أو يتدسّس إليه حرف، اتّجهوا إلی التحدّث عن النبيّ فافتروا ـما شاءوا أن يفترواـ عليه أحاديث لم تصدر عنه. [5] وأعانهم علی ذلك أنّ ما تحدّث به النبيّ في حياته لم يكن محدود المعالم، ولا محفوظ الاُصول، لا نّه لم يكتب في عهده صلوات الله عليه كما كتب القرآن، ولا كتبه صحابته من بعده، وأنّ في استطاعة كلّ ذي هوي أو دخلة سيّئة، أن يتدسّس إليه بالافتراء، ويسطو عليه بالكذب، ويسّر لهم كيدهم أن وجدوا الصحابة يرجعون إليهم في معرفة ما لايعلمون من أُمور العالم الماضية. واليهود بما لهم من كتاب، وما فيهم من علماء، كانوا يعتبرون أساتذة العرب فيما يجهلون من أُمور الاديان السابقة، إن كانوا مخلصين صادقين. قال الحكيم ابن خلدون [6] عندما تكلّم عن التفسير النقليّ، وأنّه كان يشتمل علی الغثّ والسمين والمقبول والمردود: والسبب في ذلك أنّ العرب لميكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنّما غلبت عليهم البداوة والاُمّيّة. وإذا تشوّفوا إلی معرفة شيء ممّا تتشوّف إليه النفوس البشريّة في أسباب المكوّنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم. [7] وهم أهل التوراة من اليهود، ومن تبع دينهم من النصاري، مثل كعب الاحبار، ووهب بن مُنَبِّه، وعبد الله بن سلام، وأمثالهم. فامتلات التفاسير من المنقولات عندهم. وتساهل المفسّرون في مثل ذلك، وملاوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كلّها كما قلنا من التوراة، أو ممّا كانوا يفترون. وقال في موضع آخر من مقدّمته: وكثيراً ممّا وقع للمؤرّخين والمفسّرين، وأئمّة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها علی مجرّد النقل غثّاً أو سميناً، لم يعرضوا علی أُصولها، ولاقاسوها بأشباهها، ولاسبروها بمعيار الحكمة، والوقوف علی طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الاخبار، فضلّوا عن الحقّ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط. [8] وقال الدكتور أحمد أمين: اتّصل بعض الصحابة بوهب بن منبّه، وكعب الاحبار، وعبد الله بن سلام. واتّصل التابعون بابن جريج؛ [9] وهؤلاء كانت لهم معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل وشروحها وحواشيها. فلمير المسلمون بأساً من أن يقصّوها بجانب آيات القرآن، فكانت منبعاً من منابع التضخّم[10] ـ انتهي. من أجل ذلك كلّه أخذ أُولئكَ الاحبار يبثّون في الدين الإسلاميّ أكاذيب وترّهات، يزعمون مرّة أ نّها في كتابهم أو من مكنون علمهم، ويدّعون أُخري أ نّها ممّا سمعوه من النبيّ صلّي الله عليه وآله، وهي في الحقيقة من مفترياتهم. وأنّي للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق من الكذب من أقوالهم، وهم من ناحية لا يعرفون العبرانيّة [11] التي هي لغة كتبهم، ومن ناحية أُخري كانوا أقلّ منهم دهاءً وأضعف مكراً؟ وبذلك راجت بينهم سوق هذه الاكاذيب، وتلقّي الصحابة ومن تبعهم كلّ ما يُلقيه هؤلاء الدهاة بغير نقد أو تمحيص، معتبرين أ نّه صحيح لا ريب فيه. [12] وقال أبو ريّة أيضاً تحت عنوان، هَلْ يَجُوزُ رِوَايَةُ الإسْرَائِيلِيَّاتِ؟: جاءت الشريعة الإسلاميّة فنسخت ما قبلها من الشرائع ـوإن كانت قد أبقت علی أُصول العقائد وما لا يتعارض معها من الاُمور التي أرسل الله بها جميع الرسل إلی خلقهـ وقد بيّن القرآن الكريم أنّ أهل الكتاب ( اليهود والنصاري ) قد كتبوا من عند أنفسهم كتباً ليشتروا بها ثمناً قليلاً. نهي النبيّ صلّي الله عليه وآله المؤكّد عن رواية الإسرائيليّاتومن أجل ذلك نهي رسول الله أن يأخذ المسلمون علی أهل الكتاب أمراً يخالف أُصول دين الله وأحكامه وآدابه. وكان يغضب أشدّ الغضب إذا رأي أحداً ينقل عنهم شيئاً. فقد روي أحمد عن جابر بن عبدالله أنّ عمربن الخطّاب أتي النبيّ بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه علی النبيّ فغضب وقال: أَمُهَوَّكُونَ[13] فِيهَا يابْنَ الخَطَّاب؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَي حَيٌّ مَا وَسِعَهُ إلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي! وفي رواية: فَغَضِبَ وَقَالَ: لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً! لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ. وروي البـخـاريّ عـن أبـي هـريـرة: لاَ تُصَـدِّقُـوا أَهْـلَ الكِـتَـابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وروي البخاريّ من حديث الزهريّ عن ابن عبّاس أ نّه قال: كَيْفَ تَسَأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَهُ عَلَی رَسُولِ اللَهِ أَحْدَثُ الكُتُبِ تَقْرَؤُونَهُ مَحْضاً لَمْ يَشُبْ. وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَهِ لَيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً! أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مَسأَلَتِهِم؟! لاَ وَاللَهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمُ رَجُلاً يَسأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكُمْ! وروي ابن جرير عن عبد الله بن مسعود أ نّه قال: لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيءٍ فَإنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا. إمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ! هذه هي الروايات الصحيحة التي تتّفق مع الدين والعقل، والتي كانت معروفة عند المحقّقين. [14] هذا بعض ما رُوي عن النبيّ صلوات الله عليه في النهي عن الاخذ عن أهل الكتاب، ولكن ما لبث الامر أن انقلب بعد أن اغترّ بعض المسلمين بمن أسلم من أحبار اليهود خدعةً. فظهرت أحاديث رفعوها إلی النبيّ صلّيالله عليه وآله تُبيح الاخذ وتنسخ ما نهي عنه. فقد روي أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهما أنّ رسـولالله قال: حَدِّثُـوا عَـنْ بَنِـي إِسْـرَائِيلَ وَلاَ حَـرَجَ! وأبو هريـرة، وعبداللهبن عمرو من تلاميذ كعب الاحبار. وقد جاءت الاخبار بأنّ الثاني ـوهو عبد الله بن عمرو بن العاصـ أصاب يوم اليرموك زاملتين [15] من علوم أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما. وزاد ابن حجر: فَتَجَنَّبَ الاخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ. [16] ضعف روايات أبي هريرة وعبد الله بن عمروأجل، لقد جـاءت هـذه المعلومـات مـن أجـل التعرّف علی جـذر الإسرائيليّات وكيفيّة تسلّل كعب الاحبار وأقرانه في صفوف المسلمين ودسّهم وتزويرهم في الاحاديث سواء بنقلهم هم أنفسهم، أم بإسنادهم إلی رسولالله صلّي الله عليه وآله. وإذا ما عرفنا أنّ أبا هُريرة، وعبداللهبن عمرو كانا من أعظم تلامذة كعب الاحبار، وقفنا علی سخف مرويّاتهما جميعها، إذ هي من مبتدعات ذلك اليهوديّ المنافق المتظاهر بالإسلام ذي السابقة المعروفة، مضافاً إلی أنّنا لم نلحظ بين السُّنّة أكثر من هذين الشخصين رواية بحيث إنّ كتبهم مشحونة برواياتهما، وإنّ أُصولهم وفروعهم متوكِّئة عليها. ولو قُدِّر فرز رواياتهما وروايات أُستاذهما كعب الاحبار وإخراجها من الكتب ـ ولا سبيل لهم إلاّ الإخراجـ فإنّ القسم الاعظم من كتبهم سوف يتهرّأ، وإنّهم سوف يفلسون. وهذه مسألة تهدّد أساس صحاحهم ومسانيدهم وسننهم بشدّة. وأُثيرت في الاوساط السنّيّة ضجّة عظيمة بعد تأليف العالم المحقّق السيّد عبد الحسين شرفالدين العامليّ كتابه عن أبي هريرة، وكذلك تأليف العالم الواعي المُتجرِّد الشيخ محمود أبي ريّة كتابه عنه تحت عنوان « شيخ المضيرة »، فإنّهما كتابان نفيسان دقيقان رحم الله مؤلِّفَيْهِما علی دراساتهما العلميّة العميقة فيهما. مضافاً إلی أنّ دراسات المستشرقين واكتشافاتهم، وإزاحة الستار عن أكاذيب أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو وما شابهها هزّت سنّتهم الجوفاء علی أشدّ ما يكون فلا يجد أهلها مناصاً إلاّ الرجوع إلی روايات أهل البيت وأحاديثهم وتأريخهم وتفسيرهم كما سنأتي عليه في مباحثنا القادمة إن شاء الله تعالي. ردُّ أبي ريّة علی أحاديث أبي هريرةوأورد أبو ريّة في كتاب « شيخ المضيرة: أبو هريرة » بحثاً تحت عنوان: « أبو هريرة أكثر الصحابة تحديثاً ». ولمّا كان يناسب موضوعنا الحالي حول عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة كثيراً، فمن الضروريّ أن نشير إليه علماً أنّ الكلام دار فيه حول عبد الله وصحيفته: قال: أجمع رجال الحديث علی أنّ أبا هريرة كان أكثر الصحابة تحديثاً عن رسول الله، علی حين أ نّه لم يصاحب النبيَّ إلاّ عاماً واحداً وبضعة أشهر فحسب كما قلنا. وقد ذكر أبو محمّد بن حزم أنّ « مسند بقي بن مخلّد » قد احتوي من حديث أبي هريرة علی 5374. روي البخاريّ منها 446 ممّا جعل الصحابة ينكرون عليه ويُكذِّبون بعض رواياته كما ستراه بعد. [17] هذا هو المعروف المشهور، ولكنّا رأيناه يقول كما روي البخاريّ وغيره: [18] مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثاً مِنِّي إلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِاللَهِبْنِ عَمْرٍو؛ [19] فَقَدْ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ. [20] ولو بحثنا عن كلّ ما رواه ابن عمرو هذا لوجدناه ( 700 ) حديث عند ابن الجوزيّ، أي: بنسبة 18 ممّا رواه أبو هريرة، روي البخاريّ منها ثمانية، ومسلم عشريناً. ولعلّ اعتراف أبي هريرة هذا قد صدر عنه أوّل أمره حينما كان يعيش بين كبار الصحابة وعلمائهم، إذ كان يخشي أن ينكروا عليه مرويّاته. ولكن لمّا خلا له الجوّ، واستباح الرواية ـ بعد مقتل عمر وموت كبار الصحابةـ [21] أكثر وأفرط، وبخاصّة في عهد معاوية الذي حمي ظهره، وأعلي قدره، وجعله محدّث دولته، كما ستري ذلك إن شاء الله. وقد يظنّ بعضهم من قول أبي هريرة هذا أنّ عبد الله بن عمرو قد كتب ما سمعه من رسول الله، وبذلك تكون مرويّاته متواترة في لفظها ومعناها، وأنّ ما كتبه قد حفظ من بعده بالكتابة كذلك، كما حفظ القرآن بالكتابة؛ فيفيد العلم بنفسه، ويكون أصلاً صحيحاً معتمداً بين المسلمين، بعد كتاب الله المبين. ولكنّ المعروف أنّ ما لابن عمرو من الحديث في كتب السنّة قد جاء من طريق الرواية، لا من سبيل الكتابة. وكلّ ما علم عمّا كتبه أنّه ( صحيفة ) كان يسمّيها « الصادقة ». وقد ذكروا أنّها كانت تحمل أدعية منسوبة إلی النبيّ يقولها المرء إذا أصبح وإذا أمسي. ويبدو أنّ هذه الصحيفة لم تكن عند المحقّقين ذات قيمة ولاتساوي شيئاً. فقد جاء في كتاب « تأويل مختلف الحديث »، [22] وكتاب «المعارف » [23] وكلاهما لابن قُتيبة ما يلي: وقال مغيرة: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَهِ بْنِ عَمْرٍو صَحِيفَةٌ تُسَمَّي الصَّادِقَةَ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِفَلْسَيْنِ!! [24] والآن، إذ استبانت هويّة كعب الاحبار، وأبي هريرة، وعبداللهبن عمرو نوعاً ما، يجدر بنا أن نذكِّر بأنّ روايات هؤلاء لا وزن لها عند الشيعة، وأنّ حديثهم مرفوض. فإذا ما انتهي إلی أحدهما سندُ حديثٍ ما، فذلك الحديث لا اعتبار له. تفاهة صحيفة عبد الله بن عمرو وعدم قيمتهاأمّا العامّة، فإنّهم يرون أنّ كلّ من صحب النبيّ صلّي الله عليه وآله ـ بالمعني الاعمّ للصحبة، أي: كلّ من لقيه وهو مسلم في الظاهرـ عادل. وهم ينزّهون جميع الصحابة ويبرّئونهم من الكذب والخيانة. لذلك صاروا يقبلون أحاديثهم مهما كان مضمونها، ويقرّون بها بلا مراء وبدون ملاحظة انطباق مضمونها علی الواقع بمجرّد اتّصال سندها بالصحابيّ. ولايفرّقون بين روايات كعب اليهوديّ المخرّب الهدّام للإسلام، وأبي هريرة المتصدّر مجلس التزوير والخداع والمكر ووضع الاحاديث الكاذبة في بلاط معاوية الذي كان أوّل متهتّكٍ في الإسلام، وبين روايات غيرهما من الصحابة، فالصحابة جميعهم مغفور لهم، مشمولون برحمة الله تعالي، سواء كانوا معاوية وأمثاله أم غيرهم، فالكلّ قولهم وعملهم صحيحان عندهم. وعلي هذا الاساس من جهة، ومن جهة أُخري ما يلاحظ في تضاعيف كتاب « السنّة قبل التدوين » من الانحياز إلی بني أُميّة وأمثالهم، وعدم إقامة وزن واعتبار لاهل البيت، نجد أنّ مصنّف الكتاب المذكور محمّد عجّاج الخطيب يثمّن « الصحيفة الصادقة » لعبد الله بن عمرو، و « الصحيفة الصحيحة » لوهب بن مُنَبِّه تثميناً كبيراً، ويحاول جهده أن يعدّهما من الصحف المعتبرة المتداولة المشهورة، ويعدّ صاحبيهما من المعصومين المنزّهين عن الكذب والخيانة أَمَّا أَ نَّي لَهُ ذَلِكَ؟ ونحن نري أنّ بين أهل السنّة مَن تحرّر من نصب العداء لآل محمّد، فهو يعتقد بأنّ هذه الصحيفة وأمثالها لا وزن لها ولا اعتبار بسبب خيانة مصنّفها. دفاع محمّد عجّاج عن «صحيفة عبد الله بن عمرو»ونلقي فيما يأتي نظرة علی شيء من كلام محمّد عجّاج في هذا المجال، ثمّ نناقشه بإيجاز: قال: «الصَّحِيفَةُ الصَّادِقَةُ» لِعَبْدِ اللَهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ( 7 قبل الهجرة ـ65 ه ). كان رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم قد سمح لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه بكتابة الحديث، لا نّه كان كاتباً محسناً، فكتب عنه الكثير. واشتهرت صحيفة ابن عمرو رضي الله عنه بـ « الصحيفة الصادقة »، كما أراد كاتبها أن يسمّيها، لانّه كتبها عن رسول الله صلّيالله عليه ] وآله [ وسلّم، فهي أصدق ما يروي عنه. وقد رآها مجاهد بن جبر ( 21ـ104ه ) عند عبدالله بن عمرو، فذهب ليتناولها، فقال له: مَهْ يَا غُلاَمَ بَنِي مَخْزُومٍ. قال مجاهد: قلتُ ما كتبتَ شيئاً! قال: هَذِهِ الصَّادِقَةُ فِيهَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ. [25] وكانت هذه الصحيفة عزيزة جدّاً علی ابن عمرو حتّي قال: مَا يَرْغُبُنِي فِي الحَياةِ إلاَّ الصَّادِقَةُ وَالوَهْطُ. [26] وربّما كان يحفظها في صندوق له حلق خشية عليها من الضياع. [27] وقد حفظ هذه الصحيفة أهله من بعده؛ ويرجّح أنّ حفيده عمرو بن شعيب كان يُحدِّث منها. [28] وتضمّ صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث كما يقول ابن الاثير؛ [29] إلاّ أنّ إحصاء أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدّه لا يبلغ خمسمائة حديث. وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو بخطّه، فقد نقل إلينا الإمام أحمد محتواها في مسنده كما ضمّت كتب السنن الاُخري جانباً كبيراً منها. ولهذه الصحيفة أهمّيّة علميّة عظيمة، لا نّها وثيقة علميّة تأريخيّة، تثبت كتابة الحديث بين يدي رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم وبإذنه. وعلّق محمّد عجّاج هنا علی كلامه فقال في الهامش: ورد طعن في « الصحيفة الصادقة » من بعض أهل العلم كالمغيرة بن مقسم الضبّيّ الذي قال: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَهِ بْنِ عَمْرٍو صَحِيفةً تُسَمَّي الصَّادِقَةَ، مَا تَسُرُّنِي أَ نَّهَا لِي بِفَلْسَيْنِ. انظر « تأويل مختلف الحديث » ص 93. وفي « ميزان الاعتدال » ج2، ص290: ما يسرُّني أنّ صحيفة عبد الله بن عمرٍو عندي بتمرتَين أو بِفَلْسَيْنِ. ثمّ قال: إذا صحّت هذه الرواية عن المغيرة، فلا يجوز حملها علی ظاهرها، ولا قبولها هكذا مقتضية، لا نّه ذَكَرَ ذلك في معرض الكلام علی الروايات الضعيفة. فإذا ضعّف نسخة ابن عمرو فإنّما ضعّفها لانّها انتقلت وِجادةً [30] فهو لا يقبل أن تكون عنده هذه الصحيفة بالطريق الذي حملها الرواة. لانّ الوجادة أضعف طرق التحمّل. فقد كانوا لا يحبّون أن ينقلوا الاخبار من الصحف، بل عن الشيوخ. ولا يجوز أن يُحْمَل قول المغيرة علی غير هذا الوجه، لانّه ثبت أنّ عبد الله قد كتبها بين يدي النبيّ صلّيالله عليه ] وآله [ وسلّم. ويواصل عجّاج حديثه فيقول: وكان عبد الله يُملي الحديث علی تلاميذه. [31] وقد نقل عنه تلميذه حسين بن شفيّ بن ماتع الاصبحيّ في مصر كتابين: أحدهما فيه: قَضَي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ فِي كَذَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ كَذَا. والآخر: مَا يَكُونُ مِنَ الاحْدَاثِ إلَی يَوْمِ القِيَامَةِ. [32] ونحن هنا لم نتعرّض إلاّ لـ « الصحيفة الصادقة »، فقد كان عند ابن عمرو كتب كثيرة عن أهل الكتاب أصابها يوم اليرموك في زاملتين. وقد ادّعي بِشْرُ المريسيّ أنّ عبد الله بن عمرو كان يرويهما للناس عن النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم. وكان يقال له: لاَ تُحَدِّثنَا عَنِ الزَّامِلَتَيْنِ. وهذه الدعوة باطلة، فقد ثبت أنّ ابن عمرو، وكان أميناً في نقله وروايته، لا يحيل ما روي عن النبيّ صليّ الله عليه ] وآله [ وسلّم علی أهل الكتاب. [33] وقال عجّاج في الهامش أيضاً: وقد ذكر محمود أبو ريّة صاحب كتاب « أضواء علی السنّة المحمّديّة » في الصفحة 162، هامش3: أنّ عبداللهبن عمرو كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب. وكان يرويها للناس ( عن النبيّ ) فتجنّب الاخذ عنه كثير من أئمّة التابعين. وكان يقال له: لاَ تُحَدِّثْنَا عَنِ الزَّامِلَتَيْنِ. (« فتح الباري » ج 1، ص 166 ) ـ انتهي.
ثمّ قال بعد ذلك: ومن العجيب أن يسمع إنسان مثل هذا الخبر ويصدّقه، لانّ
الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أصدق الناس لساناً، وأنقي الاُمّة قلوباً،
وأخلص البريّة للرسول صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم. فلايعقل أن يكذب
أمثال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما علی رسول الله فيعزو فهل تكذيب الصحابة، والافتراء عليهم، والانتحال علی العلماء، أمثال ابن حجر، وغيره من الامانة العلميّة؟؟ وقد ثبت لنا سوء نيّة أبو ريّة في مواضع كثيرة يظهر بعضها في بحثنا عن أبي هريرة. [34] نقد كلام محمّد عجّاج في ردّه علی أبي ريّةوالآن، إذ عرفنا وجوه الكلام الذي ذكره الخطيب، واستبان زعمه ودليله إجمالاً، فمن المناسب أن نحلّله ونكشف مواطن ضعفه وإشكاله: إنّه يعتقد كما رأينا أنّ عبد الله بن عمرو أمين في النقل، وصحيفته صحيفة مدوّنة بإملاء الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، وهي أوّل كتاب مدوَّن في الإسلام، وهي سابقة لكتاب أبي رافع. بَيدَ أنّ هذه المزاعم كلّها موضع تأمّل وإشكال. فكيف نقبل أمانته في النقل ونحن نجد أنّ العالم الجليل المتتبِّع ابن قتيبة الدينوريّ إمام أهل السنّة، المتّفق عليه عند علماء العامّة جميعهم يضعِّف صحيفته في كتاب « المؤتلف والمختلف »، وكتاب « المعارف »؟! ونجد أنّ العالم السنّيّ الخبير الذي لا غبار علی كلامه في الوسط السنّيّ، أعني: المغيرة بن مقسم الضبِّيّ لا يشتري تلك الصحيفة بتمرتَين أو بفَلسَين؟! ونجد أنّ بِشر المريسيّ الذي يستند العامّة إلی كلامه قد فسّقه بصراحة وقال: إنّ عبد الله بن عمرو قرأ الروايات المأخوذة من الزاملتين، من الكتب الواصلة في غنائم اليرموك، ورواها للناس عن النبيّ. ونجد أنّ ابن حجر ذكر في « فتح الباري » أنّ كثيراً من أئمّة التابعين تجنّبوا الاخذ عنه لنقله عن زاملتين من كتب أهل الكتاب؟! ونقول: إنّ النقل عن رسول الله وإسناد الزاملتين إليه خيانة عظمي؛ وإنّ تجنّب كثير من أئمّة التابعين رواياته وصحيفته الصادقة ليس اعتباطيّاً. وأمّا قول الخطيب: إنّ هذا الكلام باطل، لانّ عبد الله بن عمرو كان أميناً في النقل، وهل يعقل أن يكذب الصحابيّ علی نبيّه ويخونه؟! فإنّه مصادرة بالمطلوب، [35] وإدخالٌ للدليل في الزعم نفسه. أجل إنّ الصحابة لميكونوا كلّهم عدولاً، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من البشر، ففيهم الصحيح والسقيم، والحسن والرديء والصالح والطالح. وإنّه وَهْمُ العامّة وباطلهم، إذ يتصوّرون أنّ الصحابة جميعهم عدول، ومنزّهون عن المعاصي، وصادقون مخلصون. ويضفون عليهم صفة العصمة والطهارة، سواء كان هؤلاء الصحابة كعب الاحبار ووهب بن منبِّه وعبد الله بن سلام، أم أبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، أم عمرو بن العاص نفسه ومعاويةبن أبي سفيان، أم المغيرة بن شُعبة وأبي عبيدة الجرّاح، أم عثمانبن عفّان ومروان بن الحكم، أم أبا بكر وعمر. وأخيراً كلّ من لقي النبيّ فهو صحابيّ معصوم. هذا هو منطق العامّة. وهذا المنطق من منظورهم قَلَبَ الإسلام، وبدّل المَلَكَ شيطاناً، والشيطان مَلَكاً. وظهر اليوم بين العامّة رجال أمثال الدكتور طه حسين، والشيخ محمّد عبده، والسيّد محمّد رشيد رضا، وأحمد أمين، وعبدالحليم الجنديّ، والشيخ محمود أبي ريّة، والكثير من نظائرهم، ممّن داسوا هذه العقيدة الجاهليّة، وأعلنوا في كتبهم العديدة بصراحة أنّ سنّة رسولالله لنتتحرّر إلاّ إذا أمسكنا عن الاعتقاد بعدالة الصحابة، وعن حصر الاجتهاد في الائمّة الاربعة. ونكتفي هنا بهذا الموجز من الكلام حول عدالة الصحابة، لا نّنا سنأتي عليه في بحث مستقلّ مستقبلاً إن شاء الله. والآن افرضوا أنّ عبد الله بن عمرو لم ينسب إسرائيليّات الزاملتين إلی النبيّ، بل قالها من عنده، أو بيّنها بذكر السند من كتب اليهود، فهذه خيانة أيضاً. وعندما أكّدت الاحاديث النبويّة الموثّقة منع مطالعة الكتب المأثورة عن أهل الكتاب، ونقل لنا التأريخ غضب النبيّ علی عمر، إذ أمره أن يقرأ فقط القرآن المنزّه المنقّي، ويعمل بسنّته الشريفة فحسب، فلامسوّغ حينئذٍ للمسلمين أن يطالعوا الكتب المنسوخة المزوّرة المحرّفة لليهود والنصاري؛ بخاصّة مع النهي القرآنيّ المؤكّد عن الاقتراب منهم والتعرّف عليهم والارتباط بهم، وهو ما استوعب قسماً كبيراً من كتاب الله. وهذه مسألة غير غامضة؛ إذ كلّ من كان له أدني اطّلاع علی السيرة النبويّة والاحاديث الشريفة المأثورة يدرك في أوّل وهلة أنّ رواية أبي هريرة وعبداللهبن عمرو عن رسول الله بأ نّه قال: حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ! رواية موضوعة مفتراة وضعها هذان الدجّالان الكذّابان من أجل تمشية أُمورهما. ونحن إذ لاحظنا رواية مجهولة، فيجب أن نعرض متنها ومضمونها علی كتاب الله. وهذه الرواية المرويّة عنهما إذا عُرضت علی كتاب الله فإنّه يرفضها بشدّة. وعلينا أن نضربها عرض الحائط حسب القاعدة المعروفة: فَاضْرِبُوهُ عَلَی الجِدَار، وذلك لمخالفتها كتاب الله. ومن العجيب أنّ محمّد عجّاج مع اعترافه بأنّ عبد الله بن عمرو مات سنة 65 ه، وإقراره بكتاب أبي رافع الذي توفّي سنة 35 ه، بَيدَ أنّه يصرّ علی أنّ كتاب عبد الله مقدّم علی كتاب أبي رافع في حين نلحظ أنّ أبا رافع سبقه بثلاثين سنة.[36] وانظروا أيضاً في عبارته إذ يقول: إذا صحّ هذا الخبر ـ « كتاب أبي رافع» ـ كان لابي رافع شرف الاولويّة في التأليف لا في التدوين! وهل التأليف هنا غير التدوين؟! أليس أبو رافع الذي كان غلام العبّاس، ثمّ غلام النبيّ، وقد تزوّج في زمانه بمولاته سلمي، ورُزق منها رافعا أكبر أولاده في حياة النبيّ، وكان عاقلاً رشيداً، ودوّن كتاب « السُّنن والاحكام والقضايا » في عهد النبيّ نفسه، مقدّماً في كلّ شيء علی عبدالله ابن عمرو، الذي ولد قبل الهجرة بسبع سنين، وكان ابن ثماني عشرة سنةً يوم توفّي النبيّ؟! وأنا حائر لمعيار الخطيب في التقييم، إذ كيف عدّ عبد الله مقدّماً علی أبي رافع في التدوين؟! إذا كان معيار التقدّم الكتابة في زمن النبيّ، وفرضنا أنّ « الصحيفة الصادقة » كانت قد كتبت في عهده، فإنّ أبا رافع قد دوّن كتاب « السُّنن والاحكام والقضايا» في عهده أيضاً! وإذا كان المعيار هو العمر، فإنّ أبارافع كان أكبر من عبد الله! وإذا كان المعيار هو الموت، فإنّ أبا رافع توفّي قبل عبد الله بثلاثين سنة! أجل، إنّي كلّما أفكّر، أجد أنّ ذنب أبي رافع الوحيد هو تشيّعه وولاؤه الخالص لامير المؤمنين علی بن أبي طالب، حيث كان هو وأُسرته من شـيعته المتفانين فـي حبّه. هذا هو ذنـب أبي رافـع الذي أخّـره عن عبداللهبن عمرو صاحب الصحيفة المجهولة المطعونة! أتذكّر هنا عبارة للشيخ محمود أبو ريّة في كتاب « الاضواء » بعد عرض الحوادث والمحن التي مرّ بها أمير المؤمنين، كوحدته، وعدم تثمين قيمته الرفيعة، والإعراض عنه، وتقديم غيره عليه وهو بحر عميق من العلم، فكأ نّه قال، دون أن يدري: لَكَ اللَهُ يَا علی! أوه أيّها الخطيب! يا مثقّف العصر! ما ذنب السيّد حسن الصدر غير أ نّه عدّ أبا رافع الشيعيّ مقدّماً في التدوين، حتّي يحلو لك أن تردّ عليه في صفحتين مليئتين بمعلومات سقيمة تَعَمَّلتَها وليس لها أيّة قيمة علميّة؟! إنّ كلّ طالب حديث عهد بالعلم يدرك أنّ ردّ المغيرة الضبّيّ علی « الصحيفة الصادقة » التي لا تساوي عنده فلسين ليس عنوان الوِجادة، بل هي الخيانة التي لاحظها كثير من أمثال أئمّة التابعين عند عبدالله. من المناسب لك أن تبادر عاجلاً إلی التنازل عن كلامك، وعن دعم كتب السُّنن المشحونة بروايات أبي هريرة وأمثاله، وإلاّ فستكون غرضاً لمناقشات جولدتسيهر الالمانيّ وأضرابه، وعندئذٍ تُنعي إليك جميع كتب سننكم ومسانيدكم، وهي مَنْعِيّة سلفاً، وستسمع كلامنا عندئذٍ وتقرّ بأنّ أوّل مدوّن في الإسلام أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ أبو رافع، وسلمان، وأبوذرّ، والسجّاد عليه السلام في صحيفته السجّاديّة، ثمّ تأتي كتب الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام. لقد تحدّثتَ أيّها الخطيب في كتابك ذي الخمسمائة والخمس والثلاثين صفحة عند التدوين في الإسلام، واكتفيتَ بالإشارة إلی تدوين أميرالمؤمنين عليه السلام في سطرين فقط، [37] وإلي تدوين الباقر عليه السلام بسطر ونصف، وإلي تدوين الصادق عليه السلام بسطر ونصف أيضاً حيث قلتَ في ذلك: وَكَانَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ بْنِ علی بْنِ الحُسَيْنَ ( 56 ـ 114ه) كُتُبٌ كَثِيرَةٌ سَمِعَ بَعْضَهَا مِنْهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَقَرَأَ بَعْضَهَا. [38] وَكَانَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ ( 80 ـ 148 ه) رَسَائِلُ وَأَحَادِيثُ وَنُسَخٌ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ المُحَدِّثِينَ. [39] لقد ظهر من علم الإمام الصادق عليه السلام ما ملا الخافقين. فإنّ عدم ذِكر اسمه، والاقتصار علی كلمات قليلة في الحديث عن مذهبه العظيم لايعبّر إلاّ عن عِرقٍ أَمويّ، وانحياز إلی بلاط معاوية وشرذمته. وقد أ لّف المستشار عبد الحليم الجنديّ المصريّ السنّيّ كتاباً بعنوان « الإمام جعفر الصادق ». ويقع كتابه في 388 صفحة. وتحدّث فيه بنحو دقيق وعميق حتّي أنّ الإنسان ليعجب حقّاً إذ يقرأ مثل هذا الكلام لرجل سنّيّ. إنّه يثبت فيه أنّ التشيّع ليس وحده رهيناً بعلم الإمام وخدماته، بل الإسلام كلّه رهين بذلك أيضاً، بل البشريّة ودنيا العلم والحقيقة يتوكّآن علی العلوم الجعفريّة. فهذا هو الإمام الصادق. وأمّا نصّ كلام أبو ريّة الذي نقله من « فتح الباري » ج 1، ص167، فهو كالآتي: فَقَدْ رَوَي أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَهِ بْنُ عَمْرو بْنَ العَاصِ وَغَيْرَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَهِ قَالَ: حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ! وَأَبُو هُرَيْرَةُ وَعَبْدُاللَهِ ابْنُ عَمْرٍو مِنْ تَلاَمِيذِ كَعْبِ الاَحْبَارِ؛ وَقَدْ جَاءَتِ الاَخْبَارُ بِأَنَّ الثَّانِي ـوَهُوَ عَبْدُاللَهِبْنُ عَمْرو بْنَ العَاصِـ أَصَابَ يَوْمَ اليَرْمُوكِ زَامِلَتَيْنِ مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الكِتَابِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا. وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ: فَتَجَنَّبَ الاَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ. [40] وما ذكره ابن حجر في « فتح الباري » ج 1، ص 167، الاسطر السبعة الاخيرة في الصفحة، وهو يتحدّث عن الدليل الرابع في سبب عدم أخذ العلماء عنه، وسبب قلّة رواياته قياساً بروايات أبي هريرة، مع أنّ أباهريرة يعترف بأنّ روايات عبد الله أكثر من رواياته، هو قوله: رَابِعُهَا: أنَّ عَبْدَ اللَهِ كَانَ قَدْ ظَفَرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الكِتَابِ فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا، فَتَجَنَّبَ الاَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئمَّةِ التَّابِعِينَ، وَاللَهُ أَعْلَمُ. [41] وكلّما نظرنا وأنعمنا النظر، لا نجد تبايناً بين ماحكاه أبو ريّة، وما ذكره ابن حَجَر. فنسبة الدسّ والتزوير إلی أبي ريّة تقوّل واهٍ لايقوم علی أساس. ومحصّل كلامنا هو أ نّنا أثبتنا أنّ أوّل مدوّن في الإسلام هو أبو رافع. واستبان بعد هذا وللّه الحمد وله الشكر أنّ كلام آية الله السيّد حسن الصدر في كتاب « تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام » بحث صحيح ورأي مطابق للواقع. أجل، لقد ذكرنا في بداية الفصل عن أبي رافع أنّ عبيد الله بن أبي رافع أ لّف كتاباً « فيمن حضر صفّين مع علی وأولاده »، وأنّ علی بن أبي رافع أ لّف كتاباً في فنون الفقه علی مذهب أهل البيت. [42] سلمان الفارسيّ وأبو ذرّ الغفاريّ صحابيّان مدوِّنانقال السيّد حسن الصدر: أَوَّل مَنْ صَنَّفَ فِي الآثار أبو عبد الله سلمان الفارسيّ. وأوّل من صنّف في الآثار مولانا أبو عبد الله سلمان الفارسيّ رضي الله عنه صاحب رسول الله صلّي الله عليه وآله. صنّف كتاب حديث الجاثليق الروميّ الذي بعثه ملك الروم بعد النبيّ صلّيالله عليه وآله. ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسيّ في فهرست مصنّفي الشيعة. وقال الشيخ رشيد الدين أبو عبد الله محمّد بن علی بن شهرآشوب المازندرانيّ في كتابه في رجال الشيعة المسمّي بـ « معالم العلماء »: والصحيح أنّ أوّل من صنّف فيه أمير المؤمنين، ثمّ سلمان الفارسيّ. وقد تقدّم عن أبي حاتم سهل بن محمّد السجستانيّ المتوفّي سنة مائتين وخمسين في كتاب « الزِّينة » في الجزء الثالث في تفسير الالفاظ المتداولة بين أهل العلم بأنّ أوّل اسم ظهر في الإسلام علی عهد رسولالله صلّيالله عليه ] وآله [ وسلّم هو الشيعة. وكان هذا لقب أربعة من الصحابة، وهم أبو ذرّ، وسلمان الفارسيّ، والمقداد بن الاسود، وعمّار بن ياسر إلی أوان صِفّين، فانتشرت بين موالي علی عليه السلام. فهؤلاء الاربعة من الصحابة من الشيعة بنصّ الإمام أبي حاتم المذكور. ثمّ قال المرحوم السيّد حسن الصدر: فاعلم أنّ أوّل من صنّف في الآثار بعد سلمان الفارسيّ هو أبو ذرّ الغفاريّ. أبو ذرّ الغفاريّ صاحب رسول الله صلّي الله عليه وآله. له كتاب « الخطبة » يشرح فيها الاُمور بعد النبيّ صلّي الله عليه وآله، ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسيّ في « الفهرست »، وأوصل إسناده في روايته إلی أبي ذرّ. وقال الشيخ ابن شهرآشوب المازندرانيّ في « معالم العلماء »: والصحيح أنّ أوّل من صنّف فيه أمير المؤمنين، ثمّ سلمان الفارسيّ، ثمّ أبو ذرّ الغفاريّ رضوانالله عليهما. [43] وقال المرحوم الصدر في كتاب « الشيعة وفنون الإسلام »: ولكن قد ذكر الشيخ ابن شهرآشوب في أوّل كتابه « معالم العلماء » في جواب ما حكاه عن الغـزّاليّ: أوّل كتاب صُـنِّف فـي الإسلام كتاب ابن جريح في « الآثار وحروف التفاسير» عن مجاهد، وعطاء بمكّة، ثمّ كتاب معمربن راشد الصنعانيّ باليمن، ثمّ كتاب « الموطّأ » لمالك بن أنس، ثمّ جامع سفيان الثوريّ، ما لفظه بحروفه: بل الصحيح أنّ أوّل من صنّف في الإسلام أميرالمؤمنين عليه السلام، ثمّ سلمان الفارسيّ رضي الله عنه، ثمّ أبوذرّ الغفاريّ رضي الله عنه، ثمّ أصبغ بن نُباتة، ثمّ عبيد الله بن أبي رافع، ثمّ « الصحيفة الكاملة» عن زين العابدين عليه السلام، إلی آخر كلامه. وقد ذكر الشيخ أبو العبّاس النجاشيّ الطبقة الاُولي من المصنّفين ـ كما ذكرناـ ولم يُعيِّن السابق، ولا ذكر ترتيباً بينهم. وكذلك الشيخ أبو جعفر الطوسيّ ذكرهم بلا ترتيب. فلعلّ الشيخ ابن شهرآشوب عثر علی ما لميعثرا عليه. وَاللَهُ سُبْحَانَهُ وَلِيُّ التَّوفِيقِ. تنبيه: نصّ الحافظ الذهبيّ في ترجمة أبان بن تغلب علی أنّ التشيّع في التابعين وتابعيهم كثير، مع الدين والورع والصدق، ثمّ قال: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة؛ وهذا مفسدة بيّنةـ انتهي. وقال السيّد حسن الصدر هنا: قُلْتُ: تدبّر هذا الكلام من هذا الحافظ الكبير، واعرف شرف تقدّم الذين ذكرناهم وسنذكرهم بعد ذلك من التابعين وتابعيهم من الشيعة. [44] اللهمّ صلِّ علی المصطفي محمّد، والمرتضي علی، والبتول فاطمة، والحسن والحسين سيِّدَي شباب أهل الجنّة، وعلي التسعة الطيّبة الطاهرة من ولد الحسين؛ والعن اللهمّ ظالميهم ومعانديهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم من الآن إلی قيام يوم الدين. للّه الحمد وله المنّة إذ تمّ هذا الجزء من« معرفة الإمام » من دورة العلوم والمعارف الإسلاميّة عصر يوم الجمعة قبل غروب الشمس بساعة، في الرابع من شهر ربيع الثاني سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة من الهجرة بقلم العبد الفقير المسكين المستكين، وذلك في مدينة مشهد المقدّسة تحت قبّة الإمام الرضا عليه وعلي آبائه وأبنائه أفضل السلام والتحيّة والإكرام، وعند عتبته المنوّرة المقدّسة. وأنا الاحقر السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ بن السيّد محمّد الصادق بن السيّد إبراهيم الطهرانيّ. ارجاعات [1] ـ مجلّة «المنار» ج 10، ص 754. وكان الموما إليه من تلاميذ الشيخ محمّد عبده البارزين.وكان تفسير «المنار» بإملاء الشيخ وقلمه.ولد سنة 1282 ه،وتوفّي سنة 1354 ه. [2] ـ «السُّنّة قبل التدوين» ص 362 إلی 364، تحت عنوان: آراء في التدوين. [3] ـ أشرنا إلی عمرو بن العاص وذكره فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ رجوعه عن ذلك لوعد معاوية إيّاه بحكومة مصر، وذلك في الجزء الثاني من كتابنا هذا، الدرس 25 إلی الدرس 30. [4] ـ أجلي عمر يهود خيبر إلی «أذرعات» وغيرها سنة 20 ه، وأجلي يهود نجران إلی الكوفة، وقسّم وادي القري ونجران بين المسلمين («البداية والنهاية» لابن كثير، ج 8، ص 108 )، وذلك لمن لم يكن معه عهد من رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. [5] ـ قال ابن الجوزيّ: لمّا لم يستطع أحد أن يُدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوام يزيدون في الحديث ويضعون ما لم يقل. («تاريخ ابن عساكر» ج 2، ص 14. [6] ـ «مقدّمة ابن خلدون» ص 439 و 440. [7] ـ كان ابن إسحاق يحمل عن اليهود والنصاري ويسمّيهم في كتبه أهل العلم الاوّل («معجم الاُدباء» ج 18، ص 8 ). [8] ـ «مقدّمة ابن خلدون» ص 9. [9] ـ قال المحدّث القمّيّ في «الكني والالقاب» ج 1، ص 280، في ترجمة ابن الروميّ: أبو الحسن علی بن العبّاس بن جريج (سريج ـ خل). [10] ـ «ضُحي الإسلام» ج 2، ص 139. [11] ـ روي البخاريّ عن أبي هريرة أنّ أهل الكتاب كانوا يقرأون التوراة بالعبرانيّة، ويفسّرونها بالعربيّة لاهل الإسلام. (ج 2، ص 285 ). [12] ـ «أضواء علی السُّنّة المحمّديّة» ص 145 إلی 147، الطبعة الثالثة. [13] ـ هَوِكَ يَهْوَكُ هَوَكاً كان هَوْكاً، أي: صار أحمق: هَوَّكَ تَهْوِيكاً: حَفَرَ الهُوكَة. هَوَّكَةُ: حَمَّقَهُ. [14] ـ «تفسير ابن كثير» ج 1، ص 4. [15] ـ الزاملة هي البعير الذي يُحْمَل عليه الطعام والمتاع. وقيل: هي الدابّة التي يُحْمَل عليها الطعام والمتاع من الاءبل وغيرها. («لسان العرب»، مادّة زمل، ج 13، ص 329 ). [16] ـ «فتح الباري في شرح صحيح البخاريّ» ج 1، ص 167؛ «أضواء علی السنّة المحمّديّة» ص 163 و 164، الطبعة الثالثة. [17] ـ هو أبو عبد الرحمن بقي بن مخلّد الاندلسيّ من حفّاظ الحديث وأئمّة الدين. ملا الاندلس علماً جمّاً وله تفسير فضّلوه علی تفسير ابن جرير. وله في الحديث مصنّفه الكبير الذي رتّب فيه حديث كلّ صاحب علی الفقه وبيان الاحكام. فهو مصنّف ومسند. وكان حرّاً لميقلِّد أحداً. ولد سنة 181 ه وتوفّي سنة 276 ه. [18] ـ «فتح الباري» ج 1، ص 167. [19] ـ هو أحد العبادلة الثلاثة الذين رووا عن كعب الاحبار. وكان قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس. فتجنّب كثير من أئمّة التابعين الاخذ عَنه. وكان يقال له: لاَ تُحَدِّثْنَا عَنِ الزَّامِلَتَيْنِ. [20] ـ أثبت ذلك ابن حجر في «فتح الباري» ج 1، ص 167. وفي «مسند أحمد» عن أبي هريرة: أنّ ابن عمرو كان يكتب بيده وكنتُ لا أكتب بيدي. [21] ـ عن خيثمة بن عبد الرحمن، قلتُ لابي هريرة: حَدِّثني! فقال: تسألني وبينكم علماءُ أصحاب محمّد والمجار من الشيطان، عمّار بن ياسر. وعمّار قُتل بوقعة صفّين سنة 37 ه. ويتبيَّن من هذا الحديث أنّ أبا هريرة كان إلی هذا التأريخ يخشي أن يحدِّث الناس عن رسولالله صلوات الله عليه. [22] ـ «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة، ص 93. [23] ـ «المعارف» لابن قتيبة، ص 200. [24] ـ في «مسند أحمد» عن أبي راشد الحبرانيّ قال: أتيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلتُ له: حدّثنا ما سمعت من رسول الله صلّي الله عليه وآله. فألقي بين يدي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلّي الله عليه وآله. فنظرتُ فيها، فإذا فيها أنّ أبابكر الصدِّيق قال: يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ. فقال له رسولالله: ياأبا بكر قل: اللهُمَّ فاطر السماوات والارض، عالم الغيب والشهادة. لا إله إلاّ أنت، ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكه، أعوذ بك من شَرِّ نفسي ومن شرّ الشيطان وشركه، وأن أقترف علی نفسي سوءاً أو أجرّه إلی مسلم. («مسند أحمد» شرح الشيخ أحمد شاكر، ج 11، ص 84، الحديث 6851 ). وقال مجاهد: رأيتُ عند عبد الله بن عمرو صحيفة فسألتُه عنها، فقال: هذه الصادقة فيها ما سمعتُ من رسول الله صلّي الله عليه وآله، ليس بيني وبينه أحد. «طبقات ابن سعد» ج 7، ص 189. وروي المقريزيّ عن حَيْوة بن شريح قال: دخلتُ علی حسين بن شُفَيّ بن ماتع الاصبحيّ وهو يقول: فَعَلَ الله بفلان! فقلتُ: ما له؟ فقال: عمد إلی كتابين كان شفيّ سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص أحدهما: قضي رسول الله في كذا وقال رسولالله كذا؛ والآخر: ما يكون من الاحداث إلی يوم القيامة، فرمي بهما بين الخولة والرباب. «خطط المقريزيّ» ج 2، ص 333. والخولة والرباب مركبين كبيرين من سفن الجسر كانا يكونان عند رأس الجسر ممّا يلي الفسطاط تجوز من تحتهما المراكب لكبرهما. انظر: «شيخ المضيرة» ص 108 إلی 110، الطبعة الثانية. [25] ـ «المحدِّث الفاصل» نسخة دمشق، ص 2، ب ج 4؛ و«طبقات ابن سعد» ج 7، ص 189، ونحوه في «تقييد العلم» ص 84. [26] ـ «سنن الدارميّ» ج 1، ص 127. والوَهْطُ أرض لعمرو بن العاص تصدّق بها كان يقوم بها، المصدر نفسه. [27] ـ «مسند الإمام أحمد» ج 1، ص 171، الحديث 6625؛ و«كتاب العلم» للمقدسيّ، ص 30، بإسنادٍ صحيح. [28] ـ «تهذيب التهذيب» ج 8، ص 48 و 49. [29] ـ «أُسد الغابة» ج 3، ص 233. [30] ـ يلاحظ حيناً أنّ مشايخ الاحاديث والروايات يقرأون علی التلميذ ويجيزونه في الرواية. وحيناً يقرأ التلاميذ عند المشايخ وهؤلاء يجيزونهم. وحيناً آخر يجدون حديثاً بكتابة شيخ من الشيوخ، وذلك الشيخ يقول: هذا حديثي. وهو ما يُسمّي بالوجادة. [31] ـ «تاريخ دمشق» ج 6، ص 49. [32] ـ «خطط المقريزيّ» ج 2، ص 332 و 333. وأسقط عجّاج هنا ذيل الحديث وهو: فرمي بهما بين الخولة والرباب. ونحن نقلناه سلفاً عن الشيخ محمود أبي ريّة. [33] ـ «السُّنّة قبل التدوين» ص 348 إلی 351، الطبعة الثالثة. [34] ـ «السُّنّة قبل التدوين» هامش ص 351. [35] ـ المصادرة بالمطلوب هو أن يؤخذ المطلوب بعينه ويجعل مقدّمة قياسيّة بلفظ مرادف مشـعر بالمغـايرة بين المقـدّمة والمطـلوب. («شـرح المصـطلحات الكلامـيّة» ص 329).(م) [36] ـ قال في «السنّة قبل التدوين» ص 346: وكان عند أبي رافع مولي رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم ( 35 ه) كتاب فيه استفتاح الصلاة، دفعه إلی أبي بكربن عبدالرحمنبن الحارث ( 94 ه) أحد الفقهاء السبعة. انظر: «الكفاية» ص 330. [37] ـ «السُّنّة قبل التدوين» ص 345: وقد اشتهرت «صحيفة أمير المؤمنين عليّبن أبي طالب» التي كان يعلّقها في سيفه؛ فيها أسنان الاءبل، وأشياء من الجراحات، وحرم المدينة، ولا يُقتل مسلمٌ بكافر. (انظر: «مسند الإمام أحمد» ج 2، ص 35 و 44 و 121 و 131؛ و«فتح الباري» ج 3، ص 83؛ و«ردّ الدارميّ علی بشر» ص 130 ). [38] ـ «السنّة قبل التدوين» ص 354. [39] ـ «السنّة قبل التدوين» ص 358. [40] ـ «أضواء علی السنّة المحمّديّة» ص 162، الطبعة الثالثة. [41] ـ «فتح الباري لشرح صحيح البخاريّ» الطبعة الرابعة، 1408 ه، دار إحياء التراث العربيّ. [42] ـ «الفصول المهمّة في تأليف الاُمّة» لآية الله السيّد عبد الحسين شرفالدين الموسويّ، ص 179 و 180، الطبعة الخامسة. [43] ـ «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص 280 و 281. [44] ـ «الشيعة وفنون الإسلام» ص 69 و 70، مطبعة العرفان، صيدا سنة 1321 ه.
|
|
|