|
|
الصفحة السابقةالثقافة الشيعيّة أساس الثقافاتوتحدّث مغنيّة أيضاً تحت عنوان « أدب الشيعة في الشعر وخدمته للادب العربيّ » عن الاحاسيس والعواطف وتصاعد الغضب والمحن التي حلّت بالشيعة وقد جسّدها شعراؤهم في قالب النثر والنظم أمثال: دعبل، وابن الروميّ، وأبي فراس الحمدانيّ. وقد أضفوا علي العربيّة وأدبها حُلّةً جميلة وخلعةً رائعةً حقّاً، وواصل كلامه، إلي أن قال: ونختم هذا الفصل بكلمتين: احداهما لمحمّد سيّد كيلاني قالها في كتابه « أثر التشيّع في الادب العربيّ » ص 22 ، طبعة القاهرة، لجنة النشر للجامعيّين: جاء الادب الشيعيّ صورة صادقة لما وقع علي العلويّين من اضطهاد. فقد قُتل عليّ وأصبح آله يُستذلّون، ويضامون، ويُقصون ويمتهنون، ويُحرَمون ويُقتلون، ويخافون ولا يأمنون علي دمائهم ودماء أوليائهم، فقُتل أنصار عليّ في كلّ قطر وكلّ مصر وعُذّبوا تعذيباً مرّاً، قطعت منهم الايدي والارجل. ومن ذكر عليّاً سُجن أو نُهب ماله أو هُدمت داره، وكان البلاء يشتدّ علي العلويّين يوماً بعد يوم. فمن دفن الناس أحياء إلي الصلب إلي الحرق إلي الحبس ومنع الهواء والاكل والماء عن المحبوس، حتّي يقضي نحبه جوعاً وعطشاً. وكانوا يصلّبونهم ويتركونهم حتّي تنبعث منهم الروائح الكريهة، ثمّ يحرّقونهم ويذرّونهم في الهواء وحرّموا علي الناس أن يسمّوا أبناءهم عليّاً أو حسناً أو حسيناً. وكان العبّاسيّون أشدّ كرهاً للعلويّين من الامويّين وأعظم بغضاً، فأمعنوا فيهم قتلاً وحرقاً، واضطهاداً وتعذيباً، فأمر المنصور، فحُمل إليه من المدينة كلّ من كان فيها من العلويّين مقيّدين بالسلاسل والاغلال، ولمّا وصلوا إليه حبسهم في سجن مظلم لا يُعرف فيه ليل من نهار، وكان إذا مات أحدهم ترك معهم، وأخيراً أمر بهدم السجن عليهم، وفي ذلك يقول أحد شعراء الشيعة: واللَهِ مَا فَعَلَتْ أُمَيَّةُ فِيهِمُ مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بَنُو العَبَّاسِ وقال أبو فراس: مَا نَالَ مِنْهُمْ بَنُو حَرْبٍ وَإنْ عَظُمَتْ تِلْكَ الجَرَائِمُ إلاَّ دُونَ نَيْلِكُمُ وقال الشريف الرضيّ: أَلاَ لَيْسَ فِعْلُ الاَوَّلِينَ وَإنْ عَلاَ عَلَي قُبْحِ فِعْلِ الآخِرِينَ بِزَائِدِ وقد بالغ الرشيد في التنكيل بالعلويّين، ولم يخفّ الضغط عليهم إلاّ حين ضعـفت الخـلافة العبّاسـيّة، وأصبح السـلطان الفعـليّ في المـمالك الإسلاميّة للترك والديلم وبني حمدان. كلّ هذه النكبات قد أثّرت تأثيراً كبيراً في الادب الشيعيّ نثره وشعره. والثانية لعبد الحسـيب طه حمـيدة قالها في كتاب « أدب الشـيعة » ص 328 ، طبعة 1956 م: في الحقّ أنّ حركة التشيّع أغنت الادب العربيّ إلي حدّ كبير، وساهم أُدباؤه في بناء النهضة الادبيّة مساهمةً مشكورةً بما انتحوا من أدب وأثاروا من خصومة. وقد رأينا كيف كان الادب الشيعيّ جزل اللفظ، محكم النسج، رصين العبارة، صادق الاداء... صورة ناطقة لنفسيّات قومه وعواطفهم وسجلاّ خالداً لحياتهم وعقائدهم، وتصويراً رائعاً لما أصابهم من محن وحلّ بساحتهم من نكبات. وعلمنا مصادر الإلهام لهذا الادب الكريم، فهو نتاج عاطفتـين: عاطفة الحـزن، وعاطفة الغضـب، وخلاصـة ثقافات مخـتلفة، عربـيّة وأعجـميّة، مزجـها الإسلام روحاً ومعـني، ونقل أصحابـها ذاتاً ووطـناً، وأخضعهم لسلطانه إخضاعاً تداخلت به اللغات والافكار والعقائد. ... ثمّ كان الادب الشيعيّ أصدق ما تمثّلت فيه هذه الثقافات، إذ كان الحزب الشيعيّ لاسباب سياسيّة ودينيّة أكبر حزب جمع هذه العناصر، فأغني بذلك النتاج الشيعيّ، وكان الادب الناتج عنهم أدباً غزيراً قويّاً تصدره عاطفة وقلب وعقل، وتتضح عليه ثقافات العراق المعرّقة في الرقيّ المتعدّدة المشارب، فاستفاد الادب العربيّ من هذه الناحية، وعزّزت مادّته، واتّسعت معانيه وأغراضه. تري ذلك واضحاً في هذه العقائد الشيعيّة التي شرحناها قبلاً، ورأينا أثرها في الادب، وأدركنا إلي أيّ حدّ كان التشيّع مجازاً لنقل هذه العقائد المخـتلفة إلي الحياة العربيّة، والعقلـيّة العربـيّة، والادب العربيّ، وتلك ولا شكّ مساهمة في المجهود الادبيّ لم تكن لولا التشيّع. وأُخري من ناحية التأثير أنّ الموقف الذي وقفته الدولة من الشيعة من شأنه أن يُلهب العاطفة، ويُثير الوجدان، ويخلق فنّاً جديداً من القول، ومسرحاً جديداً للخيال، وقد تمثّل ذلك في الادب السياسيّ والعاطفيّ. وظهر أوّل ما ظهر، وأقوي ما ظهر في الادب الشيعيّ، أدب النفس الثائرة والعاطفة الصادقة والحبّ المتأجّج، أدب العقيدة، كما قلنا، فبني الشيعة بذلك ركناً من الحضارة الادبيّة باذخاً وشديداً، وكان لهم أكبر الفضل في النهوض بهذه الناحية العاطفيّة والسياسيّة.[1] في وقـت كان الادب الرسـميّ فيه تطـغي عليه الرغـبات المادّيّـة والمعنويّة وتصرفه عوامل الرجاء والخوف، وتلهب نفوس أصحابه سيّئات العطايا. وإنّك لتلمس ذلك فيما صوّره الشيعة من آلام، وشرحوا من حُجَج، وكشفوا من مظالم، وأثاروا من أحقاد، دفاعاً عن عقيدتهم وجهاداً في سبيل قضيّتهم.[2] وتحدّث مغنيّة عن الوليد وسليمان نجلَي عبد الملك بإيجاز، وذكر استبانة نتائج الانحراف عن الولاية والثمرة الخبيثة للشجرة الملعونة، ولِلَّبنة المعوجّة لاوّل نقطة لانتهاك القرآن الكريم والنبيّ العظيم والاولياء الابرار من ذرّيّته. وهذه سلسلة متّصلة. جرائم الوليد بن عبد الملك وولاته الوليد بن عبد الملك مات عبد الملك سنة ستّ وثمانين هجريّة. وكانت ولايته إحدي وعشرين سنةً، وشهراً ونصفاً وتولّي بعده ابنه الوليد. قال المسعوديّ: كان الوليد جبّاراً عنيداً، ظلوماً غشوماً. وكان قد أوصاه أبوه أن يكرم الحجّاج ويلبس جلد نمر، ويضع سيفه علي عاتقه، فمن أبدي ذات نفسه ضُربت عنقه. ونفّذ الوليد وصيّة الوالد، فأطلق يد الحجّاج بالتقتيل والتنكيل، تماماً كما فعل أبوه، وفي أيّام الوليد قتل الحجّاج سعيد بن جبير. وروي ابن الاثير حكاية تدلّ علي مكانة الحجّاج عند الوليد، وقرب منزله منه، قال: مرض الوليد مرضة أُغمي عليه يوماً، وظنّوا أنّه قد مات، ولمّا بلغ الخبر إلي الحجّاج شدّ في يده حبلاً إلي إسطوانة، وقال: اللهمّ طالما سألتك أن تجعل منيّتي قبل الوليد. وحين أفاق الوليد قال: ما أجد أشدّ سروراً بعافيتي من الحجّاج! وكان عمر بن عبد العزيز والياً علي المدينة من قبل الوليد، وكان ملجأً لكلّ مظلوم يأوي إليه الهاربون من ظلم الحجّاج في العراق، فكتب كتاباً إلي الوليد يشكو عسف الحجّاج وإعتداءه علي أهل العراق، فعزله الوليد إرضاءً للحجّاج ولم يكتف بذلك بل طلب من الحجّاج أن يسمّي من يشاء لتولية الحجاز فأشار عليه بالجلاّد خالد بن عبد الله القسريّ، فوّلاه علي مكّه المكرّمة. قال ابن الاثير في حوادث سنة تسع وثمانين: في هذه السنة ولي خالد بن عبد الله القسريّ مكّة، فخطب أهلها، وقال: أيّها الناس أيّهما أعظم خليفة الرجل علي أهله ـ أي الوليد أو رسوله إليهم ـ أي إبراهيم ؟! والله لم تعلموا فضل الخليفة... إنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقاه، فسقاه ملحاً أُجاجاً واستقي الخـليفة فسـقاه عذباً فراتاً ـ يعـني بالملـح زمزم، وبالفرات بئر حفرها الوليد وكان خالد ينقل ماء البئر التي حفرها الوليد، ويضعها في حوض إلي جنب زمزم ليعرف فضله علي زمزم، فغارت البئر وذهب ماؤها. وقال صاحب « الاغاني » ج 19 ، ص 59 وما بعدها: إنّ خالداً هذا كان يسـمّي ماء زمزم أُمّ الجِعْلاَن[3] وأنّه صعد المنبر، وقال: إلَي كَمْ يَغْلِبُ بَاطِلُنَا حَقَّكُمْ ؟!... أَمَا آنَ لِرَبِّكُمْ أَنْ يَغْضِبَ لَكُمْ ؟!... لَوْ أَمَرَنِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ نَقَضْتُ الكَعْبَةَ حَجَراً وَنَقَلْتُهَا إلَي الشَّامِ ! وَاللَهِ لاَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَكْرَمُ عَلَي اللَهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ. ثمّ قال صاحب « الاغاني » : كان خالد زنديقاً، وأُمّه نصرانيّة، فكان يُولي النصاري والمجوس علي المسلمين، ويأمرهم بامتهانهم وضربهم، وقد أباح للنصاري أن يشتروا الجواري المسلمات وينكحوهنّ. وقال المستشرق الالمانيّ فلهوزن في كتاب « تاريخ الدولة العربيّة » ص 319 : إنّ خالداً حين أصبح والياً بالكوفة بني لاُمِّه كنيسة في ظهر قبلة المسـجد، وحُكيت عنه فضائح تقشـعرّ منها الابدان، وكان في حداثـته يتخنّث ويسعي بين الشباب والناس، وأنّه نال من كرامة الكعبة والنبيّ وأهل بيته والقرآن، وقال: لا يوجد رجلٌ عاقل يحفظ القرآن عن ظهر قلب. ثمّ قال فلهوزن: وإنّه زنديق كافر فاسق. وما كان الامويّون يركنون إلي أحدٍ، أو يولون أحداً إلاّ إذا كان كافراً علي شاكلتهم، يفضّلهم علي محمّد وجميع الانبياء والمرسلين. وبالتالي، فلا شيء أصدق في الدلالة علي طغيان الوليد من اعتماده علي الحجّاج، وإقراره علي ما كان عليه أيّام أبيه عبد الملك. سأل سليمان بن عبد الملك يزيد بن مسلم عن الحجّاج، وحاله يوم القـيامة، فقال له: يأتي غداً عن يمـين أبيك عبد الملك، ويسـار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت. سليمان بن عبد الملك مات الوليد سنة ستّ وتسعين، وكانت أيّامه تسع سنين وشهراً، وقام مكانه أخوه سليمان، وكان رجلَ طعامٍ ونكاحٍ. قال المسعوديّ: كان سليمان صاحب أكلٍ كثيرٍ يجوز المقدار... يأكل في كلّ يوم مائة رطلٍ[4] عراقيّ، وكان ربّما أتاه الطبّاخون بالسفافيد ـ حديد يُشوي عليه اللحم التي فيها الدجاج المشويّة، فيلتهمها، وكان يقبض علي الدجاجة بكمّه وهي حارّة فيفصلها ! وخرج يوماً من الحمّام، فاستعجل الطعام فقُدِّم له عشرون خروفاً فأكل أجوافها كلّها مع أربعين رقاقة، ثمّ قرب بعد ذلك الطعام، فأكل مع ندمائه، كأنّه لم يأكل شيئاً. وكان يتّخذ سلال الحـلوي، ويجـعلها حول مرقده فإذا أفاق من نومه يمدّ يده فلا تقع إلاّ علي سلّةٍ يأكل منها. وبقي سليمان في الحكم سنتين وأشهراً، ولو امتدّت به الحياة لفعل مثل ما فعلوه، ومع ذلك فقد أقرّ ولاية خالد بن عبد الله القسريّ خليفة الحجّاج في القسوة والبغي. قال صاحب « العقد الفريد » في ج 4 ، ص 191 ، طبعة 1953 م: صعد خالد المنبر يوم الجمعة، وهو والي مكّة في عهد سليمان، فذكر الحجّاج وأثني عليه. وقتل سليمان الفاتح العربيّ الكبير موسي بن نصير الذي فتح بلاد المغرب كلّها والاندلس، إسبانيا والبرتغال اليوم، قتله لأنّه أعطي الغنائم للوليد ولم يؤخّرها إلي أن يتولّي سليمان الحكم، وقتل قتيبة بن مسلم الذي امتدّت فتوحاته من بلاد فارس إلي الصين، وسبب قتله أنّه وافق الوليد علي خلع سليمان من ولاية العهد. وبالجـملة، إنّ سليمان لا يخـتلف في شيء عمّن تقـدّمه من حكّام أُميّة، غير أنّ الظروف لم تُمهله، حتّي يفعل أكثر ممّا فعل، ويدلّ علي ذلك أنّ معاوية بن أبي سفيان ذُكر في مجلسه فصلّي علي روحه، وأرواح من سلف من آبائه، وقال: والله ما رُئي مثل معاوية ! ترحّـم سليـمان علي معاوية، وصلّي علي روحه ، لأنّه لم ير أحداً أقدر منه علي المكر والخيانة ، ولا أجرأ علي العسف والظلم. هذه هي الروح الحقيقيّة للامويّين لا يعجبها شيء إلاّ الخداع والبهتان والجور والطغيان.[5] وقال الشيخ مغنيّة أيضاً في الشيعة ومعاوية أيّام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. ثأر معاوية المزيّف لدم عثمان ذريعة للتسلّط معاوية إنّ لمعاوية مآثر لا يُحصي عديدها، منها: أنّه ملعون علي لسان الله ونبيّه. فلقد فسّر المفسّرون الشجرة الملعونة في القرآن ببني أُميّة. ورآه النبيّ يوماً يقود أخاه يزيد، فقال: لَعَنَ اللَهُ القَائِدَ وَالمَقُودَ . ومنها: أنّه يموت علي غير الإسلام برواية عبد الله بن عمر الذي قال: سمعتُ رسول الله يقول: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَي غَيْرِ سُنَّتِي ! فطلع معاوية. ومنها: أنّه رأس الفئة الباغية التي قتلت عمّاراً. ومنها: أنّه ابن من قاد الحروب ضدّ الرسول وأنّه ابْنُ آكِلَةِ الاكْبَادِ. ومنها: أنّه شرب الخمر، وهو يحكم باسم الإسلام. (« دلائل الصدق » ج 3 ، ص 213 ، نقلاً [6] عن « مسند أحمد ») . ومنها: إلحاق ابن السفاح بغير أبيه. ومنها: دسّه السمّ بالعسل لقتل الاولياء والصلحاء، وقوله: إنَّ لِلَّهِ جُنُوداً مِنْ عَسَلٍ. ومنها : جمعه اللصوص وقطّاع الطرق ، ومدّهم بالقوّة والسلاح للسلب والنهب، وقتل النساء والاطفال، وإحراق البيوت علي أهلها. ومنها: تفنّنه في المكر والكذب والخداع. ومنها: كرهه الشديد لاهل الحقّ والعدل. ومنها: إعلانه السبّ واللعن لاولياء الله. ومنها: تحويله الخلافة إلي وراثة. لهذه الاسباب ولغيرها لم يجد معاوية ما يتذرّع به لطلب الخلافة من سابقةٍ أو منقبة أو حديث إلاّ قول الرسول الاعظم: لاَ أَشْبَعَ اللَهُ لَهُ بَطْناً.[7] فانتحل دم عثمان، ونشر قميصه مع أصابع زوجته نائلة علي المنبر، وأسعفته عائشة وجملها، وقطام وابن ملجمها، والخوارج ومروقهم، وأهل الشام وغباوتهم، وأهل العراق وتخاذلهم، والطامعون وأساليبهم، وصلابة الإمام في دينه، ومعاوية في كفره. كلّ هذه وما إليها كانت عوامل هامّة وفعّالة في وصول معاوية إلي الخلافة، وتسميته بداهية العرب. لقد انتفع معاوية بالظروف والمناسبات، وكان أهمّها قميص عثمان الذي أصبح مضرب الامثال. قال المستشرق الالمانيّ يوليوس فلهوزن في كتاب « تاريخ الدولة العربيّة » ص 129 ، طبعة 1958 م: « كان الثأر لمقتل عثمان هو الاساس الذي بني عليه معاوية حقّه في وراثة الخلافة، أمّا بأيّ معني قام الثأر لعثمان فهو يتجلّي في أنّه من أجل ذلك اتّحد مع عمرو بن العاص الذي ألّب علي عثمان أخبث تأليب، ولم تكن التقوي ولا البرّ بعثمان باعثاً لمعاوية » . دافع عليّ عن عثمان، وحرّض علي قتله طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية، وابن العاص. ولمّا قُتل ثاروا علي الإمام، وطالـبوه بدمه، فقُتل طلحة، والزبير، وعُقر الجمل، وآبت صاحبته بالخذلان، وسلم معاوية، وابن العاص بعد أن رفعا المصاحف . ولولاها لوردا مورد الجمل وأصحابه. ورجع معاوية من صفّين ليدبّر الاغتيالات والغارات ضدّ عليّ وشيعته. غارات معاوية علي الولايات الخاضعة لحكومة أمير المؤمنين غارات القتل والتخريب كانت الامصار الإسلاميّة بكامل أطرافها في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام ما عدا الشام، حيث يوجد معاوية. فالعراق والحجاز واليمن ومصر وفارس وغيرها كان عليها ولاة يحكمونها ويديرون شؤونها من قبل الإمام. فجمع معاوية حوله الاشقياء الجلاّدين، والبغاة من قطّاع الطرق والمخرّبين أمثال النعمان بن بشير، ويزيد بن شجرة، وعبد الرحمن بن قباث، وزهير بن مكحول، ومسلم بن عقبة، وسفيان بن عوف، وبسر بن أرطاة، والضحّاك بن قيس، وغيرهم وغيرهم، وأمدّهم بالخيل والرجال، والسلاح والمال، وأمرهم بالغارة علي البلاد الآمنة التابعة للإمام، وأوصاهم أن ينشروا الفوضي والفساد، ويحدثوا التخريب والذعر.
سفيان بن عوف الغامديّ دعا معاوية سفيان بن عوف، وقال له: إنّي موجّهك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات، حتّي تمرّ بهيت فتقطعها فإن وجدت بها جنداً فأغر عليها، وامض، حتّي تغير علي الانبار، فإن لم تجد بها جنداً، فامض حتّي توغل المدائن، ثمّ أقبل إليَّ، واتّق أن تقرب الكوفة، واعلم أ نّك إن أغرت علي الانبار وأهل المدائن، فكأ نّك غرت علي الكوفة، إنّ هذه الغارة يا سفيان علي العراق ترعب قلوبـهم، وتُفرح كلّ من له فينا هدي منهم، وتدعو إلينا كلّ من خاف الدوائر، فاقتل من لقيته ممّن ليس علي مثل رأيك، واخرب كلّ ما مررت به من القري، واحرب الاموال فإنّ حرب الاموال ـ أي: اسلبها ـ شبيهة بالقتل وهو أوجع للقلب... (« شرح ابن أبي الحديد » ج 1 ، ص 144 ، الطبعة القديمة ) . وامتثل سفيان أمر سيّده، فحمل بخيله علي الآمنين، وملا البيوت والازقّة بجثث القتلي. وحمل ما وجد من الاموال، ورجع إلي معاوية، وقال له فيما قال: وَاللَهِ مَا غَزْوَةٌ أقَرَّ لِلْعُيُونِ وَلاَ أَسَرَّ لِلْنُّفُوسِ مِنْهَا، وَلَقَدْ أَرْعَبْتُ قُلُوبَ النَّاسِ ! فقال له معاوية: كُنْتَ عِنْدَ ظَنِّي بِكَ ! وندب الإمام أهل الكوفة لدفع العدوان عنهم، فتثاقلوا، فخرج وحده يمشـي راجلاً، فلحـق به قوم، وقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين، ونحن نكفيك، فقال: ما تكفوني ولا تكفوا أنفسكم، فلم يزالوا به حتّي صرفوه إلي منزله، وهو واجم كئيب. ثمّ خاطبهم بخطبة جاء فيها: ... أَلاَ وَإنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلَي قِتَالِ هَؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرَّاً وَعَلاَنِيَةً، وَقُلْتُ لَكُمْ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ. فَوَاللَهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلاَّ ذَلُّوا ! فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّي شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاَوْطَانُ ! وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ ـ أَي سُفْيَانُ ـ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاَنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانِ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَـالِحِهَا. وَقَدْ بَلَغَـنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَي المَرأَةِ المُسْلِمَةِ وَالاُخْرَي المُعَاهَدَةِ، فَينْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا ـ أي سَوَارَهَا ـ وَقَلاَئِدَهَا وَرِعَاثَهَا ـ القُرْطَ ـ مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ... . فَيَا عَجَبَاً ! وَاللَهِ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِنِ اجْتِمَاعِ هَؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَي بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ... . يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ! وَلاَ رِجَالَ ! حُلُـومُ الاَطْفَالِ، وَعُقُـولُ رَبَّـاتِ الحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَ نِّي لَمْ أَرَكُمْ، وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ... . قَاتَلَـكُمُ اللَهُ لَقَدْ مَلاَتُـمْ قَلْبِي قَيْحاً، وَشَحَـنْتُمُ صَدْرِي غَيْظاً... وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخِذْلاَنِ... وَلَكِنْ لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ ! [8] وهكذا ابتُلي الإمام بعدوّ كمعاوية يغدر ويفجر، ويستبيح الدماء، ونهب الامـوال وهتـك الاعراض، وبأصـحابٍ كأهل الكـوفة متـواكـلين متـخاذلين، يُغـزون في عقر دارهم فيـذلّون ويسـتكينـون، ويفـرّون ولا يكرّون !
الضحّاك بن قيس الفهريّ دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهريّ، وقال له: سِرْ حتّي تمرّ بناحية الكوفة، وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الاعراب في طاعة عليّ، فأغر عليه، وإن وجـدتَ له مسـلحة أو خيلاً، فأغر عليـها، وإذا أصبحت في بلدٍ فأمسي في أُخري، ولا تقيمنّ لخيلٍ بَلَغَكَ أنّها قد سرّحت إليك لتلقاها فتقاتلها. ثمّ جهّزه بثلاثة آلاف إلي أربعة ( ابن أبي الحديد: ج 1 ، ص 154 ، الطبعة القديمة ) . وأنفذ الضحّاك أمر سيّده، وأسرف في القتل والفتك، والسلب والنهب، فكان يقتل كلّ من رآه في طريقه، وأغار علي قافلة الحجّاج، فأخذ أمتعتهم، ثمّ قتل جماعة، منهم العبد الصالح عمرو بن عميس بن مسعود، وهو ابن أخ عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله. ولمّا علم الإمام صعد المنبر، وقال: يا أهل الكوفة اخرجوا فقاتلوا عدوّكم، وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين. فردّوا عليه ردّاً خفيفاً، ورأي منهم فشلاً، ثمّ دعا حجر بن عديّ الكنديّ، فعقد له علي أربعة آلاف، فخرج يتعقّب الضحّاك، حتّي لقيه بناحية تدمر، فاقتتلوا ساعةً، فقُتل من أصحاب الضحّاك تسعة عشر رجلاً، ومن أصحاب حجر رجلان، فحجز الليل بينهم، فهرب الضحّاك إلي الشام لا يلوي علي شيء. وكانت عصابات معاوية تُغير علي أطراف الإمام، وتمعن في التخريب والتدمير، وتنقضّ علي الآمنين تقتل وتنهب وتحرق، وتنشر الرعب، حيث يخلو لها الجوّ، فإذا داهمها عسكر الإمام أسرعت في الفرار. غارات معاوية بتنفيذ النعمان بن بشير النعمان بن بشير النعمان وأبوه بشير بن سعد الانصاريّ أوّل من بايع أبا بكر من الانصار يوم السقيفة. ثمّ توالت بعده الانصار علي المبايعة. و كان النعمان عثمانيّاً مقرّباً عند معاوية وولده يزيد، وبقي حيّاً إلي خلافة مروان بن الحكم، ولمّا بويع لمروان بالخلافة كان النعمان والياً علي حمص، فدعا أهل حمص إلي مبايعة ابن الزبير فثاروا عليه وقتلوه، وذلك سنة 65 . ومن أخلاقه أنّه لمّا قتل عثمان أخذ قميصه وأصابع زوجته نائلة، وباعها إلي معاوية، وكان معاوية يعلّق القميص وفيه الاصابع يستثير بهما أهل الشام، فكانوا إذا رأوا القميص والاصابع يزدادون غيظاً، ثمّ ترك النعمان معاوية، وذهب إلي عليّ، ولكن لم يطب له المقام في بيئة التقوي والصلاح، فهرب إلي الشام حيث الضلالة والفساد، وهكذا تموت الخنافس من رائحة الزهور والعطور وتحيا في المزابل والمراحيض. وندب معاوية النعمان، وجهّزه بألفي رجل، وأمره بالغارة علي عين التمر في العراق، وأوصاه أن يقوم بالمناوشـات والغارات المفاجـئة، ويعـجّل الحرب، كما تفعـل اللصـوص والعصـابات. وأقبل النعـمان علي عين التمر وبها مالك بن كعب من قبل الإمام وليس معه سوي مائة رجل، فصمدوا للالفين، وقال مالك لاصحابه: قاتلوهم داخل القرية، واجعلوا الجُدُر إلي ظهوركم، واعلموا أنّ الله ينصر العشرة علي المائة، والمائة علي الالف، والقـليل علي الكثـير، وأنجـدهم قـوم بالقـرب منـهم من شـيعة أمير المؤمنين فانهزم النعمان ومن معه وولّوا هاربين إلي أرض الشام. وبعد مقتل الإمام عيّن معاوية النعمان بن بشير أميراً علي الكوفة، وكان أميراً عليـها من قبل يزيد، فعـزله، وعيّن مكانه عبـيد الله بن زياد حين قدم إليها مسلم بن عقيل، وربّما أتينا علي ذكر النعمان في الصفحات الآتية. غارات معاوية بتنفيذ بسر بن أرطاة بُسْرُ بن أرْطاة في يومٍ من أيّام صفِّين صعد الإمام إلي التلّ، ونادي بأعلي صوته: يا معاوية ! فأجابه. فقال الإمام: علامَ يقتتل الناس ؟! ابرز إليَّ، ودع الناس فيكون الامر لمن غلب. فقال ابن العاص لمعاوية: أنصفك الرجل. فضحك معاوية وقال: طمعت فيها يا عمرو، أي: في الخلافة.[9] فقال عمرو: ما يجمل بك إلاّ أن تبارزه. فقال معاوية: نلقاه بجمعنا. فقال ابن العاص: والله لاُبارزن عليّاً، ولو متّ ألف موتةٍ، ثمّ برز للإمام، وكان من أمر عورته ما يُغني عن ذكرها.[10] وكان في جيش معاوية فارس يُدعي أبا داود، فقال: إذا كره معاوية مبـارزة أبي الحسـن عليّ فأنا أبـرز له. ثمّ خـرج من بين الصَّفَّـين، وقال: أنا أبو داود ابـرز إليَّ يا أبا الحسـن. فتقـدّم عليّ، فنـاداه الناس ارجـع يا أمير المؤمنين عن هذا الكلب، فليس لك بخطر. فقال: دعوني، ثمّ حمل عليه، وضربه ضربة قطعته قطعتين سقطت إحداهما يمنةً، والاُخري يسري. فارتجّ العسكران لهول الضربة. وكان لابي داود ابن عمّ في عسكر معاوية، فصاح: واسوآه: قبّح الله البقاء بعدك يا أبا داود، وبرز للإمام، فألحقه بابن عمّه. كلّ هذا ومعاوية علي التلّ يُبصر ويشاهد، فقال: تبّاً لهؤلاء الرجال أما فيهم من يقتل عليّاً مبارزةً، أو غيلةً، أو في اختلاط الفيلق، وثوران الفقع. فقال له الوليد: ابرز إليه أنت، فإنّك أولي الناس بمبارزته. فقال معاوية: والله لقد دعاني للبراز حتّي استحييت من قريش، ثمّ التفت معاوية إلي بسر بن أرطاة، وقال له: أتقوم أنت لمبارزته ؟ فقال له بسر: ما أحد أحقّ بها منك، ومع ذلك فأنا له. وكان عند بسر ابن عمّ له قدم من الحجاز يخطب ابنته، فقال له: إيّاك أن تبارز عليّاً وما الذي يدعوك إلي ذلك ؟! قال صدر منّي وعد، وأستحي أن أرجع عنه، فضحك ابن عمّه منه، وقال أبياتاً، منها: كَأَ نَّكَ يَا بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ جَاهِلٌ بِآثَارِهِ فِي الحَرْبِ أَوْ مُتَجَاهِلُ مَتَي تَلْقَهُ فَالْمَوْتُ فِي رَأْسِ رُمْحِهِ وَفِي سَيْفِهِ شُغْلٌ لِنَفْسِكَ شَاغِلُ فقال بسر: هل هو إلاّ الموت ؟! وبرز بسر مقنّعاً بالحديد، ونادي: ابرز إليَّ أبا الحسن. فمشي الإمام إليه غير مكترث به، حتّي إذا قاربه طعنه، فسـقط علي الارض، فكشـف عورته، كما فعل ابن العاص من قبـله، فانصـرف عنه مدبـراً، فقال الاشـتر: هذا بسـر أتتـركه، وهو عدوّ الله وعدوّك ؟ فقال: دَعْهُ لَعْـنَهُ اللَهُ، أَبَعْدَ أَنْ فَعَـلَهَا ! وقال الشـاعر في عمرو وابن أرطاة أبياتاً ذكرها ابن أبي الحديد في ج 2 ، ص 301 ، منها: أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَارِسٌ تَنْدُبُونَهُ لَهُ عَوْرَةٌ تَحْتَ العَجَاجَةِ بَادِيَه يَكُفُّ بِهَا عَنْهَا عَلِيٌّ سِنَانَهُ وَيَضْحَكُ مِنْهَا فِي الخَلاَءِ مُعَاوِيَه قال ابن أبي الحديد في « شرح النهج » ج 1 ، ص 117 وما بعدها: كان بسر بن أرطاة قاسي القلب فظّاً سفّاكاً للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة. وقد جهزّه معاوية في ثلاثة آلاف، وقال له: سر حتّي تمرّ بالمدينة فاطرد الناس، وأخِفْ من مررت به، وانهب أموال كلّ من أحصيت له مالاً، ممّن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المديـنة فأرهم أ نّك تريد أنفسـهم، وأخبـرهم أنّه لا براءة لـهم عنـدك ولا عذر. بهذه النصائح كان معاوية يزوّد عصابات الإرهاب، قال لسفيان بن عوف ـ كما أسلفناه : اقتل من لقيته، وأخرِبْ كلّ ما مررت به، وانهب الاموال ! وقال لبسـر: اطرد الناس، وأخف وانهـب، وبمـثل ذلك أمر الضـحّاك وغير الضـحّاك؛ ومضـي هؤلاء اللصـوص ينفّـذون أمر سيّـدهم ويُضيفون إليه من لؤمهم وحقدهم علي الإنسانيّة الكثير من الفتك والسفك. ووصل بسر إلي المدينة المنوّرة، فشتم أهلها وتهدّدهم وتوعّدهم، وأحرق دوراً كثيرة، منها دار زرارة بن حرون، ودار عمرو بن عوف، ودار رفاعة ابن رافع الرزقيّ، ودار أبي أيّوب الانصاريّ صاحب منزل رسول الله صلّي الله عليه وآله ( ابن أبي الحديد: ج 1 ) . قال المسعوديّ ( ج 3 ، ص 31 ، طبعة 1948 م ) : قتل بسر بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً من خُزاعة وغيرها ، وكذلك بالجرف قتل خلقاً كثيراً من رجال همدان، وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً. وقال المسعوديّ: ولمّا بلغ الخبر عليّاً أنفذ جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين وحين علم بُسر بخبر جارية فرّ هارباً. اتّخذ معاوية خطّة الغارات المفاجئة والهجوم الخاطف، ثمّ الفرار والمواراة عن الانظار، واتّخذ الإمام خطّة الدفاع، ولكنّه دفاع بطيء بطء المواصلات يومذاك. وقبل أن يغادر بسر مدينة الرسول استخلف علي أهلها أبا هريرة، وأوصاهم بطاعته، وأبو هريرة هذا الذي نصّ عليه بُسر « بالخلافة » من بعده رأي وشاهد البدع والاحداث التي أحدثها بسر في مدينة الرسول الاعظم، وهو بالذات الذي وثّقه أصحاب الصحاح، ورووا عنه الكثير. وقد يكون السبب لتوثيقه وتصحيح حديثه روايته عن نبيّ الرحمة: إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَماً، وَإنَّ حَرَمِي بِالمَدِينَةِ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّاً أَحْدَثَ فِيهَا ! وتأريخ رواية هذا الافتراء متأخّر عن غزوة بسر للمدينة واستخلافه أبا هريرة بعده. عليّ الذي قال عنه الرسول: لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُ إلاَّ مُنَافِقٌ. عليّ في منطق أبي هريرة قد أحدث في المدينة. أمّا معاوية الذي مات علي غير سنّة محمّد ـ بشهادة عبد الله بن عمر معاوية هذا صان مدينة الرسول، ومنع عنها البدع والاحداث بشهادة بسر وخليفته أبي هريرة ! ترك بسر المدينة وتوجّه إلي مكّة، وقتل في طريقه بين حرم الله وحرم الرسول رجالاً، ونهب أموالهم، ولمّا بلغ خبره أهل مكّة هرب أكثرهم خوفاً من جوره وطغيانه ومرّ بنجران فقتل جماعةً، وقام خطيباً في أهلها. وقال: يا أهل نجران، يا معشر النصاري، وإخوان القرود، أما والله إن بلغني عنكم ما أكره لاعودنّ عليكم بالتي تقطع النسل، وتُهلك الحرث، وتخرب الديار، وقتل وهو ذاهب إلي صنعاء أباكرب، وكان من رؤوس الشيعة، وسيّد من كان في البادية مِن حمدان، وحين دخل صنعاء أعمل في أهلها القتل والسلب، وأتاه وفد من مأرب يستعطفه ويسترضيه، فقتل رجاله، وذبح طفلين صغيرين لعبيد الله بن العبّاس، وكانت أُمّهما تدور مذهولةً ناشرة شعرها، وتقول: هَا مَنْ أَحَسَّ بِابْنَيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا كَالدُّرَّتَيْنِ تَشظَي عَنْهُمَا الصَّدَفُ هَا مَنْ أَحَسَّ بِابْنَيَّ اللَّذَينِ هُمَا سَمْعِي وَقَلْبِي فَقَلْبِي اليَوْمَ مُخْتَطَفُ هَا مَنْ أَحَسَّ بِابْنَيَّ اللَّذَينِ هُمَا مُخُّ العِظَامِ فَمُخِّي اليَوْمَ مُزْدَهِفُ نُبِّئْتُ بُسْراً وَمَا صَدَّقْتُ مَا زَعَمُوا مِنْ قَتْلِهِمْ وَمِنَ الإفْكِ الَّذِي اقْتَرَفُوا أَنْحَي عَلَي وَدَجَي ابْنَيَّ مُرْهَفَةً مَشْحُوذَةً وَكَذَا الاثَامُ تُقْتَرَفُ مَنْ دَلَّ وَالِهَةً حَرَّي مُسَلَّبَة ً عَلَي صَبِيَّيْنِ ضَلاَّ إذْ مَضَي السَّلَفُ وكتب المغيرة بن شعبة إلي بسر كتاباً يشكره علي ما فعل،[11] ويقول فيه: جَعَلَنَا اللَهُ وَإيَّاكَ مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعْرُوفِ، وَالقَاصِدِينَ إلَي الحَقِّ وَالذَّاكِرِينَ اللَهَ كَثِيراً. آمنتُ باللَهِ ! [12] حتّي الذين يعصون أوامره يتكلّمون باسم الله. وما أقوي وجوه الشبه في الطباع والخداع بين بسر والمغيرة، وبين الكثير ممّن نعرف اليوم من الذين يتكلّمون باسم الله جلّ وعلا علوّاً كبيراً. وصدق الذي قال: منطق معاوية ويزيد في ارتكاب الجرائم مَا اختَلَفَ النَّاسُ وَلَكِنِ اطَّرَدَ القِيَاسُ. أشرنا إلي أنّ الإمام أنفذ جارية بن قدامة إلي بسر، وأخذ جارية يسأل عنه، ويتعقّبه، وبسر يفرّ بين يديه من جهة إلي جهة، حتّي أخرجه من أعمال عليّ كلّها، ولكن بعد أن قطع النسل، وأهلك الحرث وخرّب الديار، وحين رجع بُسر إلي الشام. قال لمعاوية: إنّي سرتُ في هذا الجيش أقتل عدوّكَ ذاهباً جائياً. فقال له معاوية: اللَهُ فَعَلَ ذَلِكَ لاَ أَنْتَ. قال ولده يزيد للإمام زين العابدين: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَ أَبَاكَ . فقال له زين العابدين: لَعَنَ اللَهُ مَنْ قَتَلَ أَبِي . ونقول نحن: لَعَنَ اللَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ. قال ابن أبي الحديد ( ج 1 ، ص 121 ) : وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثـين ألفاً، وحرق قوماً بالنار... وكان مسـلم بن عقبة ليـزيد وما عمل بالمدينة في وقعة الحرّة، كما كان بسر لمعاوية وما عمل في الحجاز واليمن، وَمَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ. وسأل الإمام ربّه تعالي أن ينتقم من بسر في الدنيا بالجنون، فقال: اللَهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّي تَسْلُبَهُ عَقْلَهُ ! فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّي ذهب عقله، فكان الصبيان يتبعونه، ويعبثون به. بهذه البـدع والاحـداث، بانتـهاك حرم الله وحرم الرسـول، بقتل الرجال وذبح الاطفال، بسلب النساء أقراطها وخلاخلها، بهذه وما إليها قال المتقوّلون: مُعَاوِيَةُ أعْرَفُ مِنْ عَلِيٍّ بِالسِّيَاسَةِ. أجل، لا عليّ ولا غير عليّ أعرف من معاوية بالشرّ وضراوته فيه والإقدام عليه. ومن هنا كان سياسيّاً عظيماً عند أشكاله وأمثاله ![13] هذه هي جرائم معاوية في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فهلمّ وانظر جرائمه بعد استشهاد الإمام من نقض العهود التي أبرمها مع الإمام الحسن عليه السلام، ودسّ السمّ إليه، وسبّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد خطبة الجمعة في جميع أرجاء العالم، وتسليط المغيرة بن شعبة علي الكوفة، والامر بالتضييق علي الشيعة، ونصب زياد بن سُمَيَّة علي الكوفة والبصرة بعد المغيرة، والامر بإلقاء القبض علي الرجل البريء العابد الزاهد الناسك حجر بن عديّ الكنديّ وأصحابه وإشخاصهم إلي الشام وقتلـهم في مَرْج عَذْراء علي بعد أربعة فراسـخ عن دمشـق،[14] وقتـل عمرو ابن الحمق؛ وكان حُجر، وعمراً من صحابة رسول الله وأمير المومنين والحسنين عليهم السلام. ولحق أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين بأخيه خاتم المرسلين، وانعزل الإمام الحسن عليه السلام في بيته، وجري حكم معاوية في الاقطار الإسلاميّة جميعها بلا أمر من الله تعالي، وبدون أن يكون للاُمّة الخيرة من أمرها. وكان حكماً إمبراطوريّاً فرديّاً بلا منازع. ألم يجدر به أن يتغاضي عن مناوئيه في تلك الفترة، ويعفو عنهم، ويريحهم في حياتهم، وكذلك يعامل بالإحسان كافّة الموالين لاهل البيت الذين كانوا يرون أنفسـهم خاضعين لسـلطانه القاهر، ويرونـها كالطـير المهيض الجناح الملازم لقفصه قانعين بالحَبّ والماء، ويتصرّف كما هو شأن الساسة الكبار في العالم ؟ بَيدَ أنّه لم يَعْفُ، وزعم أنّه صاحب المقام، واتّهم جميع الموالين الذين سعوا من أجل عظمة الإسلام بالتخريب ومنافاة أُصول حكومته، وامتصّ دماءهم حتّي آخر قطرة لانتفاضاتهم ضدّ حكومته الجائرة الظالمة، ولم يرتومنها. لقد صفح أمير المؤمنين ابن أبي طالب عن عائشة، ومروان بن الحكم في معركة الجمل وعفا عنهما، وصفح عن عمرو بن العاص، وبُسر ابن أرطاة في معركة صفّين وأطلقهما، وسقي معاوية وجنده الماء لأنّه كريماً ابن كريم. إنّه ابن أبي طالب الذي قال بكلّ اقتدار حين آذته قريش لحمايته النبيَّ: قَابَلْتُ جَهْلَهُمُ حِلْماً وَمَغْفِرَةً وَالعَفْوُ عَنْ قُدْرَةٍ مِنْ أَفْضَلِ الكَرَمِ وكانت عائشة من المعارضين لقتل حُجر، وعاتبت معاوية علي ذلك، لكنّها استسلمت بعد ذلك وكفّت عن احتجاجها عليه بسبب سياسته الماكرة وعطاياه وكلماته الخادعة.[15] وتشفّع مالك بن هُبيرة السكونيّ إلي معاوية في حجر، فلم يقبل، وغضب علي معاوية، وجاء إلي مَرْج عَذْراء مع جماعة من كِنْدَة وسَكون ليخلّصوا السجناء بقوّة وشدّة، لكنّهم وصلوا في وقت كانوا قد قُتلوا فيه. وأرسل معاوية إليه مائة ألف درهم، وأعلمه أنّ قتل حجر فتح له الطريق إلي العراق مرّة أُخري بعد الجملتين السابقتين فهدأ مالك بن هُبيرة وسكت غضبه. شعر ابنة أبي الاسود في هديّة معاوية لابيها أمّا تحفه وهداياه وحلواه إلي أبي الاسود الدؤليّ صاحب مولي الموحّدين عليّ بن أبي طالب فقد رُفضت. نقل السيّد حسن الصدر عن القاضي نور الله المرعشيّ في « مجالس المؤمنين » أنّ معاوية بعث لابي الاسود هدايا فيها حلوي، فنظرت إليها ابنة أبي الاسود، فقالت لابيها: من أين هذه الهديّة ؟ فقال: بعث بها معاوية يخدعنا عن ديننا، فقالت البنت علي البديهة: أَبِالشَّهْدِ المُزَعْفَرِ يَابْنَ حَرْبٍ نَبِيعُ عَلَيْكَ أَحْسَاباً وَدِينَا مَعَاذَ اللَهِ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَمَوْلاَنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَا قال ابن خلّكان في « الوفيّات » بعد ترجمته لابي الاسود: وله ديوان شعر. ومن شعره: صَبَغَتْ أُمَيَّةُ بِالدِّمَاءِ أَكُفَّنَا وَطَوَتْ أُمَيَّةُ دُونَنَا دُنْيَانَا وأسند الشيخ منتجب الدين في كتاب « الاربعين » عن عليّ بن محمّد قال: رأت ابنة أبي الاسود الدؤليّ بين يدي أبيها خبيصاً ( حلوي مخلوطة معروفة ) فقالت: يا أبه ! أطعمني. فقال: افتحي فاك، ففتحت، فوضع فيه مثل اللوزة، ثمّ قال لها: عليكِ بالتمر فإنّه أنفع وأشبع. فقالت: هذا أنفع وأنجح، فقال: هذا طعام بعثه إلينا معاوية يخدعنا عن عليّ بن أبي طالب، فقالت: قَبَّحَهُ اللَهُ يَخْدَعُنَا عَنِ السَّيِّدِ المُطَهَّرِ بِالشَّهْدِ المُزَعْفَرِ ؟ تَبَّاً لِمُرْسِلِهِ وَآكِلِهِ ! ثمّ عالجت نفسها وقاءت ما أكلته منه، وأنشأت تقول البيتَين المتقدِّم ذكرهما. قال آية الله الصدر: وإنّما ذكرنا هذا الطريق لانّه من رواية الشيخ منتجب الدين بن بابويه.[16] شعر أبي الاسود الدؤليّ في رثاء أمير المؤمنين عليه السلامقال الملاّ جلال الدين السيوطيّ: أنشد أبو الاسود الدؤليّ في رثاء عليّ رضي الله عنه: أَلاَ يَا عَيْنُ وَيْحَكِ أَسْعِدِينَا أَلاَ تَبْكِي[17] أَمِيرَ المُؤْمِنِينَا وَتَبْكِي أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَيْهِ بِعَبْرَتِهَا وَقَدْ رَأَتِ اليَقِينَا أَلاَ قُلْ لِلْخَوَارِجِ حَيْثُ كَانُوا فَلاَ قَرَّتْ عُيُونُ الحَاسِدِينَا أَفِي الشَّهْرِ الصِّيَامِ فَجَعْتُمُونَا بِخَيْرِ النَّاسِ طُرَّاً أَجْمَعِينَا قَتَلْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا وَذَلَّلَهَا وَمَنْ رَكِبَ السَّفِينَا وَمَنْ لَبِسَ النِّعَالَ وَمَنْ حَذَاهَا وَمَنْ قَرَأَ المَثَانِي وَالمُبِينَا [18] وَكُلُّ مَنَاقِبِ الخَيْرَاتِ فِيهِ وَحِبُّ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَا لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ كَانَتْ بِأَ نَّكَ خَيْرُهُمْ حَسَباً وَدِينَا إذَا اسْتَقْبَلْتُ وَجْهَ أَبِيحُسَيْنٍ رَأَيْتُ البَدْرَ فَوْقَ النَّاظِرِينَا وَكُنَّا قَبْلَ مَقْتَلِهِ بِخَيْرٍ نَرَي مَوْلَي رَسُولِ اللَهِ فِينَا [19] يُقِيمُ الحَقَّ لاَ يَرْتَابُ فِيهِ وَيَعْدِلُ فِي العِدَي وَالاَقْرَبِينَا وَلَيْسَ بِكَاتِمِ عِلْماً لَدَيْهِ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنَ المُتَكَبِّرِينَا كَأَنَّ النَّاسَ إذْ فَقَدُوا عَلِيَّاً نَعَامٌ حَارَ فِي بَلَدٍ سِنِينَا فَلاَ تَشْمَتْ مُعَاوِيَةُ بْنَ صَخْرٍ فَإنَّ بَقِيَّةَ الخُلَفَاءِ فِينَا[20] التوسّل بآل محمّد ودعاء العهد لإمام الزمان عليه السلامأجل، إلي هنا تمّ الجزء الثامن عشر من كتاب « معرفة الإمام » الذي يؤلّف القسم الثاني من دورة العلوم والمعارف الإسلاميّة، وبهذا الجزء تنتهي دورة « معرفة الإمام » .[21] للّه الحمد وله المنّة إذ وفّقني لإنجاز هذه الدورة التي بدأت في مدينة طهران سنة ألف وثلاثمائة وإحدي وتسعين هجريّة، وختمت في مدينة مشهد المقدّسة جوار المولي الإمام الهمام عليّ بن موسي الرضا عليه وعلي آبائه وأبنائه الكرام أفضل الصـلوات والتحـيّات من الملـك الحيّ القيّـوم العلاّم يوم الجمعة الثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام، سنة ألف وأربعمائة وأربع عشرة هجريّة، وهذا من فضله وإنعامه إنّه ذو الفضل العظيم. وقد حاولت في هذه الدورة أن أقصر الحديث علي أصل ولاية مولي الموحّدين والمسائل العامّة المرتبطة بأُصول الإمامة. وسيق الكلام فيها عرضاً عن سائر الائمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومع أ نّي لم أدّخر وسعاً ولم آل جهداً في إعداد المطالب المنقّحة الثابتة، وكنتُ أحسب أنّي أستطيع، بهذه الموضوعات الفلسفيّة العقليّة القرآنيّة النقليّة والادلّة التأريخيّة وغيرها من المسائل الاجتماعيّة، أن أُميط اللثام عن وجهه ( وجه أمير المؤمنين عليه السلام ) المتألّق وأُعرّفه حقّ معرفته بَيدَ أنّي أجد أنّ ما أتيتُ به قطرةٌ من بحر وحصاةٌ من برّ، وذرّة من شعاع شمس ساطعة. والآن إذ تصرّم العمر وأوشكت شمس الحياة أن تأفل أشعر أ نّنا لم نعرف عليّاً حقّاً وحقيقةً ولم نخبر سرّه، ولم نكتسب من منهجه ومنهاجه علماً، ولم، ولم، ولم ! دور از حريم كوي تو شرمنده ماندهام شرمنده ماندهام كه چرا زنده ماندهام [22] صلّي الله عليك يا أبا الحسـن، صلّي الله علي روحـك وبدنـك، صلّي الله عليك وعلي زوجك وذرّيّتك ، صلّي الله علي شيعتك واللازمي مشيتك ومنهجك ! ومع أ نّنا متمرّغون في النعم الإلهيّة من أوّل العمر إلي آخره، بَيدَ أنّ جوهرتها الباقية لنا، وبها مسرورون مبتهجون مغتبطون هي حبّ هذا السيّد العظيم. مَنَايـحُ اللَهِ قَدْ جَـاوَزَتْ أَمَـلِـي فَلَيْسَ يُدْرِكُهَا شُكْرِي وَلاَ عَمَلِي لَكِـنَّ أَفْضَـلَهَا عِنْـدِي وَأَكْمَـلَهَا مَحَـبَّـتِي لاِمِيـرِ المُؤْمِنِينَ عَلِي [23]
بِمُحَـمَّدٍ وَوَصِـيِّهِ وَابْـنَـيْـهِـمَا الطَّـاهِـرِيـنَ وَسَـيِّـدِ العُـبَّــادِ وَمُحَـمَّدٍ وَجَعْـفَـرِ بْنِ مُحَـمَّـدٍ وَسَمِيِّ مَبْعُوثٍ بِشَاطِي الوَادِي وَعَلِيٍّ الطُّـوسِـيِّ ثُـمَّ مُحَـمَّـدٍ وَعَلِيٍّ المَسْـمُـومِ ثُـمَّ الهَـادِي حَسَـنٍ وَأتْـبَـعُ بَعْـدَهُ بِإمَـامَـةٍ لِلْقَائِـمِ المَبْعُـوثِ بِالمِـرْصَادِ[24] اللَهُمَّ بَلِّغْ مَوْلاَيَ صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ عَنْ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الاَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَسَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ وَعَنْ وَالِدَيَّ وَوُلْدِي وَعَنِّي مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالتَّحِيَّاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَمُنْتَهَي رِضَاهُ وَعَدَدَ مَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ. اللَهُمَّ إنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذَا اليَـوْمِ وَفِي كُلِّ يَـوْمٍ عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً فِي رَقْبَتِي. اللَهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْـرِيفِ وَفَضَّـلْتَنِي بِهَذِهِ الفَضِـيلَةِ وَخَصَصْتَنِي بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فَصَلِّ عَلَي مَوْلاَيَ وَسَيِّدي صَاحِبِ الزَّمَانِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ فَقُلْتَ: «صَفًّا كَأنّهم بُنْيَـ'نٌ مَّرْصُوصٌ»[25] عَلَي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ وَآلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. اللَهُمَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِيعُنُقِي إلَي يَوْمِ القِيَامَةِ.[26]
كتبه بيمناه الداثرة عبده الراجي غُفرانه ورضوانه السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ ارجاعات [1] ـ من الادب الشيعيّ البراءة من أعداء الله والرسول وأهل البيت، إذ يُلعن هؤلاء بعد الصلاة علي محمّد وآله . ونُذكّر أنّ البراءة من أعداء آل محمّد واللعنة عليهم من الموضوعات التي يدعمها الدليل والبرهان، وترتوي من الادلّة العقليّة والنقليّة البرهانيّة والشواهد الوجـدانيّة، ولا براء ولا ريب في رسوخـها. فالتشـيّع مع الموالاة بلا معاداة ليـس تشـيّعاً حقيقيّاً. والاستنفاع بلا دفعٍ للضرر عبث وهراء. والاختلاط بالصديق والعدوّ في بيتٍ واحد والمساواة بينهما في النظرة يعنيان دمار البيت. وكثير من العامّة ـ كابن أبي الحديد والمسعوديّ، وغيرهما الذين استجابوا للولاء تماماً لكنّهم قصّروا في البراءة من المخالفين والغاصبين ليسوا شيعةً. وكثير من الاشخاص الذين ألّفوا كتباً في مناقب الائمّة عليهم السلام كالحمّوئيّ، والزرنديّ، وابن الصبّاغ، والحاكم الحسكانيّ، وغيرهم ليسوا شيعة لأنّهم لا يخضعون لولاية أئمّة الشيعة، ولا يتّبعون منهاجهم، ولا يبرؤون من أعدائهم. قال المرحوم آية الله السيّد شرف الدين العامليّ في رسالته «إلي المجمع العلميّ بدمشق» ص 35 و 36:... فإنّ التشيّع من أوّل أيّامه إلي يوم القيامة ليس إلاّ التمسّك بالثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وأئمّة العترة الطاهرة؛ والانقطاع إليهما في أُصول الدين وفروعه، وفي كلّ ما يتّصل به، أو يكون حوله مع موالاة وليّهم في الله، ومعاداة عدوّهم في الله عزّ وجلّ. هذا هو التشيّع الذي كان عليه السلف الصالح منّا، والخلف البارّ من عهد عليّ وفاطمة بعد رسول الله حتّي يقوم الناس لربّ العالمين. [2] ـ «الشيعة والحاكمون» ص 179 إلي 182. [3] ـ في «أقرب الموارد» الجُعَل كصُرَد: ضرب من الخنافس تضرّ به ريح الورد. قال المتنبِّي: *كما تضرُّ رياح الورد بالجُعَلِ* [4] ـ قال في «أقرب الموارد»: الرطل بالفتح ويُكسر: اثنتا عشرة أُوقيَّة ـ انتهي. ولمّا كانت الاُوقيّة أكثر من ربع الكيلو قليلاً فانّ الحُقّة وهي أربع أوقيّات أكثر من الكيلو. والمائة رطل عراقيّ الذي كان يأكله سليمان كلّ يوم يزيد علي ثلاثمائة كيلوغرام. [5] ـ «الشيعة والحاكمون» ص 101 إلي 104. الطبعة الثانية. [6] ـ قال آية الله الحكيم الشيخ محمّد حسن المظفّر في كتاب «دلائل الصدق» ج 3. ص 212 و 213. القسم الاوّل، بوذرجمهري 1373 ه : ولا أعجب من عمر فإنّه أظهر الشكّ في معاوية ثمّ ما برح حتّي أوكل الامر إلي هواه، فقال: لاَ آمُرَكَ وَلاَ أَ نْهَاكَ ! وهل يشتبه علي عمر سوء أعمال معاوية وهو مهتوك الستر ؟ قال ابن أبي الحديد في شرح كتابٍ لامير المؤمنين إلي ابن العاص يقول فيه: فَإنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِيٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ مَهْتُوكٍ سِترِهِ... إلي آخره («شرح نهج البلاغة» ج 4. ص 60. الطبعة الثانية، وفي الطبعة الجديدة: ج 16. ص 131 ). قال: «أمّا مهتوك ستره، فإنّه كان كثير الهزل والخلاعة، صاحب جلساء وسمّار، ومعاوية لم يتوقّر، ولم يلزم قانون الرئاسة إلاّ منذ خرج علي أمير المؤمنين عليه السلام، واحتاج إلي الناموس والسكينة، وإلاّ فقد كان في أيّام عثمان شديد التهتّك، موسوماً بكلّ قبيح. وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه، إلاّ أنّه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضّة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاّة بهما، وعليهما جلال الديباج والوشي، وكان حينئذٍ شابّاً وعنده نزق الصبا وأثر الشبيبة، وسكر السلطان والإمرة. ونقل الناس عنه في كتب السيرة: أنّه كان يشرب الخمر فيأيّام عثمان بالشام. وأمّا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام واستقرار الامر له، فقد اختلف فيه. فقيل: إنّه شرب الخمر في سترٍ، وقيل: لم يشرب. ولا خلاف أنّه سمع الغناء، وطرب عليه، وأعطي، ووصل عليه». قال آية الله المظفّر بعد كلام ابن أبي الحديد الذي انتهي عند هذه النقطة: الظاهر شربه لها بعد استقرار الامر له في المسند(ج 5. ص 347 ) عن عبد الله بن بريدة الاسلميّ قال: دخلت أنا وأبي علي معاوية فأجلسنا علي الفرش، ثمّ أُتينا بالطعام فأكلنا، ثمّ أُتينا بالشراب، فشرب معاوية . ثمّ ناول أبي . قال : ما شربته منذ حرّمه رسول الله صلّي الله عليه وآله. فإنّ مثل بريدة لا يُغضي عن معاوية لولا خوفه منه واستقرار الامر له، مضافاً إلي ما فيتتمّة الحديث قال (أي: عبد الله): ثمّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجوده ثغراً، وما شيء كنت أجد له لذّة، كما كنت أجده وأنا شابّ، غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدّثني، فإنّ هذا الكلام ظاهر في بلوغه سنّ الشيخوخة، وذهاب اللذّات عنه، سوي لذّتَي اللبن والحديث الحسن، فلا يجد لذّة الخمرة ـ وقد شاخ ـ كما كان يجدها وهو شابّ، فيا سوأة له ولمن يواليه ! [7] ـ قال مغنيّة في الهامش: ذهب النسائيّ إلي دمشق ـ وهو أحد أصحاب الصحاح الستّة عند السنّة فقيل له: حدّثنا عن فضائل معاوية. فقال: أما يرضي معاوية رأساً برأس، حتّي يفضّل ؟! وقال: لا أعرف له فضيلة إلاّ لا أشبع اللهُ بطنه. فداسوه بالارجل، ومات بسبب ذلك. [8] ـ هذه الفقرات من الخطبة 27 للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة» اختار المرحوم مغنيّة بعضاً منها. وهي موجودة مع شرحها في «شرح نهج البلاغة» ج 1. ص 140 إلي 146. الطبعة القديمة، وفي الطبعة الجديدة: ج 2. ص 74 إلي 90. [9] ـ أي: أنت موقنٌ أنّ عليّاً يقتلني، فتجلس مكاني وتدّعي الخلافة. [10] ـ جاء في كتب التأريخ جميعها أنّ عمرو بن العاص عندما وقف أمام الإمام، رماه الإمام بسهمٍ فسقط إلي الارض. ولمّا ذهب الإمام ليقتله أدار ظهره ورفع قميصه وكشف عن عورته. فأغمض الإمام عينه وابتعد عنه. [11] ـ قال شيخ الملّة والدين الشيخ بهاء الدين العامليّ في «الكشكول» ج 4. ص 389. الطبعة الحجريّة (ج 2. جزء 3. ص 333. و 334. الطبعة المصريّة المحرّفة، دار إحياء الكتب العربيّة، تحقيق طاهر أحمد الزاويّ): دخلت سودة ابنة عمارة الهمدانيّة علي معاوية بعد موت أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه، فجعل يؤنّبها علي تحريضها عليه أيّام صفّين، وآل أمره إلي أن قال: ما حاجتكِ ؟ فقالت: إنّ الله مسائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقّنا، ولا زال يعدو علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدو سنادوس الحرمل، ويسومنا الخسف، ويُذيقنا الحيف. هذا بُشر * بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة، فإن عزلته عنّا شكرناك، وإلاّ كفرناك. فقال لها معاوية: إيَّايَ تُهَدِّدِين بقومك ! لقد هممتُ أن أحملك علي قَتَبٍ أشوسَ فأردّكِ إليه فينفّذ فيك حكمه. فأطرقت سودة ساعةً ثمّ قالت: صلّي الإلَهُ علي جسم تضمّنه قبرٌ فأصبح فيه العزّ مدفونا قد حالفَ الحقّ لا يبغي به بدلا فَصَارَ بالحقّ والإيمان مقرونا فقال معاوية: مَن هذا با سودة ؟ قالت: والله هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والله قد جئته في رجل قد كان ولي صدقاتنا، فجار علينا، فصادفته قائماً يصلّي، فلمّا رآني انفتل من صلاته ثمّ أقبل عَلَيَّ بوجهه برفق ورأفة، وتعطّف وقال: أ لكِ حاجة ؟ قلت: نعم، فأخبرته، فبكي ثمّ قال: اللهمّ أنت الشاهد عَلَيَّ وعليهم أنّي لم آمرهم بظلمِ خلقكَ ولا بترك حقّك ! ثمّ أخرج قطعة من جلد فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَـسُـوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الاْرْضِ بَعْدَ إِصْلَـ'حِهَا ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. (الآية 85. من السورة 7: الاعراف) فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّي يقدم مَن يقبضه منك والسلام. ثمّ دفع الرقعة إليَّ فوالله ما ختمها بطين ولا حزمها، فجئتُ بالرقعة إلي صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً، فقال معاوية: اكتبوا لها ما تريد، واصرفوها إلي بلدها غير شاكية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـ جاء في النسختين كليهما «بشر» بالشين المعجمة. ولعلّه خطأ من النسّاخ، إذ الصحيح هو «بسر» بالسين المهملة. [12] ـ يقال هذا الكلام عند التعجّب مثل: سبحان الله، والله أكبر، ولا إله إلاّ الله. [13] ـ «الشيعة والحاكمون» ص 42 إلي 52. الطبعة الثانية. إنّما أراق معاوية دماء الشيعة الذين وقفوا بوجه اعتداءاته وانتهاكاته، وإلاّ فلا شغل له بأحدٍ ما لم يزاحمه علي ملكه وحكومته. ذكر ابن الاثير الجزريّ في «الكامل في التاريخ» ج 4. ص 13. أنّ عبد الله بن عمير قال: أَغْلَظَ لمعاوية رجلٌ فأكثر، فقيل له: أتحلم عن هذا ؟! فقال : إنّي لا أحولُ بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا. [14] ـ قال المستشرق فلهوزن في كتاب «الخوارج والشيعة» ص 119 و 120. الطبعة الثانية: وليس من شكّ في أنّ حجراً كان ثائراً علي السلطة وأنّه كان يودّ أن يجتذب إلي حركته أهل الكوفة. ولهذا فإنّ زياداً حسب تقديرنا كان علي صواب ومعاوية قد استعصم بالحلم. ولكنّ الامر في ذلك العهد كان علي خلاف تقديرنا الحالي. فإنّ قتل مسلم لا يحلّ إلاّ إذا قتل مسلماً آخر، أي أنّ النفس بالنفس، وكان الجاري أن يقتصّ صاحب الثأر بنفسه وكانت السلطة العامّة إنّما تساعده علي ذلك وتهيؤه له. والجريمة ضدّ الدولة تنحصر في الخروج عن الإسلام، لا في الخيانة العظمي، مادام لم يصحبها قتل. أمّا أن يقتل شخص بسبب خروجه علي الدولة ـ مهما يكن ما يبرّر هذا القتل فهذا أمر كان يثير ثائرة الناس، خصوصاً في مثل هذه الحالة الاُولي التي شمل الامر فيها رجالاً بارزين جدّاً. حتّي أنّ أهل الكوفة عامّة قد شعروا بالخزي، وأنّ والي خراسان، ربيع بن زياد، قد مزّق قلبه الاسي وإن كان غير رقيق القلب. وأظهرت عائشة غضبها الشديد، وكذلك فعل الحسن البصريّ بعد ذلك بزمان ولم يكن يخضع في ذلك ـ كما خضعت عائشة أم المؤمنين لدوافع شخصيّة خاصّة. ويقال إنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة شعر بتأنيب ضمير عنيف لقتله حجر بن عديّ، ولكنّه تبرّأ من ذلك قائلاً إنّه لمّا انحسر عنه قريش استسلم لتأثير زياد. وطبعاً كان غضب القبائل، خصوصاً اليمانيّة القويّة، علي السلطة بالغاً، إذ شعرت بأنّه من العار ألاّ تخلّص أبناءها من بطش السلطان. واتّحدت معارضة القبائل مع المعارضة الدينيّة. واشتدّ غضب الشيعة خصوصاً لقتل حجر. وكان استشهاده مقدّمة لاستشهاد سيّد الشهداء والشيعة، وهو الحسين بن عليّ. [15] ـ «الخوارج والشيعة» للمستشرق الالمانيّ يوليوس فلهوزن، الترجمة العربيّة للدكتور عبد الرحمن بدويّ، ص 118 و 120. الطبعة الثالثة، نشر وكالة المطبوعات بالكويت. [16] ـ «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص 45 و 46. [17] ـ تبكي فعل مضارع. ولمّا كانت صيغة المونّث المخاطب يجب أن تكون تبكين بالنون، ولا يصحّ إسقاط النون في العربيّة لضرورة شعريّة فالصحيح أنّ الفعل كان في النسخة الاصليّة فابكي أو نبكي. [18] ـ في هذه النسخة من «تاريخ الخلفاء»: (المبين). وفي نسخة السيّد حسن الصدر في «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص 45. نقلاً عن الزمخشريّ: المثينا بالثاء المثلّثة. ولكنّ الاظهر هو أنّ فيها تحريفاً، وأصلها المئينا. والسور المئين معروفة في القرآن الكريم ومشهورة عند أهل القراءة والتفسير. وهي السور التي تبلغ قرابة مائة آية. [19] ـ إشارة إلي قول رسول الله صلّي الله عليه وآله: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه. [20] ـ «تاريخ الخلفاء» ص 186 و 187. الطبعة الرابعة، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد. روي في «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص 45 عن الزمخشريّ أنّه لمّا بلغ أبا الاسود الدؤليّ قَتْل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بكي حتّي اختلفت أضلاعه وأنشأ هذه الابيات. وذكر الزمخشريّ ستّة أبيات منها. ثمّ قال المرحوم الصدر: وقد حكاها ابن الاثير في «الكامل»، و ابن الصبّاغ المالكيّ في «الفصول المهمّة» وغيرهما أيضاً عن أبي الاسود في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في «أقرب الموارد»: النعامة جمعها نَعام.. ويضرب بجنس النعام المثل في الإجفال، ومنه: «وأجفلت نحوها إجفال النعامة». قيل: النعامة أشدّ الاشياء نفاراً، ولهذا قيل للرجـل إذا فزع من شيء وارتحل أو مات: «نَفَـرَتْ نعامـته»، ويقال للمنهـزمين: «أضحوا نعاماً». [21] ـ جاء في مقدّمة الجزء الاوّل من كتاب «معرفة الإمام» أنّ هذه الدورة تتألّف من اثني عشر جزءاً، لكنّي لمّا وفدتُ علي مدينة مشهد المقدّسة وتنعّمت بضيافة الإمام عليه السلام، وها هي خمس عشرة سنة تمرّ علي تشرّفي بجواره عليه السلام، وأنا أشعر برخاء البال وهدوء الفكر أكثر ممّا كنت في طهران، لهذا أضفت إليها ستّة أجزاء أُخري متوسّعاً في الحديث من حيث العناوين ومن حيث امتداد المباحث المعهودة بفضل الفرصة التي أُتيحت لي فبلغت ثمانية عشر جزءاً. [22] ـ يقول: «بقيت خجلاً بعيداً عن حريم ساحتك، أشعر بالخجل لانّي ما زلتُ حيّاً (بينما استشهدتَ أنت)». [23] ـ «الغدير» ج 4. ص 60. للصاحب بن عبّاد، كما نقل الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» السمط الثاني، الباب الاوّل. [24] ـ «الغدير» ج 4. ص 67. للصاحب بن عبّاد. [25] ـ الآية 4. من السورة 61: الصفّ. [26] ـ هذه زيارة يُستحبّ زيارة إمام العصر والزمان عجّل الله فرجه بها بعد صلاة الصبح. ووردت في «مفاتيح الجنان» ص 538 طبعة إسلاميّة. وذكرها المرحوم المحدِّث القمّيّ في ص 532 عن «مصباح الزائر» للسيّد ابن طاووس بعد دعاء الندبة. وقال المجلسيّ، علي ما نقل القمّيّ رحمه الله في ص 539: وجدتُ في بعض الكتب القديمة بعد ذلك ويصفق بيده اليُمني علي اليُسري كتصفيق البيعة.
|
|
|