بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام/ المجلد الثالث/ القسم الاول: لزوم اتّباع أعلم، موت الجاهلی، علم الغیب

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع إلی المجلد الثانی

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و آله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَـ ' ´أَبَتِ إنِّي‌ قَدْ جَآءَنِي‌ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَـاتَّبِعْنِي‌´ أَهْدِكَ صِرَ ' طًا سَوِيًّا. [1]

 مفاد هذه‌ الاية‌ قول‌ إبراهيم‌ علیه‌ السلام‌ لمربّيه‌ آزر و احتجاجه‌ علیه‌ إذ كان‌ عابداً للاصنام‌ و مشركاً بالله‌ تعالي‌.

 و لمّا أناطت‌ الآية‌ وجوب‌ الاتّباع‌ بعلم‌ ابراهيم‌ و عدم‌ علم‌ آزر، فيستفاد منها ـ إذن‌ ـ أنّ علی‌ كلّ جاهل‌ اتّباع‌ العالم‌. أي‌ أنّه‌ يقدّم‌ رأي‌ العالم‌ و إرادته‌ علی‌ رأيه‌ و إرادته‌ الشخصيّة‌ في‌ شؤونه‌، و يجعل‌ ذلك‌ بديلاً عن‌ طموحاته‌ و رغباته‌ الخاصّة‌. و في‌ هذه‌ الحالة‌ فإنّه‌ يتلذّذ و يتنعّم‌ بسبب‌ اتّباعه‌ للعالم‌ و يتمتّع‌ بالمواهب‌ الإلهيّة‌ المعروضة‌ للإنسان‌ في‌ الصراط‌ المستقيم‌.

 يقول‌ الكبار من‌ أهل‌ العلم‌ إنّه‌ تمّ التصريح‌ بسبب‌ الاتّباع‌ في‌ هذا الكلام‌. و إنّ أمر إبراهيم‌ مقرون‌ بالدليل‌ و البرهان‌، و هو قوله‌: جَآءَنِي‌ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ، فما علیك‌ إلاّ الاتّباع‌ حتّي‌ أهديك‌ إلي‌ طريق‌ السعادة‌ وكمال‌ الإنسانيّة‌ و ظهور المواهب‌ الكامنة‌. و هذا أمر يرتكز علی‌ الفطرة‌ وحكم‌ العقل‌ برجوع‌ الجاهل‌ إلي‌ العالم‌ في‌ شؤونه‌ المختلفة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 لزوم‌ اتّباعِ العامّيّ للاعلم‌

 يمكننا أن‌ نقتطف‌ ثمرتين‌ من‌ كلّيّة‌ هذا البرهان‌:

 الاُولي‌: رجوع‌ العامّيّ إلي‌ العالِم‌، و وجوب‌ تقليده‌ في‌ المسائل‌ الشرعيّة‌ الفرعيّة‌، بل‌ وجوب‌ رجوع‌ العامّيّ إلي‌ الاعلم‌. هذا مع‌ أنـّي‌ لحدّ الآن‌ لم‌ أجد أحداً من‌ العلماء الكبار قد استدلّ في‌ الكتب‌ الاُصوليّة‌ من‌ مسائل‌ الاجتهاد و التقليد علی‌ لزوم‌ تقليد الاعلم‌.

 أمّا رجوع‌ العامّيّ إلي‌ العالم‌ فسببه‌ أنّ العامّيّ لا يعلم‌ و العالم‌ يعلم‌ ولذلك‌ فرض‌ إبراهيم‌ علی‌ مربّيه‌ اتّباعه‌.

 و أمّا رجوع‌ العامّيّ إلي‌ الاعلم‌، فلانّ الاعلم‌ أفضل‌ الموجودين‌ اطّلاعاً و تبحّراً، و أكثرهم‌ علماً و قدرة‌ علی‌ الاستنباط‌ في‌ جميع‌ المسائل‌. فالعالم‌ أقلّ من‌ الاعلم‌ علماً و اطّلاعاً و قدرة‌، فهناك‌ جوانب‌ و زوايا في‌ جميع‌ المسائل‌ قد وصل‌ إليها الاعلم‌ و اكتشفها بَيدَ أنّ العالم‌ لم‌ يصل‌ الي‌ تلك‌ الدقائق‌ و لم‌ يتمكّن‌ منها، فعندما رجع‌ العامّيّ إلي‌ العالم‌ و لم‌ يرجع‌ إلي‌ الاعلم‌، فإنّه‌ قد اتّبع‌ غير العالم‌ في‌ تلك‌ الجوانب‌ و المسائل‌ الدقيقة‌،[2] و أمّا إذا رجع‌ إلي‌ الاعلم‌ في‌ خصوص‌ هذه‌ المزايا و خواصّها، فإنّما اتّبع‌ العالم‌ الذي‌ هو الاعلم‌ نفسه‌، و بالتالي‌ فإنّه‌ قد رجع‌ إلي‌ العالم‌ في‌ جميع‌ الخصوصيّات‌ التي‌ يجهلها، سواء كانت‌ تلك‌ الخصوصيّات‌ ممّا يعلمها العالم‌ و الاعلم‌ كلاهما، أو كانت‌ ممّا يعلمها الاعلم‌ فقط‌. و قد ألزم‌ إبراهيم‌ آزر أن‌ يتّبعه‌ بوصفه‌ عالماً في‌ جميع‌ الجوانب‌ و الخصوصيّات‌ التي‌ لايعلمها بشكل‌ مطلق‌.

 الثانية‌: وجوب‌ اتّباع‌ الإمام‌. و أنّ الإمام‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ أعلم‌ الجميع‌ و أفضلهم‌. و لو تساوي‌ علمه‌ مع‌ البعض‌، فرضاً أو كان‌ علمه‌ أقلّ منه‌، فإنّه‌ سوف‌ لن‌ يعدّ إماماً بالنسبة‌ إلي‌ ذلك‌ البعض‌. و في‌ الحالة‌ الاُولي‌ سيكون‌ ترجيحاً بلا مرجّح‌، و في‌ الحالة‌ الثانية‌ سيكون‌ ترجيحاً لمرجوح‌. لذلك‌ فإنّ علی‌ جميع‌ أفراد الاُمّة‌ أن‌ يتّبعوا الإمام‌ ؛ لانّ لديه‌ علماً لم‌ يتيسّر لاحد منهم‌ وفي‌ ضوء هذا المعيار، أمر إبراهيم‌ مربّيه‌ آزر أن‌ يتّبعه‌.

 فإنّ مسألة‌ رجوع‌ الجاهل‌ إلي‌ العالم‌ مسألة‌ فطريّة‌ و عقليّة‌، و الناس‌ جميعهم‌ يحتاجون‌ إليها في‌ شؤون‌ الحياة‌ كلّها. فالمريض‌ ينبغي‌ له‌ أن‌ يراجع‌ الطبيب‌ المتخصّص‌، و إلاّ فسوف‌ يدركه‌ الموت‌. و البنّاء مع‌ عمّاله‌ ينبغي‌ لهم‌ أن‌ يراجعوا المهندس‌ المعماريّ الخبير، و إلاّ فالخلل‌ و الدمار سيكونان‌ حليفا بنائهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

رجوع‌ الشيعة‌ إلي‌ الإمام‌ محمّد الجواد بعد استشهاد الإمام‌ الرضا علیه‌ السّلام‌

 جاء في‌ «بحار الانوار» نقلاً عن‌ كتاب‌ «عيون‌ المعجزات‌» أنـّه‌ لمّا قبض‌ الرضا علیه‌ السلام‌ كان‌ سنّ أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌ نحو سبع‌ سنين‌ فاختلفت‌ الكلمة‌ من‌ الناس‌ ببغداد و في‌ الامصار ] حول‌ إمامته‌ [. و اجتمع‌ الريّان‌ بن‌ الصّلت‌، و صفوان‌ بن‌ يحيي‌، و محمّدبن‌ حكيم‌، و عبدالرحمن‌ بن‌ الحجّاج‌، و يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌، و جماعة‌ من‌ وجوه‌ الشيعة‌ و ثقاتهم‌ في‌ دار عبدالرحمن‌ بن‌ الحجّاج‌ في‌ بركة‌ ذلول‌ يبكون‌ و يتوجّعون‌ من‌ المصيبة‌. فقال‌ لهم‌ يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌: دعوا البكاء. مَن‌ لهذا الامر ؟ وإلي‌ من‌ نقصد بالمسائل‌ إلي‌ أن‌ يكبر هذا ؟ يعني‌ أبا جعفر الجواد علیه‌السلام‌ ؟ فقام‌ إليه‌ الريّان‌ بن‌ الصّلت‌، و وضع‌ يده‌ في‌ حلقه‌، و لم‌ يزل‌ يلطمه‌، و يقول‌ له‌: أنت‌ تظهر الإيمان‌ لنا و تبطن‌ الشكّ و الشرك‌. إن‌ كان‌ أمر من‌ الله‌ جلّ و علا فلو أنـّه‌ كان‌ ابن‌ يوم‌ واحد، لكان‌ بمنزلة‌ الشيخ‌ العالم‌ وفوقه‌. و إن‌ لم‌ يكن‌ من‌ عندالله‌، فلو عمّر ألف‌ سنة‌، فهو واحد من‌ الناس‌. هذا ممّا ينبغي‌ أن‌ يفكّر فأقبلت‌ العصابة‌ علیه‌ تعذله‌ و توبّخه‌.

 و كان‌ وقت‌ الموسم‌ فاجتمع‌ من‌ فقهاء بغداد و الامصار و علمائهم‌ ثمانون‌ رجلاً فخرجوا إلي‌ الحجّ و قصدوا المدينة‌ ليشاهدوا أباجعفر علیه‌السلام‌. فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لانـّها كانت‌ فارغة‌ ودخلوها و جلسوا علی‌ بساط‌ كبير. و خرج‌ إليهم‌ عبدالله‌ بن‌ موسي‌، فجلس‌ في‌ صدر المجلس‌، و قام‌ مناد، و قال‌: هذا ابن‌ رسول‌ الله‌، فمن‌ أراد السؤال‌، فليسأله‌. فسئل‌ عن‌ أشياء أجاب‌ عنها بغير الواجب‌، فورد علی‌ الشيعة‌ ماحيّرهم‌ و غمّهم‌، و اضطربت‌ الفقهاء، و قاموا و همّوا بالانصراف‌، وقالوا في‌ أنفسهم‌: لو كان‌ أبو جعفر علیه‌ السلام‌ يكمل‌ لجواب‌ المسائل‌، لما كان‌ من‌ عبدالله‌ ما كان‌، و من‌ الجواب‌ بغير الواجب‌.

 ففتح‌ علیهم‌ باب‌ من‌ صدر المجلس‌ و دخل‌ موفّق‌ ] الخادم‌ [، و قال‌: هذا أبو جعفر. فقاموا إليه‌ بأجمعهم‌ و استقبلوه‌ و سلّموا علیه‌، فدخل‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌ و علیه‌ قميصان‌ و عمامة‌ بذُؤَابتين‌، و في‌ رجليه‌ نعلان‌ وجلس‌. و أمسك‌ الناس‌ كلّهم‌. فقام‌ صاحب‌ المسألة‌ فسأله‌ عن‌ مسائله‌ فأجاب‌ عنها بالحقّ ففرحوا و دعوا له‌ و أثنوا علیه‌ و قالوا له‌: إنّ عمّك‌ عبدالله‌ أفتي‌ بكيت‌ و كيت‌. فقال‌: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ يَا عَمِّ ! عَظِيمٌ عِنْدَاللهِ أَن‌ تَقِفَ غَداً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولَ لَكَ: لِمَ تُفْتِي‌ عِبَادِي‌ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَ فِي‌ الاْمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ؟!

 و روي‌ عن‌ عمر بن‌ فرج‌ الرخجيّ قال‌: قلتُ لابي‌ جعفر: إنّ شيعتك‌ تدّعي‌ أنـّكَ تعلم‌ كلّ ماءٍ في‌ دجلة‌ و وزنه‌ ؟! و كنّا علی‌ شاطي‌ دجلة‌، فقال‌ علیه‌ السلام‌ لي‌: يقدر الله‌ تعالي‌ أن‌ يفوّ ض‌ علم‌ ذلك‌ إلي‌ بعوضةٍ من‌ خلقه‌ أم‌لا ؟ قلتُ: نعم‌، يقدر. فَقالَ: أَنَا أكْرَمُ علی‌ اللَهِ مِنْ بَعُوضَةٍ وَ مِنْ أَكْثَرِ خَلْقِهِ. [3]

 الرجوع الي الفهرس

 الموت‌ مع‌ عدم‌ معرفة‌ الإمام‌، موت‌ جاهليّ

 إنّ الاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ التي‌ تدلّ علی‌ ضلال‌ الناس‌ بلا إمام‌ كثيرة‌ للغاية‌ و لها مضامين‌ متنوّعة‌. و نذكر هنا واحداً منها يتّفق‌ علیه‌ الشيعة‌ و السنّة‌ و يقطعون‌ بصدوره‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌، و هو قوله‌: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً. [4]

 أمّا عن‌ طريق‌ الشيعة‌ فقد روي‌ هذا الحديث‌ بعبارات‌ متعدّدة‌. ففي‌ «روضة‌ الكافي‌» [5] حديث‌ واحد. و في‌ «بحار الانوار» عن‌ «محاسن‌ البرقيّ»، و «رجال‌ الكشّيّ»، و «إكمال‌ الدين‌» للصدوق‌ ستّة‌ أحاديث‌ بهذا المضمون‌: [6] مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً.

 و في‌ «بحار الانوار» أيضاً عن‌ «الكافي‌» [7] عن‌ الإمام‌ الصادق‌، عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ و عن‌ «غيبة‌ النعمانيّ» [8] عن‌ الرسول‌ الاكرم‌، و عن‌ «عيون‌ أخبار الرضا»،[9] فيما كتب‌ الرضا للمأمون‌، ثلاثة‌ أحاديث‌ بهذا المضمون‌: مَنْ مَاتَ وَ هُوَ لاَيَعْرِفُ إمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً.

 و عن‌ «ثواب‌ الاعمال‌» [10] للصدوق‌ حديث‌ واحد بهذا المضمون‌: مَنْ مَاتَ وَ لَيسَ علیهِ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً.

 و عن‌ «المحاسن‌» [11] للبرقيّ حديث‌ واحد بهذا المضمون‌ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ فَمَوْتُهُ مِيتَةٌ جَاهِليَّةٌ. و عنه‌ أيضاً: مَن‌ مَاتَ بِغَيْرِ إمَامِ جَماعَةٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 و عن‌ «الغيبة‌» [12] للنعمانيّ حديث‌ واحد بهذا المضمون‌: مَن‌ بَاتَ لَيْلَةً لاَ يَعْرِفُ فِيها إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً.

 و عن‌ «عيون‌ أخبار الرضا» [13] و «كنز الفوائد» [14] للكراجكيّ، عن‌ الرضا، عن‌ آبائه‌، عن‌ علی‌ٍّ علیه‌ السلام‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌وآله‌ حديثان‌ بهذا المضمون‌: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ مِنْ وُلدِي‌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً وَ يُؤخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ وَ الإسلام.

 و عن‌ كتاب‌ «الغيبة‌» للنعمانيّ [15] أيضاً ثلاثة‌ أحاديث‌: الاوّل‌: عن‌ ابن‌ أبي‌ يعفور، و الثاني‌: عن‌ سماعة‌ بن‌ مهران‌، و الثالث‌: عن‌ حمران‌ بن‌ أعين‌، يقول‌ هؤلاء الثلاثة‌ باختلاف‌ يسير في‌ المضمون‌: قلنا للصادق‌ علیه‌السلام‌: رجل‌ يتولاّكم‌، و يبرأ من‌ عدوّكم‌، و يُحلّل‌ حلالكم‌، و يحرّم‌ حرامكم‌، و يزعم‌ أنّ الامر فيك‌ لم‌ يخرج‌ منكم‌ إلي‌ غيركم‌. إلاّ أنّه‌ يقول‌: إنّهم‌ ] المقصود أبناء السجّاد، و الباقر و أبناء الحسن‌ بشكل‌ عام‌ [ قد اختلفوا فيما بينهم‌ و هم‌ الائمّة‌ القادة‌. و إذا اجتمعوا علی‌ رجل‌ فقالوا: هذا، قلنا: هذا، فقال‌ علیه‌ السلام‌: إنْ مَاتَ علی‌ هَذَا، فَقَد مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 و ينقل‌ أيضاً ثلاث‌ روايات‌ عن‌ كتاب‌ «الاختصاص‌». [16]

 الاُولي‌: عن‌ عمربن‌ يزيد، عن‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ أنّه‌ قال‌: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، إمَامٍ حَيّ يَعْرِفُهُ قُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ أَباكَ يَذْكُرُ هَذَا يَعْنِي‌ إمَاماً حَيّاً، فَقَالَ: قَدْ وَاللهِ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَهِ صَلّي‌ اللهُ علیهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ. قالَ: و قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ اللهُ علیهِ وَ آلِهِ وسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ وَ يُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 الثانية‌: عن‌ محمّد بن‌ علی الحلبيّ أنـّه‌ قالَ: قَالَ أَبو عَبْدِاللهِ علیهِ السَّلامُ: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ علیهِ إمَامٌ حَي‌ٌّ ظَاهِرٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 الثالثة‌: عن‌ أبي‌ الجارود أنـّهُ: قَالَ: سَمِعْتُ أَبا عَبدِاللَهِ علیهِ السَّلامُ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ علیهِ إمَامٌ حَيٌّ ظاهِرٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً: قَالَ: قُلْتُ: إمَامٌ حَي‌ٌّ جُعِلْتُ فِداكَ ؟ قَالَ: إمَامٌ حَيٌّ، إمَامٌ حَيٌّ.

 الرجوع الي الفهرس

حديث‌: مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً

 يقول‌ السيّد علی خان‌ المدنيّ في‌ «شرح‌ الصحيفة‌ السجّاديّة‌»: [17]

 الروايات‌ في‌ هذا الموضوع‌ من‌ طرق‌ الخاصّة‌ أكثر من‌ أن‌ تحصي‌. وأمّا من‌ طريق‌ العامّة‌، [18] فمنها الحديث‌ المشهور المتّفق‌ علی‌ روايته‌: عن‌ النبيّ، و هو قوله‌: مَن‌ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِف‌ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً. وذكره‌ الحاكم‌ في‌ «المستدرك‌» و عدّه‌ صحيحاً عن‌ طريق‌ ابن‌ عمر فقال‌: قال‌ رسول‌ الله‌: مَن‌ مَاتَ وَ لَيْسَ علیهِ إمَامُ جَمَاعَةٍ فَإنَّ مَوْتَهُ مَوْتَةٌ جَاهِليَّةٌ.

 و روي‌ ابن‌ مردويه‌ حديثاً عن‌ علی علیه‌ السلام‌ بسند متّصل‌ أنـّه‌ قال‌: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّي‌ اللَهُ علیهِ و آلِهِ وَ سَلَّمَ في‌ قَولِ اللهِ تَعالي‌: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ» [19] قَالَ: يُدعي‌ كُلُّ قَوْمٍ بِإِمَامِ زَمَانِهِمْ وَ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَ سُنَّةِ نِبِيِّهِمْ.

 و روي‌ ابن‌ عساكر عن‌ خالد بن‌ صفوان‌ بسند متّصل‌ أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: لاَ تَخْلُو الاْرضُ مِن‌ قَائِم‌ لِلهِ بِحُجَّتِهِ فِي‌ عِبَادِهِ. و منها عن‌ طريق‌ العامّة‌ ما قاله‌ العلاّمة‌ الامينيّ: روي‌ هذا الحديث‌ من‌ طريق‌ أبي‌ صالح‌ عن‌ معاوية‌ مرفوعاً: ] و هو مذكور في‌ المسند، للإمام‌ أحمد حنبل‌ ج‌ 4، ص‌94 [: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. [20] ثمّ قال‌: أخرجه‌ الحافظ‌ الهيثميّ في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 5، ص‌ 218، و أبو داود الطيالسيّ في‌ مسنده‌ ص‌ 259 من‌ طريق‌ عبدالله‌ بن‌ عمر، و زاد: ] علیه‌ جملة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ و هي‌ [ وَ مَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ جَاء يَوْمَ القِيَامَةِ لاحُجَّةَ لَهُ.

 و قال‌ أيضاً: و هذا الحديث‌ معتضدٌ بألفاظ‌ أُخري‌ من‌ طرق‌ شتّي‌ منها قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَن‌ مَاتَ وَ لَيْسَ في‌ عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. أخرجه‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌ ج‌ 6، ص‌ 22، و البيهقيّ في‌ سننه‌ ج‌ 8، ص‌ 156، و ابن‌ كثير في‌ تفسيره‌ ج‌ 1، ص‌ 517، و الحافظ‌ الهيثميّ في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 5، ص‌ 218. و استدلّ بهذا اللفظ‌ شاه‌ ولي‌ّ الله‌ في‌ كتاب‌ «إزالة‌ الخفاء» ج‌ 1، ص‌ 3، علی‌ وجوب‌ نصب‌ الخليفة‌ علی‌ المسلمين‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ وجوباً كفائيّاً.

 الثاني‌: و قوله‌: صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ علیهِ طَاعةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. أخرجه‌ أحمد في‌ مسنده‌ ج‌ 3، ص‌ 446، والهيثميّ في‌ «المجمع‌» ج‌ 5، ص‌ 233.

 الثالث‌: و قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَن‌ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. ذكره‌ التفتازانيّ في‌ «شرح‌ المقاصد» ج‌ 2، ص‌ 275، و جعله‌ كقول‌ الله‌ تعالي‌ أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ في‌ المفاد. و بهذا اللفظ‌ ذكره‌ التفتازانيّ أيضاً في‌ «شرح‌ عقائد النسفيّ» الطبوع‌ سنة‌ 1320 هـ. غير أنّ يد الطبع‌ الامينة‌ علی‌ ودائع‌ العلم‌ والدين‌ حَرّفت‌ من‌ الكتاب‌ في‌ طبع‌ سنة‌ 1313 هـ سبع‌ صحائف‌ يوجد فيها هذا الحديث‌.

 و حكاه‌ الشيخ‌ علی‌ القاريّ صاحب‌ «المرقاة‌» في‌ خاتمة‌ «الجواهر المضيئة‌»، ج‌ 2، ص‌ 509. و قال‌ في‌ ص‌ 457: و قوله‌ علیه‌ السلام‌ في‌ صحيح‌ مسلم‌: مَن‌ ماتَ وَ لَمْ يَعْرِف‌ إمَامَ زَمانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، معناه‌: من‌ لم‌ يعرف‌ إماماً يجب‌ علیه‌ الاقتداء و الاهتداء به‌ في‌ أوانه‌.

 الرابع‌: و قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَن‌ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ [21] فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً. أخرجه‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌ ج‌6، ص‌21، و البيهقيّ في‌ سُننه‌ ج‌ 8، ص‌ 156. و ذكر في‌ «تَيسير الوصول‌» في‌ الجزء الثالث‌، ص‌ 39، نقلاً عن‌ الصحيحين‌ للشيخين‌ من‌ طريق‌ أبي‌هريرة‌.

 الخامس‌: و قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَن‌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ [22] شِبراً فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. أخرجه‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌ ج‌ 6، ص‌ 21.

 السادس‌: قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَنْ مَاتَ وَ لاَ إمَامَ لَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. ذكره‌ أبو جعفر الإسكافيّ في‌ «خلاصة‌ نقض‌ كتاب‌ العثمانيّة‌» للجاحظ‌ ص‌ 29. و ذكره‌ الهيثميّ في‌ «المجمع‌» ج‌ 5، ص‌ 224 و 225 بلفظ‌: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ علیهِ إمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيةٌ ؛ و بلفظ‌: مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ علیهِ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 السابع‌: و قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لإمام جَمَاعَةٍ علیهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً. أخرجه‌ الحافظ‌ الهيثميّ في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 5، ص‌ 219.

 الثامن‌: و قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: مَن‌ أَتَاهُ مِنْ أَمِيرهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإنَّ مَنْ خَالَفَ الْمُسلِمِينَ قَيْدَ شِبْرٍ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَة‌ الجَاهِلِيَّةِ.

 ] جاء هذا الحديث‌ في‌ [ «شرح‌ السير الكبير» ج‌ 1، ص‌ 113. [23]

 نعم‌ فهذه‌ مجموعة‌ من‌ الاحاديث‌ التي‌ وردت‌ بهذا السياق‌ صرّحت‌ بحكم‌ رسول‌ الله‌ بأنّ من‌ لم‌ يعرف‌ إمام‌ زمانه‌ و مات‌، فإنـّه‌ مات‌ ميتة‌ أهل‌ الجاهليّة‌. و لا مجال‌ للنقاش‌ في‌ سندها ؛ لانـّها بلغت‌ حدّ الاستفاضة‌، بل‌ حدّ التواتر من‌ حيث‌ الكثرة‌ مضافاً إلي‌ أنّ سند أكثرها سند صحيح‌، بحيث‌ إنّ بعض‌ الكبار اعتبر هذه‌ الاحاديث‌ في‌ عداد الاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌، التي‌ بلغت‌ حدّ التواتر المعنويّ مثل‌ حديث‌: مَنْ كُنتُ مَولاَهُ فَعلی‌ٌّ مَوْلاَهُ، فقد نقلوا أنّ هذا الحديث‌ مأثور عن‌ رسول‌ الله‌ بالتواتر المعنويّ، وذهب‌ الكثيرون‌ إلي‌ تواتره‌ اللفظيّ.

 الرجوع الي الفهرس

حديث‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ حول‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر

 و روي‌ المرحوم‌ المولي‌ فتح‌ الله‌ الكاشانيّ في‌ تفسيره‌، [24] في‌ ذيل‌ الآية‌ الكريمة:

 وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ فِي‌ الاْرْضِ. [25] عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ أنـّه‌ قال‌: لمّا أنزل‌ الله‌ عزّوجلّ علی‌ نبيّه‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُوْلِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ، [26] قلتُ: يا رسول‌ الله‌، عرفنا الله‌ و رسوله‌، فمن‌ أُولو الامر الذين‌ قرن‌ الله‌ طاعتهم‌ بطاعتك‌ ؟ فقال‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: هُمْ خُلَفَائِي‌ يَا جَابِرُ وَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي‌، أَوَّلُهُمْ علی‌ُّ بْنُ أبِي‌ طَالِبٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُسَينُ، ثُمَّ علی بنُ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ علی الْمَعْرُوفُ فِي‌ التَّوراةِ بِالْبَاقِرِ، وَ سَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ، فَإذَا لَقِيتَهُ فَاقْرَأهُ مِنِّي‌ السَّلامَ، ثُمَّ الصّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ مُوسَي‌ بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ علی بْنُ مُوسَي‌، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ علی‌ٍّ، ثُمَّ علی‌ُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ علی‌ٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ علی‌ٍّ سَمِيِّي‌ وَ كَنِيِّي‌ حُجَّةُ اللَهِ فِي‌ أَرْضِهِ وَ بَقِيَّةُ اللَهِ [27] في‌ بِلادِهِ، ذَلِكَ الَّذِي‌ يَفْتَحُ اللَهُ تَعالي‌ ذِكْرُهُ علی‌ يَدِهِ مَشارِقَ الاْرْضِ وَمَغَارِبَهَا، ذَلك‌ الَّذي‌ يَغيبُ عَن‌ شِيعَتِهِ وَ أَولِيائهِ غَيْبَةً لاَ يَثبُتُ فِيهَا علی‌ الْقَولِ بِإمَامَتِهِ إلاّ مَنِ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ.

 قال‌ جابر: فقلتُ له‌ يا رسول‌ الله‌، فهل‌ يقع‌ لشيعته‌ الانتفاع‌ به‌ في‌ غيبته‌ ؟ فقال‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: إِي‌ وَالَّذِي‌ بَعَثَنِي‌ بِالنُّبُوَّةِ إنـّهم‌ يَستَضِيئؤنَ بنوره‌، و ينتفعون‌ بولايته‌ في‌ غيبته‌ كانتفاع‌ النّاسِ بالشمس‌ وإن‌ تجلاّها سحاب‌. ثمّ قال‌: يَا جَابِرُ، هَذَا مِن‌ مَكْنُونِ سِرِّ اللَهِ وَ مَخْزُونِ عِلْمِ اللَهِ، فَاكْتُمْهُ اِءلاَّ عَن‌ أَهْلِهِ.

 قال‌ جابر: فمرّت‌ مدّة‌ مديدة‌ كنت‌ أنتظر فيها هذا الوعد حتّي‌ ذهبت‌ يوماً إلي‌ الإمام‌ زين‌ العابدين‌ علی بن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ و بينما كان‌ يحدّثني‌، إذ خرج‌ محمّد بن‌ علی‌ من‌ حجرة‌ النساء، و علی‌ رأسه‌ ضفيرتان‌، وعندما حدّقت‌ فيه‌، ارتجفت‌ جوانحي‌ و وقف‌ شعري‌ ؛ لانـّي‌ شاهدتُ فيه‌ جميع‌ العلائم‌ التي‌ ذكرها رسول‌ الله‌. فقلتُ: يَا غُلامُ، أَقْبِل‌، فأقبل‌، فقلتُ: أدْبِرْ، فأَدبرْ. قلتُ: شَمائِلُ رَسُولِ اللهِ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قلتُ: ما اسمك‌ ؟ قال‌: محمّد، قلتُ: من‌ أبوك‌ ؟ قال‌: زين‌ العابدين‌ علی بن‌ الحسين‌. قلتُ: أنت‌ الباقر ؟ قال‌: بلي‌ يا جابر، أخبرني‌ ما قال‌ رسول‌ الله‌. قلتُ: بشّرني‌ رسولُ الله‌ بأنـّي‌ سأعيش‌ حتّي‌ أدرك‌ الباقر من‌ ولده‌، و إذا أدركته‌ أُبلّغه‌ سلام‌ رسول‌ الله‌. فيا محمّد بن‌ علی، اعلم‌ أنّ رسول‌ الله‌ يبلّغك‌ السلام‌. فقال‌: علی‌ رَسُولِ اللهِ السَّلامُ مَادَامَتِ السَّماواتُ وَالاْرْضُ، وَ علیكَ يَا جَابِرُ، كَما بَلَّغْتَ السَّلام‌.

 قال‌ جابر: فكنت‌ أتردّد علیه‌ و أسأله‌ عن‌ بعض‌ المسائل‌، فسألني‌ يوماً، فقلتُ: لاَ وَاللهِ، لاَ دَخَلْتُ في‌ نَهي‌ رَسُولِ اللهِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُمْ الاْئمَّةُ الهُدَاةُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَحْلَمُهُمْ صِغاراً وَ أَعْلَمُهُمُ كِبَاراً، لاَتُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنكُمْ. فَقال‌: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ إِنِّي‌ أَعْلَمُ مِنكَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَ لَقَدْ أُوتِيتُ الْحُكْمَ صَبِيّاً، كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَهِ علینا وَ رَحْمَتِهِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ. [28]

 يقول‌ المرحوم‌ الشعرانيّ في‌ الهامش‌: كان‌ جابر في‌ ذلك‌ الوقت‌ لم‌ يفقد بصره‌ بعدُ و ما قاله‌ البعض‌ من‌ أنـّه‌ كان‌ مكفوف‌ البصر عندما ذهب‌ لزيارة‌ قبر سيّد الشهداء سنة‌ 61 هـ لا نصيب‌ له‌ من‌ الصحّة‌، لكنّه‌ فقد البصر في‌ آخر عمره‌. و كان‌ عمره‌ عند وفاته‌ 94 سنة‌، و توفّي‌ سنة‌ 77 هـ علی‌ ما ذكره‌ المؤرّخون‌. و كان‌ عمر الإمام‌ الباقر علیه‌ السلام‌ عشرين‌ سنة‌ آنذاك‌. و جاء في‌ بعض‌ كتب‌ العامّة‌ أنّ الإمام‌ الباقر نقل‌ بعض‌ الروايات‌ عن‌ جابر. [29]

 الرجوع الي الفهرس

 الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ يعلمون‌ الغيب‌

 كان‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ يعلمون‌ الغيب‌. [30] و قد اعترف‌ بهذه‌ الحقيقة‌ كثير من‌ كبار أهل‌ السنّة‌ و مشاهيرهم‌. فهذا ابن‌ الاثير الجزريّ يقول‌ بسلسلة‌ إسناده‌ عن‌ عثمان‌ بن‌ صُهيب‌، عن‌ أبيه‌، أنـّه‌ قال‌:

 قَالَ علی: قَالَ لِي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلّي‌ اللَهُ علیهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: مَن‌ أَشقَي‌ الاْوَّلينَ ؟ قُلْتُ: عَاقِرُ النّاقَةِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَمَنْ أَشْقَي‌ الآخِرينَ ؟ قُلتُ: لاَ عِلمَ لِي‌ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: الَّذِي‌ يَضْرِبُكَ علی‌ هَذَا ـ وَ أَشارَ بِيَدِهِ إلَي‌ يَافُوخِهِ ـ وَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ فَخَضَبَ هَذِهِ مِن‌ هَذِهِ، يَعْنِي‌ ؛ لِحْيَتَهُ مِن‌ دَمِ رَأسِهِ. [31] ثمّ يقول‌ ابن‌الاثير: إِنَّ علیاً جَمَعَ النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلْجَمٍ الْمُرادِي‌ُّ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا ؟! فَوَاللهِ، لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:

 اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَو   تِ فَإِنَّ الْمَوتَ لاَقِيكَ

 وَ لاَ تَجَزَعْ مِنَ الْقَتـ    لِ إذَا حَلَّ بِوَادِيكَ [32]

 ثمّ يقول‌: قال‌ عثمان‌ بن‌ المُغيرة‌: لَمّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ جَعَلَ علی‌ٌّ يَتَعشّي‌ لَيْلَةً عِندَ الْحَسَنِ، وَ لَيْلَةً عِندَ الْحُسَيْنِ، وَ لَيْلَةً عِندَ عَبدِاللهِ بنِ جَعْفَرٍ لاَيَزِيدُ علی‌ ثَلاَثِ لُقَمٍ، وَ يَقُولُ: يَأتِي‌ أَمْرُ اللَهِ وَ أَنَا خَمِيصٌ، وَ إِنَّمَا هِيَ لَيْلَةٌ أَولَيْلتَانِ. [33]

 ثمّ يقول‌: خَرَجَ علی لِصَلاَةِ الْفَجْرِ فَاسْتَقبَلَهُ الإوَزُّ يَصِحنَ فِي‌ وَجْهِهِ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نطرُدُهُنَّ عَنْهُ، فَقَالَ: دَعُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوائِحٌ، وَ خَرَجَ فَأُصيبُ. وَ هَذَا يَدُلُّ علی‌ أَنَّهُ عَلِمَ السَّنَةَ وَالشَّهْرَ وَالَّليلَةَ الَّتِي‌ يُقْتَلُ فِيهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. [34]

 و يقول‌ ابن‌ حجر الهيثمي‌: فَلَمّا كَانَتِ الَّليلَةُ الَّتِي‌ قُتِلَ فِي‌ صَبِيحَتِهَا أَكْثَرَ الْخُرُوجَ وَالنَّظَرَ إِلي‌ السَّمآءِ، وَ جَعَلَ يَقُولُ: وَاللَهِ ؛ مَاكَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ وَ إِنَّهَا الَّليْلَةُ الَّتِي‌ وُعِدْتُ. [35]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´ية‌ 43، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[2] ـ وفقاً لهذا الفرض‌ فإنّ الترديد واقع‌ بين‌ المجتهد المطلق‌ و المجتهد المتجزّي‌ لابين‌ الاعلم‌ و العالم‌ القائمة‌ له‌ الحجّة‌ الشرعيّة‌ في‌ عامّة‌ الاحكام‌، و إلاّ فإنّه‌ يجب‌ علي‌ المجتهد العالم‌ نفسه‌ أن‌ يرجع‌ إلی‌ المجتهد الاعلم‌، و هذا الامر مخالف‌ للبناء القطعيّ للعقلاء. مثلاً لم‌ يحدث‌ في‌ أيّ مدينة‌ أن‌ يرجع‌ المرضي‌ أو الاطبّاء أنفسهم‌ إلی‌ أعلم‌ الاطبّاء في‌ المدينة‌. و كذلك‌ في‌ سائر الصناعات‌ و الحرف‌، لم‌ يرجع‌ أحد إلی‌ أعلي‌ أستاذ فيها، وحتّي‌ لو رجع‌، فإنّه‌ يرجع‌ علي‌ سبيل‌ الارجحيّة‌ لاعلي‌ سبيل‌ التعيّن‌ و اللزوم‌. و كذلك‌ ï ïالمناط‌ في‌ الا´ية‌ الكريمة‌ هو العلم‌ و الجهل‌ لا الاعلميّة‌ و العالِميّة‌، أو الاعلميّة‌ و الجاهليّة‌. (هذه‌ التعليقة‌ من‌ إفادات‌ الاُستاذ الكريم‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌.)

[3] ـ «بحار الانوار» طبع‌ الكمباني‌، ج‌ 12، ص‌ 124.

[4] ـ يقول‌ السيّد علي‌ خان‌ المدنيّ في‌ شرح‌ الدعاء السابع‌ و الاربعين‌ من‌ «رياض‌ السالكين‌» ص‌ 501: فَمِنْهُ الحَديثُ المَشْهُورُ المُتَّفَق‌ عَلَی‌ رِوايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ و آلِهِ: مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً.

[5] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 146.

[6] ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 16 إلی‌ ص‌ 20.

[7] ـ «بحار الانوار» ج‌ 10، كتاب‌ الإيمان‌، ص‌ 195.

[8]. ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 16 إلی‌ ص‌ 20

[9] ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 16 إلی‌ ص‌ 20

[10] ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 18.

[11] ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 17.

[12] «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 17.

[13] ـ «بحار الانوار»، ص‌ 20.

[14] «بحار الانوار»، ص‌ 20.

[15] ـ «بحار الانوار» طبع‌ الكمباني‌، ج‌ 7، ص‌ 17.

[16] ـ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 20.

[17] ـ «تلخيص‌ الرياض‌» ج‌ 3، ص‌ 242.

[18] ـ «تلخيص‌ الرياض‌» ج‌ 3، ص‌ 241.

[19] ـ الا´ية‌ 71، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[20] ـ «الغدير» ج‌ 10، ص‌ 358.

[21] ـ قال‌ المرحوم‌ الصدوق‌: الجَمَاعَةُ أهْلُ الْحَقِّ وَ إنْ قَلُّوا، وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ï ï صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ أنـّه‌ قَالَ: الْمُؤمِنُ وَحْدَهُ حُجَّةُ وَالْمُؤمِنُ وَحْدَهُ جَمَاعَةٌ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 2.

[22] ـ نفسه‌.

[23] ـ «الغدير» ج‌ 10، ص‌ 359 و ص‌ 360.

[24] ـ روي‌ المرحوم‌ السيّد هاشم‌ البحرانيّ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ في‌ «تفسير البرهان‌» في‌ ذيل‌ الا´ية‌: «أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولُ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ» ج‌ 1، ص‌ 234، و ص‌ 235، وفي‌ كتاب‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 265 و ص‌ 266 عن‌ ابن‌ بابويه‌ القمّيّ بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌ حتّي‌ قوله‌ عليه‌ السلام‌: فَاكْتُمُهُ إلاَّ عَنْ أَهْلِهِ. و نقلها العلاّمة‌ الطباطبائيّ في‌ «الميزان‌» ج‌ 4، ص‌ 435 و ص‌ 436 عن‌ «تفسير البرهان‌».

[25] ـ الا´ية‌ 55، من‌ السورة‌ 24: النور.

[26] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[27] ـ بقيّة‌ الله‌ هو الذي‌ ظهرت‌ فيه‌ جميع‌ الاسماء و الصفات‌ الإلهيّة‌ التي‌ لم‌ يتحقّق‌ ظهورها الخارجيّ إلی‌ الا´ن‌. و هو بقيّة‌ ظهورات‌ الانبياء و الائمّة‌، و هو الذي‌ تعلّقت‌ إرادة‌ الله‌ ببقائه‌.

[28] ـ «تفسير منهج‌ الصادقين‌» ج‌ 6، ص‌ 338.

[29] ـ نفس‌ المصدر السابق‌ (الهامش‌) ولكن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ نقل‌ أيضاً عن‌ جابر عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ كالحديث‌ المنقول‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 327 الحديث‌ الثالث‌.

[30] ـ ورد كلام‌ للإمام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» حول‌ علم‌ الغيب‌ مثل‌ قوله‌: إِنَّكَ تَري‌ ما أرَي‌ و... و... لوْ شِئتُ لاَخْبَرتُ كُلَّ واحِدٍ مِنكُمْ... وَلَكِنْ أَخَافُ أَن‌ تَكْفُروا فِيَّ بِرَسُولِ اللهِ.

[31] ـ «اُسد الغابة‌» ج‌ 4، ص‌ 35.

[32] «اُسد الغابة‌» ج‌ 4، ص‌ 35.

[33] ـ «أُسد الغابة‌» ج‌ 4، ص‌ 36، و وردت‌ بعض‌ العبارات‌ المذكورة‌ أيضاً في‌ مكانين‌ من‌ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 80.

[34] نفس المصدر.

[35] ـ «الصواعق‌ المحرقة‌»، ص‌ 80.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com