بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام/ المجلد الثالث/ القسم الرابع : شیعه هم الفائزون، تفسیر الآیه(خیر البریة)، شیعة أمیرالمومنین، مستضعفین من...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الرابع‌ و الثلاثون‌ و الخامس‌ و الثلاثون‌:
 
تفسير الآية إِنّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ'´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و آله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ّ العظيم‌

شيعة‌ علی علیه‌ السلام‌ هم‌ الفائزون‌

قَالَ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبّـِهِمْ جَنَّـ'تُ عَدْنٍ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذَ ' لِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ[1].

 نزلت‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ بحقّ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌السلام‌ و شيعته‌. و الاحاديث‌ المأثورة‌ بشأن‌ نزول‌ هذه‌ الآية‌ في‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ و شيعته‌ تفوق‌ الإحصاء. و قد دوّنها العلماء الكبار من‌ الشيعة‌ والسنّة‌ في‌ كتبهم‌، و ذكرها المفسّرون‌ منهما في‌ تفاسيرهم‌ في‌ ذيل‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌. ففي‌ كتاب‌ «غاية‌ المرام‌» أحد عشر حديثاً عن‌ طريق‌ العامّة‌، وسبعة‌ أحاديث‌ عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ بمضامين‌ مختلفة‌، كلّها تتحدّث‌ عن‌ شأن‌ نزول‌ هذه‌ الآية‌ بحقّ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ و شيعته‌، رواها مؤلّف‌ الكتاب‌ المذكور بإسناده‌ المتّصل‌. [2]فقد نقل‌ عن‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ كتاب «الامالي‌» [3]، و عن‌ صاحب‌ كتاب‌ «الاربعين‌» [4] بإسناده‌ عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ أنـّه‌ قالَ: كُنَّا عِندَ النَّبِي‌ِّ فَأقْبَلَ علی بنُ أَبِي‌ طالِبٍ، فَقَالَ النَّبِي‌ُّ: قَدْ أَتَاكُمْ أَخِي‌، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَي‌ الْكَعْبَةِ فَضَرَبَهَا بِيَدِهِ فَقَالَ: وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ إِنَّ هَذَا وَ شِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ أَوَّلُكُمْ إِيمَاناً مَعِي‌، وَ أَوْفَاكُمْ بِعَهْدِ اللهِ، وَ أَقْوَمُكُمْ بأَمْرِاللِهِ، وَ أَعْدَلُكُمْ فِي‌ الرَّعِيَّةِ وَ أَقْسَمُكُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَ أَعْظَمُكُمْ عِنْدَ اللهِ مَزيَّةً، قَالَ: وَ نَزَلَتْ: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ». قَالَ: وَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ إِذَا أَقْبَلَ علی علیهِ السَّلامُ قَالُوا: جَاءَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.[5]

 و عن‌ طريق‌ محمّد بن‌ العبّاس‌، عن‌ جعفر بن‌ محمّد الحسينيّ ] أوصل‌ المرحوم‌ السيّد البحرانيّ هذا الحديث‌ إلي‌ أبي‌ رافع‌ و قال‌ احتجّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بهذا الحديث‌ نفسه‌ علی‌ الشوري‌ التي‌ شكّلها عمر [ أنـّه‌ علیه‌ السلام‌ قال‌ لاهل‌ الشوري‌: أنشدكم‌ بالله‌، هل‌ تعلمون‌ يوم‌ أتيتكم‌ و أنتم‌ جلوس‌ مع‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ فقال‌: هذا أخي قد أتاكم‌ ثمّ التفت‌ إلي‌ الكعبة‌ و قال‌ و ربّ الكعبة‌ المبنيّة‌، إنّ هذا و شيعته‌ هم‌ الفائزون‌ يوم‌ القيامة‌، ثمّ أقبل‌ علیكم‌ أما انـّه‌ أوّلهم‌ إيمانا و أقومكم‌ بامرالله‌ و أوفاكم‌ بعهدالله‌ و أقضاكم‌ بحكم‌ الله‌، و أعدلكم‌ في‌ الرّعيّة‌ وأقسمكم‌ بالسويّة‌، و أعظمكم‌ عند الله‌ مزيّة‌. فأنزل‌ الله‌ سبحانه‌: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فكبّر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ و كبّرتم‌ و هنا باجمعكم‌. فهل‌ تعلمون‌ أنّ ذلك‌ كذلك‌ ؟ قالوا اللهم‌ نَعَم‌. [6]

 الرجوع الي الفهرس

أحاديث‌ أهل‌ السنّة‌ في‌ تفسير الآية‌ «خَيرُ البَرِيَّةِ» بأمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 و ذكر هذا الحديث‌ بعينه‌ كلّ من‌: الإمام‌ الخوارزميّ (موّفق‌ بن‌ أحمد) في‌ «المناقب‌» الفصل‌ التاسع‌، ص‌ 62 ؛ و الحموينيّ في‌ «فرائد السمطين‌». و رواه‌ السيّد البحرانيّ عن‌ طريق‌ العامّة‌، عن‌ الاعمش‌، عن‌ عطيّة‌، عن‌ الخُدريّ، و كذلك‌ عن‌ صاحب‌ كتاب‌ «الاربعين‌» في‌ الحديث‌ الثامن‌ و العشرين‌ من‌ بين‌ الاحاديث‌ البالغ‌ عددها أربعين‌ حديثاً في‌ ذلك‌ الكتاب‌، و رواه‌ أيضاً عن‌ الخطيب‌ الخوارزميّ بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌، عن‌ جابربن‌ عبدالله‌ الانصاريّ. [7]

 و روي‌ السيوطيّ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ أربعة‌ أحاديث‌ عن‌ رسول‌ الله‌ بشأن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ و شيعته‌، و قال‌ قبل‌ ذلك‌: وَأَخْرَجَ ابْنُمَرْدُوَيْه‌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَِنْ أَكْرَمُ الْخَلْقِ علی‌ اللهِ ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ ؛ أَما تَقْرَئينَ: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» ؟ فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْبَلَ علی‌ٌّ قَالُوا: جَاءَ خَيْرُ الْبَرِيَةِ.[8]

 هذا الحديث‌ الذي‌ ذكره‌ ابن‌ عساكر، و هو من‌ مشاهير و أعيان‌ علماء العامّة‌، يشبه‌ الحديث‌ الذي‌ نقلناه‌ الآن‌ عن‌ «أمالي‌» الشيخ‌ الطوسيّ وكتاب‌ «الاربعين‌»، و «مناقب‌» الخوارزميّ، و «فرائد السمطين‌» في‌ المتن‌ و العبارة‌، و هذا هو الذي‌ احتجّ به‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ اجتماع‌ الشوري‌.

 و أمّا الحديث‌ الثاني‌: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِي‌ٍّ وَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي‌ سَعِيدٍ مَرْفُوعاً:علیخَيْرُالْبَرِيَّةِ.

 وَ أَمّا الحديث‌ الثالث‌: وَ أَخْرَجَ ابْنُ عَدِي‌ٍّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ لِعلی: هُوَ أَنْتَ وَ شَيعَتُكَ يَوْمَ القِيَامَةِ راضِينَ مَرْضِيِّينَ. [9]

 وَ أَمّا الحديث‌ الرابع‌: وَ أَخْرَجَ ابْنُ مِرْدَوَيْه‌ عَنْ علی قَالَ: قَالَ لِي‌ رَسُولُاللهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ: «إِنَّ الَّذِّينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لحِـ'تِ أُولَـ ' ´نءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» ؟ أَنْتَ وَ شِيعَتُكَ، وَ مَوْعِدي‌ وَ مَوْعِدُكُمْ الْحَوضُ إذَا جِئتُ الاُمَمَ لِلْحِسَابِ تُدعَونَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ. [10]

 و نقل‌ الخوارزميّ في‌ الفصل‌ السابع‌ عشر من‌ «المناقب‌» هذا الحديث‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ أنـّه‌ قال‌: حَدَّثَنِي‌ رَسُولُ اللهِ وَ أَنَا مُسَنِّدُهُ إِلَي‌ ظَهْرِي‌ فَقَالَ: أَي‌ علی‌ُّ، أَلَمْ تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ[11] إلي‌ آخر الحديث‌، و لكنّه‌ ذكر في‌ ذيله‌ لفظ‌: جَاءَتِ الاُمَمُ لِلْحِسَابِ، كما أنّ المرحوم‌ كاشف‌ الغطاء عندما نقل‌ هذا الحديث‌ عن‌ السيوطيّ في‌ كتابه‌ «أصل‌ الشيعة‌ و أُصولها» ذكر لفظ‌: «جَاءَتِ الاُمَمُ لِلْحِسَابِ». [12]

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌ «إِنَّ علیاً و شيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزون‌» في‌ مدارك‌ أهل‌ السنّة‌

و كذلك‌ نقله‌ العلاّمة‌ الخبير نجم‌ الدين‌ العسكريّ في‌استدراكات‌ كتاب‌ «علی‌ّ و الوصيّة‌» ص‌ 382 عن‌ «تاريخ‌ ابن‌ عساكر» المخطوط وقال‌: و فيه‌ أيضاً (أي‌ في‌ الورقة‌ السادسة‌ و التسعين‌ من‌ الكتاب‌) أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: إِنَّ علیاً وَ شيعَتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ.

 و جاءَ أيضاً في‌ الحديث‌ التاسع‌ و الثمانين‌ ص‌ 229 ضمن‌ حديث‌ مفصّل‌ ينقله‌ عن‌ الخوارزميّ في‌ «المناقب‌» أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: قُومي‌، يَا فَاطِمَةُ ؛ إِنَّ علیاً وَ شَيعَتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ غَداً.

 و نقل‌ أيضاً في‌ الصفحة‌ 387 من‌ الورقة‌ السادسة‌ و الثمانين‌ لتاريخ‌ ابن‌ عساكر المخطوط‌ أنّ أبا القاسم‌ السمرقنديّ نقل‌ عن‌ محمّد بن‌ علی‌ أنـّه‌ قالَ: سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوجَ النَّبِيِّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ علی فَقَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ علیاً وَ شَيعتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ يَومَ القِيَامَةِ».

 و روي‌ كذلك‌ في‌ الصفحة‌ 387 من‌ الورقة‌ الخامسة‌ و الثمانين‌ لتاريخ‌ ابن‌ عساكر، عن‌ أبي‌ العلإ صاعد بن‌ أبي‌ الفضل‌ بن‌ أبي‌ عثمان‌ الماليقيّ أنـّه‌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَا علی ؛ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ خَرَجَ قَوْمٌ مِن‌ قُبُورِهِمْ لِبَاسُهُمُ النُّوِرُ علی‌ نَجائِبَ مِن‌ نُورٍ، أَزِمَّتُهَا يَواقيتُ حُمْرٌ تَزِفُّهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَي‌ المَحْشَرِ، فَقَالَ علی: تَبَارَكَ اللهُ مَا أَكْرَمَ هَؤلاءِ علی‌ اللهِ ! قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا علی‌ُّ ؛ هُمْ أَهْلُ وِلاَيَتِكَ وَ شَيعَتُكَ وَ محِبُّوكَ يُحِبُّونَكَ بِحُبِّي‌ وَ يُحِبُّونِي‌ بِحُبِّ اللهِ، هُمُ الفَائِزُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

 و روي‌ الحموينيّ أيضاً في‌ «فرائد السمطين‌»، و السيّد البحرانيّ عن‌ موفّق‌ بن‌ أحمد الخوارزميّ بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ أَنَّهُ قَالَ: يَا علی ؛ إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ وِلاهْلِكَ وَلِشِيعَتِكَ وَ مُحِبِّي‌ شِيعَتِكَ وَ مُحِبِّي‌ مُحِبِّي‌ شِيعَتِكَ، فَأبشِرْ فَإِنَّكَ الاْنْزَعُ الْبَطينُ، مَنْزُوعٌ مِنَ الْشِّركِ، بَطِينٌّ مِنَ العِلْمِ. [13]

 و روي‌ الشيخ‌ سليمان‌ القندوزيّ عن‌ الديلميّ، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌، أنـّه‌ قال‌: شِيعَةُ علی هُمُ الفَائِزُونَ. [14]و روي‌ عن‌ الديلميّ أيضاً أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: يَا علی ؛ أَنْتَ وَ شَيعَتُكَ تَردُونَ علی‌َّ الْحَوضَ وِرْداً. [15]

 و كذلك‌ روي‌ الخوارزميّ في‌ «المناقب‌» الفصل‌ التاسع‌ عشر ص‌228، بإسناده‌ عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أنـّه‌ قال‌: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يُنَادُونَ علی بنَ أَبِي‌ طَالِبٍ بِسَبْعَةِ أَسْمَاءٍ: يَا صِدِّيقُ، يَا دَالُّ، يَا عَابِدُ، يَا هَادِي‌، يَا مَهْدِي‌، يَا فَتَي‌، يَا علی‌ُّ، مُرَّ أَنْتَ وَشيعَتُكَ إِلَي‌ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

 و روي‌ الخوارزميّ أيضاً في‌ هذا الفصل‌ عن‌ ناصر الحقّ بسنده‌ عن‌ رسول‌الله‌ أنـّه‌ قالَ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي‌ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ علی: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ: هُمْ شِيعَتُكَ يَا علی، وَ أَنْتَ إمَامُهُمْ.[16]

 و روي‌ الحافظ‌ أبوبكر أحمد بن‌ علی‌ّ الخطيب‌ البغداديّ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الشعبيّ، عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، أنـّه‌ قالَ: قالَ رَسُولُاللهِ صَلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌: أَنتَ وَ شَيعَتُكَ في‌ الْجَنَّةِ [17]

 و نقل‌ العلاّمة‌ الامينيّ أحاديث‌ حول‌ شيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2، ص‌ 51، قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌: إِذَاكَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ دُعِيَ النَّاسُ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ إِلاّ هَذَا(يعني‌ علیاً) وَ شِيعَتُهُ فَإِنَّهُمْ يُدْعَونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبائِهِمْ لِصِحَّةِ وِلاَدَتِهِم‌.

 و عن‌ «نهاية‌ ابن‌ الاثير» ج‌ 3، ص‌ 276 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: إِنَّكَ سَتَقْدَمُ علی‌ اللهِ أَنْتَ وَ شِيعَتُك‌ رَاضِينَ مَرضِيِّينَ.

 و عن‌ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 96، و ص‌ 129، و ص‌ 140 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ لِعلی‌ّ: يَا علی ؛ إِنَّ اللَهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ وَ لِذَنْبِكَ وَلِوُلْدِكَ وَ لاِهْلِكَ وَ شِيعَتِكَ وَ لِمُحِبِّي‌ شِيعَتِكَ.

 و عن‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 131، و «كفاية‌ الطالب‌» ص‌ 135 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌: أنتَّ أَوَّلُ دَاخِلٍ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي‌، وَ إِنَّ شيعَتَكَ علی‌ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ مَسْرُورُونَ مُبْيَضّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلِي‌، أَشْفَعُ لَهُمْ فَيَكُونُونَ غَداً فِي‌ الْجَنَّةِ جِيْرَانِي‌.

 و عن‌ الحاكم‌ في‌ «المستدرك‌» ج‌ 3، ص‌ 160، و عن‌ ابن‌ عساكر في‌ تاريخه‌ ج‌ 4، ص‌ 318، و عن‌ محبّ الدين‌ الطبريّ في‌ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌2، ص‌ 253، و عن‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكيّ في‌ «الفصول‌ المهمّة‌» ص‌ 11 وعن‌ الصفوريّ في‌ «نزهة‌ المجالس‌» ج‌ 2، ص‌ 222 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ أَنَا الشَّجَرَةُ، وَ فَاطِمةُ فَرْعُهَا، وَ علی لِقَاحُهَا، والْحَسَنُ وَالْحُسيَنُّ ثَمَرَتُهَا، وَ شِيعَتُنَا وَرَقُهَا، وَ أصْلُ الشَّجَرَةِ فِي‌ جَنَّةِ عَدْنٍ وَ سَائِرُ ذَلِكَ فِي‌ سَائِرِ الْجَنَّةِ.

 و عن‌ الطبرانيّ، عن‌ أبي‌ رافع‌، و ابن‌ عساكر في‌ تاريخه‌ ج‌ 4 ص‌38، عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ و عن‌ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌96 و «تذكرة‌» سبط‌ بن‌ الجوزيّ ص‌ 31، و «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 131 و «كنوز الحقائق‌» للمناويّ في‌ حاشية‌ «الجامع‌ الصغير» ج‌ 2، ص‌ 16 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌: يَا علی ؛ إِنَّ أَوَّلَ أَربَعَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَنَا وَ أَنْتَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَ ذَرارِينَا خَلْفَ ظُهُورِنَا، وَ أَزواجُنَا [18]خَلْفَ ذَرارِينَا، وَشِيعَتُنَا عَنْ أَيْمَانِنا وَ عَنْ شَمائِلِنَا.

 و عن‌ الهيثميّ في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 172، قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ في‌ خطبة‌ له‌: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَبْغَضَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ حَشَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ يَهودِيّاً. فَقَالَ جَابِرُبنُ عَبْدِاللهِ: يَا رَسُولَ اللهِ ؛ وَ إِنْ صَامَ وَ إن‌ صَلّي‌ ؟ قَالَ: وَ إِن‌ صَامَ وَ إِن‌ صَلّي‌ وَ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، احْتَجَزَ بِذَلِكَ مِن‌ سَفْكِ دَمِهِ وَ أَن‌ يُؤدِّي‌ الْجِزيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُونَ.

 و عن‌ الخطيب‌ البغداديّ في‌ «تاريخ‌ بغداد» ج‌ 2 7 ص‌ 146 قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌: شَفَاعَتِي‌ لاِمَّتِي‌ مَنْ اَحَبَّ أَهْلَ بَيْتِي‌ وَ هُمْ شِيعَتِي‌. [19]

 و ذكر الخوارزميّ في‌ الفصل‌ الثالث‌ عشر من‌ «المناقب‌» بسنده‌ المتّصل‌ كلام‌ رسول‌ الله‌ بشأن‌ أميرالمؤمنين‌ يوم‌ خيبر، إلي‌ أن‌ وصل‌ إلي‌ قوله‌: وَ إِنَّكَ أَوَّلُ دَاخِلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي‌ وَ شِيعَتُكَ علی‌ مَنَابِرٍ مِنْ نُورٍ رِواءً مَرْوِيِّينَ [20]مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي‌، أَشْفَعُ لَهُمْ فَيَكُونُونَ غَداً فِي‌ الْجَنَّةِ جِيْرَانِي‌ [21]

 الرجوع الي الفهرس

أحاديث‌ أهل‌ السنّة‌ حول‌ شيعة‌ أمير المؤمنين‌

و ذكر السيّد البحرانيّ أيضاً خمسة‌ و تسعين‌ حديثاً عن‌ طريق‌ العامّة‌ و ثمانية‌ و أربعين‌ حديثاً عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ حول‌ فضيلة‌ أصحاب‌ علی‌ّ وشيعته‌ و مواليه‌ و موالي‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌. [22]و نقل‌ في‌ تفسير الآية‌ المباركة‌: «لاَ يَسْتَوي‌ أَصْحَـ'بُ النَّارِ وَ أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ»[23] حديثاً عن‌ طريق‌ الخوارزميّ موفّق‌ بن‌ أحمد، عن‌ جابربن‌ عبدالله‌ أنـّه‌ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ فَأَقْبَلَ علی بنُ أَبي‌ طَالِبٍ رِضِي‌َ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي‌ نَفسِي‌ بِيَدِهِ ؛ إِنَّ هَذَا وَ شِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ القِيَامَة‌. [24]و ذكر أربعة‌ أحاديث‌ عن‌ طريق‌ الخاصّة‌ تبيّن‌ أنّ المراد من‌ الفائزين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ هم‌ علی‌ علیه‌ السلام‌ وأصحابه‌.[25]

 و من‌ المعلوم‌ ـ طبعاً ـ أنّ هذه‌ الآية‌ تنطبق‌ علی‌ الإمام‌ و شيعته‌ من‌ باب‌ الجَري‌ و التطبيق‌، لامن‌ باب‌ التفسير و شأن‌ النزول‌. و لا منافاة‌ بين‌ نقل‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ هذا الحديث‌ عن‌ رسول‌ الله‌ ضمن‌ شأن‌ نزول‌ الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ البيّنة‌ مرّة‌، و بين‌ نقله‌ هذه‌ الحديث‌ ضمن‌ بيان‌ تطبيق‌ هذه‌ الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ الحشر مرّة‌ أُخري‌.

 و قال‌ ابن‌ الاثير في‌ مادّة‌ «قمع‌»: وَ فِي‌ حَدِيثِ علی‌ٍّ قَالَ لَهُ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «سَتَقْدَمُ علی‌ اللهِ أَنتَ وَ شِيعَتُكَ راضِينَ مَرْضِييِّنَ، وَ يَقْدَمُ علیهِ عَدُوُّكَ غِضاباً مُقْمَحِينَ. ثُمَّ جَمَعَ يَدَهُ إِلَي‌ عُنُقِهِ يُرِيهِمْ كَيْفَ الإقْمَاحُ» الإقْمَاحُ رَفْعُ الرَّاسِ وَ غَضُّ الْبَصَرِ. يُقَالُ: أَقْمَحَهُ الْغُلُّ إِذَا تَرَكَ رَأَسَهُ مَرْفُوعاً مِنْ ضِيقِهِ [26]

 و قال‌ الزمخشريّ في‌ كتاب‌ «ربيع‌ الابرار»: يُرْوَي‌ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا علی ؛ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخَذْتُ بِحُجْزَةِ اللهِ تَعالَي‌ وَ أَخَذْتَ أَنْتَ بِحُجْزَتِي‌ وَ أَخَذَ وُلْدُكَ بِحُجْزَتِكَ وَ أَخَذَ شيعَةُ وُلْدِكَ بِحُجَزِهِمْ فَتَرَي‌ أَينَ يُؤمَرُبِنَا.[27]

 الرجوع الي الفهرس

 اتّباعُ شيعة‌ علی‌ّ عليه‌ السلام‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌

 إنّ الاحاديث‌ المذكورة‌ جميعها تحوم‌ حول‌ مناقب‌ شيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ التي‌ رويت‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ و ثبّتها الكبار من‌ أئمّة‌ السنّة‌ و الجماعة‌ في‌ كتبهم‌ المتنوّعة‌ ككتب‌ التفسير، والحديث‌ والسيرة‌، والتاريخ‌، والتراجم وغيرها. و نقل‌ علماء الشيعة‌ كثيراً منها في‌ كتبهم‌ أيضاً. بَيدَ أنـّا لمّا كنّا نتوخّي‌ إثبات‌ الهويّة‌ الشيعيّة‌ لكبار الصحابة‌، و مناقب‌ شيعة‌ الإمام‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ باعتراف‌ أهل‌ السنّة‌ أنفسهم‌، لذلك‌ نقلنا الاحاديث‌ الآنفة‌ عن‌ كتبهم‌ غالباً. و تستفاد من‌ تلك‌ الاحاديث‌ أنّ لاميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌طالب‌ علیه‌ السلام‌ شيعة‌ في‌ عصر النبي‌ّ الاكرم‌ نفسه‌، كانوا يتأسّون‌ به‌ في‌ أساليب‌ حياتهم‌ و سلوكيّاتهم‌، في‌ العبادة‌، و الصدق‌، و الاستقامة والجهاد، و الإيثار، و التضحية‌ في‌ سبيل‌ الإسلام‌، و عشق‌ الله‌، و الانشداد إلي‌ مقام‌ لقاء الله‌، و الزهد، و النسك‌، و الإطاعة‌، و التسليم‌ المطلق‌ أمام‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ و أوامر الرسول‌ و نواهيه‌، و عدم‌ الاعتراض‌ و التشكيك‌ في‌ أفعال‌ الرسول‌ و أقواله‌ و سائر أعماله‌ الحسنة‌ و شيمه‌ و شمائله‌ المحمودة‌. وكانوا يتّبعون‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ اقتدائه‌ برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ علی‌ عكس‌ بعض‌ الاشخاص‌ الذين‌ لم‌ يسلّموا تسليماً خالصاً. و كانوا يؤاخذونه‌ بين‌ حين‌ و آخر، و ربّما وجّهوا له‌ الاوامر من‌ وحي‌ فظاظتهم‌ و غلظتهم‌، و كانوا يشكّكون‌ بنبوّته‌ في‌ مواطن‌ الخطر ويؤوّلون‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ حسب‌ هواهم‌، و ينظرون‌ إلي‌ كلام‌ رسول‌ الله‌ كأي‌ّ كلام‌ عادي‌ّ يقبل‌ الصّحة‌ و الخطأ. و ربّما كانوا يتصوّرون‌ أنّ آراءهم‌ الشخصيّة‌ في‌ كثير من‌ الاُمور أفضل‌ من‌ رأي‌ رسول‌ الله‌ و أرفع‌ و أسمي‌ منه‌ و ربّما لجّوا و عاندوا و أصرّوا علی‌ آرائهم‌، و ألحّوا علی‌ الاخذ بها في‌ مقابل‌ رأي‌ الرسول‌ الكريم‌. و كانوا يؤذون‌ النبي‌ّ، و يتدخّلون‌ في‌ شؤونه‌ الشخصيّة‌ بدون‌ إذنه‌، و يسلكون‌ سلوكاً معاكساً لامره‌ في‌ كثير من‌ المواطن‌ الحسّاسة‌ بكلّ وقاحة‌، و يخرجون‌ عن‌ تقاليد الادب‌ و الذوق‌ و المجاولة‌ ويتشاجرون‌ فيما بينهم‌ بحضوره‌، و أحياناً كانوا يجادلونه‌ و يخاصمونه‌ هادفين‌ إدانته‌ بكلامهم‌ علی‌ حدّ زعمهم‌.

 و كانوا يرفعون‌ أصواتهم‌ عنده‌، و في‌ نفس‌ الوقت‌ كان‌ لهم‌ اتّصال‌ مع‌ كثير من‌ العوامّ و الطبقة‌ الوسطي‌ في‌ المجتمع‌، و كانوا يرغمون‌ هؤلاء علی‌ اتّباعهم‌، و كلّما سمعوا كلاماً من‌ رسول‌ الله‌ بشأن‌ فضائل‌ أهل‌ البيت‌ وأميرالمؤمنين‌ علیهم‌ السلام‌ كانوا يمتعضون‌ و يتجهّمون‌، و يفسّرون‌ كلامه‌ في‌ حقّ أهل‌ البيت‌ و شيعتهم‌ علی‌ أنـّه‌ ينطلق‌ من‌ دافع‌ الحميّة‌ والعصبيّة‌، وقرابة‌ العصب‌، و ينبع‌ من‌ المشاعر المادّيّة‌ و العواطف‌ الظاهريّة‌ و أحياناً النفعيّة‌، لاسيّما و إنّهم‌ كانوا يرون‌ باُمّ أعينهم‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لم‌ ينفصل‌ لحظة‌ واحدة‌ عن‌ رسول‌ الله‌، بل‌ كان‌ ملازماً له‌ في‌ سرّائه‌ وضرّائه‌، و في‌ بأسائه‌ و شدائده‌، و كان‌ نصيره‌ الوحيد وحاميه‌ المتفاني‌ إذا ادلهمّت‌ الخطوب‌ و حمي‌ الوطيس‌، و نكص‌ الابطال‌. و هو الذي‌ قدّمه‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّه‌ أخوه‌ و وزيره‌ و وصيّه‌ و خليفته‌، ووليّ أمر المسلمين‌ وصاحب‌ التصرّف‌ المطلق‌ في‌ شؤونهم‌ جميعاً. وكانت‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ تنزل‌ بحقّه‌ مشيدة‌ به‌ باستمرار، و كان‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ يتكفّل‌ ببيانها للناس‌، كما جاء في‌ الحديث‌ عنه‌ أنـّه‌ قال‌ مَا مِن‌ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي‌ القُرآنِ فِيهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلاَّ وَ علی رَأسُهَا وَ أَمِيرُهَا.[28]

 و كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ يبيّن‌ للناس‌ مقامات‌ الإمام‌ المعنويّة‌ و درجاته‌ الروحيّة‌ و نتائجه‌ الاُخرويّة‌، و ذلك‌ طيلة‌ فترة‌ النبوّة‌. و هذا هو الذي‌ صعّد من‌ لهيب‌ الحقد و الحسد و الضغينة‌ في‌ صدور الذين‌ لم‌ يطيقوا رؤية‌ ذلك‌، و بالتالي‌ فإنّ ما يغلي‌ في‌ نفوسهم‌ من‌ حبّ الذات‌، و نزوة‌ حبّ الظهور جعلهم‌ يَنأون‌ عن‌ أبي‌ الحسن‌ و ينظرون‌ إليه‌ نظرة‌ ازدراء و استصغار.

 الرجوع الي الفهرس

 إطلاق‌ اسم‌ الشيعة‌ علی‌ أتباع‌ الإمام‌ علی‌ّ تعليم‌ نبوي‌ّ

 بَيدَ أنّ كثيراً من‌ الصحابة‌ الكرام‌ المطيعين‌ و النقادين‌ لاوامر نبيّهم‌ الذين‌ لم‌ يكن‌ لهم‌ رأي‌ و اعتراض‌ في‌ مقابل‌ كلامه‌، و كانت‌ روح‌ التعالي‌ والاعتداد و الاستكبار ضعيفة‌ عندهم‌ أو معدومة‌، فهؤلاء عندما كانوا يشاهدون‌ تضحيات‌ أميرالمؤمنين‌ و عباداته‌ المعلومة‌ و المشهودة‌ عند الملا الإنسانيّ من‌ جهة‌، و تمجيد النبي‌ّ و ثناءه‌ علیه‌ من‌ جهة‌ أُخري‌، كانوا يتقرّبون‌ منه‌ و يتشرّفون‌ بمودّته‌ و محبّته‌، و يواسونه‌ في‌ الخطوب‌ والمصاعب‌، و يلتزمون‌ بمعاشرة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ و الترّدد علیه‌ وهذا أفضي‌ ـ شيئاً فشيئاً ـ إلي‌ ظهور صفات‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فيهم‌. و إلي‌ تعّمقهم‌ في‌ العبادة‌، و الجهاد، و الإيثار، و الإنفاق‌، و الصدق‌ والمحبّة‌، و التحمّس‌، و الشوق‌ إلي‌ لقاء الله‌، و المروءة‌، و سائر الصفات‌ الحميدة‌. و إذ أقرّوا بوصاية‌ علی‌ّ و خلافته‌ من‌ قبل‌ رسول‌ الله‌، لذلك‌ عرفوا منذ ذلك‌ الحين‌ بشيعة‌ علی‌ّ و أوّل‌ من‌ أطلق‌ علیهم‌ هذا الاسم‌ هو رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ و هذا ما ظهر في‌ الاحاديث‌ التي‌ رويناها سابقاً. و نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ في‌ هامش‌ الصفحة‌ الخامسة‌ من‌ كتاب‌ «الشيعة‌ والإسلام‌» عن‌ الصفحة‌ 188 من‌ الجزء الاوّل‌ من‌ كتاب‌ «حاضر العالم‌ الإسلاميّ» أنّ أوّل‌ اسم‌ ظهر في‌ عصر رسول‌ الله‌ هو اسم‌ الشيعة‌، وعرف‌ به‌ سلمان‌، و أبوذرّ، وا لمقداد، و عمّار و من‌ الطبيعيّ فإنّ شيعة‌ الإمام‌ علی‌ّ هم‌ المسلمون‌ الحقيقيّون‌ ؛ لانّ التشيّع‌ يعني‌ الطاعة‌ الخالصة‌ لله‌، و ذلك‌ هو معني‌ الإسلام‌، و الإسلام‌ الحقيقيّ هو التشيّع‌. و كما تحدّثنا مفصّلاً عن‌ آية‌ الإنذار، و حديث‌ العشيرة‌ في‌ الدروس‌ المتقدّمة‌، فإنّ رسول‌ الله‌ قال‌ في‌ أوّل‌ يوم‌ بلّغ‌ فيه‌ نبوّته‌ بحضور بني‌ عبدالمطّلب‌، و كانوا أربعين‌ رجلاً اجتمعوا بدعوته‌:أَيُّكُمْ يُوازِرُنِي‌ علی‌ أَن‌ يَكُونَ أَخِي‌ وَوَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فيكُمْ فلم‌ يجبه‌ أحد، فقام‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ و قال‌: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فبايعه‌، و تصافحا، ثمّ قال‌:إنَّ هَذَا أَخِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا [29]

 فالشيعة‌ في‌ ضوء ما تقدّم‌ ليسوا فرقة‌ خاصّة‌ منعزلة‌ عن‌ الإسلام‌، بل‌ هم‌ طائفة‌ شيّدوا كافّة‌ أعمالهم‌ و عقائدهم‌ و أخلاقهم‌ و معنويّاتهم‌ علی‌ أساس‌ التعاليم‌ الإسلاميّة‌، و لم‌ يتخطّوا تعاليم‌ نبيّهم‌ الكريم‌ قطّ، بل‌ كانوا يرون‌ أنّ أمره‌ هو أمرالله‌ نفسه‌. و لمّا كانوا مطيعين‌ للقرآن‌ وفقاً لقوله‌ تعالي‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ.[30]و قوله‌ تعالي‌: وَ مَا ءَاتَب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ،[31]فهم‌ مطيعون‌ لرسول‌ الله‌ أيضاً، و رسول‌ الله‌ أعلن‌ نبوّته‌ مقرونة‌ بوصاية‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ و خلافته‌ في‌ يوم‌ واحد. و هذه‌ هي‌ حقيقة‌ الموضوع‌. فما أسخف‌ من‌ يقول‌ بأنّ التشيّع‌ ظهر في‌ عصر الصفويّين‌، أو في‌ عصر البويهيّين‌، أو عندما انتقلت‌ السلطة‌ من‌ الاُمويّين‌ إلي‌ العبّاسيّين‌، أو في‌ زمن‌ الخوارج‌ الذين‌ كانوا في‌ مقابل‌ أصحاب‌ الإمام‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ أو عندما قتل‌ عثمان‌ فسُمّي‌ أنصاره‌: شيعة‌ عثمان‌، و سُمّي‌ أنصار خلافة‌ الإمام‌: شيعة‌ علی‌ّ. فهذه‌ كلّها تقوّلات‌ و تخرّصات‌ ما أنزل‌ الله‌ بها من‌ سلطان‌، وليست‌ ذا بال‌ و قيمة‌ عند الكبار و العلماء من‌ أصحاب‌ الخبرة‌ بل‌ عند من‌ له‌ أدني‌ اطّلاع‌ علی‌ التاريخ‌ و السيرة‌ و الاحاديث‌.

 و نقل‌ عن‌ عبدالله‌ بن‌ عنان‌ المحاميّ في‌ تاريخ‌ «الجمعيّات‌ السرّيّة‌ والحركات‌ الهَدّامة‌» ص‌ 26، قوله‌: و كان‌ لعلی‌ّ حزب‌ ينادي‌ بخلافته‌ عقب‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ مباشرةً. و يري‌ أنـّه‌ هو و بنوه‌ أحقّ الناس‌ بها. إلي‌ أن‌ يقول‌ ومن‌ الخطأ أن‌ يقال‌ إنّ الشيعة‌ إنّما ظهروا لاوّل‌ مرّة‌ عند انشقاق‌ الخوارج‌. و إنّهم‌ سمّوا كذلك‌ لبقائهم‌ إلي‌ جانب‌ علی‌ّ. فشيعة‌ علی‌ّ ظهروا منذ وفاة‌ النبي‌ّ كما قدّمنا.

 و يقول‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ تاريخه‌ ج‌ 3، ص‌ 171: و في‌ قصّة‌ الشوري‌ إنّ جماعة‌ من‌ الصحابة‌ كانوا يتشيّعون‌ لعلی‌ّ و يرون‌ استحقاقه‌ علی‌ غيره‌ لمّا عدل‌ به‌ إلي‌ سواه‌، تأفّفوا من‌ ذلك‌ و أسفوا له‌ مثل‌ ؛ الزبير، و معه‌ عمّار بن‌ ياسر، و المقداد بن‌ الاسود و غيرهم‌. إلاّ أنّ القوم‌ لرسوخ‌ قدمهم‌ في‌ الدين‌ و حرصهم‌ علی‌ الاُلفة‌ لم‌ يزيدوا في‌ ذلك‌ علی‌ النجوي‌ بالتأفّف‌ و الاسف‌.[32]

 الرجوع الي الفهرس

 أسماء جماعة‌ من‌ شيعة‌ الإمام‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ من‌ الصحابة‌ و التابعين‌

 يقول‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمد حسين‌ كاشف‌ الغطاء: كان‌ أعيان‌ صحابة‌ النبي‌ّ و أبرارهم‌، كسلمان‌ المحمّديّ ـ أوالفارسي‌ّ ـ و أبي‌ذرّ ] الغفاري‌ّ [، و المقداد، و عمّار و خُزَيمَة‌ ذِي‌ الشَّهادَتَينِ، و ابن‌ التَّيِّهان‌، و حذَيفَة‌ اليمان‌، و الزبير، و الفضل‌ بن‌ العبّاس‌، و أخيه‌ الحبر عبد الله‌، و هاشم‌ بن‌ عُتبَة‌ المِرقال‌، و أبي‌ أيّوب‌ الانصاري‌ّ،و أبان‌،وأخيه‌ خالد ابني سعيد العاص‌ الاُمويّين‌، و أُبي‌ُّ بن‌ كَعْب‌ سيّد القرّاء، و أَنَس‌ بن‌ حارث الذي‌ سمع‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ يقول‌: إِنَّ ابْنِي‌َ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ فِي‌ أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلاء، فَمَنْ شَهِدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَلْيَنصُرُهُ، فخرج‌ أنس‌ و قُتل‌ مع‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌. و راجع‌ «الإصابة‌» و «الاستيعاب‌» وهما من‌ أوثق‌ ما ألّف‌ علماء السنّة‌ في‌ تراجم‌ الصحابة‌، فإنّهما يعتبران‌ كثيراً من‌ الصحابة‌ من‌ شيعة‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌.

 و لو أردت‌ أن‌ أعدّ علیك‌ الشيعة‌ من‌ الصحابة‌ و إثبات‌ تشيّعهم‌ من‌ كتب‌ السنّة‌ لاحوجني‌ ذلك‌ أن‌ أفرد كتاباً ضخماً، و قد كفاني‌ مؤنة‌ ذلك‌ علماء الشيعة‌، راجع‌ «الدرجات‌ الرفيعة‌ في‌ طبقات‌ الشيعة‌» للسيّد علی‌ خان‌ صاحب‌ كتاب‌ «سلافة‌ العصر» و غيرها من‌ الكتب‌ الجليلة‌ كـ «طراز اللغة‌» الذي‌ هو من‌ أنفس‌ ما كتب‌ في‌ اللغة‌. علی‌ أنـّه‌ رحمه‌ الله‌ لم‌ يذكر في‌ الطبقات‌ مشاهير الصحابة‌ من‌ بني‌ هاشم‌ كحمزة‌، و جعفر، و عقيل‌ ونظائرهم‌. و ذكر من‌ غيرهم‌ أكثر من‌ قدّمنا ذكرهم‌ بزيادة‌ عثمان‌ بن‌ حُنَيف‌، و سَهْل‌ بن‌ حنيف‌، و أبي‌ سعيد الخُدريّ و قَيس‌ بن‌ سعد بن‌ عُبادة‌ رئيس‌ الانصار، و بُرَيدة‌، و البَراء بن‌ مالك‌، و خَبّاب‌ بن‌ الارت‌، و رِفاعة‌ بن‌ مالك‌ الانصاريّ، و أبي‌ الطُفيل‌ عامر بن‌ واثلة‌، و هِند بن‌ أبي‌ هالة‌، و جُعْدَة‌ بن‌ هُبَيْرة‌ المَخزوميّ، و أُمّه‌ أُمّ هاني‌ بنت‌ أبي‌ طالب‌، و بلال‌ بن‌ رباح‌ المُؤذّن‌. هؤلاء جلّ ذكرهم‌ أو أكثرهم‌، (يعدّهم‌ صاحب‌ «الطبقات‌» من‌ شيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌) ولكن‌ يخطر علی‌ بالي‌ أنـّي‌ جمعت‌ ما وجدته‌ في‌ كتب‌ تراجم‌ الصحابة‌ كـ «الإصابة‌» و «أُسد الغابة‌» و«الاستيعاب‌» و نظائرها من‌ الصحابة‌ الشيعة‌ زهاء ثلاثمائة رجل‌ من‌ عظماء صحابة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ كلّهم‌ من‌ شيعة‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ و لعلّ المتتبّع‌ يعثر علی‌ أكثر من‌ ذلك‌. [33]

 و بعد ذلك‌ يعدّ التابعين‌ الذين‌ كانوا من‌ الشيعة‌ كالاَحنَف‌ بن‌ قيس‌ و سُوَيد بن‌ غَفَلَة‌، و عَطيّة‌ العَوفي‌، و الحَكَم‌ بن‌ عُتَيْبَة‌، و سالم‌ بن‌ أبي‌ الجعد، و علی‌ّ بن‌ الجعد، و الحسن‌ بن‌ صالح‌، و سعيد بن‌ جُبير، و سعيد بن‌ المُسّيِب‌، و الاَصبغ‌ بن‌ نُباتة‌، و سليمان‌ بن‌ مهران‌ الاعمش‌، و يحيي‌ بن‌ يَعْمُر العدوانيّ صاحب‌ الحجّاج‌، و أمثال‌ هؤلاء ممّن‌ يطول‌ تعدادهم‌، وكانوا مؤسّسي‌ العلوم‌ الإسلاميّة‌ كالنحو، و الصرف‌، و اللغة‌، و العروض‌، والعربيّة‌ و التفسير، و الحديث‌، و الفقه‌، و التاريخ‌، و الكلام‌، والمناظرات‌ والفلسفة‌، و الحكمة‌، و السِيَر، و الآثار، و الشعر، و يعدّ الخلفاء الشيعة‌ ووزراءهم‌ و أصحاب‌ المناصب‌ و الديوان‌. حقّاً أنّ كتابه‌ يضمّ كثيراً من‌ المواضيع‌ النفيسة‌ القيّمة‌. يقول‌ مؤلّفه‌: و لو أردنا ضبط‌ جميع‌ سلاطين‌ الشيعة‌ و من‌ تقلّد الوزارة‌ و الإمارة‌ و المناصب‌ العالية‌ بعلمهم‌ و كتابتهم‌ وعظيم‌ خدماتهم‌ للإسلام‌، لما وسعتهم‌ المجلّدات‌ الضخمة‌ و الاسفار العديدة‌ و قد تصدّي‌ و الدنا العلاّمة‌ أعلی‌ الله‌ مقامه‌ إلي‌ تراجم‌ طبقات‌ الشيعة‌ من‌ علماء و حكماء و سلاطين‌ و وزراء و منجّمين‌ وأطبّاء، و هكذا إلي‌ ثلاثين‌ طبقة‌ كلّ طبقة‌ مرتّبة‌ علی‌ حروف‌ المعجم‌ وسمّاه‌ «الحُصُون‌ المَنيعة‌ في‌ طبقات‌ الشيعة‌» فكتب‌ عشرة‌ مجلّدات‌ ضخام‌ لم‌ تخرج‌ إلي‌ المبيّضة‌ و المطبعة‌. و مع‌ ذلك‌ لم‌ يأت‌ علی‌ القليل‌ منهم‌. [34]

 الرجوع الي الفهرس

 السبب‌ في‌ عظمة‌ الشيعة‌ و كرامتهم‌

 وينبغي‌ أن‌ نري‌ لماذا خصّ الله‌ الشيعة‌ بكلّ هذه‌ العظمة‌ ؟ و لماذا كلّ هذا الثناء و التبجيل‌ الذي‌ صرّح‌ به‌ رسول‌ الوحي‌ و الامين‌ علی‌ سرّ الله‌ ؟ ياتُرَي‌ ؛ لماذا تميّزوا علی‌ سائر الخلق‌ أنـّهم‌ يدخلون‌ الجنّة‌ بغير حساب‌ ؟ ولماذا هم‌ الفائزون‌ فقط‌ و غيرهم‌ لا ؟ و ما هو السّر المكنون‌ في‌ ما قام‌ به‌ النبي‌ّ الاكرم‌، و هو خاتم‌ النبيّين‌ و سيّد المرسلين‌، إذ ضرب‌ الكعبة‌ بيده‌ وأقسم‌ بالله‌، و أعلم‌ أصحابه‌ أنّ شيعة‌ علی‌ّ وحدهم‌ هم‌ الفائزون‌ ؟ و لماذا خصّوا بكلّ تلك‌ الدرجات‌ الاُخرويّة‌ من‌ الشفاعة‌، و الكوثر، و التسنيم‌ والجنّة‌، و رضا الله‌، و الخلود، و النضارة‌ دون‌ غيرهم‌ ؟

 و تطرّقت‌ أحاديث‌ كثيرة‌ إلي‌ صفات‌ الشيعة‌ و أخلاقهم‌ و أعمالهم‌ قبل‌: المروءة‌، و الإنصاف‌، و الصدق‌، و الإيثار، و الصبر، والاستقامة‌ والصفاء، و الخلوص‌، و العبادة‌، والجهاد، و الصيام‌، و الصدقة‌، و الاعتقاد الراسخ‌ بالله‌ و تعاليمه‌، و هذه‌ صفات‌ قد اجتمعت‌ في‌ مولاهم‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌. إنّهم‌ صفّوا حسابهم‌ مع‌ الدنيا، و تجلّدوا أمام‌ المشاكل‌ و المصائب‌ والمحن‌، و تعفّفوا لساناً و قلماً و بطناً و فرجاً، و اجتنبوا المعاصي‌، بل‌ وجلوا صَدء قلوبهم‌ بعبوديّتهم‌ لمعبودهم‌ الحقّ، و صقلوها حتّي‌ تألّقت‌ الانوار الإلهيّة‌ فيها. فالشيعة‌ أُناس‌ تعلّموا دروس‌ العمل‌ في‌ مدرسة‌ مولاهم‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌. فاجتازوا بذلك‌ جميع‌ عقبات‌ عالم‌ البرزخ‌، و القبر، و سؤال‌ منكر و نكير، و الحشر، و العرض‌ والحساب‌، و السؤال‌ و الصراط‌، و الميزان‌. و رسخ‌ في‌ قلوبهم‌ كلام‌ إمامهم‌ في‌ هذه‌ الدنيا ؛ إذ قال‌: وَ أَخْرِجُوا مِنَ الدُنْيَا قُلُوبِكُم‌ قَبْلَ أَن‌ تُخْرَجَ مِنهَا أَبْدَانُكُم‌. [35]

 و من‌ الطبيعيّ فإنّ الجنّة‌ التي‌ محلّ الابرار المطهّرين‌، لابدّ أن‌ تكون‌ محلّهم‌ و مستقرّهم‌. إنّهم‌ ساروا علی‌ نهج‌ أميرالمؤمنين‌ الذي‌ سلّم‌ لاوامر ربّه‌ و تعاليمه‌ تسليماً خالصاً، لم‌ يعترضوا و لم‌ يناقشوا في‌ ذلك‌، واتّبعوا أوامر نبيّهم‌ في‌ أحرج‌ الساعات‌ و أعسر المواطن‌، و أقرّوا بكافّة‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ و الاحاديث‌ النبويّة‌ بشأن‌ أميرالمؤمنين‌ و أهل‌ بيته‌ و بقيّة‌ الشؤون‌ الخاصّة‌ بهم‌. لقد كانوا أصحاب‌ خلوص‌ فكريّ و علميّ أفضي‌ بهم‌ أن‌ يطبّقوا عقيدتهم‌ عمليّاً في‌ العالم‌ الخارجيّ، فكانوا بمأمن‌ عن‌ العناد والحسّ الاستكباريّ. و هذا هو مقام‌ الشيعة‌ نموذج‌ و افٍ لمقام‌ الإنسانيّة‌، و ثمرة‌ ناضجة‌ طريّة‌ في‌ عالم‌ الوجود، و وردة‌ متفتّحة‌ في‌ حديقة‌ الوجدان‌ والحميّة‌ و الإنصاف‌.

 و ثمّة‌ أشخاص‌ في‌ مقابل‌ هؤلاء أوّلاً: لم‌ ينظروا إلي‌ تعاليم‌ رسول‌ الله‌ علی‌ أنـّها تعاليم‌ واجبة‌ التطبيق‌، و كانوا يتركون‌ النبي‌ّ وحده‌ في‌ الساعات‌ الحرجة‌، و لم‌ يعرفوا بالخضوع‌ و الخشوع‌ في‌ عبادتهم‌، و لم‌ يكونوا من‌ أهل‌ الإيثار و التضحية‌، و لم‌ يوطّنوا أنفسهم‌ علی‌ الجهاد والصبر و التحمّل‌ في‌ المحن‌ و الشدائد، و لم‌ يُشَمّ الصدق‌ في‌ كلامهم‌ ولاالخلوص‌ في‌ عبادتهم‌، و لاالعشق‌ و التحمّس‌ عندهم‌ للقاء الله‌ في‌ السرّ. ثانياً: كانوا متثاقلين‌ متباطِئين‌ في‌ مقام‌ العمل‌، قلوبهم‌ قاسية‌ و نفوسهم‌ متمرّدة‌ عاصية‌ لم‌ تذعن‌ للحقّ. و بهذه‌ القلوب‌ و النفوس‌ كانوا يتعاملون‌ مع‌ رسول‌ الله‌، وبسبب‌ تلوّنهم‌ و تشكيكهم‌، كانوا يحرجون‌ رسول‌ الله‌ في‌ كلّ يوم‌ و كلّ ساعة‌. إنّهم‌ أهل‌ جهنّم‌، و جهنّم‌ مقامهم‌ الابديّ ؛ إنّهم‌ خلّدوا نفوسهم‌ الشرّيرة‌ في‌ الصفات‌ و الملكات‌ القبيحة‌ في‌ هذه‌ الدنيا، فلابدّ أن‌ يكونوا مخلّدين‌ في‌ ذلك‌ العالم‌ الذي‌ هو عالم‌ البروز و الظهور. لذلك‌ فإنّ تقسيم‌ المسلمين‌ إلي‌ شيعة‌، و غير شيعة‌ في‌ عصر الرسول‌ الاعظم‌ كان‌ أمراً لامناص‌ منه‌، فالشيعة‌ يمثّلون‌ الفريق‌ المطيع‌ و أُولئك‌ يمثّلون‌ الفريق‌ الصلف‌ المتمرّد.

 الرجوع الي الفهرس

 أحوال‌ المستضعفين‌ من‌ السنّة‌ و عاقبة‌ أعمالهم‌

 يلاحظ‌ هنا فريق‌ آخر لا إلي‌ هؤلاء و لا إلي‌ هؤلاء. لا كأصحاب‌ أميرالمؤمنين‌ قلوبهم‌ طاهرة‌ و أعمالهم‌ محمودة‌ نزيهة‌، ولا كأُولئك‌ من‌ ذوي‌ الاعمال‌ القبيحة‌. قد ينفقون‌ أموالهم‌، و يصلّون‌ و يصومون‌ ويطيعون‌ تعاليم‌ الدين‌، و لا يشاقّون‌ الرسول‌ و أهل‌ بيته‌، و لا يميلون‌ مع‌ أعدائهم‌. فهؤلاء يقضون‌ دهرهم‌ علی‌ هذه‌ الحالة‌ بسبب‌ قصورهم‌ و عدم‌ انكشاف‌ الحقيقة‌ لهم‌. و هذه‌ المجموعة‌ تؤلّف‌ الغالبيّة‌ بين‌ الاُمم‌ و الشعوب‌ دائماً، و لو اتّضح‌ لهم‌ الحقّ ـ علی‌ سبيل‌ الفرض‌ ـ فلا يصدّون‌ عنه‌، بَيدَ أنـّه‌ ظنّوا الخطأ صواباً و الصواب‌ خطأ و عملوا بذلك‌ نتيجة‌ ما تلقّوه‌ من‌ تربية‌ سقيمة‌ غير صحيحة‌، و ما عاشوه‌ من‌ وسط‌ متضارب‌ بعيد عن‌ الحقّ، إنّهم‌ مجموعة‌ من‌ المستضعفين‌ لايدخلون‌ الجنّة‌ دفعة‌ واحدة‌، و لا يدخلون‌ النار دفعة‌ واحدة‌، بل‌ يحاسبون‌ علی‌ عقيدتهم‌ و عملهم‌ الذي‌ قاموا به‌ في‌ الحياة‌ الدنيا. و نجد أمثال‌ هؤلاء في‌ أغلب‌ جنود الإمام‌ علی‌ّ يوم‌ صفّين‌ الذين‌ صاروا بعد ذلك‌ في‌ عداد الخوارج‌. و لمّا نصحهم‌ الإمام‌، و أقام‌ لهم‌ الدليل‌ و البرهان‌، تابوا و رجعوا عن‌ مخالفتهم‌. كما نجد أمثالهم‌ في‌ أكثر أهل‌ السنّة‌ الذين‌ يجتمعون‌ في‌ عرفات‌، و المشعر، و مني‌، و بيت‌ الله‌، لايكنّون‌ العداء لاهل‌ البيت‌، و لا يقرّون‌ بولايتهم‌ و إمامتهم‌ و خلافتهم‌ الحقّة‌ أيضاً. أمّا علماؤهم‌ و البعض‌ من‌ كبارهم‌ المطّلعين‌ علی‌ الكتب‌ و التواريخ‌ والتفاسير، و المستوعبين‌ لجميع‌ الاحاديث‌ و الروايات‌، فحسابهم‌ عسير للغاية‌، إذا لم‌ يذعنوا للحقّ. بَيدَ أنّ الاغلبيّة‌ الذين‌ هم‌ من‌ العوامّ، و ليس‌ لهم‌ اطّلاع‌ علی‌ كتب‌ السيرة‌، و معلوماتهم‌ و عقائدهم‌ مقصورة‌ علی‌ إرشاد علمائهم‌، فلعلّ الله‌ يعفو عنهم‌ و يصفح‌ في‌ حالة‌ عدم‌ تقصيرهم‌. و تنطبق‌ علیهم‌ آية‌ المستضعفين‌. قال‌ تعالي‌: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّب'هُمُ الْمَلَـ ' نءِكَةُ ظَالِمِي‌ ´ أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي‌ الاْرْضِ قَالُو´ا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَهِ وَ ' سِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـ ' ´نءِكَ مَأوَب'هُمْ جَهَنَّمُ وَ سَآءَتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسآءِ وَالْوِلْدَ ' نِ لاَيَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَـ ' ´نءِكَ عَسَي‌ اللَهُ أَن‌ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كَانَ اللَهُ عَفُوًّا غَفُورًا. [36]

 ينقل‌ سُلَيم‌ بن‌ قيس‌ الهلاليّ الكوفي‌ّ رواية‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌السلام‌ يري‌ الإمام‌ فيها أنّ أكثر المخالفين‌ هم‌ من‌ المستضعفين‌، يقول‌: سمعتُ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌: «إِنَّ الاُمّة‌ ستفترق‌ علی‌ ثلاث‌ و سبعين‌ فرقة‌، اثنتان‌ و سبعون‌ فرقة‌ في‌ النار، و فرقة‌ في‌ الجنّة‌». ثمّ يسترسل‌ الإمام‌ في‌ كلامه‌ فيبيّن‌ بالتفصيل‌ أنّ الفرقة‌ الناجية‌ الوحيدة‌ هي‌ الّتي‌ عرفت‌ إمامها حقّ المعرفة‌، و أفرادها يدخلون‌ الجنّة‌ بغير كتاب‌ وحساب‌ و الاعراف‌، و أهل‌ جهنّم‌ الذين‌ تنالهم‌ شفاعة‌ الانبياء، والملائكة‌، و المؤمنين‌، فينقذون‌ من‌ جهنّم‌ آخر الامر، وإنـّهم‌ في‌ عداد الفرق‌ الاثنتين‌ والسبعين‌، إلي‌ أن‌ يقول‌: فَأَمَّا مَنْ وَحَّدَ اللهَ وَ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَ لَمْ يَعْرِفْ وَ لَمْ يَتَناوَلُ ضَلالَةَ عَدُوَّنَا وَ لَمْ يَنْصِبْ شَيْئاً وَ لَمْ يُحِلَّ وَلَمْ يُحَرِّمْ وَأَخَذَ بِجَمِيعِ مَا لَيْسَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الاُمَّةِ فِيهِ خِلاَفٌ فِي‌ أَنَّ اللَهَ عَزَّوجَلَّ أَمَرَ بِهِ، وَ كَفَّ عَمَّا بَيْنَ الْمُخْتَلِفينَ مِنَ الاُمَّةِ خِلافٌ فِي‌ أَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ أَمَرَ بِهِ أَو نَهَي‌ عَنْهُ فَلَمْ يَنْصِبْ شَيئْـاً وَ لَمْ يُحَلِّلْ وَ لَمْ يُحَرِّمْ وَلاَ يَعْلَمُ وَرَدَّ عِلْمَ مَا أَشْكَلَ علیهِ إِلي‌ اللَهِ فَهَذَا نَاجٍ. وَهَذِهِ الطَبَقَةُ بَيْنَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ وَأَجَلُّهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ الْحِسَابِ [37]ـ الحديث‌.

 و يبيّن‌ كذلك‌ جواب‌ الإمام‌ للاشعث‌ بن‌ قيس‌ الذي‌ قال‌ له‌ معترضاً: واللهِ لإن‌ كان‌ الامر كما تقول‌ لقد هلكت‌ الاُمّة‌ غيرك‌ و غير شيعتك‌. فقال‌ له‌ الإمام‌: «إِنَّ الْحَقَّ وَاللهِ مَعِي‌ يَابنَ قَيْسٍ كَمَا أَقُولُ وَ مَا هَلَكَ مِنَ الاُمَّةِ إلاّ النَّاصِبينَ وَالْمُكابِرينَ وَالْجَاحِدينَ وَالمُعَانِدِينَ، فَأَمّا مَن‌ تَمَسَّكَ بِالتَّوحِيدِ وَالإقرارِ بِمُحَمَّدٍ وَالإسلام وَ لَمْ يَخْرُج‌ مِنَ الْمِلَّةِ وَ لَمْ يُظَاهِرُ علینَا الظَّلَمَةَ، وَ لَمْ يَنْصِبْ لَنَا الْعَداوَةَ وَ شَكَّ فِي‌ الْخِلاَفَةِ وَ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهَا وَ وُلاَتَها وَ لَمْ يَعْرِف‌ لَنا وِلاَية‌، وَ لَمْ يَنْصِبْ لَنا عَداوَةً فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمٌ مُسْتَضْعَفٌ يُرجَي‌ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ، وَ يُتَخَوَّفُ علیهِ ذُنُوبُهُ. [38]

 و جاء فيه‌ أيضاً ضمن‌ رسالة‌ كتبها الإمام‌ إلي‌ معاوية‌ يذكر فيها سبب‌ عدم‌ قيامه‌ بعد وفاة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ يقول‌ فيها: أوصاني‌ رسول‌ الله‌ قائلاً: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُفَّ يَدَكَ وَ تَحْقُنْ دَمَكَ إِذَا لَمْ تَجِدْ أَعْواناً، تَخَوَّفتُ علیكَ أَن‌ يَرْجِعَ النَّاسُ إِلَي‌ عِبادَةِ الاَصْنَامِ وَالْجُحودِ بِأَنّي‌ رَسُولُ اللهِ، فَاسْتظْهِرْ علیهِمْ بِالحُجَّةِ علیهِمْ وَ دَعْهُمْ لِيَهْلِكَ النَّاصِبُونَ لَكَ وَالبَاغُونَ علیكَ وَ يَسْلُمَ العَامّةُ والْخَاصَّةُ، فَإِذَا وَجَدتَ يَوْماً أعْوَاناً علی‌ إِقَامَةِ كِتَابِ اللهِ وَالسُنَّةِ فَقَاتِلْ علی‌ تَأويلِ القُرآنِ كَما قَاتَلتُ علی‌ تَنْزِيلِهِ. فَإِنَّما يَهْلِكُ مِنَ الاُمَّةِ مَنْ نَصَبَ لَكَ وَلاِحَدٍ مِن‌ أَوصِيائِكَ وَ عَادَي‌ وَ جَحَدَ وَ دَانَ بِخِلافِ مَا أَنْتُم‌ علیهِ. [39]

 يقول‌ سليم‌ بن‌ قيس‌: لمّا جمعتُ الاحاديث‌ في‌ كتابي‌، ذهبت‌ إلي‌ المدينة‌ فتشرّفت‌ بلقاء الإمام‌ زين‌ العابدين‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ وقرأتُ علیه‌ تلك‌ الاحاديث‌ ثلاثة‌ أيام‌ حسوماً، فصدّقها الإمام‌ كلها. فقلتُ: جعلتُ فداك‌، إنـّه‌ يضيق‌ صدري‌ ببعض‌ ما فيه‌ ؛ لانّ فيه‌ هلاك‌ جميع‌ أُمّة‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ من‌ المهاجرين‌ و الانصار والتابعين‌ غيركم‌ أهل‌ البيت‌ و شيعتكم‌، فقال‌: يَا أَخا عَبدِالْقيسِ ؛ أمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌: قال‌: إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيتي‌ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ فِي‌ قَومِهِ مَنْ رَكِبَهَا نَجِي‌ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرَقَ، وَ كَمَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ فِي‌ بَنِي‌ إِسْرَائِيلَ ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ ـ إِلَي‌ أَن‌ قَالَ علیهِ السَّلام‌: أَوَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ يَنْظَمُ جَمِيعُ مَا أَفْظَعَكَ وَعَظُمَ فِي‌ صَدْرِكَ مِنْ تِلكَ الاحادِيثِ [40] ـ الحديث‌. كناية‌ عن‌ أنّ كلّ من‌ كان‌ من‌ محبّي‌ أهل‌ البيت‌ فهو كالراكب‌ في‌ سفينة‌ نوح‌، و هو ناجٍ لا محالة‌. و أمّا من‌ كان‌ من‌ المعاندين‌ المعادين‌ فهو من‌ الغارقين‌. و كلام‌ الإمام‌ هنا هو ككلام‌ جدّة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ عامّة‌ الناس‌، إذ اعتبرهم‌ من‌ المستضعفين‌.

 روي‌ السيّد هاشم‌ البحرانيّ من‌ طريق‌ الخاصّة‌، عن‌ أبي‌ حمزة‌ الثماليّ عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاريّ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ و سلّم‌ قال‌ في‌ مرضه‌ الذي‌ قبض‌ فيه‌ لفاطمة‌ علیها السلام‌: يا بُنَيَّةَ ؛ بأبي‌ أنتِ وَ أُمي‌ّ أرسلي‌ إلَيّ بعلِكِ فادعيه‌ لي‌، فقالت‌ فاطمة‌ للحسن‌ علیه‌ السلام‌: انطلق‌ إلي‌ أبيك‌ فقل‌ له‌: إِنّ جدّي‌ يدعوك‌، فانطلق‌ إليه‌ الحسن‌ فدعاه‌. فأقبل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حتّي‌ دخل‌ علی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و آله‌ و سلّم‌ و فاطمةُ عنده‌، و هي‌ تقول‌: وَاكربَاهُ لِكَربِكَ يَارَسُولَ اللهِ ! فقال‌ رسول‌ الله‌: لاَكربَ علی‌ أبيكِ بعد هذا اليوم‌ يا فاطمة‌ ! إِنَّ النبي‌ّ لا يُشقُّ علیه‌ الجيب‌، و لا يُخمش‌ علیه‌ الوجه‌، و لا يدعي‌ علیه‌ بالويل‌، ولكن‌ قولي‌ كما قال‌ أبوكِ علی‌ إبراهيم‌: تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَ قَدْ يُوجَعُ الْقَلْبُ وَ لاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَ إِنّا بِكَ يَا إبراهيمُ لَمَحْزُونُونَ، وَ لَوْ عَاشَ إبراهيمُ لَكانَ نِبيّاً.

 ثمّ قال‌: يا علی‌ّ ؛ ادنُ مِنّي‌، فدنا منه‌، فقال‌: أَدخل‌ أُذُنك‌ في‌ فمي‌ ففعل‌، فقال‌: يا أخي‌، ألم‌ تسمع‌ قول‌ الله‌ عزّوجلّ في‌ كتابه‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´ئِكَ هُمْ خَيرُ الْبَرِيَّةِ ؟ قال‌: بَلي‌ يا رسولَ اللهِ. قال‌: هم‌ أنتَ و شيعتك‌ تجيئون‌ غراً محجّلين‌ شباعي‌ مرويّين‌. أَلم‌ تسمع‌ قول‌ الله‌ عزّوجلّ في‌ كتابه‌: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ وَالْمُشرِكِينَ فِي‌ نَارِ جَهَنَّمَ خَـ'لِدِينَ فِيهَا أُولَـ ' ´ئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ» ؟ [41]قال‌: بلي‌ يا رسول‌الله‌ ؛ قال‌: هم‌ أعداؤك‌ و أتباعهم‌، يجيئون‌ يوم‌ القيامَة‌ مسودَّة‌ وجوههم‌، ظماء مظمئين‌، أشقياء معذّبين‌، كفّاراً منافقين‌، ذلك‌ لك‌ ولشيعتك‌ و هذا لعدوّك‌ و شيعتهم‌. [42]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´يتان‌ 7 و 8، من‌ السورة‌ 98: البيّنة‌.

[2] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 326 إلی‌ ص‌ 328.

[3] ـ «غاية‌ المرام‌»، ص‌ 328، الحديث‌ السادس‌. و ذكره‌ أيضاً في‌ ص‌ 483، الحديث‌ الرابع‌ عشر عن‌ طريق‌ العامّة‌.

[4] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 329، الحديث‌ الخامس‌.

[5] ـ ذكر هذا الحديث‌ بعباراته‌ نفسها، الكنجيّ الشافعيّ في‌ «كفاية‌ الطالب‌» الباب‌ 62 ص‌ 244، طبعة‌ النجف‌ الثانية‌، ثمّ قال‌: ذكر محدّث‌ الشام‌ (ابن‌ عساكر) هذا الحديث‌ بطرق‌ مختلفة‌ في‌ تاريخه‌. و ذكره‌ الطبريّ في‌ تفسيره‌ في‌ الجزء 0 3، ص‌ 146، بإسناده‌ عن‌ أبي‌الجارود، عن‌ محمّد بن‌ علي‌ّ عليهما السلام‌.

[6] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 328، الحديث‌ الرابع‌.

[7] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 327، الحديث‌ الخامس‌، و العاشر، والسادس‌.

[8] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 379، و ذكر صاحب‌ «الغدير» الحديث‌ الاوّل‌، رقم‌ ( 2 ) في‌ الجزء الثاني‌، ص‌ 58.

[9] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 379.

[10] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 379. و ذكره‌ في‌ «الغدير» ج‌ 2، ص‌ 58 بلفظ‌: جاءت‌ الاُمَم‌.

[11] ـ «المناقب‌» للخوارزميّ، ص‌ 187.

[12] ـ «أصل‌ الشيعة‌ و أُصولها» ص‌ 0 11. و نقل‌ الطبريّ هذا الحديث‌ نفسه‌ أيضاً في‌ تفسيره‌ ج‌ 0 3، ص‌ 178، عن‌ طريق‌ الحافظ‌ ابن‌ مردويه‌ عن‌ يزيد بن‌ شراحيل‌ الانصاريّ.

[13] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 483 و ص‌ 484، الحديث‌ الخامس‌ عشر. و نقل‌ في‌ ص‌ 19 منه‌، الحديث‌ الحادي‌ و العشرين‌، و الثاني‌ والعشرين‌ حديثين‌ نبويّين‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌ بشأن‌ المنزلة‌ التي‌ ستكون‌ لشيعة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يوم‌ القيامة‌.

[14] ـ «ينابيع‌ المودّة‌» ط‌ اسلامبول‌، ص‌ 180.

[15] ـ نفس‌ المصدر السابق‌، ص‌ 181.

[16] ـ روي‌ هذا الحديث‌ عن‌ أنس‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 32.

[17] ـ «تاريخ‌ بغداد» ج‌ 12، ص‌ 289.

[18] ـ المقصود هنا النساء الصالحات‌ مثل‌: خديجة‌، و أُمّ سلمة‌، و زينب‌ بنت‌ جحش‌ وفاطمة‌ الزهراء، و ليس‌ فيهنّ عائشة‌ التي‌ تمرّدت‌ علي‌ إمام‌ زمانها و سبّبت‌ المشاهد الدامية‌ في‌ معركة‌ الجمل‌. و كذلك‌ ليس‌ فيهن‌ حفصة‌ التي‌ كانت‌ تؤازر عائشة‌، و لا جُعدة‌ التي‌ سمّت‌ الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌.

[19] ـ «الغدير» ج‌ 3، ص‌ 78، 79.

[20] ـ رواء جمع‌ ريّان‌ ضدّ عطشان‌، و يقال‌ للاخضر الناعم‌ من‌ أغصان‌ الشجر: ريّان‌. ويقال‌ للشخص‌ كثير اللحم‌. ريّان‌. و كذلك‌ يقال‌ لصاحب‌ الوجه‌ البشوش‌: ريّان‌. مرويّين‌ من‌ مادّة‌ رَوِي‌َ يَرْوي‌، يعني‌: ارتوي‌. و هي‌ اسم‌ مفعول‌ و جمع‌، تعني‌: المرتوين‌ من‌ الماء.

[21] ـ «المناقب‌» ص‌ 75.

[22] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 578 ـ 588.

[23] ـ الا´ية‌ 0 2، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[24] ـ «غاية‌ المرام‌»، ص‌ 328.

[25] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 328.

[26] ـ «النهاية‌» ج‌ 4، ص‌ 106.

[27] ـ «أصل‌ الشيعة‌ و أُصولها» ص‌ 111.

[28] ـ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64، و ذكر ذلك‌ في‌ «ذخائر العقبي‌» ص‌ 89، عن‌ أحمد ابن‌ حنبل‌ في‌ «المناقب‌».

[29] ـ «تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 2، ص‌ 62 و ص‌ 63.

[30] ـ الا´ية‌ 33، من‌ السورة‌ 47، محمّد.

[31] ـ الا´ية‌ 7، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[32] ـ كتاب‌ «شيعه‌ و اسلام‌» = (الشيعة‌ والإسلام‌) لمؤلّفه‌ السيّد موسي‌ سبط‌ الشيخ هامش‌ ص‌ 54 (فارسيّ).

[33] ـ «أصل‌ الشيعة‌ و أُصولها» ص‌ 82، و ص‌ 87.

[34] ـ «أصل‌ الشيعة‌ و أُصولها» ص‌ 98.

[35] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الخطب‌، ص‌ 418.

[36] ـ الا´يات‌ 97 إلی‌ 99، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[37] ـ «كتاب‌ سليم‌» ص‌ 96، و ص‌ 97.

[38] ـ «كتاب‌ سليم‌» ص‌ 131.

[39] ـ «كتاب‌ سليم‌» ص‌ 194.

[40] ـ «كتاب‌ سليم‌» ص‌ 66، ص‌ 67.

[41] ـ الا´ية‌ 6، من‌ السورة‌ 98: البيّنة‌.

[42] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 327، الحديث‌ الثالث‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com