بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن عشر/ القسم الرابع: النظرات العلمیة للامام الصادق علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

نسبيّة‌ الزمان‌ في‌ كلام‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌

 3 ـ سؤال‌ جابر بن‌ حيّان‌ حول‌ الحياة‌ بعد الموت‌

 دار هنا بحث‌ مفصّل‌ حول‌ علماء اليونان‌، إلي‌ أن‌ قال‌ جعفر الصادق‌: هل‌ كنتَ في‌ بطن‌ أُمّك‌ إنساناً كاملاً، لكنّك‌ صغير، أم‌ لا ؟!

 قال‌ جابر: نعم‌، كنتُ إنساناً كاملاً.

 فسأله‌ جعفر الصادق‌: هل‌ تذكر أ نّك‌ كنتَ تفكّر بالموت‌ في‌ بطن‌ أُمّك‌ أو لا ؟!

 قال‌ جابر: لا أعلم‌ هل‌ كنت‌ أُفكّر به‌ أو لا ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: دع‌ ذكر الموت‌، ماذا كنت‌ تأمل‌ في‌ بطن‌ أُمّك‌ ؟!

 قال‌ جابر: لا أذكر شيئاً عن‌ حياتي‌ في‌ بطن‌ أُمّي‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: مع‌ أ نّك‌ لا تذكر شيئاً عنها، فهل‌ تري‌ حياتك‌ في‌ هذا العالم‌ أفضل‌ أو حياتك‌ في‌ بطن‌ أُمّك‌ ؟!

 قال‌ جابر: كانت‌ حياتي‌ في‌ بطن‌ أُمّي‌ قصيرة‌ لم‌ تتجاوز تسعة‌ أشهر.

 قال‌ جعفر الصادق‌: لعلّ التسعة‌ الاشهر التي‌ أمضيتها في‌ بطن‌ أُمّك‌ تبدو لك‌ أطول‌ من‌ الثمانين‌ أو التسعين‌ سنة‌ التي‌ ستقضيها في‌ هذه‌ الدنيا.

 ذلك‌ أنّ الزمان‌ ليس‌ واحداً بالنسبة‌ إلي‌ جميع‌ الاشخاص‌ في‌ كافّة‌ الحالات‌، وكلّ إنسان‌ أدرك‌ هذا الموضوع‌ في‌ حياته‌ بقدرٍ ما.

 وأنا علي‌ يقين‌ أنّ عدداً من‌ الساعات‌ قد تمرّ عليك‌ بسرعة‌ وكأنّها ساعة‌ واحدة‌، وقد تمرّ عليك‌ ساعة‌ منها تطول‌ وتطول‌ حتّي‌ تظنّها عدداً من‌ الساعات‌.

 إنّ ما أقوله‌ هو أنّ تلك‌ الاشهر التسعة‌ التي‌ أمضيتها في‌ بطن‌ أُمّك‌ لعلّها أكثر من‌ العمر الذي‌ ستعيشه‌ في‌ هذا العالم‌!

 قال‌ المترجم‌ المحترم‌ في‌ الهامش‌ معلِّقاً: نلحظ‌ أنّ الإمام‌ السادس‌ عليه‌ السـلام‌ قد سبق‌ بكرل‌ الفـرنسـيّ، وأينشـتَين‌ الالمـانيّ، وهينـتون‌ الإنجليزيّ باثني‌ عشر قرناً في‌ القول‌ بنسبيّة‌ الزمان‌، ونحن‌ ندرك‌ ذلك‌ في‌ حياتنا العاديّة‌ بخاصّة‌ في‌ الاحلام‌، فقد نري‌ حلماً يستغرق‌ عدداً من‌ السنين‌ حين‌ الرؤيا، وعندما نستيقظ‌ ندرك‌ أ نّنا لم‌ نَنَمْ أكثر من‌ ساعة‌ واحدة‌.

 أجل‌، إذا تجاوزنا كلام‌ المترجم‌، فإنّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يقول‌: يا جابر ! كنتَ في‌ بطن‌ أُمّك‌ إنساناً حيّاً كاملاً ذا شعور، ولعلّك‌ كنتَ تأمل‌ شيئاً بسبب‌ هذا الشعور، وها أنت‌ تعيش‌ في‌ هذا العالم‌ ولم‌ يبق‌ في‌ ذاكرتك‌ أدني‌ شي‌ء من‌ حياتك‌ في‌ بطن‌ أُمّك‌.

 ألا تفكّر أ نّك‌ عندما كنتَ في‌ بطن‌ أُمّك‌، كنتَ تريد أن‌ تبقي‌ فيها ولا تخرج‌ منها أبداً، وتتصوّر عدم‌ وجود عالم‌ أفضل‌ من‌ بطن‌ الاُمّ وأكثر راحة‌ منه‌ ؟ وغضبتَ بسبب‌ الخروج‌ الذي‌ ربّما يعدّ نوعاً من‌ الموت‌ حتّي‌ أ نّك‌ كنت‌ تصرخ‌ حين‌ دخلتَ في‌ هذا العالم‌ ؟ لكنّك‌ تصدّق‌ اليوم‌ أنّ الدنيا التي‌ تعيش‌ فيها أفضل‌ من‌ الدنيا التي‌ كنتَ تعيشها في‌ بطن‌ أُمّك‌ !

 قال‌ جابر: مع‌ أ نّي‌ لا أعلم‌ كيف‌ كانت‌ حياتي‌ في‌ بطن‌ أُمّي‌، بَيدَ أ نّي‌ أعتقد أنّ الدنيا التي‌ أعيش‌ فيها الآن‌ أفضل‌ من‌ الدنيا التي‌ كنت‌ أعيشها في‌ بطن‌ أُمّي‌ ! [1]

 الرجوع الي الفهرس

بقاء الروح‌ بعد الموت‌

 وللإمام‌ عليه‌ السلام‌ مناظرة‌ طويلة‌ مع‌ جابر يثبت‌ فيها بقاء الروح‌ بعد الموت‌ وتجرّدها. وواصل‌ كلامه‌ حتّي‌ قال‌: هل‌ تشكّ في‌ وجود الروح‌ وحياتها المستقلّة‌ حين‌ الرؤيا ( الحُلم‌ ) أو لا ؟!

 قال‌ جابر: لا أشكّ في‌ ذلك‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: هل‌ تقرّ بأصل‌ الحكمة‌ القائـلة‌ بأنّ شيئاً إذا وُجِدَ لا يفني‌ ؟!

 قال‌ جابر: نعم‌، أُقرّ بذلك‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: فروحك‌ التي‌ وُجدت‌، ولا تشكّ في‌ وجودها لا تفني‌ بعد موتك‌. ولمّا كان‌ ما تعرفه‌ « الانا » هو روحك‌، لذا ستبقي‌ أنت‌ « الانا » أيضاً، وستعرف‌ نفسك‌ بعد الموت‌.

 قال‌ جابر: لا أشكّ في‌ وجود روحي‌ حين‌ الرؤيا ( الحُلم‌ ) . لكنّ هذا الوجود تبعي‌ّ لا انفراديّ ومستقلّ. لأنّه‌ لولا جسمي‌ لا أري‌ حُلماً، ولو لم‌ أرَ حلماً فلا أشاهد روحي‌ المجرّدة‌ ذات‌ الحياة‌ المستقلّة‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: عندما تشرق‌ عليك‌ الشمس‌، ويكون‌ ظلّك‌ في‌ الارض‌، فهل‌ ذلك‌ الظلّ تبعيّ أو لا ؟!

 قال‌ جابر: هو تبعيّ.

 فسأله‌ جعفر الصادق‌: لايّ شي‌ءٍ يتبع‌ ؟!

 أجاب‌ جابر: يتبع‌ شيئين‌: الاوّل‌: نور الشمس‌، والثاني‌: وجودي‌ أنا. وبدونهما لا يوجد الظلّ.

 قال‌ جعفر الصادق‌: وفقاً لاصل‌ الحكمة‌ فإنّ ظلّك‌ الذي‌ يسقط‌ علي‌ الارض‌ ويزول‌ في‌ الظاهر بعد غروب‌ الشمس‌، لن‌ يزول‌ أبداً فضلاً عن‌ روحك‌، ولو كانت‌ ذات‌ حياة‌ تبعيّة‌. [2]

 الرجوع الي الفهرس

 سبب‌ سقوط‌ الكواكب ‌، والحياة‌ في‌ العوالم‌ الاُخري‌

 4 ـ سؤال‌ جابر بن‌ حيّان‌ حول‌ النجوم‌

 واصل‌ جابر أسئلته‌ بعد أن‌ استفسر من‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ سبب‌ استمرار الكواكب‌ السيّارة‌ في‌ الحركة‌، فقال‌: كيف‌ تكون‌ الكواكب‌ في‌ الفضاء ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: بعض‌ الكواكب‌ السماويّة‌ أجرام‌ جامدة‌، وبعضها الآخر أجرام‌ سائلة‌، وقسم‌ منها وُجِد من‌ الابخرة‌.

 فسأله‌ جابر متعجّباً: كيف‌ يمكن‌ أن‌ نقبل‌ وجود الكواكب‌ السماويّة‌ من‌ الابخرة‌ ؟!

 وهل‌ يتسنّي‌ للبخار أن‌ يتلالا كما نشاهد الكواكب‌ ليلاً ؟!

 قال‌ جعـفر الصادق‌: لم‌ تتكـوّن‌ جمـيع‌ النجـوم‌ من‌ الابخـرة‌، لكنّ الكواكب‌ التي‌ تكوّنت‌ من‌ الابخرة‌ حارّة‌، والحرارة‌ الكثيرة‌ تسبّب‌ تلالؤ الكوكب‌ كما تسبّب‌ تلالؤ الشمس‌. وأري‌ أنّ الشمس‌ من‌ الابخرة‌ أيضاً.

 قال‌ جابر: ما بال‌ حركة‌ الكواكب‌ لا تمنع‌ من‌ سقوطها ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: هل‌ أدرتَ مقلاعاً فيه‌ حجر حول‌ رأسك‌ ؟!

 أجاب‌ جابر بالإيجاب‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: هل‌ أوقفته‌ فجأة‌ عند التدوير ؟!

 قال‌ جابر: لا، لم‌ أوقفه‌ !

 قال‌ جعفر الصادق‌: أوقفه‌ مرّة‌ عند تدويره‌ لتعرف‌ ماذا يحدث‌، وبعد توقيفه‌ يسقط‌ ويهوي‌ الحجر الذي‌ فيه‌ إلي‌ الارض‌، وهذه‌ قرينة‌ علي‌ أنّ الكواكب‌ تسقط‌ إذا لم‌ تكن‌ في‌ حركة‌ دائميّة‌.

 سأل‌ جابر قائلاً: أنت‌ قلتَ إنّ كلّ كوكب‌ نراه‌ عالم‌ بذاته‌.

 فصدّقه‌ جعفر الصادق‌.

 سأل‌ جابر: هل‌ يعيش‌ الإنسان‌ في‌ تلك‌ العوالم‌ كما يعيش‌ في‌ هذا العالم‌ ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: لا أستطيع‌ أن‌ أُجيبك‌ حول‌ الإنسان‌ وأقول‌: هل‌ يعيش‌ الإنسان‌ في‌ العوالم‌ الاُخري‌ أو لا ؟! ولكنّي‌ لا أشكّ في‌ أنّ كائنات‌ حيّة‌ تعيش‌ في‌ العوالم‌ الاُخري‌، ونحن‌ لا نراها لبعد الكواكب‌ عنّا.[3]

 ويواصل‌ جابر أسئلته‌ إلي‌ أن‌ يقول‌: كنتُ أتحدّث‌ سابقاً مع‌ رجل‌ يزعم‌ أنّه‌ مطّلع‌، فقال‌: يُؤاخَذُ بنو آدم‌ جميعهم‌ بذنب‌ جدّهم‌. فسألته‌ عن‌ سبب‌ ذلـك‌، فقال‌: لا وجـود للماضـي‌ والمسـتقبل‌ عند الله‌، فكلّ ما هو موجود زمان‌ حاضر بالنسبة‌ إليه‌. ولمّا كان‌ الآن‌ هو الزمان‌ الذي‌ وجد فيه‌ آدم‌ عنده‌، فبنوه‌ ـ وهم‌ نحن‌ ـ يؤاخذون‌ بذنب‌ آدم‌ وحوّاء.

 قال‌ جعفر الصادق‌: غفل‌ هذا الشخص‌ عن‌ أنّه‌ لا وجود للزمان‌ عند الله‌، فيشـمله‌ الزمان‌ ولو كان‌ حاضـراً. واشتمال‌ الزمان‌ من‌ خصـائـص‌ المخلوق‌ لا الخالق‌.

 لو كان‌ هذا الرجل‌ مسلماً لقلت‌ له‌: إنّ الله‌ حسب‌ كلامك‌ قد صرّح‌ بأنّه‌ يُدخل‌ المطيعين‌ الجنّة‌ ويُدخل‌ العاصين‌ النار. ولكن‌ لمّا كان‌ غير مسلم‌ ( وإلاّ لم‌ يحدّثك‌ بهذا الكلام‌ ) فينبغي‌ إجابته‌ بحكمة‌.

 هذا الرجل‌ فهم‌ ـ من‌ جهة‌ ـ حقّاً وهو أنّ الله‌ لا يشمله‌ الماضي‌ والمستقبل‌، لكن‌ لا بمعني‌ عدم‌ وجود الماضي‌ والمستقبل‌ بالنسبة‌ إليه‌، أي‌: لا يستطيع‌ أن‌ يستنبط‌ الماضي‌ والمستقبل‌. وشتّان‌ بين‌ من‌ لا يشمله‌ الماضي‌ والمستقبل‌، وبين‌ من‌ لا يستطيع‌ أن‌ يفهم‌ معني‌ الماضي‌ والمستقبل‌ ! وأضرب‌ مثالاً ليتيسّر فهم‌ الموضوع‌:

 إذا حرثت‌ الارض‌ وزرعت‌ فيها قمحاً فإنّك‌ تعلم‌ ماذا سيكون‌ القمح‌ في‌ المستقبل‌، لكنّك‌ سوف‌ لن‌ يشملك‌ مستقبل‌ تلك‌ الغلّة‌. وحبّات‌ القمح‌ التي‌ بذرتها في‌ الارض‌، لا تعلم‌ ماذا سيكون‌ مستقبلها، لكنّك‌ تعلم‌ ذلك‌ أُسبوعاً بعد أُسبوع‌، وتعلم‌ في‌ كلّ أُسبوع‌ كيف‌ يكون‌ القمح‌، ودرجة‌ نموّه‌، ووقت‌ حصاده‌.

 القمح‌ نفسه‌، بناءً علي‌ استنباطنا، لا يعلم‌ عن‌ ماضيه‌ ومستقبله‌ شيئاً ( أقول‌: بناءً علي‌ استنباطنا، لانّ للقمح‌ شعوراً لكنّنا لا نعلم‌ كيفيّته‌، ونعتقد بأنّ القمح‌ لا يعلم‌ عن‌ ماضيه‌ ومستقبله‌ شيئاً ) لكنّك‌ أنت‌ زارعه‌ تعلم‌ عن‌ ماضيه‌ ومستقبله‌ جيّداً بدون‌ أن‌ يشملك‌ ذلك‌ الماضي‌ والمستقبل‌ !

 الرجوع الي الفهرس

الله‌ تعالي‌ غير مشمول‌ بالتقدّم‌ والتأخّر

 الله‌ أيضاً لا يشمله‌ ماضينا ومستقبلنا. ولا يشمله‌ ماضي‌ هذا العالم‌ ومستقبله‌، لكنّه‌ يعلم‌ ماضي‌ ومستقبل‌ هذا العالم‌ وكلّ موجود في‌ هذه‌ الدنيا. [4]

 سأل‌ جابر: هل‌ يأتينا يوم‌ نعرف‌ فيه‌ الوسائل‌ التي‌ صُنع‌ بها العالم‌ ( أو الحياة‌ ) ؟!

 قال‌ جعـفر الصادق‌: نعم‌ يا جابر ! إذ إنّ ما أثبتته‌ التجـربة‌ حتّي‌ الآن‌ هو أنّ للعلم‌ فتـرات‌ ركود وحـركة‌. ولعلّ فترات‌ حركة‌ علمـيّة‌ تظـهر في‌ المستقبل‌ يفهم‌ فيها الإنسان‌ الوسائل‌ التي‌ صُنع‌ بها العالم‌.

 سأل‌ جابر: ممّ تنشأ الشيخوخة‌ ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: الامراض‌ التي‌ تعتري‌ الإنسان‌ علي‌ نوعين‌: أمراض‌ حادّة‌ تعتريه‌ فجأةً فيبرأ منها سريعاً أو تسبّب‌ موته‌.

 وأمراض‌ مُزمنة‌ وهي‌ تدريجيّة‌ وطويلة‌، وتبقي‌ في‌ جسم‌ الإنسان‌ مدّةً، وقد لا تُعالج‌ حتّي‌ تهلكه‌، والشيخوخة‌ نوع‌ من‌ المرض‌ لكنّه‌ مزمن‌.

 قال‌ جابر: هذه‌ أوّل‌ مرّة‌ أسمع‌ فيها أنّ الشيخوخة‌ مرض‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: يصل‌ هذا المرض‌ إلي‌ بعض‌ الاشخاص‌ عاجلاً، وإلي‌ بعضهم‌ الآخر آجلاً. فالذين‌ لا يتّبعون‌ تعاليم‌ الله‌ ولا ينتهون‌ عن‌ نواهيه‌ يشيخون‌ عاجلاً، بَيدَ أنّ الذين‌ يعملون‌ بها يشيخون‌ آجلاً. [5]

 قال‌ المترجم‌ المحترم‌ في‌ الهامش‌: لاحظوا كيف‌ ينطبق‌ كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ النظرية‌ العلميّة‌ الجديدة‌ التي‌ تذهب‌ إلي‌ أنّ الشيخوخة‌ مرض‌. وقرأنا في‌ مجلّة‌ « علم‌ وزندگي‌ » ( = العِلم‌ والحياة‌ ) الصادرة‌ بباريس‌ أنّ الشيخوخة‌ ناتجة‌ عن‌ فيروس‌. ويعيش‌ فيروس‌ الشيخوخة‌ في‌ دور النموّ ثلاثين‌ سنة‌ بنحو متوسّط‌ إلي‌ أن‌ يبلغ‌ مرحلة‌ الكمال‌. وإذا ما بلغها فإنّه‌ يقتل‌ الإنسان‌، ولولا خشية‌ الإطناب‌ لنقلنا للقرّاء عمله‌ كما جاء في‌ المجلّة‌ المذكورة‌.[6]

 سأل‌ جابر: هل‌ يتسنّي‌ لاحد الموجودات‌ في‌ الدنيا أن‌ يشذّ عن‌ القواعد التي‌ وضعها الله‌ للعالم‌، ويعصيها ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: يا جابر ! محال‌ أن‌ يستطيع‌ موجود الخروج‌ علي‌ القواعد التي‌ أقرّها الله‌ لإدارة‌ هذا العالم‌ ولو كانت‌ نملة‌ أو أصغر منها وهي‌ الذرّة‌، وما تسبيح‌ الموجودات‌ التي‌ لا روح‌ لها في‌ رأينا ( لكن‌ حركتها الحيويّة‌ أكثر منّا ) إلاّ طاعة‌ للقواعد التي‌ أقرّها الله‌ لإدارة‌ العالم‌.

 قال‌ المترجم‌ المحترم‌ في‌ الهامش‌: صرّح‌ الفيزيائيّ الإنجليزيّ السير آرتور دادينغتون‌ المتوفّي‌ سنة‌ 1944 م‌ بأنّه‌ إذا شذّت‌ قطرة‌ دم‌ واحدة‌ في‌ جسم‌ الإنسان‌ أو أحد الاحياء الاُخري‌ عن‌ قانون‌ الجاذبيّة‌ العامّ فإنّ ردّ الفعل‌ الناتج‌ عن‌ ذلك‌ يدمّر كحدّ أدني‌ عالم‌ الشمس‌ التي‌ نعرف‌ بأنّها لا تشذّ عن‌ القانون‌ المذكور.

 وإذا كان‌ هذا القانون‌ سائداً في‌ العالم‌ كلّه‌ بالشكل‌ الموجود في‌ عالم‌ الشمس‌ فسيُدمَّر العالم‌ ( وتدلّ الاكتشافات‌ التي‌ جرت‌ في‌ الربع‌ الاخير من‌ القرن‌ الحالي‌ أنّ هذا القانون‌ سائد في‌ نقاط‌ أُخري‌ من‌ العالم‌ أيضاً ) .

 ويقول‌ الفيـزيائيّ المذكـور: لو شذّت‌ ذرّة‌ واحـدة‌ في‌ عالم‌ الشمـس‌ عن‌ قانـون‌ الجاذبيّة‌ العامّ فسـيُدمّر عالم‌ الشمـس‌، ويؤدّي‌ إلي‌ موتنا نحن‌ المعدودين‌ من‌ كائنات‌ هذا العالم‌.[7]

 الرجوع الي الفهرس

حول‌ ساعات‌ السعد والنحس‌

 سؤال‌ المُفَضَّل‌ بن‌ عَمْرُو[8] حول‌ ساعات‌ السعد والنحس‌

 كان‌ المفضّل‌ بن‌ عمرو أحد تلاميذ جعفر الصادق‌، وخلّف‌ آثاراً من‌ دروس‌ أستاذه‌.

 سأله‌ ذات‌ يوم‌ قائلاً: هل‌ تصحّ ساعات‌ السَّعد والنحس‌ التي‌ يعيّنها المنجّمون‌ وأصحاب‌ الطوالع‌ ؟!

 قال‌ جعفر الصادق‌: كلّ ما كان‌ من‌ السِّحر باطل‌، والله‌ نهي‌ عن‌ السِّحر.

 قال‌ المفضّل‌ بن‌ عمرو: المنجّمون‌ هم‌ الذين‌ يعيّنون‌ ساعات‌ السعد والنحس‌ وهم‌ ليسوا سَحَرَة‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: ما كان‌ من‌ علم‌ النجوم‌ معيِّن‌ لساعات‌ السعد والنحس‌ فهو سِحر، وهو باطل‌ كسائر أقسام‌ السِّحر، والله‌ نهي‌ عن‌ كلّ نوع‌ منه‌.

 قال‌ المفضّل‌ بن‌ عمرو: فجميع‌ الذين‌ كانوا يعتقدون‌ بساعات‌ السعد والنحس‌ هم‌ علي‌ باطل‌.

 قال‌ جعفر الصادق‌: بلي‌ يا مفضّل‌، ولكن‌ في‌ حياة‌ الإنسان‌ ساعات‌ مساعدة‌ وغير مساعدة‌.

 قال‌ المفضّل‌ بن‌ عمرو: لو كان‌ الامر كذلك‌ فماذا تختلف‌ عن‌ ساعات‌ السعد والنحس‌ التي‌ يعيّنها المنجّمون‌ ؟!

 أجاب‌ جعفر الصادق‌: ساعات‌ السعد والنحس‌ التي‌ يعيّنها المنجّمون‌ تقوم‌ علي‌ قواعد السِّحر. أمّا الساعات‌ المساعدة‌ وغير المساعدة‌ الموجودة‌ في‌ الإنسان‌ فهي‌ مرتبطة‌ بمزاج‌ الإنسان‌ ولا علاقة‌ لها بالسِّحر.

 يظهر الوضع‌ المساعد أو غير المساعد عند كلّ أحد مرّةً في‌ عدد من‌ الايّام‌، وأُخري‌ في‌ يوم‌ واحد. وسببه‌ هو أنّ الاخلاط‌ ليست‌ علي‌ حالة‌ واحدة‌ في‌ وجود الإنسان‌ دائماً، وتختلف‌ في‌ ساعات‌ الليل‌ والنهار، وتقوم‌ بعض‌ الاعضاء الباطنيّة‌ في‌ الجسم‌ بأعمال‌ لا تتشابه‌ في‌ الليل‌ والنهار. وكانوا يعرفون‌ هذا الموضوع‌ في‌ الازمنة‌ القديمة‌، وأحد الذين‌ وقفوا عليه‌ هو بُقراط‌ الطبيب‌، وهو القائل‌ إنّ الكبد يقوم‌ بعدد من‌ الاعمال‌ في‌ البدن‌، لكنّه‌ لا يقوم‌ بها في‌ لحظة‌ واحدة‌، بل‌ يجعل‌ لكلّ واحد منها موعداً. وهذا الترتيب‌ الذي‌ يضعه‌ الكبد للاعمال‌ قد يؤثّر في‌ وضعنا المزاجيّ أيّاماً وقد يؤثّر نهاراً وليلة‌.

 أُذكّرك‌ بشي‌ءٍ لاُبيّن‌ لك‌ كيف‌ تكون‌ ساعات‌ السعد والنحس‌ في‌ وجودنا لا بالشكل‌ الذي‌ يذكره‌ السَّحَرَة‌، فأقول‌ قد تختلف‌ غلظة‌ دمنا في‌ اليوم‌ حتّي‌ الخُمس‌ أو حتّي‌ الربع‌ أحياناً. فعندما نستيقظ‌ من‌ النوم‌ فجراً للصلاة‌ فإنّ غلظة‌ الدم‌ تكون‌ أقلّ من‌ الزمان‌ الذي‌ ننام‌ فيه‌ بعد الاعمال‌ اليوميّة‌ بخُمس‌ أو حتّي‌ بربع‌.

 هذا الموضوع‌ يؤثّر في‌ حالنا وقد يُخملنا وقد يجعل‌ نشاطنا قليلاً. ومن‌ ثمّ فقد ننشط‌ في‌ يوم‌ واحد عندما تكون‌ غلظة‌ الدم‌ قليلة‌، وقد نخمل‌ حين‌ تكون‌ كثيرة‌.

 المصابون‌ بالربو إذا استعملوا دواءهم‌ منتصف‌ الليل‌ فأثره‌ أكثر ممّا لو استعملوه‌ في‌ النهار، إذ تتولّد عندهم‌ حالة‌ في‌ الليل‌ تضاعف‌ أثر الدواء. فمنتصف‌ الليل‌ ساعة‌ سعد لهؤلاء في‌ استعمال‌ الدواء، لأنّه‌ يساعد في‌ إزالة‌ الانزعاج‌ الناتج‌ من‌ الربو. ومع‌ أنّ الربو لا يُعالَج‌ باستعمال‌ الدواء منتصف‌ الليل‌، بَيدَ أنّ الانزعاج‌ يزول‌ آنئذٍ فيستطيع‌ المصاب‌ أن‌ ينام‌.

 بعض‌ الاطعـمة‌ التي‌ نتناولها سعدٌ لنا وبعضـها نحـسٌ. فالاطعمة‌ التي‌ لا تثقلنا، ولا تحول‌ دون‌ قيامنا بأعمالنا، ونشعر بالقوّة‌ والخفّة‌ والنشاط‌ إذا تناولناها يمكن‌ أن‌ نعبِّر عنها أنّها سعد.

 أمّا الاطعمة‌ التي‌ تثقلنا فلا نستطيع‌ القيام‌ بأعمالنا من‌ جرّائها فهي‌ نحسٌ إذ تولّد فينا آثاراً سلبيّة‌.

 هذا هو السعد والنحس‌ في‌ حياتنا يا مفضّل‌، ولا وجود للسعد والنحس‌ خارج‌ المسائل‌ المتعلّقة‌ بمزاجنا.[9]

 أجل‌، هذه‌ المطالب‌ المذكورة‌ نزر يسير من‌ الكتاب‌ الضخم‌ ذي‌ القطع‌ الوزيريّ، البالغ‌ عدد صفحاته‌ ( 621 ) صفحة‌.

 وأشعر هنا أ نّي‌ أضنّ علي‌ القرّاء إذا لم‌ أُتحفهم‌ بذكر مقدار موجز آخر من‌ هذا الكنز الذي‌ راق‌ أُستاذنا العلاّمة‌. وهو نُخبة‌ من‌ بعض‌ محتويات‌ الكتاب‌ التي‌ لا تتعلّق‌ بجابر بن‌ حيّان‌ والمفضّل‌ بن‌ عمر. وتمثّل‌ هذه‌ النخبة‌ عددين‌ خاصّين‌ من‌ كرّاسات‌ ( دائرة‌ انتشارات‌ درود، دفتر مذهبي‌ سـيمان‌ وفارسـيت‌ ) ( = مـركـز « دُرُود » للنشـر، مكتب‌ « سـيمان‌ وفارسيت‌ » الدينيّ ) . وهاتان‌ الكرّاستان‌ هما اللتان‌ وافتاني‌ بريديّاً.

 الرجوع الي الفهرس

دين‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ هو المنقذ للبشريّة‌

 الكرّاسة‌ الاُولي‌ وعددها ( 22 ) تحمل‌ عنوان‌ « حقائق‌ علميّة‌ في‌ الإسلام‌ » . وننقلها فيما يأتي‌ نصّاً لإيجازها وانتخابها، ونورد في‌ الهامش‌ المواضع‌ المذكورة‌ مطابقةً لاصل‌ الكتاب‌:

 

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 كلّما تقدّم‌ العلم‌ البشريّ وخطا العلماء خطوات‌ جديدة‌ في‌ اكتشاف‌ أسرار الكون‌، بانت‌ قيمة‌ التعاليم‌ الإسلاميّة‌ وعظمة‌ قادتها أكثر فأكثر.

 إنّ القوانين‌ التي‌ وضعها خالق‌ الإنسان‌ والعالَم‌ وباري‌ الموجودات‌ والعالِم‌ بأسرار الخلقة‌ ورموزها تنسجم‌ مع‌ الفطرة‌، ولن‌ تبلي‌ وتفقد شأنها واعتبارها أبداً.

 الباحـثون‌ الواعـون‌ المنصـفون‌ الذين‌ حصـلوا علي‌ دراسـة‌ التعالـيم‌ الإسلاميّة‌ أكبروا الدين‌ وعبّروا عن‌ احترامهم‌ له‌ والثناء عليه‌ بكلّ تواضع‌.

 واعتنق‌ فريق‌ منهم‌ هذا الدين‌ المقدّس‌ وألزموا أنفسهم‌ باتّباعه‌ حتّي‌ آخر أعمارهم‌.[10] وذهب‌ فريق‌ آخر ـ بنظرته‌ المنفتحة‌ ـ إلي‌ أنّ الإسلام‌ دين‌ العالم‌ في‌ المستقبل‌.

 يقول‌ الكاتب‌ الإنجليزي‌ الشهير برنارد شو ( Bernard shaw ) :

 I have always held the rieligon on of mohammad in the highest esteem because of its wonderful vitality it is the only relegion wich appears to me possess assimilating....

 وتعريبه‌: أنا أحترم‌ دين‌ محمّد غاية‌ الاحترام‌ دائماً لحيويّته‌ العجيبة‌. وهو الدين‌ الوحيد الذي‌ يبدو لي‌ أنّه‌ يستوعب‌ شتّي‌ الظروف‌ الحياتيّة‌ المتغيّرة‌... .

 هكذا أتوقّع‌ وقد ظهرت‌ آثاره‌ منذ الآن‌، إذ ستقبل‌ أُوروبا دين‌ محمّد في‌ المستقبل‌. وكان‌ رجال‌ الدين‌ في‌ القرون‌ الوسطي‌ يقدّمون‌ صورة‌ مظلمة‌ لدين‌ محمّد نتيجة‌ لجهلهم‌ أو تعصّبهم‌. وكانوا يرونه‌ ضدّ المسيح‌ من‌ منطلق‌ حقدهم‌ وتعصّبهم‌. ولقد طالعتُ حول‌ هذا الرجل‌ المتفوّق‌ وتوصّلتُ إلي‌ أنّه‌ لم‌ يكن‌ ضدّ المسيح‌، بل‌ ينبغي‌ أن‌ يُسمّي‌ منقذ البشريّة‌.

 وأحسب‌ لو أنّ رجلاً مثله‌ يقود العالم‌ اليوم‌ فسينجح‌ في‌ علاج‌ مشاكله‌ بنحوٍ يُضمن‌ فيه‌ السلام‌ والسعادة‌ التي‌ يتوق‌ إليها جميع‌ الناس‌.[11]

 إنّ الآثار التي‌ تركها الائمّة‌ الطاهرون‌ عليهم‌ السلام‌ وعلماء الإسلام‌ الكبار قد أدهشت‌ الباحثين‌ والدارسين‌.

 نحن‌ الذين‌ نعتقد بأنّ قادة‌ الإسلام‌ هم‌ صفوة‌ الله‌ وعلومهم‌ منبثقة‌ من‌ العلم‌ الإلهيّ لا نعجب‌ حين‌ نقرأ النبوءات‌ العلميّة‌ لهؤلاء العلماء، بَيدَ أنّ الباحثين‌ غير المسلمين‌ الذين‌ يريدون‌ تحليل‌ الاشياء من‌ منظار العلوم‌ البشريّة‌ المادّيّة‌ يُصابون‌ بالدهشة‌ والحيرة‌ حتّي‌ أنّهم‌ لا يستطيعون‌ كتمان‌ دهشتهم‌ وحيرتهم‌.

 قامت‌ مجلّة‌ « خواندنيها » قبل‌ مدّة‌ بترجمة‌ كتابٍ بعنوان‌ « مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌ » ونشره‌. والكتاب‌ المذكور ألّفه‌ لفيف‌ من‌ العلماء والباحثين‌ المسـيحـيّين‌ ( مركز الدراسـات‌ الإسلاميّة‌ في‌ استراسـبورغ‌ ) .[12] ويتـناول‌ الكتاب‌ المذكور حياة‌ الإمام‌ السادس‌ جعفر بن‌ محمّد الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وعلومه‌ بالدراسة‌ والتحليل‌. وقد طبّق‌ مؤلّفوه‌ الذين‌ يتخصّص‌ كلّ واحد منهم‌ في‌ فرع‌ من‌ الفروع‌ العلميّة‌ كلمات‌ الإمام‌ مع‌ العلوم‌ والاكتشافات‌ الحديثة‌، وكلّهم‌ حائـرون‌ مندهشـون‌ ولسان‌ حالهم‌: من‌ أيّ مصـدر أخذ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ؟ وننقل‌ فيما يأتي‌ أقساماً من‌ الكتاب‌ المذكور كنماذج‌:

 تدريس‌ علم‌ الطبّ

 لدينا روايتان‌: إيجابيّة‌ وسلبيّة‌ حول‌ تدريس‌ علم‌ الطبّ بين‌ يدي‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌. ويقول‌ البعض‌ إنّ الطبّ كان‌ يُدرَّس‌ هناك‌، في‌ حين‌ أنكر البعض‌ الآخر ذلك‌. ولكن‌ لا شكّ في‌ أنّ جعفراً الصادق‌ حين‌ شرع‌ بالتدريس‌ فإنّه‌ كان‌ يدرّس‌ علم‌ الطبّ، وقد تركت‌ آراؤه‌ العلميّة‌ في‌ هذا المجال‌ بصماتها علي‌ العلم‌ المذكور. وكان‌ الاطبّاء في‌ القرنين‌ الثاني‌ والثالث‌ الهجريَين‌ يستفيدون‌ من‌ آرائه‌ الطبّيّة‌.[13]

 قلنا: إنّنا لا نعلم‌ هل‌ كان‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ يدرّس‌ الطبّ أو لا ؟ وهل‌ تعلّم‌ ابنه‌ ذلك‌ العلم‌ عليه‌ أو لا ؟ ولكن‌ لا نشكّ أنّ جعفراً الصادق‌ نفسه‌ كان‌ يدرّس‌ علم‌ الطبّ، وقد أتي‌ فيه‌ بأشياء لم‌ يأت‌ بها الاطبّاء في‌ الشرق‌ من‌ قبله‌. ولا نريد من‌ الشرق‌ شبه‌ الجزيرة‌ العربيّة‌ لخلوّها من‌ علم‌ الطبّ، وإنّما وصل‌ إليها الطبّ من‌ مناطق‌ أُخري‌ بعد الإسلام‌. وإذا سلّمنا أنّ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ تعلّم‌ الطبّ من‌ أبيه‌، فذلك‌ يستلزم‌ أخذ الاب‌ علم‌ الطبّ من‌ مكان‌ معيّن‌، ولا ندري‌ من‌ أين‌ أخذه‌.[14]

 ونحن‌ نعلم‌ أنّ جعفراً الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لم‌ يزاول‌ الطبّ فيستنبط‌ تلك‌ القواعد في‌ سياق‌ عمله‌. ولذا يبدو أنّه‌ تعلّم‌ تلك‌ القواعد من‌ أحدٍ. وإذا ما تعلّمها من‌ أبيه‌، فمن‌ أين‌ تعلّمها الاب‌ نفسه‌ ؟ [15]

 الرجوع الي الفهرس

 التراب‌ والهواء ليسا عنصراً واحداً

 التراب‌ والهواء ليسا عنصراً واحداً

 كان‌ جعفر الصادق‌ ذات‌ يوم‌ في‌ درس‌ أبيه‌ الاُستاذ ـ أي‌: الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ ـ فدار الحديث‌ حول‌ رأي‌ أرسطو[16] في‌ أصل‌ الكون‌، وأنّه‌ يتألّف‌ من‌ عناصر أربعة‌ هي‌ التراب‌، والماء، والهواء، والنار، فانتقد هذا الرأي‌ وقال‌: أستغرب‌ أنّ رجلاً مثل‌ أرسطو لم‌ ينتبه‌ إلي‌ أنّ العناصر الاربعة‌ ومنها التراب‌ ليست‌ عناصر بسيطة‌ غير قابلة‌ للتجزئة‌، وقال‌: إنّ التراب‌ مركّب‌ من‌ أجزاء وعناصر كثيرة‌، وكلّ فلزّ من‌ الفلزّات‌ الموجودة‌ في‌ التراب‌ عنصر مستقلّ.

 وكان‌ الاعتقاد بوجود عناصر أربعة‌ سائداً من‌ عصر أرسطو وإلي‌ أيّام‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌، أي‌ ما يقرب‌ من‌ ألف‌ سنة‌. والناس‌ تذهب‌ إلي‌ ما ذهب‌ إليه‌ فلاسفة‌ اليونان‌ حول‌ أصل‌ الكون‌، وكانت‌ العناصر الاربعة‌ تعتبر ركناً هامّاً في‌ علم‌ الاشياء، ولم‌ يشكّك‌ أحد في‌ صحّة‌ هذه‌ النظريّة‌ طوال‌ هذه‌ الفترة‌ الممتدّة‌.

 وبعد ألف‌ سنة‌ قال‌ فتيً لم‌ يتجاوز الثانية‌ عشرة‌ من‌ عمره‌: إنّ التراب‌ ليس‌ عنصراً بسيطاً، بل‌ هو مركّب‌ من‌ عناصر كثيرة‌.

 وهذا الفتي‌ نفسه‌ بعد أن‌ بدأ في‌ التدريس‌ خطّأ عنصراً آخر من‌ حيث‌ البساطة‌، وقال‌: الهواء ليس‌ عنصراً بسيطاً، بل‌ هو مركّب‌ من‌ عدّة‌ عناصر.

 وقد سبق‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ علماء القرن‌ الثامن‌ عشر الميلاديّ في‌ أُوروبّا، الذين‌ اكتشفوا أجزاء الهواء وحلّلوه‌، بألف‌ ومائة‌ سنة‌ فقال‌: الهواء ليس‌ عنصراً بسيطاً، بل‌ هو مركّب‌ من‌ عناصر شتّي‌.

 إذا كان‌ الجميع‌ قد سلّموا بعد التفكّر والتعقّل‌ أنّ التراب‌ ليس‌ عنصراً بسيطاً، بل‌ عناصر عدّة‌، فلم‌ يشكّ أحد في‌ أنّ الهواء عنصر بسيط‌ واحد.

 لم‌ يعلم‌ أبرز علماء الفيزياء في‌ العالم‌ بعد أرسطو أنّ الهواء ليس‌ عنصراً بسيطاً حتّي‌ في‌ القرن‌ الثامن‌ عشر الميلاديّ الذي‌ كان‌ من‌ قرون‌ العلم‌ الزاهرة‌ إلي‌ عصر لافوازييه[17]‌ الفرنسيّ. وكان‌ عدد من‌ العلماء يري‌ أنّ الهواء عنصر بسـيط‌، ولم‌ يحسـب‌ أنّه‌ مركّب‌ من‌ عـدّة‌ عناصـر. بعد أن‌ استخرج‌ لافوازييه‌ الاُوكسجين‌ وفصله‌ عن‌ سائر الغازات‌ وبرهن‌ علي‌ أثره‌ الحيويّ الفعّال‌ في‌ التنفّس‌ وفي‌ حياة‌ الإنسان‌ وعمليّات‌ الاحتراق‌، سلّم‌ جمهور العلماء أنّ الهواء ليس‌ بسيطاً، بل‌ هو مركّب‌ من‌ عدّة‌ غازات‌. وفي‌ يوم‌ من‌ أيّام‌ سنة‌ 1794 م‌ فُصل‌ رأس‌ لافوازييه‌ عن‌ بدنه‌ بالمقصلة‌.[18] وانتهت‌ حياة‌ أبي‌ الكيمـياء الحـديـثة‌، الذي‌ لو قد مُدّ في‌ عمـره‌ لحـقّق‌ إنجـازات‌ أُخري‌.

 فلابدّ إذن‌ من‌ الاعتراف‌ بأنّ جعفراً الصادق‌، بذهابه‌ إلي‌ أنّ الهواء مركّب‌ من‌ عناصر مختلفة‌، قد سبق‌ العلماء بألف‌ ومائة‌ سنة‌.

 ويذهب‌ الشيعة‌ إلي‌ أنّه‌ استنبط‌ هذه‌ الحقيقة‌ العلميّة‌ وغيرها من‌ الحقائق‌ بالعلم‌ اللدُنّيّ، أي‌: علم‌ الإمامة‌. [19]

 يظـهر هذا الموضـوع‌ لنا عاديّاً اليوم‌، إذ نعـلم‌ أنّ في‌ الكـون‌ مائة‌ وعنصرين‌، أمّا في‌ القرن‌ السابع‌ الميلادي‌ والاوّل‌ الهجريّ فقد كانت‌ نظريّة‌ ثوريّة‌ كبيرة‌. ولم‌ تسلّم‌ العقول‌ البشريّة‌ يومئذٍ بأنّ الهواء عنصر مركّب‌، ونقول‌ مرّة‌ أُخـري‌ إنّه‌ لم‌ يسـع‌ أُوروبّا في‌ ذلك‌ العصـر والاعصـار اللاحقة‌ بعده‌ حتّي‌ القرن‌ الثامن‌ عشر الميلاديّ أن‌ تستوعب‌ ذلك‌ الرأي‌ العلميّ الثوريّ وأشياء أُخري‌ نطق‌ بها جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وسنذكرها في‌ الفصول‌ القادمة‌...[20] .

 الرجوع الي الفهرس

 رأي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ احتراق‌ الاُوكسجين‌

 الاُوكسجين‌

 قال‌ في‌ درسه‌: الهواء مركّب‌ من‌ عدّة‌ أجزاء، وينفذ أحد أجزائه‌ في‌ بعض‌ الاجسام‌ ويغيّرها، وهو الذي‌ يساعد علي‌ الاحتراق‌، ولولا مساعدته‌ لا تحترق‌ الاجسام‌ القابلة‌ للاحتراق‌.

 وجعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ هو الذي‌ وسّع‌ هذه‌ النظريّة‌، وهو القائل‌ في‌ دروسه‌ أيضاً: إنّ الذي‌ يساعد علي‌ احتراق‌ الاجسام‌ لو فُصل‌ عن‌ الهواء وتحصَّل‌ بشكل‌ خالص‌ لكان‌ من‌ فعله‌ النفاذ في‌ الاجسام‌ وتذويب‌ الحديد.

 إذن‌، فقد سبق‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بريستلي‌ [21] ولافوازييه‌ بألف‌ سنة‌ في‌ اكتشاف‌ الاُوكسجين‌، وإن‌ كان‌ لم‌ يطلق‌ عليه‌ اسم‌ الاُوكسجين‌ أو مُوَلِّد الحموضة‌.

 ومع‌ أنّ بريستلي‌ قد اكتشف‌ الاُوكسجين‌ لكنّه‌ لم‌ يمكنه‌ أن‌ يتوصّل‌ إلي‌ أنّه‌ يُذيب‌ الحديد. ومع‌ أنّ لافوازييه‌ قد استنبط‌ أقساماً من‌ خواصّ الاُوكسجين‌ بالتجربة‌ بَيدَ أنّه‌ لم‌ يوفّق‌ إلي‌ تجربة‌ ذوبان‌ الحديد بفعل‌ الاُوكسجين‌. أمّا جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ فقد أدرك‌ هذا الموضوع‌ قبله‌ بألف‌ سنة‌. ونحن‌ نعـرف‌ اليوم‌ أنّه‌ متي‌ حُمّي‌ الحـديـد بالنار إلي‌ درجـة‌ الاحمرار، ثمّ وُضع‌ في‌ أُوكسجين‌ خالص‌، اشتعل‌ وانبعث‌ منه‌ شعلة‌ مضيئة‌ شبيهة‌ بالفتيل‌ الذي‌ كان‌ يغمس‌ في‌ الزيت‌ في‌ المصابيح‌ القديمة‌. ويتسنّي‌ صناعة‌ مصباح‌ فتيله‌ من‌ حديد ويغمس‌ في‌ أُوكسجين‌ سائل‌، وإذا اشتعل‌ الفتيل‌ إلي‌ درجة‌ الاحمرار فإنّه‌ يضي‌ء الليل‌ بنور متلالي‌ جدّاً.

 وقد جاء في‌ رواية‌ أنّ الإمام‌ محمّداً الباقر عليه‌ السلام‌ قال‌ في‌ درسه‌: إنّ الماء الذي‌ يطفي‌ النار يستطيع‌ أن‌ يوقدها بفضل‌ العلم‌. فحسب‌ البعض‌ أنّ هذا القول‌ ملقيً علي‌ عواهنه‌، أو أنّه‌ من‌ قبيل‌ الفكاهة‌ أو خيالات‌ الشعراء، ولكن‌ الذي‌ تحقّق‌ فعلاً منذ القرن‌ الثامن‌ عشر أنّ الماء يزيد النار اشتعالاً، ويولّد قوّة‌ محرقة‌ أشدّ بكثير من‌ نار الحطب‌، لانّ لغاز الهيدروجين‌، وهو أحد العنصرين‌ الهامّين‌ في‌ تركيب‌ الماء، قوّة‌ إحراق‌ إذا أُضيفت‌ إلي‌ قوّة‌ الاُوكسجين‌ بلغت‌ درجة‌ حرارتهما 6664 درجة‌. ويطلق‌ علي‌ هذه‌ العمليّة‌ اسم‌ العمليّة‌ الاُوكسجينيّة‌ الهيدروجينيّة‌، وهي‌ تستخدم‌ في‌ لحام‌ الحديد والفولاذ، أو في‌ تقطيع‌ الفولاذ وتثقيبه‌. [22]

 الرجوع الي الفهرس

 في‌ مسألة‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها

دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها

 كان‌ هنري‌ بوانكاره[23]‌ الذي‌ توفّي‌ سنة‌ 1912 م‌ عن‌ عمر ناهز السابعة‌ والخمسين‌ يُعدّ ألمع‌ عالم‌ في‌ الرياضيّات‌ في‌ عصره‌. ويدلّ تأريخ‌ وفاته‌ علي‌ أنّه‌ أدرك‌ بداية‌ القرن‌ العشرين‌.

 مع‌ هذا كان‌ يقول‌: إنّني‌ غير متأكّد من‌ أنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها. فإن‌ صحّ بأنّ عالماً كهنري‌ بوانكاره‌ شكّك‌ في‌ مطلع‌ القرن‌ العشرين‌ بدوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها، فمن‌ اليسير علينا أن‌ ندرك‌ ماذا كان‌ الناس‌ يتصوّرون‌ أو يقولون‌ بشأن‌ هذه‌ النظريّة‌ في‌ النصف‌ الاوّل‌ من‌ القرن‌ الثاني‌ الهجريّ.

 ودوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها لم‌ يثبت‌ عمليّاً إلاّ بعدما وضع‌ الإنسان‌ قدميه‌ علي‌ سطح‌ القمر، وشاهد الكرة‌ الارضيّة‌ من‌ هناك‌.

 وفي‌ السنين‌ الاُولي‌ من‌ غزو الفضاء لم‌ يستطع‌ روّاد الفضاء أن‌ يروا دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها، إذ لم‌ تكن‌ لهم‌ قاعدة‌ ثابتة‌ يومذاك‌، وكانوا في‌ مراكب‌ فضائيّة‌ تنطلق‌ بسرعة‌ فائقة‌ وتدور حول‌ الارض‌ مرّة‌ في‌ كلّ تسعين‌ دقيقة‌ أو أكثر ، ولم‌ تثبت‌ أقدامهم‌ في‌ نقطة‌ ما ليشاهدوا منها حركة‌ الارض‌ . ولكنّهم‌ عندما استقرّوا علي‌ سطح‌ القمر ووجّهوا أجهزة‌ تصويرهم‌ إلي‌ الارض‌ شاهدوا عندئذٍ دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها ببط‌ء، فثبت‌ دورانها عمليّاً آنذاك‌... .

 صحيح‌ أنّ غاليليو [24] كان‌ يدرك‌ جيّداً أنّ الكرة‌ الارضيّة‌ تدور حول‌ الشمس‌ كغيرها من‌ كواكب‌ المنظومة‌ الشمسيّة‌، ولا يستبعد أبداً أن‌ يكون‌ قد انتهي‌ إلي‌ أنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها. ولكنّنا لا نجد في‌ مؤلّفاته‌ أثراً لهذا الكشف‌... ولم‌ يتحدّث‌ في‌ حياته‌ عن‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها، كما لم‌ يُلْحَظ‌ في‌ كتاباته‌ شي‌ء يدلّ علي‌ أنّه‌ كان‌ قد عرف‌ ذلك‌.

 وفي‌ القرن‌ السادس‌ عشر الميلاديّ كان‌ عالم‌ فلكيّ آخر يعيش‌ في‌ الدانمارك‌ وهو « تيخو براهة‌ » أو « تيكو براهة‌ » ، يعتقد بدوران‌ الارض‌ حول‌ الشمـس‌. وكان‌ ينتمي‌ إلي‌ طبقة‌ الاشراف‌ المتـرفة‌ في‌ بلاده‌ علي‌ النقيض‌ من‌ « كوبرنيكوس‌ »[25] البولوني‌ّ الذي‌ كان‌ رقيق‌ الحال‌ لا يجد ما يسدّ به‌ جوعه‌، في‌ حين‌ كان‌ يتظاهر بالترف‌ ويقيم‌ في‌ قصره‌ المآدب‌ الفخمة‌.

 وقد مهّـدت‌ أبحاث‌ تيخـو براهة‌ ـ الذي‌ توفّي‌ سنة‌ 1601 م‌ ـ في‌ علم‌ الفلك‌ طريق‌ الكشف‌ أمام‌ العالم‌ الالمانيّ كبلر،[26] فوضع‌ هذا الاخير بفضله‌ قوانينه‌ الفلكيّة‌ الثلاثة‌ المشهورة‌ الخاصّة‌ بحركة‌ السيّارات‌ ـ ومنها الكرة‌ الارضيّة‌ حول‌ الشمس‌.

 ولكن‌ تيخو براهة‌ لم‌ يهتد بدوره‌ إلي‌ أنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها. ولو اهتدي‌ إلي‌ هذه‌ النتيجة‌ لبادر إلي‌ إعلانها، كما كان‌ يدعم‌ حركة‌ الارض‌ حول‌ الشمس‌ علناً.

 وظلّت‌ القوانين‌ الثلاثة‌ التي‌ وضعها كبلر ـ المتوفّي‌ سنة‌ 1630 عن‌ حركة‌ السيّارات‌ تظفر بإعجاب‌ الاوساط‌ العلميّة‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ إلي‌ يومنا هذا. وذلك‌ العالم‌ الكبير الذي‌ أثبت‌ للعالم‌ نبوغه‌ العلميّ باكتشافه‌ القوانين‌ الثلاثة‌ لم‌ يهتد إلي‌ حركة‌ الارض‌.

 ولكنّ جعفراً الصادق‌ عليه‌ السلام‌ اكتشف‌ هذه‌ الحقيقة‌ العلميّة‌ قبله‌ باثني‌ عشر قرناً، وقال‌: إنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها، وإنّ تعاقب‌ الليل‌ والنهار ليس‌ سببه‌ حركة‌ الشمس‌ حول‌ الارض‌ ( وكان‌ يري‌ ذلك‌ مستحيلاً عقلاً ) وإنّ الليل‌ والنهار ناشئان‌ عن‌ حركة‌ الارض‌ حول‌ نفسها، فيصبح‌ نصف‌ الكرة‌ الارضيّة‌ في‌ نهار مشرق‌، ونصفها الآخر في‌ ليل‌ مظلم‌.

 والقـدماء الذين‌ كانوا يعـتقدون‌ بكـرويّة‌ الارض‌ يعـرفون‌ أنّ نصف‌ الكرة‌ الارضـيّة‌ ليل‌ ونصـفها الآخـر نهار، بَيدَ أنّهـم‌ كانـوا يرون‌ أنّ الليل‌ والنهار ناشئان‌ عن‌ حركة‌ الشمس‌ حول‌ الكرة‌ الارضيّة‌.

 فما الذي‌ جعل‌ الإمام‌ جعفراً الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يكتشف‌ أنّ الارض‌ تدور حول‌ نفسها فيتعاقب‌ الليل‌ والنهار بسبب‌ ذلك‌ ؟

 في‌ حين‌ أنّ علماء القرنين‌ الخامس‌ عشر والسادس‌ عشر الميلاديينِ الذين‌ ذُكرت‌ أسماء بعضهم‌ قد اهتدوا إلي‌ قسم‌ من‌ القوانين‌ الميكانيكيّة‌ للنجوم‌ دون‌ أن‌ يتوصّلوا إلي‌ حقيقة‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ نفسها. بينما كان‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يعيش‌ في‌ منطقة‌ ـ المدينة‌ ـ بعيدة‌ كلّ البعد عن‌ عواصم‌ العلوم‌، فكيف‌ اكتشف‌ هذه‌ الحقيقة‌ ؟[27]

 الرجوع الي الفهرس

 نشأة‌ الكون‌

 قال‌ جعفر الصادق‌ بشأن‌ نشأة‌ الكون‌:

 نشأ الكون‌ من‌ جرثومة‌، وهذه‌ الجرثومة‌ أصبحت‌ قطبين‌ متضادّين‌، وهذان‌ القطبان‌ المتضادّان‌ سبّبا نشوء الذرّة‌، ثمّ نشأت‌ المادّة‌، وتنوّعت‌، وتنوّعها ناشي‌ من‌ قلّة‌ ذرّاتها أو زيادتها.

 ولا تختلف‌ هذه‌ النظريّة‌ عن‌ النظريّة‌ العصريّة‌ الخاصّة‌ بالذرّة‌ وأصل‌ الكون‌. وقد أشار الإمام‌ إلي‌ وجود قطبين‌ متضادّين‌، وهو ما يماثل‌ القوّتَين‌ الإيجابيّة‌ والسلبيّة‌ داخل‌ الذرّة‌، ومنهما تتأ لّف‌ الذرّة‌ نفسها، وتتولّد المادّة‌ من‌ الذرّة‌، والتفاوت‌ الملحوظ‌ بين‌ الموادّ ( أي‌: العناصر ) ناشي‌ من‌ قلّة‌ أو كثرة‌ الاشياء التي‌ يمثّل‌ داخل‌ الذرّة‌ فيها العناصر الموجودة‌....

 تري‌ الشـيعة‌ أنّ اهتـداء الإمام‌ إلي‌ أسـرار الكـون‌ والنجـوم‌ وعلـوم‌ الفيزياء والرياضيّات‌ وما إليها إنّما هو من‌ خصائص‌ الإمامة‌، أي‌: من‌ مقتضيات‌ العلم‌ اللدنّي‌ّ... وقد شرعنا القول‌ في‌ علم‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بالجغرافية‌ وعلم‌ الهيئة‌ والنجوم‌ والفيزياء في‌ مبحث‌ نشأة‌ الكون‌، وها نحن‌ نواصل‌ كلامنا في‌ علم‌ الإمام‌ بالفيزياء، وسنصل‌ بعده‌ إلي‌ مباحث‌ أُخري‌، ونقـول‌: تعـرّض‌ جعـفر الصادق‌ في‌ مباحـث‌ الفيـزياء لمسـائل‌ لم‌ يتعرّض‌ لها أحد، لا قبله‌ ولا بعده‌ إلي‌ منتصف‌ القرن‌ الثامن‌ عشر وإلي‌ القرنين‌ التاسع‌ عشر والعشرين‌. [28]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ حول‌ العناصر التي‌ يتركّب‌ منها جسم‌ الإنسان‌

 تركيب‌ الإنسان‌

 كان‌ من‌ رأي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ كغيره‌ من‌ المسلمين‌ أنّ الإنسان‌ خُلق‌ من‌ تراب‌، ولكن‌ التوضيح‌ الذي‌ أتي‌ به‌ لم‌ يقل‌ به‌ غيره‌ من‌ المسلمين‌ لا قبله‌ ولا بعده‌ في‌ العصور المتعاقبة‌. ولم‌ يقم‌ أحد بشرح‌ أفكار الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بشأن‌ الكيان‌ البشريّ. فإن‌ وجدنا شرحاً في‌ العصور التالية‌ للإمام‌ فهو من‌ صنع‌ تلاميذه‌ أو روّاد مدرسته‌.

 يقول‌ الإمام‌ الصادق‌: إنّ جسم‌ الإنسان‌ يتألّف‌ من‌ نفس‌ العناصر الموجودة‌ في‌ الارض‌، ولكن‌ بنسب‌ متفاوتة‌، فهناك‌ عناصر توجد في‌ جسم‌ الإنسان‌ بنسبة‌ أكبر من‌ نسبة‌ وجودها في‌ الارض‌، وهناك‌ عناصر أُخري‌ توجد بنسبة‌ أقلّ منها. كما كان‌ يقول‌: إنّ هناك‌ أربعة‌ أشياء توجد في‌ جسم‌ الإنسان‌ بصورة‌ أكبر من‌ سواها، كما أنّ هناك‌ ثمانية‌ أشياء تأتي‌ في‌ مرحلة‌ ثانية‌، وثمانية‌ أشياء هي‌ أقلّ ممّا في‌ القسمين‌ الاوّلين‌.

 ولا ريب‌ في‌ أنّ هذه‌ النظريّة‌ غريبة‌ وبعيدة‌ عن‌ فهم‌ الإنسان‌، وأنّ المرء ليتسـاءل‌ تلقـاءها: هل‌ كان‌ للإمام‌ الصـادق‌ علم‌ باطـنيّ ( غيـبيّ ) كما تقول‌ الشيعة‌ ؟ وهل‌ استنبط‌ هذه‌ النظريّة‌ بعلم‌ الإمام‌ دون‌ العلم‌ البشريّ ؟

 وفي‌ رأينا أنّ من‌ العسير التوصّل‌ إلي‌ مثل‌ هذه‌ الحقائق‌ العلميّة‌ دون‌ مختبرات‌ علميّة‌ عصريّة‌، ولكن‌ هذا هو ما تناهي‌ إلي‌ علم‌ الصادق‌ قبل‌ اثني‌ عشر قرناً ونصف‌ القرن‌....

 إنّ جعفراً الصادق‌ سواء كان‌ له‌ علم‌ الإمامة‌ باعتقاد الشيعة‌، أم‌ انتفع‌ بشعوره‌ الباطنيّ حسب‌ نظريّة‌ القائلين‌ بالشعور الباطنيّ غير المحدود، أم‌ كان‌ يتمتّع‌ باندفاعة‌ قويّة‌ للحياة‌ كما يراه‌ برجسون‌،[29] قال‌ شيئاً حول‌ تركيب‌ جسم‌ الإنسان‌ أثبت‌ أنّه‌ لا نظير له‌ في‌ علم‌ التشريح‌ بين‌ معاصريه‌ ومن‌ جاء بعدهم‌ في‌ العصور اللاحقة‌.

 إذ برهن‌ التمحيص‌ العلميّ الدقيق‌ لنظريّة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بعد اثني‌ عشر قرناً ونصف‌ قرن‌ علي‌ أنّها نظريّة‌ صحيحة‌، حتّي‌ وإن‌ كان‌ الإمام‌ لم‌ يعط‌ أسماء معيّنة‌ لاجزاء الجسم‌ والموادّ التي‌ يحتويها.

 وقد قال‌ الصادق‌: إنّ العناصر الموجودة‌ في‌ الارض‌، وعددها مائة‌ واثنان‌، موجودة‌ في‌ جسم‌ الإنسان‌ بدرجات‌ متفاوتة‌. وإنّ بعضها يذهب‌ من‌ القلّة‌ مذهباً يحول‌ دون‌ تعيين‌ مقداره‌ وحجمه‌ بالدقّة‌ المطلوبة‌... كما قلنا: ثبتت‌ هذه‌ النظريّة‌ اليوم‌.

 إنّ العناصر الثمانية‌ التي‌ توجد في‌ جسم‌ الإنسان‌ بمقدار ضئيل‌ هي‌: الموليبدنـوم‌ السـلنيوم‌ ـ الفلور ـ الكوبلـت‌ ـ المنغـنيز ـ اليـود ـ النحـاس‌ الرصاص‌.

 وأمّا العناصر الثمانية‌ التي‌ توجد في‌ جسم‌ الإنسان‌ بكمّيّة‌ أكبر قليلاً فهي‌: المغنيسـيوم‌ ـ الصـوديـوم‌ ـ البوتاسـيـوم‌ ـ الكالسـيـوم‌ ـ الفوسـفور الكلور الكبريت‌ ـ الحديد.

 أمّا العناصـر الاربعة‌ التي‌ توجـد في‌ جسـم‌ الإنسان‌ بوفـرة‌، فهي‌: الاُوكسجين‌ ـ الكربون‌ ـ الهيدروجين‌ ـ الازوت‌ ( النتروجين‌ ) .

 لم‌ يتسنّ للعلماء الاهتداء إلي‌ هذه‌ العناصر في‌ جسم‌ الإنسان‌ في‌ غضون‌ يوم‌ أو يومين‌. فقد بدأ هذا العمل‌ بعمليّات‌ تشريح‌ دقيقة‌ منذ بداية‌ القرن‌ الثامن‌ عشر الميلاديّ، وكان‌ لفرنسا والنمسا دور رياديّ في‌ أُوروبّا في‌ علم‌ التشريح‌.

 لم‌ يزاوَل‌ علم‌ التشـريح‌ في‌ البلـدان‌ الاُخـري‌ إلاّ نادراً. ولم‌ يكـن‌ له‌ وجـود في‌ الاقطـار الشـرقـيّة‌، وفي‌ البلـدان‌ الاُوروبّـيّة‌ كانـت‌ الكـنائـس‌ الارثـوذكسـيّة‌ والكاثـوليكـيّة‌ والبروتسـتانتـيّة‌ تخـالف‌ التشـريـح‌. أمّا في‌ النمسا وفرنسا فقد كانت‌ عمليّات‌ التشـريح‌ تجري‌ خفية‌ خوفاً من‌ معارضة‌ الكنيسة‌.

 مع‌ هذا، لم‌ يتّسع‌ نطاق‌ التشريح‌ في‌ فرنسا حتّي‌ عهد الطبيب‌ الفرنسيّ ( مارا ) ، وكان‌ يجري‌ بخفاء تقريباً. وقام‌ مارا بالاشتراك‌ مع‌ عدد من‌ العلماء الفرنسيّين‌ ومنهم‌ لافوازييه‌ الشهير ـ الذي‌ قطع‌ رأسه‌ بالمقصلة‌ سنة‌ 1894 م‌ بتحـليل‌ الانسـجة‌ والخـلايا في‌ جسـم‌ الإنسان‌ للوقـوف‌ علي‌ أسرارها ومكوّناتها.

 وبعد وفاة‌ مارا، استمرّت‌ التجارب‌ والتحاليل‌ علي‌ جسم‌ الإنسان‌ يُجريها تلامذته‌ والمتأثّرون‌ به‌، وظلّت‌ هذه‌ التجارب‌ تجري‌ طوال‌ القرن‌ التاسع‌ عشر وإلي‌ مطلع‌ القرن‌ العشرين‌.

 كان‌ التشـريح‌ في‌ بداية‌ القرن‌ الثامن‌ عشـر الميلاديّ مقتصـراً علي‌ فرنسـا والنمسـا، ثمّ راج‌ في‌ سائـر البلـدان‌ الاُوروبّـيّة‌، وبلـدان‌ القـارّات‌ الاُخري‌. وأصبح‌ اليوم‌ متداولاً في‌ كلّ مكان‌ من‌ العالم‌ إلاّ بعض‌ البلدان‌ التي‌ ليس‌ فيها كلّيّة‌ الطبّ والجراحة‌.

 أينما كان‌ التشريح‌ فإنّ التحقيق‌ يجري‌ حول‌ العناصر التي‌ يتأ لّف‌ منها جسم‌ الإنسان‌. وقد تختلف‌ نتيجة‌ التحقيق‌ في‌ الجزئيّات‌ بين‌ مركزين‌، أمّا في‌ الارقام‌ الكبري‌ فلا اختلاف‌ بينهما، والتناسب‌ الذي‌ ذكره‌ جعفر الصادق‌ محفوظ‌ بشأن‌ جميع‌ الاشخاص‌ السالمين‌ في‌ كافّة‌ الاقطار. [30]

 الرجوع الي الفهرس

الاُوكسجين‌ والهيدروجين‌ في‌ الماء

 الاُوكسجين‌ والهيدروجين‌ في‌ الماء

 لم‌ يتمثّل‌ إعجاز جعفر الصادق‌ في‌ تحريك‌ الجبل‌، بل‌ يتمثّل‌ في‌ كشفه‌ وجود الاُوكسجين‌ في‌ الهواء قبل‌ اثني‌ عشر قرناً ونصف‌ القرن‌، وكذلك‌ اهتدي‌ آنذاك‌ إلي‌ أنّ في‌ الماء شيئاً يحترق‌. من‌ هنا ذكر أنّ الماء يتبدّل‌ ناراً.

 الذين‌ يقولون‌: أبرز إعجاز لاحد الانبياء كلامه‌، ينطقون‌ بكلامٍ له‌ أساسه‌ القـويّ كما يبـدو... إذ إنّنا عنـدما نسـمع‌ أنّ جعـفراً الصادق‌ اهتدي‌ في‌ النصـف‌ الاوّل‌ من‌ القرن‌ الثاني‌ الهجـريّ إلي‌ وجـود الاُوكسـجين‌ والهيدروجين‌ معاً ( في‌ الماء) نصدّق‌ في‌ قلوبنا أنّه‌ إعجاز....

 يذهل‌ الإنسان‌ في‌ كيفيّة‌ اهتداء جعفر الصادق‌ أو أبوه‌ ( محمّد الباقر ) إلي‌ وجود غاز الهيدروجين‌ الذي‌ لا وجود لخالصه‌ في‌ الطبيعة‌، وليس‌ له‌ لون‌ ورائحة‌ وطعم‌ ؟!

 جعفر الصادق‌ أو أبوه‌ لم‌ يستطع‌ أن‌ يهتدي‌ إلي‌ وجود الهيدروجين‌ إلاّ في‌ الماء، ولم‌ يتسنّ له‌ أن‌ يعرف‌ ذلك‌ بلا تحليلٍ للماء.

 إنّ تحليل‌ الماء يستلزم‌ استخدام‌ التيّار الكهربائيّ، إذ لم‌ يتيسّر تحليل‌ الماء بشكل‌ آخر. وهل‌ استطاع‌ أحد الاثنين‌ أن‌ يستخدم‌ التيّار الكهربائيّ لتحليل‌ الماء، وهو ما لا يقع‌ موقع‌ القبول‌.

 إنّ أوّل‌ من‌ نجح‌ في‌ فصل‌ الهيدروجين‌ عن‌ الماء في‌ الاعصار الجديدة‌ هو هنري‌ كفنديش‌ الإنجليزيّ الذي‌ توفّي‌ سنة‌ 1810 م‌ عن‌ إحدي‌ وثمانين‌ سنةً.

 لقد جهد هذا العالم‌ عدد سنين‌ لتحليل‌ الماء، وحصل‌ بعد ذلك‌ علي‌ الهيدروجين‌ الذي‌ سمّاه‌ الهواء القابل‌ للاحتراق‌، وكاد يحترق‌ هو وبيته‌ في‌ أوّل‌ مرّة‌ أوقد فيها الهيدروجين‌....

 تمّ اكتشاف‌ غاز الهيدروجين‌ في‌ وقت‌ كان‌ استخدام‌ الطاقة‌ الكهربائيّة‌ قد تقدّم‌ فيه‌ بنحو تيسّر فيه‌ تحليل‌ الماء باستخدامها.

 أمّا في‌ عصر الإمام‌ الصادق‌ فقد كان‌ استخدام‌ الطاقة‌ الكهربائيّة‌ في‌ حدود استعمال‌ القشّ والكهرباء للهو واللعب‌، وكانوا يدلكون‌ قطعة‌ من‌ الكهرباء بقماش‌ صوفيّ ويقرّبونها من‌ القشّ فتجذب‌ الكهرباءُ القشَّ.

 هل‌ اهتـدي‌ جعفر الصادق‌ أو أبوه‌ محمّد الباقر إلي‌ وسيلة‌ لفصـل‌ الهيدروجين‌ عن‌ الماء، لم‌ يطّلع‌ عليها العلماء بعد ؟ وهل‌ استطاعا أن‌ يفصلاه‌ عن‌ الماء بوسيلة‌ غير التيّار الكهربائيّ ؟

 لم‌ تُعرف‌ وسيلة‌ لفصل‌ الهيدروجين‌ عن‌ الماء غير التيّار الكهربائيّ منذ اليوم‌ الذي‌ نجح‌ فيه‌ كفنديش‌ لاوّل‌ مرّة‌ في‌ الحصول‌ علي‌ الهيدروجين‌ حتّي‌ يومنا هذا، ولم‌ يستطع‌ العلماء لحدّ الآن‌ أن‌ يفصلوه‌ عن‌ الماء إلاّ بهذه‌ الوسيلة‌. [31]

 الرجوع الي الفهرس

 تلوّث‌ البيئة‌

 تلوّث‌ البيئة‌

 لم‌ يعرف‌ عصر جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الصناعات‌ إلاّ ما كان‌ يدويّاً تقليديّاً، ولم‌ تكن‌ الصناعة‌ الحديثة‌ قد عرفت‌ في‌ ذلك‌ الحين‌. وكانت‌ عمليّة‌ صهر الحديد والفولاذ تتمّ داخل‌ أوان‌ كرويّة‌ صغيرة‌ علي‌ نار الحطب‌، وهذا لا يخلق‌ مشكلة‌ خاصّة‌ بتلوّث‌ البيئة‌.

 وحتّي‌ لو استخـدمت‌ في‌ صهر الحديد والفـولاذ كمّيّات‌ من‌ الفحـم‌ الحجريّ بدلاً من‌ الحطب‌، فإنّ حجم‌ هذه‌ العمليّة‌ لم‌ تكن‌ بالقدر الذي‌ يؤثّر في‌ تلوّث‌ البيئة‌. وعندما شرعت‌ ألمانيا الغربيّة‌ وفرنسا وبريطانيا في‌ إنتاج‌ الحديد والفولاذ في‌ مطلع‌ القرن‌ الثامن‌ عشر الميلاديّ، ثمّ تلتها دول‌ أُوروبّيّة‌ أُخري‌، لم‌ تكن‌ هناك‌ شكوي‌ من‌ تلوّث‌ البيئة‌ بفعل‌ هذه‌ المصانع‌ التي‌ كانت‌ تستخدم‌ الفحم‌ الحجريّ في‌ صهر المعادن‌، والتي‌ كان‌ دخانها يتصاعد من‌ المداخن‌ طوال‌ السنة‌ دون‌ توقّف‌.

 فإذا كانت‌ هذه‌ الدول‌ لم‌ تشكُ من‌ التلوّث‌، ولديها صناعة‌ ضخمة‌ للحديد والفولاذ وقودها الفحم‌ الحجريّ، فكيف‌ وعصر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ الذي‌ لم‌ يعرف‌ هذه‌ المصانع‌ الضخمة‌ أصلاً ولم‌ يعرف‌ حتّي‌ الفحم‌ الحجريّ ؟

 مع‌ هذا قال‌ جعفر الصادق‌ ، وكأنّه‌ يري‌ العالم‌ اليوم‌ : « إنّ علي‌ الإنسان‌ ألاّ يلوّث‌ ما حوله‌ » لكي‌ لا يجعل‌ الحياة‌ شاقّة‌ له‌ ولغيره‌.

 ولم‌ يُعن‌ العالم‌ بموضوع‌ تلوّث‌ البيئة‌ إلاّ من‌ نحو ثلاثين‌ سنة‌ عندما أُلقيت‌ القنبلة‌ الذرّيّة‌ علي‌ اليابان‌ ولوّث‌ إشعاعها المنطقة‌ المحيطة‌ بمكان‌ الإنفجار.

 ولو اكتفوا بذلك‌ الإنفجار لما تلوّثت‌ البيئة‌، فقد واصلت‌ البلدان‌ الحائزة‌ علي‌ السلاح‌ النوويّ إجراء تجاربها علي‌ ذلك‌ السلاح‌، وإلي‌ جانب‌ هذه‌ التجارب‌ تمّ تشغيل‌ المصانع‌ المولّدة‌ للكهرباء بالطاقة‌ الذرّيّة‌ فازداد تلوّث‌ الجوّ من‌ النفايات‌ السامّة‌.

 وأدّت‌ المصانع‌ الضخمة‌ في‌ أُوروبّا وأميركا دوراً كبيراً آخر في‌ تلوّث‌ مياه‌ الانهار والبيئة‌، لأنّها كانت‌ تلقي‌ بنفاياتها في‌ الانهار الجارية‌، مثل‌ نهر ( الرون‌ ) في‌ أُوروبّا الغربيّة‌، فقتلت‌ الاسماك‌، وتعرّضت‌ بحيرات‌ المياه‌ العذبة‌ في‌ أميركا الشماليّة‌ لمصير مماثل‌. وأخطر من‌ تلوّث‌ الجوّ تلوّث‌ المحيطات‌، لانّ العوالق‌ البحريّة‌ ( البلانكتون‌ ) التي‌ تعيش‌ فيها معرّضة‌ للفناء لاسيّما وهي‌ تعيش‌ قريباً من‌ اليابسة‌. ومن‌ فوائد هذه‌ العوالق‌ البحريّة‌ أنّها تولّد حوالي‌ 90 % من‌ الاُوكسـجين‌ المنتشـر في‌ الارض‌، وإن‌ فتك‌ بها التلوّث‌ هبطت‌ نسبة‌ الاُوكسجين‌ إلي‌ 10 %، وهو ما لا يفي‌ بحاجات‌ التنفّس‌ للإنسان‌ والحيوان‌ والنبات‌، ممّا يهدّد الحياة‌ نفسها، وينذر بانقراض‌ نسل‌ الحيوان‌ والنبات‌. وهذه‌ النتيجة‌ ليست‌ مجرّد نظريّة‌ تحتمل‌ الصدق‌ والكذب‌، بل‌ هي‌ محاسبة‌ علميّة‌. فبسبب‌ تلوّث‌ المحيطات‌ يتناقص‌ عدد العوالق‌ البحريّة‌ في‌ كلّ سنة‌، وسينخفض‌ عددها إلي‌ النصف‌ بعد خمسين‌ سنة‌، مع‌ ما يترتّب‌ علي‌ ذلك‌ من‌ انخفاض‌ الاُوكسجين‌ في‌ الارض‌ بنسبة‌ مماثلة‌.

 ومعني‌ هذا أنّ الطفل‌ الذي‌ يولد اليوم‌، والذي‌ تكتب‌ له‌ الحياة‌ إلي‌ أن‌ يبلغ‌ الخمسين‌ من‌ عمره‌ سيتنفّس‌ وقتذاك‌ وكأنّه‌ يتسلّق‌ جبال‌ الهملايا دون‌ الاستعانة‌ بجهاز أُوكسجين‌.

 وإذا استمرّ تلوّث‌ مياه‌ المحيطات‌ فسيكون‌ تنفّس‌ الإنسان‌ والحيوان‌ بعد خمسين‌ سنة‌ كتنفّس‌ المصابين‌ بالاختناق‌.

 وإذا رغب‌ امرؤ بعد خمسـين‌ سنة‌ في‌ إشعال‌ عود ثقاب‌ أو موقـد الطهي‌، لوجد صعوبة‌ في‌ ذلك‌ لعدم‌ توفّر القدر الكافي‌ من‌ الاُوكسجين‌ في‌ الهواء، هذه‌ حقيقة‌ وليست‌ خرافة‌....

 وقوفاً علي‌ عدم‌ الالتزام‌ بوصيّة‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بألاّ يلوّث‌ الإنسان‌ ما حوله‌، وكيف‌ يفضـي‌ هذا إلي‌ تورّط‌ شعـب‌ غني‌ّ بالمشـاكل‌ الناجمة‌ عنه‌، نضرب‌ مثالاً باليابان‌ ونقول‌:

 ها نحن‌ نري‌ اليابان‌ متقدّمة‌ في‌ صناعات‌ السيّارات‌، والحاسوب‌ الالكترونيّ، والاقمشة‌ المصنوعة‌ من‌ الالياف‌ الصناعيّة‌ ( السليلوز ) ، وفي‌ صناعة‌ السفن‌، وأجهزة‌ المذياع‌ والتلفاز، وأجهزة‌ التصوير، والدرّاجات‌ الناريّة‌، وهلمّ جرّا، ولعلّها تحتلّ المنزلة‌ الثانية‌ بعد أميركا في‌ هذه‌ الصناعات‌.

 إذا أردنا أن‌ نعرف‌ كيف‌ استطاعت‌ اليابان‌ أن‌ تصل‌ إلي‌ هذا المستوي‌ الصناعيّ والتجاريّ خلال‌ فترة‌ قصيرة‌ وهي‌ التي‌ بدأت‌ من‌ الصفر، خرجنا من‌ نطاق‌ بحثنا الذي‌ يحوم‌ حول‌ تلوّث‌ البيئة‌. ونقول‌ بإيجاز: ثمّة‌ عاملان‌ أصليّان‌ أوصلاها إلي‌ هذا المسـتوي‌، وهما: الإدارة‌ الجـيّـدة‌ الكفـوءة‌، وإخلاص‌ العامل‌ اليابانيّ في‌ عمله‌.

 بَيدَ أنّ هذا الشعب‌ الغنيّ الفعّال‌ لمّا لم‌ ينتبه‌ إلي‌ أن‌ يمسك‌ عن‌ تلوّث‌ البيئة‌، فإنّه‌ الآن‌ لم‌ يُمْنَ بإشكال‌ كبير فحسب‌، بل‌ عرّض‌ نفسه‌ للخطر، فظـهرت‌ في‌ اليابان‌ أمراض‌ لم‌ يعـهد تأريخ‌ الطـبّ مثلها بسـبب‌ تلـوّث‌ البيئة‌....[32]

 الآن‌ أدرك‌ الإنسان‌ الاخطار الناجمة‌ عن‌ تلوّث‌ البيئة‌، بخاصّة‌ الارض‌ والانهار والبحار. أمّا أُولوا الالباب‌ الغابرون‌ كجعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ فقد أدركوا ذلك‌ قبل‌ ألف‌ ومائتي‌ سنة‌ فقالوا: إنّ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يعيش‌ بنحوٍ لا يلوّث‌ فيه‌ ما حوله‌.[33]

 إنّ ما تقدّم‌ كان‌ نموذجاً لآراء الباحثين‌ في‌ استراسبورغ‌ حول‌ أقسام‌ من‌ المعطيات‌ العلميّة‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وقد نقلناها من‌ مجلّة‌ « خواندنيها » بَيدَ أنّ الباحثين‌ المذكورين‌ قد حصلوا علي‌ دراسة‌ حياة‌ إمامنا السادس‌ فحسب‌ فأصابهم‌ الذهول‌، فكيف‌ بهم‌ إذا قاموا بدراسة‌ حياة‌ سائر الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ ؟ إذ لو ألقوا نظـرة‌ عليها لاَ لْفَوهُم‌ مسـتودعاً للعـلوم‌ الإلهيّة‌ كالصادق‌ عليه‌ السلام‌.

 يتصدّر القرآن‌ الكريم‌ العلوم‌ والآثار الإسلاميّة‌. وهو زاخر بالمسائل‌ العلميّة‌ التي‌ اهتدي‌ العلماء المعاصرون‌ إلي‌ بعضها.

 الجاذبيّة‌ العامّة‌

 يقولون‌: إنّ نيوتن[34]‌ هو الذي‌ اكتشف‌ قوّة‌ الجاذبيّة‌، والذي‌ مهّد لهذا الاكتشـاف‌ هو سقوط‌ تفّاحة‌ من‌ شجرة‌ كان‌ جالسـاً تحـتها فخـمّن‌ وجـود جاذبيّة‌ دائميّة‌ بين‌ الاجسام‌. وأيّدت‌ التجارب‌ التي‌ أُجريت‌ بعده‌ صحّة‌ هذه‌ النظريّة‌. بَيدَ أ نّا لو رجعنا إلي‌ القرآن‌ الكريم‌ لوجدناه‌ قد صرّح‌ بوجود هذه‌ القوّة‌ في‌ العالم‌ قبل‌ أربعة‌ عشر قرناً. قال‌ تعالي‌: اللَهُ الَّذِي‌ رَفَعَ السَّمَـ'وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا....[35]

 نصّـت‌ هذه‌ الآية‌ علي‌ أنّ الكـرات‌ السـماويّة‌ ثابـتة‌ بفضـل‌ أعمـدة‌ لا تُري‌، وهذه‌ الاعمدة‌ هي‌ قوّة‌ الجاذبيّة‌ العامّة‌.

 إنّ البحث‌ في‌ هذا المجال‌، وذكر أدلّة‌ أُخري‌ يتطلّبان‌ فرصة‌ كبيرة‌. فعلي‌ الراغبين‌ مراجعة‌ الكتب‌ المفصّلة‌ التي‌ أ لّفها العلماء في‌ هذا المجال‌. علماً أ نّنا سنتحدّث‌ أيضاً عن‌ هذه‌ الاُمور في‌ المستقبل‌ بفضل‌ الله‌ تعالي‌ انتهي‌. [36]

 الرجوع الي الفهرس

العلوم‌ التجربيّة‌ في‌ كلمات‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌

 وننقل‌ فيما يأتي‌ الكرّاسة‌ الثانية‌ المتمثّلة‌ بالعدد 23 من‌ مجلّة‌ « الحقائق‌ العلميّة‌ في‌ الإسلام‌ » علي‌ نفس‌ النسق‌ الذي‌ نهجناه‌ في‌ العدد 22 المارّ ذكره‌.

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 إنّ المباحث‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ وسائر الآثار الإسلاميّة‌، التي‌ هي‌ بين‌ أيدي‌ العلماء، تشتمل‌ علي‌ مسائل‌ علميّة‌ عميقة‌ وقد ظفر الباحثون‌ أُولو البصائر ببعضها وأدركوها.

 لم‌ تستخدم‌ الاصطلاحات‌ المعاصرة‌ المتداولة‌ في‌ تلك‌ الآثار، بَيدَ أنّ الباحثين‌ علي‌ علمٍ بأنّ عدم‌ استخدامها يعود إلي‌ عدم‌ استعداد الناس‌ يومئذٍ. وقد عرض‌ أئمّة‌ الإسلام‌ وقادته‌ المطالب‌ العلميّة‌ العميقة‌ بنحوٍ يفهمه‌ مجتمعهم‌ نوعاً ما.

 ففي‌ عصرٍ لم‌ يُصـنع‌ فيه‌ المِرقَب‌ ( التلسـكوب‌ ) ، ولم‌ يُؤسَّـس‌ فيه‌ المرصد، ولم‌ يطّلع‌ فيه‌ أحد علي‌ الكون‌ الفسيح‌. وفي‌ عصر لم‌ تُكتَشف‌ فيه‌ الجراثيم‌، ولم‌ يُعرَف‌ فيه‌ المجهر، ولم‌ يطّلع‌ فيه‌ أحد علي‌ الكائنات‌ الدقيقة‌ المجرّدة‌. وفي‌ عصر لم‌ يسخّر فيه‌ العلماء الطاقة‌ الكهربائيّة‌، ولم‌ تُطرح‌ فيه‌ الاكتشافات‌ المتعلّقة‌ بها، تكون‌ الارضيّة‌ غير مساعدة‌ لإبراز الحقائق‌ العلميّة‌، ولا سبيل‌ إلي‌ تفهيمها وتبيانها إلاّ الإشارة‌ أو استعمال‌ العبارات‌ والمصطلحات‌ المتداولة‌ آنذاك‌.

 من‌ هنا، جاءت‌ المسائل‌ العلميّة‌ جميعها في‌ آثار أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ بمستوي‌ تفهمه‌ مجتمعاتهم‌ وبألفاظٍ قابلة‌ لإدراكهم‌.

 نقلنا في‌ البحث‌ المتقدّم‌ مقتطفات‌ من‌ كتاب‌ « مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌ » الذي‌ يعرض‌ قسماً من‌ علوم‌ الإمام‌ السادس‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌. ولمّا كان‌ لهذه‌ البحوث‌ التي‌ كتبها من‌ الباحثين‌ والعلماء المحايدين‌ أثرها المطلوب‌ علي‌ القرّاء، ننقل‌ فيما يأتي‌ أقساماً أُخري‌ منها:

 ذكرنا سابقاً أنّ مجلّة‌ « خواندنيها » قامت‌ بنشر الكتاب‌ علي‌ شكل‌ مقالات‌ متسلسلة‌ بعد أن‌ ترجمه‌ الاخ‌ منصوري‌ إلي‌ الفارسيّة‌.

 وهذا الكتاب‌ أعدّه‌ لفيف‌ من‌ العلماء والباحثين‌ المسيحيّين‌ في‌ مركز الدراسات‌ الإسلاميّة‌ في‌ استراسبورغ‌، وكلّ منهم‌ متخصّص‌ في‌ فرع‌ من‌ العلوم‌ المختلفة‌.

 تأسّس‌ المركز المذكور في‌مدينة‌ استراسبورغ‌ مركز مقاطعة‌ الالزاس‌ الفرنسيّة‌ علي‌ نهر الرون‌. ويزاول‌ عمله‌ في‌ تحقيق‌ ودراسة‌ المسائل‌ والآثار والعلوم‌ الإسلاميّة‌،[37] ويستأثر هذا الكتاب‌ بدراسة‌ آثار الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌.

 النقطة‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ ننبّه‌ عليها هي‌ أ نّنا لم‌ نغيّر في‌ عبارات‌ الكتاب‌ شيئاً مراعاةً للامانة‌. وإذا ما ذُكر اسم‌ الإمام‌ السـادس‌ عليه‌ السـلام‌ مجـرّداً بلا تبجيل‌، فذلك‌ يعود إلي‌ أُسلوب‌ المؤلّفين‌ المحترمين‌ أنفسهم‌. وفيما يأتي‌ أقساماً من‌ الكتاب‌:

 الرجوع الي الفهرس

توصية‌ الإمام‌ الصادق‌ بإرقاد الطفل‌ في‌ الجانب‌ الايسر من‌ الاُمّ

 الجنين‌ في‌ الجانب‌ الايسر من‌ الاُمّ

 من‌ مظاهر عبقـريّة‌ جعـفر الصادق‌ توصيـته‌ للاُمّـهات‌ بأن‌ يرضـعن‌ أطفالهنّ وهم‌ راقدون‌ إلي‌ الناحية‌ اليُسري‌ منهنّ.

 وظلّت‌ هذه‌ التوصية‌ طوال‌ قرون‌ ممتدّة‌ كتزيّد لا لزوم‌ له‌ أو تدخّل‌ فيما لا يعني‌ وسبب‌ ذلك‌ أنّ أحداً لم‌ يُدرك‌ فائدتها. ولعلّ البعض‌ كان‌ يري‌ خطراً في‌ تنفيذها ويخال‌ أنّ الطفل‌ الرضيع‌ لو رقد إلي‌ الجانب‌ الايسر من‌ أُمّه‌ فربّما تتحرّك‌ الاُمّ عند نومها وتخنقه‌ تحتها.

 وعندما سئل‌ محمّد بن‌ إدريس‌ الشافعيّ ـ الذي‌ وُلد بعد وفاة‌ جعفر الصادق‌ بعامين‌ ( أي‌: في‌ سنة‌ 150 ه ) في‌ مديـنة‌ غزّة‌، وتوفّي‌ في‌ القاهـرة‌ في‌ سنة‌ 199 ه عن‌ رضاعة‌ الطفل‌، وهل‌ الاسلم‌ أن‌ يرضع‌ الطفل‌ وهو راقد إلي‌ الجانب‌ الايمن‌ من‌ أُمّه‌ أو إلي‌ جانبـها الايسـر، ردّ قائلاً: لا فرق‌ بين‌ الايمن‌ والايسر، وللاُمّ أن‌ تُرضع‌ طفلها كما تشاء وبالاُسلوب‌ الذي‌ يشعره‌ بالراحة‌.

 ورأي‌ البعـض‌ أنّ كلام‌ جعـفر الصادق‌ يغايـر العقل‌ السـليـم‌، وأنّه‌ خالف‌ ما جرت‌ عليه‌ الاُمّهات‌ من‌ وضع‌ الطـفل‌ في‌ الناحـية‌ اليُمـني‌ عند إرضاعه‌، وأنّ من‌ الاكرم‌ للامّ وللطـفل‌ أن‌ يكون‌ في‌ ناحـية‌ الميمـنة‌ عند الرضاع‌.

 وهكذا خفيت‌ الحكمة‌ من‌ هذه‌ النظريّة‌ في‌ الشرق‌ وفي‌ الغرب‌، ولم‌ يُقم‌ أحد فيهما وزناً لها، حتّي‌ في‌ عصر النهضة‌ والتجديد حيث‌ يهتمّ العلماء بكلّ موضوع‌ علميّ من‌ منظار نقديّ. ولم‌ يقع‌ أحد علي‌ الفوائد المرتجاة‌ من‌ تطبيقها عمليّاً عند الرضاعة‌.

 ومرّت‌ القرون‌ السادس‌ عشر والسابع‌ عشر والثامن‌ عشر الميلاديّ، وهي‌ قرون‌ التجديد، ثمّ حان‌ القرن‌ التاسع‌ عشر فأُنشئت‌ جامعة‌ كورنيل‌ في‌ ولاية‌ نيويورك‌ وبدأت‌ عملها في‌ النصف‌ الثاني‌ من‌ ذلك‌ القرن‌.

 يُعزي‌ الفضل‌ في‌ تأسيس‌ هذه‌ الجامعة‌ إلي‌ عزرا كورنيل‌ الذي‌ عاني‌ في‌ صغره‌ عناءً شديداً من‌ مشكلات‌ الرضاعة‌ ومتاعبها. ومن‌ هنا اعتزم‌ أن‌ يُلحق‌ بالجامعة‌ مستشفي‌، وأن‌ يُلحق‌ بالمستشفي‌ معهداً لدراسة‌ مشكلات‌ الرضاعة‌ والطفولة‌.

 أنشأت‌ جامعة‌ كورنيل‌ هذا المعهد في‌ أوّل‌ سنة‌ دراسيّة‌. والتحق‌ بكلّـيّة‌ الطـبّ. وها هو يواصـل‌ عمله‌ في‌ دراسـة‌ كلّ ما يتعـلّق‌ بالطـفولة‌ والرضاعة‌ منذ ما يربو علي‌ قرن‌ من‌ الزمان‌.

 وقلّ أن‌ تجد موضوعاً يتعلّق‌ بالطفل‌ أو بالرضاعة‌ إلاّ وفّاه‌ هذا المعهد دراسةً وبحثاً وخرج‌ فيه‌ بأسلم‌ النتائج‌ العلميّة‌. ولا يفوقه‌ مركز علميّ في‌ العالم‌ من‌ حيث‌ المعلومات‌ المرتبطة‌ بالرضّع‌.

 ويسـتحيل‌ أن‌ تجـد موضـوعاً مرتبطاً بهم‌ إلاّ وقد نال‌ نصـيبه‌ من‌ الدراسة‌، حتّي‌ اللوحات‌ الزيتيّة‌ التي‌ رسمها كبار الفنّانين‌ للاطفال‌ والتي‌ تقتنيها المتاحف‌ الرئيسة‌، ولوحظ‌ أنّ معظم‌ هذه‌ الصور كانت‌ تمثّل‌ الاُمّ حاملةً طفلها من‌ الناحية‌ اليُسري‌. ذلك‌ أنّ عدد الصور التي‌ دُرست‌ كان‌ 466 صورة‌، تبيّن‌ أنّ 373 صورةً منها تمثّل‌ أُمّهات‌ يحضنّ أطفالهنّ في‌ الناحية‌ اليُسري‌، في‌ حين‌ أنّ 93 صورة‌ كان‌ الطفل‌ فيها محمولاً من‌ الناحية‌ اليمني‌. أي‌: أنّ 80 % من‌ الصور الموجودة‌ في‌ المتاحف‌ المعروفة‌، والتي‌ تمثّل‌ الاُمومة‌، قد أظهرت‌ الطفل‌ محمولاً من‌ الناحية‌ اليسري‌.

 وفي‌ ولاية‌ نيويورك‌ عدد من‌ مستشفيات‌ الولادة‌ التابعة‌ لمؤسّسة‌ كورنيل‌ الجامعيّة‌ للاطفال‌. والاطبّاء العاملون‌ فيه‌ يوافون‌ المعهد العلميّ للجامعة‌ بالتقارير والملفّات‌ الطبّيّة‌ الخاصّة‌ بالاطفال‌ والاُمّهات‌ لدراستها.

 ويستشفّ من‌ التقارير المرسلة‌ إلي‌ هذا المعهد العلميّ في‌ فترة‌ غير قصيرة‌ أنّ الطفل‌ في‌ أيّامه‌ الاُولي‌ يكون‌ أهدأ وأقلّ بكاءً لو نام‌ إلي‌ الجانب‌ الايسر لامّه‌. أمّا إن‌ نام‌ إلي‌ الناحية‌ اليمني‌، فهو يستيقظ‌ في‌ فترات‌ قصيرة‌ متقطّعة‌ ويجهش‌ في‌ البكاء.

 ويلاحـظ‌ أنّ هذه‌ الدراسـة‌ تناولـت‌ الاطفال‌ البيـض‌ والسـود دون‌ تفرقة‌. وقد برهنت‌ في‌ جميع‌ الحالات‌ علي‌ أنّ الطفل‌، سواء كان‌ أبيضاً أم‌ أسوداً أم‌ هنديّاً أحمر، يجد مزيداً من‌ الراحة‌ والهدوء إذا رقد إلي‌ الجانب‌ الايسر لاُمّه‌. وقد أنفقت‌ جامعة‌ كورنيل‌ وقتاً طويلاً متواصلاً في‌ بحث‌ هذا الموضوع‌. وتوفّر للاطبّاء في‌ مركز البحوث‌ علي‌ فحص‌ بطن‌ الحامل‌ بأشعّة‌ مجهولة‌ حتّي‌ يروا الجنين‌ فيها. لكنّ رؤيته‌ لم‌ تُضِف‌ إلي‌ معلوماتهم‌ شيئاً إلي‌ أن‌ تمّ اختراع‌ جهاز هولوجرافي‌.[38]

 وبعد اختراع‌ هولوجرافي‌ حاول‌ الاطبّاء تصـوير الجنين‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌ في‌ وقت‌ كشفته‌ الاشعّة‌ المجهولة‌، فتبيّن‌ أنّ ضربات‌ قلب‌ الاُمّ تُحدث‌ أمواجاً تنتشر في‌ جسمها وتصل‌ إلي‌ سمع‌ الطفل‌. وبعد أن‌ عرف‌ الاطبّاء هذه‌ الحقيقة‌، رغبوا في‌ معرفة‌ الآثار التي‌ تظهر في‌ الطفل‌ عند توقّف‌ ضربات‌ قلب‌ الاُمّ. ولمّا لم‌ يستطيعوا أن‌ يوقفوا قلب‌ الاُمّ إذ يعني‌ الموت‌ للاُمّ وللطفل‌ معاً. فأجروا تجاربهم‌ علي‌ الحيوانات‌ المرضعة‌، فتبيّن‌ لهم‌ أنّ إيقاف‌ نبضات‌ قلب‌ الحيوان‌ الحامل‌ ينعكس‌ علي‌ جنينه‌ فوراً. وهي‌ نتيجة‌ تحقّقت‌ من‌ التجارب‌ التي‌ أُجريت‌ علي‌ فصائل‌ شتّي‌ من‌ الحيوانات‌. وقطع‌ الاطبّاء بأنّ توقّف‌ قلب‌ الاُمّ يؤثّر تأثيراً مباشراً علي‌ الجنين‌، وبوفاة‌ الاُمّ يموت‌ الجنين‌ بدوره‌، لانّ الجنين‌ يتغذّي‌ من‌ الشريان‌ الاُورطيّ المتّصل‌ بقلب‌ الاُمّ ويتأثّر بنبضات‌ قلبها. ولو توقّف‌ هذا النبض‌ لانقطع‌ الغذاء عن‌ الجنين‌ ولمات‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌.

 وقد استنتج‌ الاطبّاء من‌ هذه‌ التجـارب‌ أنّ الجـنين‌ لا يعـتاد سماع‌ ضربات‌ قلب‌ أُمّه‌ فحسب‌، بل‌ إنّ حياته‌ ترتبط‌ أيضاً بهذه‌ الضربات‌. فإن‌ توقّفت‌ الضربات‌ انقطع‌ الغذاء عن‌ الجنين‌ ومات‌.

 وقد اعتاد الجنين‌ علي‌ سماع‌ ضربات‌ قلب‌ أُمّه‌ بنحو أنّه‌ إذا لم‌ يسمعها بعد ولادته‌ فإنّه‌ يشعر بالقلق‌. ويشخّص‌ تلك‌ الضربات‌ جيّداً. وهذا هو السـرّ في‌ أنّ حمل‌ الطـفل‌ من‌ ناحـية‌ الاُمّ اليسـري‌ يجـعله‌ أكثـر اطمئـناناً وهدوءاً، وهو ما يفتقر إليه‌ الجانب‌ الايمن‌ للاُمّ.

 الرجوع الي الفهرس

بحوث‌ مؤسّسة‌ كورنيل‌ حول‌ موضوع‌ هذه‌ التوصية‌

 ولولا جهود المعهد العلميّ الجامعيّ الذي‌ أسّسته‌ جامعة‌ كورنيل‌ في‌ دراسة‌ أوضاع‌ الطفل‌ ومشكلاته‌ الصحّيّة‌ والنفسيّة‌ وأسباب‌ الرعاية‌ السليمة‌ التي‌ تُتاح‌ له‌ في‌ أيّامه‌ الاُولي‌، لما عرفنا أهمّيّة‌ النظريّة‌ التي‌ ساقها جعفر الصادق‌ في‌ هذا المقام‌، ومؤدّاها أنّ الرضاعة‌ السليمة‌ تقتضي‌ من‌ الاُمّ توسيد طفلها إلي‌ جانبها الايسر لا الايمن‌.

 وقد ارتأي‌ مركز الولادة‌ ورعاية‌ الطفل‌ التابع‌ لجامعة‌ كورنيل‌ تجهيز جميع‌ فروعه‌ ووحداته‌ بجهاز يوضع‌ في‌ غرفة‌ الاطفال‌ الحديثي‌ العهد بالولادة‌، ومهمّته‌ بثّ صوت‌ شبيه‌ بنبضات‌ قلب‌ الاُمّ، وزوّدت‌ أسِرَّة‌ الاطفال‌ بجهاز مهمّته‌ نقل‌ صوت‌ هذه‌ الضربات‌ إليهم‌. ومعروف‌ أنّ قلب‌ الشخص‌ البالغ‌ السليم‌ يدقّ عادةً 72 مرّة‌ في‌ الدقيقة‌.

 ومن‌ التجارب‌ التي‌ أُجريت‌ علي‌ الاطفال‌ زيادة‌ عدد نبضات‌ القلب‌ إلي‌ 110 أو 120 نبضة‌ في‌ الدقيقة‌، فكان‌ من‌ أثر ذلك‌ انزعاج‌ الاطفال‌ وارتفاع‌ أصواتهم‌ بالبكاء. فإن‌ أُعيدت‌ النبضات‌ إلي‌ وضعها الطبيعيّ، وهو 72 دقّة‌ في‌ الدقيقة‌ كفّ الاطفال‌ عن‌ البكاء. وقد جُرِّبـت‌ هذه‌ التجـربة‌ وأُعيدت‌ في‌ مراكز الرضاعة‌ مرّات‌ كثيرة‌ فكانت‌ نتيجتها واحدة‌.

 وهناك‌ تجربة‌ أُخري‌ أُجريت‌ علي‌ الاطفال‌ الرضّع‌، فقد وُضعت‌ مجموعة‌ منهم‌ في‌ غرفة‌ بها جهاز يقلّد ضربات‌ قلب‌ الاُمّ بحيث‌ لا يسمعه‌ الاطفال‌، ووُضعت‌ مجموعة‌ أُخري‌ في‌ غرفة‌ بحيث‌ يسمعون‌ ضربات‌ قلبها، فاتّضح‌ للاطبّاء أنّ الاطفال‌ الذين‌ يسمعون‌ صوت‌ النبضات‌ يزيد وزنهم‌ بسرعة‌ تفوق‌ سرعة‌ الوزن‌ لدي‌ الذين‌ لا يسمعون‌، في‌ حين‌ أنّ الغذاء المقدّم‌ للمجموعتين‌ متشابه‌ من‌ حيث‌ النوع‌.

 لكن‌ في‌ الغرفة‌ التي‌ يسمع‌ فيها الاطفال‌ صوت‌ النبضات‌ يأكلون‌ بشهيّة‌ تفوق‌ شهيّة‌ الذين‌ لا يسمعونه‌.

 وبحثوا أيضاً في‌ الصوت‌ الاصطناعيّ لقلب‌ الاُمّ من‌ حيث‌ شدّته‌، وذلك‌ في‌ مراكز الولادة‌ لمعهد الدراسات‌ في‌ جامعة‌ كورنيل‌ فعرفوا أنّ ذلك‌ الصوت‌ إذا كان‌ أشدّ من‌ الصوت‌ الطبيعيّ لنبضات‌ قلب‌ الاُمّ فإنّه‌ يُقلق‌ الاطفال‌ ويدفعهم‌ إلي‌ البكاء.

 وقد قام‌ الدكتور لي‌ سولك‌، وهو طبيب‌ متخصّص‌ في‌ طبّ الاطفال‌ في‌ معهد كورنيل‌ الجامعيّ بجولة‌ حول‌ العالم‌ لدراسة‌ التقاليد التي‌ تجري‌ عليها الشعوب‌ والاُمم‌ في‌ إرضاع‌ الطفل‌ ورعاية‌ الطفولة‌، وكتب‌ في‌ تقريره‌ يقول‌ إنّه‌ رأي‌ في‌ مناطق‌ شتّي‌ من‌ العالم‌ أُمّهات‌ يحتضنّ أطفالهنّ في‌ الجانب‌ الايسر، وذلك‌ أثناء نهوضهنّ بأعمالهنّ أو عند عبور الطرق‌. كما لاحظ‌ أنّ معظم‌ الاُمّهات‌ اللائي‌ يحضنّ أطفالهنّ من‌ الناحية‌ اليمني‌ هنّ عسراوات‌ ( أي‌: يستخدمن‌ أيديهنّ اليسري‌ ) . بخاصّة‌ إذا حملن‌ زنبيلاً فإنّهن‌ يحتضنّ أطفالهنّ في‌ الجانب‌ الايمن‌ حتّي‌ يتسنّي‌ لهنّ حمل‌ الزنبيل‌ بأيديهنّ اليسري‌.

 وممّا قاله‌ الدكتور لي‌ سولك‌ في‌ تقريره‌ إنّه‌ سأل‌ عدداً من‌ الاُمّهات‌ الخارجـات‌ من‌ مركـز الولادة‌ عن‌ سبب‌ حملـهنّ لاطفالـهنّ من‌ الناحـية‌ اليسـري‌ وإرضاعهنّ لهم‌ في‌ هذا الوضع‌، فلم‌ تستطع‌ الاُمّهات‌ تعليل‌ ذلك‌ ولا خطر ببال‌ إحداهنّ أن‌ تقول‌ للدكتور سولك‌ بأنّ الطفل‌ يأنس‌ بسماع‌ صوت‌ القلب‌ عندما تحمله‌ أُمّه‌ من‌ الناحية‌ اليسري‌. والاُمّهات‌ يحضنّ أطفالهنّ في‌ الجانب‌ الايسر بدون‌ أن‌ يعرفن‌ سبب‌ ذلك‌.

 حتّي‌ النساء الإفريقيّات‌ السوداوات‌ فإنّهنّ عندما يحملن‌ أطفالهنّ علي‌ ظهـورهنّ يجـعلنهم‌ في‌ الجانـب‌ الايسر من‌ أجسـامهنّ. وفي‌ جميع‌ الطوائف‌ الإفريقيّة‌ السوداء تعرف‌ النساء أنّهنّ عندما يضعن‌ الطفل‌ في‌ الجانب‌ الايسر من‌ صدورهن‌ فإنّه‌ يرضع‌ بنحو أفضل‌. وشهيّته‌ للارتضاع‌ من‌ الثدي‌ الايسر أكثر منها للارتضاع‌ من‌ الثدي‌ الايمن‌.

 وسمع‌ الدكتور لي‌ سولك‌ من‌ الاُمّهات‌ أنّ الطفل‌ عندما يجوع‌ ليلاً فإنّه‌ يهتدي‌ إلي‌ الثدي‌ الايسر في‌ الظلام‌ بسرعة‌ محيّرة‌ ويلتقم‌ الثدي‌ ويرضع‌.

 إنّهم‌ يتعجّبون‌ لسرعة‌ الطفل‌ في‌ وضع‌ فمه‌ علي‌ الثدي‌ بدون‌ أن‌ يكون‌ مصباح‌ مضي‌ء يري‌ الطفل‌ بواسطته‌ ثدي‌ أُمّه‌.

 ويوضّح‌ الدكتور لي‌ سولك‌ للاُمّهات‌ أنّ دليل‌ الطفل‌ للرضاع‌ من‌ ثدي‌ أُمّه‌ ضربات‌ قلبها، وأنّه‌ عندما يسمعها يهتدي‌ إلي‌ ثديها الايسر ويضعه‌ في‌ فمه‌ بلا تردّد. [39]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 557 إلي‌ 559.

[2] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 564 و 565.

[3] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 571 و 572.

[4] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 586 و 587.

[5] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 593.

[6] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 594.

[7] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 602.

[8] ـ ذكر علماء الرجال‌ أنّ اسمه‌ عُمَر، وقال‌ بعضهم‌ عمرو أيضاً. وأوردناه‌ هنا كما أورده‌ صاحب‌ النص‌ من‌ أجل‌ أن‌ لا نتصرّف‌ فيه‌.

[9] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 615 إلي‌ 617.

[10] ـ انظر: كتاب‌ «لماذا أسلمتُ ؟ وكيف‌ ؟».

[11] ـ «عبادة‌ الله‌ والافكار المعاصرة‌» ص‌ 21.

[12] ـ Strasbourg من‌ مدن‌ فرنسا، مركز ولاية‌ الالزاس‌، علي‌ نهر الراين‌. نفوسها 195000 نسمة‌، وفيها كنائس‌ فخمة‌. («فرهنگ‌ عميد» (= معجم‌ عميد). معلومات‌ عامّة‌) فارسيّ.

[13] ـ مجلة‌ «خواندنيها» بالفارسيّة‌ العدد 37. السنة‌ 33.

[14] ـ مجلة‌ «خواندنيها» بالفارسيّة‌ العدد 37. السنة‌ 33.

[15] ـ مجلة‌ «خواندنيها» بالفارسيّة‌، العدد 37. السنة‌ 33.

[16] ـ Aristoteles مـن‌ حكـمـاء اليـونان‌ الكـبـار، وهو الملقّـب‌ بالمعـلّـم‌ الاوّل‌ ( 384 322 ق‌. م‌).

[17] ـ Lawoisier كيميائيّ فرنسيّ يعدّ مؤسّس‌ الكيمياء الحديثة‌ ( 1743 ـ 1794 م‌).

[18] ـ Guillotine آلة‌ اسـتُعـملـت‌ في‌ فرنسـا سنة‌ 1792 م‌ لإعدام‌ المحـكومـين‌ وفصـل‌ رؤوسهم‌.

[19] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العدد 39. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 69 و 70.

[20] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العدد 39. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 72.

[21] ـ Priestely عالم‌ إنجليزيّ اكتشف‌ الازوت‌ ( 1733 ـ 1804 م‌).

[22] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العدد 40. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 74.

[23] ـ Poincare فيلسوف‌ ورياضي‌ّ فرنسي‌ّ معروف‌ ( 1854 ـ 1912 م‌).

[24] ـ Galilee عالم‌ ورياضيّ ومنجّم‌ إيطالي‌ّ معروف‌ اخترع‌ المنظار الفلكيّ ( 1565 1622 م‌).

[25] ـ Copernic عالم‌ فلكيّ بولونيّ ( 1473 ـ 1543 م‌).

[26] ـ Kepler فلكي‌ّ ورياضيّ ألمانيّ مشهور ( 1571 ـ 1630 م‌).

[27] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العددان‌ 47 و 48. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» منتخب‌ من‌ ص‌ 117 إلي‌ 120.

[28] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العددان‌ 47 و 48. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» منتخب‌ من‌ ص‌ 123 إلي‌ 125.

[29] ـ Bergson فيلسـوف‌ فرنسـيّ معـروف‌، حائـز علي‌ جائـزة‌ نوبـل‌ 1927 م‌ ( 1859 1941 م‌).

[30] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العدد 71. السنة‌ 33؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 262 إلي‌ 270.

[31] ـ مجلة‌ «خواندنيها» العدد 75 . السنة‌ 33 ؛ و«مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» ص‌ 93 و 294 .

[32] ـ «مغز متفكّر جهان‌ شيعه‌» مقتطفات‌ من‌ ص‌ 379 إلي‌ 387.

[33] ـ مجلة‌ «خواندنيها» الاعداد 89 إلي‌ 91. السنة‌ 33.

[34] ـ Issaac Newton رياضي‌ّ وفلكيّ إنجليزيّ مشهور، وهو واضع‌ نظريّة‌ الضوء ( 1642 1727 م‌).

[35] ـ الآية‌ 2. من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[36] ـ كرّاسة‌ «حقائق‌ علمي‌ در اسلام‌» (= الحقائق‌ العلميّة‌ في‌ الإسلام‌) العدد 22. مركز نشر شركة‌ الإسمنت‌ المساهمة‌ في‌ فارس‌ وخوزستان‌، درود، المكتب‌ الدينيّ لمعامل‌ «سيمان‌ وفارسيت‌».

[37] ـ ذكر المترجم‌ المحترم‌ في‌ مقدّمة‌ الكتاب‌ أنّ هذه‌ المؤسّسة‌ متخصّصة‌ للتحقيق‌ في‌ جميع‌ الاديان‌ ولا تقتصر علي‌ الدين‌ الإسلاميّ وحده‌. أمّا تلك‌ اللجنة‌ المؤلّفة‌ من‌ خمسة‌ وعشرين‌ عالماً ذُكرت‌ أسماؤهم‌ . فإنّها تتخصّص‌ في‌ الدراسات‌ المرتبطة‌ بالمذهب‌ الشيعي‌ّ .

[38] ـ هولوجرافي‌ بمعناه‌ البسـيط‌: تصوير الاشياء الدقيقة‌ جدّاً، وهذا التصـوير ذو ثلاثة‌ أبعاد. ولا يصوّرون‌ به‌ اليومَ الاشياء الدقيقة‌ فحسب‌، بل‌ يصوّرون‌ الصوت‌ أيضاً. وتصل‌ أمواج‌ الصوت‌ إلي‌ العين‌ علي‌ فيلم‌ فوتوغرافيّ بشكل‌ دوائر وأشكال‌ بيضويّة‌ منظّمة‌. وتبلغ‌ قوّة‌ الجهاز المذكور في‌ تصوير الاشياء مبلغاً يُري‌ فيه‌ الكريّة‌ البيضاء أو الحمراء في‌ الدم‌ بحجم‌ الفيل‌.

[39] ـ مجلة‌ «خواندنيـها» العدد 100. السـنة‌ 33؛ و «مغز متفكّر جهان‌ شـيعه‌» ص‌ 455 إلي‌ 461.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com