|
|
الصفحة السابقةعمر نفسه يسمّي بيعة أبي بكر «فلتة وقي الله شرّها»و كذلك لوكان رأي السقيفة مفضياً إلی العصمة، فلِمَ اعتبر عمر بيعةأبيبكرفلتة؟![1]
فقد نقل الطبريّ عن عمر قوله: ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلاً
مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ، (يعني عمر نفسه)
بَايَعْتُ فُلاناً. فَلاَ يَغُرَّنَّ امْرَءاً
و يقول ابن هشام: ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَناً قالَ:
وَاللَهِ، لَو قَدْ مَاتَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَناً، فَلاَ
يَغُرَّنَّ امْرَءاً أَنْ يَقُولَ: إِنَّ و نقل البلاذري في «أنساب الاشراف» ج 1 ص 581 بأنّ عمر ذكر هذا الموضوع مصرّحاً بذكر الاسم. قال: إنَّ عُمَرَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الزُّبَيرَ قَالَ: لَوْ قَد مَاتَ عُمَرُ بَايَعْنَا عَلَيّاً... و قال في ص 583 ـ 584: «إِنَّ فُلاَناً وَ فُلاَناً قَالاَ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْنَا عَلِيّاً... فَمَن بَايَعَ رَجُلاً علی غَيْرِ مَشوَرَةٍ فَإِنَّهُمَا أَهْلٌ أن يُقْتَلاَ، وَ إِنِّي اُقْسِمُ بِاللهِ لَيَكُفَّنَّ الرِّجَالُ أَوْ لَيُقْطَعَنَّ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَ لَيُصَلَّبُنَّ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ... الحديث». [4] و جاء في «السيرة الحلبيّة» ج 3: ص 401 مانصّه: قَالَ سَيِّدُنا عُمَرُ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبي بَكر فَلتَةٌ، أَي: مِن غَيْرِ اسْتِعدادٍ وَ لاَ مَشْوَرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ رَدَّاً علی مَن بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ عُمَرُ، بَايَعْتُ فُلاَناً. واللَهِ، مَا كانَت بَيْعَةُ أَبِي بَكْرِ بِمَشوَرَةٍ. الْبَيْعَةُ لاَ تَتَوَقَّفُ علی ذَلِكَ، فَغَضِبَ، فَلمَّا رَجَعَ مِن آخِرِ حِجَّةٍ حَجَّهَا الْمَدِينَةَ، قَالَ علی المِنْبَرِ: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَناً قَالَ: وَاللَهِ، لَوْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ، لَقَد بَايْعتُ فُلاناً، إِنَّ بَيعَةَ أَبي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً مِن غَيرِ مَشْوَرَةٍ؛ فَلاَ يَغْتَرَّنَّ امرُؤٌ أن يَقُولَ: إِنَّ بَيعَةَ أَبي بَكرٍ كَانَت فَلْتَةً، فَنَعَمْ كانَت كَذَلِكَ إِلاَّ أَنَّ اللَهَ قَدْ وَ قَي شَرَّها. إذا كانت نتيجة آراء أهل الحلّ و العقد هيالعصمة، فإنّ أبابكر لم يشكّل مجلساً لتعيين عمر؛ بل عيّنه برأيه الشخصيّ دون مشورة، و مع أنّ أبابكر لم يكن معصوماً، فكيف يتكفّل انتخاب عمر وحده بمنح أبي بكر صفة العصمة؟ و قد اعترض طلحة علی أبي بكر و خطّأه في ذلك الانتخاب. و من المؤكّد أنّ طلحة كان من أهل الحلّ و العقد، فبم يتميّز رأي أبي بكر علی رأي طلحة، حتّي يفضي إلی العصمة، بينما لا يفضي رأي طلحة إلیها؟! إِنَّ أَبَابَكرٍ لَمَّا نَصَّ علی عُمَرَ، قَامَ إلیهِ طَلْحَةُ فَقَالَ لَه: مَا تَقولُ لِرَبّكَ وَ قَدْ وَلَّيْتَ عَلَيْنا فَظّاً غَلِيظاً؟ قَالَ أَبُوبَكرٍ: فَرَكْتَ لِي عَيْنَيْكَ وَ دَلكْتَ لِي عَقِبَيْكَ وَ جِئتَني تَكُفُّنِي عَنْ رَأيي وَ تَصُدُّنِي عَنْ دِينِي؟ أَقُولُ لَهُ إذَا سَأَلِني: خَلَّفتُ عَلَيْهِم خَيْرَ أَهْلِكَ. [5] و إذا كانت نتيجة الآراء هيالعصمة، فلماذا ذمّ المسلمون قاطبة عبدالرحمن بن عوف الذي بايع عثمان و اختاره خليفة؟ و هو نفسه انتقد عثمان لمّا افتضح أمره وانكشفت جرائمه. و قصاري القول فإنّ جميع الاعراض الفاسدة التي ظهرت في العالم الإسلاميّ كانت بسبب العنجهيّة و العناد الذي كان عليه البعض ممّن جاء الفخر الرازيّ فيالعصور التإلیة، فغطّي علی جرائمه بتبريرات و تأويلات واهية، و برّر حكومتهم الضالّة المتسلّطة علی رقاب المسلمين من خلال الروايات الموضوعة و التفسير بالرأي. احتجاج مالك بن نويرة ضدّ أبي بكر
لقد
آزر أبوبكر خالد بن الوليد علناً في قضيّة قتل مالك بن نُويرَة. كان مالك بن نويرة أحد الباذلين المضحيّن لمقام الولاية. و أنّ حبّه لاميرالمؤمنين و تشيّعه له هوالذي أدّي إلی قتله و أفضي إلی العفو عن خالد. و كان ذلك الرجل التميميّ إلیربوعيّ من كبار الشجعان و الفرسان والشعراء، و له منزلة مرموقة بين بني يربوع في الجاهليّة و الإسلام. و حدّث المرحوم القاضي نورالله الشوشتريّ.[7] و كذلك المحدّث القمّيّ عن كتاب «الفضائل»[8] للشيخ الفقيه الثقة الجليل شاذان بن جبرئيل القمّي الذي يروي عنه السيّد فخّار بن معد الموسويّ أُستاذ المحقّق الحلّيّ حدّثا عن البراء بن عازب أنّه قال: كنّا جالسين عند رسول الله و معنا بعض الصحابة إذ دخل رؤساء بني تميم و بينهم مالك بن نويرة، فقال مالك: يَارَسُولَ اللَهِ عَلِّمْنِي ا لإيمانَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَهَ إلاّ اللَهُ، وَ أَنِّي رَسُولُ اللَهِ، وَ تُصَّلِي الْخَمْسَ، وَ تَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَ تَحُجَّ البَيْتَ، وَ تُوَإلی وَصِيِّي هَذَا ـ وَ أَشارَ إلی علی بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ وَ لاَ تَسْفِكَ دِمَاءً، وَ لاَ تَسْرِقَ، وَ لاَ تَخُونَ، وَ لاَ تَأْكُلَ مَالَ إلیتِيمِ، وَ لاَ تَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَ تُؤمِنَ بِشَرائِعي، وَ تُحَلِّلَ حَلإلی وَ تُحَرِّمَ حَرَامِي، وَ تُعطِيَ الحَقَّ مِنْ نَفْسِكَ الضَّعِيفَ وَالقَوِيَّ وَالكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَعَدَّ عَلَيْهِ شَرائِعَ الإسلام. فَسُرَّ مالك كثيراً، و ذهب متبختراً و هو يقول: «تَعَلَّمْتُ ا لإيمانَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ». و لمّا غاب عن أنظار النبيّ، قال صلّي الله عليه و آله، مَنْ أحبّ أن يَنْظُرَ إلی رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلی هَذَا الرَّجُلِ. فاستأذن أبوبكر و عمر رسول الله، و تبعاه، و بشّراه بما قال النبيّ بحقّه، و طلبا منه أن يستغفر لهما؛ لانـّه من أهل الجنّة. فقال مالك: « لاَغَفَرَ اللَهُ لَكُمَا» تتركان رسول الله و هو صاحب الشفاعة و تطلبان منّي أن أستغفر لكما. فخجلا من موقفهما و قفلا راجعَين. فلمّا رآهما النبيّ قال: «في الْحَقِّ مَبْغَضَةٌ». [9] و لمّا توفّي رسول الله، جاء مالك إلی المدينة و بحث عن وصيّه. وكان ذلك في يوم الجمعة، حيث ارتقي أبوبكر المِنبر ليخطب في المسلمين، فلم يتحمّل مالك، و قال لابي بكر: ألستَ أخا تيم؟ قال: بلي. فقال مالك: أين وصيّ رسول الله الذي أمرني النبيّ بولايته؟ فقال الناس: أيّها الاعرابيّ! ما أكثر ما يحدث الامر بعده الامر. فقال مالك: لاَ والله! ماحدث شي ولكنّكم خنتم في تنفيذ وصيّة رسول الله. ثمّ التفت إلی أبيبكر فقال له: من أصعدك علی المنبر و وصيّ رسول الله جالس؟ فقال أبوبكر للحاضرين: أخرجوا هذا الاعرابيّ البوّال علی عَقِبَيْه. فضَربه قُنْفُذ وخالد بن الوليد و أخرجاه من المسجد. فركب مالك ناقته و صلّي علی رسول الله، ثمّ أنشد قائلاً: أطَعْنَا رَسُولَ اللَهِ مَا كَانَ بَيْنَنا فيا قَومِ ماشَأني وَ شَأن أبي بَكرِ إذا مَاتَ بَكرٌ قَامَ بَكْرٌ مَقَامَهُ فَتِلكَ وَ بَيْتِ اللهِ قاصِمَةُ الظَّهْرِ قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة و زناه بزوجته
أجل،
لمّا فوّض رسول الله لمالك جمع الصدقات و الزكوات من فَقُلْتُ خُذُوا أَمْوَالَكُمْ غَيرَ خَائِفٍ وَ لاَ نَاظِرٍ فيما يَجيءُ مِنَ الغَدِ فإِن قَامَ بالدِّينِ المُحَوَّقِ قائِمٌ أَطَعنَا وَ قُلنَا الدِّينُ دِينُ مُحَمَّدِ [10] فأشخص أبوبكر خالد بن الوليد إلی البُطاح[11] في جيش من المسلمين وأوصاه إذا ما التقوا أشخاصاً أن يؤذّنوا و يقيموا الصلاة. فإذا أذّن أُولئك معهم و أقاموا الصلاة، فلا يقاتلوهم؛ بل يطلبوا منهم الزكاة فقط فإذا امتنعوا قام المسلمون بسلب أموالهم لاغير، ولاحقّ لهم أن يقتلوا أحداً. أمّا إذا امتنعوا عن الاذان و الصلاة، يقتلوهم سواء بالحرق أو بغيره. [12]
و كان في جيش خالد بن الوليد أبوقتادة،[13]
و اسمه الحارث، و كذلك قالوا: فإن كنتم كما تقولون، فضعوا أسلحتكم. نحن نصلّي و أنتم تصلّون، فوضعوا أسلحتهم و صلّوا. [15] فأمر خالد بأسرهم و قتلهم. فقال مالك: علام تقتلوننا؟ نحن علی الإسلام. فقال أبوقتادة، و عبدالله بن عمر: يا خالد، ارفع يدك عن قتل مالك، فهو مسلم و قد رأينا صلاته.[16] فقال خالد: لابدّ أن يقتل. فاشتدّ الكلام بين أبوقتادة و خالد. و عاهد قتادة الله أن لايشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً. [17] فقال مالك: يا خالد! ابعثنا إلی ابي بكر، فيكون هوالذي يحكم فينا. فقال له خالد: لا أمهلك أبداً. [18] و كان خالد قد وقعت عينه علی زوجة مالك و اسمها أُمّ تَميم. و كانت في غاية الحسن و الجمال. فتعلّق قلب خالد بها، و همّ بها، و صممّ علی الزني فجعل من قتل مالك مقدّمة لتحقيق غرضه. فقال مالك لزوجته بمحضر خالد: أنتِ التي قتلتيني، و لابدّ أن أُقتل لصون عرضي و غيرتي. [19] و أخيراً فما قاله مالك. لم يؤثّر في خالد. فقال مالك: يا خالد! أنتَ جئت لامر آخر، وجرمنا أقلّ منه كثيراً. [20] فأمر خالد ضرار بن الازور أن يضرب عنق مالك بالسيف، فقتله صبراً.[21] و زني خالد بزوجة مالك، أُمّ تَميم في نفس تلك الليلة[22].ثمّ أمر أن تجعل رءُوس المقتلوين أُثافي لقدورهم، فأوقدوا النار. و كان مالك عظيم الهامة، كثير الشعَر. و قبل أن ينضج رأسه بالنار، نضجت القدور بسبب احتراق الشعر الكثير، و جهز الطعام. [23] ثمّ أمر خالد أن تحمل نساء القوم سبايا إلی المدينة، و تسلب أموالهم جميعها. عزّت هذه الحادثة علی المسلمين. فجاء عمر إلی أبي بكر، فقال له: إنّ خالداً قتل قوماً مسلمين، و قتل مالكاً، و زني بزوجته المسلمة، و سلب أموالهم، فأري أن تقتصّ منه و تجري عليه حدّ الزنا. و لمّا دخل خالد مسجد المدينة، كان عليه قباء له، عليه صدأ الحديد، و هو معتجر بعمامة له قد غرز فيها أسْهُماً. فلمّا دخل المسجد، قام إلیه عمر، فانتزع الاسهم من رأسه فحطّمها، ثمّ قال: قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوتَ علی امرأته؟! والله لارجمنّك! فلم يكلّمه خالد ظانّاً أنّ رأي أبيبكر علی مثل رأي عمر، حتي دخل علی أبي بكر. و أخبره الخبر. و كان ممّا قاله له: إنّي قتلتُ مالكاً: لانـّه كان يقول فيك كذا و كذا. و كان خالد يعتذر في قتله أنـّه (مالك) قَالَ لِخَالِدٍ وَ هُوَ يُراجِعُهُ: مَا إخَالُ صاحِبَكُمْ إِلاَّ وَ قَدْ كَانَ يَقُولُ كَذا وَ كَذا. فقال خالد في جوابه: أوَ مَا تَعُدُّهُ لَكَ صاحِباً؟ و لذا أمرتُ بضرب عنقه. دفاع أبي بكر عن جرائم خالد
عذر
أبوبكر خالداً، فخرج خالد منه مسروراً.[24]
فجاء عمر إلی فجاء أخو مالك، و هو متمّم بن نويرة، إلی المدينة يطلب ثأر أخيه من أبيبكر، و يريد منه الاسري. فأمر أبوبكر بإرجاع الاَسري. وألحّ عمر علی أبي بكر أن يعزِل خالداً قائلاً له: إِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقاً. [27] فأجابه أبوبكر: لاَ، يا عُمَرُ! لَم أَكُن لاِشِيمَ سَيفاً سَلَّهُ اللَهُ علیالكافِرينَ. [28] و جاء عبدالله بن عمر، و أبوقتادة عند أبي بكر و شهدا أنّ خالداً قتل مسلماً، و قالا له: كان مالك بن نويرة علی الإسلام، و قد رأينا أذانه وإقامته. فأعرض أبوبكر عن أبوقتادة و غضب عليه. [29] أجل، لقد قتل خالد مالكاً بحجّة الارتداد عن الإسلام. و كلّما قال له ذلك الرجل المؤمن: أنا مسلم. قال خالد: لابدّ أن تقتل. و لمّا قال له: هذه التي قتلتني. قال خالد: بَل قَتَلَك رُجُوعُكَ عِنَ الإسلام. [30] و لم يرتدّ ذلك الصحابيّ النقيّ السيرة عن الإسلام؛ و إنّما قال كلاماً في أبي بكر فقط ونقله خالد إلی أبي بكر. و هذا الكلام هو الذي أهدر دم ذلك الرجل البري، و برّأ خالد من فعلته. و عذر أبوبكر خالداً، فلم يقتله، و لم يُقم عليه حدّ الزني ولاحدّ الافتراء. و لم يعزّره لسلبه أموال المسلمين، بل نجد العكس. نجد أنـّه لم يوبّخه علی تلك الاعمال الشنيعة، بل دافع عنه. و سمّاه سيف الله وهو الفاسق الفاجر الفاتك صراحة، و هكذا أطلق عليه سيف الله الذي سلّه لقتل الكافرين (أمثال مالك بن نويرة، و اعتدي به علی أعراض النساء المسلمات، و نهب أموال المسلمين) و لو فرضنا أنّ مالكاً امتنع عن أداء الزكاة، فهل حكمه القتل؟ لقد امتنع مالك عن دفع الزكاة لابي بكر، و لم يمتنع عن دفعها لوصيّ رسولالله، كما جاء ذلك في شعره، كان مالك مسلماً، فهل يجوز قتل المسلم؟ ولو فرضنا أنّ مالكاً قد ارتدّ عن الإسلام بارتداده عن أبيبكر فهل يجوز الزني بزوجته، و هي امرأة مسلمة؟ و هل هذا يقبل التأويل؟ إلیس في وجود عبد الله بن عمر، و أبي قتادة، الذَينِ شهدا الحادثة عن قرب حجّة قاطعة لرفع التأويل؟ لماذا غضب أبوبكر من كلامهما، وأعرض عنهما؟ لانّ خالداً كان معيناً له في حكومته. أمر أبو بكر أن تُدفع دية مالك من بيت المال، و أن يُرجع الاسري. فهل نعتبر تلك الاحداث عملاً صحيحاً قام به أبوبكر، و نحملها علی الاجتهاد؛ لانـّه تأوّل بوصفه معصوماً و من أُولي الامر؟ حقّاً إنّ الفخر الرازيّ و أمثاله، ممّن أوّلوا و برّروا تلك السيّئات الصريحة، هم شركاء في تلك الجرائم التي ارتكبها أبوبكر و أعوانه. و هل كان سيف خالد هو واقعاً سيف الله الذي سلّه الله علی الناس؟ يقول عمر: «إِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقاً» فهل هذا الهتك و الاعتداء من فعل الله، و خالد سيف الله؟ يقول عمر: لاَ. أمّا أبوبكر فيقول: نعم، هو سيف الله. قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً... وَ لاَ تَقْرَبُوا الْفَوَ ' حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ وَ لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَ ' لِكُمْ وَصَّـ'كُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ *... وَ أَنَّ هَـ'ذَا صِرَ ' طِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَ ' لِكُمْ وَصَّـ'كُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. [31]
بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ و صلَّي اللهُ علی محمّد و آله الطَّاهرين ولعنة اللَه علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين و لا حول و لا قوّة إلاّ باللَهِ العليّ العظيم
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الاْمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَـ'زَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلی اللَهِ وَ الرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ ذَ ' لِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. [32] الإمام، هو الشخص المربّي ل لإنسان إلی أعلی درجة من الكمال، وآخر نقطة من ذروة التوحيد و مقام المعرفة. و لمّا كان خلقالإنسانبالحقّ، فينبغي أن يكون الإمام مرشداً و موصلاً ل لإنسان إلی تلك الذروة بالحقّ، و إلاّ فلا خَلاقَ[33] لشخص آخر هو دون مقام المعرفة و التوحيد ودرجات القرب. خلق العالم والإنسان علی أساس الحقّيتّضحهذاالمعنيمنخلالقولهتعإلی:مَاخَلَقْنَاالسَّمَـ'وَ'تِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ.[34] و قوله تعإلی: وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَـ'طِلاً ذَ ' لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا. [35] يستفاد من الآيتين أنّ الموجودات لم تخلق عبثاً، و إنّما خُلِقَت من وحي الحكمة و الهدف الصحيح. و تشترك كلُّ الموجودات في هذه الحقيقة بلا استثناء. خَلقُ هذا الكون كلّه بالحقَّ، و جميع الكائنات الحيّة والميّتة صغيرها و كبيرها تخضع لهذا النظام العام و لا تتعدّي هذه الحقيقة. و علی هذا المنوال خلق الله سبحانه و تعإلیالإنسانالذي يعتبر جزءاً من هذه الكائنات الحقّ و جبله علی فطرة التوحيد. فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. [36] «توجّه بقلبك و باطنك إلی هذا الدين الحنيف القائم علی أساس الحقّ، و المنزّه من الانحرافات، هذا الدّين المرتكز علی الفطرة التي فطراللهالإنسانعليها و لا تغيير و لا تبديل في خلقة الله و فطرته. هذا هو الدّين القيّم ولكنّ أكثر الناس عجزوا عن إدراك هذه الحقيقة». يتمتّعالإنسانبالإدراک و المعرفة. و له غرائز و صفات استمدّت وجودها كلّها من مبدأ التوحيد. و قد خلقه الله علی أساس المعرفة و إدراك الحقيقة، و جعل قلبه مستودعاً لاسراره. فالتوحيد يعني ا لإيمان بأنّ الله واحد في جميع مراحل الوجود، من الذات و الصفات و مظاهر عالم الوجود. و صرح الوجود كلّه قائم بذاته ومتعلّق به. فلا حكومة في السماوات و الارض و ما بينهما إلاّ حكومته، ولا قدرة إلاّ قدرته، و لا علم وحياة إلاّ علمه وحياته. فلا تشذّ ذرّة صغيرة واحدة عن هذا النظم و لم يكن لاحد الاستقلال و الفناء الذاتي إلاّ للذات الاحديّة بلاشائبة. لذلك لمّا كان العالم كلّه متوكّئاً علی هذا المبدأ، خلق اللهالإنسان لإدراک هذا المعني و بلوغ المعرفة و استيعاب هذه الحقيقة. و جعل في قلبه قوّة جاذبة نحو ساحة القُدس. و هذه هي الحقيقة و النظرة التي جُبلالإنسان عليها. من جهة أُخري، نحن نعلم أنّ الله أحسن كلّ شيء خَلَقَه، فلا نقص ولا عيب في كيان الوجود: الَّذِي´ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ و وَ بَدَأَ خَلْقَ ا لإنْسَـ'نِ مِن طِينٍ. [37] و مضافاً إلی أنّه أحسن كلّ شي خلقه و أتمّه. فقد هدي كلّ موجود نحو كماله. قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَـ'مُوسَي' * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي´ أَعْطَي' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدَي'. [38] فمِن بين الكائنات الخارجة عن ا لإحصاء التي أوجدت تامّة الخلقة، و أودعت فيها الحركة نحو الهدف في طريق الكمال، وا لإنسان الذي خلق علی فطرة الله و توحيده. ينبغي أن يُوجَّه نحو الكمال و تظهر استعدادته و مواهبه الكامنة. فإذا تحرّك علی الصراط المستقيم، فإنّه سيبلغ الهدف؛ و إلاّ فسيكابد من الاضطراب و بلبلة الافكار. مثله في ذلك مثل الطائر الذي لاعشّ له حتّي إذا كانت الاعاصير والامطار و الرعد و البرق و الصواعق، تراه حائراً يرتطم بهذا الجانب أو ذاك إلی أن يموت، و يرحل عن الدنيا ناقصاً بدون ظهور استعداداته و فعليّة غرائزه ا لإلهيّة المودعة فيه.
يَـ'´أَيُّهَا ا لإنسَـ'نُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلی' رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَـ'قِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ «فمن تحرّك في الصراط المستقيم و عمل الصالحات، فإنـّه يُعطي كتاب عمله بيمينه و يكون حسابه يسيراً و يصبح مسروراً في الجنّة مع أهله. و أمّا من تحرّك في الطريق الاعوج المنحرف و انشغل بالآثام والتعديّات، فإنـّه يعطي كتابه وراء ظهره (تعساً له) و يدعو بالهلاك علی نفسه، و سيصلي نار جهنّم.» في ضوء ذلك، فإنّالإنسانينبغي أن يخضع لتربيّة صائبة و تعليم صحيح حتي يبلغ كماله. و لذلك فإنّ الله قد أنزل القرآن بالحقّ أيضاً. اللَهُ الَّذِي´ أَنزَلَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزَانَ. [40] و كذلك أرسل رسوله بالحقّ و دين الحقّ: هُوَ الَّذِي´ أَرْسَلَ رَسُولَهُ و بِالْهُدَي' وَ دِينِ الْحَقِّ. [41] قوانين الدين علی أساس التوحيد
إنّ
الدين الذي جاء به رسول الله هو دين الحقّ الذي لايأتيه العبث الإسلام دين التوحيد؛ إذ إنّ كافّة تعإلیمه الاخلاقيّة و العلميّة نزلت علی أساس التوحيد؛ و مُقَنِّنها و مشرّعها هو التوحيد. و وضعت هذه القوانين للوصول إلی التوحيد. و ما نزلت إلاّ علی أساس التوحيد، و إذا ما طُبقّت، فهي تسمو علی أساسه أيضاً. و كما نري في القوانين السائدة علی العالم، و كذلك في الانظمة الداخليّة للاحزاب أنّ تعإلیم خاصّة قد انبثقت من روح الحزب و تمثّل أفكاره و آراءه. و لو تمسّك بها أحد، فإنـّها ستقوده نحو آراء أصحابها وأفكارهم، فكذلكالإسلامفإنّه انبثق من التوحيد. و التوحيد يعني أن يري أنّ جميع الكائنات بلا استثناء تخضع لعلم الله و قدرته و تأثيره، و أنّ الله هو المؤثّر في جميع عوالم الوجود. و أنّه لاقيمة و لا استقلال لايّ أحد في وجوده حيال الخالق جلّ شأنه. فقد وضعت التعإلیم ا لإسلاميّة كلّها علی أساس هذا المبدأ. والإنسانالمسلم المتمسّك بهذا القانون يري نفسه مرتبطاً بعالم الوجود كلّه، غير مُعْرِضٍ عن أحد. يألف الجميع و يأنس معهم، و يلتذُّ في معاشرته للناس، و صلة الارحام، و عيادة المرضي وقضاء حوائج الناس، و ا لإلفة مع الفقراء و المساكين، و بذل الاموال من أجل راحة الآخرين و رفاههم، و تعإلیم أُخري كثيرة تربطالإنسانمع الكائنات جميعها، و كأنّه قطعة واحدة لا تقبل الانفصال عن مصنع الوجود. و لذلك نري أنّ قوانين الجهاد منسجمة مع العبادات تماماً. فالجهاد هو من أجل هداية الناس الضإلین. لا من أجل التوسّع في الارض و سلب الاموال ونهب الممتلكات، و لهذا فلا نجد اعتداءً أو انتهاكاً في تعإلیمالإسلامالجهاديّة ولا نلمس قسوة أو إجحافاً فيها. و كذلك تخلو تلك التعإلیم من مفردات شاذّة، نحو قتل الاطفال والنساء، و حرق الاشجار و الامتعة، و منع الماء، وفرض العطش، و قذف الادوية السامّة، لانّ الهدف من الجهاد هو هداية الناس، لا استئصالهم من أجل تحقيق المصالح الشخصيّة. و الجهاد عبادة تنسجم تماماً مع جميع العبادات حتّي مع الصلاة التي تلزمها الطهارة و الخلوص. و قد يتصوّر أحد أنّ الزواج و الطلاق أمران متعارضان كما يبدو في الظاهر. بَيدَ أنّهما منسجمان و لا تعارض بينهما. و جاءت التعإلیم الخاصّة في القرآن المجيد مرتكزة علی أساس أخلاقيّ صحيح إلی الحدّ الذي لو طُبّقت فيه، فإنّها ستستوعب عالماً من الرحمة و العطف. تقول تلك التعإلیم بأنّالإنسانإمّا يمسك زوجته بإحسان، أو يسرّحها بإحسان، و لا يضيّق عليها، و لا يأخذ ممّا آتاها من الصداق ديناراً واحداً حتّي لو كان مقداره قنطاراً من الذهب و المجوهرات ولا يضغط عليها، ولا يؤذيها حتّي تتنازل عن مهرها؛ فالطلاق ـ في الحقيقة ـ مقارن للرحمة و المودّة. و يلاحظ في تعإلیم هذا الدين المبين أنّه قد تمّ التأكيد علی كلّ عمل يقرّبالإنسانإلی اللطف، و المودّة، والرحمة والشفقة، والحسن، وورد النهي عن كلّ ما من شأنه التفرقة والانفصال والقلق، و الانعزال عن الناس. و عُدَّ تتبّع عثرات الناس والطعن فيهم ذنباً و كذلك سوء الظنّ، و النبز بالالقاب التي لا يرضي بها أصحابها، والسبّ والشتم، و التجسّس علی الناس. يقولالإسلامبأنّ المسلم ينبغي له أن يحسن الظنّ بالآخرين، وينظر إلی إخوانه المؤمنين نظرة طيّبة، و ينظر إلی جميع الكائنات من حيث ارتباطها بالله و مبدأ التوحيد نظرة طيّبة أيضاً. يجب علی المسلم أن لايلهث وراء حبّ الظهور، و لا يميل إلی ا لإستكبار، و ينفق أمواله علی الفقراء و المساكين، و لا يكنز الذهب و الفضّة، و لا يملا حبّ الدنيا قلبه ويجدّ و يعمل و يقدّم حصيلة أتعابه إلی البُؤَساء و المعدمين ابتغاء مرضاة الله و بلوغ أعلی درجات الإنسانيّة. و هذه القوانين كلّها رحمة. و قد نبعت من التوحيد منسجمة مع روحه في كافّة ميادين الحياة ولو طبّقهاالإنسان، فسترفعه إلی التوحيد، و توصله إلی مبدئه و منشئه. علی عكس القوانين المضادّة للتوحيد، فإنّها ـ شاءالإنسانأم أبي ـ متوكّئة علی أساس التفرقة، و النفعيّة، و المصلحيّة، و تحقيق الارباح، فهي تدعوالإنسانإلی التفرقة، و تقطع صلته بالعالم. و يتصوّر كلّ أحد أنّه منفصل عن العالم و يسعي لبقاء وجوده حتّي لوكان منافياً لوجود الغير. و نلمس هذا واضحاً حتّي في البلدان المتطوّرة، إذ تلهث وراء مصالحها، لا يهمّها ما تعانيه الدول الاُخري من فقر و حرمان. فهدفها هو تحقيق الارباح لصالحها، و بهذا فهي تري نفسها منقطعة عن عالم الوجود. مُنِيبِينَ إلیهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَو'ةَ وَ لاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. [42] يقولالإسلام: تحرّكوا كلّكم إلی الله، و اخلعوا عنكم رداء الشرك واجتنبوا عن كلّ ما يصدّكم عن التوحيد، و أقيموا الصلاة للوصول إلی هذا المنزل، ولا تكونوا من المشركين الذين وضعوا قوانينهم علی أساس التفرقة، و انقسموا شيعاً و جماعات. و هذا الدين الحنيف هو الذي يري الله وحده فعّالاً مايشاء، و يراه مؤثّراً ومربّياً و مكمّلاً. و ينظر إلی الكائنات جميعها علی أنّها من فعل الله و أثره، و أنّها محكومة بإرادته القويّة ومشيئته. و هو علی عكس المبادي والسنن التي لا تتوكّأ علی التوحيد، فهذه تري أنّالإنسانهو المؤثّر في الوجود. و الشرك ـ مهما كانت درجته ـ فإنّه يقحم غير الله في عالم الوجود، و حصيلة ذلك أنّه يري غير الله مؤثّراً، و يري الله منفعلاً ومتأثّراً. والإنسانالمتوكّي علی أفعاله، نبذالله ـ بزعمه ـ وراء ظهره فرآه منفعلاً. و الغفلة عن الله أيضاً درجة من الشرك و لها نفس الاثر. و بهدف تربيّة الناس، و تصعيد مستوي معارفهم، و هدايتهم نحو أصالة العلم، و حقائق العالم التي تستظلّ بظلّ التوحيد، و ردت الآيات الكريمة التإلیة: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الاْنثَي' * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي'´ * إِنْ هِيَ إِلآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَ ءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مِن سُلْطَـ'نٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ مَا تَهْوَي الاْنفُسُ وَ لَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَي'´. [43] «هل أنّ قوي الفصل و الاثر متعلّقة بكم معشر البشر و الانفعال والتأثّر متعلقان بالله؟ هذه قسمة غير صائبة، إنّ هذه الكائنات التي تعتدّون بقدرتها و عظمتها هي أسماء فحسب أطلقتموها أنتم و آباؤكم عليها (لاحقيقة لها) و أنتم تعتبرونها مؤثّرة، في مقابل الله ظنّاً منكم واتّباعاً للهوي و لقد جاءكم دين التوحيد من ربّكم و عرّفكم أصل التوحيد وانحصار القدرة و العظمة و ا لإرادة و العلم والحياة و سائر الصفات والاسماء بذات الله المقدّسة الدائمة». القرآن يهدي الناس بواسطة الإمام
في
ضوء ما تقدّم، فكلّ إنسان بلغ مقام التوحيد الحقيقيّ و إلیقين إنـّه الإمام، معلّم القرآن، و العارف بمبدأ الاحكام و منشئِها، يتربّع علی منهل القانون، و ينظر بعين الحقّ إلی عمق المصالح و المفاسد من المنشأ و الاصل. ثُمَّ جَعَلْنَـ'كَ علی' شَرِيعَةٍ مِّنَ الاْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَهِ شَيْئًا وَ إِنَّ الظَّـ'لِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَ اللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ. [44] «ثمَّ جعلناك علی منبع الامر و مبدأ نزوله فتنظر القوانين و الاوامر علی أصلها و حقيقتها فاتّبعها و لا تتّبع آراء و أفكار الناس الجهلاء الذين لاعقل لهم، إنـّهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً و لن يبلغوا بك ما تهدفه وتقصده و هو رضا الله و لقاؤه.» فالإمام يستطيع أن يأخذ بيدالإنسان، و يقوده نحو الحقيقة المطلقة. لانـّنا عرفنا أنّ خلق السماوات و الارض والإنسان، و إنزال القرآن وإرسال الرسول، كلّ أُولئك بالحقّ. و كذلكالإنسانفإنّه ينبغي أن يسلك سبيل الحقّ، و يقطع طريقه إلی أن يصل أقصي درجات التوحيد. فهل يستطيع أن يقطع هذا الطريق بدون إمامٍ و مربٍّ؟ و هل انتهت عمليّة التربيّة والتعليم بعد وفاة النبيّ الاكرم؟ و هل أنّ اللطف ا لإلهيّ كان فقط في عصر رسول الله، ثمّ ترك الله الاُمّة بعده مهملة ضائعة غير ملتزمة؟ و هل أنّ روح النبيّ بعد الممات كفيلة بمساعدة الاُمّة و إيصالها إلی مقام الكمال فلا تعد هناك حاجة إلی شخص حيّ من أهل إلیقين؟ و هل أنّ العمل بالقرآن وفقاً لفهم الناس البسطاء يكفي بدون تعريف للحقائق؟ و هل أنّ العمل الصالح نفسه، مثل الصلاة و الصوم، و الصدق، واجتناب السرقة والقمار، يوصلالإنسانإلی مقام الإنسانيّة؟
يُنقَل أنّ الناس في سويسرا و بعض الدول الاُخري لا يكذبون، ولايسرقون، و
لا يخونون، و لا يفعلون أمثال هذه الاشياء. صحيح أن ّالإنسان متي تلقّي
تربيّة في مجال معين، فإنّه يتخرّج في ذلك المجال ويعمل به. بَيدَ أنّ
هذه الصفات الحسنة عند شعوب تلك البلدان منبعثة عن العقل والعلم و معرفة
الله و إدراك المصالح الصادقة، أو أنّ تلك الشعوب عاشتها تلقيناً و تربّت
عليها؟
[45] أنا رأيتُ بنفسيفي القري و الارياف أنّ الرعاة عندما
يسوقون أغنامهم و معزهم للرعي صباحاً، و يمرّون علی البيوت، فإنّ الاغنام و
المعز العائدة إلی تلك البيوت تخرج علی عادتها لتلتحق بالقطيع. و حينما
يرجع القطيع عند الغروب، و يمرّ علی نفس البيوت، فإنّ تلك الاغنام و المعز
تنفصل عن القطيع تلقائيّاً لتعود إلی أصحابها. فهذا العمل عند الحيوان من
وحي العادة، و لا يستحقّ حمداً وتمجيداً. و كذلك جهاز التسجيل فإنّه يسجّل
الصوت جيّداً، و يعيده دون أن يتدخّل فيه، ويعيد حتّي نَفَس القارِي أو
صوت الورق. فعمله هذا لايستحقّ حمداً وثناءً. وا لإنسان الاُوروبيّ الذي لا
يتلقّي تعليمه و تربيته علی أساس التوحيد، والرأفة بالآخرين، و المروءة، و ا
لإيثار، و الصفح فإنّ صدقه، و نظمه، وأمانته (مهما كان نصيبها من الصحّة)
هي من وحي التلقين والعادة. فما قيمة ذلك؟ و العامل الاُوروبيّ الذي يذهب
إلی مقرّ عمله صباحاً، و ينجز أعماله في المعمل بدون رقابة ربّ العمل علی
سبيل الفرض، ماهي الدرجة التي يدركها من الإنسانيّة؟ و أنّ كثيراً من
المكائن تُؤدّي أعمالها أوتوماتيكيّاً لساعات متوإلیة بدون إشراف أحد، و
تقدّم ارجاعات [1] ـ يقول صاحب «الغدير» في ج 5، ص370 إنّ عمر قال: إنّها كانت فلتَةً وَ قَي الله شَّرَها (مصادر كثيرة فيالهامش) أو قال: فَلتَةٌ كَفَلَتاتِ الجاهليّة (تاريخ الطبريّ) فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه (الصواعق المحرقة) [2] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 446. [3] ـ «سيرة ابن هشام» ج 4، ص 73 0 1. و في «غاية المرام» ص 549، الحديث 15 ينقل عن محمّد بن عليّ الحكيم الترمذيّ، و هو من أكابر علماء العامّة، أِنّ أبابكر قال: أقِيلُوني فَإِنَّ عليّاً أَحَقُّ مِنّي بِهَذَا الاَمْرِ. و فِي رواية: كَان الصدّيق يقول ثلاث مرّات: أقيلوني فَإنِيّ لَسْتُ بِخَير مِنكُم وَ عليٌّ فيكم. [4] ـ «عبد الله بن سبأ» طبعة مصر، ص 92. و يذكر صاحب «غاية المرام» ص 0 56 فيما يتعلّق بقول عمر: إنّ بيعة أبي بكر فلتة، ثمانية أحاديث عن طريق العامّة، و حديثين عن طريق الخاصّة في ص 561. [5] ـ «الغدير» ج 7، ص 152. [6] ـ «الغدير» ج 7، ص 158 نقلاً عن «تاريخ أبي الفداء». [7] ـ «مجالس المؤمنين» ص 114. [8] ـ «سفينة البحار» ج 2، ص 551. [9] ـ لم يرد حديث أبي بكر و عمر مع مالك، و حديث النبيّ معهما في «سفينة البحار»، بل وردا في «مجالس المؤمنين» فقط، لكنّ المرحوم المحدّث القمّيّ قال بعد أن نقل قضيّة مالك: انتهي ملخّصاً. [10] ـ «عبدالله بن سبأ» ص 104 نقلاً عن «الإصابة». [11] ـ البُطاح: ماء في ديار أسد بن خزيمة. [12] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 2 0 5. [13] ـ أبوقتادة الانصاريّ الخزرجيّ شهد أحداً و ما بعدها و شهد مع عليّ في خلافته مشاهده كلّها. و توفي في الكوفة في خلافة عليّ سنة 38 أو سنة 40 و هو ابن سبعين سنة فكبّر عليّ في صلاته عليه ستاّ. نقلاً عن هامش ص 105 من كتاب «عبدالله بن سبأ». [14] ـ «الغدير» ج 7، ص 158. [15] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 3 0 5. [16] ـ «تاريخ أبي الفداء» ص 8 5 1. [17] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 3 0 5 و «اليعقوبيّ» ج 2، ص 132. [18] ـ «تاريخ أبي الفداء» ص 158. [19] ـ «تاريخ أبيالفداء» ص 158. [20] ـ نفس المصدر السابق. [21] ـ «تاريخ أبي الفداء» و فيه قتل ضرار. ولكن «قتل صبراً» بناءً علي ما ذكره الامينيّ في «الغدير» ج 7، ص 165 نقلاً عن «الإصابة» ج 3، ص 357 و «مرآة الجنان» ج 1، ص 62. [22] ـ «تاريخ اليعقوبيّ» ج 2، ص 131. [23] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 503. [24] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 504. [25] ـ «تاريخ أبي الفداء» ج 1، ص 158. [26] ـ «تاريخ الخميس» ج 2، ص 233. [27] ـ تاريخ الطبريّ ج 2، ص 503. و قال أيضاً: قال (أبوبكر): هيه يا عمر! تأوّلَ فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. و ينقل فريد وجدي في (دائرة المعارف) 2: 306 هذه العبارة نفسها عن أبي بكر. [28] ـ تاريخ الطبريّ ج 2، ص 503. و قال أيضاً: قال (أبوبكر): هيه يا عمر! تأوّلَ فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. و ينقل فريد وجدي في (دائرة المعارف) 2: 306 هذه العبارة نفسها عن أبي بكر. [29] ـ «تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 502. [30] ـ «الغدير» ج 7، ص 0 16 نقلاً عن «تاريخ ابن شحنة» هامش (الكامل) ج 7، ص 165. [31] ـ الا´يتان 151 و 153، من السورة 6: الانعام. [32] ـ الا´ية 59، من السورة 4: النساء. [33] ـ إمکانیة [34] ـ الا´ية 3، من السورة 46: الاحقاف. [35] ـ الا´ية 27، من السورة 38: ص. [36] ـ الا´ية 0 3، من السورة 30: الروم. [37] ـ الا´ية 7، من السورة 32: السجدّة. [38] ـ الا´يتان 49 و 0 5، من السورة20: طه. [39] ـ الا´يات 6 إلي 12، من السورة 84: الانشقاق. [40] ـ الا´ية 17، من السورة 42: الشوري. [41] ـ الا´ية 9، من السورة 61: الصف. [42] ـ الا´يتان 31 و 32، من السورة 30: الروم. [43] ـ الا´يات 21 إلي 23، من السورة 53: النجم. [44] ـ الا´يتان 18 و 19، من السورة 45: الجاثية. [45] ـ طبيعيّاً، إذا صحّ النقل، و إلاّ فإنّ شعوب تلك البلدان لا تختلف عن غيرها من الشعوب إلاّ في بعض التقاليد و الا´داب الظاهريّة و العادات المتعارفة. |
|
|