بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثاني / القسم الرابع: اختصاص الامامة بالمخلصین، اعتراف ابی بکر بضعفه، الاکثریة لیست معیارا فی ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

مقام‌ الإمامة خاصّ بالمخلَصين‌

 ينبغي‌ علیالإنسان أن‌ يضع‌ قدمه‌ علی طريق‌ التوحيد، ولكن‌ من‌ ذا الذي‌ يطلعه‌ علی ذلك‌ بعد النبيّ؟ إنّ المعلمّ الذي‌ لا تتجاوز معلوماته‌ العمليّات‌ الحسابيّة‌ الاصليّة‌ الاربع‌، كيف‌ يستطيع‌ أن‌ يعلّم‌ طلابه‌ المعادلات‌ ذات‌ المجاهيل‌ المتعدّدة‌، و كذلك‌ الجذور، و رسم‌ المنحني‌، و الهندسة‌ الفضائيّة‌، و المثلّثات‌، و الحساب‌ الاستدإلی؟ هذا مستحيل‌، فإنّ أقصي‌ ما يستطيع‌ أن‌ يفعله‌ هو إيصال‌ الطالب‌ إلی‌ مستوي‌ ما يحمله‌ من‌ معلومات‌ وفي‌ ضوء ذلك‌، فكيف‌ يستطيع‌ الشخص‌ اللا موحّد الناقص‌ الذي‌ لم‌ يتحرّر من‌ رتبة‌ الشيطان‌ و هوي‌ النفس‌ أن‌ يكون‌ معلّماً للناس‌ يهديهم‌ نحو التوحيد و يوصلهم‌ إلی‌ كمال‌ الإنسانيّة‌؟! إنّ هذا مستحيل‌، أو نقول‌: إنّ مشيئة‌ الله‌ في‌ إرشاد الناس‌ و هدايتهم‌ إلی‌ كمالهم‌ قد تراجعت‌ و تركتهم‌ ضائعين‌. وهذا غير صحيح‌؛ لانـّه‌ قد ثبت‌ أنّ السماء و الارض‌، والإنسان، كلّ أُولئك‌ قد خلق‌ بالحقّ، و هو يعني‌ عدم‌ البطلان‌ و العبث‌، أو أن‌ نقول‌: لم‌ يُهمَل‌ الناس‌، و إنّما يحتاجون‌ إلی‌ مربٍّ و مكمّل‌، و في‌ هذه‌ الحالة‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ المربّيّ أكمل‌ الناس‌، و إلاّ فلا يكون‌ مكمّلاً، و هو المطلوب‌ ونستخلص‌ من‌ هذا البحث‌ أنـّه‌ كما أنّ تشريع‌ القوانين‌ مرتكز علی أساس‌ الحقّ، و كذلك‌ بعثة‌ الرسول‌ الاعظم‌، و نصب‌ الإمام الذي‌ يتمتّع‌ بمقام‌ الكمال‌، و هو المربّيّ و المعلّم‌ للبشريّة‌، إلی‌ أعلی درجة‌ من‌ الإنسانيّة‌ وفعليّة‌ القوي‌ المودعة‌ من‌ الله‌ فيه‌ و مقام‌ التوحيد؛ كل‌ ذلك‌ علی أساس‌ الحقّ أيضاً. و كلا المسألتان‌ من‌ أصل‌ واحد، و الوردتان‌ أصلهما شجرة‌ الورد الواحدة‌، و تتغذّيان‌ من‌ ثدي‌ واحدة‌ و أمّاالإنسانالذي‌ لم‌ يبلغ‌ مقام‌ التوحيد المطلق‌، و لم‌ يصل‌ إلی‌ أعلی درجة‌ من‌ الإنسانيّة‌، و لا زالت‌ بين‌ جنبيه‌ نفسه‌ الامّارة‌، و لم‌ يتركه‌ الشيطان‌، و لم‌ يتّضح‌ موقفه‌، و لازال‌ يعيش‌ في‌ ظلمات‌ الشرك‌ (و إن‌ كان‌ شركاً خفيّاً)، و لم‌ يوقن‌ طريق‌ الحقّ ولازال‌ إيمانه‌ من‌ وحي‌ التقليد، أو مشوباً ببعض‌ الشوائب‌ الاُخري‌، و لم‌ يُفتَن‌ علی إيمانه‌، و ما فَتَأ فريسة‌ لذئب‌ الامانيّ الباطلة‌، و في‌ قبضة‌ هوي‌ النفس‌، نعم‌ فا لإنسان‌ بهذه‌ المواصفات‌ لايمكن‌ أن‌ يكون‌ معلّماً و موجّهاً وقائداً.

 فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْوْثَـ'نِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَآءَ لِلَهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَن‌ يُشْرِكْ بِاللَهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي‌ بِهِ الرِّيحُ فِي‌ مَكَانٍ سَحِيقٍ. [1]

 «اجتنبوا الارجاس‌ المتمثّلة‌ بعبادة‌ الاوثان‌ (والنفس‌ الامّارة‌ هي‌ الصنم‌ الحقيقيّ و احترزوا من‌ القول‌ الباطل‌، و سيروا علی أساس‌ دين‌ التوحيد المستقيم‌ المنزّه‌ عن‌ الإفراط‌ و التفريط‌، و المطهّر من‌ الاعوجاج‌ والنقص‌، و لا تشركوا بالله‌ أحداً أبداً، و لا تجعلوا معه‌ مؤثّراً آخر؛ و من‌ جعل‌ معه‌ مؤثّراً آخر و أقحمه‌ في‌ تسيير العالم‌ فمثَلُه‌ مثل‌ من‌ سقط‌ من‌ مراتب‌ الوجود و خرّ من‌ سماء الفضيلة‌ إلی‌ الحضيض‌ فتخطّفه‌ طير الهوي‌ المفترسة‌ للبشر، و تجعله‌ فريسة‌ لها، أو تقذفه‌ رياح‌ الحوادث‌ والاضطراب‌ فتلقيه‌ في‌ مكان‌ بعيد.»

 فالشخص‌ الذي‌ لم‌ يبلغ‌ مقام‌ الكمال‌، و مازال‌ محجوباً بحجاب‌ النفس‌، وما فتأت‌ نفسه‌ هي‌ المحور إذ يحوم‌ حولها دائماً، وما برح‌ عاجزاً عن‌ أن‌ يفتح‌ منفذاً يخترق‌ فيه‌ حجب‌ قلبه‌ المظلمة‌ ليخرج‌ منه‌، و يحلّق‌ في‌ فضاء عالم‌ القدس‌، و ليعيش‌ منشرح‌ الصدر، مطمئنّ القلب‌، مرضيّاً عنه‌، فيصدق‌ عليه‌ الخطاب‌ القائل‌: ارْجِعِي‌´ إلی‌' رَبِّكِ رَاضِيةً مَّرْضِيَّةً،[2] و يُكلّل‌ بقوله‌ عزّ من‌ قائل‌: فَادْخُلِي‌ فِي‌ عِبَـ'دِي‌ * وَادْخُلِي‌ جَنَّتِي‌،[3] نعم‌ فا لإنسان‌ بهذه‌ المواصفات‌، مهما بلغ‌ من‌ المقام‌ و المنزلة‌، فإنـّه‌ يظلّ في‌ غشاوته‌، وينطبق‌ عليه‌ عنوان‌ الكفر الحقيقيّ حسب‌ حالته‌ و درجته‌، و يهتزّ عند المحن‌ والشدائد والاختبارات‌، و تجرفه‌ صاعقة‌ الهوي‌ و حبّ الرئاسة‌ والجاه‌ الذي‌ هو بدرجات‌ أشدّ من‌ دويّ و برق‌ حبّ المال‌ و الاولاد و حتّي‌ حبّ الحياة‌. تجرفه‌ نحو بيداء الضياع‌، و مفازة‌ البؤس‌، فتسلّمه‌ إلی‌ الهلاك‌ و الفناء.

 وَ لاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم‌ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن‌ دَارِهِمْ حَتَّي‌' يَأْتِيَ وَعْدُ اللَهِ إِنَّ اللَهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.[4]

 فهل‌ يستطيع‌ مثل‌ هذا الشخص‌ المصاب‌ بقارعة‌ السماء، و المهدّد قلبه‌ بسيل‌ الخطرات‌ النفسانيّة‌ دائماً،و المحاصر بإبليس‌ و جنوده‌، أن‌ يأخذ بِيَدِ الاُمّة‌، ويهدي‌ ضعفاءها إلی‌ طريق‌ التوحيد وأقوياءها إلی‌ مقام‌ الكمال‌؟

 الرجوع الي الفهرس

 اعتراف‌ أبي‌ بكر بضعفه‌

 يقول‌ أبو قُتَيْبَة‌ الدينوَريّ الذي‌ كان‌ من‌ أعاظم‌ قدماء العامّة‌ وأعيانهم‌ ويعترف‌ أهل‌ السنّة‌ جميعهم‌ بجلالته‌ و قدره‌: صعد أبوبكر علی المنبر بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌، و خطب‌ هذه‌ الخطبة‌:

 وَ لَقَدْ قُلِّدْتُ أَمراً عَظِيماً مَإلی‌ بِهِ طَاقَةٌ ولا يَدٌ، وَ لَوَدِدْتُ أنِّي‌ وَجَدْتُ أَقْوَي‌ النَّاسِ عَلَيْهِ مَكَانِي‌، فَأَطِيعُونِي‌ مَا أَطَعْتُ اللَهَ، فَإذَا عَصَيْتُ اللهَ، فَلاَ طَاعَةَ لِي‌ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ بَكَي‌، وَ قَالَ: إِعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ! أَنِّي‌ لَمْ أُجْعَلْ لِهَذَا المَكَانِ أَنْ أَكُونَ خَيْرَكُمْ، وَ لَودِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيه‌. وَ لَئِن‌ أَخَذْتُمُونِي‌ بِمَا كَانَ اللَهُ يُقِيمُ بِهِ رسولَهُ مِنَ الْوْحي‌ مَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدِي‌. وَ مَا أَنَا إِلاَّ كَاَحَدِكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي‌ قَدِ استَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي‌، وَ إِن‌ زُغتُ فَقَوَّمُونِي‌. وَاعْلَمُوا أَنَّ لِي‌ شَيْطَاناً يَعْتَرينِي‌ أَحْيَاناً. فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي‌ غَضَبْتُ فَاجْتَنِبُونِي‌. لاَ اُؤثِّرُ فِي‌ أَشْعَارِكُمْ وَ أبْشَارِكُمْ؛ ثُمَّ نَزَلَ.[5]

 و عندما كان‌ يعجز عن‌ الجواب‌ علی مسائل‌ الناس‌، كان‌ يقول‌: سَأَقُولُ فِيهَا بِرَأيي‌[6] و عند ما كان‌ يعيي‌، و لم‌ يجد نفسه‌ أهلاً للمهمّة‌، كان‌ يقول‌: أيُّ سَمآءٍ تُظِلُّنِي‌؟ [7]

 فهو يعترف‌ بأنـّه‌ لازال‌ يعيش‌ مغلولاً بحبائل‌ الشيطان‌ و النفس‌ الامّارة‌، و يقترف‌ ا لإثم‌ أحياناً، و يعتريه‌ الشيطان‌، ففي‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌ كيف‌ يكون‌ إماماً للناس‌، و يريد من‌ ضعفاء الاُمّة‌، بل‌ من‌ كبارها أمثال‌ سلمان‌، و أبي‌ذرّ، و عمّار، و المقداد، و حذيفة‌، و جابربن‌ عبدالله‌ الانصاريّ، بل‌ و حتّي‌ من‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ صاحب‌ العصمة‌ الكبري‌ و الولاية‌ العظمي‌، يريد منهم‌ أن‌ يتّبعوه‌؟ و يأمرهم‌ أن‌ يبايعوه‌ و يُؤمِّروه‌ و يقتدوا بأوامره‌ و سنّته‌. و إذا ما خالف‌ أحد، فإنـّه‌ يأمر عمر بقتاله‌ قائلاً: إِن‌ أَبَوْا، فَقاتِلْهُمْ. [8] هذا مع‌ أنـّه‌ يعلم‌، و يعلم‌ جيّداً أنّ أميرالمؤمنين‌ عليّاً هو محور الحياة‌ في‌الإسلام، و هو قطب‌ سعادة‌ الاُمّة‌ وفوزها و انتصارها.

 الرجوع الي الفهرس

غصب‌ أبي‌ بكر للخلافة‌ عالماً بحقّانيّة‌ أمير المؤمنين‌

 يقول‌ أميرالمؤمنين‌: أمَا وَاللَهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي‌ قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلّي‌ مِنْهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحي‌، يَنْحَدِرُ عَنِّي‌ السَّيْلُ، وَلاَيَرقَي‌ إلی الطَّيْرُ. [9] فالإمام يقول‌ هنا بأنّ أبابكر يعلم‌ بأنّ الرحي‌ لا قطب‌ لها غيري‌، فإذا دارت‌، فإنّ حجرها ينزلق‌، و لا يطحن‌ القمح‌ فحسب‌، بل‌ ويدمّر الطحّان‌ والمطحنة‌.

 أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن‌ نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَ مَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ. [10] أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن‌ يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ. [11] وَ لاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُو´ا إِنَّهُمْ لاَيُعْجِزُونَ. [12]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ التاسع‌ عشر:

 أصوات‌ الاكثريّة‌ ليست‌ معياراً في‌ انتخاب‌ الإمام المعصوم‌

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُوْلِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ فَإِن‌ تَنَـ'زَعْتُمْ فِي‌ شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلی‌ اللَهِ وَ الرَّسُولِ إِن‌ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ ذَ ' لِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. [13]

 ذكرنا سابقاً أنّ خلق‌ السماوات‌ و الارض‌، و المخلوقات‌ السماويّة‌ والارضيّة‌. و خلق‌ الإنسان، و إنزال‌ القرآن‌، و إرسال‌ النبيّ الكريم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ و سلّم‌ كلّ ذلك‌ بالحقّ. و الآيات‌ القرآنيّة‌ صريحة‌ في‌ أنّ النظام‌ الكونيّ و هداية‌ الإنسان نحو الكمال‌ منزّهان‌ من‌ العبث‌، لذلك‌ فإنّ أوامر الله‌ و نواهيه‌ هي‌ بالحقّ أيضاً. و ترمي‌ إلی‌ إطاعة‌ الحقّ، إذ إنّ هذا الموضوع‌ هو علی طريق‌ نفس‌ تلك‌ المبادي‌ التكوينيّة‌، و يؤيّد نظام‌ الخلقة‌ و من‌ المحال‌ علی الله‌ سبحانه‌ تعإلی‌ أن‌ يأمر بالباطل‌، لانّ الباطل‌ يزلّ بالإنسان نفسه‌ عن‌ الطريق‌ المستقيم‌، و يحرّكه‌ في‌ المسار المضادّ لطريق‌ الكمال‌ و السعادة‌. و نستخلص‌ من‌ ذلك‌ أنّ الاوامر التشريعيّة‌ لله‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ دآئماً وفقاً لنظامه‌ التكوينيّ لا معاكسة‌ له‌، قال‌ تعإلی‌:

 وَاللَهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي‌ السَّبِيلَ. [14] وَ يَرَي‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ إلیكَ مِن‌ رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِي‌´ إلی‌' صِرَ'طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ[15]. لذلك‌، فإنّ الله‌ لا يأمر بالباطل‌ أو باتّباع‌ الظلم‌ و المعصية‌ أو بالدعوة‌ إلی‌ اتّباع‌ غير الحقّ أبداً.

 فاتّباع‌ أُولي‌ الامر الذين‌ وجبت‌ إطاعتهم‌ في‌ الآية‌ المباركة‌ بلا قيد وشرط‌ هو اتّباع‌ للحقّ، و إلاّ فإنّ هذا الامر سيكون‌ معاكساً للنظام‌ ا لإلهيّ العامّ. و لذلك‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ المقصودون‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أشخاصاً معصومين‌ يكون‌ فعلهم‌ حقّاً، و كذلك‌ قولهم‌ و سيرتهم‌ و سنّتهم‌.

 إنّ كثيراً من‌ أهل‌ السنّة‌ بل‌ غالبيّتهم‌، بل‌ جميعهم‌ يقولون‌ بعدم‌ وجوب‌ العصمة‌ في‌ أُولي‌ الامر. و إنّما يمكن‌ انتخاب‌ الإمام‌ برأي‌ الاغلبيّة‌ أو ببيعة‌ أهل‌ الحلّ و العقد، و تجب‌ إطاعته‌ وفقاً لمفاد الآية‌ المباركة‌. هذه‌ النظرية‌ تخالف‌ أساس‌ القرآن‌ و تشريع‌ الشريعة‌ الحقّة‌ و أساس‌ الدين‌ المبين‌؛ لانّ للإمام‌ حالات‌ و ملكات‌ روحيّة‌ لا يطّلع‌ عليها إلاّ علاّم‌ الغيوب‌ المطّلع‌ علی السرائر و الخفيّات‌؛ مثل‌ العصمة‌، و طهارة‌ الروح‌، و قداسة‌ الباطن‌، والنزاهة‌ المقترنة‌ بذات‌ الإمام‌. الحافظة‌ له‌ من‌ كلّ قول‌ أو فعل‌ مخالف‌ للحقّ، و المسدّدة‌ له‌ بإبعاده‌ عن‌ الاهواء و الشهوات‌. و مثل‌ العلم‌ الذي‌ لا يبقي‌ ـ مع‌ وجوده‌ ـ شي‌ء مجهول‌ عليه‌. و كثير آخر من‌ الصفات‌ المعنويّة‌ الدقيقة‌ و اللطيفة‌ التي‌ لا يلحظ‌ لها أثر في‌ الخارج‌ إلاّ مسائل‌ جزئيّة‌ منها، و الحصول‌ علی تلك‌ الملكات‌ من‌ هذه‌ الظواهر الجزئيّة‌ و الترشّحات الخارجيّة‌ عسير للغاية‌. وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ مَا يُعْلِنُونَ. [16] اللَهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. [17]

 الرجوع الي الفهرس

 عجز أغلبيّة‌ الناس‌ عن‌ انتخاب‌ الإمام‌

 في‌ ضوء ما تقدّم‌، أنّي‌ يتسنّي‌ للناس‌ الذين‌ هم‌ في‌ غطاء عن‌ العلم‌
 بالباطن‌ و السرائر و النيّات‌ و الملكات‌ أن‌ يعرفوا الشخص‌ المتّصف‌ بأدقّ الملكات‌ و الصفات‌ الروحيّة‌. و أعمقها، و ألطفها، فيختاروه‌ إماماً؟ و لو قاموا بذلك‌، فإنّهم‌ يحيدون‌ عن‌ جادّة‌ الصواب‌. و عندما نقرأ عن‌ موسي‌ علی نبيّنا وآله‌ و عليه‌ السلام‌ أنّه‌ اختار سبعين‌ رجلاً من‌ قومه‌ لميقات‌ ربّه‌ وأنّ هؤلاء المصطفَين‌ قد سقطوا في‌ الامتحان‌ حين‌ طلبوا منه‌ أن‌ يريهم‌ الله‌ جهرة‌، حيث‌ جاء في‌ القرآن‌ علی لسانهم‌: أَرِنَا اللَهَ جَهْرَةً.[18] فما بالنا باختيار الناس‌ العاديّين‌، و ماذا ننتظر من‌ أهل‌ الماديّات‌ غير أنـّهم‌ يميلون‌ إلی‌ من‌ يشبع‌ غرائزهم‌ و يضمن‌ لهم‌ ماديّاتهم‌ و شهواتهم‌. فيصوّتوا لصالحه‌؟! و في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌. فما هو الدليل‌ القاطع‌ المقنع‌ علی أن‌ نقول‌ بأن‌ هؤلاء لايخطـؤون‌ في‌ اختيارهم‌. و لا ينتخبون‌ شخصاً منحرفاً لمقإلید الاُمور؟

 و ربّما كان‌ انتخابهم‌ لاشخاص‌ خونة‌ خَبّؤوا أنفسهم‌ وراء الكوإلیس‌ وعند ذلك‌، تُرتكَب‌ الجرائم‌، و تشيع‌ المعاصي‌ و الذنوب‌، و لايدري‌ هؤلاء المساكين‌ ما الخبر؟؛ ولا يدركون‌ الاسإلیب‌ الخادعة‌ البّراقة‌ التي‌ اتّخذها المنتخَب‌، أو إنّهم‌ يدركونها ولكن‌ لاحيلة‌ لهم‌ حيالها. فيتسلّط‌ علی الناس‌ و يجرّهم‌ جميعاً إلی‌ جحيم‌ الهلاك‌، كما نجد ذلك‌ ملحوظاً للغاية‌ في‌ بيعة‌ معاوية‌، و يزيد، و بقيّة‌ سلاطين‌ بني‌ أميّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَايشآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ

 إنّ الله‌ الذي‌ خلق‌ الخلق‌ بالحقّ، كيف‌ يفوّض‌ للناس‌ القاصرين‌ في‌ عملهم‌، المحتاجين‌ إلی‌ من‌ يعلّمهم‌، نصب‌ الإمام‌؟ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَايَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. [19]

 و قد نبّه‌ رسول‌ الله‌ الناس‌ إلی‌ هذه‌ الحقيقة‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ الذي‌ نشر فيه‌ دعوته‌ و بلّغها القبائل‌. فلمّا عرض‌ علی بني‌ عامر بن‌ صَعْصَعة‌ دعوته‌ قال‌ له‌ رجل‌ منهم‌: أرأيتَ إن‌ نحن‌ بايعناك‌ علی أمرك‌، ثمّ أظفرك‌ الله‌ علی من‌ خالفك‌، أيكون‌ لنا الامر من‌ بعدك‌؟ فقال‌: الامر إلی‌ الله‌ يضعه‌ حيث‌ شاء. [20]

 قال‌ تعإلی‌: وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللهُ وَ رَسُولُهُ و´ أَمْرًا أن‌ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَن‌ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ و فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُبِينًا. [21]

 كيف‌ يتيسّر للناس‌ أن‌ ينتخبوا لهم‌ إماماً و هم‌ علی ما هم‌ عليه‌ من‌ الاغراض‌ الشخصيّة‌، و المشاجرات‌، و الشهوات‌، و اختلاف‌ الآراء والمعتقدات‌ في‌ المقياس‌ الذي‌ يشخّصون‌ المرشّح‌ الصالح‌؟ لاسيّما مع‌ كثرة‌ التجمّعات‌، و تشتّت‌ الروحيّات‌، و وجود التكتّلات‌ المضادّة‌ للحقّ التي‌ كانت‌ ولا زالت‌ ممّا تنوء به‌ البشريّة‌. و لذلك‌ يلاحظ‌ ماذا جرّت‌ ا لإنتخابات‌ من‌ ويلات‌، فكم‌ من‌ حقوق‌ قد أُضيعت‌، و دماء أُريقت‌ وأموال‌ نُهبت‌. و أعراض‌ هُتكت‌، و أحكام‌ عُطّلت‌، و حدود امتُهنت‌ وإذا بذلك‌ الإسلام الذي‌ رفد الناس‌ بالحياة‌ و امتدت‌ أغصانه‌ علی أساس‌ الحقّ والعدالة‌ فظلّلت‌ ربوع‌ المعمورة‌، أضحي‌ مسرحاً للاحداث‌ الداميّة‌ الشنيعة‌ وأُلعوبة‌ بِيَدِ الفجّار والفسّاق‌ الذين‌ خلا لهم‌ الجوّ ليشنّوا هجماتهم‌ ضدّ المساكين‌ الابرياء، و واصلوا انتهاكاتهم‌ و تعدّياتهم‌ مااستطاعوا إلی‌ ذلك‌ سبيلاً.

 فما يتطلّبه‌ هذا الحديث‌ و ما نستخلصه‌ من‌ هذا البحث‌ هو أنّ الخليفة‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ معصوماً، و منصوباً من‌ قبل‌ الله‌. و مضافاً إلی‌ ذلك‌ كلّه‌ يمكن‌ أن‌ يواجه‌ الخليفة‌ المنتخب‌ مسائل‌ علميّة‌ يعجز عن‌ جوابها، ففي‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، و من‌ أجل‌ المحافظة‌ علی شخصيّته‌، إمّا يجيب‌ من‌ عنده‌ ويفتي‌ بلا دليل‌، و إمّا يرجع‌ إلی‌ أهل‌ الرأي‌ فيأخذ الجواب‌ ممّن‌ هو أعلم‌ منه‌ و أوعي‌. ففي‌ الحالة‌ الاُولي‌ أظهر فشل‌ القانون‌ ا لإلهيّ و ضعفه‌، أمّا في‌ الحالة‌ الثانية‌، فقد أسقط‌ مكانته‌ و منزلته‌ من‌ الانظار. فالإمام‌ الذي‌ هو الحاكم‌ الروحيّ و المعنيّ للناس‌ يجب‌ أن‌ يتّبع‌ بما له‌ من‌ منزلة‌ هي‌ كمنزلة‌ نفس‌ النبيّ وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن‌ رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ.[22] فيقيم‌ الحدود ا لإلهيّة‌، و يدحض‌ الباطل‌ ما استطاع‌ إلی‌ ذلك‌ سبيلاً. و ربّما يفضي‌ عجزه‌ عن‌ ا لإجابة‌ علی الاسئلة‌ إلی‌ ضعف‌ يقين‌ السائل‌ و تشكيكه‌ به‌. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الاْلْبَـ'بِ. [23]

 قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الاْعْمَي‌' وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي‌ الظُّلُمَـ'تُ وَالنُّورُ. [24]

 و عند تقدّم‌ المفضول‌ علی الفاضل‌، فإنّ الباطل‌ سيتقدّم‌ علی الحقّ والجهل‌ علی العلم‌. و من‌ هنا تنبثق‌ ضروب‌ الفساد. أمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُم‌ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَـ'رِهُونَ * وَ لَوِاتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَـ'وَاتُ وَالاْرْضُ وَ مَن‌ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَـ'هُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن‌ ذِكْرِهِم‌ مُّعْرِضُونَ. [25]

 الرجوع الي الفهرس

 الاكثريّة‌ وراء المصالح‌

 إنّ اغلبيّة‌ الناس‌ يلهثون‌ وراء مصالحهم‌ فارّين‌ من‌ الحقّ، و ماذا تفهمُ
 هذه‌ الاغلبيّة‌؟ إنّهم‌ يودّون‌ أن‌ ينتخبوا شخصاً يضمن‌ مصالحهم‌ المادّيّة‌ والشهوانيّة‌. و ماذا يعرف‌ الطفل‌ الصغير في‌ المدرسة‌ عن‌ مديره‌ و معلّمه‌ ومربّيه‌؟ و المدير الذي‌ يمتلك‌ التدبير الصحيح‌ و التصميم‌ الراسخ‌ يدفع‌ الاطفال‌ إلی‌ الدرس‌ و ينظّمهم‌ وفقاً لتخطيطه‌ الذهنيّ الذي‌ لايجد الاطفال‌ إلیه‌ سبيلاً؛ إنّه‌ يوجّههم‌ لما فيه‌ تقدّمهم‌ و رقيّهم‌ و لو لم‌ يرغبوا بذلك‌، و هذا الحقّ سَيطر علی أفكارهم‌ و أهوائهم‌، و في‌ ضوئه‌ تنظّم‌ شؤون‌ المدرسة‌ وتتحقّق‌ النتائج‌ المرجوّة‌.

 و لو تقرّر فرضاً أن‌ يكون‌ تعيين‌ المدير بانتخاب‌ الطلاّب‌ أنفسهم‌ فإنّ هؤلاء سينتخبون‌ شخصاً يعطّل‌ دروسهم‌، و يخصّص‌ جميع‌ أوقاتهم‌ للِّعب‌. و لو استُفتوا عمّاذا يعملون‌ في‌ المدرسة‌، فسيقولون‌: نريد أن‌ تكون‌ جميع‌ الساعات‌ نزهة‌ و لعباً. و لواستفتوا عن‌ تعطيل‌ المدرسة‌ أو عدم‌ تعطيلها، فسيصوّتون‌ كلّهم‌ بتعطيلها. فهل‌ يجب‌ العمل‌ وفقاً لرغبات‌ الاطفال‌ و أُصولهم‌ و يعزل‌ المدير المتّقيّ العالم‌ الخبيربالمصلحة‌ ـ حسب‌ تصويت‌ الاغلبيّة‌ ـ و يؤتي‌ بشخص‌ آخر لاعب‌ بديلاً عنه‌ كما يشتهي‌ الاطفال‌؟ أو إنّ آلاف‌ الاصوات‌ لاقيمة‌ لها في‌ هذا المجال‌، و مئات‌ المدارس‌ المليئة‌ بالطلاّب‌ لا تستطيع‌ أن‌ تقوم‌ بمهامّ مدير عالم‌ مطّلع‌.

 فكذلك‌ أفراد الناس‌، فإنّهم‌ مبتلون‌ بالشهوات‌ والمادّيّات‌، ولاتتجاوز أفكارهم‌ حدود النفعيّة‌ و المصلحيّة‌، و ضروب‌ الثأر الشخصيّ والجاهليّ واللذائذ المؤقّتة‌. و في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، لو فوّض‌ الامر إلی‌ هؤلاء فإنّهم‌ لمّا كانوا لا يستطيعون‌ النظر إلی‌ أُفق‌ أوسع‌ و أرحب‌ من‌ مستواهم‌ الفكري‌ لذلك‌ تراهم‌ يحبسون‌ سعادتهم‌ و سعادة‌ جميع‌ الناس‌ عند ذلك‌ المستوي‌.

 الرجوع الي الفهرس

آيات‌ القرآن‌ الواردة‌ في‌ كون‌ أغلب‌ الناس‌ من‌ المنحرفين‌

 و جاء في‌ الآية‌ 100، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌:

 قُل‌ لاَّ يَسْتَوِي‌ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَهَ يَـ'´أُولِي‌ الاْلْبَـ'بِ لَعَلَّكُم‌ تُفْلِحُونَ.

 وَ إِن‌ تُطِعْ أكْثَرَ مَن‌ فِي‌ الاْرْضِ يُضِلُّوكَ عَن‌ سَبِيلِ اللَهِ إِن‌ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ. [26] وَ إِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَآئِهِم‌ بِغَيْرِ عِلْمٍ.[27] فلو كانت‌ أصوات‌ الاغلبيّة‌ علی الحقّ، ينبغي‌، في‌ هذه‌ الحالة‌، استفت ا ء مشركيّ قريش‌ حول‌ دعوة‌ النبيّ الاكرم‌ في‌ مكّة‌. و من‌ المؤكّد أنّ رأي‌ هؤلاء هو قتل‌ النبيّ و تقطيعه‌ إرباً إرباً، كما نجد ذلك‌ عندما اجتمع‌ أهل‌ الحلّ و العقد ورؤساء مكّة‌ في‌ دار الندوة‌، و بعد التشاور، أصدروا أمراً بقتله‌، فجمعوا أشخاصاً من‌ مختلف‌ القبائل‌ للقيام‌ بهذه‌ المهمّة‌.

 و علی هذا النمط‌ صمّمت‌ أغلبيّة‌ المشركين‌، بعد التشاور و الاخذ برأي‌ أهل‌ الحلّ و العقد مثل‌ أبي‌ سفيان‌، علی تجهيز الجيوش‌ من‌ مكّة‌ إلی‌ المدينة‌ لقتال‌ رسول‌ الله‌ و المسلمين‌، و اجتثاث‌ جذور الإسلام، و اقتلاع‌ القرآن‌. و الاعتداء علی أعراض‌ المسلمين‌ و نواميسهم‌، فكانت‌ معركة‌ بدر، و أُحد، و الاحزاب‌ و أمثالها، و كانت‌ تلك‌ الخسائر الفادحة‌ كلّها.

 كان‌ هذا هو المستوي‌ الفكريّ لاهل‌ الجاهليّة‌، و ظلّ هذا المبدأ متداولاً بين‌ الناس‌ علی مرّ العصور، و إن‌ اختلفت‌ مظاهره‌ في‌ كلّ عصر. ولم‌ يكن‌ هذا معروفاً فقط‌ عند القبائل‌ التي‌ عاشت‌ في‌ عصر النبيّ، بل‌ كان‌ سائداً عند جميع‌ الاُمم‌ و القبائل‌، إذ كانت‌ الاصوات‌ الجاهليّة‌ و الافكار الماديّة‌ هي‌ الاساس‌ في‌ تخطيطهم‌. و لذلك‌ كانوا يناوئُون‌ الانبياء ويدخلون‌ معهم‌ في‌ نفاق‌ و صراع‌. وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَي‌ الْكِتَـ'بَ وَ قَفَّيْنَا مِن‌ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ ءَاتَيْنَا عِيسَي‌ ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَـ'تِ وَ أَيَّدْنَـ'هُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَتَهْوَي‌'´ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ. [28]

 و علی هذا فقد كان‌ أغلب‌ الناس‌ في‌ جميع‌ العصور من‌ المنحرفين‌ والمصلحيّين‌. و قد ذكر الله‌ تعإلی‌ في‌ سورة‌ الشعراء عادات‌ أُمم‌ ثمانية‌ من‌ الانبياء في‌ ثمانية‌ مواضع‌ (قوم‌ محمّد خاتم‌ النبيّين‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وقوم‌ موسي‌، و قوم‌ إبراهيم‌، و قوم‌ نوح‌، و قوم‌ هود، و قوم‌ صالح‌، و قوم‌ لوط‌، و قوم‌ شعيب‌) و تطرّق‌ إلی‌ تعامل‌ هؤلاء مع‌ أنبيائهم‌، و قال‌ في‌ آخر كلّ موضع‌: وَ مَا كَانَ أَكْثَرُهُم‌ مُّؤْمِنِينَ؛[29] و كذلك‌ قال‌: فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـ'قِبَةُ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم‌ مُشْرِكِينَ؛[30] و بشأن‌ قوم‌ نبيّنا، قال‌ أيضاً: وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم‌ بِاللَهِ إِلاَّ وَ هُم‌ مُّشْرِكُونَ؛[31] لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ علی'´ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ؛ [32] وَ مَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.[33]و قال‌ في‌ ثلاثة‌ مواضع‌ من‌ القرآن‌: وَ لَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ.[34]

 و قال‌ في‌ موضع‌: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ،[35] و كذلك‌ قال‌: بَلْ جَآءَهُم‌ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَـ'رِهُونَ؛ [36] لَقَدْ جِئْنَـ'كُم‌ بِالْحَقِّ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـ'رِهُونَ.[37] و قال‌ في‌ مواضع‌ أُخري‌: وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَآي‌ءِ رَبِّهِمْ لَكَـ'فِرُونَ؛ [38] وَ أَكْثَرُهُمُ الْكَـ'فِرُونَ؛ [39] فَأَبَي‌'´ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا. [40]

 و قال‌ أيضاً بأنّ أكثر الناس‌ يفسقون‌: وَ أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـ'سِقُونَ؛ [41] وَ إِن‌ وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَـ'سِقِينَ؛[42] وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَـ'سِقُونَ [43] و قال‌ كذلك‌: وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ[44]. و قال‌ في‌ ثلاثة‌ مواضع‌ أُخري‌: وَ لاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـ'كِرِينَ؛[45] وَ لَـ'كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ؛ [46] وَ مَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم‌ مِّنْ عَهْدٍ. [47]

 و قال‌ أيضاً بأنّ أكثرهم‌ يتّبعون‌ الظنّ، و لا يقين‌ عندهم‌ في‌ أعمالهم‌. وَ مَا يَتَّبِـعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا. [48] و قال‌ بأنّ أكثرهم‌ من‌ الجهّال‌: وَ لَـ'كِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ. [49]

 و قال‌ كذلك‌ بأنّ أكثرهم‌ لايعقلون‌، و لايستعملون‌ فكرهم‌: وَ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ. [50]

 و قال‌ أيضاً بأنّ أكثر الناس‌ لايسمعون‌ كلام‌ الحقّ و دعوة‌ الحقّ: كِتَـ'بٌ فُصِّلَتْ ءَايَـ'تُهُ و قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَ نَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَيَسْمَعُونَ.[51]

 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ. [52]

 و قال‌ كذلك‌: إنّ كثيراً من‌ الناس‌ غافلون‌ عن‌ الآيات‌: وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَـ'تِنَا لَغَـ'فِلُونَ.[53] و جاء في‌ أربعة‌ و عشرين‌ موضعاً من‌ القرآن‌ المجيد أنّ أكثر الناس‌ لايعلمون‌. ففي‌ تسعة‌ مواضع‌ ورد بهذا اللفظ‌: وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرُ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.[54] و في‌ تسعة‌ أُخري‌، جاءَ بهذا اللفظ‌: وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَيَعْلَمُونَ. [55]

 في‌ خمسة‌ مواضع‌، ورد بهذا اللفظ‌: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيَعْلَمُونَ.[56]

 وفي‌ موضع‌ واحد، ذُكر بهذا اللفظ‌: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم‌ مُّعْرِضُونَ. [57]

 الرجوع الي الفهرس

 وجود الإمام‌ الحقّ ضروريّ لهداية‌ الاكثريّة‌ الضالّة‌

 أجل‌، فإنّ هذا عرض‌ لمستوي‌ الافكار و الطلبات‌ و درجات‌ الفهم‌
 والإدراک لاكثر الناس‌، بيّنها القرآن‌ في‌ الآيات‌ المتقدّمة‌. فهل‌ بمقدور الناس‌ أن‌ يعيّنوا بها إماماً؟

 و هذا الإمام‌ معصوم‌ من‌ كلّ خطأ و إطاعته‌ هي‌ نفس‌ إطاعة‌ الله‌. وهذا الإمام‌ يقودهم‌ نحو طريق‌ الحقّ. و يوصلهم‌ إلی‌ كمال‌ استعدادهم‌ وقابليّتهم‌، و يُهذّب‌ نفوسهم‌، و يُضِي‌ء قلوبهم‌ بنور الله‌، و يأخذ بأيديهم‌ منقذاً لهم‌ من‌ الاضطراب‌ و القلق‌، و التشويش‌ النفسيّ ليعبر بهم‌ نحو الهدوء و الطمأنينة‌. و يخرجهم‌ من‌ الشرك‌ إلی‌ التوحيد.

 و هذا الإمام‌ هو الشخص‌ الذي‌ مع‌ الحقّ دائماً. و هو علی عكس‌ ما تريده‌ الاكثريّة‌؛ إذ يهتمّ بتعليمهم‌ و تربيتهم‌ تربية‌ صحيحة‌ ليخرجهم‌ من‌ حضيض‌ الشهوات‌؛ و الترف‌ الباطل‌، و عربدة‌ السكر، و الانانيّة‌ والغطرسة‌ و العُجب‌ إلی‌ عبادة‌ الله‌ و حبّه‌، و ذلك‌ من‌ خلال‌ تعإلیم‌ مركّزة‌ وتوجيهات‌ مُتَّزِنة‌. و هذا الامر متقارن‌ مع‌ عدم‌ ميل‌ الاكثريّة‌، كما نلاحظ‌ أنّ كلّ نبيّ جاء من‌ الله‌  لإصلاح‌ الناس‌ و تربيتهم‌، كان‌ علی عكس‌ ما تريده‌ الاكثريّة‌. و ينبغي‌ للإمام‌ أن‌ يربّي‌ الناس‌ بإرادة‌ و طيدة‌ و عزيمة‌ قويّة‌، ولايبإلی‌ بما عليه‌ الناس‌ من‌ أهواء و آراء مرتكزة‌ علی عبادة‌ المادّة‌ و حبّ اللذّة‌. قال‌ عزّ من‌ قائل‌: فَلِذَ ' لِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَ لاَ تَتَّبِـعْ أَهْوَآءَهُمْ وَ قُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ مِن‌ كِتَـ'بٍ وَ أُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمْ[58].وقال‌ تعإلی‌: قُلْ أَنَدْعُوا مِن‌ دُونِ اللَهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَ لاَ يَضُرُّنَا وَ نُرَدُّ علی'´ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيـ'نَا اللَهُ كَالَّذِي‌ اسْتَهْوَتْهُ الشَيَـ'طِينُ فِي‌ الاْرْضِ حَيْرَانَ لَهُ و´ أَصْحَـ'بٌ يَدْعُونَهُ و´ إلی‌ الْهُدَي‌' ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَي‌ اللَهِ هُوَ الْهُدَي‌' وَ أُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَـ'لَمِينَ[59]. وَ لَن‌ تَرْضَي‌' عَنكَ إلیهُودُ وَ لاَ النَّصَـ'ري‌' حَتَّي‌' تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَي‌' اللَهِ هُوَ الهُدَي‌' وَ لَئنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم‌ بَعْدَ الَّذِي‌ جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللَهِ مِن‌ وَلِيٍّ وَ لاَ نَصِيرٍ. [60] وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـ'بَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّاتَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ مَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ مَا بَعْضُهُم‌ بِتَابِـعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَنءِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ مَاجَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّـ'لِمِينَ. [61]

 فهذه‌ الآيات‌ جميعها تبيّن‌ بجلاء أنّ الناس‌ يجب‌ أن‌ يتّبعوا الحقّ فقط‌، و لا يوكلوا أُمورهم‌ إلی‌ من‌ يضلّهم‌ و يُقحمهم‌ في‌ عقيدته‌ و خطّه‌. فهذا و أمثاله‌ لا يرضون‌ في‌ يوم‌ من‌ الايّام‌ عن‌ عقيدة‌ الحقّ و رجل‌ الحقّ. بل‌ و يتهرّبون‌ منه‌. فهل‌ يمكنهم‌ و الحال‌ هذه‌ أن‌ ينصبوا إماماً لهم‌ قائماً بالحقّ في‌ حين‌ أنّ مستواهم‌ الفكريّ محدود بهذا الحدّ؟ حاشا و كلاّ.

 الرجوع الي الفهرس

خضوع‌ عامّة‌ الناس‌ للعواطف‌

 إنّ عامّة‌ الناس‌ يخضعون‌ للعواطف‌، فلم‌ يتعالوا إلی‌ درجة‌ تكامل‌ وارتقاء العقل‌. و لذلك‌ فلو فوّض‌ إلیهم‌ حقّ انتخاب‌ الرئيس‌ و الإمام‌، فإنّهم‌ لاينهضون‌ بهذه‌ المهمّة‌؛ لانّ اختيارهم‌ مرتكز علی الخيال‌ الواهيّ و الوهم‌ المتدنيّ، فإنـّهم‌ يُخدَعون‌ برؤية‌ الصور، وا ستماع‌ الكلمات‌ و الخطب‌، فيدلون‌ بأصواتهم‌؛ في‌ حين‌ قديكون‌ صاحب‌ الصورة‌ و الكلمة‌ من‌ الناس‌ المحتإلین‌، و قد استعدّ أحسن‌ استعداد من‌ أجل‌ اقتناص‌ الناس‌ العاديّين‌ لصالحه‌، و كم‌ رأينا في‌ عصرنا هذا أنّ الناس‌ يجنحون‌ إلی‌ المرشّحين‌
 ويصوّتون‌ لصالحهم‌ بسبب‌ نصب‌ البوسترات‌ و رفع‌ اللافتات‌، و كتابة‌ أسماء المرشّحين‌ علی الجدران‌. و عندما يتبدّل‌ المسرح‌ و تتغيّر الدعايات‌، و يظهر شخص‌ آخر و علی نفس‌ المنوال‌ من‌ خلال‌ الصور والبوسترات‌ و اللافتات‌، و التباهي‌ عند إلقاء الخطب‌ و الكلمات‌ المشوبة‌ بالمزاعم‌ الواهيّة‌ الجوفاء، فإنّه‌ يستقطب‌ الناس‌ إلی‌ جانبه‌ ليصعّد من‌ درجة‌ تصويتهم‌ لصالحه‌.

 فهل‌ يمكن‌ في‌ الإسلام المشيّد صرحه‌ علی مبدأ اتّباع‌ الحقّ و أصالة‌ الواقع‌ أن‌ تفوّض‌ صلاحيّة‌ انتخاب‌ الإمام‌ ـ الذي‌ يمثّل‌ العقل‌ المنفصل‌ للجماهير و المتصدّي‌ لحمل‌ المهمّة‌ الثقيلة‌ لرقيّ الناس‌ و تكاملهم‌ والاخذ بأيديهم‌ نحو نور الهداية‌ و سعادة‌ الدنيا و الآخرة‌، و تأسيس‌ المدينة‌ الفاضلة‌، و إقامة‌ القسط‌ و العدل‌ في‌ أرجاء المعمورة‌، و توجيههم‌ صوب‌ رحاب‌ العرفان‌ و التوحيد ا لإلهيّ ـ إلی‌ أشخاص‌ هم‌ في‌ الدرجة‌ الواطئة‌ من‌ حيث‌ العلم‌ و التقوي‌ و ا لإدراكات‌ العقليّة‌؟ أبداً أبداً، فعامّة‌ الناس‌ ينتخبون‌ شخصاً يلائم‌ أذواقهم‌، و يتّفق‌ معهم‌ في‌ المنهج‌ و السلوك‌. و من‌ الواضح‌ هنا، إلی‌ أيّ درجة‌ من‌ السقوط‌ و التردّي‌ و الفساد سينحدر المجتمع‌، وكيف‌ سيهبط‌ من‌ محور العدل‌ و أصالة‌ العقل‌ إلی‌ حضيض‌ وادِي‌ الميول‌ الشخصيّة‌ و الاوهام‌ الاعتباريّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

سؤال‌ و إشكال‌ علی مناصري‌ الديمقراطيّة‌

 و لنا أن‌ نسأل‌ هنا، و علی أنصار الديمقراطيّة‌، الذين‌ يوكلون‌ حقّ انتخاب‌ الإمام‌ إلی‌ جميع‌ أفراد الشعب‌، أن‌ يجيبوا.

 و سؤالنا هو: أنّ عامّة‌ الناس‌ في‌ كلّ أُمّة‌ ليسوا بمستوي‌ واحد في‌ الفهم‌ و العقل‌ و الشعور و المعرفة‌، بل‌ الملحوظ‌ أنّهم‌ يتفاوتون‌ فيما بينهم‌ فبعضهم‌ يجدّ و يكافح‌ و يعاني‌ ليصعّد من‌ مستواه‌ العقليّ و العلميّ. و مثله‌ كمثل‌ الفيلسوف‌ اللبيب‌، و العالم‌ الكفوء. و العارف‌ متنوّر الضمير، إذ اطّلع‌ علی الحقائق‌، و أدرك‌ أوضاع‌ الناس‌ و مصالحهم‌ و مفاسدهم‌، واستطاع‌ أن‌ يشخّص‌ بحسّه‌ المرهف‌ في‌ معرفة‌ الناس‌، أعقل‌ الاشخاص‌ وأعلمهم‌ وأورعهم‌ و أشجعهم‌ و أبصرهم‌ بشؤون‌ الاُمّة‌ و مصالحها لينتخبه‌ قائداً للناس‌.

 و من‌ الطبيعيّ فإنّ هؤلاء يندر وجودهم‌ في‌ كافّة‌ المجتمعات‌ البشريّة‌، و يصعب‌ العثور عليهم‌.

 و ثمّة‌ شريحة‌ أُخري‌ لم‌ يبلغ‌ أفرادها تلك‌ الدرجة‌ من‌ الكمال‌، بَيدَ أنّهم‌ يطمحون‌ إلی‌ تطوير قواهم‌ العلميّة‌ و العمليّة‌ و تكميلها، و يريدون‌ إيصال‌ أنفسهم‌ إلی‌ الكمال‌ من‌ خلال‌ التدرّج‌ في‌ المراحل‌ العقليّة‌ و العمليّة‌ واجتياز الدروس‌ التربويّة‌.

 و هؤلاء يتواجدون‌ في‌ المجتمعات‌ البشريّة‌، و عددهم‌ أيضاً ليس‌ قليلاً، لكنّهم‌ قليلون‌ للغاية‌ إذا ما قيسوا بجماهير الاُمّة‌، و إنـّهم‌ و إن‌ لم‌ يبلغوا درجة‌ الشريحة‌ الاُولي‌ في‌ تشخيص‌ الحقّ من‌ الباطل‌، بَيدَ أنـّهم‌ ألمّوا بهذه‌ المرحلة‌ إلی‌ حدٍّ ما.

 و هناك‌ شريحة‌ ثالثة‌، و هم‌ عامّة‌ الناس‌ الذين‌ يُؤَلّفون‌ جماهير الاُمّة‌. و هؤلاء لم‌ يرتقوا إلی‌ مستوي‌ عال‌ من‌ العلم‌ و العمل‌، و لم‌ يخطوا خطوة‌ واحدة‌ علی هذا الطريق‌. و إنّهم‌ يسيرون‌ وراء بريق‌ المظاهر و الالوان‌ والروائح‌، فكلّ ما يبهر العيون‌ يستقطبهم‌ إلیه‌. و هم‌ و إن‌ كانوا فارغين‌ معنويًّا و بعيدين‌ عن‌ الواقع‌، لكنّهم‌ هم‌ الذين‌ يُدلون‌ بأصواتهم‌ لاجمل‌ المرشّحين‌، و يجتذبهم‌ كلّ مرشّح‌ تكثر صوره‌ و دعاياته‌، و تركّز عليه‌ وسائل‌ ا لإعلام‌.

 و لو تقرّر فرضاً تفويض‌ الرأي‌ إلی‌ جميع‌ الناس‌، و إشراكهم‌ في‌ انتخاب‌ القائد، فينبغي‌ أن‌ يجري‌ هذا التفويض‌ وفق‌ معدّل‌ من‌ ميزان‌ العقل‌ ووعي‌ الناس‌، فمثلاً يحقّ لعامّة‌ الناس‌ ا لإدلاء بصوت‌ واحد، ولطلاّب‌ المدارس‌ بعشرة‌ أصوات‌، ولطلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ بمائة‌ صوت‌، و للعلماء بألف‌ صوت‌، و للحكماء و الفلاسفة‌ ا لإلهيّين‌ بعشرة‌ آلاف‌ صوت‌، وللعلماء الربّانيّين‌ العارفين‌ الذين‌ تحرّروا من‌ ربقة‌ أنفسهم‌ و أهوائهم‌، ووجدوا طريقهم‌ إلی‌ الحقّ والحقيقة‌ و وصلوا إلی‌ الكلّيّة‌ بمائة‌ ألف‌ صوت‌، و للإمام‌ الذي‌ تربّع‌ في‌ مصدر الولاية‌، و هو من‌ عالم‌ الامر قلق‌ علی عالم‌ الخلق‌، و قد انشرح‌ صدره‌ لتلقّي‌ الانوار ا لإلهيّة‌ و بثّها في‌ عالم‌ الكثرة‌، فكان‌ في‌ منهل‌ الشرع‌ و الشريعة‌، له‌ كلّ الاصوات‌. و يجب‌ أن‌ ينظر إلیه‌ علی أنّه‌ صاحب‌ القرار الوحيد حتّي‌ في‌ اختيار الإمام‌ من‌ قبل‌ الله‌. و هذا هو منطق‌ الشيعة‌، فهم‌ يقولون‌: إنّ حقّ اختيار الإمام‌ لله‌، و نصبه‌ يكون‌ بواسطة‌ النبيّ أو الإمام‌ الذي‌ يسبقه‌.

 و أنتم‌ يا دعاة‌ الحرّيّة‌ الجهلاء! هل‌ تمنحون‌ جماهير الاُمّة‌ حقّ انتخاب‌ الإمام‌ علی أساس‌ نفس‌ هذا المعيار؟ و هل‌ تقسمّون‌ الناس‌ إلی‌ مجاميع‌ مختلفة‌، فتمنحونهم‌ حقّ الانتخاب‌ وفق‌ معدّلات‌ متفاوتة‌؟!

 فالتصويت‌ عندكم‌ علی أساس‌ أكثريّة‌ أصوات‌ الناس‌ بلا فرق‌ بين‌ العالم‌ الفاضل‌ و الجاهل‌ البليد أو دماغ‌ الدولة‌ المفكّر أو العامّيّ الفارغ‌ فلكل‌ منهم‌ صوت‌ واحد.

 و هذا أُسلوب‌ خاطي‌ من‌ منظار العقل‌ و المعرفة‌. و هو أُسلوب‌ يهبط‌ بقيمة‌ العقل‌ و العقلاء و العلم‌ و العلماء إلی‌ الحضيض‌، و يجعل‌ رأي‌ العالم‌ والجاهل‌، و المطّلع‌ علی شؤون‌ المجتمع‌ و غير المطّلع‌ سواء، في‌ مقياس‌ قيمة‌ التصويت‌، و يضع‌ أصحاب‌ المعرفة‌ و الوعي‌ في‌ نفس‌ الدرجة‌ التي‌ عليها السذّج‌ البسطاء!

 فكيف‌ تجيبون‌ علی هذه‌ المسألة‌؟! و ما هو موقفكم‌ في‌ ساحة‌ العدل‌ ا لإنسانيّ و شرف‌ ا لإنسانيّة‌؟! و كيف‌ تضيّعون‌ حقوق‌ عامّة‌ الناس‌ بترك‌ انتخاب‌ الإمام‌ الذي‌ يرضاه‌ العقلاء و المفكّرون‌ في‌ المجتمع‌؟ كيف‌ تضيّعون‌ ذلك‌ في‌مقابل‌ العدل‌ ا لإلهيّ؟ و من‌ ثمّ تجرّون‌ المجتمع‌ نحو الانحاط‌ و الفساد.

 هذه‌ مؤاخذة‌ أُسجّلها علی رافعي‌ لواء الديمقراطيّة‌ الجاهليّة‌، و هي‌ ممّا ألهمنيه‌ الله‌، تبارك‌ و تعإلی‌. هيّا، أجيبوا! و هيهات‌ أن‌ تقدروا علی الجواب‌!

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´يتان‌ 0 3 و 31، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

[2] ـ الا´ية‌ 28، من‌ السورة‌ 89: الفجر.

[3] ـ الا´يتان‌ 29 و 30، من‌ السورة‌ 89: الفجر.

[4] ـ الا´ية‌ 31، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[5] ـ «ا لإمامة‌ و السياسة‌» ج‌ 1، ص‌ 16؛ و يرجع‌ إلي‌ المجلّد الاوّل‌ من‌ هذا الكتاب‌، الدرس‌ الثالث‌ عشر أيضاً حيث‌ نقلت‌ خطبة‌ أبي‌ بكر بعبارات‌ أُخري‌.

[6] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 118.

[7] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 118.

[8] ـ «عبدالله‌ بن‌ سبأ» ص‌ 68 نقلاً عن‌ ابن‌ عبد ربّه‌، و أبي‌ الفداء.

[9] ـ «نهج‌ البلاغة‌» فيض‌الإسلام، الخطبة‌ الشقشقيّة‌، ص‌ 46.

[10] ـ الا´ية‌ 21، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌.

[11] ـ الا´ية‌ 4، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[12] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

[13] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[14] ـ الا´ية‌ 4، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[15] ـ الا´ية‌ 6، من‌ السورة‌ 34: سبأ.

[16] ـ الا´ية‌ 69، من‌ السورة‌ 28: القصص‌

[17] ـ الا´ية‌ 124، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[18] ـ الا´ية‌ 153، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[19] ـ الا´ية‌ 68، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[20] ـ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 2، ص‌ 289 و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 2، ص‌ 3.

[21] ـ الا´ية‌ 36، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[22] ـ الا´ية‌ 64، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[23] ـ الا´ية‌ 9، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[24] ـ الا´ية‌ 16، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[25] ـ الا´يتان‌ 0 7 و 71، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[26] ـ الا´ية‌ 116، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[27] ـ الا´ية‌ 119، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[28] ـ الا´ية‌ 87، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[29] ـ الا´يات‌، 8، 67، 3 0 1، 121، 129، 158، 174،19،من‌السورة‌26:الشعرآء.

[30] ـ الا´ية‌ 42، من‌ السورة‌ 0 3: الرّوم‌.

[31] ـ الا´ية‌ 6 0 1، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[32] ـ الا´ية‌ 7، من‌ السورة‌ 36: يَس‌.

[33] ـ الا´ية‌ 3 0 1، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[34] ـ الا´ية‌ 17، من‌ السورة‌ 11: هود؛ و الا´ية‌ 1، من‌ السورة‌ 13: الرعد؛ و الا´ية‌ 9، من‌ السورة‌ 0 4: غافر.

[35] ـ الا´ية‌ 00 1، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[36] ـ الا´ية‌ 0 7، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[37] ـ الا´ية‌ 78، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

[38] ـ الا´ية‌ 8، من‌ السورة‌ 0 3: الروم‌.

[39] ـ الا´ية‌ 83، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[40] ـ الا´ية‌ 0 5، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[41] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[42] ـ الا´ية‌ 2 0 1، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[43] ـ الا´ية‌ 0 11، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[44] ـ الا´ية‌ 243، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[45] ـ الا´ية‌ 17، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[46] ـ الا´ية‌ 60، من‌ السورة‌ 0 1 يونس‌؛ الا´ية‌ 73، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[47] ـ الا´ية‌ 2 0 1، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[48] ـ الا´ية‌ 36، من‌ السورة‌ 0 1: يونس‌.

[49] ـ الا´ية‌ 111، من‌ السورة‌ 6، الانعام‌.

[50] ـ الا´ية‌ 103، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[51] ـ الا´يتان‌ 3 و 4، من‌ السورة‌ 41: فصلت‌.

[52] ـ الا´ية‌ 44، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[53] ـ الا´ية‌ 92، من‌ السورة‌ 0 1: يونس‌.

[54] ـ الا´ية‌ 187، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌؛ الا´ية‌ 21، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌؛ الا´ية‌ 38، من‌ السورة‌ 16: النحل‌؛ الا´ية‌ 6 و 0 3، من‌ السورة‌ 30: الروم‌؛ الا´يتان‌ 28 و 36، من‌السورة‌ 34: سبأ؛ الا´ية‌ 57، من‌ السورة‌ 0 4: غافر؛ الا´ية‌ 26، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌.

[55] ـ الا´ية‌ 37، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌؛ الا´ية‌ 131، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌؛ الا´ية‌ 34، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌؛ الا´ية‌ 55، من‌ السورة‌ 10: يونس‌؛ الا´يتان‌ 13 و 57، من‌ السورة‌ 28: القصص‌؛ الا´ية‌ 49، من‌ السورة‌ 39: الزمر؛ الا´ية‌ 39، من‌ السورة‌ 44: الدخان‌؛ الا´ية‌ 47، من‌ السورة‌ 51: الطور.

[56] ـ الا´يتان‌ 75 و 101، من‌ السورة‌ 16: النحل‌؛ الا´ية‌ 61، من‌ السورة‌ 27، النمل‌؛ الا´ية‌ 25، من‌ السورة‌ 31: لقمان‌؛ الا´ية‌ 29، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[57] ـ الا´ية‌ 24، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[58] ـ الا´ية‌ 15، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[59] ـ الا´ية‌ 71، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[60] ـ الا´ية‌ 120، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[61] ـ الا´ية‌ 145، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com