|
|
الصفحة السابقةكعب الاحبار ومعاويةوذكر أبو ريّة هنا قتل عمر الذي كان لكعب دور فيه بعد أن فصّل الكلام في نهي عمر كعـب الاحبار عن الحـديث سـواء كان عن التوراة أم عن رسول الله، وقال: ولمّا خلا له الجوّ بقتله، وأَمِنَ من خوفه، أطلق العنان لنفـسه لكي يبـثّ ما شاء الكيـد اليهـوديّ أن يبـثّ مـن الخـرافات والإسرائيليّات التي تشوّه بهاء الدين، يعاونه في ذلك تلاميذه الكبار أمثال عبد الله بن عَمْرو، وعبد الله بن عُمَر، وأبو هريرة... ولنضرب لذلك هنا مثلاً واحداً نجتزي به، ذلك أنّه لمّا اشتعلت نيران الفتنة في زمان عثمان واشتدّ زفيـرها، حتّي التهـمت عثمان فقتلـته وهو في بيـته، لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمرّ دون أن يهتبلها، بل أسرع ينفخ في نارها ويسـهم بكيده اليهـوديّ فيها ما استطاع إلي ذلك سبـيلاً. وقد كان من كيده في هـذه الفتـنة أن أرهـص بيهـوديّـته بأنّ الخـلافة بعد عثـمان سـتكـون لمعاوية. فقد روي وكيع عن الاعمش، عن أبي صالح[1] أنّ الحادي كان يحدو بعثمان يقول: إنَّ الاَمِـيـرَ بَـعْـدَهُ عَـلِـيٌّ وَفِي الزُّبَيْـرِ خُلُقٌ رَضِـيٌّ فقال كعب الاحبار: بل هو صاحب البغلة الشهباء ! ( يعني معاوية ) ، وكان يراه يركب بغلة. فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا !! وها هنا عليّ والزبير وأصحاب محمّد صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم ! قال: أنت صاحبها. ولعلّه أردف ذلك بقوله: إنّي وجدتُ ذلك في الكتاب الاوّل !! وقدّر معاوية هذه اليد الجليلة لكعب، وأخذ يغمره بأفضاله. وقد عرف من تأريخ هذا الكاهن أنّه تحوّل إلي الشام في عهد عثمان وعاش تحت كنف معاوية فاستصفاه لنفسه وجعله من خلصائه لكي يروي من أكاذيبه وإسرائيليّاته ما شاء أن يروي في قصصه لتأييده، وتثبيت قوائم دولته. وقد ذكر ابن حجر العسقلانيّ في « الإصابة » بأنّ معاوية هو الذي أمر كعباً بأن يقصّ في الشام... .[2] ومن العجـيب أنّ هذه الإسـرائيـليّـات لا تـزال تجـد إلي اليـوم مَن يصدّقها، بل يقدّسها. وإذا بصّرناهم بتخفيفها هبّ في وجهنا أدعياء العلم في عصرنا وبخاصّة مَن كانوا مِن حفدة الامويّين، ورمونا بالسبّ والشتم تعصّباً لهم وحماقة. هذا مثل واحد نسوقه هنا في مواقف كعب مع معاوية خاصّة، وما أصاب الإسلام من كيده ومكره عامّة، ولانّ عليّاً هو ابن عمّ النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم الذي أرصد له هؤلاء الكهّان كلّ قواهم لمحاربة شريعته. ولو شئنا أن نستوفي كلّ ما أتاه هذا الكاهن من كيدٍ للإسلام وأهله لاقتضي منّا ذلك أن نعقد مؤلَّفاً خاصّاً كما فعلنا لتلميذه الاكبر أبي هريرة.[3] ولا ننسي أنّ عليّاً رضي الله عنه كان يقول عن كعب: إنّه لكذّاب. وممّا يلفت النظر ويسترعي الفكر أنّنا نجد هؤلاء الكهّان جميعاً من اليهود والنصاري وذوي الهوي من المسلمين يتحوّلون كلّهم إلي الشام بعد مقتل عثمان. ويبدو أنّ هذا التحوّل لم يكن للّه، وإنّما كان ذلك ليتعاونوا علي نشر الفتنة وليُشعلوا نار البغضاء بين المسلمين لكي تنضج دولة الامويّين، ويتمزّق شمل المسلمين. ويملاوا أيديهم بعد ذلك من غنائم الامويّين.[4] يواصل أبو رَيّة كلامه علي هذا المنوال فيتحدّث عن طعام أبي هريرة عند معاوية، ويقول: كان أبو هريرة يُلقّب بـ: شَيْخُ المَضِيرَة . وقد نالت هذه المضـيرة من عناية العـلماء والكتّاب والشـعراء ما لم ينـله مثلـها من أصناف الحلوي، وظلّوا يتندّرون بها، ويغمزون أباهريرة قروناً طويلة من أجلها. وإليك بعض ما أرسلوه فيها. قال الثعالبيّ في كتابه « ثمار القلوب في المضاف والمنسوب » ما يلي: شيخ المضيرة: كان أبو هريرة رضي الله عنه علي فضله واختصاصه بالنبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم مزّاحاً أكولاً. وكان مروان بن الحكم يستخلفه علي المدينة، فيركب حماراً قد شَدَّ عليه برذعة، فيلقي الرجل فيقول: الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ ! قَدْ جَاءَ الاَمِيرُ ... وكان يدّعي الطبّ... وبعد أن ذكر الثعالبيّ شيئاً من طبّه وكلّه طعام يشفي داء الامعاء، ويُداوي نهم البطن، قال: وكان يُعجبه المضيرة جدّاً فيأكل مع معاوية. فإذا حضرت الصلاة صلّي خلف عليّ رضي الله عنه، فإذا قيل له في ذلك، قال: مَضِيرَةُ مُعَاوِيَةَ أَدْسَمُ وَأَطْيَبُ، وَالصَّلاَةُ خَلْفَ عَلِيٍّ أَفْضَلُ. وكان يقال له: شيخ المضيرة. وختم الثعالبيّ قوله ببيتين لشاعر هجا فيهما أبا هريرة أعرضنا عنهما. أنواع الطعام الذي كان يأكله معاويةوعقد بديع الزمان الهمدانيّ مقامه خاصّة ـ من مقاماته لهذه المضيرة، غمز فيها أبا هريرة غمزة أليمة، فقال: حدّثـنا عيسـي بن هشـام قال: كُنْتُ بِالبَصْـرَةِ وَمَعِي أَبُو الفَتْـحِ الإسْكَنْدَرِيُّ: رَجُلُ الفَصَاحَةِ يَدْعُوهَا فَتُجِيبُهُ، وَالبَلاَغَةَ يَأْمُرُهَا فَتُطِيعُهُ. وَحَضَـرْنَا مَعَهُ دَعْوَةَ بَعْضِ التُّجَّـارِ، فَقُـدِّمَتْ إلَيْنَا مَضِـيرَةٌ تُثْنِي عَلَي الحَضَارَةِ، وَتَتَرَجْرَجُ فِي الغَضَارَةِ، وَتُؤْذِنُ بِالسَّلاَمَةِ، وَتَشْهَدُ لِمُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَهُ بِالإمامةِ... . قال أبو ريّة: وقال أُستاذنا الإمام محمّد عبده في شرح ذلك: ومعاوية ادّعي الخلافة بعد بيعة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فلم يكن من يشهد له بها في حياة عليّ إلاّ طلاّب اللذائذ، وبُغاة الشهوات. فلو كانت هذه المضيرة من طعام معاوية لحملت آكليها علي الشهادة له بالخلافة، وإن كان صاحب البيعة الشرعيّة حيّاً. وإسناد الشهادة إليها، لانّها سببها الحامل عليها. والإمامة والخلافة في معني واحد. وفي كتاب « أساس البلاغة » لجار الله الزمخشريّ: عَلِيٌّ مَعَ الحَالِ المُضِيرَةِ [5] خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ مَعَ المَضِيرَةِ.[6] وقال أبو ريّة في كتاب الآخر: روي ابن طباطبا المعروف بابن الطقطقيّ في كتابه « الفخريّ » ص 79 : أنّ معاوية كان يأكل كلّ يوم خمس أكلات وآخرهنّ أغلظهنّ ثمّ يقول: يَا غُلاَمُ ! ارْفَعْ فَوَ اللَهِ مَا شَبِعْتُ وَلَكِنِّي مَلَلْتُ ! وَإنَّهُ أَكَلَ عِجْلاً مَشْوِيّاً مَعَ دَشتٍ مِنَ الخُبْزِ السَّمِيذِ وَأَرْبَعَ فَرَانِيَّ، وَجَدْياً حَارَّاً وَآخَرَ بَارِداً سِوَي الاَلْوَانِ. [7] أمّا رواية ابن كثير في « البداية والنهاية » ج 8 ، ص 119 فهي: أنّ معاوية كان يأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوي والفاكهة كثيراً ويقول: ما أشبع وإنّما أعيا... . وإليك وصفاً لبعض طعام معاوية يرويه لك الاحنف بن قيس: قَالَ: دَخَلْتُ عَلَي مُعَاوِيَةَ فَقَدَّمَ لِي مِنَ الحَارِّ وَالبَارِدِ، وَالحُلْوِ وَالحَامِضِ مَا كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْهُ. ثُمَّ قَدَّمَ لِي لَوْناً لَمْ أَعْرِفْ مَا هُوَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا ؟! فَقَالَ: مَصَارِينُ [8] البَطِّ مَحْشُوَّةً بِالمُخِّ قَدْ قُلِيَ بِدُهْنِ الفُسْتُقِ، وَذُرَّ عَلَيْهِ بِالطَّبَرْزَدِ. فَبَكِيتُ. فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ ؟! قُلْتُ: ذَكَرْتُ عَلِيَّاً، بَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، وَحَضَرَ وَقْتُ الطَّعَامِ وَإفْطَارِهِ، وَسَأَلَنِي المُقَامَ فَجِيءَ لَهُ بِجِرَابٍ مَخْتُومٍ. فَقُلْتُ: مَا فِي هَذَا الجِرَابِ ؟! قَالَ: سَوِيقُ شَعِيرٍ ! قُلْتُ: خِفْتَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ ؟! أَوْ بَخِلْتَ بِهِ ؟! فَقَالَ: لاَ، وَلاَ أَحَدُهُمَا. وَلَكِنِّي خِفْتُ أَنْ يَلُتَّهُ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ. فَقُلْتُ: مُحَرَّمٌ هُوَ يَا أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ ؟! فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَي أَئِمَّةِ الحَقِّ أَنْ يَعُدُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ ضَعَفَةِ النَّاسِ لِئَلاَّ يُطْغِيَ الفَقِيرَ فَقْرُهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ذَكَرْتَ مَا لاَ يُنْكَرُ فَضْلُهُ ! [9] لا ينازع معاوية أحد في النفاق والتزويراستبان ممّا ذكـرناه أنّ معاوية كان السـبّاق بلا منافـس في النفاق والمكر والخديعة والعمل ضدّ الإسلام وهدم القرآن والقضاء علي نبوّة محمّد واجتـثاث ولاية عليٍّ من جذورها وذلك في جبهـتيـن: خارجـيّة وتتمثّل في تعبئة الجيوش وصرف الاموال من بيت المال لاجل ذلك، وداخليّة وتتجسّد في وضع الاخبار واختلاق الاحاديث وتزويرها منسوبة إلي رسول الله. وقد خرج ظافراً في الجبهتين معاً. واستحوذ علي قوي الإسلام جميعها ونقل العاصمة المعنويّة الروحانيّة الملكوتيّة للرسول الاكرم من المدينة المنوّرة إلي شام الطغيان والاستبداد والكذب والدَّغَل، ووجّه ضربة عنيفة إلي دين النبيّ لا تقوم لها قائـمة ولا ينفعـها علاج، واستولي علي العالم كلّه من الصين إلي الاندلس، ولم تُلْحَظْ نافذة أملٍ حتّي قيام قائم آل محمّد مع القدرة والشوكة النكراء والنفاق والحيلة والسياسة المزدوجة التي عمّت وشملت كلّ مكان، وضرب رأس عليّ فدُفنت تلك الدعـوة وذلك النهـج والمنـهاج بين الحـكومات والمجـتمعـات في قبـر الاضمحلال فيتقوّض جذره وأساسه في داخل الارض. لقد صار معاوية رئيساً في الشام من حيث الشوكة والاُبّهة، ومن حيث التزوير والخداع، ومن حيث تبديل روح الولاية والنبوّة إلي طاغوتيّة وجبّاريّة جاهليّة، ورفع اسم محمّد من الالسن، وسخر بالله والنبيّ وعليّ وأهل البيت والوحي والمعاد والبعث والعدل والحساب والكتاب والقرآن والسنّة. وهذا هو مراده وقصده. لم يَرْعَوِ معاوية عن أفعاله القبيحة طوال أربعين سنة من حكومته في الشام، ولم يسترح لحظة واحدة من أجل هذا الهدف. ولم يخجل ولم ير نفسه مجرماً مذنباً أمام تلك الجرائم الظاهرة والباطنة التي ارتكبها، بل كان ينظر إلي النبيّ وأمير المؤمنين والقرآن علي أنّهم خونة مجرمون ناهضوا فرعونيّته وممارساته الدنيئة، وأطاحوا برئاستهم في مكّة والجزيرة. وهنا يعلو صوت العالم الواعي المطّلع الشيخ محمود أبو ريّة بعد حديثه المفصّل عن الجمل وصفّين وإثارة جميع القوي والإمكانيّات ضدّ عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام بلا اختيار: لَكَ اللَهُ يَا عَلِيُّ ! تَأَلَّبَتْ كُلُّ القُوَي عَلَيْكَ ! وَكَمْ نِلْتَ مِنَ البَعِيدِ وَالقَرِيبِ ! وَكَمْ حَمَلْتَ مِمَّا تَأْبَي الجِبَالُ أَنْ تَحْمِلَهُ ! [10] ومن هنا نفهم كلام أحد كبار علماء الالمان في الاستانة لبعض المسلمين ـ وفيهم أحد أشراف مكّة: إنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُقِيمَ تِمْثَالاً مِنَ الذَّهَبِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي مَيْدَانِ كَذَا مِنْ عَاصِمَتِنَا «برْلين». فقيل له: لماذا ؟! قال: لاِ نَّهُ هُوَ الَّذِي حَوَّلَ نِظَامَ الحُكْمِ الإسْلاَمِيِّ عَنْ قَاعِدَتِهِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ إلَي عَصَبِيَّةٍ. وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَعَمَّ الإسْلاَمُ العَالَمَ كُلَّهُ وَإذَنْ لَكُنَّا نَحْنُ الاَلْمَانُ وَسَائِرُ شُعُوبِ أُورُوبَّا عُرْباً [11] مُسْلِمِينَ.[12] نقل المحـدّث القمّيّ رحمه الله عن صاحـب « كامل بهائي » ، عن البيهقيّ في جواب من سأله: إنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مِنَ الإيمَانِ بِمُحَارِبَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؟! فقال: إنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَدْخُلِ فِي الإيمَانِ حَتَّي خَرَجَ مِنْهُ بَلْ خَرَجَ مِنَ الكُفْرِ إلَي النِّفَاقِ في زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَي الكُفْرِ الاَصْلِيِّ بَعْدَهُ. [13] جرائم سمرة بن جندب عامل معاويةلقد قلب معاوية الإسلام بتغييره سنّة رسول الله. وخرّب المعارف الإسلاميّة وشوّه صورة الإسلام النقيّة الصافية بوضعه الاحاديث التي لا تُحصي وبثّها في التأريخ والسنّة الإسلاميّة بواسطة رموزه الاصليّين مثل كعب الاحبار، ووهب بن منبّه، وتلاميذهما نحو عبد الله بن عمر، والمغيرة بن شُعبة، وعمرو بن العاص، وعروة بن الزبير، وسَمُرَة بن جُندب، وأبي هُريرة. وها هي كتب السنّة جميعها مشحونة بالاحاديث المشؤومة لهؤلاء الاصاغر وعليها يقوم منهج التعليم والتعلّم. فانظروا من أين يبدأ الاعوجاج والانحراف والنقصان والدمار وأين تنتهي ؟! إنّ السـنّة يصحّـحون أحاديـث سَمُرَة بن جنـدب لأنّه من الصـحابة ـ وكلّ صحابي عادل ولأنّه كان والياً بأمر معاوية ـ ومعاوية عادل أيضاً مع أنّه كان فاسقاً فاجراً سفّاكاً للدماء قاتلاً للابرياء وقد أراق أنهاراً من دمائهم، وكان يبيع الخمر جهرةً. قال العالم الجليل السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ: أخرج الطبريّ في أحداث سنة خمسين من تاريخه بالإسناد إلي محمّد بن سليم، قال: سألت أنس بن شيرين، هل كان سمرة قتل أحداً ؟ قال: وهل يُحصي من قتلهم سمرة بن جندب ؟ استخلفه زياد علي البصرة ستّة أشهر حين كان والياً عليها وعلي الكوفة من قبل معاوية وأتي الكوفة فجاء، وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً ؟! قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ! وأخرج ( الطبريّ ) هناك أيضاً بالإسناد إلي أبي سوار العَدْويّ، قال: قتل سمرة من قومي في غداةٍ سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن. وأخرج هناك أيضاً بإسناده عن عوف. قال: أقبل سمرة من المدينة فلمّا كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقّتهم ففاجأ أوّل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة ( عبثاً وعتوّاً ) ، قال: ثمّ مضت الخيل فأتي عليه سمرة بن جندب وهو متشحّط بدمه، فقال: ما هذا ؟ قيل: أصابته أوائل خيل الامير. قال ( عتوّاً واستكباراً ) : إذَا سَمِعْتُمْ بِنَا قَدْ رَكِبْنَا فَاتَّقُوا أَسِنَّتَنَا انتهي. وهذه القضايا من المتّفق علي صدورها من سمرة، نقلها كلّ من أرّخ حوادث سنة الخمسين، كابن جرير وابن الاثير وأمثالهما. وإذا كانت هذه أعمال سمرة في ستّة أشهر وهو ثقة البخاريّ، ودليلهِ علي دين الباري، وقد احتجّ به في الورقة الثالثة في كتاب « بدء الخلق » من صحيحه[14] وجزم بعدالته[15] في ظاهر القول وصريحه، فما ظنّك بأعمال زياد ابن سميّة الخبيث الفاسق بإجماع البريّة، وقد ولاّه معاوية ( كما نصّ عليه الطبريّ في أحداث سنة خمسين من تاريخه ) أعمال الكوفة والبصرة والمشرق كلّه، وسجستان وفارس والسند والهند: فَكَمْ حُرَّةٍ فِي تِلْكَ الوِلاَيَةِ هُتِكَتْ، وَكَمْ حُرْمَةٍ لِلَّهِ انْتُهِكَتْ، وَكَمْ دِمَاءٍ زَكِيَّةٍ سُفِكَتْ، وَكَمْ لِشرْعَةٍ انْدَرَسَتْ، وَكَمْ بِدْعَةٍ أُسِّـسَتْ، وَكَمْ أَعْيُنٍ سُمِلَتْ، وَأَيْدٍ وَأَرْجُلٍ قُطِعَتْ و. و. و. إلَي مَا لاَ يُحْصَي مِنَ الاَعْمَالِ البَربَرِيَّةِ وَالفَظَائِعِ الاَمَوِيَّةِ الَّتِي تَقْشَعِرُّ لَهَا جُلُودُ البَرِيَّةِ، وَيَتَصَدَّعُ بِهَا قَلْبُ الإنسانيَّةِ. لكن الجمهور لمّا بنوا علي اجتهاد معاوية عذروه في أعمال عمّاله، ولم يخدش في عدالته عندهم بوائقه ولا بوائق رجاله.[16] جوائز معاوية الكبيرة لوضع الحديث ضدّ عليّ عليه السلامذكر شيخ المعتزلة الإمام أبو جعفر الإسكافيّ رحمه الله تعالي فيما نقله عنه ابن أبي الحديد:[17] أنّ معاوية حمل قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه. قال: منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير، قال: وروي الزهريّ: أنّ عروة بن الزبير حدّثه فقال: حدّثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله صلّي الله عليه وآله، إذ أقبل العبّاس وعليّ، فقال لي صلّي الله عليه وآله: يَا عَائِشَةُ ! إنَّ هَذِينِ يَمُوتَانِ عَلَي غَيْرِ مِلَّتِي ـ أَوْ قَالَ: عَلَي غَيْرِ دِينِي. قال : وروي عبد الرزّاق عن معمّر قال : كان عند الزهريّ حديثان عن عروة، عن عائشة في عليّ عليه السلام فسألته عنهما يوماً فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما ؟ اللهُ أعْلَمُ بِهِمَا وَبِحَدِيثِهِمَا. إنِّي لاَتَّهِمُهُمَا فِي بَنِي هَاشِمٍ. قال: فأمّا الحديث الاوّل فقد ذكرناه، وأمّا الحديث الثاني فهو أنّ عروة زعم أنّ عائشة حدّثته قالت: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأَقْبَلَ العَبَّاسُ وَعَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ ! إنْ سَرَّكِ أَنْ تَنْظُري إلَي رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَانْظُرِي إلَي هَذَيْنِ قَدْ طَلَعَا ! فَنَظَرْتُ، فَإذَا العَبَّاسُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قال: وأمّا عمرو بن العاص فروي فيه الحديث الذي أخرجه البخاريّ ومسـلم في صحيحـيهما مسـنداً متّصـلاً بعـمرو بن العاص. قال: سمعـتُ رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول: إنَّ آلَ أَبِي طَالِـبٍ لَيْسُـوا لِي بِأَوْلِـيَاءَ، إنَّمَا وَلِيِّـيَ اللَهُ وَصَالِـحُ المُؤْمِنِينَ. [18] حديث موضوع في خِطبة عليٍّ عليه السلام لابنة أبي جهلقال: وأمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ عليّاً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلّي الله عليه وآله فأسخطه، فخطب صلّي الله عليه وآله علي المنبر، وقال: لاَ هَا اللَهِ لاَ تَجْتَمِعُ ابْنَةُ وَلِيِّ اللَهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللَهِ أَبِي جَهْلٍ. إنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا يُؤْذِيهَا ! فَإنْ كَانَ عَلِيٌّ يُريدُ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ فَلْيُفَارِقْ ابْنَتِي وَلْيَفْعَلْ مَا يُرِيدُ. قال: والحديث مشهور في رواية الكرابيسيّ. قال: قلت: وهذا الحديث مخرج أيضاً في « صحيح مسلم » و « البخاريّ » عن المسوّر بن مخرمة الزهريّ. فقد ذكره المرتضي في كتابه المسمّي « تنزيه الانبياء والائمّة » وذكر أنّه من رواية حسين الكرابيسيّ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام وعداوتهم والمناصبة لهم فلا تُقبل روايته.[19] قال أبو ريّة : لكي يدرأوا التهم عن بعض الصحابة الذين فتنتهم الدنيا أوردوا حديثاً يقول: أصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ . وهذا الحـديث لا أصل له. ولهذا الحـديث قصّة جـرت بيني وبين الناصـبيّ محبّ الدين الخطيب. فإنّه عندما ظهر كتابي « الاضواء » واطّلع فيه علي فصل « عدالة الصحابة » قابلني غاضباً، وقال: كيف تذكر ذلك بعد أن قال فيهم النبيّ صلّي الله عليه وآله: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ الحديث. فقلت له: إنّك قد أوردت هذا الحديث في تعليقاتك علي كتاب « المنتـقي » للذهـبيّ ص 71 علي أنّه صحـيح وقـد طعـنوا فيه، ومـن كبـار الطاعنين ابن تيميّة فاشتدّ غضبه، وقال: في أي موضعٍ هذا الطعن ؟! فقلتُ له: في نفس كتابـك « المنتقي » ! فكاد يتمـيّز من الغيـظ، وقال: في أي صفحةٍ ؟ قلتُ له: في صفحة ( 551 ) وفيها يقول ابن تيميّة: وحَدِيثُ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ ، ضَعّفه أئمّة الحديث فلا حجّة فيه. وما كاد يقرأ هذا الكلام الذي أثبته هو بنفسه في كتاب حقّقه ونشره بين الناس حتّي بُهت واصفرّ وجهه. وقد قلتُ له قبل أن أُغادر مجلسه: إنّ كتاب « المنتقي » هذا سيسجّل عليك هذا الجهل وهذه الوصمة إلي يوم القيامة ![20] وبمناسبة التشيّع لمعاوية والتقرّب إليه برواية أحاديث مكذوبة علي النبيّ صلّي الله عليه وآله ترفع من شأنه نسوق إليك حديثاً رواه مسلم في صحيحه !! معناه: أنّ أبا سفيان بن حرب طلب من النبيّ صلّي الله عليه وآله أن يزوّجه ابنته أُمّ حبيبة وأن يجعل معاوية كاتباً بين يديه... إلي آخر الحديث. وقد ذكر أئمّة الحـديث أنّ هذا الحـديث باطل بالإجماع لانّ أبا سفيان قد دخل في الإسلام يوم فتح مكّة بالإجماع، أمّا ابنته أُمّ حبيبة واسمها رملة فقد أسلمت قبل الهجرة وحَسُنَ إسلامها، وكانت ممّن هاجر إلي الحبشة هرباً من أبيها، وقد تزوّجها رسول الله وأبوها كافر. ولمّا بلغه هذا الزواج، قال كلمته المشهورة: ذَلِكَ الفَحْلُ لاَ يُجْدَعُ أَنْفُهُ ( ص 16 من « تفسير سورة الإخلاص » لشـيخ الحنابـلة ابن تيمـيّة والذي يلقّـب عند الجـمهـور بشـيخ الإسلام ) .[21] موضوعات أبي هريرة في فضل عثمان ومعاويةولم يكن ما قدّم أبو هريرة لمعاوية جهاداً بسيفه أو بماله ، وإنّما كان جهاده أحاديث ينشرها بين المسلمين يخذّل بها أنصار عليّ ويطعن فيها عليه، ويجعل الناس يبرؤون منه، ويشيد بفضل معاوية ودولته. وقد كان ممّا رواه أحاديث في فضل عثمان ومعاوية وغيرهما ممّن يمتّ بأواصر القُربي إلي آل أبي العاص وسائر بني أُميّة. روي البيهقيّ عنه أنّه لما دخل دار عثمان وهو محصور، استأذن في الكلام. ولمّا أذن له قال: إنّي سمعتُ رسول الله يقول: إنّكم ستلقون بعدي فتنةً واختـلافاً. فقال له قائل من الناس: فمـن لنا يا رسـول الله ؟! أَوَ ما تأمرنا ؟! فقال: عليكم بالامين وأصحابه، وهو يُشير إلي عثمان.[22] وقد أورده أحمد بسند جيّد. ولمّا نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة، فقال: أَصَبْتَ وَوُفِّقْتَ ! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ يَقُولُ: إنَّ أَشَدَّ أُمَّتِي حُبّاً لِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، يَعْمَلُونَ[23] بِمَا جَاءَ فِي الوَرَقِ المُعَلَّقِ. فَقُلْتُ: أَيُّ وَرَقٍ حَتَّي رَأَيْتُ المَصَاحِفَ [24]. قال: فأعجب ذلك عثمان، وأمر لابي هريرة بعشرة آلاف. وهذا الحديث من غرائبه، وهو ينطق ولا ريب بأنّه ابن ساعته. وممّا وضعه في معاوية ما أخرجه الخطيب عنه : ناول النبيّ صلّي الله عليه وآله معاوية سهماً، فقال: خُذْ هَذَا السَّهْمَ حَتَّي تَلْقَانِي بِهِ فِي الجَنَّةِ. وأخرج ابن عساكر، وابن عديّ، والخطيب البغداديّ عنه: سمعت رسول الله يقول: إنَّ اللَهَ ائْتَمَنَ عَلَي وَحْيِهِ ثَلاَثَةً: أَنَا وَجَبْرِيلَ وَمُعَاوِيَةَ. في رواية أُخري عن أبي هريرة مرفوعاً: الاُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ: جِبْرِيلُ وَأَنَا وَمُعَاوِيَةُ. [25] ونظر أبو هريرة إلي عائشة ابنة طلحة وكانت مشهورةً بالجمال الفائق فقال: سُبْحَانَ اللَهِ ! مَا أَحْسَنَ مَا غَذَّاكِ أَهْلُكِ ! وَاللَهِ مَا رَأَيْتُ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْكِ إلاَّ وَجْهَ مُعَاوِيَةَ عَلَي مِنْبَرِ رَسُولِ اللَهِ.[26] والاخبار في ذلك كثـيـرة. ولقد بلـغ مـن مناصـرته لبـني أُمـيّة أنّه كان يحـثّ الناس علي ما يطالـب به عمّالـهم من صدقات، ويحـذّرهم أن يسبّوهم. [27] ومع أ نّنا نلحظ آلاف الاحاديث الموضوعة في كتب العامّة عن أبي هريـرة، وذهب البعـض إلي أنّها بلغـت ( 5374 ) ، هلـمّوا لننظـر كم عدد الاحاديـث المأثـورة عن أمير المؤمنـين، وسيّد الوصيّـين وقائـد الغـرّ المحجّلين ويعسوب المسلمين ؟! قال أبو ريّة: أوّل من أسلم وتربّي في حجر النبيّ وعاش تحت كنفه من قبل البعـثة وظلّ معه إلي أن انتـقل النبيّ إلي الرفيق الاعلي لم يفارقه لا في سفر ولا في حضر وهو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة الزهراء، شهد المشـاهد كلّها سوي تبـوك فقد استخـلفه النبيّ فيها علي المديـنة. فقال: يا رسول الله ! أتخلّفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ؟ هذا الإمام الذي لا يكاد يضارعه أحد من الصحابة جميعاً في العلم قد أسندوا له كما روي السيوطيّ ( 58 ) حديثاً. وقال ابن حزم: لم يصحّ منها إلاّ خمسون حديثاً لم يرو البخاريّ ومسلم منها إلاّ نحواً من عشرين حديثاً. [28] لماذا كانت أحاديث أبي هريرة أكثر من سائر الصحابة ؟قال المحقّق الخبير والعالم البصير السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ: افتري أبو هريرة افتراءات قبيحة علي النبيّ ونسب إليه كلمات غير صحيحة من خلال التغطية علي جرائم مروان ومعاوية وأوليائهما كي يجـعلهم مثل النبيّ في الخـطأ ويجـعل معاصيـهم وجرائمـهم قابلةً للعفو والتغاضي. وبعبارةٍ أُخري: أتّهم النبيّ حفظاً لكرامة معاوية ومروان. نقل آية الله العامـليّ عن أبي هـريـرة أنّه قال: سمعـت رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول: اللَهُمَّ إنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ البَشَرُ. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ. وقد عمل مروان وبنوه في تعداد أسانيد أبي هريرة وتكثير طرقه أعمالاً جبّارة لم يألوا فيها جهداً ، ولم يدّخروا وسعاً ؛ حتّي أخرجه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد. [29] أجمع أهل الحديث ـ كما في ترجمته من « الإصابة » وغيرها علي أنّه أكثر الصحابة حديثاً، وقد ضبط الجهابذة من الحفظة الاثبات حديثه، فكان خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين مسنداً. وله في البخاريّ فقط أربعمائة وستّة وأربعون حديثاً. وقد نظرنا في مجموع ما روي من الحديث عن الخلفاء الاربعة فوجـدناه بالنسـبة إلي حديث أبي هريرة وحده أقلّ من السـبعة والعشرين في المائة، لانّ جميع ما روي عن أبي بكر إنّما هو مائة واثنان وأربعون حديثاً، وكلّ ما أسند إلي عمر إنّما هو خمسمائة وسبعة وثلاثون حديثاً، وكلّ ما لعثمان مائة وستّة وأربعون حديثاً، وكلّ ما رووه عن عليّ خمسمائة وستّة وثمانون مسنداً فهذه ألف وأربعمائة وأحد عشر حديثاً، فإذا نسبتها إلي حديث أبي هريرة وحده ( وقد عرفت أنّه 5374 ) تجد الامر كما قلناه ![30] وقال السيّد شرف الدين أيضاً: لو صحّ ما زعمه أبو هُريرة من دعاء النبيّ له ولاُمّه بأن يحبّبهما إلي المؤمنين ويحبّب المؤمنين إليهما لاحبّه أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة فإنّهم سادة المؤمنين وقادة أهل الملّة والدين. فما بال أئمّتهم الاثني عشر وسائر علمائهم يرذلونه ويُسقطون حديثه ولا يأبهون بشيء ممّا انفرد به ؟ حتّي قال أمير المؤمنين[31] عليه السلام: أَلاَ إنَّ أَكْذَبَ النَّاسِ ـ أَوْ قَالَ: أَكْذَبُ الاَحْيَاءِ ـ عَلَي رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لاَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ ![32] علي هذا الاساس ينقل العامّة أحاديث أبي هريرة وأمثاله في كتبهم ويعدّونها من الاحاديـث الصحـيحة، ويرون أنّ صحاحـهم ـ كـ « صحيح البخاريّ » و « مسلم » مشحونة بها وباعتبارها. ولمّا ثبت بطلان وكذب ودغل أبي هريرة، وعِكرمة، والمغيرة، وعروة بن الزبير، وكعب، وأمثالهم. ووجدنا أنّ هؤلاء يشكّلون معظم المصادر الاصليّة لاحاديث العامّة، فلا شأن ولا وزن لكتبهم، ودُمِّر صرح وهمهم وخيالهم. انتقاد رشيد رضا لاحاديث الصحيحَينوهذه حقيقة اعترف بها كثير من الناقدين والباحثين في مغزي الاحاديث ومتونها كالدكتور أحمد أمين، والسيّد محمّد رشيد رضا، والشيخ محمّد عبده، والدكتور طه حسين، والدكتور محمّد توفيق صدقي، والشيخ محمود أبو ريّة وتحدّثوا بالتفصيل عن سقم أخبار الصحيحين ونظائرهما إجمالاً. قال أبو ريّة: ومن الذين انتقدوا أحاديث أبي هريرة في هذا العصر هم ( هؤلاء ) . [33] قال السيّد محمّد رشيد رضا:... وممّا لا شكّ فيه أيضاً أنّه يوجد في غيرهما (« صحيح البخاريّ » و « مسلم ») من دواوين السنّة أحاديث أصحّ من بعض ما فيهما... . ولكنّه (« صحيح البخاريّ ») لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم للنبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصّاص من المفسّـرين المتقـدّمين، والاُستاذ الإمام محـمّد عبـده من المتأخّرين لانّه معارض بقوله تعالي: إذْ يَقُولُ الظَّـ'لِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاْمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً. [34] هذا وإنّ في البخاريّ أحاديث في أُمور العادات والغرائز ليست من أُصول الدين ولا فروعه. فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من أُصول الإيمان ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاريّ مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيليّة الاطّلاع علي «صحيح البخاريّ» والإقرار بكلّ ما فيه. وعلمتم أيضاً أنّ المسلم لايمكن أن ينكر حديثاً من هذه الاحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده علي عدم صحّته متناً أو سنداً. فالعلماء الذين أنكروا صحّة بعض هذه الاحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم قد يكون بعضـها صواباً وبعضـها خطأً. ولا يُعـدّ أحدهم طاعـناً في دين الإسلام. [35] وَمَا كَلَّفَ اللَهُ مُسْلِماً أَنْ يَقْرَأَ «صَحِيحَ البُخَارِيِّ» وَيُؤْمِنَ بِكُلِّ مَا فِيهِ وَإنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، أَوِ اعْتَقَدَ أنّه يُنَافِي أُصُولَ الإسْلاَمِ. سبحان الله ! يقول ملايين المسلمين من الحنفيّة: إنّ رفع اليدين عند الركوع والقيام منه مكروه شرعاً. وقد رواه البخاريّ في صحيحه وغير صحيحه عن عشرات من الصحابة بأسانيد كثيرة جدّاً، ولا إثم عليهم ولا حرج، لانّ إمامهم لم يصحّ عنده لانّه لم يطّلع علي أسانيد البخاريّ فيه. وكلّ مَنِ اطّلع من علماء مذهبه عليها يوقن بصحّتها. ثمّ يُكفَّر مسلم من خيار المسلمين علماً وعملاً ودفاعاً عن الإسلام والدعوة إليه،[36] بدليل أو شبـهة علي صحّة حديـث رواه البخـاريّ عن رجل يكاد يكـون مجـهولاً واسمه يدلّ علي أنّه لم يكـن أصيلاً في الإسلام وهو عبد بن حنـين. وموضـوع متنه ليـس من عقائد الإسلام ولا من عباداته ولا من شرائـعه، ولا التزم المسلمون العمل به. بل ما من مذهب من مذاهب المقلّدة إلاّ وأهله يتركون العمل ببعض ما صحّ عند البخاريّ وعند مسلم أيضاً من أحاديث التشريع المرويّة عن كبار أئمّة الرواة لعلل اجتهاديّة أو لمحض التقليد. وقد أورد المحقّق ابن القيّم أكثر من مائة شاهد علي ذلك في كتابه « أعلام الموقّعين » ، وهذا المكفِّر للدكتور منهم[37] ( ولا يعمل بكثير من أخبار البخاريّ ومسلم ) . وهاك كلمةً للمسيو أميل درمنغهم، قالها في كتاب « حياة محمّد » : إنّ من المنابع الاُولي لسيرة محمّد القرآن والسنّة. فالقرآن هو أوثقها سنداً ولكنّه غير شامل الشمول الكافي في هذا الموضوع، وأمّا الحديث فبرغم جميع ما تحرّاه المحدّثون لا سيّما البخاريّ في جمع أقوال الرسول والإحاطة بأقلّ إشارة من إشاراته وترجمة الرجال الذين روي عنهم الحديث مسلسلاً ومعنعناً لا يزال فيه كثير ممّا هو محلّ للتهمة وممّا هو موضوع... إلي آخره. وعلّق الامير شكيب أرسلان علي كلام درمنغهم بقوله: ... هو غير معتقد بصحّة كثير من الاحاديث حتّي الوارد منها في الصحيحين. وهذا مشرب من المشارب الفكريّة لا نقدر أن نؤاخذه عليه لا سيّما أنّ كثيرين من المسلمين، ومن ذوي الحميّة الإسلاميّة وممّن لا ينقصهم شيء من الإيمان والإيقان يشاركون المسيو درمنغهم في هذا الرأي... ولا يرون من الواجب الدينيّ الإيمان بكلّ ما جاء في الصحيحين وغيرهما من الاحاديث لاحتمال أن يكون تطرّق إليها التبديل والتغيير، أو دخلها الزيادة والنقصان، إذ من المعلوم أنّهم كانوا يروون الاحاديث بالمعني. وإذا روي الحديث بالمعني لم يخل الامر من أن تتطرّق إليه زيادات كثيرة قد يتغيّر بها المعني أو يبعد عن أهله، إلي أن قال: والادلّة التي تستظهر بها هذه الفئة علي وجوب عدم القطع بأكثر الاحاديث ولزوم التوقّف في كثيرٍ ممّا يسارع الناس فيه هي ما يلي: أوّلاً: عدم إمكان رواية الاحاديث إلاّ النادر الاندر بدون زيادة أو نقصان ممّا يعرفه كلّ إنسان من نفسه، وذلك أنّه إذا أراد أن يُعيد كلاماً سمعه ولو بعد سماعه إيّاه بساعةٍ من الزمن تعذّر عليه سرده بحرفه. ثانياً: كونهم يقولون: إنّ ما لايكاد يُحصي من الاحاديث مرويّ بالمعني، فيتغيّر فيه كثير من اللفظ. ثالثاً: جواز السهو والنسيان ممّا لا يخلو منه إنسان ولا يمكن الجدال فيه أصلاً. رواج الكذب في عصر النبيّ صلّي الله عليه وآلهرابعاً: كون النبيّ صلّي الله عليه وآله نفسه أشار إلي وضع الاحاديث عليه في أيّامه وأنّه من أوثق الاحاديث قوله: لَقَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الكَذَّابَةُ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. [38] ثمّ قال: ولا يزال الشـكّ يحـوم حول أحاديـث كثـيرة واردة في الصحاح، وهذا الشكّ ليس من جهة عدم الامانة في النقل ولكن من جهة عدم استطاعة البشر إلاّ ما ندر من رواية كلّ ما يسمعونه بحرفه، أو من وصف كلّ حادثة كانوا فيها كما وقعت بلا زيادة ولا نقصان، وقد يكون اثنان في حادثة من الحوادث ويرويها كلّ واحد منهما بشكل يختلف قليلاً أو كثيراً عن الآخر.[39] هذا المورد الرابع في غاية الاهمّيّة أي: الكذب علي النبيّ. لهذا ينبغي ألاّ نكتفي بالنظر في سند الحديث للوقوف علي صوابه وسقمه، بل لابدّ من النظر أيضاً في متنه ومضمونه. ومن المؤسف أنّ صحاح العامّة لا تنظر إلي عدالة الرواة ( لأنّهم جميعاً عدول عندهم ) بل لا تنظر أيضاً إلي متن الحديث ومضمونه، ولهذا تُلحظ فيها كثيراً أخبار يخالف محتواها العقل والعلم والشهود والوجدان. منها الاحاديث التي اختلقها أبو هريرة. وننقل فيما يأتي عدداً منها: الاوّل: طواف سُليمان بمائة امرأة في ليلة ! أخرج الشيخان بالإسناد إلي أبي هريرة مرفوعاً قال: قال سليمان بن داود: لاطوفنّ الليلة بمائة امرأةٍ ! تلد كلّ امرأةٍ غلاماً يقاتل في سبيل الله ! فقال له المَلَك: قل: إن شاء الله، فلم يقل !! فأطاف بهنّ، فلم تلد منهنّ إلاّ امرأة نصف إنسان ! قال أبو هريرة: قال النبيّ صلّي الله عليه وآله: لو قال: إن شاء الله لم يحنث وكان أرجي لحاجته. قال السيّد عبد الحسين شرف الدين بعد نقل هذا الحديث: وفي هذا أيضاً نظر من وجوه: أحدها: أنّ القوّة البشريّة لتضعف عن الطواف بهنّ في ليلة واحدةٍ مهما كان الإنسان قويّاً. فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان عليه السلام بهنّ مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادةً وقوعه أبداً. ثانيها: أنّه لا يجوز علي نبيّ الله تعالي سليمان عليه السلام أن يترك التعليق علي المشيئة، ولا سيّما بعد تنبيه المَلَك إيّاه إلي ذلك. وما يمنعه من قول: إن شاء الله، وهو من الدعاة إلي الله والادلإ عليه ؟ وإنّما يتركها الغافلون عن الله عزّ وجلّ، الجاهلون بأنّ الاُمور كلّها بيده. فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن. وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين. إنّهم عليهم السلام لفوق ما يظنّ المخرّفون. ثالثها: أنّ أبا هريرة قد اضطرب في عدّة نساء سليمان، فتارة روي أنّهنّ مائة امرأة،[40] وتارة روي أنّهنّ تسعون،[41] وتارة روي أنّهنّ سبعون،[42] وتارة روي أنّهنّ ستّون.[43] وهذه الروايات كلّها في صحيحَي البخاريّ ومسلم و « مسند أحمد » . فما أدري ما يقوله فيها المعتذرون عن هذا الرجل ( أبي هـريـرة ) ؟! أيقـولـون: إنّ هذه الحادثة تكـرّرت من سليـمان مع زوجاته ؟ وكنّ مرّة مائة، ومرّة كنّ تسعين، ومرّة سبعين، وأُخري ستّين ! وفي كلّ مرّة ينبّهه المَلَكُ فلا يقول، ما أظنّهم يقولون بهذا. ولو قالوا: قَدِ اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَي الرَّاقِعِ ، لكان أولي بهم. وفي المثل السائر: لَيْسَ لِكَذُوبٍ حَافِظَةٌ.[44] لطم موسي مَلَك الموتالثاني: لطم موسي عينَ مَلَك الموت. أخرج الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلي أبي هريرة قال: جاء ملك الموت إلي موسي عليهما السلام فقال له: أَجِبْ رَبَّكَ ! قال: فلطم موسي عين ملك الموت ففقأها. قال: فرجع المَلَك إلي الله تعالي، فقال: إنّك أرسلتني إلي عبدٍ لك لا يريد الموت ففقأ عيني. قال: فردّ الله إليه عينه وقال: ارجع إلي عبدي فقل: الحياة تريد، فإن كنت تريد الحياة فضع يدك علي متن ثور، فما توارت بيدك من شعرة فإنّك تعيش بها سنة الحديث. [45] وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده [46] وفيه: إنّ ملك المـوت كان يأتي الناس عياناً: قال: فأتي موسي فلطـمه ففـقأ عيـنه الحديث. وأخرجه ابن جرير الطبريّ في الجزء الاوّل من تاريخه[47] عن أبي هريرة ولفظه عنده: أنّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّي أتي موسي فلطمه ففقأ عينه وفي آخره: أنّ ملك الموت جاء إلي الناس خفيّاً بعد موت موسي.[48] وأنت تري ما فيه ممّا لا يجـوز علي الله تعالي، ولا علي أنبـيائه. ولا علي ملائكته، أيليق بالحقّ تبارك وتعالي أن يصطفي من عباده من يبطش علي الغضب بطش الجبّارين ؟ ويوقع بأسه حتّي في ملائكة الله المقرّبين ؟ ويعمل عمل المتمرّدين ؟ ويكره الموت كراهة الجاهلين ؟ وكيف يجوز ذلك علي موسي، وقد اختاره الله لرسالته وائتمنه علي وحيه، وآثره بمناجاته، وجعله من سادة رُسُله ؟! وكيف يكره الموت هذا الكُره مع شرف مقامه، ورغبته في القرب من الله تعالي والفوز بلقائه ؟ وما ذنب مَلَك الموت عليه السلام ؟ وإنّما هو رسول الله إليه وبما استحقّ الضرب والمثلة فيه بقلع عينه ؟ وما جاء إلاّ عن الله وما قال له سوي: أجب ربّك ؟ أيجوز علي أُولي العزم من الرسل إهانة الكرّوبيّين من الملائكة وضربـهم حين يبلّغـونهم رسالات الله وأوامـره عزّ وجلّ ؟ تَعَالَي اللَهُ وَتَعَالَتْ أَنْبِيَاؤُهُ وَمَلاَئِكَتُهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً. ونحن لِمَ برئنا من أصحاب الرسّ، وفرعون موسي، وأبي جهل، وأمثالهم ولعنّاهم بكرةً وأصيلاً ؟ أليس ذلك لأنّهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره فكيف نجـوّز مثل فعلـهم علي أنبـياء الله وصفـوته من عباده ؟ حَاشَا لِلَّهِ إنَّ هَذَا لَبُهْتَانٌ عَظِيمٌ ! ثمّ إنّ من المعلوم أنّ قوّة البشر بأسرهم، بل قوّة جميع الحيوانات منذ خلقها الله تعالي إلي يوم القيامة لا تثبت أمام قوّة ملك الموت فكيف ـ والحال هذه تمكّن موسي عليه السلام من الوقيعة فيه ؟ وهلاّ دفعه الملك عن نفسه ؟ مع قدرته علي إزهاق روحه، وكونه مأموراً عن الله تعالي بذلك. ومتي كان للملك عين يجوز أن تُفقَأ ؟! ولا تنسَ تضييع حقّ المَلَك وذهاب عينه ! ولطمته هدراً ؟ إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتصّ من موسي صاحب التوراة التي كتب الله فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاْنفَ بِالاْنفِ وَالاْذُنَ بِالاْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ. [49] ولم يعاتب الله موسي علي فعله هذا بل أكرمه إذ خيّره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور. وما أدري والله ما الحكمة في ذكره شعر الثور بالخصوص ؟! أما وعزّة الحقّ، وشرف الصدق، وعلوّهـما علي الباطل والإفك لقد حمّل هذا الرجل أوليـاءه ما لا طاقة لهم به، وكلّفهم بأحاديثه هذه بما لا تحتمله عقولهم أبداً ولا سيّما قوله في هذا الحديث: إنّ مَلَكَ الموتِ قبل وفاة موسي كان يأتي الناس عياناً، وإنّما جاءهم خفيّاً بعد موت موسي. نعوذ بالله من سبات العقل وخطل القول والفعل. وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. [50] سرقة الحجر ثياب موسيالثالث: فرار الحجر بثياب موسي وعدوّ موسي خلفه ونظر بني إسرائيل إليه مكشوفاً. أخرج الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلي أبي هريرة قال: كان بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلي سوأة بعض. وكان موسي عليه السلام يغتسل وحده. فقالوا: والله ما يمنع موسي أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدر ( أي: ذو فتق ) قال: فذهب مرّة يغتسل، فوضع ثوبه علي حجر، ففرّ الحجر بثوبه. فجمع موسي بأثره يقول: ثَوْبِي حَجَرُ ! ثَوْبِي حَجَرُ! حتّي نظر بنو إسرائيل إلي سوأة موسي فقالوا: والله ما بموسي من بأس. فقام الحجر بعد حتّي نظر إليه فأخذ موسي ثوبه فطفق بالحجر ضرباً. فوالله إنّ بالحجر ندباً ستّة أو سبعة الحديث.[51] وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنّ هذه الواقعة هي التي أشار الله إليها بقوله عزّ من قائل: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَي' فَبَرَّأَهُ اللَهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَهِ وَجِيهًا. [52] وأنت تري ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلاً فإنّه لا يجوز تشهير كليم الله عليه السلام بإبداء سوأته علي رؤوس الاشهاد من قومه، لانّ ذلك ينقصه ويسقط من مقامه، ولا سيّما إذا رأوه يشتدّ عارياً ينادي الحجر، وهو لا يسمع ولا يبصر: ثَوْبِي حَجَرُ ! ثَوْبِي حَجَرُ ! ثمّ يقف عليه وهو عاري أمام الناس فيضربه والناس تنظر إليه مكشوف العورة كالمجنون ! وهذه الحركة لو صحّت فإنّما هي من فعل الله تعالي فكيف يغضب منها كليم الله فيعاقب الحجر عليها ؟! وما هو إلاّ مقسور علي الحركة، وأيّ أثر لعقوبة الحجر ؟ ثمّ إنّ هربه بثياب موسي عليه السلام لا يبيح له إبداء عورته، وهتك نفسه ذلك وقد كان في إمكانه أن يبقي في مكانه حتّي يؤتي بثيابه أو بساتر غيرها كما يفعله كلّ ذي لُبٍّ إذا ابتلي بمثل هذه القصّة. علي أنّ هرب الحجر من المعجزات وخوارق العادات التي لا تكون إلاّ في مقام التحدّي كمقام انتقال الشجرة في مكّة المعظّمة لرسول الله صلّي الله عليه وآله حين اقترح عليه المشركون ذلك فنقلها الله عزّ وجلّ من مكانها تصديقاً لدعوته وتثبيتاً لنبوّته صلّي الله عليه وآله، ومن المعلوم أنّ مقام موسي عليه السلام وهو يغسل لم يكن مقام تَحدٍّ وتعجيز فلا تقع فيه المعجزات وخوارق العادات ولا سيّما إذا ترتّب عليهما فضيحة نبيّ الله بإبداء سوأته للملا من قومه علي وجه يستخفّ به كلّ من رآه وكلّ من سمع بخبره هذا. وأمّا براءته من الادرة فليست من الاُمور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره ولا هي من المهمّات التي تصدر بسببها الآيات، إذ يمكن العلم ببراءته منها بسبب اطّلاع نسائه عليه؛ وإخبارهن بحقيقة حاله. ولو فُرض ابتلاؤه بالادرة فأيّ بأس عليه بذلك ؟ وقد أصيب شعيب عليه السلام ببصره وأيّوب عليه السلام بجسمه، وأنبياء الله كافّة تمرّضوا وماتوا، ولا يجب انتفاء مثل هذه العوارض عن أنبياء الله ورسله، ولا سيّما إذا كانت مستورة عن الناس كالادرة، نعم لا يجوز عليهم ما يوجب نقصاً في مداركهم أو في مروءتهم أو يوجب نفرة الناس عنهم واستخفافهم بهم. والادْرَة ليست في شيء من ذلك. علي أنّ القول بأنّ بني إسرائيل كانوا يظنّون أنّ في موسي أدرة لم يُنقل إلاّ عن أبي هريرة. أمّا الواقعة التي أشار الله إليها بقوله عزّ من قائل: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَي' فَبَرَّأَهُ اللَهُ مِمَّا قَالُوا . فالمرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عبّاس أنّها قضيّة اتّهامهم إيّاه بقتل هارون، وهو الذي اختاره الجبّائيّ. وقيل: هي قضيّة المومسة التي أغراها قارون بقذف موسي عليه السلام بنفسها فبرّأه الله تعالي إذ أنطقها بالحقّ. وقيل: آذوه من حيث نسبوه إلي السِّحْر والكذب والجنون بعدما رأوا الآيات. وإنّي لاعجب من الشيخين يُخرّجان هذا الحديث والذي قبله في فضائل موسي. وما أدري أيّ فضيلة بضرب ملائكة الله المقرّبين وفقء عيونهم عند إرادتهم تنفيذ أوامر الله عزّ وجلّ ؟ وأيّ منقبة بإبداء العورة للناظرين ؟ وأيّ وزن لهذه السخافات ؟ إنّ كَلِيمَ اللَهِ وَنَجِيَّهُ وَنَبِيَّهُ لاكبر من هذا. وحسبه ما صدع به الذِّكر الحكيم والفرقان العظيم من خصائصه الحسني عليه السلام.[53] حديث: لاَ عَدْوَي وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ الرابع: حديث لاَ عَدْوَي وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ. روي الشيخان عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم قال: لاَ عَدْوَي وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ.[54] وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ولكنّ الصحابة عملوا بما يخالفه. فقد روي البخاريّ عن أُسامة بن زيد أنّ رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم قال: إذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا. وقد جاء هذا الحديث كذلك عن عبد الرحمن بن عوف. ورووه أيضاً في مرض الوباء. وروي الغـزاليّ في « إحياء العلوم » ج 4 ، ص 250 ، عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم يقول: إذَا سَمِعْتُمْ بِالوَبَاءِ فِي أَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ. ولمّا سمع عمر هذين الحديثين، وحديث لاَ يُورَدَنْ مُمْرَضٌ عَلَي مُصَحٍّ . وهو ممّا رواه أبو هريرة كذلك،[55] وكان قد خرج إلي الشام، ووجد الوباء، عاد بمن معه.[56] وقد اضطرّ أبو هريرة أمام هذه الاخبار القويّة إلي أن يرجع عمّا حدّث، وأنكر روايته الاُولي لاَ عَدْوَي . ولمّا أنكر عليه الحارث بن أبي ذباب ( ابن عمّ أبي هريرة ) وقال له: كنتُ أسمعكَ يا أبا هريرة تحدّثنا مع حديث ( لايورد... ) حديث ( لا عدوي ) فأنكر معرفته لذلك ! ووقع عند الإسماعيليّ من رواية شعيب. فقال الحارث ( ابن عمّ أبي هريرة ) : إنّك حدّثتنا ! فأنكر أبو هريرة وقال: لم أُحدّثك ما تقول. ورواية مسلم: أَلَمْ تُحَدِّثْ أنّه لاَ عَدْوَي ؟ صَمَتَ وَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ.[57] أي: إنّه غالط وضيّع الموضوع. ارجاعات [1] ـ «النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم» للمقريزيّ، ص 51. [2] ـ «الإصابة» ج 5. ص 323. [3] ـ راجع كتاب «شيخ المضيرة». [4] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة» هامش ص 182. الطبعة الثالثة. [5] ـ جاء في «أقرب الموارد» مادّة ضَوَرَ: ضَارَ الرجلُ يَضُورُ ضَوْراً: جاع شديداً. تَضَوَّرَ الرجلُ: تأوّي من وجع الضرب. الضَّوْر: مصدر و الجوع الشديد. [6] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة» منتخبٌ من ص 179 إلي 198. الطبعة الثالثة. [7] ـ في «لسان العرب»: دشت الصحراء... إلي أن قال: الدشت: الصحراء... إلي أن قال: وهو فارسيّ، أو اتّفاق وقع بين اللغتين. والسَّمِيذ بالذال المعجمة والسميد بالدال المهملة هو الدقيق الابيض. والفُرْنيّ خبزة غليظة مستديرة، وجمعها فَرانيّ. [8] ـ مفردها مَصِير وجمع مصير أمصرة و مُصْران. وجمع الجمع مصارين. والمصير هو ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة. البطّ. الواحدة: البطّة للمذكّر والمؤنّث، وهو طير مائيّ قصير العنق والرِّجلين، وهو غير الاوزّ وجمعه بطوط و بَطاط. والمخّ بتشديد الخاء نِقي العظـم، وربّما سمّوا الدماغ مخّاً. والفسـتق شجر مثمر وحرجيّ وثماره لذيذة، والبندق شجر من فصيلة البلّوطيّات ثماره لوزيّة لذيذة الطعم. الجراب جلد الحيوان يُستعمل وعاءً ويُشدّ رأسه بخيط من جِلد. السويق: الناعم من دقيق الحنطة والشعير. لَتَّ يَلُتُّ لتّاً بَلَّ الدقيق بالماء أو خلطه بالسمن. [9] ـ «شيخ المضيرة» ص 180 و 181 في الهامش، نقلاً عن ص 422 من كتاب «نثر الدرّ» للوزير أبي سعيد منصور بن الحسين الآبيّ المتوفّي سنة 422 ه. [10] ـ «شيخ المضيرة»، هامش ص 155. الطبعة الثانية. [11] ـ في «أقرب الموارد»: العُرب والعَرَب جيل من الناس خلاف العجم. والمراد بالعجم كلّ مَن ليس مِن العرب من الفُرس، والتُّرك، والإفرنج، وغيرهم. ولفظ العرب مؤنّث علي تأويل الطائفة. يقال: العَرَب العَارِبَةِ، وَالعَرَب العَرباءُ ج أعْرُب وعُرُوب. قيل: العرب سكّان الامصار، وقيل: عامّ في سكّان الامصار وسكّان البادية. [12] ـ «شيخ المضيرة»، هامش ص 168. الطبعة الثانية. [13] ـ «هديّة الاحباب» ص 111. قال في ترجمة البيهقيّ: هو أبو بكر أحمد بن الحسين ابن عليّ الشافعيّ الخسروجرديّ الحافظ والفقيه المشهور صاحب «السنن الكبري»، و«السنن الصغري»، و«دلائل النبوّة»، وغيرها.... إلي أن قال: ومن كلماته علي ما نقل صاحب «كامل بهائي»... إلي آخره. وعبّر قيس بن سعد بن عبادة عن هذه الحقيقة بتعبير آخر. قال الشيخ محمود أبو ريّة في كتاب «شيخ المضيرة أبو هريرة» ص 172: وأرسل قيس بن سعد بن عبادة إلي معاوية كتاباً قال فيه: أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّـكَ وَثَنُ ابْنُ وَثَن ! دخلـتَ الإسلامَ كُرْهاً وَخَرَجْـتَ مِنْهُ طَـوْعاً ! وَلَمْ يَقْدُمْ إيمانُكَ، وَلَمْ يَحدُثْ نِفَاقُكَ ! [14] ـ في آخر ص 138 من جزئه الثاني قبل باب ما جاء في صفة الجنّة بأربعة أحاديث، واحتجّ به في موارد كثيرة، يعرفها المتتبّع، ونصّ الإمام محمّد بن القيسرانيّ في كتابه «الجمع بين كتابَي أبي نصر الكلاباذيّ وأبي بكر الإصفهانيّ» علي احتجاج البخاريّ ومسلم كليهما في سمرة بن جندب مع ما له من الاعمال فراجع أحواله في الجزء الرابع من «شرح النهج» للعلاّمة ابن أبي الحديد في السـطر الاوّل من صفحة 363 من المجـلّد الاوّل من طبعة مصر، لتعلم الحقيقة، ولو سبرت من قبل تلك الصفحة إلي ما بعد هابوريقات لعلمت أحوال جملة من رجال البخاريّ، كابن العاص والمغيرة ومروان، وأبي هريرة وغيرهم من عمّال معاوية وأوليائه. [15] ـ مع ما ثبت عنه من المساوي التي من جملتها بيع الخمر علي عهد عمر فيما رواه المحدّثون وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث عمر بن الخطّاب في صفحة 25 من الجزء الاوّل من مسنده، قال: ذكر لعمر أن سمرة باع خمراً، فقال: قاتل الله سمرة. إنّ رسول الله قال لعن الله اليهود حُرّمت عليهم الشحوم فباعوها. [16] ـ «الفصول المهمّة في تأليف الاُمّة» ص 123 إلي 125. الطبعة الخامسة. [17] ـ في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام: أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البُلعوم يدعوكم إلي مَسَبَّتي والبراءةِ مِنِّي. «شرح النهج» ج 1. ص 358 وما بعدها، طبعة مصر. [18] ـ روي أبو ريّة في كتابه «شيخ المضـيرة أبو هـريـرة» ص 176 و 177. الطـبعة الثانية، هذه الرواية عن أبي جعفر الإسكافيّ وأضاف في ذيلها: أمّا أبو هريرة، فلم يقف عند وضع الاحاديث في الطعن في عليّ وإنّما زاد من وضع أحاديث ترفع من شأن آل أبي العاص عامّة ومعاوية خاصّة، وستري ذلك قريباً. هؤلاء بعض من ظاهروا معاوية بألسنتهم ورواياتهم التي نسبوها إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله. أمّا الذين ناصروا معاوية بسيوفهم فهم ألوف عديدة. ومنهم وا أسفاً من الصحابة كثيرون. [19] ـ «النصّ والاجتهاد» ص 354. الطبعة الثانية، صور، لبنان، سنة 1380 ه. [20] ـ قال أبو ريّة في كتاب «أضواء علي السنّة المحمّديّة» ص 344. الطبعة الثالثة: وقال الغزّاليّ في «المستصفي»: وزعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث... وقال قوم: حالهم العدالة في بداية الامر إلي ظهور الحرب والخصومات، ثمّ تغيّرت الحال وسُفكت الدماء، فلابدّ من البحث. وممّا يتّكي عليه من يعتقدون عدالة جميع الصحابة قولهم: إنّ رسول الله قال: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. وفي رواية: فأيّهم أخذتم بقوله... ولكن هذا الحديث باطل لا أصل له. [21] ـ «شيخ المضيرة أبو هريرة» ص 177 و 178. الطبعة الثانية. قَدَعَ الفَحْلَ أَنْفَهُ بِالرُّمْحِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ كَرِيمٍ. فتفيد كلمة أبي سفيان إذن أنّ محمّداً شجاع لا يُجدع أنفه بالرُّمح، أي: هو رجل كريم ذو فتوّة وكرامة. [22] ـ وذكر أبو ريّة هذا الحديث أيضاً عن البيهقيّ، عن أحمد بسندٍ جيّد في كتاب «شيخ المضيرة» ص 206. الطبعة الثانية. [23] ـ يُصَدِّقُونَ (في الطبعة الثالثة ص 229 ). [24] ـ «البداية والنهاية» لابن كثير، ج 7. ص 216. [25] ـ «البداية والنهاية» لابن كثير، ج 8. ص 120. [26] ـ «العقد الفريد» ج 6. ص 109. [27] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة» ص 214 و 215. الطبعة الثالثة. [28] ـ «الاضواء» ص 224 و 225. الطبعة الثالثة. [29] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين، ص 43 إلي 45. الطبعة الثالثة، سنة 1384 ه النجف الاشرف. [30] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين، ص 46. الطبعة الثالثة، سنة 1384 ه النجف الاشرف. [31] ـ في هذا المعني أخبار متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة. وقد أرسل هذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخصوص إمام المعتزلة أبو جعفر الإسكافيّ كما في ص 360 من المجلّد الاوّل من «شرح النهج» الحميديّ. [32] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين ص 159 و 160. ونقله أبو ريّة أيضاً في «شيخ المضيرة» ص 119. [33] ـ «شيح المضيرة» ص 132. [34] ـ الآيتان 47 و 48. من السورة 17: الإسراء. [35] ـ «المنار» ج 29. ص 104 و 105. [36] ـ هذا المسلم هو الدكتور محمّد توفيق صدقي، وكان قد طعن في حديث الذباب فكفّره شيوخ الازهر بذلك كما هي عادتهم. [37] ـ «الاضواء» ص 304 إلي 306. [38] ـ يثبت الشيخ محمود أبو ريّة بقاطعيّة أنّ هذا الحديث هو بلفظه المذكور فحسب، وليس فيه كلمة (متعمّداً). وهذه الكلمة من إضافات الرواة ليجعلوا كذبهم علي النبيّ سهويّاً لا عمديّاً. [39] ـ انظر: «حاضر العالم الإسلاميّ» ج 1. ص 44 إلي 51؛ و«أضواء علي السنّة المحمّديّة» ص 320 و 321. الطبعة الثالثة. [40] ـ وقد أخرجه البخاريّ في باب قول الرجل: لاطوفنّ الليلة علي نسائي في آخر ص 176 من الجزء الثالث من صحيحه، في الورقة الاخيرة من كتاب النكاح. وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة ص 229 و 270 من الجزء الثاني من مسنده. [41] ـ كما أخـرجه البخاريّ عنه في ص 107 من الجـزء الرابع من صحيحه، في باب الاستثناء في الإيمان، من كتاب الإيمان والنذور. [42] ـ كما أخرجه البخاريّ بالإسناد إليه في ص 165 من الجزء الثاني من صحيحه في باب قوله تعالي: وَوَهَبْنَا لِدَاوُ و دَ سُلَيْمَـ'نَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ و´ أَوَّابٌ. (الآية 30. من السورة 38: ص) من كتاب بدء الخلق. [43] ـ كما أخرجه مسلم بالإسناد إليه في باب الاستثناء من كتاب الإيمان، ص 23 من الجزء الثاني من صحيحه، وأخرج مسلم أيضاً في ذلك الباب نفسه حديثاً من طريق آخر عن أبي هريرة أنّهنّ سبعون، وأخرج فيه من طريق ثالث أنّهنّ تسعون فراجع. [44] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين، ص 69 و 70. الطبعة الثالثة. [45] ـ أوردناه بلفظ مسلم وقد أخرجه عن أبي هريرة بطرق كثيرة في باب فضائل موسي من كتاب الفضائل من صحيحه ص 309. من الجزء الثاني، وأخرجه البخاريّ في باب وفاة موسي من كتاب بدء الخلق بعد حديث الخضر بأقلّ من صفحتين من صحيحه، فراجع ص 163 من الجزء الثاني، وأخرجه أيضاً في باب من أحبّ الدفن في الارض المقدّسة من أبواب الجنائز من صحيحه، فراجع ص 158 من الجزء الاوّل. [46] ـ «مسند أحمد» ج 2. ص 315. [47] ـ وذلك حيث ذكر وفاة موسي في كتابه «تاريخ الاُمم والملوك». [48] ـ لو أنّ ملك الموت كان يأتي عياناً قبل وفاة موسي لطفحت به الاخبار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فما بال المحدّثين والمؤرّخين وأهل الاخبار من جميع الاُمم أغفلوا هذا الخبر لو كان له أثر ؟ وما بال القصّاصين والمخرّفين ما حام خيالهم حوله، فهل تركوا الامتياز به لابي هريرة ؟! [49] ـ إشارة إلي الآية 45. من السورة 5: المائدة. وقد وجدنا في الفقرة ( 23 ) من الإصحاح ( 21 ) من إصحاحات الخروج من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصاري في هذه الايّام ما هذا لفظه: إنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ وَعَيْناً بِعَيْنٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ وَيَدَاً بِيَدٍ وَرِجْلاً بِرِجْلٍ وَكَيّاً بِكَيٍّ وَجَرْحاً بِجَرْحٍ وَرَضّاً بِرَضٍّ. [50] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين، ص 70 إلي 72. [51] ـ أوردناه بلفظ مسلم، إذ أخرجه عن أبي هريرة بطرق كثيرة فراجع باب فضائل موسي، ص 308 من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه البخاريّ في الباب الذي هو بعد حديث الخضر من صحيحه، ص 162 من الجزء الثاني، وفي ص 42 من الجزء الاوّل في باب مَنِ اغتسل عرياناً من كتاب الغسل، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة فراجع ص 315 من الجزء الثاني من مسنده. [52] ـ الآية 69. من السورة 33: الاحزاب. [53] ـ «أبو هريرة» للسيّد شرف الدين ص 73 إلي 75. الطبعة الثالثة. وأجاب هذا السيّد العظيم فقيدُ العلم نفس الجواب في رسالته «إلي المجمع العلميّ بدمشق» ص 72. [54] ـ جاء في «أقرب الموارد»: العَدْوَي: الفساد، وما يُعدي من جَرَبٍ وغيره، أي: يسري من واحدٍ إلي آخر. والطِّيَرَة: ما يتشاءم به من الفال الرديء. والهَامَة: طائر صغير من طير الليل يألف المقابر. وقيل: هو الصدي للطائر الذي يخرج من رأس الميت في زعمهم. ج هامٌ و هَامَات. أجل، الجهلاء يتطيّرون ويرون ذلك مؤثّراً في أُمورهم، ويتطيّرون بالصدي والهامة. وهو ما لا أصل له وقد قطع النبيّ دابر ذلك وطلب منّا ألاّ نهتمّ بكلّ ما يُفضي إلي التطيّر، وأن نمضي في أعمالنا ! ولا حقيقة للتطيّر غير أنّه يمثّل النيّة السيّئة للنفوس، وعلي المسلم أن لا يرتّب أثراً عليه. إذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ. وأمّا العَدْوَي فهي صحيحة ولها حقيقتها، وتعني انتقال الداء من مريض ملوّث بالجراثيم إلي إنسان سالم كالجدري، والهيضة، والطاعون، والجرب، والتدرّن الرئويّ، والتراخـوما، وغيرها من الامراض المعـدية. ويُلزم الإسلام باجتـنابها. وكلمة النبيّ صلّي الله عليه وآله لاَ يوردنْ ممرضٌ علي مصحّ معجزة واضحة توصّل إليها العلم الحديث باكتشاف الجراثيم وطريق عدواها من المريض إلي السليم سواء عن طريق الطعام والشراب أم عن طريق الهواء والتنفّس أم عن طريق الاشعّة فوق البنفسجيّة. وبلغت هذه الاُمور مستوي البداهة. ومن هنا نفهم كم ضرّت الإسلام والمسلمين موضوعات أبي هريرة وأمثالها المنسوبة إلي النبيّ والمختلقة علي لسانه ! وكم ضرّت العلم والثقافة بأضرارها البالغة ! [55] ـ رواه البخاريّ ومسلم عن أبي هريرة، ورواية مسلم: لا يورد. [56] ـ في ذهابه إلي الشام سنه 8 ه. ولمّا وصل إلي سرع أُخبر بأنّ الوباء قد وقع بالشام فرجع بالناس. [57] ـ «شيخ المضيرة أبو هريرة» ص 125 و 126. وانظر: «فتح الباري»، ج 10. ص 198 و 199. «جامع ابن وهب» ص 104. الذي نشره المعهد العلميّ الفرنسيّ بالقاهرة سنة 1919 م. وفي «أقرب الموارد»: رَطِنَ لَهُ يَرْطُنُ رَطَانَةً بالفتح ويُكسر: كلّمه بالاعجميّة.
|
|
|