|
|
الرجوع إلی المجلد السادسالدرس الحادي والتسعون إلی الثالث والتسعين:نصب أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خمّ بالولاية العامّة المطلقة
بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ وصلَّي اللهُ علی محمّد وآله الطَّاهرين ولعنة اللَه علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين ولا حول ولا قوّة إلاّ باللَه العلی العظيم
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ. [1] يَا سَائِلِي عَنْ حَيْدَرٍ أَعْيَيْتَنِي أَنا لَسْتُ فِي هَذَا الْجَوَابِ خَلِيقَا اللَهُ سَمّاهُ عَلِيَّاً بِاسْمِهِ فَسَمَا عُلُوّاً فِي الْعَلاَ وَسُمُوقَا [2] وَاخْتَارَهُ دُونَ الْوَرَي وَأَمَامَهُ عَلَماً إلی سُبُلِ الْهُدَي وَطَرِيقَا أَخَذَ إلاَلَهُ علی الْبَرِّيَّةِ كُلَّهَا عَهْداً لَهُ يَوْمَ الْغَدِيرِ وَثِيقَا وَغَداةَ وَافَي الْمُصْطَفَي أَصْحَابُهُ جَعَلَ الْوَصِيَّ لَهُ أَخَاً وَشقِيقَا فَرَقَ الضَّلالَ عَنِ الْهُدَي فَرَقَيإلی أَنْ جَاوَزَ الْجَوْزَاءَ وَالْعَيُّوقَا [3] وَدَعَاهُ أَفْلاَلاُ السَّماءِ بِأمْرِ مَنْ أَوحَي إلیهِمْ حَيْدَرَ الْفَارُوقَا وَأَجَابَ أَحْمَدَ سَابِقَاً وَمُصَدِّقاً مَا جَآءَ فِيهِ فَسُمِّيَ الصِّدِّيقَا فَإذَا ادَّعَي هَذي الاْسَابِي غَيْرُهُ فَلْيَأتِنَا فِي شَاهِدٍ تَوثِيقَا [4] روي الحافظ أبو نعيم الإصفهانيّ بسنده عن عِكْرِمة، عن ابن عبّاس، قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَي حَيَاتِي، وَيَمُوتَ مَمَاتِي، وَيَسْكُنَ جَنَّةَ عَدْنٍ غَرَسَها رَبِّي، فَلْيُوالِ عَلِيَّاً مِنْ بَعْدِي وَلْيُوالِ وَلِيَّهُ، وَلْيَقْتَدِ بِالاَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِي؛ فَإنَّهُمْ عِتْرَتِي، خُلِقُوا مِنْ طِينَتِي، رُزِقُوا فَهْمَاً وَعِلْمَاً؛ وَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِفَضْلِهِمْ مِنْ أُمَّتِي، لِلْقَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي، لاَ أَنَالَهُمُ اللَهُ شَفَاعَتِي. [5] إنّ قصّة تنصيب أمير المؤمنين علی بن أبي طالب عليه السلام في مقام الولاية الإلهيّة الكبري والعامّة في غدير خمّ من القصص المهمّة للغاية في التأريخ الإسلاميّ. ولعلّنا لا نشهد واقعة بهذه الاهميّة والمواصفات التي سنتطرّق إلیها. ذلك لانّ هذه الواقعة تمثّل في الحقيقة خلود رسالة النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم واستمرار مرحلة ولايته الإلهيّة متجلّية في الوجود المبارك لامير المؤمنين علی عليه السلام. الغدير يرمز إلی تآصر الرسالة والإمامة، والنبوّة والولاية. ويحكي لنا أنـّهما كالثديين المتلازمين لإرضاع وإشباع الطفل، أو البرعمين المتلاصقين النابتين من جذر واحد. الغدير معرض إلی: علی مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ أمام أنظار جميع الخلق والاُمّة بأسرها. وإعلان وتبليغ الحقيقة لجميع أبناء العالم حتّي يوم القيامة. الغدير محلّ ظهور الحقائق المخفيّة، والبواطن المختفية، وإرشاد الناس وهدايتهم إلی هذا الطريق. الغدير هو الصراط المستقيم والسبيل الاعلی للإنسانيّة إلی مقام العرفان وولاية الحقّ الكلّيّة. الغدير مقام تقولب القضاء الإلهيّ الكلّيّ في عالم القدر. وقياس النور اللامحدود للذات الاحديّة وتعيينه وتحديده وتعريفه من خلال الاسماء والصفات المرئيّة ومشاهد الخلق، وربط القديم بالحادث، ونزول التجرّد والبساطة في القيود والحدود الإمكانيّة لتكون في متناول جميع الخلق. وذلك ليرتشف الناس جميعهم من الماء المعين والمنهل العذب للفيض والرحمة والسعادة والبركة. مواصفات يوم الغديرالغدير يوم تتويج مولي الموحّدين، ووضع رسول الله صلّي الله عليه وآله العمامة علی رأسه بيده الشريفة. الغدير يومُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ. الغدير يوم: اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. الغدير يوم البيعة مع الحقّ. ويوم الطاعة والتسليم، ويوم معاملة النفس مع ربّها، ويوم المقايضة بين جنود الشيطان وجنود الرحمن، ويوم مفارقة الظلام والدخول في عالم النور. الغدير يوم المحكّ، ويوم تمايز الإیمان والكفر، والخلوص والنفاق، والصفاء والحيلة، والنور والظلام. الغدير يوم تأ لّق الشمس المنيرة للعالَم من وراء الغمائم المثقلة، ويوم إشعاعها في قلوب الكائنات. الغدير يوم التعريف السويّ، وذهاب الخوف من الشيطان، وانصرام عصر التقيّة، ووحي الامر الإلزاميّ بضرورة كشف حجاب الحقيقة عن وجه الولاية، وإبراز هُوَ الهُويّة. الغدير يوم بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا عَلِيُّ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلاَيَ وَمَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. الغدير يوم العيد الاكبر: يوم رفع رسول الله عليَّ بن أبي طالب علی رؤوس الاشهاد. وإلقاء الخطبة المشهورة، وأمر الاُمّة بالتسليم لاوامر مولي المتّقين ونواهيه. وللّه الحمد، وله المنّة أن وفّقنا لعرض واقعة الغدير العظيمة علی قدر جهدنا الضئيل هديّة منّا إلی ساحة رسول الله وساحة أخيه وصاحب ذي الفقاره. وهي هديّة متواضعة كهديّة القبّرة التي أتت بضلع الجراد يوم العرض علی سليمان. [6] ولابدّ لنا من ذكر عدد من المقدّمات قبل أن ندخل في أصل قضيّة الغدير. إبلاغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام طيلة فترة النبوّةالمقدّمة الاُولي: إنّ تعريف أمير المؤمنين عليه السلام إماماً لميقتصر علی يوم الثامن عشر من ذي الحجّة في السنة العاشرة من الهجرة ضمن حجّة الوداع في وادي غدير خمّ علی بُعد ميلين عن أرض الجُحفة، بل كان ذلك إلیوم يوم التنصيب الكلّيّ، والتعريف لجميع الناس، والإعلان لعموم الاُمّة، وإلاّ فإنّ الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم كان يصرّح بمقامات أميرالمؤمنين عليه السلام ودرجاته وإمامته وولايته ووصايته وخلافته وأُخوّته وسائر مناقبه وفضائله، وذلك في مجالس ومحافل عديدة، وفي الخفاء والعلن، وفي الصلح والحرب، وفي مكّة والمدينة، ولكلّ رهط وجماعة كانت علی اتّصال به طيلة حياة أميرالمؤمنين عليه السلام. ولد أمير المؤمنين علی عليه في الكعبة؛ وحينما أُعطي رسولالله صلّيالله عليه وآله قماطه، تلا سورة «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ». ونشأ في حجر الرسول الكريم. وهو أوّل من صدّقه يوم كان في العاشرة من عمره. وهو القائل: نزل الوحي علی رسول الله يوم الاثنين، وآمنت يوم الثلاثاء. وعندما كانت الدعوة في سنينها الثلاث أو السبع وحيث كانت دعوة الرسول في دور الخفاء، فإنّ أحداً لم يصلّ معه في الكعبة غير أمير المؤمنين، وغيرخديجة. وفي إلیوم الاوّل الذي صدع النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله بدعوته في المجلس الذي أقامه لعشيرته الاقربين، إذ دعاهم لمؤازرته في حمل أعباء النبوّة، ومعاضدته علی القيام بشؤون الرسالة، لم يجبه إلاّ ذلك الفتي إلیافع، والعاشق المُستبسل، والنابه الواعي. وعندئذٍ اختاره للوزارة والولاية والخلافة. ولقد قال صلّي الله عليه وآله وسلّم في ذلك إلیوم: فَأيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي علی هَذَا الاَمْرِ وَأَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي؟ ولمّا يجبه إلاّ علی بقوله: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ! قال: فَأَنْتَ أَخِي وَوَصِيِّي وَوَارِثِي وَخَلِفَتِي فِيكُمْ! ونلاحظ هنا أنّ تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في مقام الوزارة والخلافة والوصاية كان في إبّان البعثة، ومنذ ذلك إلیوم الذي أُعلنت فيه النبوّة لقريش وفقاً لتعيين رسول الله صلّي الله عليه وآله إيّاه عملاً بآيةالإنذار: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ، [7] وحديث العشيرة. ويدلّ هذا المعني بكلّ وضوح أنّ مقام الرسالة، ومقام الإمامةمتلازمان متّصلان، ولا يقبلان الانفصال والانفكاك، ولا أساس للرسالة بدون الوزارة والخلافة، ولا أصل ولا جذور للنبوّة بدون الولاية. فالولاية خفيرة الرسالة، والإمامةحافظة للنبوّة، وأنَّ الوجود المحدِث للوحي والإنزل من قِبَل الرسول الكريم يصل إلی كماله بواسطة الوجود الحافظ والخفير والمخلّد لامير المؤمنين، فقد قال عزّ من قائل: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا. [8] وقد تكلّمنا عن حديث العشيرة وآيةالإنذار بشكل واف في الدرس الخامس من الجزء الاوّل من كتابنا هذا « معرفة الإمام ». هذا وقد دعا النبيّ الاكرم أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما كراراً ومراراً بـ: أمِيرُ المُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدُ المُسْلِمِينَ، وَالإمام، وَالحُجَّةُ، وَالوَصِيُّ، وَسَيِّدُ العَرَبِ، وَسَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَسَيِّدُ الاَوصِيَاءِ، وَسِيِّدُ الخَلاَئِقِ، وَسَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَأميرُ البَرَرَةِ، وَإمَامُ البَرَرَةِ، وَخَيْرُ البَشَرِ، وَخَيْرُ الاُمَّةِ، وَخَيْرُ الوَصِيِّينَ، وَخَيْرُ الخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَهِ. وعندما ترك رسول الله المدينة في غزوة تبوك، واستخلف عليها عليّاً، فإنّه قال له: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إلاَّ أَنـَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي. أَي: أنّ كلّ ما كان لهارون من مواصفات فهي لك إلاّ النبوّة، فإنّه لايأتي نبيّ بعدي، ولن تكون نبيّاً ـ أنت كهارون! أي: أنت أخي؛ أنت وصيّي! أنت خليفتي من بعدي! أنت وزيري ومعيني وحافظ نبوّتي! وقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي، وَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدَا علی الحَوْضَ. وقال: مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبهَا نَجَي، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ. والمراد من أهل الذكر في الآية: فَاسْئَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ. [9] هم أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم. والمراد من حبل الله في آية: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَهِ جَمِيعًا وَلاَتَفَرَّقُوا. [10] فهم الصراط المستقيم، والعروة الوثقي إذ لاَ يَقْبَلُ اللَهُ الاعَْمَالَ مِنَ العِبَادِ إلاَّ بِوِلاَيَتِهِمْ عَلِيّاً. والمقصود من النعيم في الآية الشريفة: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.[11] هو نعيم الولاية. والمقصود من المؤاخذة والسؤال في آية: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ.[12] هي المؤاخذة والسؤال عن الولاية. وقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: لاَ يَجُوزُ أَحَدٌ عَنِ الصِّرَاطِ إلاَّ وَكَتَبَ لَهُ علی الجَوازَ. وقال النبيّ: علی قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ. وقال: علی مَعَ القُرْآنِ وَالقُرْآنُ مَعَ علی. وقال: علی مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. وقال: علی مِنِّي كَنَفْسِي وَكَرَأْسِي مِنْ بَدَنِي. وقال: علی مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ علی: اللَهُمَّ أَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ. وقال: علی خَيْرُ البَشَرِ، مَنْ أَبَي فَقَدْ كَفَرَ. والمراد من أُولي الامر في قوله: تعإلی: أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنكُمْ، [13] هم أمير المؤمنين والائمّة المعصومون سلامالله عليهم أجمعين. ونزلت آية التطهير: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [14] في رسول الله، وأمير المؤمنين، والزهراء، والحسن، والحسين عليهم السلام، وفي الائمّة الاثني عشر المعصومين عموماً. وقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: أَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لاِهْلِ الاَرْضِ. وجاء في آية المباهلة: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَهِ علی الْكَـ'ذِبِينَ. [15] والمقصود من «أنفُسَنَا» هنا هي نفس أميرالمؤمنين التي جعلتها الآية نفسَ النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم. وفي قوله تعإلی: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و،[16]حيث إنّ تجلّيات النور الإلهيّ المشعّة والمنتشرة في شبكات عالم الإمكان هي في البيوت التي «أَذِنَ اللَهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و ». والمراد من البيوت هنا هي قلوب الائمّة الطاهرين سلام الله عليهم وأرواحهم المقدّسة. والمقصود من ذَوِي القُرْبَي في قوله تعإلی: قُل لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي'، [17] هم قربي الرسول الكريم صلّي الله عليه وآله وسلّم من نسل الصدّيقة الكبري عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام. والمقصود من خَيْر البَرِيَّةِ في قوله تعإلی: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَ'´ءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ،[18] هم أمير المؤمنين وشيعته. ولمّا نزلت هذه الآية، قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: إنَّ عَلِيَّاً وَشِيعَتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ. والمراد من النبأ العظيم في قوله تعإلی: عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم. [19] هو علی بن أبي طالب عليه السلام. والمقصود من قوله: ( مِنَ النَّاسِ ) في الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَهِ. [20] هو أمير المؤمنين صلوات الله عليه. والذي كان شريكاً لرسول الله في سرّه، وعمل بآية النجوي من خلال تقديمه الصدقة والهديّة إلی رسول الله هو أمير المؤمنين علی عليه السلام طبق الآية: يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إذَا نَـ'جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَ ' كُمْ صَدَقَةً. [21] وفي الآية الشريفة: قُلْ كَفَي' بِاللَهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ و عِلْمُ الْكِتَـ'بِ.[22] اعتُبر أمير المؤمنين عليه السلام في مصافّ الذات الإلهيّة المقدّسة تعإلی شأنها في الشهادة والدلالة علی صدق الرسالة وأحقّيّة الرسول. وجُعل عليه السلام وليّاً ومَوْلَيً وظهيراً ونصيراً وشريكاً لرسولالله صلّيالله عليه وآله وسلّم في سرّه، وذلك في قوله تعإلی: وَإِنْ تُظَـ'هَرَا ( أي عائشة وحفصة ) عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَهَ هُوَ مَوْلَب'هُ وَجِبْرِيلُ وَصَـ'لِحُ الْمُؤْمِنِينَ ( أي أميرالموحدّين عليه السلام ) وَالْمَلَن'´ءِكَةُ بَعْدَ ذَ ' لِكَ ظَهِيرٌ. [23] وفي إعلان البراءة من المشركين عندما دفع رسول الله صلّي الله عليه وآله الصحيفة التي تضمّ البراءة إلی أبي بكر ليقرأها علی الناس في موسم الحجّ في السنة التاسعة للهجرة في مني فنزل عليه الوحي يأمره بأن يقرأها هو أو رجل منه، فانتدب رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم أميرَالمؤمنين عليه السلام وأرسله خلف أبي بكر ليأخذ منه الصحيفة ويذهب بنفسه إلی مكّة فيقرأها علی المشركين في موسم الحجّ. أخذ أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان نفس النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم الصحيفة من أبي بكر، وتوجّه إلی مكّة، وقرأها علی المشركين في موسم الحجّ بعقبة مني! وَأَذ ' نٌ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ إلی النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللَهَ بَرِي´ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ و...[24] ـ الآيات. وانتقلت هذه المهمّة إلی أمير المؤمنين الذي كانت نفسه وروحه من النبيّ الاعظم صلّيالله عليه وآله وسلّم. والمراد من الاُذُن الواعية في قوله تعإلی: وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ ' عِيَةٌ،[25] هو الوجود المقدّس لامير المؤمنين عليه السلام. والمقصود من آل ياسين في قوله جلّ شأنه في الآية: وَسَلَـ'مٌ علی'´ إلیاسِينَ، [26] هم الائمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين. والمراد من الذي شُرِح صدره بنور الله في قوله تبارك اسمه: أَفَمَن شَرَحَ اللَهُ صَدْرَهُ و لِلإسْلَـ'مِ فَهُوَ علی' نُورٍ مِّن رَّبِّهِ، [27] هو أميرالمؤمنين عليه السلام. والمراد من الصراط في قوله تعإلی: وَأَنَّ هَـ'ذَا صِرَ ' طِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ، [28] هو صراط الله المستقيم، صراط علی بن أبي طالب. والمقصود بـ «مَن يَمشِي سَويَّاً علی صِرَاطٍ مُسْتَقِيم» في الآية الشريفة: أَفَمَن يَمْشِي مُكِّبًّا علی' وَجْهِهِ أَهْدَي'´ أَمَّن يَمْشِيسَوِيًّاعلی'صِرَ'طٍ مُسْتَقِيمٍ،[29] هو أمير المؤمنين عليه السلام. وقال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم في خيبر: لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللَهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَهُ وَرَسُولُهُ كَرَّارٌ غَيْرُ فَرَّارٍ، لَمْيَرْجِعْ حَتَّي يَفْتَحِ اللَهُ بِيَدَيْهِ. ولمّا حان الغد، طلب عليّاً، وكان أرمد العين، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فذهب بها حيدر الكرّار ولم يرجع حتّي اقتلع باب خيبر فاتحاً ظافراً. وكانت هذه الواقعة بعد فشل أبي بكر وعمر ورجوعهما خائبين خاسِرَين، إذ لم يستطيعا القيام بالمهمّة التي كلّفهما بها النبيّ صلّي الله عليه وآله في إلیومين اللذين سبقا هذه الواقعة. من هذا المنطلق، آخي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم بينه وبين علی عليه السلام مرّتين. الاُولي: في مكّة عندما آخي بين المهاجرين أنفسهم. والثانية: بعد دخوله المدينة، عندما آخي بين المهاجرين والانصار. فجعل عليّاً عليه السلام أخاه في كلا المرّتين. وقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: علی أَقْضَاكُمْ. وفتح النبيّ لعلی ألف باب من العلم؛ وقال: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعلی بَابُهَا. وقال: أَنَا دَارُ الحِكْمَةِ وَعلی بَابُهَا. وقال: أَنَا مَدِينَةُ الجَنَّةِ وَعلی بَابُهَا. ولهذا قال صلّي الله عليه وآله: أَنَا وَعلی أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةِ. وقال: حَقُّ علی علی هَذِهِ الاُمَّةِ كَحَقِّ الوَالِدِ علی وَلَدِهِ. وقال: علی وَزِيرِي وَوَارِثِي. وقال: يَا علی لاَ يُحِبُّكَ إلاَّ مُؤْمِنٌ ولاَ يُبْغِضُكَ إلاَّ مُنَافِقٌ. وقال: عِنْوَانُ صَحِيفَةِ المُؤْمِنِ: حُبُّ علی بْنِ أَبِي طَالِبٍ. [30] وقال: النَّظَرُ إلی وَجْهِ علی عِبَادَةٌ. وقال: مَثَلُّ علی فِي هَذِهِ الاُمَّةِ مَثَلُ «قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ». من قرأها مرّة، فكأنـّما قرأ ثلث القرآن؛ ومن قرأها مرّتين، فكأنـّما قرأ ثلثي القرآن؛ ومن قرأها ثلاث مرّات، فكأنـّما ختم القرآن كلّه. ومن أحبّ عليّاً بقلبه، فقد حاز ثلث الإیمان؛ ومن تبعه بقلبه ولسانه، فقد حاز ثلثي الإیمان؛ ومن أحبّه بقلبه ولسانه وجوارحه، واتّبعه، فإنّ إيمانه أكمل الإیمان. وقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: علی مِنِّي كَنَفْسِي؛ طَاعَتُهُ طَاعَتِي وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَتِي. وقال: يَا علی! أَنْتَ تُبْرِيُ ذِمَّتِي، وَأَنْتَ خَلِيفَتِي علی أُمَّتِي. وقال: يَا علی أَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي. وقال: إنَّ وَصِيِّي وَوَارِثِي وَمُنْجِزَ وَعْدِي علی بْنُ أَبي طَالِبٍ. وقال:... يَا علی! أَنْتَ تُؤدِّي عَنِّي، وَتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي، وَتُبَيِّنُ لَهُمْ ما اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي. [31] يضاف إلی ذلك كلّه أنّ آية الولاية قد نزلت عند التصدّق بالخاتم أثناء الركوع، وذلك في مسجد النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم. وقد جعلت الآية عليّاً عليه السلام في مصافّ الرسول الاعظم صلّي الله عليه وآله وسلّم وليّاً للمسلمين بالولاية الإلهيّة علی سبيل الحصر بكلّ صراحة. فقد قال عزّ من قائل: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَو'ةَ وَهُمْ رَ ' كِعُونَ. [32] وهذه الآية في سورة المائدة؛ وكما نعلم فإنّ هذه السورة هي آخر سورة نزلت علی رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. حيث أُوحيت إلیه في المدينة بعد حجّة الوداع طيلة سبعين يوماً اعتباراً من يوم غدير خمّ حتّي إلیوم الذي توفّي فيه رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. وفي أيّام مرضه، أمر رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم بغلق جميع أبواب الصحابة الملاصقة للمسجد النبويّ الشريف، وذلك لكي لايكون هناك طريق من دورهم إلی المسجد. ولم يترك باباً مفتوحاً إلاّ باب أميرالمؤمنين عليه السلام الذي لم يُغْلَق بأمره صلّي الله عليه وآله وسلّم. ومن الابواب التي تمّ إغلاقها: باب العبّاس عمّ النبيّ، وباب عمر، وباب أبي بكر، فجاء العبّاس إلی رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم واستأذنه أن يترك بابه مفتوحاً. فقال له رسول الله: ليس الامر بيدي، بل الله لم يأذن بذلك. وقال عمر: يا رسول الله، إئذن لي بكوّة من أعلی بيتي لاري قدومك إلی المسجد! فقال صلّي الله عليه وآله وسلّم: أوحي لي ربّي أن أغلق جميع الابواب إلاّ باب علی بن أبي طالب. لذلك أمر بغلق جميع الابواب بما فيها خَوفَة[33] دار أبي بكر. فهذه الاُمور وقائع حصلت لامير المؤمنين عليه السلام في زمن النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم. وهذه وأمثالها ممّا لا يحيطها الإحصاء تدلّ علی القرب الشديد لامير المؤمنين من رسول الله، وعلی روحانيّته الاكيدة واقتران ولايته بولاية رسول الله. ولو لم يسبق أحد أيّ سابقة ذهنيّة أو معرفة بمهفوم وصاية الإمام عليه السلام وخلافته، كالشخص الغريب علی الإسلام مثل: إلیهوديّ أو النصرانيّ، ثمّ يرَ هذه الاشياء، فلاريب أنـّه سيقول: لا جرم إنّ هذا المقام هو مقام الخلافة والولاية والإمامةبعد رسولالله. وقد أتينا عليها كلّها بالتفصيل في المباحث المتقدّمة أو التي ستأتي في كتاب « معرفة الإمام » بأسانيد معتبرة عن كتب الشيعة، وعن كتب العامّة كحفّاظهم. وكلّ من رغب أن يرجع إلی أسانيدها عاجلاً، غير التي جاءت لحد الآن في كتاب « معرفة الإمام »، فليراجع كتاب «غاية المرام» للسيّد هاشم البحرانيّ، و «شواهد التنزيل» للحاكم الحَسْكَاني، و«فرائد السمطين» للحَمّوئيّ، والاجزاء الثلاثة من تأريخ أميرالمؤمنين عليه السلام من «تاريخ دمشق» لابن عساكر. ويستفاد من هذه المقدّمة أنّ التمهيد لخلافة الإمام أميرالمؤمنين علی بن أبي طالب عليه السلام كان مشهوداً وملموساً تماماً منذ بدء البعثة النبويّة الشريفة، وعلی امتداد ثلاث وعشرين سنة من نبوّة الرسول العظيم صلّيالله عليه وآله وسلّم. وكان بيّناً واضحاً لكلّ جماعة وفريق. بَيدَ أنّ الرسول الكريم لمّا أوشك أن يُدعي فيجيب بناءً علی ما أخبره به جبريل من ارتحاله لذلك جاء الإعلان العامّ، والتنصيب العلنيّ، وإبلاغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته لجميع طوائف المسلمين بوجه عامّ في غدير خمّ، إذ مهّد رسولالله الارضيّة في حجّة الوداع. وكان يتحدّث في خطبة عن كتاب الله وعترته، حتّي حان موعد الغدير وهبط جبريل بهذه الآية: بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن رَّبِّكَ. حديثالإمام الرضا عليه السلام في مجلس المأمونونختم هذه المقدّمة الشريفة بحديث شريف روي عن الإمام علیبن موسي الرضا عليه الصلاة والسلام في مجلس المأمون، ننقله عن كتاب «غايةالمرام»: روي السيّد البحرانيّ عن ابن بابويه، قال: حدّثنا علی بن الحسينبن شاذَوَيه المؤدّب، وجعفر بن محمّد بن مسرور، قالا: حدّثنا محمّدبن عبداللهبن جعفر الحميريّ، عن أبيه، عن الريّان بن الصَّلْت، قال: حضر ] الإمام ] الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو. وقد اجتمع في مجلسة جماعة من علماء أهل العراق وخراسان. فقال المأمون: أخبروني عن معني هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـ'بِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.[34] فقالت العلماء: أراد الله تعإلی بذلك الاُمّة كلّها. فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟! فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما قالوا: ولكنّي أقول: أراد الله بذلك العترة الطاهرة. فقال المأمون: وكيف عني العترة من دون الاُمّة؟ فقال الرضا: عليه السلام: لو أراد الاُمّة، لكانت بأجمعها في الجنّة لقول الله تعإلی: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَ'تِ بِإِذْنِ اللَهِ ذَ ' لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. [35] ثمّ جمعهم كلّهم في الجنّة، فقال: جَنَّـ'تُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. [36] ]( ولمّا لم تكن الاُمّة كلّها في الجنّة، فلا محالة أنّ المراد من المصطفين الذين يشملون الاصناف الثلاثة هم العترة )[. فَصَارَتِ الوِرَاثَةُ لِلعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ لاَ لِغَيْرِهِمْ. فقال المأمون: مَنِ العترة الطاهرة؟! فقال الإمام: الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَهُ تعإلی فِي كِتَابِهِ: فَقَالَ: «إِنـَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»؛ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُاللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي مَخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي؛ أَلاَ وَإنَّهُمَّا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدَا علی الحَوْضَ؛ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا! أَيُّهَا النَّاسُ! لاَتُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ»! قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أَهُمُ الآل أم غير الآل؟ فقال الرضا عليه السلام: هُمُ الآل. ويبدأ هنا نقاش الإمام عليه السلام فيعرض مواضيع نفيسة وقيّمة جدّاً تشغل ثلاث صفحات تقريباً من كتاب « غاية المرام » وهي صفحات مليئة ومن القطع الرحليّ ومشحونة بالكلمات. وقد تجنّبنا ذكر ذيلها مراعاة للاختصار. [37] اختلاف درجات المسلمين في زمن رسول الله فيالإیمان بهالمقدّمة الثانية: إنّ صحابة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم وكافّة الذين أسلموا في عصر النبيّ الاكرم عموماً لم يكونوا متساوين من كلّ الجهات، بل كانوا علی درجات ومستويات مختلفة من حيث وعي النبوّة، واستيعاب معني الوحي، وإدراك الدرجات والمقامات التي كان يتمتّع بها رسول الله، وفهم عالم الغيب، وإلیقين بخلوص رسولالله وإخلاصه في جميع الاعمال والسلوكيّات الشخصيّة والاجتماعيّة، والعباديّة وغيرالعباديّة، والنظر إلی ذلك الإنسان العظيم من حيث الطهارة المعنويّة، والاتّصال بالملا الاعلی وجبريل، وبالتإلی وإجمالاً في النظر إلیه من حيث التجرّد عن النفس والاتّصال بالله جلّ اسمه في كلّ أمر من الاُمور. فبعضهم كسَلْمَان، وَعَمَّار، والمِقْدَاد، وأَبي ذَرّ، وعُثْمَانبنِ مَظْعُونَ، وَخَبَّابَ بن الارَتّ، وكثير من شهداء بدر، وأُحد، والاحزاب، وغيرها من الغزوات، كانوا يؤمنون به إيماناً صلباً جعلهم بلا إرادة واختيار أمام إرادته واختياره صلّي الله عليه وآله وسلّم. وكانوا من الفانين فيه فناءً محضاً إذ كانوا يرونه متّصلاً بالغيب متجرّداً عن هوي النفس، منقطعاً إلی الله. وهؤلاء لا فرق عندهم بين أن يقرأ عليهم رسول الله آيات القرآن، أو يأمرهم وينهاهم بأوامره ونواهيه الشخصيّة. ولا فرق عندهم بين أن يكون فعله عباديّاً، أو سياسيّاً، أو شخصيّاً، أو اجتماعيّاً. أو أن يكون نكاحاً، أو صوماً، أو حجّاً. ولا فرق عندهم بين أن تتعدّد زوجاته، أو أن يتزوّج زوجه ابنة بالتبنّيّ، أو غير ذلك. ولا فرق عندهم بين الهجرة والإقامة، والحرب والسلم. فكلّ ما كان وبأيّ شكل كان هو فعل الله، ومن الله، طهارة محضة، وحقيقة خالصة لا تشوبها شائبة من عشّ عالم الاعتبار والمجاز وغلّه. الحالات التي أبدي فيها عمر اعتراضه الصريح علی رسول اللهوكان البعض يفرّق بين الآيات القرآنيّة والوحي المنزل، وبين آرائه وأفكاره صلّي الله عليه وآله وسلّم. فكانوا يقولون: نحن نعتبر الآيات النازلة في القرآن الكريم واجبة الاتّباع؛ أمّا آراء النبيّ فليست كذلك، وبالنتيجة، فإنّنا لا نلزم أنفسنا باتّباعه في آرائه وأفكاره الشخصيّة، ولانجعل إرادتنا تابعة لإرادته وفانية فيها. فرسول الله له رأيه. ونحن لنا رأينا أيضاً. ونقدّم رأيه حيناً، ونقدّم آراءنا حيناً آخر. وصفوة القول، إنّ كلامهم ككلام كثير من العامّة إذ يقولون: كان رسولالله مجتهداً في شؤونه الشخصيّة وآرائه، أو في تجهيز الجيوش، وبعث الجند في غزوة أو سريّة، أو في تنسيق وتنظيم الشؤون الإداريّة والمدنيّة وتنظيمها، فهو معرّض للخطأ أحياناً. والآخرون مجتهدون أيضاً يصيبون ويخطأون. لهذا يلاحظ أنـّهم كانوا يقولون له في كثير من الحالات: هل هذا كلامالله أو كلامك؟! وهل هذا الامر منك أو من الله؟! وهل أنت قلت هذا أم الله أمرك به؟! والملحوظ أكثر في التواريخ المعتبرة أنّ هذا السلوك كان يبدر في الاغلب من أبي بكر، وعمر. وفيما يلي عدد من النماذج: شكّ عمر في نبوّة رسول الله صلّي الله عليه وآله في الحديبيّةالاوّل: في السنة السادسة من الهجرة، وفي شهر ذي القعدة تحرّك رسولالله مع جماعة من أصحابة نحو مكّة قاصدين الطواف حول بيتالله الحرام. وساقوا معهم البدن للهدي. فلمّا بلغ أرض الحديبيّة، منعه كفّار قريش من الذهاب. وعُقد بينه وبينهم صلح. وأمر رسول الله صلّيالله عليه وآله وسلّم بحلق الرؤوس، ونحر البدن، والحلّ من الإحرام في الحديبيّة نفسها. فعزّ ذلك علی بعض الصحابة، فلم يبدوا استعداداً للحلق والنحر، واغتمّ رسول الله وشكي ذلك إلی أُمّ سلمة. فقالت أُمّ سلمة: يارسولالله! احلق وانحر؛ فحلق رسول الله ونحر. وحلق المعترضون ونحروا شاكّين في نبوّته. فلمّا التأم الامر ولم يبق إلاّ الكتاب وثب عمر بن الخطّاب، فأتي أبابكر وحدّثه بهذا الموضوع وشكي إلیه عدم الدخول إلی مكّة لاداء العمرة، والنحر والحلق في الفلاة، وشروط الصلح التي كانت ثقيلة وصعبة علی المسلمين. وقال له: ألم يكن رسول الله، يفعل كذا وكذا؟! وبعد تبادل الكلام بينه وبين أبي بكر أتي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله! ألستَ برسول الله؟ قال: بلي! قال: أَوَ لَسنا علی الحقّ، وعدوّنا علی الباطل؟! قال: بلي! قال: فَعَلام نعطي الدنيّة في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله، لنأُخالف أمَره، ولن يضيّعني وهو ناصري. قلتُ: أو لست كنت تحدّثنا أنـّا سنأتي البيت ونطوف حقّاً؟! قال: بلي! أفأخبرتك أن تأتيه العام؟! قلتُ: لا! قال: فانّك تأتيه وتطوف به. يقول عمر: ما شككت مذ أسلمتُ إلاّ يومئذٍ]في الحديبيّة].[38] الثاني: في السنة العاشرة من الهجرة، وفي حجّة الوداع، وقف رسولالله علی جبل المروة، ونزل عليه جبرئيل بالوحي، فأمر الذين لميسوقوا معهم الهدي ( كالبدن مثلاً ) أن يستبدلوا نيّة الحجّ بنيّة العمرة، ويحلّوا من إحرامهم. وكان عمر من الذين اعترضوا اعتراضاً شديداً علی هذا الامر، وقال: أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إلی عَرَفَةَ وَفَرْجُهُ يَقْطُرُمَنِيَّاً؟[39] فقال رسولالله: لن يؤمن بها حتّي يموت. ولمّا بلغ رسول الله كلام عمر وأصحابه، بدت عليه علامات الغضب، حتّي جاء وخطب في الناس فقال: أَمَّا بَعْدُ؛ فَتُعَلِّمُونَ أَيُّهَا النَّاسُ! لاَنَا وَاللَهِ أَعْلَمُكُمْ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ! وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ هَدْياً وَلاَحْلَلْتُ. [40] وعندما سألوه عن سبب غضبه، قال: ما لي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلايُتَّبَع؟ أو ما شعرت أنـّي أمرتُ الناس بأمرٍ فإذا هم يتردّدون؟! [41] لم يَرُقْ لعمر أمر الله ورسوله، حتّي إذا تسلّم زمام الاُمور، رفع هذا الحكم بصراحة، وقال: ليس لاحد أن يتمتّع في الحجّ، ومَن فعل، أجريت عليه الحدّ. يقول عمر: أنا أُقِرُّ أنّ التمتّع سُنّة رسول الله، ولكنّي أري أن لايعمل به. يقول أبو موسي ] الاشعريّ ]، إنّ عُمَرَ قَالَ: هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يَعْنِي المُتْعَةَ ـ وَلَكِنِّي أَخْشَي أَنْ يُعَرِّسُوا بِهِنَّ تَحْتَ الاَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُوا بِهِنَّ حُجَّاجَاً. [42] ولقد استعرضنا هذا الموضوع بحول الله وقوّته استعراضاً وافياً والحمد للّه، وذلك في بداية الجزء السادس من كتابنا هذا « معرفة الإمام ». ارجاعات [1] ـ الا´ية 67، من السورة 5: المائدة. [2] ـ سَمَقَ البناتُ: إذا طال فهو سامق وسميق. (م) [3] ـ الَعيوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريّا في ناحية الشمال. (م) [4] ـ «الغدير» ج 4، ص 150، الطبعة الثالثة، مطبعة الحيدري بطهران. من أشعار ابن حمّاد العبدي، محبّ أهل البيت عليهم السلام وشاعرهم في القرن الرابع، عليه التحيّة والرضوان. [5] ـ «حلية الاوليا» ج 1، ص 86. طبعة مطبعة السعادة ـ مصر. [6] ـ جَأءَتْ سُلَيْمَانَ يَوْمَ العَرْضِ قُبَّرَةٌ بِضِلْعِ جَرَادٍ كَانَ فِي فِيهَا نَاجَتْ خَفِيَّ الصَّوْبَ وَاعْتَذَرَتْ إنَّ الهَدَايَا عَلَي مِقْدَارِ مُهْدِيهَا [7] ـ الا´ية 214، من السورة 26: الشعراء. [8] ـ قسم من الا´ية 3، من السورة 5: المائدة. [9] ـ مقطع من الا´ية 43، من السورة 16: النحل. [10] ـ صدر الا´ية 103، من السورة 3: آل عمران. [11] ـ الا´ية 8، من السورة 102: التكاثر. [12] ـ الا´ية 24، من السورة 37: الصافّات. [13] ـ صدر الا´ية 59، من السورة 4: النساء. [14] ـ قسم من الا´ية 33، من السورة 33: الاحزاب. [15] ـ الا´ية 61، من السورة 3: آل عمران. [16] ـ قسم من الا´ية 36، من السورة 24: النور. [17] ـ قسم من الا´ية 23، من السورة 42: الشوري. [18] ـ الا´ية 6، من السورة 98: البيّنة. [19] ـ الا´يتان 1 و 2، من السورة 78، النبأ. [20] ـ الا´ية 207، من السورة 2: البقرة. [21] ـ الا´ية 12، من السورة 58: المجادلة. [22] ـ الا´ية 43، من السورة 13: الرعد. [23] ـ قسم من الا´ية 4، من السورة 66: التحريم. [24] ـ قسم من الا´ية 3، من السورة 9: التوبة. [25] ـ قسم من الا´ية 12، من السورة 69: الحاقّة. [26] ـ الا´ية 130، من السورة 37: الصافّات. [27] ـ قسم من الا´ية 22، من السورة 39: الزمر. [28] ـ قسم من الا´ية 153، من السورة 6: الانعام. [29] ـ قسم من الا´ية 22، من السورة 67: الملك. [30] ـ «تاريخ بغداد» للحافظ الخطيب، ج 4، ص 410. طبعة مطبعة السعادة ـ مصر. [31] ـ «حلية الاولياء» للحافظ أبي نعيم الاءصفهانيّ، ج 1، ص 63 و 64، طبعة مطبعة السعادةـ مصر. [32] ـ الا´ية 55، من السورة 5: المائدة. [33] ـ الخَوفَةَ أو الكوَّة، نافذة صغيرة تترك مفتوحة في الغرفة ليؤدي الضوء إلي البيت. [34] ـ الا´ية 32، من السورة 35: فاطر. [35] ـ الا´يتان 32، من السورة 35: فاطر. [36] ـ الا´ية 33، من السورة 35: فاطر. [37] ـ «غاية المرام»، تحت الحديث رقم 9، من ص 219 إلي 222. [38] ـ ملخّص ما جاء في «سيرة ابن هشام» ج 3، ص 781 إلي 784؛ وفي تفسير «مجمع البيان» ج 5، ص 116 إلي 119، طبعة صيدا؛ وفي «بحار الانوار» طبعة الكمباني ج 6، ص 562؛ نقلاً عن «تفسير عليّ بن إبراهيم». [39] ـ «إعلام الوري» ص 138؛ و «علل الشرائع» ص 413، طبعة دار إحياء التراث العربيّ؛ و«فروع الكافي» ج 4، ص 249 و 246 طبعة الا´خونديّ. [40] ـ «الوفاء بأحوال المصطفي» ج 2، ص 210؛ وكتاب «حياة محمّد» لمؤلّفة هيكل، ص 461. [41] ـ «حياة محمّد» لهيكل، ص 460 و 461، طبعة مطبعة مصر. [42] ـ «تفسير الميزان» ج 2، ص 90؛ عن «مسند» أحمد بن حنبل. طبعة الا´خونديّ. |
|
|