|
|
الصفحة السابقةالدرس السادس والستّون بعد المائتين إلي السبعين بعد المائتين إرجاع معاوية مسار النبوّة العادلة إلي الطاغوتيّة المتجبّرة
بسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعداءهم أجمعين من الآن إلي قيام يوم الدين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الاْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَهُ الظَّـ'لِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَهُ مَا يَشَآءُ. [1] قال سماحة أُستاذنا الاعظم آية الله العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ تغمّده الله أعلي درجات جنانه في تفسيره المبارك ما نصّه: الاجتثاث الاقتلاع، يقال: جَثَثْتُهُ واجْتَثَثْتُهُ أي: قَلَعْتُهُ واقْتَلَعْتُهُ، وَالجُثُّ بالضمّ ما ارتفع من الارض كالاكمة، وجُثَّةُ الشيء شخصه الناتي. كذا في « المفردات » . جذور الخلاف بين بني أُميّة وبني هاشموالكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطيّبة، ولذا اختلفوا فيها فقال كلّ قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطيّبة. وكذا اختلفوا في المراد بالشجرة الخبيثة فقيل: هي الحنظلة، وقيل: الكَشُوث، وهو نبت يلتفّ علي الشوك والشجر لا أصل له في الارض ولا ورق عليه، وقيل: شجرة الثوم، وقيل: شجرة الشوك، وقيل: الطحلب، وقيل: الكمأة، وقيل: كلّ شجرة لا تطيب لها ثمرة. وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الآية السابقة، وعرفت أيضاً ما يعطيه التدبّر في معني الكلمة الطيّبة وما مثّلت به ويجري ما يقابله في الكلمة الخبيثة وما مثّلت به حرفاً بحرف. فإنّما هي كلمة الشرك مثّلت بشجرة خبيثة مفروضة اقتلعت من فوق الارض ليس لها أصل ثابت وما لها من قرار، وإذ كانت خبيثة فلا أثر لها إلاّ الضرّ والشرّ. قوله تعالي: يُثَبِّتُ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ إلي آخر الآية. الظاهر أنّ « بالقول » متعلّق بقوله يُثَبِّتُ لا بقوله: ءَامَنُوا والباء للآلة أو السببيّة لا للتعدية، وأنّ قوله: فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ متعلّق أيضاً بقوله: يُثَبِّتُ لا بقوله: الثَّابِتِ . فيعود المعني إلي أنّ الذين آمنوا إذا ثبتوا علي إيمانهم واستقاموا ثبّتهم الله عليه في الدنيا والآخرة. ولولا تثبيته تعالي لهم لم ينفعهم الثبات من أنفسهم شيئاً ولم يستفيدوا شيئاً من فوائده، فإليه تعالي يرجع الامر كلّه. فقوله تعالي: يُثَبِّتُ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في باب الهداية يوازن قوله: فَلَمَّا زَاغُو´ا أَزَاغَ اللَهُ قُلُوبَهُمْ ،[2] في باب الإضلال. غير أنّ بين البابين فرقاً وهو أنّ الهدي يبتدي من الله سبحانه ويترتّب عليه اهتداء العبد. والضلال يبتدي من العبد بسوء اختياره فيُجازيه الله بالضلال علي الضلال، كما قال : وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَـ'سِقِينَ .[3] وقد تكاثرت الآيات القرآنيّة أنّ الهداية من الله سبحانه ليس لغيره فيها صنع. [4] أجل، إنّ أحد المصاديق الكبري للشجرة الخبيثة هم بنو أُميّة الذين عبّر عنهم القرآن الكريم أيضاً بالشجرة الملعونة. قال الشيخ محمود أبو رَيَّة في هذا المجال: أمّا ما كان بين بني أُميّة وبين بني هاشم في الجاهليّة فإنّا ندع القول فيه للمؤرّخ الكبير المقريزيّ فقد سجّله في كتابه « النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم » . وإليك بعض ما قاله في ذلك: إنّي كثيراً ما كنتُ أتعجّب من تطاول بني أُميّة إلي الخلافة مع بعدهم من جذم رسول الله، وقرب بني هاشم، وأقول: كيف حدّثتهم أنفسهم بذلك ؟ وأين بنو أُميّة، وبنو مروان بن الحكم طريد رسول الله ولعينه من هذا الحديث مع تحكّم العداوة بين بني أُميّة وبني هاشم في أيّام جاهليّتها ؟! ثمّ شدّة عداوة بني أُميّة لرسول الله، ومبالغتهم في أذاه، وتماديهم علي تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله عزّ وجلّ بالهدي ودين الحقّ، إلي أن فتح مكّة شرّفها الله تعالي فدخل من دخل منهم في الإسلام ! فلعمري لا بُعد أبعد ممّا كان بين بني أُميّة وبين هذا الامر، إذ ليس لبني أُميّة سبب إلي الخلافة، ولا بينهم وبينها نسب.[5] وقد كانت المنافرة لا تزال بين بني هاشم، وبين عبد شمس بحيث إنّه يقال: إنّ هاشماً وعبد شمس ولدا توأمين، فخرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم وقد لصقت إصبع أحدهما بجبهة الآخر. فلمّا نزعت دمي المكان فقيل: سيكون بينهما أو بين ولديهما دمٌ، فكان كذلك. ويقال: إنّ جباههما كانت ملتصقة بعضها ببعض، فأخذ السيف ففرّق بين جباههما.[6] وكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي، وبين ابن أخيه أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف.[7] قال المقريزيّ: ثمّ تمادت العـداوة بين البيتـين حتّي قام سيّد بني هاشم أبو القاسم محمّد بن عبد الله بمكّة يدعو قريشاً إلي توحيد الله تعالي، وترك ما كانت تعبد من دون الله، فانتدب لعداوته جماعة من بني أُميّة منهم: أبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص بن أُميّة،[8] وَعَقَبَةُ بن أبي مُعَيْط، وَالحَكَمُ بن أبي العاص بن أُميّة . وكان مؤذياً لرسول الله يطّلع عليه وهو في حجرات نسائه. وقد قال فيه النبيّ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ هَذَا الوَزَغَةِ ! لَوْ أَدْرَكْتُهُ لَفَقَأْتُ عَيْنَهُ. ثمّ لعنه وما ولد، وغرّبه عن المدينة. فلم يزل خارجاً عنها بقيّة حياة رسول الله وخلافة أبي بكر وعمر. فلمّا استخلف عثمان ردّه إلي المدينة وولده مروان، ولمّا مات ضرب علي قبره فُسطاطاً. ومنهم: عُتْبَة بن أبي ربيعة بن عبد شمس ، وهو أبو هند[9] التي لاكت كبد حمزة بن عبد المطّلب. ومنهم: الوليد بن عُتْبَة بن أبي ربيعة . والوليد هذا هو خال معاوية. ومنهم: شَيْبَة بن ربيعة بن عبد شمس عمّ هند. نفاق أبي سفيان في تعامله مع المسلمينومنهم أبو سفيان صَخْر بن حَرْب بن أُميّة[10] قائد الاحزاب، الذي قاتل رسول الله يوم أُحُد. وقُتل من خيار أصحابه سبعون ما بين مهاجريّ وأنصاريّ، بينهم أسد الله حمزة عمّ النبيّ، وقاتل رسول الله يوم الخندق. ولم يزل يحادّ الله ورسوله حتّي سار رسول الله لفتح مكّة، فأتي به العبّاس ابن عبد المطّلب رسول الله، وقد أردفه ـ كان صديقه ونديمه في الجاهليّة فلمّا دخل به علي رسول الله، سأله أن يؤمنه، فلمّا رآه رسول الله قال له: وَيْلَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ؟! فقال له: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَوْصَلَكَ وَأجْمَلَكَ وَأَكْرَمَكَ ! وَاللَهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أنّه لَوْ كَانَ مَعَ اللَهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَي عَنِّي شَيْئاً ! فقال: يَا أَبَا سُفْيَان ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَهِ ؟! فقال: أَمَّا هَذِهِ فَفِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْءٌ ! فقال له العبّاس: ويلك ! اشهد بشهادة الحقّ قبل أن تضرب عنقك ! فشهد وأسلم. وقد اختلف في حسن إسلامه فقيل: إنّه شهد حنيناً مع رسول الله وكانت الازلام معه يُستقسم بها،[11] وكان كهفاً للمنافقين في الجاهليّة.[12] وفي خبر لعبد الله بن الزبير أنّه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيهِ بَنِي الاصْفَرِ ! فإذا كشفهم المسلمون قال: وَبَنُو الاَصْفَرِ المُلُوكُ مُلُوكُ الرُّ ومِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمُ مَذْكُورُ وممّن حاربوا النبيّ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أُميّة . وهو الذي جدع أنف حمزة ومثّل به. ومعاوية هذا هو أبو عائشة أُمّ عبد الملك ابن مروان . وعبد الملك هذا أعرق الناس في الكفر ، لانّ أحد أبويه الحكم ابن أبي العاص لعين رسول الله وطريده، والآخر معاوية بن المغيرة.[13] ومنهم حَمَّالَةُ الحَطَبِ واسمها أُمّ جميل ابنة حَرْب بن أُميّة ، وإيّاها عني الله تعالي بقوله في سورة تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ... إلي آخر السورة. وقال المقريزيّ: وما من أحد من هؤلاء الذين تقدّم ذكرهم إلاّ وقد بذل جهده في عداوة رسول الله وبالغ في أذي من اتّبعه وآمن به، ونالوا منهم من الشتم وأنواع العذاب حتّي فرّ منهم مهاجرون إلي بلاد الحبشة، ثمّ إلي المدينة، وأغلقت أبوابهم بمكّة، فباع أبو سفيان بعض دورهم وقضي من ثمنها دَيناً عليه. وهمّوا بقتل رسول الله غير مرّة، وتناظروا في أمره ليُخرجوه من مكّة أو يقيّدوه ويحبسوه حتّي يهلك. وبالغ كلٌّ منهم في ذلك بنفسه وماله وأهله وعشيرته، ونصب لرسول الله الحبائل بكلّ طريق سرّاً وجهراً ليقتله.[14] ما قاله الجاحظ في ذلك قال الشيخ محمود أبو ريّة: ونردف ما قاله المقريزيّ بصفحتين من رسالة بليغة كتبها الجاحظ في معني ما نحن بصدده، لتكونا دليلاً آخر علي تصوير موقف الامويّين من النبيّ ومن عليّ وبنيه. قال الجاحـظ وهو يتحـدث عن أمر قتل عثـمان وما جـري علي المسلمين من بلايا ومحن: ثمّ ما زالت الفتن متّصلة، والحروب مترادفة، كحرب الجمل وكوقائع صفّين، وكيوم النهروان... إلي أن قتل أشقاها عليَّ ابن أبي طالب رضوان الله عليه... إلي أن كان اعتزال الحسن عليه السلام الحـروب وتخـلية الاُمـور، عند انتشـار أصحابه وما رأي من الخـلل في عسكره، وما عرف من اختلافهم علي أبيه وكثرة تلوّنهم عليه. فعندها استوي معاوية علي الملك. واستبدّ علي بقيّة الشوري وعلي جماعة المسـلمين من الانصـار والمهاجـرين في العام الذي سـمّـوه عام الجماعة ! وما كان عام جماعة ! بل كان عام فرقة وقهر وجبريّة وغلبة ! والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسرويّاً ، والخلافة غصباً قيصريّاً ... . ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلي منازل ما رتّبنا، [15] حتّي ردّ قضيّة رسول الله ردّاً مكشوفاً وجحد حكمه جحداً ظاهراً، في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع اجتماع الاُمّة أنّ سميّة لم تكن لابي سفيان فراشاً ، وأنّه إنّما كان بها عاهراً ، فخرج بذلك من الفجّار إلي حكم الكفّار .[16] وليس قتل حجر بن عديّ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر، وبيعة يزيد الخليع،[17] والاستئثار بالفيء، واختيار الولاة علي الهوي، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس جحد الاحكام المنصوصة، والشرائع المشهورة، والسنن المنصوبة. وسواء في باب ما يستحقّ من الكفّار جحد الكتاب وردّ السنّة، إذ كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره، إلاّ أنّ أحدهما أعظم وعقاب الآخرة عليه أشدّ. فهذه أول كفرة كانت من الاُمّة، ثمّ لم تكن إلاّ فيمن يدّعي إمامتها والخلافة عليها، علي أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا، فقالت لا تسبّوه فإنّ له صحبة، وسبّ معاوية بدعة، ومن يبغضه فقد خالف السنّة ! فزعمت أنّ مِن السنّة ترك البراءة ممن جحد السنّة. ما كان من يزيد ثمّ الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل نصرته، ثمّ غزو مكّة ورمي الكعبة واستباحة المدينة، وقتل الحسين عليه السلام في أكثر أهل بيته، مصابيح الظلام، وأوتاد السلام، بعد الذي أعطي من نفسه، من تفريق أتباعه، والرجوع إلي داره وحرمه، أو الذهاب في الارض حتّي لا يحسّ به، أو المقام حيث أمر به، فأبوا إلاّ قتله والنزول علي حكمهم. إلي أن قال الجاحظ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِنَقْرِ القَضِيبِ بَيْنَ ثِنِيَّتَي الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَحَمْلِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَهِ حَوَاسِرَ عَلَي الاَقْتَابِ العَارِيَةِ وَالإبِلِ الصِّعَابِ، وَالكَشْفِ عَنْ عَوْرَةِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي بُلُوغِهِ عَلَي أنّهمْ إنْ وَجَدُوهُ وَقَدْ أنْبَتَ قَتَلُوهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ أَنْبَتَ حَمَلُوهُ، كَمَا يَصْنَعُ أَمِيرُ جَيْشِ المُسْلِمِينَ بِذَرَارِي المُشْرِكِينَ.[18] وكيف تقول في قول عبيدالله بن زياد لإخوته وخاصّته: دَعُونِي أَقْتُلْهُ فَإنَّهُ بَقِيَّةُ هَذَا النَّسْلِ، فَأَحْسِمُ بِهِ هَذَا القَرْنَ، وَأُمِيتُ بِهِ هَذَا الدَّاءَ، وَأَقْطَعُ بِهِ هَذِهِ المَادَّةَ ! خَبّرونا علي ما تدلّ هذه القسوة وهذه الغلظة بعد أن شفوا أنفسهم بقتلهم، ونالوا ما أحبّوا فيهم ؟! أتدلّ علي نصب وسوء رأي وحقد وبغضاء ونفاق وعلي يقين دخول وإيمان ممزوج أم تدلّ علي الإخلاص وحبّ النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم والحفظ له وعلي برائة الساحة وصحّة السريرة ؟! فإن كان علي ما وصفـناه لا يعـدو الفسـق والضـلال، وذلـك أدنـي منازله. فالفاسق ملعون. ومن نهي عن لعن الملعون ملعون. وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا أنّ سبّ ولاة السوء فتنة ولعن الجَوَرة بدعة... والنابتة في هذا الوجه أكفر من يزيد وأبيه، وابن زياد وأبيه. [19] علي أنّهم مجمعون علي أنّه ملعون من قتل مؤمناً متعمّداً أو متأوّلاً. فإذا كان القاتل سلطاناً جائراً، وأميراً عاصياً، لم يستحلّوا سبّه، ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه، وإن أخاف الصلحاء، وقتل الفقهاء، وأجاع الفقير، وظلم الضعيف، وعطّل الحدود والثغور، وشرب الخمور، وأظهر الفجور. ثمّ ما زال الناس يتسكّعون مرّةً، ويداهنونهم مرّة، ويقاربونهم مرّة، ويشاركونهم مرّة، إلاّ بقيّة ممّن عصمه الله تعالي ذكره ! ثمّ أخذ الجاحظ يُبَيِّن ما وقع ممّن جاء بعد يزيد من الفظائع التي تقشعرّ منها الابدان، ولم يسمع بمثله في أيّ زمان. ولو أنّ المقام يحتمل ما في رسالة الجاحظ ممّا ارتكب بنو أُميّة من الظلم والبغي والقهر لجئنا به كاملاً، فليرجع إلي هذه الرسالة القيّمة ـ وهي مطبوعة من يريد. عداء أبي سفيان السافر للنبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم أبو سفيان بن حَرْب قال الشاعر وصدق: عَبْدُ شَمْسٍ قَدْ أَضْرَمَتْ لِبَنِيهَا شِـمٍ نَاراً يَـشِـيبُ مِـنْـهَا الوَلِيـدُ فَابْنُ حَرْبٍ لِلْمُصْطَفَي وَابْنُ هِنْدٍ لِـعَـلِـيٍّ وَلِـلْـحُـسَــيْـنِ يَـزِيـدُ وابن حرب هو أبو سفيان بن أُميّة بن عبد شمس. كان رأساً من رؤوس الاحزاب علي رسول الله، ومن الذين أجمعوا علي منابذته، وممّن حضروا دار الندوة ليتشاوروا في قتله، وتعاقدوا علي القضاء عليه، كما ذكر المقريزيّ من قبل. ثمّ كان علي رأس المحرّضين علي محاربة النبيّ في موقعة بدر.[20] وفي هذه الغـزوة قُتِلَ مَن قُتِل مِن سـادات قريـش ومنـهم: الوليد بن عقبة خال معاوية ووالد هند. وبعد هذه الغزوة التي نجا منها أبو سفيان، أصبح سيّد مكّة بلا منازع وزعيم قريش في حربها وسلمها. وهو الذي قاد قريشاً يوم أُحد والخندق. وألّب العرب علي النبيّ وأصحابه، وأغري اليهود حتّي نقضوا عهدهم مع النبيّ وأصحابه. وهو الذي ظلّ يدبّر مقاومة قريش للنبيّ وكيدها له، ومكرها به.[21] واستمرّ علي ذلك حوالي عشـرين سنة من أوّل قيام الدعوة حتّي كان يوم فتح مكّة فأسلم مُرغماً. وكان قد نذر أن لا يمسّ رأسه ماءٌ من جنابة حتّي يغزو محمّداً. كان أبو سفيان من المُؤلَّفة قلوبهم ومن الطلقاءوقد بيّـنّا لك من قبل قصّـة إسلامه، عنـدما أُحيـط به علي ما رواه المقريزيّ آنفاً وكان معه ابنه معاوية وسائر أولاده ومن أسلم من قومه، وقال لهم النبيّ يومئذٍ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ . وكان كذلك هو وأولاده من المُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهِمْ ، وهم قوم من كبار العرب كانوا يُعطَون من الصدقات مالاً، إمّا دفعاً لاذاهم، وإمّا طمعاً في إسلامهم، وإمّا تثبيتاً في الإسلام. [22] وكان أبو سفيان وأولاده من الذين كان يعطيهم النبيّ دفعاً لاذاهم، لانّ إسلامهم كما بيّنّا لم يكن صحيحاً، فلمّا تولّي عمر حرمهم ذلك، وقال: انْقَطَعَتِ الرُّشَا ، لانّ المسلمين قد كثروا. والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُم ناسٌ من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاماً ضعيفاً. والطلقاء جمع طليق وهو مَن حصل المنّ عليه يوم فتح مكّة من قريش، ومن هؤلاء: أبو سفيان، وسهل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزّي، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان. وكان الطلقاء يقولون في محمّد صلّي الله عليه وآله: دَعُوْهُ وَقَوْمَهُ فَإنْ غَلَبَهُمْ دَخَلْنَا فِي دِينِهِ، وَإنْ غلَبُوهُ كَفَوْنَا أَمْرَهُ ! وقال ابن عبّاس: إنّ قوماً كانوا يأتون النبيَّ فإذا أعطاهم مدحوا الإسلام، وإذا منعهم ذمّوا وعابوا، وكان من هؤلاء أبو سفيان وعُيينة بن حصن، وكانوا إذا ذكروا أبا سفيان ذكروا معه ابنه معاوية [23]. وذكر أبو ريّة موضوعاً حول أبي هريرة قبل هذه الموضوعات قال فيه: ممّا لا ريب فيه أنّ أبا هريرة قد اتَّصل بدولة بني أُميّة وبني أبي معيط اتِّصالاً وثيقاً، فتشيّع لها، وحطب في حبلها، واستظلّ بظلّها، وناصرها ما استطاع إلي ذلك سبيلاً، ومن أجل ذلك ظفر بمكانة عظيمة لديها فغمرته بأعطياتها، وملاوا يديه من نوالها. وجدير بنا قبل أن نعرض لهذا الاتّصال أن نوطّي بصدرٍ من القول نبيّن فيه حقيقة هذه الدولة، وكيف قامت، وماذا كان من أمر زعمائها من النبيّ من أوّل يوم قام فيه بدعوته، وقعودهم له كلّ مرصد، وإمعانهم في أذاه ! وشنّ الحروب عليه. إلي أن قال: كان أبو سفيان يتربّص الدوائر بالنبيّ أبداًإنّ قيام الدولة الامويّة له جذور عميقة تضرب في أحشاء الزمن البعيد في الجاهليّة، يجب علي كلّ من يتصدّي لتأريخ هذه الفترة من الزمن أن ينفذ إليها ويتعمّقها، وأن يصوّرها تصويراً صادقاً، ثمّ يعرض صورتها جليّةً علي الناس. وهذه الجذور ترجع إلي ما كان من شنآن متأصّل في صدر بني أُميّة لبني هاشم قبل الإسلام. وظلّ هذا الشنآن يؤجّ بينهما علي مدّ الزمن ناراً وسعيراً، حتّي إذا ظهر النبيّ صلّي الله عليه وآله بدعوته، كان هؤلاء القوم أسرع الناس إلي معارضـته، والتصدّي لدعوته، فعاجلوه بالمعارضة، وتولّوه بالاذي حسداً من عند أنفسهم، ولم يذروه ينشر دعوته، ويبلّغ رسالته، بل أضرموا عليه حرباً ضروساً، اتّصلت بينهم وبينه حوالي عشرين سنة إلي أن فتحت مكّة بنصر الله فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَـ'غِرِينَ.[24] ولم يجد أبو سفيان الذي كانت له الزعامة في قريش بعد أن قتل صناديدهم في وقعة بدر مناصاً من أن يستسلم وأن يسلم مرغماً هو وأولاده، ومنهم معاوية. ولمّا كان إسلامهم هذا ظاهراً لم يجاوز حناجرهم، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، فقد ظلّوا علي ما بأنفسهم، مضمرين بغضهم القديم، ومقتهم الموروث، وما أربي عليه من حقد جديد يأكل صدورهم أن تظهر النبوّة في بني هاشم أعدائهم وإن أيقنوا أنّ دعوة هذا النبيّ ستقضي إلي الابد علي نفوذهم بمكّة التي كانت يومئذٍ خالصة لهم، وتمحو سيطرتهم علي أهلها، ولبثوا من أجل ذلك كلّه يتربّصون بالنبيّ الدوائر، ويرتقبون أن تتاح لهم فرصة فيعيدوا الكرّة لكي يستعيدوا مجدهم الذاهب، ويستردّوا نفوذهم البائد. وما إن لحق النبيّ بالرفيق الاعلي حتّي أسرعوا إلي إشعال نار الفتنة ليعيدوها جذعة، ولكنّهم خابوا فيما كانوا يبتغون، وحاق بهم ما كانوا يمكرون، إذ لم يدع لهم أبو بكر وعمر وعليّ أيّ منفذ إليه ينفذون،[25] إلي أن قُتل عمر بمؤامرة أثيمة،[26] وهنالك أماطوا عن وجوههم أقنعة النفاق، وأخذوا يسعون بكلّ ما استطاعوا في سبيل قيام دولة منهم بعد أن طال ارتقابهم، وشدّ من عزمهم أن استُخلِفَ عثمانُ بعد عمر في ظروف لا نتوسّع بتفصيلها ـ وكان أمويّاً منهم فما لبث أن وطّأ لهم ولبني أبي معيط من رقاب المسلمين وخالف بذلك وصيّة عمر.[27] وقال أبو ريّة في كتابه النفيس الآخر متحدّثاً عن هذا الموضوع وذاكراً مطالب يدور حولها الحديث: إنّ الذي يريد أن يدرس تأريخ الإسلام علي حقّه إنّما يجب عليه أن يحيط علماً بما كان عليه العرب قبل الإسلام عامّة، وبخاصّة بين بني هاشم وبين بني أُميّة في الجاهليّة،[28] ثمّ في الإسلام. وبما شَجَرَ بين الصحابة منذ عهد عثمان والحروب التي وقعت بين عليّ رضي الله عنه وبين معاوية، وجنـودهما أكثـرهما من الصحابة. وما كان بعد ذلك بين الامويّين والعبّاسيّين، وكذلك ما كان بين النبيّ صلّي الله عليه وآله وبين اليهـود، وما تكنّه قلـوب أهل الاديان والاُمم الاُخـري للإسلام من بغض وشنآن. حقّاً يجب علي كلّ من يريد أن يقف علي تأريخ الإسلام الصحيح أن يحيط بذلك كلّه علماً فتنكشف أمامه آفاق بعيدة ينبعث منها نور قويّ يهدي إلي تحليل الحوادث تحليلاً صحيحاً. فإنّ كلّ هذه الاُمور كان لها ولا ريب أثر بعيد في تكوين التأريخ الإسلاميّ، وفيما تدسّسَ إلي تفسير القرآن من أساطير، وما نُسب إلي النبيّ ـ كذباً ـ من أحاديث. وإنّ التأريخ ليُنبئك أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله ماكاد ينتقل إلي الرفيق الاعلي حتّي بدا ما كان يُكنّه بنو أُميّة من الموجدة لبني هاشم ممّا كان قد استتر بغطاء الإسلام حيناً، فحاولوا إغراء بني هاشم بالمطالبة بالخلافة لكي تقع الفتنة، ولكن يقظة عليّ أحبطت كيدهم فسكنوا وطووا علي ما بين جوانحهم حتّي يهيّئوا فرصةً تسنح لهم إلي أن تهيّأت في خلافة عثمان. ذلك بأنّه ما كاد يتولّي الامر حتّي كشف الامويّون عمّا كانت تخفي صدورهم ـ وكان أمويّاً وأخذوا ينفّذون خطّتهم بدقّة ومهارة حتّي أصبح الامر كلّه في عهده لهم. وانقلب نظام الحكم كلّه في السنين الاخيرة من حكم عثمان من خلافةٍ عادلةٍ[29] إلي ملـكٍ تتـعاوره الاهـواء، وتتـداوله الاغراض. وضع الاحاديث حربة لغلبة بني أُميّةولمّا انشقّت العصا بعد وفاة عثمان واستعرت نار الفتنة، وانشعب الناس إلي شعب متعدّدة، أخذ كلّ فريق يؤيّد حزبه بكلّ ما يستطيع من وسائل التأييد المادّيّة والمعنويّة والقوليّة، فهذا يشايع الهاشميّين، وذاك يناصر الامويّين، وهكذا. وقد رأوا أنّ أقوي أسلحة الغلب أن يستعين كلّ فريق بأدلّة مأثورة عن النبيّ تشدّ أزر فرقته وتقوّي دعوتها، من أجل ذلك أخذوا جميعاً يروون أحاديث ينسبونها إلي الرسول صلّي الله عليه وآله، وبخاصّة في الفضائل، كما رأيت ذلك في أسباب وضع الحديث من قبل ! وإنّهم لم يفعلوا ذلك إلاّ لانّهم وجدوا أنّ شخص الرسول صلّي الله عليه وآله ممّا تعنو له الهام وأنّ مقامه بينهم جميعاً فوق كلّ مقام، ولكن الغلب كتب لبني أُميّة علي بني هاشم بما كان لهم من قوّة ومكر، وما كان في أيديهم من مالٍ وسلطانٍ وقهرٍ. وثمّ ناحية أُخري كان لها حظّ كبير ـ في العبث بالرواية ـ وكان عمل أصحابها دينيّاً خفيّاً ، وغايتها التي تسعي إليها أن تفسد عقائد الدين النقيّة ، بأن تدخل فيها ما ليـس منها وتدسّ إليها من التـعاليم الزائـفة ما يشـوّه جمالها ، أُولئك هم أهل الكتاب من اليهود والنصاري الذين أظهروا الإسلام خدعة، ثمّ ألقوا ما شاء لهم الكيد والهوي من الإسرائيليّات والمسيحيّات والاكاذيب في دين العرب الجـديد ـ كما مرّ بك ـ ومن هذا ومن أسـباب كثيرة بيّنّاها من قبل، أخذ الوضع والكذب يفشوان بين الناس، واستجرت الرواية عن رسول الله حتّي رَكِبَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ـ كما قال ابن عبّاس الصَّعْبَةَ وَالذَّلُولَ.[30] أي: التقوا بكلّ حديثٍ صحيحٍ وسقيم، وسمعوا كلّ كلامٍ حقٍّ وباطل منسوباً إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله. الإسلام الظاهريّ للبعض من أجل ترويج كتبهموكان الشيخ محمّد عبدُه يري أنّ وضع الاحاديث بخاصّةٍ في زمن الامويّين من أعظم المصائب التي نزلت بالإسلام. قال أبو ريّة تحت عنوان أَعْظَمُ مَا رُزِيَ بِهِ الإسْلاَمُ : قال الاُستاذ الإمام محمّد عبده: لم يُرزأ الإسلام بأعظم ممّا ابتدعه المنتسبون إليه، وما أحدثه الغلاة من المفتريات عليه، فذلك ممّا جلب الفساد علي عقول المسلمين، وأساء ظنون غيرهم فيما بُني عليه الدين. وقد فشت للكذب فاشية علي الدين المحمّديّ في قرونه الاُولي حتّي عرف ذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل عهد الكذب علي النبيّ صلّي الله عليه وآله في حياته... . إلاّ أنّ عموم البلوي بالاكاذيب حقّ علي الناس بلاؤه في دولة الامويّين فكثر الناقلون وقلّ الصادقون وامتنع كثير من أجلّة الصحابة عن الحديث إلاّ لمن يثقون بحفظه خوفاً من التحريف فيما يؤخذ عنهم... . وروي الإمام مسلم في مقدّمة صحيحه قال: مَا رَأَيْتُ أَهْلَ الخَيْرِ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الحَدِيثِ.[31] ثمّ اتّسع شرّ الافتراء، وتفاقم خطب الاختلاق، وامتدّ بامتدادات الزمان، ومن راجع مقدّمة الإمام مسلم، علم ما لحقه من التعب والعناء في تصنيف صحيحه، واطّلع علي ما أدخله الدخلاء في الدين وليس منه في شيء. لم يخف علي أهل النظر في التأريخ أنّ الدين الإسلاميّ غشي أبصار العالم بلامع القوّة، وعلا رؤوس الاُمم بسلطان السطوة، وفاض في الناس فيضان السيول المنحدرة، ولاحت لهم فيه رغبات، وتمثّلت لهم منه مرهبات، وقامت لاُولي الالباب عليه آيات بيّنات، فكان الداخلون في الدين علي هذه الاقسام: قوم اعتقدوا به إذعاناً لحجّته واستضاءة بنوره وأُولَئِكَ الصَّادِقُونَ . وقوم من ملل مختلفة انتحلوا لقبه واتّسموا بسمته، إمّا لرغبةٍ في مغانـمه أو لرهبةٍ من سطـوات أهله، أو التعـزّز بالانتـساب إليه فتـدثّروا بدثاره، لكنّهم لم يستشعروا بشعاره، لبسوا الإسلام علي ظواهر أحوالهم، إلاّ أنّه لم يمسّ أعشار قلوبهم، فهم كانوا علي أديانهم في بواطنهم، ويضارعون المسلمين في ظواهرهم. وقد قال الله في قوم من أشباههم: قَالَتِ الاْعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـ'كِن قُولُو´ا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَـ'نُ فِي قُلُوبِكُمْ.[32] فمن هؤلاء مَن كان يبالغ في الرياء حتّي يظنّ الناس أنّه مِن الاتقياء، فإذا أحسّ من قوم ثقة بقوله أخذ يروي لهم أحاديث دينه القديم مسنداً لها إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله أو بعض أصحابه. ولهذا تري جميع الإسرائيليّات وما حوته شروح التوراة قد نقل إلي الكتب الإسلاميّة علي أنّه أحاديث نبويّة.[33] ومنهم مَن تعمّد وضع الاحاديث التي لو رسخت معانيها في العقول أفسدت الاخلاق وحملت علي التهاون بالاعمال الشرعيّة وفتّرت الهمم عن الانتـصار للحقّ، كالاحاديـث الدالّة علي انقضـاء عُمر الإسلام والعياذ بالله، أو المُطمِّعة في عفو الله مع الانحراف عن شرعه، أو الحاملة علي التسليم للقَدَر بترك العقل فيما يُصلح الدين والدنيا. كلّ ذلك يضعه الواضعون قصداً لإفساد المسلمين وتحويلهم عن أُصول دينهم. ليختلّ نظامهم ويضعف حولهم. ومِن الكاذبين قوم ظنّوا أنّ التزيّد في الاخبار والإكثار من القول، يرفع من شأن الدين، فهـذروا بما شاءوا، يبتـغون بذلك الاجر والثـواب، ولن ينالهم إلاّ الوزر والعقاب، وهم الذين قال فيهم مسلم في صحيحه: مَا رَأَيْتُ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الحَدِيثِ.[34] ويريـد بـ « الصـالحـين » أُولئـك الذيـن يطـيلـون سبالـهم ويوسّـعون سربالهم ويطأطئون رؤوسهم ويخفتون من أصواتهم، ويغدون ويروحون إلي المساجد بأشباحهم، وهم أبعد الناس عنها بأرواحهم، يحرّكون بالذكر شفاههم ويلحقون بها في الحركة سُبخهم.[35] ولكنّهم كما قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: جَعَـلُوا الدِّينَ مِنْ أَقْفَالِ البَصِـيرَةِ وَمَغَـالِيقِ العقلِ، فَهُـمْ أَغْرَارٌ [36] مَرْحُومُونَ، يُسِيئُونَ وَيَحْسَبُونَ أنّهمْ يُحْسِنُونَ... . فَهَؤُلاَءِ قَدْ يُخَيَّلُ لَهُمُ الظُّلْمُ عَدْلاً، وَالغَدْرُ فَضْلاً، فَيَرَوْنَ أَنَّ نِسْبَةَ مَا يَظُنُّونَ إلَي أَصْحَابِ النَّبِيِّ مِمَّا يَزِيدُ فِي فَضْلِهِمْ، وَيُعْلِي فِي النُّفُوسِ مَنْزِلَتَهُمْ، فَيَصِحُّ فِيهِمْ مَا قِيلَ: عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ مُحِبٍّ جَاهِلٍ.[37] ببعض اختصار. يواصل أبو ريّة كلامه في باب الرواية في الإسلام وكيفيّتها في عصر الخلفاء إلي أن يقول: وكان أكثر الصحابة روايةً أبو هُريرة، وقد صحب ثلاث سنين [38]، وعمّر بعده صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم نحواً من خمسين سنةً،[39] ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتّهمونه. وهو أوّل راويةٍ اتُّهِم في الإسلام . وكانت عائشة أشدّهم إنكاراً عليه لتطاول الايّام بها وبه، إذ توفّيت قبله بسنةٍ... . ثمّ كانت الفتنة أيّام عثمان واضطرب من بعدها حبل الكلام في الخلافة، وخاض الناس في ضروب من الشكّ والحيرة والقلق فكان فيهم من لا يتوقّي ولا يتثبّت، وألف كثيرٌ من الناس أمر هؤلاء فلم يبالوا أن يتبيّنوا فيرجعوا في الرواية إلي شهادةٍ قاطعةٍ أو دلالة قائمةٍ... . ( إلي أن يقول: ) غير أنّ الاعلام كانت يومئذٍ لا تزال قائمةً، والفروع لا تزال باسقة، فكان الخطب لم يستفحل حتّي إذا خرجت الخوارج، وتحزّب الناس فرقاً، وجعلوا أهلها شيعاً. ثلاث طوائف في الإسلام وضعت الحديث(من هنا فالطوائف التي وضعت الحديث ثلاث) بدأوا يتّخذون من الحديث صناعة فيضعون ويصنعون ويصفون الكذب. ثمّ ظهر القصّاص والزنادقة، وأهل الاخبار المتقادمة ،[40] ممّا يشبه أحاديث خرافة. فوقع الشوب والفساد في الحديث من كلّ هذه الوجوه في عصور مختلفة. أمّا القصّاص فإنّهم كانوا يُميلون وجوه القوم إليهم ويستدرّون ما عندهم بالمناكير والغرائب والاكاذيب من الاحاديث. ومن شأن العوامّ القعود عند القاصّ ما كان حديثه عجيباً خارجاً عن قطر المعقول، أو كان رقيقاً يحزن القلوب ويستغزر العيون. وللقوم في هذه الفنون الاكاذيب العريضة والاخبار المستفيضة. وأمّا الزنادقة فقد جعلوا يحتالون للإسلام ويهجنونه بدسّ الاحاديث المستشنعة والمستحيلة ممّا يشبه خرافات اليونان والرومان وأساطير الهنود والفرس ليشنّعوا بذلك علي أهل السنّة في روايتهم ما لا يصحّ في العقول ولا يستقيم علي النظر. وأمّا أهل الاخبار المتقادمة فقد قصدوا من ذلك إلي إثبات الخرافات الجاهليّة وجعلها بسبيل من الصحّة للاستعانة بها علي التفسير وما إليه. وأمثلة ذلك كلّه فاشية.[41] ويعتقد العلاّمة الحلّيّ رحمه الله أنّ معاوية أسلم إسلاماً ظاهريّاً قبل وفاة النبيّ صلّي الله عليه وآله بستّة أشهر. وقال رادّاً علي عمل العامّة وعقودهم الموضوعة: وسمّوها ( عائشة ) أُمّ المؤمنين، ولم يسمّوا غيرها بذلك، ولم يسمّوا أخاها محمّد بن أبي بكر ـ مع عظم شأنه وقرب منزلته من أبيه وأُخته عائشة أُمّ المؤمنين ـ خال المؤمنين، وسمّوا معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنـين، لانّ أُخـته أُمّ حبيـبة ابنة أبي سفـيان بعـض زوجات الرسول صلّي الله عليه وآله، وأُخت محمّد بن أبي بكر وأبوه أعظم من أُخت معاوية ومن أبيها. مع أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله لَعَنَ مُعَاوِيَةَ الطَّلِيقَ ابْنَ الطَّلِيقِ اللَّعِينَ ابْنَ اللَّعِينِ . وقال: إذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَي مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ ! وكان من المُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهِمْ . وقاتل عليّاً عليه السلام وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حقّ. وكلّ من حارب إمام حقّ فهو باغٍ ظالمٌ. وسبب ذلك محبّة محمّد بن أبي بكر لعليّ عليه السلام ومفارقته لابيه وبغض معاوية لعليّ عليه السلام ومحاربته له. لم يكن معاوية من كتّاب الوحيوسمّوه كاتب الوحي ولم يكتب كلمةً واحدةً من الوحي، بل يكتب له صلّي الله عليه وآله رسائل، وقد كان بين يدي النبيّ صلّي الله عليه وآله أربعة عشر نفساً يكتبون الوحي، أوّلهم وأخصّهم به وأقربهم إليه صلّي الله عليه وآله عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، مع أنّ معاوية لم يزل مشركاً في مدّة كون النبيّ صلّي الله عليه وآله مبعـوثاً يُكـذِّبُ بالـوحي ويهـزأ بالشرع، وكان باليمن يوم الفتح يطعن علي رسول الله صلّي الله عليه وآله، ويكتب إلي أبيه صخر بن حرب يعيّره بإسلامه، ويقول: أَصَبَوْتَ إلَي دِينِ مُحَمَّدٍ. وكتب إليه: يَا صَخْرُ لاَ تُسْلِمَن طَوْعاً فَتَفْضَحَنَا بَعْدَ الَّذِينَ بِبَدْرٍ أَصْبَحُوا مَزِقَا جَدِّي وَخَالِي وَعَمِّ الاُمِّ يَا لَهُمُ قَوْماً وَحَنْظَلَةَ المُهْدِي لَنَا الاَرَقَا فَالمَوْتُ أَهْوَنُ مِن قَوْلِ الوُشَاةِ لَنَا خَلَّي ابْنَ هِنْدٍ عَنِ العُزَّي إذَا فُرِقَا والفتح كان في شهر رمضان لثمان سنين من قدوم النبيّ صلّي الله عليه وآله المـدينة ومعاوية حينـئذٍ مقـيمٌ علي شِـركه، هاربٌ مـن النبيّ صلّي الله عليه وآله، لأنّه كان قد أهدر دمه فهـرب إلي مكّة، فلمّا لم يجـد له مأوي صار إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله مضطرّاً، فأظهر الإسلام، وكان إسلامه قبل موت النبيّ صلّي الله عليه وآله بخمسة أشهر، وطرح نفسه علي العبّاس، فسأل فيه رسول الله صلّي الله عليه وآله فعفا عنه، ثمّ شفع إليه أن يشرّفه ويُضيفه إلي جملة الكتّاب، فأجابه وجعله واحداً من أربعة عشر، فكم كان يخصّه من الكتّاب في هذه المدّة لو سلّمنا أنّه كان كاتب الوحي حتّي استحقّ أن يوصف بذلك دون غيره ؟! مع أنّ الزمخشريّ ـ من مشايخ الحنفيّة ـ ذكر في كتاب « ربيع الابرار » أنّه: ادّعي بنوّته أربعة نفر. علي أنّ من جملة كتبة الوحي ابن أبي سرح وارتدّ مشركاً ، وفيه نزل : وَلَـ'كِن مَّن شَـرَحَ بِالْكُفْـرِ صَدْرًا فَعَلَيْـهِمْ غَضَـبٌ مِّنَ اللَهِ وَلَهُـمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. [42] وقد روي عبد الله بن عمر قال: أتيتُ النبيّ صلّي الله عليه وآله، فسمعته يقول: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَي غَيْرِ سُنَّتِي فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ.[43] الاشخاص الذين كانت لهم اليد الطولي في وضع الاحاديثلم يدّخر معاوية وسعاً ولم يأل جهداً في الاستفادة من وُضّاع الحديث مثل كَعْب الاحبار، وأبي هريرة، وعبيد الله بن عمرو بن العاص، وسَمرة بن جُنْدَب. أوّلاً: لَفَتَهُم إلي الشام، وأبان لعامّة الناس أنّها مقرّ النور والرحمة ونزول البركات السماويّة وذلك بواسطة هؤلاء الوضّاع. ثانياً: زهّدهم عن العراق وعليّ وأصحابه بزعمه أنّ العراق مركز الفظاظة والخشونة والمحنة والبعد عن النور والرحمة. وظهر أشخاص كانت لهم اليد الطولي في وضع الحديث، وحافزهم علي ذلك انحراف المذهب وتحريف عقائد المسلمين الثابتة، واستعان معاوية بهم وبتلاميذهم من أجل إعلاء شأنه والحطّ من شأن أمير المؤمنين عليه السـلام. وكان كعـب الاحبار، وعبد الله بن سـلام، ووهـب بن منـبّه ـ كما سنري لاحقاً ثلاثة من أعلام اليهود وأعيانهم وأحبارهم وعلمائهم لم يُسـلموا قبل الهجـرة وبعدها. وحين رأوا الغلبة السياسـيّة للنبيّ ونفوذ كلمته، ورأوا أنفسهم متخلّفين عن الركب أسلموا إسلاماً ظاهريّاً ليُصيبوا حظّاً من المزايا الظاهريّة للإسلام، وليحقّقوا مآربهم الخبيثة ويوجّهوا ضرباتهم القاصمة للإسلام الاصيل بوضع الاحاديث المحرّفة، عن التوراة، والافتراء علي رسول الله صلّي الله عليه وآله لما كانوا عليه من اطّلاعٍ كافٍ علي التوراة وكتب الانبياء السابقين. لقد كانوا ممّن تصرّم شطر من أعمارهم، وكان لهم شأنهم ووجاهتهم في المجـتمع، وكانوا ملمّـين باللغة العبـريّة ( لغة التـوراة ) التي لم يعـرف العرب عنها شيئاً، لذا كان الطريق مفتوحاً أمامهم لوضع الاخبار وتزويرها أيّاً كانت. كانوا يقرأون علي الناس أخباراً من التوراة في عظمة النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله ومنزلته إرضاءً للمسلمين السذّج البسطاء، ولفتاً لانظار عامّة الناس إليهم بوصفهم أُولي أسرارٍ إلهيّة ورموز ربّانيّة من كتب الانبياء الماضين، كما فعلوا ذلك ليسمعهم الناس ويُنصتوا إليهم ويثمّنوا كلامهم. ومن الطبيعيّ أنّ الناس الحديثي العهد بالإسلام كانوا يلتفّون حولهم، ويقبلون كلامهم تماماً مهما كان بوصفه يحمل أخباراً غيبيّة عن الانبياء السابقين، وذلك لتطيب قلوبهم بنبوّة نبيّهم صلّي الله عليه وآله. فكانوا يضعون في تضاعيف تلك الاخبار أحاديث كاذبة مخالفة للعقل والوجدان والشرع وينسبونها إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله ليُظهروا الاحاديث النبويّة للناس بمظهر السنن القبيحة والممارسات الشاذّة. وبرؤية هذه الاحاديث لم يدخل في دين الله أحد من الناس، وليس هذا فحسب، بل إنّ عقيدة المسلمين السابقين قد ضعفت شيئاً فشيئاً حتّي دخلت في قلوب أبنائهم مشوّهةً مقدوحاً فيها، ومن ثمّ لن يُكتب لها الثبات والاستمرار. لاحظوا أنّ هذه الحالة تُشبه حالة الشيعة اليوم تماماً إذ بمجرّد أن تطرأ واقعة جديدة، يتساءلون: هل هذه من علامات الظهور في الاخبار والاحاديث ؟! وحينئذٍ لو وُجد شخص غير صالح لا سمح الله فإنّه يبدأ بطرح موضوعات لا سنداً شرعيّاً لها ولا دليلاً عقليّاً عليها اجتذاباً لقلوب العامّة من الناس وإشغالاً لهم. وعند ذاك يلحظ هبوط في درجة اعتقادهم عن المعرفة الحقيقيّة للإمام في حين لا يُنتظَر من المذهب الشيعيّ الرصين المشـفـوع كلامه بالدليل العـقليّ والبرهان أن تُحـاك حوله الحكـايات والقصـص الخياليّة والاساطير الشبيهة بمنسوجات الاحلام وأن تُخْتَدَمَ فيه المطالب التي يأباها العقل. الجزيرة الخضراء حكاية خياليّةومن الموضـوعات الخـيالـيّة والاساطـير المزيّـفة حول وجـود قائم آل محمّد عجّل الله تعالي فرجه الشريف قصّة البحر الابيض، والجزيرة الخضراء، ومثلّث برمودا، التي تتداولها الالسن، وتُطرح حولها مطالب علي المنابر بلا سندٍ معتبر، حتّي ذكر بعض الكتب مسائل كلّها خالية من الحقيقة. إنّ الجزيرة الخضراء كانت في غرب الاندلس مركزاً للمهديّ خليفة الفاطميّين، وهي الآن مغمورةٌ بالماء. كانت هذه الجزيرة مركزاً للمهديّ الذي أُضيفت إليه كلمة القائم فصارت مركزاً للمهديّ القائم، ثمّ قالوا بعد ذلك: لابدّ للمهديّ من زوجة إذ لا يمكن أن لا يعمل إمام الزمان بسُنّة النبيّ، وله أولاد وأحفاد وَهَلُمَّ جَرَّاً. كما أنّ مثلّث برمودا خليجٌ تحته مغناطيس متحرّك يجذب كلّ باخرةٍ وأحياناً كلّ طائرةٍ تمرّ من هناك. مَن الذي قال: إنّ تلك الجزيرة هي محلّ إقامة الإمام عليه السلام ؟! واليوم يصوّرون كلّ نقطةٍ من الارض بالاقمار الصناعيّة حتّي قالوا: إنّ في إيران عدداً من البحيرات غير موجودة علي الخارطة، وقال البعض: يمكن أن تكون سدوداً أُنشئت حديثاً ثمّ اتّخذت شكل البحيرات. لماذا تُسقط الجزيرة الخضراء في مثلّث برمودا الطائرات وتُغرق البواخر حتّي لو كان جميع ركّابها مشركين !؟ أليس إمام العصر والزمان مركزاً للعدل وموئلاً للرحمة !؟ إنّه لا يقتل أحداً حتّي الكفّار الحربيّين فضلاً عن المستضعفين ما لم يُلقِ الحجّة ويُقمِ البرهان ! ألم يقرأ الإمام قوله تعالي: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّي' نَبْعَثَ رَسُولاً. [44] يخاف الكثيرون هذا اليوم من ظهور الإمام. يقولون: إذا ظهر فإنّه يقتلنا. وهذه العقيدة الخرافيّة باطلة. فهو لا يقتل أحداً ما لم يلق عليه الحجّة. إنّه لا يقتل أهل الدين، بل يقتل المنكرين والمعاندين والاعداء. فلماذا نفرّ من ظهوره ؟ ! نحن ننتظر الفَرَجَ لينظر إلينا بعين الرحمة ويُحيي أرواحنا ونفوسنا ويملاها سروراً ونضارة وعشقاً إلهيّاً ! ولم يذكر المجلسيّ في « بحار الانوار » قصّة الجزيرة الخضراء ضمن الاُصول المعتبرة والروايات الواردة عنها، بل يصرّح أنّه لم يجد سنداً يدلّ علي صحّتها، لذا أفرد لها باباً مستقلاّ تحت عنوان أشياء موجودة بلا سند. وأورد أنّه وجد هذه الرسالة المشتهرة بقصّة الجزيرة الخضراء في البحر الابيض وأحبّ ذكرها. وبلغ كلام صاحب الرسالة ( وهو مجهول ) بقوله: فقد وجدتُ في خزانة أمير المؤمنين عليه السلام وسيّد الوصيّين وحجّة ربّ العالمين وإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بخطّ الشـيخ الفاضـل والعالم العامل الفضـل بن يحـيي بن عليّ الطـيِّبيّ الكوفيّ قدّس الله روحه ما هذا صورته... . وذكر المحدّث النوريّ رحمه الله هذه القصّة في كتاب « النجم الثاقب » مفصّلاً، وقال في آخرها: نقل العلاّمة المجلسيّ في « البحار » والفاضل الخبير الميرزا عبد الله الإصفهانيّ في « رياض العلماء » عن رسالة الجزيرة الخضراء أنّ صاحب الرسالة قال : فقد وجدتُ بخطّ الشيخ الفاضل إلي آخر الموضوع، ولم يشيرا إلي اسم الواجد واكتفيا بهذا القدر في الاعتبار. ولكنّ الفاضل الصالح آغاخوند ملاّ كاظم هزار جريبي، تلميذ الاُستاذ الاكبر العلاّمة البهبهانيّ، قال في مناقبه: إنّ هذه الحكاية منقولة عن خطّ الشيخ الاجلّ الافضل... محمّد بن مكّي المشهور بالشهيد كما نقل جمع من المؤمنين التقاة الثقات المعتمدين بلفظ عربيّ.[45] إلي أن قال: وأمّا الفضل بن يحيي راوي أصل الحكاية بعده فهو من العلماء المعروفين. قال الشيخ الحرّ: هو فاضل عالم جليل، روي « كشف الغمّة » عن مؤلِّفه عليّ بن عيسي الإربليّ وكتبه بخطّه، وله إجازة منه. سنة ستمائة وإحدي وتسعين إلي آخر الكلام.[46] وأنا أقول: أوّلاً: إنّ جلالة الفضل بن يحيي وعلمه وفضله كلّ ذلك لا يُضفي علي الرسالة اعتباراً، لانّ الرجل الراوي عنه مجهول لا هو نفسه مجهول. والوضّاع يختلقون الحديث علي لسان رجل مشهور ومعتمد، لا علي لسان كلّ أحد. ثانياً: لا جَرَمَ أنّ نقل آغاخوند ملاّ كاظم هزار جريبي عن جمع من المؤمنين التقاة الثقات الذين رووا رسالة الشهيد غير صحيح، لانّ الشهيد وُلد سنة 734 واستُشهد سنة 786 ، وهو في الثانية والخمسين من عمره،[47] وذكر مُنشي الرسالة أنّه أنشأها سنة 699 . فالشهيد وُلد بعد حكاية الجزيرة الخضراء بخمس وثلاثين سنة، فكيف يمكن أن يكون راوياً للرسالة ؟! يضاف إلي ذلك أ نّنا نجد في نصّ الرسالة موضوعات تخالف الحقيقة. [48] قال المرحـوم المحـدّث النـوري رحمه الله: نقل في مجلّد السماء والعالم من « البحار » عن كتاب تقسيم أقاليم الارض والبلدان لاحد علماء السنّة أنّه قال: « بلد المهديّ » حسنٌ ومحكم، بناه المهديّ الفاطميّ وجعل له قلعة، كما جعل له أبواباً من حديد يزيد حديد كلّ باب علي مائة قنطار. ولمّا بناه وأحكمه قال: الآن اطمأننتُ علي الفاطميّين.[49] قال المعلّق علي هذا الجزء من كتاب « بحار الانوار » للمجلسيّ: العالم المتضلّع الخبير الشيخ محمّد باقر البهبوديّ في تعليقه علي هذا القسم من الكتاب: هذه قصّة مصـنوعة تخيليّة قد سردها كاتبها علي رسم القصّاصين. وهذا الرسم معهود في هذا الزمان أيضاً يسمّونه ( رمانتيك ) وله تأثير عظيم في نفوس القارئين لانجذاب النفوس إليه، فلا بأس به إذا عرف الناس أنّها قصّة تخيليّة ! [50] ومرّ آية الله المحقّق الخبير الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ علي هذا الموضوع مشيراً إشارة عابرة إلي أنّه وهم، وذكره آية الله الشيخ حسن حسن زاده الآمليّ.[51] ارجاعات [1] ـ الآيتان 26 و 27. من السورة 14: إبراهيم. [2] ـ الآية 5. من السورة 61: الصفّ. [3] ـ الآية 26. من السورة 2: البقرة. [4] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 12. ص 51 و 52. [5] ـ وردت هذه الفقرة في الصفحة الاُولي من كتاب «النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم» طبعة النجف، سنة 1386 ه . [6] ـ ذكر المقريزيّ هذا الموضـوع في ص 2 من كتابه، وقال في آخره: فقال بعض العرب: ألا فرّق ذلك بالدرهم ! فإنّه لا يزال السيف بينهم وفي أولادهم إلي الابد. [7] ـ قال أبو ريّة: من أراد أن يتعرّف علي هذه المنافرة فليتلمّسها في كتاب المقريزيّ. [8] ـ قال المقريزيّ في ص 11: حتّي هلك علي كفره بالله في أوّل سنة من الهجرة، أو في سنة اثنين وهو يحادّ الله ورسوله. [9] ـ هند هذه هي زوج أبي سفيان وأُمّ معاوية. [10] ـ قال المقريزيّ في ص 2: فقد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوته للنبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم، وفي محاربته وفي إجلابه عليه، وغزوه إيّاه. وعرفنا إسلامه كيف أسلم، وخلاصه كيف خلص. علي أنّه إنّما أسلم علي يد العبّاس. والعبّاس هو الذي منع الناس من قتله وجاء به رديفاً إلي النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلّم، وسأله أن يشرّفه وأن يكرمه وينوّه به. وتلك يد بيضاء، ونعمة غرّاء، ومقام مشهور، وخبر غير منكور. فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليّاً، وسمّوا الحسن، وقتلوا الحسين، وحملوا النساء علي الاقتاب حواسر، وكشفوا عورة عليّ بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يُصنع بذراري المشركين إذا دُخلت ديارهم عنوة. وقال في ص 3 و 4: وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الاكباد، ومنهم كهف النفاق؛ ونقروا بالقضيب بين ثنيَتَي الحسين، ونبشوا زيداً وصلبوه، وألقوا رأسه في عرصة الدار تطؤه الاقدام، وتنقر دماغه الدجاج، حتّي قال القرشيّ: اطردوا الديكَ عن ذُؤابةِ زيدٍ طالَ ما كان لا تطأه الدجاجُ وقال شاعر بني أُميّة: صلبنا لكم زيداً علي جذع نخلةٍ ولم نَرَ مهديّاً علي الجذعِ يُصلبُ وقتلوا يحيي بن زيد وسمّوا قاتله «ثائر مروان» و«ناصر الدين»، وضربوا عليّ بن عبد الله بن عبّاس بالسياط مرّتين علي أن تزوّج ابنة عمّه الجعفريّة التي كانت عند عبد الملك ابن مروان. [11] ـ الاستقسام بالازلام نوع من القمار الذي كان يُتعاطي في العصر الجاهليّ، وحرّمه الإسلام بالآية 3. من السورة 5: المائدة: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أَهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَي النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالاْزْلَـ'مِ ذَ لِكُمْ فِسْقٌ إلي آخر الآية... والمراد من الاستقسام بالازلام علي ما جاء في تفسير البيضاويّ المطبوع في دار الطباعة العامرة بجزئين، ج 1. ص 323 هو قوله: وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالاْزْلَـ'مِ. أي: وحرّم عليكم الاستقسام بالاقداح. وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب علي أحدها: أَمَرَنِي رَبِّي. وعلي الآخر: نَهَانِي رَبِّي. وعلي الثالث: غَفَل فإن خرج الامر مضوا علي ذلك. وإن خرج النهي تجنّبوا عنه. وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً. فمعني الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم بالازلام. وقيل: هو استقسام الجزور بالاقداح علي الانصباء المعلومة. وواحد الازلام زَلَم كجَمَل، وزُلَم كصُرَد. [12] ـ لمّا انهزم المسلمون يوم حُنين قال أبو سفيان: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. وقال فيه حافظ الغرب ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» ج 2. ص 709 و 710: إنّه كان كهفاً للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهليّة يُنسب إلي الزندقة، وإنّ له أخباراً رديئة، وإنّ إسلامه لم يكن سالماً. [13] ـ قال المقريزيّ في ص 4: قَتَله عليّ وعمّار صبراً. [14] ـ المطالب المذكورة ملخّصة من ص 10 إلي 34 من كتاب «النزاع والتخاصم». [15] ـ قال المقريزيّ في ص 3: وبعث معاوية بن أبي سفيان إلي اليمن بُسر بن أرطاة، فقتل ابنَي عبيد الله بن العبّاس وهما غلامان لم يبلغا الحلم. فقالت أُمّها عائشة ابنة عبد الله ابن عبد المدان بن الديّان ترثيهما: يَا مَنْ أَحَسَّ بابْنَيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا كَالدُّرَّتَيْنِ تَشَظَّي عَنْهُمَا الصَّدَفُ أَنْحَي عَلَي وَدَجَي طِفْلَيَّ مُرْهَفَةً مَطْرُودَةً وَ عَظِيمُ الإثْمِ يُقْتَرَفُ وقتلوا لصُلْب عليّ بن أبي طالب تسعة، ولصُلْب عقيل بن أبي طالب تسعة، لذلك قالت نائحتهم: عَيْـنُ جُـودِي بِعَـبْـرَةٍ وَعَـويـلِ وَانْـدُبي إنْ نَـدَبْـتِ آلَ الرَّسُـولِ تِسْـعَـةٌ مِنْـهُـمْ لِصُـلْـبِ عَـلِـيٍّ قَدْ أُصِـيـبُـوا وَتِـسْــعَةٌ لِعَـقِـيلِ [16] ـ يشير إلي استلحاق معاوية لزياد وجعله ابناً لابي سفيان. [17] ـ وصفوا يزيد هذا بأوصاف كثيرة شنيعة أتينا علي بعضها عند الكلام عنه. [18] ـ قال أبو ريّة في الهامش: سيأتيك شيء من تفصيل هذه الجريمة الكبري التي لم يقع مثلها في التأريخ الإسلاميّ علي مدّ عصوره. [19] ـ في كلّ عصر نابتة سوء مبغضة عُرفت بالنصب، وفي عصرنا هذا من هذه السلسلة قوم فضحوا أنفسهم بنصبهم. (محمود أبو ريّة). وأقول: ها هي خمس عشرة سنة تمرّ علي انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران وقد بذلت الحكومة قصاري جهدها من أجل حفظ الوحدة الإسلاميّة، مع ذلك لم يقتنع المناوئون الذين في قلوبهم مرض فأصدروا الكتب والمجلاّت العديدة بلغات مختلفة ليبثّوا بها أباطيلهم وأراجيفهم من منطلق النعرة العربيّة القوميّة، ولينشروا خرافاتهم القديمة البالية كقضيّة عبد الله بن سبأ، وانحدار الشيعة من القوميّة الفارسيّة المجوسيّة وأمثال هذه الترّهات التي أزكمت الاُنوف. هؤلاء المسـاكين لا يعلمون أنّ أحداً لا يقيم لكلامـهم وزناً الآن، وقد خزوا وافتضحوا بذكر المستشرقين في كتبهم. وبانت حقّانيّة النبيّ ووصيّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وفشت فضيحة السلاطين الغاصبين من تيم وعديّ وبني أُميّة وبني مروان. وهبّ رجال مألوسون من أمثال محمّد ثابت، ومحبّ الدين الخطيب، وعبد الله بن باز، وإبراهـيم الجـبهان، وإبراهـيم علي شـعوط، وإحسـان ظهـير اللهـي، وعبد المنعم نمر، ومال الله موسي الإصفهانيّ احتذاءً بابن تيميّة، وأحمد أمين المصريّ، وموسي جار الله ونظائرهم ساعين إلي إسدال الستار علي جرائم سلفهم، وهم لا يدرون أنّهم يسعون باطلاً فمن رفع الغطاء عن جسد متعفِّن ازدادت عفونته. إنّ هؤلاء الاعداء الالدّاء للإسلام لا يقتنعون بأيّ منطق، ولا يفهمون الكلام الموزون المدروس، ولا مفهوم للحقّ عندهم. إنّهم أخلاف زياد ومعاوية ويزيد، وهم المثل الاعلي لافكارهم وآرائهم في هذا العصر. فلينتظروا عقوبة الله سبحانه. وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّي' يَأْتِيَ وَعْدُ اللَهِ إِنَّ اللَهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. (الآية 31. من السورة 13: الرعد). [20] ـ قال الشيخ محمود أبو ريّة في الهامش: زعم الواقديّ أن معاوية كان في عمرة القضاء مسلماً فردّ عليه ابن حجر العسقلانيّ في «الإصابة» بقوله: هذا يعارضه ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال في العمرة في الحجّ: فعلناها و هذا يومئذٍ كافر، يعني معاوية. وزعم الواقديّ كذلك أنّ معاوية شهد حُنيناً فأعطاهُ النبيّ من الغنائم مائة من الإبل وأربعينَ أوقيةً. وردّ الذهبيّ علي ذلك فقال: الواقديّ لا يعني ما يقول فإن كان معاوية قديماً في الإسلام فلماذا يتألّفه النبيّ صلّي الله عليه وآله و لو كان أعطاه لما قال عندما خطب فاطمة ابنة قيس: أمّا معاوية فصعلوك لا مال له. [21] ـ قال آية الله السـيّد شرف الدين في رسالته «إلي المجـمع العلـميّ العـربيّ بدمشق» ص 117 و 118: لكن بنته أُمّ حبيبة واسمها رملة أسلمت وحَسُن إسلامها قبل الهجـرة، وهاجـرت مع المهاجـرين إلي الحبشـة هرباً من أبيها وقومها، فبعث رسول الله صلّي الله عليه وآله بعض أصحابه إلي النجاشيّ فخطب عليه أُمّ حبيبة . فزوّجه إيّاها وأصدقها النجاشيّ من ماله عن رسول الله صلّي الله عليه وآله اربعـمائة دينار، وأبـوها إذ ذاك ممعن في عداوة الله ورسوله. وقدم بعد ذلك علي المدينة ليزيد في هدنة الحديبيّة، فدخل علي بنته أُمّ حبيبة، وحين أراد أن يجلـس طوت الفراش دونه. فقال: يا بنيّة ! أرغبتِ به عنّي ؟ فقالت: هو فراش رسول الله صلّي الله عليه وآله وأنت امرؤ نجس مشرك ! فقال: لقد أصابك يا بنيّة بعدي شرٌّ ! (نصّ علي هذا كلّه أثبات الاُمّة من حفظة السنن والآثار). [22] ـ ظلّ المؤلّفة قلوبهم يأخذون مِن مال الاُمّة حتّي تولّي عمر وقال: لقد اعتزّ الإسلام ولم تعد حاجةٌ لإعطائهم. [23] ـ «شيخ المضيرة أبو هريرة» ص 142 إلي 149. الطبعة الثانية. [24] ـ الآية 119. من السورة 7: الاعراف. قال السيّد محمّد باقر الخوانساريّ في «روضات الجنّات» ج 7. ص 256. طبعة إسماعيليّان، في ختام ترجمة محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي بعد ذكر حكاية: هذا وقد مضي في ذيل ترجمة شريك المذكور ما هو أملح من هذه الحكاية وأدعي إلي سبيل ولاية أهل بيت الرسالة والدراية والحمد للّه علي نعمة الهداية. ومن جملة ما لم نروه هناك من أخبار الرجل وهو أيضاً من ملح الآثار ونوادر الاخبار، أنّه سئل يوماً أن يذكر شيئاً من مناقب معاوية بن أبي سفيان، فقال: نعم إنّ من مناقبه أنّ أباه قاتل النبيّ صلّي الله عليه وآله، وهو قاتل الوصي، وأُمّه أكلت كبد عمّ النبيّ صلّي الله عليه وآله حمزة رضي الله عنه وابنه حزّ رأس ابن النبيّ صلّي الله عليه وآله فأيّة منقبةٍ تريد أعظم من هذا ؟! ثمّ إنّ من جملة طرائف أخبار ابن أبي ليلي برواية شيخنا الصدوق في «الفقيه» أنّه سئل مولانا الصادق عليه السلام، فقال : أي شيءٍ أحلي ممّا خلق الله ؟ فقال : الولد الشابّ . فقال : أي شيء أمرّ ممّا خلق الله ؟ فقال: فقدهُ. فقال ابن أبي ليلي: أشهد أنّكم حجج الله علي خلقه. [25] ـ كان عمر هو الذي مهّد الخـلافة لبني أُميّة، ذلك أنّه ولّي معاوية الشام في أيّام خلافته. («تاريخ اليعقوبيّ» ج 2. ص 150 ) (النقل بالمضمون لا بالنصّ). [26] ـ قطع الشيخ محمود أبو ريّة بأنّ مقتل عمر كان بمؤامرة كعب الاحبار اليهوديّ. وله حديـث وافٍ في كتاب «أضـواء علي السنّة المحـمّديّة» ص 150 إلي 155. الطبعة الثالثة، وفيه أنّ إسلام كعب كان إسلام خدعةٍ. وبعد كلامه حول كيفيّة استحواذ بني إسرائيل وأحبار اليهود كعبد الله بن سلام، ووهب بن منبّه الإسرائيليّ، وكعب الاحبار، وتردّد كعب علي عمر، أثبت بأدلّة ذكـرها دوره في قتل عمر بعد مشـورته للهـرمـزان وأمره أبا لؤلؤة بذلـك. وقال في ختام حديثه:... وممّن اشترك فيها وكان له أثر كبير في تدبيرها كعب الاحبار. و هذا أمر لا يمتري فيه أحد إلاّ الجهلاء. [27] ـ «شيخ المضيرة أبو هريرة» ص 140 إلي 142. الطبعة الثانية. [28] ـ ارجع إلي كتاب «النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم» للمقريزيّ، وإلي كتابنا «شيخ المضيرة» لكي تعرف كيف قامت دولة بني أُميّة ! [29] ـ هذا هو لفظ أبو ريّة إذ يري أنّ حكومة عثمان عادلة. وهذا رأيه كعالمٍ سنّيّ، بَيدَ أنّ الشيعة تذهب إلي أنّ حكومته جائرة منذ البداية. فقد شهد التأريخ بأنّه كان رجلاً ظالماً. وقد أدرك الشيخ أبو ريّة السنّيّ ـ بما كان عليه من فكرٍ وقّاد وتقويمٍ منصف وما امتاز به من دراساتٍ عميقة ـ أنّ في فقه العامّة خللاً وفي صحاحهم بخاصّة «صحيح البخاريّ» روايات باطلة كثـيرة تخالف العقل والتأريخ. ولذا أ لّفَ كتابيه الثمينين: «الاضـواء...»، و«شيخ المضـيرة» للردّ علي فقه العامّة المتـوكّي علي أحاديـث رواها رجال كذّابون متّهـمون كأبي هريرة. وكان سماحة العلاّمة السيّد مرتضي العسكريّ أمدّ الله في عمره الشريف وهو سبط خال والدي (المرحوم المحدّث العظيم آية الله الميرزا محمّد الطهرانيّ العسكريّ الذي كان يُقيم في مدينة سامرّاء) ـ يقول: أرسلت كتابين من كتبي وهما: «عبد الله بن سبأ» والجزء الاوّل من كتاب «أحاديـث أُمّ المؤمنين عائشة» إلي الشـيخ أبو ريّة في مصر فاستحسـنهما كثيراً. وعندما ذهبت إلي مصر عدته في المستشفي إذ كان راقداً فيها لمرضٍ ألمّ به وأدّي إلي وفاته. وقد سررنا أنا وإيّاه باللقاء كثيراً وكان يري أنّ عائشة إمرأة فظّة محرّفة للتأريخ وعدوّة لامير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام، وكان يبغضها كثيراً، ولعنها عدّة مرّات وهو علي سريره. كما كان يتبرّأ من عثمان. وسألته عن رأيه بالشيخين، فقال: إنّه توصّل إلي موضوعاتٍ كثيرة بشأنهما، وكان يذمّهما لكنّه لم يبلغ مرحلة لعنهما والبراءة منهما حتّي وافاه الاجل. ومرّ علي وفاته حتّي الآن قرابة ثلاثين سنة. اللَهُمَّ احْشُرْهُ مَعَ مَنْ يَتَولاَّهُ وَيُحِبُّهُ وَأَبْعِدْهُ مِمَّنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ وَيَبْغِضُهُ ! [30] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة، أو دفاع عن الحديث» ص 269 إلي 271. الطبعة الثالثة، دار المعارف بمصر. [31] ـ روي مسلم هذه العبارة في مقدّمة صحيحه عن يحيي بن سعيد القطّان بهذا اللفظ، وبلفظ «الصالحين» بدل «أهل الخير». [32] ـ الآية 14. من السورة 49: الحجرات. [33] ـ راجع فصل الإسرائيليّات من هذا الكتاب. [34] ـ راجع فصل (الوضّاع الصالحون) من كتاب «الاضواء» ص 38. [35] ـ ما أروع قول الشاعر فيهم: زاهد چه بلائي تو كه صد دانة تسبيح از دست تو سوراخ به سوراخ گريزد خلق از پي تو زار دويدن عجبي نيست يك برّه نديدم كه ز سلاّخ گريزد يقول: «أي بلاءٍ أنت أيّها الزاهد إذ تفرّ حبّات المسبحة المائة من يدك وتدخل في ثقب وتخرج من آخر. لا غرو أن يفرّ الناس منك وهم يأنّون، لكنّي لم أجد حَمَلاً يفرّ من يد الجزّار !». [36] ـ الغِرُّ: الشابُّ لا تجربة له، والشابَّةُ كذلك، يقال: شابٌّ غِرٌّ وشابَّةٌ غِرٌ و غِرَّةٌ. وجمعه: أغْرَار. [37] ـ «أضواء علي السنّة المحمّديّة» ص 389 إلي 391. الطبعة الثالثة. ونقل هذه المطالب عن الشيخ محمّد عبده في كتابه «تاريخ الإسناد» ج 2. ص 347 إلي 349. [38] ـ الصحيح أنّه صحب النبيّ عاماً وتسعة أشهر كما حقّقناه في كتابنا «شيخ المضيرة» فيُرجع إليه. (الشيخ أبو ريّة). [39] ـ توفّي أبو هريرة سنة 59 هجريّة. [40] ـ كأخبار اليهود ومن إليهم. [41] ـ «أضواء...» ص 113 و 114. الطبعة الثالثة. [42] ـ النصف الثاني من الآية 106. من السورة 16: النحل، ونصفها الاوّل: مَن كَفَرَ بِاللَهِ مِن بَعْدِ إِيمَـ'نِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ و مُطْمَنءِنٌّ بِالإيمَـ'نِ. [43] ـ «منهاج الكرامة في إثبات الإمامة» ص 27 إلي 29. الطبعة الحجريّة، بخطّ عبد الرحيم. [44] ـ الآية 15. من السورة 17: الإسراء. [45] ـ «النجم الثاقب» ص 66. الطبعة الحجريّة الرحليّة. [46] ـ «النجم الثاقب» ص 67. [47] ـ «هديّة الاحباب» للمحدّث القمّيّ، ص 166 و 167. [48] ـ إذا دقّقنا في مضـمون هذه الرسـالة تبيّـنت لنا موارد تخالف الحقيقة والواقـع لا محالة، ونشير هنا إلي أربعةٍ منها: الاوّل: يسأل السائل رجلاً من داخل الجزيرة الخضراء فيقول: كيف دخل مذهب الشيعة إليكم ؟! ويجيب: دخل عن طريق أبيذرّ الغفاريّ عندما نفاه عثمان إلي الشام ونفاه معاويةٍ إلي منطـقتنا. في حين نحن نعلم أنّ معاوية نفي أبا ذرّ إلي أطراف الشام وفلسطين، أي: إلي منطقة جبل عامل، لا إلي الاندلس. والاندلس لم تفتح في عهد معاوية بعد، وبينها وبين جبل عامل آلاف الكيلومترات («بحار الانوار» ج 52. ص 173 ). الثاني: تُصرِّح الرسالة بوضوح أنّ في القرآن الكريم تحريفاً لفظيّاً، وهذا خلاف الحقيقة. (= «بحار الانوار» ج 52. ص 170 ). الثالث: يبدو من أوّل الرسالة ص 162 أنّ هذا الشخص المسافر إلي الجزيرة كان يدرس في دمشـق وهو أعزب، لكن نجد العكـس من هذا في ص 172. ففيـها يقول صاحب الجزيرة له: إنَّكَ ذو عَيالٍ وغِبتَ عنهم مدَّةً مديدةً ولا يجوز التخلُّف عنهم أكثر من هذا ! الرابع: أنَّ عدد أُمراء الجيش الذي كان يتحرَّك وسط الشهر في يوم الجمعة ويُثير الفوضي علي ما قال صاحب الجزيرة ثلاثمائة شخص فيحتاج إلي ثلاثة عشر شخصاً حتّي يظهر الإمام. (ص 171 ). ولمّا كانت هذه القضيّة وقعت سنة 699 (ص 159 ) فالآن نحن في سنة 1414. وقد مرَّ عليها 715 سنة، فكيف لم يكتمل العدد ؟! إذا كان أُولئك الثلاثمائة شخص كأمثلة لا كأشخاص بأعيانهم، فلماذا ظهر ثلاثمائة فقط خلال 400 سنة مرّت علي غيبة الإمام ولم يلتحق بهم ثلاثة عشر خلال 715 سنة ؟! وإذا كانوا أشخاصاً بأعيانهم، فلابدّ أن يضاف إليهم ثلاثة عشر في تلك السنوات بسرعةٍ ويظهر الإمام ! [49] ـ «النجم الثاقب» ص 68. [50] ـ «بحار الانوار» ج 13. ص 143 إلي 147. طبعة الكمبانيّ، وفي الطبعة الحديثة: ج 52. ص 159 إلي 174. وذكر الشـيخ البهبوديّ هذا الهامـش في ص 159 من الطبعة الجديدة. [51] ـ مجلة «نور علم» (= نور العلم) العددان 50 و 51. الذكري العشرون لوفاة العلاّمة الشعرانيّ، ص 18 و 19.
|
|
|