بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السادس / القسم الثامن :الجمع بین التأریخ الشمسی و القمری غیر صحیح، فوائد السنة القمریة و مضار ا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الجمع‌ بين‌ التأريخ‌ القمري‌ّ والتأريخ‌ الشمسي‌ّ غير صحيح‌

 ونري‌ هنا أنّ الإصلاح‌ الذي‌ أُجري‌ في‌ هذا المجال‌ تناول‌ المسألة‌ الثالثة‌ فقط‌، أي‌: الرجوع‌ من‌ التأريخ‌ الشاهنشاهي‌ّ إلی‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ الشمسي‌ّ. وحيث‌ السنون‌ الشمسيّة‌ لا زالت‌ رسميّة‌ سارية‌ المفعول‌، والشهور المجوسيّة‌ القديمة‌ كخرداد وبهمن‌ لم‌تتغيّر أيضاً.

 وهنا ثلاثة‌ إشكالات‌:

 الاوّل‌: ما هو معني‌ الجمع‌ بين‌ التأريخين‌ واعتبارهما رسميّين‌ معاً؟ ونحن‌ نعلم‌ أنّ القرآن‌ الكريم‌ يركّز علی الشهور القمريّة‌ في‌ التأريخ‌ فقط‌. وكذلك‌ السنّة‌ النبويّة‌ ومنهج‌ أئمّة‌ الدين‌ فإنّهما يقتصران‌ علی الشهور القمريّة‌ لا غير إجماعاً واتّفاقاً، فرسميّة‌ الشهور والسنين‌ الشمسيّة‌ منضمّة‌ إلی‌ الشهور القمريّة‌ أمر غير صحيح‌ أبداً.

 و الثاني‌: لماذا تتبنّي‌ الدوائر الحكوميّة‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ في‌ أعمالها، إذ يبقي‌ الإشکال‌ قائماً في‌ كلاالمرحلتين‌؟ وإذا كان‌ الدين‌ غير منفصل‌ عن‌ السياسة‌، فلابدّ أن‌ تتبنّي‌ الدوائر الحكوميّة‌ الشهور القمريّة‌ فقط‌. فمن‌ أين‌ جاء هذا الانفصال‌؟

 و الثالث‌: أنّ تبنّي‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ من‌ قبل‌ الدوائر الحكوميّة‌ عبارة‌ أُخري‌ لاءضفاء الرسميّة‌ علی الشهور والسنين‌ الشمسيّة‌، لانّ الرسميّة‌ لامعني‌ لها إلاّ أن‌ يطبّق‌ التأريخ‌ عمليّاً. وعلی هذا فالدوائر الحكوميّة‌ تعترف‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ لا القمري‌ّ. وتتعامل‌ فيما بينها به‌ دون‌ القمري‌ّ. وهذا هو المحذور عينه‌ والحرج‌ نفسه‌.

 وما الفرق‌ بين‌ هذا المشروع‌ وذلك‌ المشروع‌ الذي‌ تمثّل‌ بالتغيير الثالث‌ المصادق‌ عليه‌ في‌ المجلسين‌؟ فأصحاب‌ ذلك‌ المشروع‌ كانوا يقولون‌:

 « التأريخ‌ الهجري‌ّ له‌ موقعه‌ وحرمته‌، ويستعمل‌ عند القيام‌ بالاُمور الدينيّة‌. والتأريخ‌ الشاهنشاهي‌ّ القديم‌ يستعمل‌ في‌ الشؤون‌ الرسميّة‌ للبلاد ودوائرها، وفي‌ الزيارات‌ الحكوميّة‌ الرسميّة‌، والجلسات‌، والندوات‌، والمؤتمرات‌ والاحتفالات‌، والمناسبات‌، والمعاهدات‌، وغير ذلك‌ ».

 وهؤلاء إلیوم‌ لا يهتمّون‌ بالتأريخ‌ القمري‌ّ في‌ الشؤون‌ الرسميّة‌، ويؤرّخون‌ ذكري‌ الثورة‌، واستشهاد رجالها، والاحتفالات‌ وغيرها بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ. فاستشهاد المرحوم‌ الشيخ‌ مرتضي‌ مطهّري‌ مثلاً كان‌ في‌ إلیوم‌ الخامس‌ من‌ جمادي‌ الآخرة‌، بينما يؤرّخونه‌ في‌ إلیوم‌ الثاني‌ عشر من‌ أُرديبهشت‌. [1] وهكذا دأبهم‌ في‌ المناسبات‌ الاُخري‌، فيؤرّخون‌ استشهاد المرحوم‌ دستغيب‌، والمرحوم‌ صدوقي‌، والمرحوم‌ قاضي‌، والمرحوم‌ أشرفي‌، والمرحوم‌ مفتّح‌ الذي‌ جعلوا يوم‌ استشهاده‌ يوماً للفيضيّة‌ ( مدرسة‌ دينيّة‌ في‌ قم‌ ) والجامعة‌، ويوماً لتلاحم‌ طلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ مع‌ طلاّب‌ الجامعات‌، وغير ذلك‌ من‌ المناسبات‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ الفارسي‌ّ.

 ويؤرّخون‌ رحلة‌ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ التي‌ وقعت‌ في‌ الثامن‌ عشر من‌ المحرّم‌، [2] في‌ 24 آبان‌، في‌ حين‌ أنّ روح‌ ذلك‌ المرحوم‌ تستاء من‌ إحياء المناسبات‌ السنويّة‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ. وهو متحقّق‌ بالحقّ وحقّانيّة‌ تطبيق‌ الشهور والسنين‌ القمريّة‌.

 ناهيك‌ عن‌ أنّ هذه‌ المناسبات‌، والاحتفالات‌ والاستشهادات‌، والتأبينات‌ لمّا كانت‌ قد جرت‌ علی أساس‌ النهضة‌ الدينيّة‌ الإسلاميّة‌، فمن‌ الانسب‌ أن‌ يحتفل‌ بذكراها باعتماد الشهور القمريّة‌ وذلك‌ لترسيخها وتخليدها في‌ أذهان‌ أبناء الجيل‌ المعاصر والقادم‌، فاستشهاد العالم‌ المظلوم‌ الغريب‌ المجاهد السيّد حسن‌ المدرّس‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ بكاشْمَر في‌ السابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌، وهو صائم‌. وحيث‌ كان‌ قائماً بالصلاة‌ عند غروب‌ الشمس‌. فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ ذكراه‌ في‌ هذا التأريخ‌ أو في‌ العاشر من‌ آذر؟ [3] واستشهاد المرحوم‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ شهيد طريق‌ الحقّ والعدالة‌ الذي‌ شنقوه‌ يوم‌ الثالث‌ عشر من‌ رجب‌، [4] وهو يوم‌ ميلاد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فأيّهما أفضل‌ إحياء ذكراه‌ في‌ هذا التأريخ‌ أو في‌ الشهر الشمسي‌ّ الفلاني‌ّ؟

 وعندما ثار الشعب‌ بعد العاشر من‌ المحرّم‌، وأقام‌ مجالس‌ العزاء عشرة‌ أيّام‌ بتمامها، وأحيي‌ ذكر سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ المجالس‌ والمحافل‌ من‌ خلال‌ الخطب‌ والكلمات‌ والمحاضرات‌ التي‌ ختمت‌ بالخطاب‌ التأريخي‌ّ الذي‌ ألقاه‌ قائد الثورة‌ في‌ المدرسة‌ الفيضيّة‌ عصر العاشر من‌ المحرّم‌، ممّا أدّي‌ إلی‌ اعتقال‌ كثير من‌ العلماء والفضلاء في‌ طهران‌ والمدن‌ الاُخري‌، حيث‌ نُقِلَ قائد الثورة‌ إلی‌ طهران‌ لاءعدامه‌، ووثبة‌ الشعب‌ المسلم‌ في‌ طهران‌ وقم‌، فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ هذه‌ الذكري‌ في‌ إلیوم‌ الثاني‌ عشر من‌ المحرّم‌ أو في‌ الخامس‌ عشر من‌ خرداد؟

 ولمّا نهض‌ أهالی‌ طهران‌ في‌ الليلة‌ الاُولی‌ من‌ المحرّم‌ وإلیوم‌ الاوّل‌ منه‌ وكانوا قد لبسوا الاكفان‌ وهم‌ يردّدون‌ شعار: الله‌ أكبر، إحياءً لذكري‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وقام‌ النظام‌ البهلوي‌ّ السفّاح‌ بقمع‌ هذه‌ الوثبة‌ قمعاً دمويّاً، فهل‌ من‌ الافضل‌ أن‌ نحيي‌ هذه‌ الذكري‌ في‌ الاوّل‌ من‌ المحرّم‌، أو في‌ الخامس‌ من‌ مِهر؟

 الرجوع الي الفهرس

إحياء المناسبات‌ علی أساس‌ التأريخ‌ القمري‌ّ

 أجل‌، فإنّ الشهور القمريّة‌ هي‌ ملاك‌ التقويم‌ للامّة‌ الإسلاميّة‌، لاغيرها، وذلك‌ وفقاً للادلّة‌ الشرعيّة‌ والتجربة‌ التأريخيّة‌.

 وتعقد الندوات‌ والجلسات‌ هذه‌ الايّام‌ في‌ أقطار العالم‌ الإسلامي‌ّ حسب‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ، والإيرانيّون‌ يؤاخذون‌ تلك‌ الاقطار علی استعمال‌ التأريخ‌ الميلادي‌ّ. ولو تساءلت‌ تلك‌ الاقطار عن‌ التأريخ‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ تتبنّاه‌ وتشترك‌ فيه‌ مع‌ الاقطار الاُخري‌، فهل‌ هناك‌ تأريخ‌ يوحّدها مع‌ غيرها سوي‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ القمري‌ّ؟ وتؤاخذنا تلك‌ الاقطار أيضاً أنّ السنين‌ الشمسيّة‌ غير إسلاميّة‌، وأنّ فروردين‌ وبهمن‌ وغيرهما من‌ الشهور الفارسيّة‌ هي‌ غير إسلاميّة‌ أيضاً، إذَنْ ينبغي‌ أن‌ نتلاحم‌ ونتكاتف‌ لاءصلاح‌ شؤوننا علی أساس‌ قاعدة‌ قرآنيّة‌ صحيحة‌، وذلك‌ لتتضافر جهودنا ونساهم‌ جميعنا في‌ أوّل‌ شي‌ء يمثّل‌ شرطاً لوحدة‌ المسلمين‌.

 ونقول‌ مرّة‌ أُخري‌ أيضاً: كيف‌ لا يصحّ أن‌ نؤرّخ‌ ذكري‌ استشهاد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ شوّال‌ يوماً، وفي‌ ربيع‌ الاوّل‌ يوماً آخر؟ وكيف‌ لا يصحّ أن‌ نجعل‌ عاشوراء بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ رجب‌ مرّة‌، وفي‌ شوّال‌ مرّة‌ أُخري‌؟ وكيف‌ لايصحّ أن‌ نجعل‌ النصف‌ من‌ شعبان‌ حيث‌ ولادة‌ الامام‌ صاحب‌ الزمان‌ عليه‌ السلام‌ بالتأريخ‌ الشمسي‌ّ، لانـّه‌ سيقع‌ في‌ محرّم‌ يوماً، وفي‌ صفر يوماً آخر؟ وبصورة‌ عامّة‌ تدور في‌ السنة‌ كلّها، وكذلك‌ لا تصحّ في‌ سائر المناسبات‌ السنويّة‌. [5]

 وهذا هو النسي‌ء الذي‌ نهانا عنه‌ القرآن‌، وحذّرتنا منه‌ السنّة‌ النبويّة‌ بشدّة‌ من‌ خلال‌ خطبة‌ حجّة‌ الوداع‌. ذلك‌ لانّ السنين‌ الشمسيّة‌ تتأخّر عن‌ السنين‌ القمريّة‌. ولو قدّر أن‌ نجعل‌ التقويم‌ علی أساس‌ التأريخ‌ الشمسي‌ّ، فقد أخّرنا أحد عشر يوماً كلّ سنة‌ عن‌ أوقات‌ السنة‌ السابقة‌؛ إذَنْ لاسبيل‌ لنا إلاّ تبنّي‌ الشهور القمريّة‌، وذلك‌ لكي‌ لانبتلي‌ بالنسي‌ء، ولنجعل‌ كلّ فعل‌ في‌ موضعه‌ وزمانه‌ الخاصّ به‌.

 ولمّا ورد ذكر النسي‌ء في‌ خطبة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بمنی‌، ممّا اضطرّنا إلی‌ شرحه‌ وتفسيره‌، جرّنا الحديث‌ حول‌ النسي‌ء إلی‌ بحث‌ كامل‌ وشامل‌ حول‌ الشهور القمريّة‌ والسنوات‌ الشمسيّة‌.

 فللّه‌ الحمد وله‌ المنّة‌ علی تقديم‌ هذا البحث‌ النزيه‌ لمطالعته‌ من‌ قبل‌ القرّاء المحترمين‌ لهذه‌ الرسالة‌.

 الرجوع الي الفهرس

نماذج‌ من‌ التواريخ‌ الشمسيّة‌ المختلفة‌

 تَذييل‌: السنة‌ الشمسيّة‌ عبارة‌ عن‌ دوران‌ الارض‌ حول‌ الشمس‌. أي‌: من‌ بداية‌ وصول‌ الارض‌ إلی‌ أوّل‌ برج‌ الحمل‌، إلی‌ وصولها ثانية‌ في‌ تلك‌ النقطة‌، وهو عبارة‌ عن‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وخمس‌ ساعات‌ وثمنی‌ وأربعين‌ دقيقة‌ وخمس‌ وأربعين‌ ثانية‌. ولمّا كان‌ تقسيم‌ هذا المقدار علی اثني‌ عشر شهراً غيرمحسوس‌، ويبقي‌ كسراً، لذلك‌ كما أنّ محاسبة‌ المنجّم‌ ضروريّة‌ لاصل‌ تعيين‌ هذا المقدار، فهي‌ من‌ الاُمور الضروريّة‌ والحتميّة‌ أيضاً لكيفيّة‌ تقسيم‌ هذا المقدار علی الشهور الاثني‌ عشر. ولمّا اختلف‌ المنجّمون‌ في‌ كيفيّة‌ التقسيم‌، لذلك‌ تتباين‌ الشهور الشمسيّة‌ علی أساس‌ التواريخ‌ المختلفة‌: الرومي‌ّ و الميلادي‌ّ القيصري‌ّ المعروف‌ بتأريخ‌ جولين‌، و الميلادي‌ّ الغريغوري‌ّ، و الهجري‌ّ الشمسي‌ّ، و الشمسي‌ّ إلیزدجردي‌ّ، و الجلإلی‌ّ الملكشاهي‌ّ، و الشمسي‌ّ القديم‌. [6]ويختلف‌ عدد أيّام‌ الشهر في‌ كلّ واحد من‌ هذه‌ التواريخ‌.

 وأمّا السنون‌ القمريّة‌ فلمّا كانت‌ اثني‌ عشر شهراً قمريّاً، والشهر القمري‌ّ محسوس‌ ومشهود، وهو عبارة‌ عن‌ الفترة‌ بين‌ مقابلتين‌ متوإلیتين‌ للشمس‌ والقمر، وبدايته‌ ينبغي‌ أن‌ تتحقّق‌ برؤية‌ الهلال‌، فلا حاجة‌ إلی‌ محاسبة‌ المنجّم‌، والتعديلات‌، وضبط‌ الكبائس‌، وعلی الرغم‌ من‌ أنّ المنجّمين‌ نظّموا لهم‌ كبائس‌، إلاّ أنـّها تعود إلی‌ الشهور القمريّة‌ النجوميّة‌، لاإلی‌ الشهور القمريّة‌ الشرعيّة‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تتمّ برؤية‌ الهلال‌ بعد خروجه‌ من‌ المحاق‌.

ولمّا كان‌ الدين‌ الإسلامي‌ّ المقدّس‌ هو دين‌ الفطرة‌: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. [7] فلهذا ترتكز أحكامه‌ وقوانينه‌ كلّها علی قاعدة‌ الفطرة‌ والطبيعة‌ والمشاهدة‌ والرؤية‌ وأمثالها. يقول‌:

 متي‌ رأيت‌ الهلال‌ في‌ أُفق‌ السماء بعد المحاق‌ فاجعله‌ أوّل‌ الشهر! واستمرّ بهذا الشهر حتّي‌ الرؤية‌ الاُخري‌!

 هذا تعليم‌ بسيط‌ ويسير وعامّ ولا يقبل‌ التغيير والتحريف‌ والزيادة‌ والنقصان‌.

 وهذه‌ الكيفيّة‌ من‌ محاسبة‌ الشهر، ورؤيته‌ في‌ أوّله‌، ومشاهدة‌ سيره‌ في‌ السماء، لتعيين‌ الوقت‌ قضيّة‌ عامّة‌ يتساوي‌ فيها العالم‌ والجاهل‌، والرياضي‌ّ والاُمّي‌ّ، والمنجّم‌ وغير المنجّم‌، والحضري‌ّ والبدوي‌ّ، والحاضر والمسافر، ولا يختلف‌ فيها هؤلاء، ولا يُشْتَبَه‌ بها في‌ الحساب‌.

 ولو بقي‌ شخص‌ علی ظهر السفينة‌ الرأسيّة‌ في‌ الماء أعواماً كثيرة‌، مثلاً خمسين‌ سنة‌ أو أكثر، أو عاش‌ علی سفوح‌ الجبال‌ وحده‌ بعيداً عن‌ أنظار الناس‌، أو قضي‌ عمره‌ في‌ القري‌ والارياف‌ منعزلاً عن‌ مجتمعه‌، أو أنقطع‌ عن‌ القافلة‌، وظلّ في‌ البوادي‌ والفلوات‌ سنيناً من‌ عمره‌، فإنّه‌ يعرف‌ شهره‌، ويعرف‌ إلیوم‌ الذي‌ يعيش‌ فيه‌.

 والإسلام‌ الذي‌ هو دين‌ عامّ وعالَمي‌ّ وفطري‌ّ قد قرّر لجميع‌ الناس‌ في‌ العالم‌ تنظيم‌ السنين‌ والشهور علی أساس‌ رؤية‌ الاهلّة‌ والشهور القمريّة‌. وهذا الامر في‌ غاية‌ من‌ الدقّة‌ بحيث‌ لو افترق‌ شخصان‌ من‌ المجاهدين‌ في‌ سبيل‌الله‌، أحدهما في‌ شرق‌ الكرة‌ الارضيّة‌، والآخر في‌ غربها، وظلاّ علی ذلك‌ الافتراق‌ أعواماً مديدة‌ ليس‌معهما تقويم‌، ولا منجّم‌ ولا حاسب‌، ثمّ التقيا، فإنّهما يعلمان‌ في‌ أي‌ّ يوم‌ من‌ أيّام‌ السنة‌، وفي‌ أي‌ّ شهر من‌ شهورها يعيشان‌. ذلك‌ لانّ عندهما حساب‌ الشهور بواسطة‌ رؤية‌ الهلال‌، وحساب‌ السنين‌ باثني‌ عشر شهراً لكلّ سنة‌، وكذلك‌ عندهم‌ حساب‌ الايّام‌.

 وهذا قانون‌ لا يعتريه‌ النقصان‌ والزيادة‌، وهو غني‌ّ عن‌ محاسبة‌ المنجّم‌. ولا خلاف‌ بين‌ القائلين‌ به‌ وأتباعهم‌. ولا يحتاج‌ إلی‌ الجَعْل‌ والحَدْس‌ والتقريب‌ والتخمين‌ والوضع‌ العرفي‌ّ.

 وهذا قانون‌ يتيسّر له‌ توجيه‌ الناس‌ وإدارة‌ شؤونهم‌. ويبثّ حكمه‌ إلی‌ شتّي‌ أرجاء العالم‌ مهما كانت‌ الظروف‌ والاحوال‌، ويوحّد الجميع‌ تحت‌ راية‌ واحدة‌ وتأريخ‌ واحد وتقويم‌ واحد. وهذه‌ هي‌ الشريعة‌ السهلة‌ العامّة‌ التي‌ تحدّث‌ عنها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، إذ قال‌: بُعِثْتُ علی شَرِيعَةٍ سَمْحَةٍ سَهْلَةٍ.

 الرجوع الي الفهرس

فوائد السنة‌ القمريّة‌ ومضارّ السنة‌ الشمسيّة‌

 أمّا لو قدّر أن‌ يكون‌ التقويم‌ الشرعي‌ّ والإسلامي‌ّ هو التقويم‌ الشمسي‌ّ، فالله‌ أعلم‌ بالإشکالات‌ التي‌ ستحصل‌ جرّاء ذلك‌.

 أوّلاً: الحاجة‌ إلی‌ الرَّصَد، والمنجّم‌، وتعيين‌ نقطة‌ الاعتدال‌ الربيعي‌ّ، أو الخريفي‌ّ، والإسلام‌ لا يقيّد أحكامه‌ أبداً بالحاجة‌ إلی‌ أمر خارجي‌ّ مجعول‌.

 ثانياً: أي‌ّ شهر من‌ الشهور الشمسيّة‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ معتبراً؟ ذلك‌ لانـّنا عرفنا أنّ مقدار الشهور الشمسيّة‌ يتفاوت‌ حسب‌ التقاويم‌ المختلفة‌.

 ثالثاً: لو خُوّل‌ المنجّم‌ صلاحيّة‌ تعيين‌ الشهور، فإنّ كلّ واحد من‌ المنجّمين‌ ينظّم‌ الشهور بشكل‌ خاصّ حسبما يراه‌. ممّا يبعث‌ علی نشوب‌ الخلاف‌ والاختلاف‌ بين‌ أبناء الاُمّة‌ في‌ التقويم‌ والاحكام‌. ونحن‌ نعلم‌ أنّ المنجّمين‌ لو لم‌ يخطأوا في‌ أصل‌ حساب‌ الكبيسة‌ وتعيين‌ مقدارها، فإنّ الصلاحيّة‌ في‌ تعيين‌ مقدار الشهور أمر مجعول‌ وخاضع‌ لنفوذهم‌. ولايمكن‌ تقديم‌ رأي‌ لمنجّم‌ خاصّ علی رأي‌ منجّم‌ آخر مع‌ حفظ‌ أُصول‌ الحساب‌.

 ورابعاً: يؤدّي‌ هذا الامر إلی‌ اختلاف‌ المسلمين‌ في‌ بقاع‌ مختلفة‌ من‌ العالم‌ لتعذّر الحصول‌ علی تقويم‌ وتأريخ‌ معيّنين‌. ويضيع‌ أهل‌ القري‌ والارياف‌، والقوافل‌، والمسافرون‌ عبر البحر والجوّ ـلو طال‌ سفرهم‌ـ حسابهم‌. وحينئذٍ لا يبقي‌ مفهوم‌ ومصداق‌ لخلود الشريعة‌، وَحَلاَلُ مُحَمَّدٍ حَلاَلٌّ إلی يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرَامُّ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلی‌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. [8]

 الرجوع الي الفهرس

فوائد ومنافع‌ الشهور القمريّة‌

 ولـذا نـري‌ كيف‌ اعتبرت‌ الآيـة‌ الكريمـة‌: إِنَّ عِـدَّةَ الشُّـهُورِ عِندَاللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ:

 أوّلاً: ترتيب‌ الشهور القمريّة‌ منوطاً بالخلق‌، وعددها الاثنا عشر مرتبطاً بأصل‌ التكوين‌ والفطرة‌، وخلق‌ السماوات‌ والارض‌. مضافاً إلی‌ أنـّها عرضت‌ ذلك‌ بوصفه‌ الدين‌ القيّم‌، أي‌: الثابت‌. وبعبارة‌ أُخري‌، أنّ السنين‌ القمريّة‌ والشهور القمريّة‌ هي‌ دين‌الله‌ القيّم‌ الثابت‌ وحكمه‌ الذي‌ لايتغيّر ولا يقبل‌ التحريف‌ ما دامت‌ السماوات‌ والارض‌. [9]

 مرحباً بهذا الدين‌ ذي‌ التأريخ‌ الدقيق‌ والمنظّم‌ إلی‌ درجة‌ أنّ هذا إلیوم‌ الذي‌ نحن‌ فيه‌، وهو الرابع‌ من‌ ربيع‌ الثاني‌ سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وخمس‌ للهجرة‌، هو نفسه‌ في‌ أرجاء العالم‌ كافّة‌، وبين‌ المسلمين‌ جميعهم‌ بلاخلاف‌، فإلیوم‌ هو نفسه‌، وكذلك‌ الشهر والسنة‌.

 والآن‌ ندرك‌ كيف‌ حاول‌ الاستعمار أن‌ يخلخل‌ هذا التأريخ‌ القويم‌، ويقطع‌ وشائج‌ الوحدة‌ بين‌ المسلمين‌، ويقصّ هذا الحبل‌ المتين‌ علی أساس‌ الشهور والسنين‌ الشمسيّة‌، مع‌ أنّ بداية‌ الهجرة‌ محفوظة‌، أو علی أساس‌ استبدال‌ التأريخ‌ الهجري‌ّ بالتأريخ‌ الميلادي‌ّ أو الشاهنشاهي‌ّ. قَطَعَاللَهُ أَيْدِيَهُمْ، وَتَبَّتْ كَلِمَتَهُمْ، وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا وَبِمَا عَمِلُوا، وَثَبَّتَ اللَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِدِينِهِمُ الْقَوِيمِ وَصِرَاطِهِمُ الْمُسْتَقِيمِ، وَأعلی كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَهِي‌َ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا.

 ثانياً: من‌ المنافع‌ التي‌ تدرّها السنون‌ والشهور القمريّة‌ ـكما يبدوـ تطوّر أعمال‌ المسلمين‌ في‌ جميع‌ الفصول‌ والاوقات‌ المختلفة‌ من‌ السنة‌. مثلاً صيام‌ شهر رمضان‌ يدور في‌ الفصول‌ المختلفة‌. ويصوم‌ المسلم‌ في‌ الشتاء، والربيع‌، والصيف‌، والخريف‌ دون‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ أي‌ّ تخلّف‌. وفي‌ ضوء ذلك‌، مضافاً إلی‌ أنّ طبيعته‌ في‌ الفصول‌ الاربعة‌ تحتاج‌ إلی‌ الصوم‌ في‌ الفصول‌ الاربعة‌ ـحسب‌ فهم‌ الاحكام‌ والقوانين‌ من‌ أصل‌ الفطرة‌ـ وأنّ الفوائد الصحيّة‌ للصوم‌ تعود إلیه‌ بنحو تامّ. فإنّه‌ يهيّي‌ طبيعته‌ وإرادته‌ للجوع‌ في‌ أوقات‌ طويلة‌ وحارّة‌ أيضاً. وفي‌ ضوء ذلك‌ يتيسّر علی المسلم‌ الجهاد في‌ سبيل‌الله‌، وهو الفريضة‌ الواجبة‌ والعامّة‌ علی الشيوخ‌ والشباب‌ ولاتختصّ بفصل‌ الشتاء واعتدال‌ الجوّ. وربّما تقع‌ في‌ الصيف‌ القائظ‌. إذ يلزم‌ علی الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ أن‌ تنهض‌ للجهاد ضدّ خصومها وتدافع‌ عن‌ حقوقها الحقّة‌ سواء في‌ الجوّ الحارّ الشديد والنهار الطويل‌ أو في‌ البرد القارص‌ وشدّته‌. وكذلك‌ الحجّ الذي‌ يقام‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌ ويدور في‌ الفصول‌ الاربعة‌ فإنّه‌ يعدّ الإنسان‌ للجهاد، والسفر في‌ طرق‌ نائية‌ مهما كانت‌ الظروف‌ مضافاً إلی‌ ما يقتطفه‌ المسلم‌ من‌ ثمار الحجّ حتّي‌ في‌ البرد القارص‌ والحرّ الشديد.

 وحصيلة‌ القول‌: إنّه‌ لمّا كانت‌ طبيعة‌ الإنسان‌ تتغيّر في‌ الفصول‌ الاربعة‌ علی امتداد السنة‌، فإنّ الإسلام‌ المرتكز علی قاعدة‌ الفطرة‌ البشريّة‌ قد وضع‌ أحكامه‌ وتعإلیمه‌ لتلائم‌ طبيعة‌ الإنسان‌ في‌ دورة‌ الفصول‌ الاربعة‌.

 وأمّا ما تناقلته‌ الالسن‌ ولاكته‌ الافواه‌ عن‌ عيد النوروز، وأنّ الإسلام‌ أيّده‌، ورغّب‌ في‌ الغسل‌ والصلاة‌ والدعاء عند تحويل‌ الشمس‌ في‌ برج‌ الحمل‌، فهو كلام‌ عار عن‌ الصحّة‌ ومجرّد من‌ الحقيقة‌.

 فلم‌ يرغّب‌ الإسلام‌ في‌ هذا المجال‌ قطّ، بل‌ رفضه‌ واعتبر الاحتفال‌ بهذا العيد كتقليد قومي‌ّ بدعة‌ من‌ البدع‌. والرواية‌ الواردة‌ في‌ هذا الباب‌ عن‌ المُعلی بْنِ خُنَيْس‌ ضعيفة‌ السند. والروايات‌ والاحاديث‌ الاُخري‌ علی هذا المنوال‌. والغسل‌ والدعاء أيضاً علی أساس‌ أدلّة‌ التسامح‌ في‌ السنن‌ في‌ ضوء روايات‌: مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ علی شَي‌ْءٍ فَأَتَي‌ بِهِ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَهُ وَإن‌ لَمْ يَكُنْ كَمَا بَلَغَ، فليس‌ مشرّعاً للحكم‌، ولا أساس‌ للتمّسك‌ بتلك‌ الروايات‌ في‌ هذا المجال‌. وفي‌ نيّتنا تإلیف‌ رسالة‌ شاملة‌ وكاملة‌ حول‌ عيد النوروز وعدم‌ جواز التمسّك‌ بأدلّة‌ التسامح‌ في‌ السنن‌ في‌ هذا المجال‌ بحول‌الله‌ وقوّته‌، ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاَّ بالله‌ العلی العظيم‌.

 وكذلك‌ ورد النهي‌ عن‌ المهرجان‌ وهو ( عيد مهركان‌ ). واعتبر الشارع‌ أنّ التمسّك‌ بالنوروز والمهرجان‌ من‌ آداب‌ الجاهليّة‌. ونأمل‌ أن‌ تظهر حقائق‌ أكثر من‌ خلال‌ تإلیف‌ هذه‌ الرسالة‌ إن‌ شاء الله‌ تعإلی‌.

 الرجوع الي الفهرس

أداء رسول‌ الله‌ المناسك‌ الاُخري‌ في‌ أرض‌ منی‌

 إلی‌ هنا ننهي‌ حديثنا عن‌ الشهور والسنوات‌ القمريّة‌ والشمسيّة‌، ولن‌نتكلّم‌ بعدُ عن‌ تفسير النسي‌ء الوارد في‌ الآية‌ الكريمة‌، وفي‌ الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌ المأثور في‌ حِجَّة‌ الوداع‌. ونتعرّض‌ هنا إلی‌ المناسك‌ الاُخري‌ التي‌ أدّاها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ أرض‌ منی‌.

 لقد جاء رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ المَنْحَر قادماً من‌ المحلّ الذي‌ خطب‌ فيه‌ بمنی‌، ونحر بيده‌ المباركة‌ جميع‌ البدن‌ التي‌ ساقها بنفسه‌.

 وقلنا سابقاً إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ساق‌ معه‌ 63 أو 64 أو 66 أو 67 بدنة‌. و ساق‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ إلیمن‌ 37 أو 36 أو 36 أو 33 بدنة‌ إلی‌ رسول‌ الله‌. و أشركه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ معه‌ في‌ حجّه‌ و هديه‌. فكان‌ كنفس‌ النبيّ في‌ جميع‌ المناسك‌.

 فلهذا اشتركا في‌ نحر البدن‌ التي‌ كان‌ عددها مائة‌. فشرع‌ رسول‌الله‌ بالنحر أوّلاً، وقيل‌: نحر 63 بدنة‌ بمقدار عمره‌، إذ نحر عن‌ كلّ سنة‌ من‌ عمره‌ بدنة‌. ونحر أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الباقي‌ و هو تمام‌ المائة‌. وكان‌ ناجِيَة‌ بن‌ جُنْدب‌ الخُزَاعي‌ّ الاسْلَمي‌ّ حارساً علی البدن‌ كلّها. [10]

 فأمر رسول‌ الله‌ أن‌ يأخذوا من‌ كلّ بعير بضعة‌، ويجعلونها في‌ القدر ويطبخونها. وبعد ذلك‌ أكل‌ هو ووصيّه‌ العظيم‌ أمير المؤمنين‌ عليهما صلوات‌ المصلّين‌، من‌ لحمها وشربا من‌ مرقها.

 وتصدّق‌ رسول‌ الله‌ بالبدن‌ كلّها، وحتّي‌ جلودها، وجلالها وما علّق‌ في‌ أعناقها، ولم‌ يعط‌ للجزّار منها شيئاً، بل‌ أعطاه‌ أجره‌ من‌ شي‌ء آخر غيرالاجزاء والاعضاء وما يتعلّق‌ بها. [11]

 ولمّا فرغ‌ رسول‌ الله‌ من‌ النحر، حلق‌ رأسه‌ الشريف‌، حلقه‌ مُعَمَّرُبْنُ عَبْدِاللَهِ. وأشار إلی‌ الجانب‌ الايمن‌ من‌ رأسه‌، فبدأ الحلاّق‌ به‌ فحلقه‌. وأعطي‌ أبا طلحة‌ الانصاري‌ّ شعره‌ ليقسّمه‌ بين‌ الناس‌، ويصل‌ لكلّ واحد شعرة‌ أو شعرتان‌ منه‌. ثمّ أشار إلی‌ الجانب‌ الايسر، فحلقه‌ الحلاّق‌.

 وأعطاه‌ أيضاً لاُمّ سَليم‌ زوجة‌ أبي‌ طلحة‌ الانصاري‌ّ، أو لكُرَيْب‌، أو لابي‌ طلحة‌ نفسه‌ ليقسّمه‌ بين‌ الحجّاج‌. [12]

 ولمّا فرغ‌ من‌ حلق‌ رأسه‌، ارتدي‌ لباساً نظيفاً ومخيطاً وتحرّك‌ نحو مكّة‌ للطواف‌، وأداء صلاة‌ الطواف‌.

 ولا يخفي‌ أنّ الناس‌ عندما كانوا يسألونه‌ قبل‌ التحرّك‌ عن‌ الحلق‌ أو عن‌ التقصير، كان‌ يقول‌: رَحِمَ اللَهُ الْمُحَلِّقِينَ. وفي‌ رواية‌ أنـّه‌ لمّا حلق‌ بعض‌ الصحابة‌ وقصّر البعض‌ الآخر، قال‌: اللَهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ.

 قالوا: وَالمُقَصِّرِينَ؟

 فأعاد رسول‌ الله‌ قوله‌: اللَهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ.

 فقالوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟

 فقال‌ رسول‌ الله‌ للمرّة‌ الثالثة‌: اللَهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقينَ!

 ولمّا قالوا في‌ المرّة‌ الرابعة‌: وَالْمُقَصِّرينَ؟

 قال‌ رسول‌ الله‌: وَالْمُقَصِّرِينَ. [13]

 وقال‌ البعض‌، كان‌ هذا التكرار من‌ النبي‌ّ في‌ عُمْرَة‌ الحُدَيْبِيَّةِ لافي‌ حِجَّةَ الوَدَاع‌. ولكن‌ لمّا ورد هذا الحوار في‌ حِجَّة‌ الوداع‌ مضافاً إلی‌ عُمْرة‌ الحُدَيْبِيَّة‌، فلا يستبعد أن‌ يكون‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد استغفر للمحُلّقين‌ ثلاث‌ مرّات‌، وللمقصّرين‌ في‌ المرحلة‌ الرابعة‌ في‌ كلا الموضعين‌.

 ولمّا تحرّك‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ منی‌ إلی‌ مكّة‌، طلب‌ عند المسجد الحرام‌ ماءً، ولمّا أراد بعض‌ الصحابة‌، ومنهم‌ عمّه‌ العبّاس‌ أن‌ يأتوه‌ بالماء من‌ بيوتهم‌، قال‌: « اسقوني‌ ممّا يشرب‌ الناس‌ ». [14] ثمّ أتي‌ زمزم‌ فنزع‌ له‌ السقّاؤون‌ من‌ بني‌ عبد المطّلب‌، الذين‌ كانوا مشغولين‌ بنزع‌ الماء دلواً.

 فتناول‌ منه‌، ثمّ مجّ مقداراً منه‌ في‌ الدلو وناوله‌ السقّائين‌ ليفرغوه‌ في‌ البئر ثانية‌، وقال‌: لولا أخاف‌ أن‌ يظنّ الناس‌ أنّ هذا من‌ المناسك‌، فيأتون‌ زمزم‌ لنزع‌ الماء وتُغْلَبون‌، لاحببت‌ أن‌ أنزع‌ الماء بيدي‌، حتّي‌ أضع‌ الحبل‌ علی عاتقي‌. [15]

 طاف‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وصلّي‌، ورجع‌ إلی‌ منی‌ في‌ نفس‌ إلیوم‌. وقيل‌: صلّي‌ الظهر بمكّة‌. وقيل‌: بمنی‌، وهذا القول‌ بعيد، لانـّه‌ مهما كان‌ النهار طويلاً، فإنّ أداء مناسك‌ منی‌ من‌ الرمي‌ والحَلْق‌، ونحر ثلاث‌ وستّين‌ بدنة‌، وطبخها، وشرب‌ شي‌ء من‌ مرقها، وإلقاء خطبة‌ طويلة‌، والإجابة‌ علی أسئلة‌ الناس‌، والقدوم‌ إلی‌ مكّة‌ وهي‌ تبعد فرسخين‌، وأداء المناسك‌ في‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌، كلّ ذلك‌ مستبعد أن‌ ينتهي‌ قبل‌ الظهر بساعة‌، ويرجع‌ إلی‌ منی‌، ويصلّي‌ فيها صلاة‌ الظهر. [16] وجاء في‌ « البداية‌ والنهاية‌ » ج‌5، ص‌ 191 أنّ حجّ النبي‌ّ كان‌ في‌ الصيف‌، والنهار كان‌ طويلاً.

 فالقول‌ الاقرب‌ هو أنـّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ صلّي‌ الظهر بمكّة‌، ثمّ اتّجه‌ تلقاء منی‌.

 وينبغي‌ أن‌ نعلم‌ أنّ الحجّ مهما كان‌ نوعه‌، تمتّعاً، أو قِراناً، أو إفراداً فله‌ طوافان‌: أحدهما: يقال‌ له‌: طواف‌ الزيارة‌ أو الإفاضة‌، وهو أوّل‌ طواف‌ يقوم‌ به‌ المحرم‌ بإحرام‌ الحجّ، سواء قبل‌ الوقوف‌ في‌ عرفات‌ كطواف‌ القارِن‌ والمفرد فيما إذا رغبا، فإنّهما يقومان‌ بذلك‌ بعد الإحرام‌ والدخول‌ في‌ مكّة‌. ونري‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ حيث‌ كان‌ حجّهما حجّ قران‌، وكان‌ قد ساقا معهما هدياً، عندما دخلاً مكّة‌، طافا، وسعيا أيضاً في‌ أوّل‌ وهلة‌ قبل‌ الوقوف‌ في‌ عرفات‌. وبعد هذا الطواف‌ أيضاً، سعيا بين‌ الصفا والمروة‌.

 وبالطبع‌ فإنّ علی القارن‌ والمفرد بعد هذا الطواف‌ أن‌ يسعيا أيضاً بين‌ الصفا والمروة‌، سواء بعد الوقوف‌ في‌ عرفات‌ كالمتمتّع‌، أو كالقارِن‌ والمفرد اللذين‌ لم‌ يطوفا ولم‌ يسعيا قبل‌ الوقوف‌.

 والطواف‌ الآخر: هو الطواف‌ الذي‌ يتمّ بعد الفراغ‌ من‌ مناسك‌ الحج‌، ويقال‌ له‌: طواف‌ النساء. ولا خلاف‌ بين‌ الشيعة‌ والسنّة‌ في‌ وجوبه‌.

 وهذا الطواف‌ ليس‌ جزءاً من‌ أعمال‌ الحجّ، بل‌ هو عمل‌ واجب‌ ومستقلّ، ومنفصل‌ عن‌ أجزاء الحجّ. ولو لم‌ يقم‌ به‌ أحد، فلا إشكال‌ في‌ حجّه‌. غاية‌ الامر أنـّه‌ سيكون‌ قد ترك‌ عملاً واجباً وأنّ أثره‌ الذي‌ يترتبّ عليه‌ وهو حلّيّة‌ النساء سينعدم‌.

 وسبب‌ تسمية‌ طواف‌ النساء هو حلِّيَّة‌ النساء والعقد عليهنّ، والشهود علی العقد، في‌ مقابل‌ طواف‌ الإفاضة‌ الذي‌ يمثّل‌ جزءاً من‌ الحجّ، وما يترتّب‌ عليه‌ هو حلِّيَّة‌ الطيب‌ والعطر.

 وأهل‌ السنّة‌ يوجبون‌ هذا الطواف‌ أيضاً. غاية‌ الامر أنـّهم‌ يسمّونه‌ طواف‌ الوداع‌. ويعتبرون‌ ما يترتّب‌ عليه‌ حلّيّة‌ النساء أيضاً، إذ تبقي‌ النساء علی حرمتهنّ بدونه‌.

 والسبب‌ في‌ أنـّهم‌ لا يسمّونه‌ طواف‌ النساء هو أنـّهم‌ جميعاً لايرون‌ حلِّيَّة‌ الطيب‌ في‌ طواف‌ الزيارة‌ والإفاضة‌. وأكثرهم‌ يري‌ أنّ استعمال‌ الطيب‌ يحلّ بمجرّد الحلق‌ أو التقصير في‌ منی‌. فلا تضادّ بين‌ هذين‌ الطوافين‌ عندهم‌ فيسمّون‌ الطواف‌ الاخير: طواف‌ النساء. إلاّ أنّ ما يترتّب‌ علی هذا الطواف‌ ـكما ذكرناـ هو حلِّيَّة‌ النساء عندهم‌ إجماعاً. فطواف‌ الوداع‌ الواجب‌ عندهم‌ ـفي‌ الحقيقة‌ـ هو هذا الطواف‌، وأثره‌ هو نفس‌ الاثر، واختلاف‌ التسمية‌ لا يستدعي‌ تغيير حقيقة‌ العمل‌.

 بَيدَ أنّ الشيعة‌ ـمضافاً إلی‌ هذا الطواف‌ الواجب‌ـ تري‌ استحباب‌ طواف‌ آخر يسمّي‌ طواف‌ الوداع‌ عند الخروج‌ من‌ مكّة‌.

 ولا يسعي‌ في‌ طواف‌ النساء أو الوداع‌ عند العامّة‌، مع‌ أنـّه‌ واجب‌. وفيه‌ صلاة‌ ركعتين‌ واجبة‌ تقام‌ بعده‌. غير أنّ طواف‌ الإفاضة‌ فيه‌ سعي‌، والعمل‌ بدونه‌ ناقص‌.[17]

 فلهذا نري‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قد سعيا بعد طواف‌ الإفاضة‌، غير أنـّهما لم‌ يسعيا بعد طواف‌ النساء أو الوداع‌ الذي‌ قاما به‌ بعد الوقوف‌ في‌ عرفات‌ وأداء المناسك‌ يوم‌ عبد الاضحي‌.

 أمّا الذين‌ أحرموا للحجّ من‌ مكّة‌ بأمر رسول‌ الله‌، وكان‌ حجّهم‌ حجّ الإفراد، فعليهم‌ بعد الوقوف‌ وأداء المناسك‌ في‌ منی‌ أن‌ يطوفوا طواف‌ الإفاضة‌، ويسعوا، ثمّ يطوفوا بعد السعي‌ طواف‌ النساء أو طواف‌ الوداع‌، فالحمد للّه‌ وحده‌.

 رجع‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ منی‌ يوم‌ عيد الاضحي‌ بعد أداء المناسك‌ في‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌. وعندما كان‌ يسأله‌ الناس‌ حول‌ تقديم‌ بعض‌ المناسك‌ الخاصّة‌ بمنی‌ علی البعض‌ الآخر جهلاً أو نسياناً، كان‌ يقول‌: لاَ حَرجَ. سواء تقدّم‌ الحَلْق‌ علی الذبح‌، أو الحَلْق‌ علی الرمي‌، وحتّي‌ لو تقدّم‌ طواف‌ الزيارة‌ علی الرمي‌. كان‌ يقول‌: لاَ حَرَجَ. [18]

 وهنا تنسجم‌ الروايات‌ المأثورة‌ عن‌ الشيعة‌ والعامّة‌ مع‌ هذا الحكم‌. وننقل‌ فيما يلي‌ روايتين‌ عن‌ الشيعة‌، وروايتين‌ عن‌ العامّة‌.

 أمّا عن‌ الشيعة‌، فقد روي‌ علی بن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ عمير، عن‌ جميل‌ بن‌ دُرَّاج‌، قال‌: سألت‌ أبا عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ الرجل‌ يزور البيت‌ قبل‌ أن‌ يحلق‌، قال‌: لاَ يَنْبَغِي‌ إلاَّ أَنْ يَكُونَ نَاسِياً.

 ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ أُنَاسٌ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَهِ! إنِّي‌ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِي‌، فَلَمْ يَتْرُكُوا شَيْئاً كَانَ يَنْبَغِي‌ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوهُ إلاَّ قَدَّمُوهُ، فَقَالَ: لاَ حَرَجَ. [19]

 والثانية‌: رواية‌ رواها عدّة‌ من‌ الاصحاب‌، عن‌ سهل‌ بن‌ زياد، عن‌ أحمدبن‌ محمّد بن‌ أبي‌ نصر قال‌: قلت‌ للاءمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌: إنّ رجلاً من‌ أصحابنا رمي‌ الجمرة‌ يوم‌ النحر، وحلق‌ قبل‌ أن‌ يذبح‌.

 فقال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ لمّا كان‌ يوم‌ النحر، أتاه‌ طوائف‌ من‌ المسلمين‌، فقالوا: يا رسول‌ الله‌! ذبحنا من‌ قبل‌ أن‌ نرمي‌، وحلقنا من‌ قبل‌ أن‌ نذبح‌، ولم‌ يبق‌ شي‌ء ممّا ينبغي‌ لهم‌ أن‌ يقدّموه‌ إلاّ أخّروه‌. ولاشي‌ء ممّا ينبغي‌ لهم‌ أن‌ يؤخّروه‌ إلاّ قدّموه‌، فقال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌: لاَ حَرَجَ، لاَ حَرَجَ. [20]

 وأمّا عن‌ العامّة‌، فقد جاء في‌ « صحيح‌ مسلم‌ » عن‌ عمروبن‌ العاص‌، قال‌: وقف‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ بمنی‌ علی راحلته‌ للناس‌ يسألونه‌.

 فجاء رجل‌، فقال‌: يا رسول‌ الله‌! لم‌ أشعر أنّ التحلّل‌ قبل‌ النحر، فحلقت‌ قبل‌ أن‌ أنحر، فقال‌: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ.

 ثمّ جاءه‌ رجل‌ آخر، فقال‌: يا رسول‌ الله‌! لم‌ أشعر أنّ الرمي‌ قبل‌ النحر، فنحرتُ قبل‌ أن‌ أرمي‌، فقال‌: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ.

 وجاءه‌ آخر، فقال‌: إنّي‌ أفضت‌ إلی‌ البيت‌ قبل‌ أن‌ أرمي‌! فقال‌: ارْمِ وَلاَحَرَجَ.

 قال‌: فما سئل‌ رسول‌ الله‌ عن‌ شي‌ء قدّم‌ ولا أخّر إلاّ قال‌: افْعَلْ وَلاَحَرَجَ. [21]

 الثانية‌: رواية‌ رواها أحمد بن‌ عمر بن‌ أَنَس‌ العذري‌ّ بسنده‌ عن‌ أُسامة‌بن‌ شريك‌، قال‌: شهدت‌ رسول‌ الله‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ وهو يخطب‌، وهو يقول‌: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاك‌. قال‌: فجاء قوم‌، فقالوا: يا رسول‌ الله‌، قبلنا بنو يربوع‌!

 فقال‌ رسول‌ الله‌: لا تجني‌ نفس‌ علی أُخري‌، ثمّ سأله‌ رجل‌ نسي‌ أن‌ يرمي‌ الجمار، فقال‌: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ. ثمّ أتاه‌ آخر، فقال‌: يا رسول‌الله‌! نسيت‌ الطواف‌، فقال‌: طُفْ وَلاَ حَرَجَ.

 ثمّ أتاه‌ آخر، حلق‌ قبل‌ أن‌ يذبح‌، قال‌: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ. فما سألوه‌ يومئذٍ عن‌ شي‌ء إلاّ قال‌: لاَ حَرَجَ، لاَ حَرَجَ.

 ثمّ قال‌: قَدْ أَذْهَبَ اللَهُ الْحَرَجَ إلاَّ رَجُلاً اقْتَرَضَ امْرَءاً مُسْلِماً فَذَلِكَ الَّذِي‌ حَرَجَ وَهَلَكَ. وَقَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَهُ دَاءً إلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً إلاَّ الْهَرَمَ. [22]

 نعم‌ لقد دار البحث‌ حول‌ التقديم‌ والتأخير في‌ مناسك‌ منی‌ بعضها علی البعض‌ الآخر في‌ مجإلین‌.

 الاوّل‌: عند الجهل‌ بلزوم‌ التقديم‌ أو النسيان‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ تجمع‌ الروايات‌ علی عدم‌ لزوم‌ الإعادة‌ والتكرار، كما مرّ في‌ رواية‌ جميل‌ المتقدّمة‌. وهنا مع‌ فرض‌ لزوم‌ التقديم‌ والتأخير وشرطيّة‌ ذلك‌، كما يستفاد من‌ الروايات‌، ينبغي‌ أن‌ نقول‌ بأنّ الشرطيّة‌ منحصرة‌ عند التذكّر والعِلْم‌، لاعند الجهل‌ والنسيان‌.

 الثاني‌: عند التعمّد والعلم‌. وحينئذٍ علی الرغم‌ من‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ لزوم‌ الإثم‌ والذنب‌ والحرج‌، مع‌ فرض‌ صحّة‌ الحجّ، وقطع‌ أصحابنا بعدم‌لزوم‌ التكرار والاعادة‌، ينبغي‌ القول‌: إنّ هذه‌ الشرطيّة‌ في‌ التقديم‌ والتأخير من‌ باب‌ تعدّد المطلوب‌، لا من‌ باب‌ وحدة‌ المطلوب‌ المشروطة‌ بهذا الشرط‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ لو أتي‌ أحد بأصل‌ الماهيّة‌ والطبيعة‌، فإنّ المطلوب‌ قد تحقّق‌، ولا مجال‌ للاءعادة‌ والتكرار، إلاّ أنـّه‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌ فات‌ مطلوب‌ آخر، وهو التقديم‌ والتأخير، ممّا يستلزم‌ الحَرَج‌ والذنب‌. وعلی الرغم‌ من‌ أنّ الحجّ أيضاً صحيح‌ وكامل‌، ولكنّه‌ ليس‌ حجّاً تامّاً. وهنا يستبين‌ الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌. ويسمّي‌ يوم‌ العيد: يوم‌ النَّحْر، ويوم‌ الاضحي‌، ويوم‌ الحجّ الاكبر. [23]

 ويسمّي‌ إلیوم‌ الحادي‌ّ عشر، والثاني‌ عشر، والثالث‌ عشر: أيّام‌ التَّشْريق‌، وذلك‌ للمعان‌ الشمس‌ وإشراقها علی لحوم‌ الاضاحي‌ التي‌ تُشَرَّق‌ وتتلالا بسبب‌ أشعّة‌ الشمس‌، ولذلك‌ أُطلق‌ علی الليإلی‌ التي‌ تسبقها: لَيَإلی‌ التَّشْرِيق‌. ويصطلح‌ علی إلیوم‌ الحادي‌ّ عشر: يَوْم‌ الرُّؤوس‌ ويوم‌ القَرّ أيضاً. لانّ الحجّاج‌ يأكلون‌ فيه‌ رؤوس‌ الاضاحي‌ غالباً، ويقرّون‌ فيه‌ مقابل‌ يوم‌ النَّفْر. وإلیوم‌ الثاني‌ عشر هو يَوْم‌ الاَكْرُع‌ أو يَوْمَ الاَكَارِع‌ أو يَوْمُ النَّفْرِ الاَوَّل‌ لانّ الحجّاج‌ يطبخون‌ فيه‌ أكارع‌ الإبل‌ والاغنام‌ وباعتباره‌ أوّل‌ يوم‌ يفرغ‌ فيه‌ الحجّاج‌ من‌ أعمالهم‌، أو يذهبون‌ إلی‌ مكّة‌، أو إلی‌ أوطانهم‌ فقد سُمّي‌ بيوم‌ النفر. كما يدعي‌ إلیوم‌ الثالث‌ عشر بِيَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي‌ إذ ينفر فيه‌ الحجّاج‌ الذين‌ لم‌ ينفروا يوم‌ النفر الاوّل‌. [24]

 ويجب‌ علی الحاجّ أن‌ يبقي‌ في‌ منی‌ حتّي‌ منتصف‌ الليل‌، وذلك‌ في‌ الليلتين‌ الحادية‌ عشرة‌ والثانية‌ عشرة‌. إلاّ أن‌ يكون‌ في‌ مكّة‌ مشغولاً بالعبادة‌.

 ولمّا كان‌ العبّاس‌ بن‌ عبد المطلّب‌ عمّ النبي‌ّ يتولّي‌ سقاية‌ الحاجّ، فلهذا استأذن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يبقي‌ في‌ مكّة‌ ليإلی‌ منی‌. [25]

 وأجاز رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ لرعاة‌ الإبل‌ أن‌ يرموا جمراتهم‌ يوم‌ العيد، ولا يرموا في‌ إلیوم‌ الذي‌ يليه‌، بل‌ يرموا بدله‌ في‌ إلیوم‌ التإلی‌ لهذا إلیوم‌ وهو يوم‌ النفر الاوّل‌. وأجاز لهم‌ أيضاً أن‌ يرموا بالليل‌. [26]

 وجاء في‌ بعض‌ الروايات‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ يأتي‌ إلی‌ مكّة‌ ليلاً لزيارة‌ بيت‌ الله‌، ثمّ يرجع‌.

 وأقام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ مسجد الخَيْف‌ بمنی‌. وأمر أن‌ يقيم‌ المهاجرون‌ في‌ الجانب‌ الايمن‌، والانصار في‌الجانب‌ الايسر، وسائر الناس‌ بعد ذلك‌.

 وقيل‌ له‌: يا رسول‌ الله‌! ألاّ نبني‌ لك‌ بمنی‌ بناء يظلّك‌؟ فلم‌يقبل‌، وقال‌: منی‌ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ. [27]

 ورمي‌ رسول‌ الله‌ في‌ إلیوم‌ الحادي‌ عشر الجمرة‌ الاُولي‌، ثمّ رمي‌ الجمرة‌ الوسطي‌ وبعدها رمي‌ جمرة‌ العقبة‌، كلّ جمرة‌ بسبع‌ حصيّات‌، يكبّر مع‌ كلّ حصاة‌.

 وقف‌ عند الاُولي‌ والوسطي‌ إلی‌ القبلة‌ قبل‌ الرمي‌، ودعا الله‌ عزّ وجلّ ثمّ رمي‌. أمّا في‌ جمرة‌ العقبة‌ فلم‌ يقف‌ إلی‌ القبلة‌، ولم‌ يدعُ، بل‌ رمي‌ ورجع‌. [28]

 وما ذكره‌ المرحوم‌ الفيض‌ القاساني‌ّ في‌ كتاب‌ « المحجّة‌ البيضاء » من‌ وجوب‌ الوقوف‌ إلی‌ القبلة‌ عند رمي‌ جمرة‌ العقبة‌ سهو، كما يبدو.

 وخطب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ إلیوم‌ الحادي‌ّ عشر أيضاً، وحذّر من‌ المخالفة‌، ورغّب‌ الناس‌ باتّباع‌ السنّة‌. وقال‌ بعد إسقاط‌ الربا ووضعه‌ عامّةً، ووضع‌ ربا عمّه‌ العبّاس‌ خاصّةً، وإهدار كلّ دم‌ أُريق‌ في‌ الجاهليّة‌، وكذلك‌ دم‌ ربيعة‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ عبد المطّلب‌، وإسقاط‌ كلّ مظلمة‌ أُخري‌ كانت‌ في‌ الجاهليّة‌، ودعوة‌ الناس‌ إلی‌ احترام‌ أموال‌ المسلمين‌، وبيان‌ حرمة‌ النسي‌ء، واستداره‌ الزمان‌ كهيئته‌ الاُولي‌:

 أَلاَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي‌ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض‌! ألاَ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلِكَنَّهُ فِي‌ التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ. [29]

 ثمّ قال‌:ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ! ثُمَّ قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ أَسْعَدُ مِنْ سَامِعٍ!

 قال‌ حميد: قال‌ الحسن‌ حين‌ بلغ‌ هذه‌ الكلمة‌: قَدْ وَاللَهِ بَلَّغُوا أَقْوَاماً كَانُوا أسْعَدَ بِهِ.

 وقال‌ الحافظ‌ أبو بكر البزّاز: لمّا نزلت‌ سورة‌ النصر علی رسول‌الله‌ بمنی‌ في‌ أيّام‌ التشريق‌، ركب‌ راحلته‌، ووقف‌ للناس‌ بالعقبة‌، فاجتمع‌ إلیه‌ ماشاءالله‌ من‌ المسلمين‌، فخطب‌ فيهم‌.

 وبعد فقرات‌ كثيرة‌ أوصي‌ فيها بالنساء وأداء الامانة‌، وأكّد علی حرمة‌ الاشهر الاربعة‌، وغير ذلك‌، قال‌: وَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِءٍ مِنْ مَال‌ أخيهِ إلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ.

 ثمّ قال‌: أَيُّهَا النَّاسُ! إنِّي‌ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَم‌تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَهِ فَاعْمَلُوا بِهِ! [30]

 ( ويتّضح‌ من‌ الخطب‌ التي‌ خطبها صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قبل‌ هذه‌ الخطبة‌ وبعدها، وجاء فيها لفظ‌: وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌ أنّ هذه‌ العبارة‌ كانت‌ موجودة‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ وأُسقطت‌ منها ).

 وقد خطب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ خمس‌ خطب‌:

 الاُولي‌: في‌ السابع‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ بمكّة‌ المكرّمة‌. الثانية‌: يوم‌ عرفة‌. الثالثة‌: يوم‌ عيد الاضحي‌. الرابعة‌: يوم‌ القَرّ: وهو إلیوم‌ الحادي‌ّ عشر، بمنی‌. الخامسة‌: في‌ يوم‌ النفر الاوّل‌، [31] وهو إلیوم‌ الثاني‌ عشر، بمنی‌. [32]

 وبقي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بمنی‌ أيضاً في‌ الليلة‌ الثانية‌ عشرة‌ والليلة‌ الثالثة‌ عشرة‌، ورمي‌ الجمرات‌ الثلاث‌ ـكما ذكرـ في‌ صباح‌ كلّ ليلة‌ من‌ هاتين‌ الليلتين‌. وتوجّه‌ إلی‌ مكّة‌ في‌ ظهر إلیوم‌ الثالث‌ عشر. [33]

 ويطلق‌ علی إلیوم‌ الثالث‌ عشر: يوم‌ النَّفر الثاني‌، وعلی الإمام‌ أن‌ يبقي‌ بمنی‌ حتّي‌ ذلك‌ إلیوم‌، علی الرغم‌ من‌ أنّ أكثر الحجّاج‌ يخرجون‌ من‌ منی‌ في‌ يوم‌ النفر الاوّل‌.

 وكان‌ مُعَمَّرُبْنُ عَبْدِ اللَهِ بْنُ حَراثَةَ هو الذي‌ يرحل‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ] ليركب‌ عليه‌. ولمّا أراد أن‌ يركب‌ [، فقال‌: يامعمّر! إنّ الرحل‌ لمسترخي‌!

 فقال‌ معمّر: بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌! لقد شددته‌ كما كنتُ أشدّة‌. ولكنّ بعض‌ من‌ حسدني‌ مكاني‌ منك‌ يا رسول‌ الله‌ أراد أن‌ تستبدل‌ بي‌! فقال‌ رسول‌الله‌: ما كنت‌ لافعل‌! [34]

 أجل‌؛ معمّر هذا هو الذي‌ كان‌ يحلق‌ رأس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وكانت‌ قريش‌ تقول‌ عند الحلق‌: يا معمّر، أُذُنُ رَسول‌ الله‌ في‌ يدك‌! وفي‌ يدك‌ الموسي‌!

 فقال‌ معمّر: والله‌ إنّي‌ لاعدّه‌ من‌ الله‌ فضلاً عظيماً علی! [35]

 وكان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد عيّن‌ حدود عرفات‌ والمشعر الحرام‌. وها هو يعيّن‌ حدود منی‌ من‌ أربعة‌ أطراف‌، ثمّ يتوجّه‌ إلی‌ مكّة‌ المكرّمة‌.

 ثمّ خرج‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ منی‌، ونزل‌ في‌ المُحَصَّب‌. [36] وسمّي‌ المحصَّب‌ بهذا الاسم‌ بسبب‌ وجود الحصباء، لانّ الابطح‌ هي‌ الارض‌ الرمليّة‌ الواقعة‌ في‌ المسيل‌، والمغطّاة‌ بالرمل‌ الناعم‌.

 والمحصَّب‌ هو المحلّ الذي‌ تعاقدت‌ فيه‌ قريش‌ مع‌ بني‌ كنانة‌ للتضييق‌ علی بني‌ هاشم‌ ونبي‌ عبد المطلّب‌، بأن‌ لا يناكحوهم‌، ولايبايعوهم‌، ولا يؤوهم‌، حتّي‌ يسلّموا إلیهم‌ رسول‌ الله‌: ليقتلوه‌.

 وتسمّي‌ هذه‌ الارض‌: خَيْف‌ بَني‌ كِنَانَةَ، أي‌: الارض‌ الواسعة‌. [37]

 وفي‌ ضوء ذلك‌ العقد، كان‌ الرسول‌ الاكرم‌ ومعه‌ المسلمون‌ محاصرين‌ في‌ شعب‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ ثلاث‌ سنوات‌. وكان‌ أبوطالب‌ ـبكلّ ما أُوتي‌ من‌ قوّة‌ وإمكانيّة‌ـ يدعمهم‌ ويحميهم‌ مإلیاً ودفاعيّاً، إلی‌ أن‌ ثبت‌ إعجاز النبي‌ّ إذ أخبر عمّه‌ أنّ الله‌ قد سلّط‌ علی معاهدتهم‌ حشرة‌ الارضة‌ فاكلتها ولم‌ تبق‌ منها إلاّ عبارة‌: بِاسْمِكَ اللَهُمَّ.

 الرجوع الي الفهرس

شعر أبي‌ طالب‌ في‌ حماية‌ رسول‌ الله‌

 ونظم‌ أبو طالب‌ عليه‌ السلام‌ والد أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هذه‌ الابيات‌ في‌ ذلك‌ الحين‌ لحماية‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 وَاللَهِ لَنْ يَصِلُوا إلیكَ بِجَمْعِهِمْ                             حَتَّي‌ أُوَسَّدَ فِي‌ التُّرابِ دَفِينا

 فَاصْدَعْ بِأمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ                          وَابْشِرْ بِذَاكَ وَقُرَّ مِنْكَ عُيُونَا

 وَدَعَوْتَنِي‌ وَعَلِمْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي‌                            وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينَا

 وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ                     مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا [38]

 وأرض‌ الابطح‌ هذه‌ هي‌ الارض‌ التي‌ نزلها رسول‌ الله‌ عند دخوله‌ مكّة‌. ولم‌ ينزل‌ في‌ بيوت‌ مكّة‌، وقال‌: لا أنزل‌ في‌ بلد خرجت‌ منه‌.

 ولمّا كانت‌ هذه‌ الارض‌ موضعاً لمعاهدة‌ قريش‌ مع‌ بني‌ كنانة‌، لذلك‌ نزل‌ فيها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ لاءعلان‌ عظمة‌ الإسلام‌ وانتصاره‌. وذلك‌ قبل‌ الوقوف‌ في‌ عرفات‌ وبعده‌. ومن‌ هذا المنطلق‌ فعندما سألوه‌ بمنی‌ في‌ الليلة‌ الثالثة‌ عشرة‌؛ أين‌ تنزل‌ غداً؟! قال‌: نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً إن‌ شَاءَاللهُ بِخَيْفِ بَني‌ كِنَانَةَ ـ يَعْنِي‌ الْمُحَصَّبَ. [39]

 وجاء في‌ الحديث‌ أنـّه‌ قصد النزول‌ في‌ المُحَصَّب‌ مُراغمة‌ لما كان‌ تَمالا عليه‌ كفّار قريش‌ لمّا كتبوا الصحيفة‌ من‌ مصارمة‌ بني‌ هاشم‌ وبني‌ المطّلب‌ حتّي‌ يسلّموا إلیهم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 وكذلك‌ جعل‌ نزوله‌ في‌ المحصَّب‌ عام‌ الفتح‌ ( السنة‌ الثامنة‌ للهجرة‌ ) عندما فتح‌ مكّة‌. وعلی هذا فالنزول‌ في‌ المحصَّب‌ بعد الوقوف‌ في‌ عرفات‌ سُنّة‌ مرغوبة‌ وممدوحة‌.

 ولكنّ ما يستفاد من‌ روايات‌ الشيعة‌ هو أنّ هذه‌ السُّنّة‌ للذين‌ يدخلون‌ مكّة‌ في‌ النفر الثاني‌ كرسول‌ الله‌. [40]

 وصلّي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الظهر، والعصر، والمغرب‌، والعشاء في‌ المحصَّب‌: فَهَجَعَ هَجْعَةً، أَوْ رَقَدَ رَقْدَةً. [41] فلهذا يستحبّ للحاجّ بعد مجيئة‌ إلی‌ منی‌ أن‌ يستريح‌ مضطجعاً في‌ مسجد الحصباء، وهو محلّ نزول‌ رسول‌ الله‌ في‌ المحصَّب‌، ثمّ يذهب‌ إلی‌ مكّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

طواف‌ الوداع‌ الذي‌ أدّاه‌ رسول‌ الله‌ والخروج‌ من‌ مكّة‌

 وفي‌ هذا الحين‌، أذن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ للحجّاج‌ بالرحيل‌ إلی‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌، وطواف‌ النساء أو الوداع‌. [42] وجاء هو وأميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وسيّدة‌ العالم‌: الصدّيقة‌ الزهراء عليها السلام‌، والحسنان‌، والزينبان‌، وآخرون‌ غيرهم‌ من‌ ذوي‌ العلاقة‌، جاءوا إلی‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ قبل‌ صلاة‌ الصبح‌ ليطوفوا، ويصلّوا صلاة‌ الطواف‌.

 وتقول‌: زوجته‌ الكريمة‌ أُمّ سلمة‌: شكوت‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ أنـّي‌ أشتكي‌.

 فقال‌: طوفي‌ من‌ وراء الناس‌ وأنتِ راكبة‌! فطفت‌ ورسول‌ الله‌ يصلّي‌ حينئذٍ إلی‌ جنب‌ البيت‌ وهو يقرأ: وَالطُّورِ * وَكِتَـ'بٍ مَّسْطُورٍ * فِي‌ رِقٍّ
 مَّنشُورٍ* وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ.
[43]

 وطاف‌ الرسول‌ الاكرم‌ بعد صلاة‌ الصبح‌، وتوقّف‌ في‌ المُلْتَزَم‌ ( موضع‌ بين‌ الحجر الاسود، وباب‌ الكعبة‌ ) فدعا، ثمّ ألصق‌ وجهه‌ وصدره‌ بالملتزم‌ بحيث‌ التصق‌ جسده‌ الشريف‌ بجدار الكعبة‌. [44]

 وأخذ رسول‌ الله‌ شيئاً من‌ ماء زمزم‌. وكان‌ كلّما رجع‌ من‌ غزوة‌ أو حجّة‌ أو عمرة‌ يقول‌ ثلاثاً: اللَهُ أكْبَرُ اللَهُ أَكْبَرُ. وبعد ذلك‌ يقول‌: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ علی كُلِّ شَي‌ءٍ، قَدِيرٌ آئِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَهُ وَحْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الاَحْزَابَ وَحْدَهُ.

 وعندما دخل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مكّة‌، دخلها من‌ أعلاها، من‌ ثَنيّة‌ الكَدَاء. [45] وعندما خرج‌ منها، فإنّه‌ خرج‌ من‌ أسفلها، من‌ ثَنيَّة‌ الكُدَي‌ ( بضمّ الكاف‌ والقصر ). [46]

 واستغرقت‌ إقامته‌ في‌ مكّة‌ عشرة‌ أيّام‌: [47] دخلها في‌ يوم‌ الاحد الخامس‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌، وبقي‌ في‌ الابطح‌ حتّي‌ يوم‌ الاربعاء، ثمّ تحرّك‌ صوب‌ عرفات‌، وبقي‌ ليلة‌ الخميس‌ في‌ منی‌، وكان‌ في‌ عرفات‌ يوم‌ الخميس‌، وهو يوم‌ عرفة‌. ويوم‌ الجمعة‌ وهو يوم‌ العيد، كان‌ في‌ منی‌، وأقام‌ فيها يوم‌ السبت‌، والاحد، والاثنين‌ حتّي‌ الظهر من‌ أجل‌ أداء مناسكها. وكان‌ بمكّة‌ في‌ الابطح‌ الثلاثاء، وجاء إلی‌ بيت‌ الله‌ قريباً من‌ أذان‌ الصبح‌. وبعد الطواف‌ وصلاة‌ الصبح‌، خرج‌ من‌ مكّة‌ يوم‌ الثلاثاء وتوجّه‌ نحو المدينة‌ المنوّرة‌.

 وخرجت‌ قافلة‌ الحجيج‌ من‌ مكّة‌ باتّجاه‌ الجُحفة‌ وغدير خمّ. وغدير خمّ هو الموضع‌ الذي‌ تمّ فيه‌ الإعلان‌ عن‌ الولاية‌ المطلقة‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. فما أعظمه‌ من‌ مقام‌! وما أرفع‌ شأنه‌ من‌ أعلان‌.

 أَلَمْ تَعْلَمُوا أنَّ الْوَصِي‌َّ هُوَ الَّذِي               ‌ آتَي‌ الزَّكَاةَ وَكَانَ فِي‌ الْمِحْرَابِ

 أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ الْوَصِي‌َّ هُوَ الَّذِي‌               حُكْمُ الْغَدِيرِ لَهُ علی الاَصْحَابِ [48]

 الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ جَعَلْنَا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِوَلاَيَتِهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

إلی المجلد السالبع

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ استشـهد المرحوم‌ المطهّـري‌ في‌ الخامـس‌ من‌ جمادي‌ الا´خرة‌ سنة‌ 1399 ه الموافق‌ 12 أُرديبهشت‌ سنة‌ 1358.

[2] ـ كانت‌ وفاته‌ في‌ صباح‌ يوم‌ الاحد 18 محرّم‌ الحرام‌ سنة‌ 1402 ه قبل‌ الظهر بثلاث‌ ساعات‌. وأرجي‌ تشييع‌ جثمانه‌ الطاهر إلي‌ اليوم‌ التالي‌ ريثما يطّلع‌ الاخيار والابرار في‌ المدن‌ الاُخري‌.

[3] ـ استشهد المرحوم‌ المدرّس‌ في‌ السابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ سنة‌ 1356، الموافق‌ 10 آذر 1316.

[4] ـ استشهد المرحوم‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوريّ في‌ 13 رجب‌ 1327 شنقاً في‌ ميدان‌ سبه‌ ] ساحة‌ الجيش‌ [ بطهران‌.

[5] ـ جاء في‌ «فروع‌ الكافي‌» طبعة‌ مطبعة‌ حيدري‌، ج‌ 4، ص‌ 149 حول‌ عيدالغدير: أنّ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ روي‌ عن‌ سهل‌ بن‌ زياد، عن‌ عبد الرحمن‌ ابن‌ سالم‌، عن‌ أبيه‌، قال‌: سألت‌ جعفر بن‌ محمّد عليهما السلام‌: هل‌ للمسلمين‌ عيد غير يوم‌ الجمعة‌ والاضحي‌ والفطر؟ قال‌: نعم‌، أعظمها حرمة‌! قلت‌: وأي‌ّ عيد هو جعلت‌ فداك‌؟ قال‌: اليوم‌ الذي‌ نصب‌ فيه‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أميرَالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وقال‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِي‌ٌّ مَوْلاَهُ! قلتُ: وأي‌ّ يوم‌ هو؟! قال‌: وما تصنع‌ باليوم‌؟ إنَّ السَّنَةَ تدور؛ ولكنّه‌ يوم‌ ثمانية‌عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌... إلي‌ آخر الرواية‌ التي‌ تحدّثت‌ عن‌ أعمال‌ يوم‌ العيد من‌ ذكرالله‌، والصوم‌، والعبادة‌، وذكر محمّد وآل‌ محمّد. ولمّا أراد السائل‌ أن‌ يعرف‌ يوم‌ الغدير حسب‌ الفصول‌ والشهور الشمسيّة‌، منعه‌ الإمام‌ وقال‌: إنّ المدار في‌ تعيين‌ الايّام‌ والاعياد وغيرهما هو الشهور القمريّة‌ لا الشمسيّة‌. وعيد الغدير هو في‌ اليوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌. وهو غيرمعروف‌ حسب‌ الشهور الشمسيّة‌، لانّ الايّام‌ تدور في‌ السنّة‌، وكلّ يوم‌ من‌ الشهر القمري‌ّ لايوافق‌ يوماً خاصّاً من‌ الشهر الشمسي‌ّ، بل‌ هو يدور باستمرار. علي‌ سبيل‌ المثال‌، يقع‌ عيدالغدير في‌ الربيع‌ وبرج‌ الحمل‌ مرّة‌، وفي‌ الصيف‌ وبرج‌ السرطان‌ مرّة‌ أُخري‌، وفي‌ الخزيف‌ وبـرج‌ القوس‌ مـرّة‌ ثالثة‌، وهكـذا. ولمّا كان‌ المـدار في‌ الاُمور الشرعيّة‌ والحساب‌ هو الشهور القمريّة‌، فلا جدوي‌ من‌ معرفة‌ الشهور الشمسيّة‌ وانطباق‌ الاُمور والحساب‌ عليها. ولذلك‌ قال‌ للسائل‌: وما تصنع‌ باليوم‌؟! إنّ السَّنة‌ تدور، ولكنّه‌ يوم‌ ثمانية‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌.

[6] ـ تتألّف‌ السنون‌ الروميّة‌ من‌ اثني‌ عشر شهراً هي‌: تشرين‌ الاوّل‌ 31 يوماً، ï ïتشرين‌الثاني‌ 30 يوماً، كانون‌ الاوّل‌ 31 يوماً، كانون‌ الثاني‌ 31 يوماً، شباط‌ 28 يوماً وفي‌ الكبيسة‌ 29 يوماً، آذار 31 يوماً، نيسان‌ 30 يوماً، أيّار 31 يوماً، حزيران‌ 30 يوماً، تمّوز 31 يوماً، آب‌ 31 يوماً، أيلول‌ 30 يوماً.

 تعديل‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ بتعديل‌ تأريخ‌ جولين‌، وكبيسته‌ أيضاً مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنين‌ تضاف‌ في‌ آخر شباط‌. ولذلك‌ فإنّ السنين‌ الكبائس‌ تتألّف‌ من‌ 366 يوماً.

 والسنون‌ الميلاديّة‌ القيصريّة‌ تشبه‌ السنين‌ الروميّة‌ تماماً من‌ حيث‌ مقدار الشهور والكبائس‌، إلاّ أنـّها تفترق‌ عنها في‌ أنّ بداية‌ السنة‌ فيها هي‌ الاوّل‌ من‌ كانون‌ الثاني‌ سنة‌ 754 من‌ بناء مدينة‌ روما، وأنّ ولادة‌ السيّد المسيح‌ في‌ الخامس‌ والعشرين‌ من‌ كانون‌ الاوّل‌.

 وتجري‌ سنون‌ هذا التأريخ‌ كسنين‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ، ويعرف‌ هذا التأريخ‌ بتأريخ‌ جولين‌. وشهوره‌ هي‌: يناير 31 يوماً، فبراير 28 يوماً وفي‌ الكبيسة‌ 29 يوماً، مارس‌ 31 يوماً، أبريل‌ 30 يوماً، مايو 31 يوماً، يونيو 30 يوماً، يوليو 31 يوماً، آغسطس‌ 31 يوماً، سبتمبر 30 يوماً، أُكتوبر 31 يوماً، نوفمبر 30 يوماً، ديسمبر 31 يوماً.

 وكما يلاحظ‌ هنا فإنّ أسماء الشهور تختلف‌ عن‌ أسماء الشهور الروميّة‌ فقط‌ وأمّا مقدارها فهو متساو، لانّ يناير الواقع‌ بين‌ الشهر الاوّل‌ والشهر الثاني‌ من‌ الشتاء، يطابق‌ كانون‌ الثاني‌. وفبراير هو شباط‌ نفسه‌، وهكذا بقيّة‌ الشهور. في‌ هذا التأريخ‌ المعروف‌ بتأريخ‌ جولين‌ تتألّف‌ السنة‌ ـ كما في‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ، من‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وستّ ساعات‌ 25/365. فلهذا تكون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌.

 أمّا التأريخ‌ الميلادي‌ الغريغوري‌ّ، فلمّا كانت‌ السنة‌ الحقيقيّة‌ فيه‌ شمسيّة‌ فإنّه‌ يفترق‌ عن‌ السنة‌ الشمسيّة‌ في‌ تأريخ‌ جولين‌. لذلك‌ فإنّ التأريخ‌ فيه‌ يتأخّر يوماً واحداً في‌ كلّ 120 سنة‌. فلهذا صحّحه‌ البابا غريغوريوس‌ بمساعدة‌ المنجّم‌ الاءيطالي‌ّ ليليو، فمضافاً إلي‌ أنـّهم‌ يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌، كانوا ينقصون‌ ثلاثة‌ أيّام‌ في‌ كلّ أربعمائة‌ سنة‌. وذلك‌ علي‌ النحو التالي‌: يفترض‌ أنـّهم‌ يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ في‌ رأس‌ كلّ مائة‌ سنة‌، إلاّ أنـّهم‌ لايفعلون‌ ذلك‌، ولا يكبسون‌ ثلاث‌ مرّات‌، أي‌: في‌ رأس‌ ثلاثمائة‌ سنة‌، ويكبسون‌ عادة‌ في‌ رأس‌ القرن‌ الرابع‌. وكان‌ التأريخ‌ قد تأخّر عشرة‌ أيّام‌ حتّي‌ عصر غريغوريوس‌، فكان‌ الناس‌ يظنّون‌ أنّ التأريخ‌ هو ( 5 ) أُكتوبر فأمر أن‌ يجعلوه‌ ( 15 ) أُكتوبر، فاشتهر التأريخ‌ الغريغوري‌ّ منذ ذلك‌ الحين‌، ونسخ‌ تأريخ‌ جولين‌. ويستعمل‌ النصاري‌ كلّهم‌ هذا اليوم‌ التأريخ‌ الغريغوري‌ّ ï ïويتعاملون‌ به‌.

 وأمّا التأريخ‌ الهجري‌ّ الشمسي‌ّ الذي‌ يبدأ بهجرة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وسنونه‌ شمسيّة‌ حقيقيّة‌، وشهوره‌ المتمثّلة‌ بالبروج‌ الشمسيّة‌ قد نظّمت‌ مطابقة‌ لحركة‌ الارض‌ في‌ البروج‌ الاثني‌ عشر بحيث‌ لا تزيد علي‌ 32 يوماً، ولاتنقص‌ عن‌ 29 يوماً، فشهوره‌ علي‌ النحو التالي‌:

 الحَمَل‌ 31 يوماً، الثَوْر 31 يوماً، الجَوزاء 32 يوماً، السَرَطان‌ 31 يوماً، الاسَد 31 يوماً، السُنْبَلَة‌ 31 يوماً، الميزان‌ 30 يوماً، العَقْرَب‌ 30 يوماً، القَوْس‌ 29 يوماً، الجَدْي‌ 29 يوماً، الدَّلْو 30 يوماً، الحوت‌ 30 يوماً. وأوّل‌ السنة‌ الهجريّة‌ الشمسيّة‌ هو أوّل‌ الاعتدال‌ الربيعي‌ّ دائماً.

 وتعديل‌ هذا التأريخ‌ لضبط‌ الكبائس‌ هو تعديل‌ التقويم‌ الملكشاهي‌ّ نفسه‌ الذي‌ سيأتي‌ فيما بعد.

 وأمّا التأريخ‌ الشمسي‌ّ اليزدجردي‌ّ فإنّه‌ يبدأ بجلوس‌ يزدجرد الثالث‌ آخر الملوك‌ الساسانيّين‌ علي‌ العرش‌، وكان‌ ذلك‌ في‌ سنة‌ 11 ه. وسنون‌ هذا التقويم‌ تقريبيّة‌. لانّ السنة‌ حسبت‌ ( 365 ) يوماً، فلهذا يتأخّر التأريخ‌ يوماً واحداً في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ علي‌ النحو التالي‌:

 فروردين‌ 30 يوماً، أُرديبهشت‌ 30 يوماً، خُرداد 30 يوماً، تِير 30 يوماً، مُرداد 30 يوماً، شَهريور 30 يوماً، مِهر 30 يوماً، آبان‌ 30 يوماً، آذر 30 يوماً، دي‌ 30 يوماً، بهمن‌ 30 يوماً، إسفند 30 يوماً.

 وكانوا يضيفون‌ خمسة‌ أيّام‌ باسم‌ (اندركاه‌) إلي‌ آخر إسفند أو آبان‌، وهي‌ الخمسة‌ المسترقّة‌ نفسها.

 وأمّا التأريخ‌ الجلالي‌ّ الملكشاهي‌ّ فهو التقويم‌ الذي‌ تمّ تنظيمه‌ بمساعدة‌ الحكيم‌ عمر الخيّام‌. والسبب‌ في‌ ذلك‌ هو أنّ التأريخ‌ الشمسي‌ّ اليزدجردي‌ّ كان‌ متداولاً حتّي‌ ذلك‌ الحين‌ وهو عصر حكومة‌ ملكشاه‌. ولمّا كان‌ التأريخ‌ يتأخّر يوماً واحداً في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌ بواسطة‌ النقص‌ في‌ الحساب‌، فلهذا جعلوا عدد الشهور مثل‌ التأريخ‌ اليزدجردي‌ّ، وأضافوا خمسة‌ أيّام‌ في‌ آخر إسفند. وقالوا بدور 33 سنة‌ لنقص‌ الكبائس‌ وضبطها، إذ يكبسون‌ ثمنی‌ سنوات‌ في‌ كلّ 33 سنة‌، أي‌، مرّة‌ واحدة‌ في‌ رأس‌ كلّ سنة‌ رابعة‌، وأربع‌ سنوات‌ متوالية‌ بسيطة‌، ويكبسون‌ في‌ رأس‌ السنة‌ الخامسة‌. وبهذا التقويم‌ لا يرد نقص‌ حتّي‌ ستّة‌ آلاف‌ سنة‌.

وأمّا التأريخ‌ الشمسي‌ّ القديم‌ الذي‌ أصبح‌ رسميّاً في‌ الدورة‌ الخامسة‌ لمجلس‌ النوّاب‌، فشهوره‌ الستّة‌ الاُولي‌ التي‌ تبدأ بشهر فروردين‌ كلّ واحد منها 31 يوماً، والخمسة‌ التي‌ تليها 30 يوماً، والشهر الاخير، إسفند 29 يوماً، وجعلوه‌ في‌ الكبيسة‌ 30 يوماً.

[7] ـ الا´ية‌ 30، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

[8] ـ حديث‌ نبوي‌ّ رواه‌ الشيعة‌ والسنّة‌.

[9] ـ في‌ ضوء ذلك‌ يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» طبعة‌ صيدا ج‌ 3، ص‌ 28 بعد تفسير هذه‌ الا´ية‌ المباركة‌: وفي‌ هذه‌ الا´ية‌ دلالة‌ علي‌ أنّ الاعتبار في‌ السنين‌ بالشهور القمريّة‌ لا بالشمسيّة‌، والاحكام‌ الشرعيّة‌ مُعَلَّقَةٌ بها. وذلك‌ لِمَا علم‌ الله‌ سبحانه‌ فيه‌ من‌ المصلحة‌، ولسهولة‌ معرفة‌ ذلك‌ علي‌ الخاصّ والعامّ.

[10] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 250؛ و ص‌ 247، و 249 أيضاً؛ و «سنن‌ البيهقيّ» ج‌ 5، ص‌ 134؛ و «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 2، ص‌ 187 و 188؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 302؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 666؛ و «روضة‌ الصّفا» ج‌ 2، ذكر حجّة‌ الوداع‌؛ و «حبيب‌ السّير» ج‌ 1، الجزء الثالث‌، ص‌ 410.

[11] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 303؛ و «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 665.

[12] ـ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 134.

[13] ـ نفسه‌، و «روضة‌ الصّفا» ج‌ 2، ذكر حجّة‌ الوداع‌.

[14] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 192.

[15] ـ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 146، 147، و «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 185، و«طبقات‌ ابن‌ سعد» ج‌ 2، ص‌ 182.

[16] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 191.

[17] ـ انظر: «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 146.

[18] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 305، طبعة‌ مصر، سنة‌ 1353 ه.

[19] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، كتاب‌ الحجّ، ص‌ 504؛ و «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌، ج‌ 6، ص‌ 662.

[20] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، كتاب‌ الحجّ، ص‌ 504؛ و «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌، ج‌ 6، ص‌ 662.

[21] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 305: و «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 141، وص‌ 142 أيضاً؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 199.

[22] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 197، و «سنن‌ البيهقيّ» ج‌ 5، ص‌ 146.

[23] ـ في‌ عبارة‌ يوم‌ الحجّ الاكبر ينبغي‌ أن‌ نعلم‌ أنّ الاكبر صفة‌ لليوم‌ لا للحجّ. أي‌: أكبر وأفضل‌ يوم‌ من‌ أيّام‌ الحجّ وهو عيد الاضحي‌.

[24] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 203.

[25] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 200.

[26] ـ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 150 و 151؛ و «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 481، 482.

[27] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 199؛ و «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 138 و 139.

[28] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 480 إلي‌ 482؛ و«سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 148؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 300.

[29] ـ حَرَّش‌ بين‌ القوم‌: أغري‌ بعضهم‌ علي‌ بعض‌، وكذلك‌ بين‌ الكلاب‌ وما شاكلها.

[30] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 201 إلي‌ 203.

[31] ـ «سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 151.

[32] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 306.

[33] ـ «حبيب‌ السير» ج‌ 1، الجزء الثالث‌، ص‌ 401.

[34] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 250 و 251.

[35] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 250 و 251.

[36] ـ المحصَّب‌ أرض‌ في‌ الابطح‌، شرقي‌ّ مكّة‌، وتقع‌ بينها وبين‌ منی‌.

[37] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 203 إلي‌ 205.

[38] ـ كتاب‌ «مؤمن‌ قريش‌» تأليف‌ الخُنَيْزي‌، ص‌ 161، وذكر مصادرها في‌ الهامش‌: «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد ج‌ 2، ص‌ 306؛ و «السيرة‌ النبويّة‌» ج‌1 ص‌ 85 و 197؛ و«ثمرات‌ الاوراق‌» ج‌ 2، ص‌ 4؛ و «العبّاس‌» ص‌ 22 و 23؛ و «هاشم‌ وأُمَيَّة‌» ص‌ 167، ï ïو«الكشّاف‌» ج‌ 1، ص‌ 448 و ج‌ 2، ص‌ 10؛ و «تذكرة‌ الخواصّ» ص‌ 9؛ و «معجم‌ القبور» ج‌ 1، ص‌ 186؛ و «المناقب‌» ص‌ 34؛ و «ديوان‌ أبي‌ طالب‌» ص‌ 7؛ و «أعيان‌ الشيعة‌ ج‌ 39، ص‌ 128؛ والبيت‌ الاوّل‌ في‌ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 322، والبيتان‌ الاخيران‌ في‌ «الإصابة‌» ج‌ 4، ص‌ 116؛ وأُسند إلي‌ مصادر عديدة‌ في‌ كتاب‌ «الحجّة‌» ص‌ 63، وأُسند إلي‌ مصادر عديدة‌ في‌ كتاب‌ «شيخ‌ الابطح‌» ص‌ 27 و 88 أيضاً. وأُرجع‌ في‌ كتاب‌ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 334 إلي‌ مراجع‌ متعدّدة‌، وقال‌: رواه‌ الثعلبي‌ّ في‌ تفسيره‌. وقال‌: اتّفق‌ مقاتل‌، وعبدالله‌بن‌ عبّاس‌، والقاسم‌بن‌ مَحْضَرَة‌، وعَطاء بن‌ دينار في‌ صحّة‌ نقل‌ هذه‌ الابيات‌ عن‌ أبي‌ طالب‌. وعدّها البَرْزَنْجِي‌ّ من‌ كلام‌ أبي‌ طالب‌ المعروف‌. وأخرجها البيهقي‌ّ في‌ «دلائل‌ النبوّة‌» عن‌ طريق‌ ابن‌ إسحاق‌، عن‌ يعقوب‌ بن‌ عُتَيبة‌ بن‌ المُغيرة‌ بن‌ الاخْنَس‌، كما قال‌ شارح‌ «الكشّاف‌» في‌ ج‌ 2، ص‌ 10.

 وأقول‌: ذكر أبو الفداء، وهو من‌ العامّة‌، هذه‌ الابيات‌ في‌ تأريخه‌ لاءثبات‌ هذا الامر. واستشهد ببعضها ابن‌ هِشَام‌ في‌ «قَطْر النَّدَي‌» في‌ باب‌ التمييز، وكذلك‌ السُّيُوطي‌ّ في‌ «شرح‌ ألفيّة‌ ابن‌ مالك‌» في‌ أفعال‌ المدح‌ والذمّ، لاءثبات‌ بعض‌ المسائل‌ النحويّة‌.

[39] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 205، و ص‌ 199 أيضاً.

[40] ـ «المحجّة‌ البيضاء» ج‌ 2، ص‌ 182.

[41] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 206.

[42] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 206 و 207.

[43] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 206 و 207.

[44] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 206 و 207.

[45] ـ الثنيّة‌ تعني‌ العقبة‌، والطريق‌ الذي‌ ينتهي‌ إليها. والكداء بفتح‌ الكاف‌ والمدّ.

[46] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 207؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 307؛ و«حبيب‌ السير» ج‌ 1، الجزء الثالث‌، ص‌ 412.

[47] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 307؛ و «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 666.

[48] ـ للصاحب‌ بن‌ عبّاد، نقلاً عن‌ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 66.

إلی المجلد السالبع

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com