بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السابع / القسم الثانی: منع عمر من وصیة النبی صلی الله علیه وآله، مساواة نظریة عمر و نظریة ماکیا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

منع‌ عمر من‌ جلب‌ القلم‌ والورق‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌

 الثالث‌: في‌ « الطبقات‌ الكبري‌ » لابن‌ سعد روايات‌ كثيرة‌ حول‌ طلب‌ رسول‌الله‌ الكتف‌ والدواة‌ وهو في‌ الاحتضار ليكتب‌ شيئاً لاُمّته‌ لايضلّوا بعده‌ أبداً، فقال‌ عمر، إنَّ الرَّجُلَّ لَيَهْجُرُ، كَفَانَا كِتَابُ اللَهِ. وكان‌ يمانع‌ باستمرار، حتّي‌ كثر اللغط‌ بين‌ الحاضرين‌ عنده‌، فمنهم‌ من‌ قال‌: آتوه‌، وأنصار عمر قالوا: لا حاجة‌ إلی‌ ذلك‌، إلی‌ أن‌ امتعض‌ رسول‌ الله‌ كثيراً، فقال‌: قوموا! لا ينبغي‌ عند نبي‌ّ نزاع‌؛ فودّع‌ الدنيا وهو في‌ غاية‌ الحزن‌ والالم‌.

 وكان‌ ابن‌ عبّاس‌ يكرّر هذا الكلام‌ دائماً: اَلرَّزِيَّةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ مِنْ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغْطِهِمْ. [1]

 يقول‌ محمّد حسنين‌ هيكل‌: وَفِيمَا هُوَ فِي‌ هَذِهِ الشِّدَّةِ وَفِي‌ البَيْتِ رِجَالٌ قَالَ: هَلُمُّوا أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدَاً.

 قَالَ بَعْضُ الحَاضِرِينَ: إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ؛ وَعِنْدَكُمْ القُرْآنُ؛ وَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَهِ؛ وَيَذْكُرُونَ أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي‌ قَالَ هَذِهِ المَقَالَةَ. وَاخْتَلَفَ الحُضُورُ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ؛ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَأْبَي‌ ذَلِكَ مُكْتَفِياً بِكِتَابِاللَهِ؛ فَلَمَّا رَأَي‌ مُحَمَّدٌ خُصُومَتَهُمْ قَالَ: قُومُوا! [2]

 ويقول‌ هيكل‌ بعد هذا الكلام‌ مباشرة‌: وَمَا فَتِي‌َ ابنُ عَبَّاسٍ بَعْدَهَا يَرَي‌ أَنـَّهُمْ أَضَاعُوا شَيْئاً كَثِيراً بِأنْ لَمْ يُسَارِعُوا إلی‌ كِتَابِةِ مَا أَرَادَ النَّبِي‌ُّ إمْلاَءَهُ.

 أَمَّا عُمَرُ فَظَلَّ وَرَأْيَهُ، أَنْ قَالَ اللَهُ فِي‌ كِتَابِهِ الكَرِيمِ: «مَا فَرَّطْنَا فِي‌ الْكِتَـ'بِ مِن‌ شَيْءٍ». [3]

 الرابع‌: ذكر ابن‌ عساكر ستّ روايات‌ جاء فيها أنّ رسول‌الله‌ وأميرالمؤمنين‌ صلوات‌ الله‌ عليهما كانا يتناجيان‌ فترة‌ في‌ يوم‌ الطائف‌. ولمّا بدت‌ الكراهيّة‌ علی وجوه‌ بعض‌ الصحابة‌ ( أبي‌ بكر وعمر ) بسبب‌ طول‌ المناجاة‌، وسئل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيما بعد عن‌ نجواه‌ مع‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: ما أنا انتجيته‌، ولكنّ الله‌ انتجاه‌.

 وجاء في‌ رواية‌: فَرَأي‌ الكَرَاهِيةَ فِي‌ وُجُوهِ رِجَالٍ فَقَالُوا: قَدْ أَطَالَ مُنَاجَاتَهُ مُنْذُ إلیوْمِ فَقَالَ: «مَا أَنَا انْتَجَيْتَهُ وَلَكِنَّ اللَهَ انْتَجَاهُ».[4]

 وفي‌ رواية‌ أُخري‌: فَلَحِقَ أَبُو بَكْرٍ (ظ‌) وَعُمَرُ فَقَالاَ: طَالَتْ مُنَاجَاتُكَ عَلِيَّاً يَا رَسُولَ اللَهِ! قَالَ: «مَا أَنَا أُنَاجِيهِ (كذا) وَلَكِنَّ اللَهَ انْتَجَاهُ».

 الخامس‌: يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: قال‌ ابن‌ عبّاس‌: خرجت‌ مع‌ عمر إلی‌ الشام‌ في‌ إحدي‌ خرجاته‌. فانفرد يوماً يسير علی بعيره‌، فاتّبعته‌، فقال‌ لي‌: يا ابن‌ عبّاس‌! أشكو إلیك‌ ابن‌ عمّك‌ ( علی بن‌ أبي‌ طالب‌ ) سألته‌ أن‌ يخرج‌ معي‌، فلم‌ يفعل‌.

 ولم‌ أزل‌ أراه‌ واجداً، فيم‌ تظنّ موجدته‌؟!

 قلتُ: يا أمير المؤمنين‌! إنّك‌ لتعلم‌!

 قال‌: أظنّه‌ لا يزال‌ كئيباً لفوت‌ الخلافة‌.

 قلت‌: هو ذاك‌. إنّه‌ يزعم‌ أنّ رسول‌ الله‌ أراد الامر له‌.

 فقال‌: يا ابن‌ عبّاس‌! لو أراد رسول‌ الله‌ الامر له‌، فكان‌ ماذا إذا لم‌يرد الله‌تعإلی‌ ذلك‌؟! إنّ رسول‌ الله‌ أراد أمراً، وأراد الله‌ غيره‌، فنفذ مراد الله‌، ولم‌ينفذ مراد رسوله‌. أَوَ كلّما أراد رسول‌ الله‌ كان‌؟!

 وقد روي‌ معني‌ هذا الخبر بغير هذا اللفظ‌، وهو قوله‌: إنّ رسول‌الله‌ أراد أن‌ يذكره‌ للامر في‌ مرضه‌، فصددتُه‌ عنه‌ خوفاً من‌ الفتنة‌، وانتشار أمر الإسلام.

 فعلم‌ رسول‌ الله‌ ما في‌ نفسي‌ وأمسك‌، وأبي‌ الله‌ إلاّ إمضاء ما حتم‌. [5]

 ويقول‌ عبد الفتّاح‌ عبد المقصود: قال‌ عمر لابن‌ عبّاس‌: كرهت‌ قريش‌ أن‌ تجتمع‌ لكم‌ النبوّة‌ والخلافة‌، فنظرتْ لنفسها فاختارت‌، ووفّقتْ فأصابت‌.

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: أمّا قولك‌: إنّ قريشاً كرهت‌، فإنّ الله‌ قال‌ لقوم‌ ]يستحقّون‌ الهلاك‌ لكراهتهم‌ حكم‌ الله‌ ]: ذَ ' لِكَ بِأَنـَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَهُ فَأحْبَطُ أَعْمَالَهُمْ». [6]

 وأمّا قولك‌: إنّ قريشاً اختارت‌، فإنّ الله‌ يقول‌: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. [7]

 فلم‌ يجبه‌ عمر غير أنـّه‌ غضب‌ عليه‌. [8]

 ونري‌ هنا أنّ عمر قد خلط‌ بين‌ الإرادة التكوينيّة‌ والإرادة التشريعيّة‌ للّه‌، وأخطأ؛ وجواب‌ ابن‌ عبّاس‌ المفحم‌ قد قطع‌ عليه‌ الطريق‌. وجواب‌ عمر هذا كقول‌ عبيد الله‌ بن‌ زياد للسيّدة‌ زينب‌ سلام‌ الله‌ عليها في‌ مجلس‌ دار الإمارة‌ بالكوفة‌: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ قَتَلَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ.

 فقال‌ زينب‌ سلام‌ الله‌ عليها: « كَتَبَ اللَهُ عليهم‌ القتل‌ فبرزوا إلی‌ مضاجعهم‌ » لاينافي‌ ارتكابك‌ وارتكاب‌ يزيد للقتل‌ من‌ وحي‌ الجريمة‌. وإرادة‌ الله‌ لا تمنع‌ قبح‌ فعلكما؛ ولا تسلب‌ منكما الاختيار. ويزيد أيضاً في‌ الشام‌ ينسب‌ قتل‌ أهل‌ البيت‌ إلی‌ الله‌، ويري‌ أنّ حكومته‌ من‌ الله‌.

 وكثيراً ما نجد في‌ تأريخ‌ بني‌ العبّاس‌ سلاطينهم‌ قد مُنوا بهذا الخبط‌؛ فعزوا أعمالهم‌ القبيحة‌ إلی‌ الله‌، واعتبروا سلطتهم‌ وحكومتهم‌ من‌ الله‌ لما رأوا من‌ وجودها بأيديهم‌. وأمّا عدم‌ خلافة‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ فإنّهم‌ اعتبروا ذلك‌ ناتجاً عن‌ عدم‌ التقدير الإلهي‌ّ، ونابعاً من‌ عدم‌أحقّيّتهم‌.

 وكم‌ أنشد الشعراء المتملّقون‌ من‌ قصائد في‌ وصف‌ العبّاسيّين‌ وحكومتهم‌ الإلهيّة‌ العادلة‌ علی حدِّ زعمهم‌، وذلك‌ علی امتداد خمسة‌ قرون‌ من‌ الحكم‌ العبّاسي‌ّ! وكم‌ نظموا القصائد الكثيرة‌ في‌ مجالس‌ الحكّام‌ والاُمراء وأبناء الاُمراء للحطّ من‌ شأن‌ أهل‌ البيت‌، والتصريح‌ بعدم‌أحقّيّتهم‌ استناداً إلی‌ عدم‌ التقدير الإلهي‌ّ بالنسبة‌ لحكومتهم‌، فسوّدوا بذلك‌ وجه‌ التأريخ‌.

 يقول‌ أبو شَمْط‌: مَرْوَانُ بْنُ أَبِي‌ الجَنُوب‌: أَنشدت‌ المتوكّل‌ شعرأ ذكرت‌ فيه‌ الرافضة‌ ( أئمّة‌ الشيعة‌ )، فعقد لي‌ علی البحرين‌، وإلیمامة‌، وخلع‌ علی أربع‌ خلع‌. وخلع‌ علی ابنه‌ المنتصر. وأمر لي‌ المتوكّل‌ بثلاثة‌ آلاف‌ دينار من‌ الذهب‌، فَنُثِرَتْ علی. وأمر ابنه‌ المُنتَصِرَ وَسَعْدَاً الإيتَإلی‌ أن‌ يلقطاها لي‌، ففعلاً.

 والشعر الذي‌ قلته‌:

 مُلْكُ الخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ                    لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا سَلاَمَه‌

 لَكُمُ تُرَاثُ مُحَمَّدٍ                        وَبِعَدْلِكُمْ تُنْفَي‌ الظُّلاَمَه‌

 يَرْجُوا التُّرَاثَ بَنُو البَنَا                  تِ وَمَا لَهُمْ فِيهَا قُلاَمَه‌

 وَالصِّهْرُ لَيسَ بِوَارِثٍ                   وَالْبِنْتُ لاَ تَرِثُ الإمامه‌

 مَا لِلَّذِينَ تَنَحَلُّوا              مِيرَاثَكُمْ إلاَّ النَّدَامَه‌

 أَخَذَ الوِرَاثَةَ أَهْلُهَا                       فَعَلاَمَ لَوْمُكُمُ عَلاَمَه‌

 لَوْ كَانَ حَقُّكُمْ لَمَا                       قَامَتْ علی النَّاسِ القِيَامَه‌

 لَيْسَ التُّرَاثُ لِغَيْرِكُمْ                   لاَ وَالإلَهِ وَلاَ كَرَامَه‌

 أَصْبَحْتَ بَيْنَ مُحِبِّكُمْ                   وَالْمُبْغِضِينَ لَكُمْ عَلاَمَه‌ [9]

 يقول‌ أَبُو الشَّمْط‌: ثمّ نثر علی بعد ذلك‌ لِشِعْرٍ قلته‌ في‌ هذا المعني‌ عشرة‌ آلاف‌ درهم‌. [10]

 لقد فتح‌ عمر بهذا المنطق‌ الخاطي‌ طريق‌ المغالطة‌ لجميع‌ حكّام‌ الجور الذين‌ جاؤوا بعده‌؛ فلو كان‌ الحصول‌ علی المنصب‌ والإمارة‌ والولاية‌ في‌ الإرادة الإلهيّة‌ التكوينيّة‌ دليلاً علی الاحقيّة‌ والواقعيّة‌ في‌ الإرادة التشريعيّة‌، لما كان‌ ـ مِن‌ ثَمَّ ـ للظلم‌، والقبح‌، والاعتداء، والخيانة‌، والجريمة‌، وأمثالها أي‌ّ مفهوم‌. وكان‌ التسلّط‌ ونيل‌ القدرة‌ بأي‌ّ! شكل‌ وأي‌ّ عنوان‌، دليلاً علی الإرادة الإلهيّة‌ وشاهداً علی أحقّيّته‌.

 بَيدَ أنّ عمر كان‌ يفهم‌ جيّداً أنـّه‌ يخلط‌ ويغالط‌، ولو كانت‌ الطواري‌ الخارجيّة‌ والوقائع‌ والاحداث‌ التي‌ تجري‌ علی أساس‌ الاعتداء والظلم‌ والخلاف‌ لامر الله‌ ورسوله‌ دليلاً علی أحقيّة‌ الامر الواقعي‌ّ الخارجي‌ّ وحقيقته‌، فلماذا اعترض‌ عمر علی رسول‌ الله‌ في‌ قضيّة‌ الحديبيّة‌، وشكَّ في‌ نبوّته‌؟ فكان‌ له‌ أن‌ يقول‌: أراد رسول‌ الله‌ أمراً، وأراد الله‌ غيره‌. والتسليم‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ لامر الله‌. وأراد رسول‌ الله‌ العمرة‌ والطواف‌ حول‌ بيت‌الله‌، وأراد الله‌ صدّ الكفّار، والحلق‌، ونحر البُدن‌ في‌ وسط‌ الصحراء، والرجوع‌ إلی‌ المدينة‌ بلا عمرة‌.

 ولا دخل‌ لنا بهذا المنطق‌ العُمَرِي‌ّ؛ فعمر كان‌ يعرف‌ منهجه‌ الفكري‌. إلاّ أنَّ ما نريد معرفته‌ هنا أنّ هذا المنطق‌ مخالف‌ لمنطق‌ الإسلام، ومعاكس‌ لمنطق‌ القرآن‌، ومغاير لدأب‌ رسول‌ الله‌ وديدنه‌، ومناهض‌ لآراء أرباب‌ الاديان‌ السماويّة‌.

 وفي‌ ضوء الآراء العمريّة‌، فإنّ سَوْقَ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ إلی‌ المسجد حاسر الرأس‌ ليبايع‌، وكسر ضلع‌ الصدّيقة‌ الطاهرة‌ فاطمة‌ الزهراء عليها السلام‌، وإجهاض‌ جنينها البري‌ء: المحسن‌، وغصب‌ فدك‌ وهي‌ نحلة‌ الزهراء الصدّيقة‌، كلّ ذلك‌ إرادة‌ الله‌. ولو لم‌ يرد الله‌، لما وقع‌. وبوجه‌ عامّ، فلا معني‌ لغصب‌ الولاية‌ في‌ رأيه‌، ذلك‌ لانّ عنوان‌ الغصب‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ ليس‌ له‌ تحقّق‌ خارجي‌ّ أبداً. فكلّ من‌ تسنّم‌ منصباً بأي‌ّ شكل‌ وعنوان‌، فإنّه‌ علی الحقّ، وأنّ ذلك‌ قد جري‌ بإرادة‌ الله‌!

 وهكذا فإنّ الجرائم‌ الواقعة‌ في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌، وسَوق‌ الناس‌ إلی‌ البيعة‌، في‌ وقت‌ كان‌ جثمان‌ رسول‌ الله‌ ملقي‌ علی الارض‌ لم‌ يدفن‌ بعد، والاحداث‌ التي‌ أعقبت‌ السقيفة‌ خلال‌ مدّة‌ حُكم‌ الخلفاء الثلاثة‌ التي‌ امتدّت‌ خمساً وعشرين‌ سنة‌، ثمّ تمرّد معاوية‌ وبغيه‌، واغتيال‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ المحراب‌، والظلامات‌ التي‌ عاني‌ منها الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، والاحداث‌ الداميّة‌ المؤلمة‌ في‌ كربلاء، والمشاهد الموجعة‌ المتمثّلة‌ في‌ سبي‌ الحوراء زينب‌ عليها السلام‌ علی مرأي‌ من‌ أهل‌ الكوفة‌ والشام‌ والبقاع‌ الاُخري‌ و... و... و... قد جري‌ بأجمعه‌ بإرادة‌ الله‌! ولو لم‌ يشأ ذلك‌، لم‌يحدث‌! ولهذا فقد كان‌ الحقّ مع‌ الذين‌ ارتكبوا تلك‌ الجرائم‌، وبالملازمة‌ فقد كان‌ الحقّ مجانباً لاُولئك‌ المظلومين‌ المشرّدين‌ الذين‌ نهشتهم‌ السيوف‌ من‌ أجل‌ إعلاء كلمة‌ الحقّ، والذين‌ طووا تلك‌ الفيافي‌ والقفار جياعاً ظامئين‌ علی جمال‌ بغير غطاء ولا وطاء، تلفح‌ وجوههم‌ الشمس‌ المحرقة‌.

 ومن‌ هنا يستبين‌ للقاري‌ الكريم‌ جيّداً أنّ منطق‌ عمر كان‌ الباعث‌ علی استبدال‌ نبوّة‌ الإسلام ورسول‌ الله‌ بالسلطنة‌ والملكيّة‌ والكسرويّة‌ والقيصريّة‌، وكان‌ الباعث‌ علی تحكّم‌ الامويّين‌ والعبّاسيّين‌ في‌ رقاب‌ المسلمين‌ طيلة‌ ستّة‌ قرون‌ متوإلیة‌ وبالتإلی‌ أُفول‌ دين‌ الإسلام المقدّس‌ وانكدار نجم‌ النبوّة‌ المصحوبة‌ بولاية‌ الرسول‌ الاعظم‌ وطهارته‌ التي‌ انبثقت‌ عنها طهارة‌ أهل‌ البيت‌ وأئمّة‌ الحقّ. وهو الذي‌ جعل‌ الحكومة‌ الجائرة‌ والظالمة‌ لكسري‌ وقيصر تتقمّص‌ شكل‌ الخلافة‌ الإسلاميّة‌، ويظهر الحكّام‌ بمظهر خلفاء المسلمين‌.

 الرجوع الي الفهرس

نظريّة‌ عمر في‌الإمامة هي‌ نظريّة‌ ماكيافيلّي‌

 وما الفرق‌ بين‌ نظريّة‌ عمر ونظريّة‌ الناهبين‌ والطامعين‌ الدوليّين‌ في‌ عالم‌ إلیوم‌؟ فهؤلاء يقولون‌ أيضاً: من‌ كانت‌ الحكومة‌ بيده‌، فله‌ السيادة‌ والحقيقة‌ والاصالة‌ التي‌ لا تمثّل‌ إلاّ القبض‌ علی مقإلید الاُمور.

 ونظريّة‌ عمر في‌ الإمامةهي‌ نفس‌ نظريّة‌ ماكيافيلّي‌ الإيطإلی‌ّ، أو بتعبير أصحّ: نظريّة‌ ماكيافيلّي‌ هي‌ نظريّة‌ عمر نفسها. فماكيافيلّي‌ يقول‌ أيضاً: الملاك‌ في‌ الشرف‌ والاصالة‌ والواقعيّة‌ عند الإنسان‌ هو القبض‌ علی مقإلید الاُمور، ومن‌ كانت‌ له‌ الحكومة‌، فهو عزيز ومنصور، وقد بلغ‌ هدفه‌. ومن‌ كان‌ فاقداً لها، فهو متخلّف‌ عن‌ قافلة‌ الوجود؛ وناءٍ عن‌ موكب‌ الظافرين‌ الذين‌ بلغوا الهدف‌.

 والفارق‌ بينهما فقط‌ في‌ اختلاف‌ التعبير. فعمر يعبّر عن‌ القدرة‌ الفعليّة‌، والاستيلاء علی المنصب‌ بأنـّهما يتحقّقان‌ عمليّاً في‌الخارج‌ بإرادة‌ الله‌. أمّا ماكيافيلّي‌ فيعبّر عن‌ ذلك‌ بالواقعيّة‌ والاصالة‌ وملاك‌ الشرف‌، ومثالها من‌ المفردات‌.

 ولكم‌ أن‌ تقارنوا بين‌ هذا المنطق‌ ومنطق‌ سيّد الموحّدين‌ ومولي‌ المتّقين‌ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ إذ يقول‌: وَاللَهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَقَإلیمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا علی أَنْ أَعْصِي‌َ اللَهَ فِي‌ نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُ؛ وَإنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي‌ لاَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي‌ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا! مَا لِعلی وَلِنَعِيمٍ يَفْنَي‌ وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَي‌؟! [11]

 ومنطق‌ عمر يضارع‌ منطق‌ أبي‌ سفيان‌ الذي‌ كان‌ يخال‌ أنّ الحكومة‌ تمثّل‌ أُبّهة‌ وجلالاً وعظمة‌ من‌ منظار هذه‌ الدنيا وهذه‌ النشأة‌. وكان‌ ينكر الرابطة‌ بين‌ النبوّة‌ والاتّصال‌ بعالم‌ الغيب‌، والحكومة‌ الإلهيّة‌ الحقّة‌. وبعبارة‌ أُخري‌، كان‌ يقول‌: إنّ ما قاله‌ محمّد عن‌ هذه‌ الدنيا وحكومتها وإمارتها يتعلّق‌ بشؤون‌ هذه‌ الدنيا. والحكومة‌؛ والسلطنة‌، فلا خبر من‌ عالم‌ الغيب‌. ولامعني‌ للارتباط‌ به‌، ولا معني‌ لخضوع‌ هذا العالم‌ لاحكام‌ ذلك‌ العالم‌.

 ولم‌ يستطع‌ أبو سفيان‌ أن‌ يتصوّر معني‌ الشهامة‌ والتضحية‌ والجهاد والإيثار للّه‌ والحقيقة‌ وبلا أي‌ّ توجّه‌ مادّي‌ّ؟ ولم‌ يستطع‌ أن‌ يتصوّر أنّ جنود الإسلام الذين‌ يضربون‌ بسيوفهم‌ ليس‌ لهم‌ هدف‌ مادّي‌ّ، ولاطموح‌ إلی‌ الرئاسة‌ والحكومة‌ علی الناس‌، فعملهم‌ للّهِ وفِي‌ اللهِ.

 والطابور العظيم‌ من‌ المنافقين‌ ـسواءً الذين‌ أسلموا في‌ فتح‌ مكّة‌، أو الذين‌ بهرتهم‌ عظمة‌ الإسلام فلم‌ يجدوا بدّاً من‌ أن‌ يظهروا إسلامهم‌ـ يتألّف‌ من‌ أمثال‌ هؤلاء الاشخاص‌.

 وكان‌ المنافقون‌ جماعة‌ كثيرة‌ تعدّ من‌ الصحابة‌. أسلموا في‌ الظاهر وشهدوا بوحدانيّة‌ ورسالة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلاّ أنّ قلوبهم‌ لم‌تسلم‌ ولم‌تؤمن‌، وكانوا ينظرون‌ إلی‌ الإسلام في‌ باطنهم‌ كحكومة‌ قوميّة‌ أو إمارة‌ دنيويّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ أبي‌ سفيان‌ لعثمان‌ في‌ أمر الخلافة‌

 ولمّا تسلّم‌ عثمان‌ مقإلید الاُمور، دخل‌ أبو سفيان‌ إلی‌ مجلسه‌ فقال‌:

 يَا بَنِي‌ أُمَيَّةَ! تَلَقَّفُوهَا تَلَقُّفَ الكُرَةِ! وَالَّذِي‌ يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ: مَازِلْتُ أَرْجُوهَا لَكُمْ، وَلَتصِيرَنَّ إلی‌ صِبْيَانِكُمْ وِرَاثَةً!

 وَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَدِرْهَا كَالكُرَةِ! وَاجْعَلْ أَوْتَادَهَا بَنِي‌ أُمَيَّةَ! فَإنَّمَا هُوَ المُلْكُ؛ وَلاَ أَدْرِي‌ مَا مِنْ جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ! وَأَتَي‌ قَبْرَ حَمْزَةَ سَيِّد الشُّهَدَاءِ عَلَيهِ السَّلاَمُ فَرَكَلَهُ بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا حَمْزَةُ! إنَّ الاَمْرَ الَّذِي‌ كُنْتَ تُقَاتِلُنَا عَلَيهِ بِالاَمْسِ قَدْ مَلَكْنَاهُ إلیوْمَ وَكُنَّا أَحَقَّ بِهِ مِنْ تَيْمٍ وَعَدِي‌ٍّ! [12] و [13]

 نستنتج‌ ممّا ذكرناه‌ في‌ هذه‌ المقدّمة‌ إلی‌ أي‌ّ مدي‌ كان‌ المسلمون‌ متفاوتين‌ في‌ عصر الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌؛ وفي‌ مستويات‌ مختلفة‌ من‌ حيث‌ الجنوح‌ القلبي‌ّ والإیمان الحقيقي‌ّ. وكان‌ رسول‌الله‌ في‌ نبوّته‌ يواجه‌ هؤلاء الاشخاص‌ المتفاوتين‌ ذوي‌ الاتّجاهات‌ الفكريّة‌ المتضاربة‌. وكم‌ كانت‌ الحياة‌ مع‌ هؤلاء شاقّة‌ وصعبة‌ بكلّ ما كان‌ فيها من‌ مجاراة‌ واتّصال‌ ومعاشرة‌ وأُنس‌ وتردّد وعلاقات‌ مع‌ الكثيرين‌ منهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

عصمة‌ الانبياء لا تنافي‌ اختيارهم‌

 المقدّمة‌ الثالثة‌: إنّ جميع‌ الانبياء والمرسلين‌ الذين‌ بعثهم‌ الله‌، وكافّة‌ الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ وجميع‌ المعصومين‌ والمطهّرين‌ من‌ أولياء الله‌ المقرّبين‌ هم‌ كسائر الناس‌ مكلّفون‌ ومتأدّبون‌ بتأديب‌ إلهي‌ّ.

 وينبغي‌ لهم‌ أن‌ يجسّدوا عمليّاً كافّة‌ الاستعدادات‌ والقوي‌ الفطريّة‌ المودعة‌ فيهم‌ الواحدة‌ بعد الاُخري‌ بقدم‌ المجاهدة‌ والاستقامة‌ علی الطريق‌، وتقديم‌ رضا الله‌ علی رضا النفس‌، والصبر وتحمّل‌ الاذي‌ في‌ طريق‌ الوصول‌ إلی‌ المطلوب‌ سبحانه‌ تعإلی‌. وبهمّة‌ عإلیة‌ وعزم‌ وطيد وإرادة‌ صلبة‌ لاتلين‌. وأن‌ يقطعوا المنازل‌ والمراحل‌ المقرّرة‌ في‌ طريق‌ القرب‌، ولقاء الذات‌ الاحديّة‌، والفناء في‌ ذاته‌ المقدّسة‌، والبقاء بالله‌ بعد حصول‌ مقام‌ الفناء، ويطووا هذا الطريق‌ باختيارهم‌ وإرادتهم‌.

 إنّ الاختيار الربّاني‌ّ، والارتضاء والاصطفاء والاجتباء في‌ عوالم‌ الغيب‌ وعالم‌ الذرّ والمثال‌ وفي‌ العوالم‌ النوريّة‌ والمجرّدة‌ والبسيطة‌ في‌ بدء الخليقة‌ لايؤدّي‌ إلی‌ سلب‌ اختيارهم‌ وإرادتهم‌، بل‌ يؤيّد ويسدّد ويدعم‌ الاختيار والإرادة.

 ذلك‌ لانّ الله‌ شاء أن‌ يبعث‌ هؤلاء الاشخاص‌ المطهّرين‌ والمصطفين‌ لتبليغ‌ رسالته‌ وهداية‌ عباده‌، وهم‌ يقطعون‌ هذا الطريق‌ ويسيرون‌ في‌ هذا الاتّجاه‌ باختيارهم‌ وقبولهم‌ عبر حبّهم‌ لمعبودهم‌. فكيف‌ يمكن‌ ـوالحال‌ هذه‌ـ أن‌ نتصوّر أنـّهم‌ يؤدّون‌ ما عليهم‌ من‌ تكليف‌ مكرهين‌ بعصمة‌ اضطراريّة‌ وجبريّة‌ بإرادة‌ الله‌، وليس‌ ذلك‌ إلاّ خُلفاً، والخُلف‌ يستلزم‌ تغيير الإرادة الإلهيّة‌، وهو محال‌.

 ولقد شاء الله‌ أن‌ يقوموا بالاعمال‌ الصالحة‌ الطاهرة‌ من‌ وحي‌ اختيارهم‌، ويجتنبوا المعاصي‌ والمحرّمات‌ من‌ وحي‌ اختيارهم‌ أيضاً. فلو كانت‌ إرادة‌الله‌سبباًفي سلب‌اختيارهم، وكانت‌طهارتهم‌وعصمتهم‌بشكل إجباري‌ّ وقسري‌ّ، فإنّ ذلك‌ يستدعي‌ تخلّف‌ الإرادة عن‌ المراد، وهو محال‌.

 فالانبياء والمرسلون‌ ـ إذاًـ مختارون‌ كسائر الناس‌، وينتهجون‌ طريقهم‌ بإرادتهم‌ واختيارهم‌. ويقومون‌ بطائفة‌ من‌ الاعمال‌، ويتركون‌ طائفة‌ أُخري‌.

 لذلك‌ ما برحوا يبلغون‌ بقواهم‌ واستعداداتهم‌ تدريجيّاً إلی‌ مقام‌ الفعليّة‌؛ ثمّ يبلغون‌ بتلك‌ الفعليّة‌ ( التي‌ هي‌ القوّة‌ والاستعداد بالقياس‌ إلی‌ الدرجة‌ العليا )، إثر الإرادة والاختيار وقبول‌ أمر الله‌ إلی‌ فعليّة‌ أعلی ودرجة‌ أسمس‌ وهكذا يواصلون‌ طريقهم‌ باستمرار وتدريجيّاً فيبلغون‌ بكلّ قوّة‌ من‌ القوي‌ المودعة‌ فيهم‌ إلی‌ الكمال‌ النسبي‌ّ، ثمّ إلی‌ الكمال‌ المطلق‌، حتّي‌ يصل‌ وجودهم‌ إلی‌ الكمال‌ المطلق‌، فيظفروا بمقام‌ الإنسان‌ الكامل‌.

 وهذه‌ المناصب‌ والدرجات‌ جاءت‌ من‌ الطريق‌ الذي‌ انتهجوه‌ باختيارهم‌، ومن‌ المقام‌ الذي‌ بلغوه‌ بطوعهم‌ ورغبتهم‌ وإرادتهم‌ ورضاهم‌.

 وبلغ‌ إبراهيم‌ الخليل‌ عليه‌ السلام‌ مقام‌ الإمامةالذي‌ منّ الله‌ به‌ عليه‌، وذلك‌ بعد حيازة‌ مقام‌ النبوّة‌، وتحطيم‌ الاصنام‌ في‌ معبد الاصنام‌ ببابل‌، وإلقائه‌ في‌ النار، ومعارضته‌ للنمرود والنمروديّين‌، وإبعاده‌ من‌ بابل‌ إلی‌ فلسطين‌، واضطلاعه‌ بأعباء النبوّة‌ في‌ تلك‌ الربوع‌، وبعد أن‌ تعرّض‌ إلی‌ امتحانات‌ وابتلاءات‌ عديدة‌ وبسبب‌ صبره‌ وتحمّله‌ مع‌ زوجته‌ سارة‌ بلا ولد يؤنسهما، ثمّ منّ الله‌ عليه‌ بالولد، وبعد بناء الكعبة‌ مع‌ نجله‌ البارّ إسماعيل‌، وتَرك‌ زوجته‌ هاجر وولده‌ إسماعيل‌ وحيدين‌ في‌ أرض‌ مكّة‌ الحارّة‌ الكأداء القفر غيرذات‌ زرع‌، وبعد البلاء الذي‌ مرّ به‌ متمثّلاً بأمره‌ بذبح‌ ولده‌ الرشيد إسماعيل‌ مَعْلَم‌ التوحيد، وإقامة‌ إسماعيل‌ في‌ منحر المحبوب‌. وصفوة‌ القول‌ بعد أربعة‌ وعشرين‌ اختباراً نجح‌ في‌ اجتيازها. وكان‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ في‌ سنّ الشيخوخة‌ والهرم‌ إذ كان‌ شعره‌ الابيض‌ يتدلّي‌ من‌ رأسه‌ ووجهه‌. قال‌ عزّ من‌ قائل‌:

 وَإِذِ ابْتَلَي‌ إبر ' هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـ'تٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي‌ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا.[14]

 وبلغ‌ موسي‌ عليه‌ السلام‌ مقام‌ الكمال‌، وأصبح‌ من‌ أنبياء أُولي‌ العزم‌، ومن‌ أصحاب‌ الشريعة‌ والكتاب‌ بعد اختبارات‌ عسيرة‌ شاقّة‌ في‌ الدعوة‌ مع‌ الاسباط‌ في‌ مقابل‌ الاقباط‌، ومواجهة‌ فرعون‌ مصر، والنزوح‌ إلی‌ فلسطين‌، وقضاء الاسباط‌ أربعين‌ سنة‌ في‌ التيه‌، والذهاب‌ إلی‌ جبل‌ الطور جائعاً ظامئاً أربعين‌ ليلة‌ لمناجاة‌ الله‌، وتحمّل‌ آثار العظمة‌ والجلال‌ الإلهي‌ّ.

 وكان‌ الرسول‌ الاكرم‌ محمَّد بن‌ عبد الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وحيداً غريباً في‌ مكّة‌ أربعين‌ سنة‌ بحيث‌ إنّه‌ كان‌ مرغماً علی ترك‌ بيت‌الله‌ الحرام‌ ـ مع‌ أنـّه‌ كان‌ من‌ أهل‌ مكّة‌ مجاوراً لبيت‌ الله‌ـ للاختلاء مع‌ الله‌ في‌ جبل‌ النور في‌ غَارِ حرَاء. ذلك‌ الغار الذي‌ كان‌ علی سفح‌ الجبل‌. وكان‌ الذهاب‌ إلی‌ ذلك‌ المكان‌ شاقّاً وخطيراً جدّاً. وكان‌ يقيم‌ في‌ ذلك‌ الغار وحده‌ أيّاماً أو أُسبوعاً أو أُسبوعين‌ أو أكثر.

 ولا يخامرنا الشكّ ـ طبعاًـ أنّ جوهرة‌ وجود أُولئك‌ الرجال‌ العظام‌ تتفوّق‌ وتمتاز عن‌ الآخرين‌، كما أنّ الناس‌ العاديّين‌ يتباينون‌ في‌ الخلق‌ من‌ حيث‌ الصفات‌ والغرائز والملكات‌. وكذلك‌ يتباينون‌ من‌ حيث‌ الجهات‌ الطبيعيّة‌ كالطول‌ والحجم‌ واللون‌ والشمائل‌ المتنوّعة‌. إلاّ أنّ هذا التباين‌ لايجعلهم‌ في‌ صفٍّ مستقلّ متميّز من‌ حيث‌ التكليف‌ والعصمة‌ الاختياريّة‌. فالجميع‌ ينبغي‌ أن‌ يكدحوا إلی‌ الكمال‌، ويبلغوا غايتهم‌ المنشودة‌، وذلك‌ بطاعة‌ أمر الله‌، وقبول‌ التوحيد، وبالمجاهدة‌ والكدّ والسعي‌ في‌ طي‌ّ الطريق‌ إلی‌ الله‌.

 النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.[15]

 فالناس‌ كالمعادن‌ مختلفون‌ في‌ الغرائز والصفات‌، والتألّق‌ واللمعان‌، واختلاف‌ الدرجات‌ والاستعدادات‌. وكما أنّ المعادن‌ فيها النحاس‌، والحديد، والذهب‌، والفضّة‌، والالماس‌، وهي‌ تختلف‌ فيما بينها، فكذلك‌ أصناف‌ الناس‌ تختلف‌ فيما بينها في‌ الصفات‌ والغرائز والملكات‌. إلاّ أنّ النكتة‌ هنا هي‌ كما أنّ كلّ معدن‌ ينبغي‌ أن‌ يستخرج‌، ويؤخذ إلی‌ الفرن‌، ويتحمّل‌ النار، ويذوب‌، ويفصل‌ الغشّ من‌ الخالص‌. وكما أنّ الالماس‌ ينبغي‌ أن‌ يبري‌ أيضاً علی يد الخرّاط‌ ليستفاد منه‌ بما فيه‌ من‌ قابليّة‌، فكذلك‌ طبقات‌ الناس‌ وأصنافهم‌ ينبغي‌ لها المجاهدة‌ والتسليم‌ لامر الله‌ لتتحرّر من‌ العُجب‌ وهوي‌ النفس‌، وتظفر برؤية‌ الله‌ ولقائه‌.

 وكلّ فرد من‌ الناس‌ مكلّف‌ بإكمال‌ القابليّة‌ التي‌ عنده‌ والاستعداد المودع‌ فيه‌، والبلوغ‌ بهما إلی‌ مقام‌ الفعل‌ لا أن‌ يصيّر نفسه‌ كالآخرين‌. والانبياء مكلّفون‌ أن‌ يطهّروا جوهرتهم‌ الذاتيّة‌؛ والائمّة‌ مكلّفون‌ أن‌ يبلغوا مقام‌ الولاية‌ المطلقة‌ في‌ التعإلیم‌ الإلهيّة‌ في‌ مقام‌ الخلوص‌ والإخلاص‌؛ وأولياء الله‌ مكلّفون‌ أن‌ ينيروا سريرتهم‌ الذاتيّة‌، ويجتازوا الحجب‌ النورانيّة‌؛ والناس‌ العاديّون‌ مكلّفون‌ أيضاً أن‌ يطهّروا سريرتهم‌ الذاتيّة‌ مهما كان‌ الامر، ويبعدوا عنها كلّ غشّ وغلّ، ويخرجوا من‌ هوي‌ النفس‌، ويظفروا بمقام‌ رضا المحبوب‌، وهو الربّ المعبود. ولم‌ يكلّف‌ أحد أن‌ يصير كالآخرين‌. وفي‌ يوم‌ القيامة‌ لا يسألون‌ الشمر: لماذا لم‌ تكن‌ كسيّد الشُّهداء؟! لماذا لم‌ تكن‌ إماماً؟! بل‌ يؤاخذونه‌ قائلين‌: لماذا ذبحتَ الإمام‌ طواعية‌؟!

 ولا يسألون‌ سلمان‌ الفارسيّ: لماذا لم‌ تكن‌ كأمير المؤمنين‌؟! بل‌ يسألونه‌: هل‌ استخدمت‌ جميع‌ القابليّات‌ والقوي‌ التي‌ أودعها الله‌ فيك‌ علی طريق‌ رضا الله‌ أو لا!

 ولا يسألون‌ أبا ذرّ الغفاري‌ّ: لماذا لم‌ تكن‌ كسلمان‌ الفارسي‌ّ؟! بل‌ يسألونه‌: هل‌ اكتملتَ يا أباذر أو لا؟!

 فعلی هذا نري‌ أنّ العصمة‌ والطهارة‌ الموجودتين‌ في‌ الانبياء، المودعتين‌ فيهم‌ بإرادة‌ الله‌، لا تستلزمان‌ العصمة‌ القهريّة‌ والطهارة‌ القسريّة‌، بل‌ هما منافيتان‌ لذلك‌، ويمكن‌ أن‌ نعتبر العصمة‌ والطهارة‌ الاختياريّتين‌ معلولتين‌ للنفس‌ الشريفة‌ التي‌ يحملها المطيع‌، ومُسبّبتين‌ عن‌ الملكات‌ الحميدة‌ التي‌ يتّصف‌ بها أُولئك‌ العظماء بواسطة‌ السجايا المباركة‌ الناتجة‌ عن‌ أعمالهم‌ الصالحة‌.

 والروايات‌ المأثورة‌ التي‌ تنبئنا أنّ الله‌ خلقهم‌ قبل‌ آدم‌ أو قبل‌ خلق‌ العوالم‌ الاُخري‌ بألفي‌ سنة‌، أو سبعة‌ آلاف‌ سنة‌، أو سبعين‌ ألف‌ سنة‌ لاتعني‌ السبق‌ الزمني‌ّ، بل‌ تعني‌ السبق‌ الرُّتبي‌ والعلی في‌ العوالم‌ المجرّدة‌؛ والقصد من‌ طول‌ المدّة‌ سعة‌ العوالم‌ النوريّة‌ والمجرّدة‌ بالنسبة‌ إلی‌ عوالم‌ الطبع‌ والطبيعة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الانبياء كغيرهم‌ من‌ الناس‌ في‌ الصفات‌ البشريّة‌

 ونفهم‌ من‌ هذا العرض‌ أنّ الانبياء كغيرهم‌ من‌ الناس‌ لهم‌ غرائز وصفات‌ واختيار وشؤون‌ معنويّة‌ وحسّيّة‌ ومادّيّة‌ أُخري‌، وهم‌ بشر بكلّ ما للكلمة‌ من‌ معني‌. ويتمتّعون‌ بغريزة‌ العفّة‌ والحياء، ويتّصفون‌ بالهيبة‌ والخشية‌، ويفرحون‌ ويحزنون‌، ويضحكون‌ ويبكون‌ ولهم‌ جسم‌ مادّي‌ّ، فهم‌ يأكلون‌، ويجوعون‌، ويعطشون‌، ويرتوون‌ ويشبعون‌، وفيهم‌ غريزة‌ النكاح‌ وحبّ الجنس‌.

 كما أنـّهم‌ يشعرون‌ بالالم‌، وبالفراق‌ والهجران‌. وكذلك‌ يشعرون‌ بالسرور. غاية‌ الامر أنـّهم‌ اختدموا هذه‌ الاعمال‌ كلّها، وهذه‌ الصفات‌ والغرائز، وهذه‌ المشاعر في‌ طريق‌ رضا الله‌ معبودهم‌ الحقّ، وما رسوها ابْتِغَآءً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

 ولم‌ يُستثنَ رسول‌ الله‌ نبيّنا الكريم‌: خاتم‌ الانبياء والمرسلين‌ من‌ هذه‌ القاعدة‌، بل‌ كان‌ كغيره‌ من‌ الانبياء ذا صفات‌ بشريّة‌. وكان‌ حريصاً علی تبليغ‌ الاحكام‌. وكان‌ يرهق‌ نفسه‌ ويتعبها في‌ السعي‌ لتبليغ‌ القرآن‌ الكريم‌ وإرشاد الناس‌ وهدايتهم‌. وكانت‌ نفسه‌ تذهب‌ حسرات‌ علی فتور الكفّار وإعراضهم‌ وصدّهم‌ وعدم‌ اهتمامهم‌. ولقد بالغ‌ في‌ الجهد لبيان‌ الآيات‌ الإلهيّة‌ واهتمّ اهتماماً مركّزاً لإيصال‌ نداء القرآن‌ الكريم‌. وكم‌ كان‌ يغضبه‌ ما يواجهه‌ من‌ انتهاكات‌ كانت‌ تصدر في‌ بعض‌ الاحيان‌ إلی‌ الحدّ الذي‌ كان‌ وجهه‌ المبارك‌ يحمرّ وأوداجه‌ تنتفخ‌. وكان‌ يستحيي‌ أشدّ الاستحياء في‌ مواضع‌ الحياء والخجل‌ حتّي‌ سمّوه‌: الحَيّي‌. وجاء في‌ القرآن‌ الكريم‌ أنـّه‌ كان‌ يشقّ علی نفسه‌ كثيراً في‌ إيصال‌ الاحكام‌. قال‌ جلّ من‌ قائل‌: طَـ'هَ* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَي‌'. [16] وقال‌:

 لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ انفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رؤُوفٌ رَحِيمٌ. [17] وقال‌:

 فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ علی ءَاثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًاً.[18]

 وورد عن‌ حيائه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: إِنَّ ذَ ' لِكُمْ كَانَ يُؤْذِي‌ النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي‌ مِنكُمْ. [19]

 وجاء حول‌ تصديقه‌ كلام‌ الناس‌ إذ كلّما كانوا يطرحونه‌ من‌ كلام‌ لايردّه‌ إلی‌ أن‌ قالوا: محمّد أُذُن‌ فقط‌، يصدّق‌ كلّ ما يقولون‌؛ يسمع‌ كلاماً متناقضاً فلا يردّه‌ ولا يجادل‌ ولا يناقش‌ ولا يعترض‌: و مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ. [20]

 وحول‌ زواج‌ زينب‌ ابنة‌ عمّته‌ التي‌ طلّقها ابنه‌ بالتبنّي‌ّ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وكان‌ هذا العمل‌ مستقبحاً عند العرب‌ إلی‌ درجة‌ أنـّهم‌ كانوا يعتبرونه‌ في‌ حكم‌ الزواج‌ من‌ زوجة‌ الولد الحقيقي‌ّ، فقد كُلّف‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بتحطيم‌ هذه‌ السنّة‌ الجاهليّة‌، وهو أوّل‌ من‌ قام‌ بهذا العمل‌ مع‌ أنـّه‌ كان‌ يخشي‌ ذلك‌ حتّي‌ نزل‌ قوله‌ تعإلی‌: وَتَخْشَي‌ النَّاسَ وَاللَهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ. [21]

 وورد بشأن‌ لزوم‌ رسالات‌ الله‌ وعدم‌ تغييرها قوله‌: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بِعْضَ الاْقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِإلیمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * وَمَا مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ. [22]

 الرجوع الي الفهرس

خوف‌ النبي‌ّ من‌ التبليغ‌ العامّ لولاية‌ أمير المؤمنين‌ صلوات‌ الله‌ عليهما

 وبعد أن‌ استبانت‌ لنا هذه‌ المقدّمات‌، نقول‌ حول‌ الإعلان العامّ عن‌ ولاية‌ مولي‌ الموحّدين‌ وأمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أنّ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ حذراً خائفاً، وذلك‌ لما عرفناه‌ من‌ الحالة‌ العامّة‌ للصحابة‌ والمعارضين‌ إجمالاً. كان‌ رسول‌ الله‌ خائفاً من‌ عواقب‌ إعلانه‌ عن‌ ولاية‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌؟

 ولم‌ يخف‌ نبيّنا الاكرم‌ علی نفسه‌ من‌ القتل‌، أو الرمي‌ من‌ شاهق‌، أو سقيه‌ السمّ؛ ذلك‌ لانـّه‌ كان‌ لا يري‌ لنفسه‌ أي‌ّ قيمة‌ أمام‌ أمر الله‌، إذ سلّم‌ أمره‌ للّه‌ كاملاً ونذر نفسه‌ الشريفة‌ للّه‌ كأسهل‌ ما يكون‌ بكلّ إخلاص‌، بل‌ كان‌ خائفاً من‌ تمرّد الناس‌؛ من‌ أن‌ يعمد المعارضون‌ الذين‌ كانوا من‌ الشخصيّات‌ الاجتماعيّة‌ المتنفّذة‌ لهم‌ مكانتهم‌ المرموقة‌ بين‌ الناس‌ ويعرفون‌ كيف‌ يحرّكونهم‌ وقد ملكوا قلوبهم‌ ودخلوا في‌ نفوسهم‌ إلی‌ إنكار النبوّة‌ دفعةً واحدة‌ وإلی‌ الارتداد عن‌ الإسلام، ويعلنون‌ للناس‌ أنّ هذه‌ الخطوة‌ التي‌ أقدم‌ عليها النبي‌ّ العظيم‌ تترجم‌ حبّه‌ للجاه‌ والرئاسة‌. وأنّ النبوّة‌ حكومة‌ مادّيّة‌ ورئاسة‌ ظاهريّة‌، ويقولون‌ للناس‌: ها هو يودّع‌ الحياة‌ جاعلاً الرئاسة‌ والإمامةلصهره‌ وابن‌ عمّه‌. إذ ليس‌ للنبي‌ّ ولد يرثه‌، والصهر عند انتفاء الولد في‌ حكم‌ الولد والوارث‌. وها هو قد فوّض‌ الرئاسة‌ التي‌ هي‌ في‌ حكم‌ التاج‌ والعرش‌ إلی‌ زوج‌ ابنته‌.

 ولو كانوا قد فعلوا ذلك‌، وعارضوا في‌ ذلك‌ المجلس‌ العلني‌ّ، وتجاوزوا حدودهم‌ بالامتهان‌ والتمرّد وإثارة‌ الفتن‌، فما الذي‌ كان‌ سيحدث‌؟إنّ النبوّة‌ والجهود الشاقّة‌ التي‌ بذلها النبي‌ّ خلال‌ ثلاث‌ وعشرين‌ سنة‌ كانت‌ ستذهب‌ سديً وتضيع‌ ولا يبقي‌ منها شي‌ء وسيشعر النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بالخجل‌ والمسؤوليّة‌ في‌ مقابل‌ العهد الذي‌ قطعه‌ لربّه‌ أن‌ يضطلع‌ بعب‌ء النبوّة‌ مع‌ جميع‌ ما يكتنفها من‌ مشاكل‌ ومصاعب‌، لذلك‌ كان‌ النبي‌ّ ينتظر الفرصة‌ المناسبة‌ والوقت‌ الملائم‌، ويقوّي‌ الارضيّة‌ ويمهّد الاجواء أكثر فأكثر. وعلی الرغم‌ من‌ أنّ جبريل‌ الامين‌ قد هبط‌ وأمره‌ بتبليغ‌ ولاية‌ ابن‌ عمّه‌ للناس‌، غير أنـّه‌ لم‌ يحدّد وقتاً للتبليغ‌. ومع‌ كافّة‌ تلك‌ الخصوصيّات‌ والكيفيّات‌ والسفر العظيم‌ المتمثّل‌ بحجّة‌ الوداع‌ التي‌ كان‌ أساسها لتعليم‌ مناسك‌ الحجّ، وبالاخص‌ للإعلان‌ عن‌ الولاية‌ العامّة‌، كان‌ النبي‌ّ يعمل‌ دائباً وباستمرار لإعداد الارضيّة‌ المناسبة‌ ويخطّط‌ لها.

 فكتب‌ إلی‌ أمير المومنين‌ عليه‌ السلام‌ وكان‌ قد أرسله‌ إلی‌ إلیمن‌ أن‌ يرجع‌ إلی‌ مكّة‌ ومعه‌ جزية‌ أهل‌ نجران‌. والتقيا في‌ مكّة‌؛ وأصبحا شريكين‌ في‌ الحجّ، ونحرا مائة‌ من‌ البُدن‌ في‌ مني‌. وكان‌ الفخر في‌ المشاركة‌ في‌ الحجّ من‌ نصيب‌ مولي‌ الموإلی‌ فحسب‌. وقد ثقل‌ ذلك‌ علی البعض‌؛ بخاصّة‌ أُولئك‌ الذين‌ رفعوا عقيرتهم‌ بالاعتراض‌ في‌ العمرة‌ وحجّ التمتّع‌. فأرهقوا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأغضبوه‌ وأزعجوه‌ كثيراً.

 وخطب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ مكّة‌ وعرفات‌ ومني‌ خمس‌ خطب‌. وكلّما أراد أن‌ يعلن‌ للملا بصراحة‌ عن‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ علیبن‌ أبي‌ طالب‌ عملاً بتعليمات‌ جبرئيل‌ في‌ هذا الصدد. وشعوراً بالمسؤوليّة‌ حيال‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌، لم‌ يجد الفرصة‌ مؤاتية‌ لذلك‌. فلهذا كان‌ يوصي‌ بعترته‌ وأهل‌ بيته‌ في‌ تلك‌ الخطب‌.

 فهذه‌ درجة‌ متقدّمة‌، إذ تمهّد الارضيّة‌ للإعلان‌ والتعريف‌ الشخصي‌ّ؛ وحتّي‌ أنـّنا نجد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ آخر خطبة‌ خطبها بمني‌ يوصي‌ بكتاب‌ الله‌ وعدم‌ افتراقه‌ عن‌ العترة‌ الطاهرة‌ من‌ أهل‌ بيت‌ النبوّة‌. وأنـّهما متلازمان‌ متلاصقان‌ لا يفترقان‌؛ وأنـّهما مترافقان‌ إلی‌ قيام‌ الساعة‌ حتّي‌ يردان‌ علی رسول‌ الله‌ الحوض‌ في‌ تلك‌ العرصات‌. وأنـّهما معاً يضمنان‌ سعادة‌ الإنسان‌ دوماً وأبداً.

 ثمّ خرج‌ النبي‌ّ الكريم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ مكّة‌ يوم‌ الاربعاء الرابع‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌. وتوجّه‌ إلی‌ المدينة‌ مع‌ تلك‌ المواكب‌ والمحامل‌، وفي‌ غد ذلك‌ إلیوم‌ وقبل‌ يوم‌ الغدير بثلاثة‌ أيّام‌ نزل‌ جبرئيل‌ بقوله‌ عزّ من‌ قائل‌: يَـ'´أَيـُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلیكَ مِنْ رَبِّكَ فَإِنْ لَمْتَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رَسَالَتَهُ وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَهَ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ.[23]

 نزلت‌ الآية‌ المذكورة‌ بهذه‌ الشدّة‌ والتهديد بأنـّه‌ لايوجد وقت‌ للتفكير بالمصلحة‌ وإعداد الارضيّة‌؛ إذ ينقضي‌ الوقت‌ وتمرّ الفرصة‌ مرّ السحاب‌؛ والله‌ جلّ شأنه‌ هو المتكفّل‌ لحفظ‌ الإسلام وصيانته‌ من‌ تلاعب‌ الكفّار، وهو الذي‌ يحول‌ بينهم‌ وبين‌ مآربهم‌.

 إنّ الولاية‌ علی درجة‌ من‌ الاهميّة‌ بحيث‌ جعلت‌ مكافئة‌ للنبوّة‌ وفي‌ منزلتها وإذا ما فرّطتَ في‌ الإعلان عنها، فإنّك‌ لم‌ تضطلع‌ بأعباء الرسالة‌.

 ولابدّ أن‌ يُقَدَّمَ علی عليه‌ السلام‌ إلی‌ الملا، ويُعَرَّف‌ لهم‌ في‌ مجلس‌ واحد يشهده‌ الجميع‌، فهو حافظ‌ دينك‌ ورسالتك‌ بعدك‌! وهو الذي‌ نُصِبَ خَليفة‌ ووارثاً ووليّاً بعدك‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ الذي‌ تألّق‌ فيه‌ فجر الدعوة‌، وذلك‌ في‌ مجلس‌ العشيرة‌، ووفقاً لآية‌الإنذار وحديث‌ العشيرة‌! وهو الذي‌ رافقك‌ خطوة‌ خطوة‌ في‌ كلّ سنة‌ وشهر ويوم‌ وساعة‌، وواساك‌ في‌ السرّاء والضرّاء، وكشف‌ الكرب‌ والغمّ والحزن‌ عن‌ وجهك‌ المنير في‌ الغزوات‌ والسرايا بسيفه‌ البتّار! وهو بحر العلم‌ ويمّ المعرفة‌ الخضمّ الموّاج‌، العلم‌ الذي‌ ارتشفه‌ منك‌ متّبعاً أثرك‌ متتلمذاً علی يديك‌، وقد تعلّم‌ في‌ كلّ يوم‌ باباً من‌ العلم‌ كان‌ يفتح‌ منه‌ ألف‌ باب‌! وهو الذي‌ بات‌ في‌ فراشك‌ ليلة‌ الهجرة‌، وعرّض‌ نفسه‌ للبلاء مضحيّاً بها في‌ سبيلك‌، وجلس‌ جبريل‌ وميكال‌ عنده‌ حتّي‌ الصباح‌، وباهي‌ الله‌ به‌ ذينك‌ المَلَكين‌ المقرّبين‌!

 تحرّك‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ حتّي‌ إذا قارب‌ الجُحْفَة‌ ـحيث‌ ينفصل‌ طريق‌ المدينة‌ عن‌ الشام‌ والعراق‌، وحيث‌ النقطة‌ الاخيرة‌ التي‌ تتلاقي‌ فيها قوافل‌ الحجّ، ومنها يفترقون‌ـ حطّ رحاله‌ في‌ وادي‌ غدير خُمّ. وأمر جميع‌ الحجّاج‌ أن‌ يجتمعوا، فهذا هو المكان‌ الذي‌ ينصّب‌ فيه‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 وجاء في‌ بعض‌ الروايات‌ والتفاسير أنّ قوله‌: بَلِّغْ... نزل‌ في‌ هذا المكان‌؛ وعندئذٍ نزل‌ النبي‌ّ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وأصدر أوامره‌ المباركة‌ باجتماع‌ الحجيج‌.

 الرجوع الي الفهرس

قصيدة‌ آية‌ الله‌ الكمباني‌ّ حول‌ الغدير

 وللمرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ محمّد حسين الإصفهاني‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ قصيدة‌ مخمّسة‌ في‌ هذا المجال‌، نذكر عدة‌ فقرات‌ منها فيما يلي‌:

 صبا به‌ شهريار من‌ بشيروار مي‌رسد                       چه‌ بلبلان‌ خوشنواز لاله‌زار مي‌رسد

 بيا تو اي‌ صبا كه‌ از تو بوي‌ يار مي‌رسد                     نويد وصل‌ يار من‌ زِهَر كنار مي‌رسد

 خوش‌ آن‌ دمي‌ كه‌ بينمش‌ نشسته‌ در كنار من‌[24]

 صبا درود بيكران‌ بحيث‌ يَمْلاَ الْفَضَا                بكن‌ نثار آستانة‌ عليّ مرتضي‌

 وليّ كارخانة‌ قدر مُهَيمِن‌ قضا                      محيط‌ معرفت‌، مدار حلم‌ ومركز رضا

 كه‌ كعبة‌ درش‌ بود مَطاف‌ ومُستجار من[25]

‌ به‌ مشهد شهود او تجلّيات‌ ذات‌ بين‌                        ز بود حقّ نمود او حقائق‌ صفات‌ بين‌

 زنسخة‌ وجود او حروف‌ عإلیات‌ بين               ‌ مُفَصَّل‌ از حدود او تمام‌ مجملات‌ بين‌

 مُنَزَّه‌ است‌ از حدود اگر چه‌ آن‌ نگار من[26]

‌ مؤسّس‌ مباني‌ ومؤصّل‌ أُصول‌ شد               مصوّر معاني‌ ومفصّل‌ فصول‌ شد

 حقيقة‌ المثاني‌ ومكمِّل‌ عقول‌ شد               به‌ رتبه‌ حقّ ثاني‌ وخليفة‌ رسول‌ شد

 خلافت‌ از نخست‌ شد به‌ نام‌ شهريار من‌ [27]

بود غدير قطره‌اي‌ ز قُلزُم‌ مناقبش                  ‌ فروغ‌ مهر ذره‌اي‌ ز نور نجم‌ ثاقبش‌

 نعيم‌ خُلد بهره‌اي‌ ز سفرة‌ مواهبش             ‌ اگر مرا به‌ نظره‌اي‌ كشد دَمي‌ به‌ جانبش‌

 به‌ فرق‌ فَرْقَدان‌ رسد كلاه‌ افتخار من‌[28]

 چه‌ نسبت‌ است‌ با هُما بهائهم‌ ووحوش‌ را                به‌ بيخرد مكن‌ قرين‌ خداي‌ عقل‌ وهوش‌ را

 به‌ دُرد نوش‌ خود فروش‌ پير مي‌فروش‌ را                   اگر موحّدي‌ بشو ز لوح‌ دل‌ نقوش‌ را

 كه‌ مُلك‌ دل‌ نمي‌سزد مگر به‌ راز دار من‌ [29]

 ولايتش‌ كه‌ در غدير شد فريضه‌ أَمَم‌              حديثي‌ از قديم‌ بود ثبت‌ دفتر قِدَم‌

 كه‌ زد قلم‌ به‌ لوح‌ قلب‌ سيّد أُمَم‌ رَقَم                        ‌ مكَمِّل‌ شريعت‌ آمد ومُتمِّم‌ نِعَم‌

 شد اختيار دين‌ به‌ دست‌ صاحب‌ اختيار من‌[30]

 به‌ أمر حقّ أمير عشق‌، شد وزير عقل‌ كل                 ‌ أبوالفتوح‌ گشت‌ جانشين‌ خاتم‌ رسل‌

 رسيد راية‌ الهُدي‌ به‌ دست‌ هادي‌ سبل‌                    كه‌ لطف‌ طاعتش‌ بود نعيم‌ دائم‌ الاُكُل‌

 جَحيمْ شعله‌اي‌ ز قهر آن‌ بزرگوار من‌[31]

 به‌ مَحفلي‌ كه‌ شَمْع‌ جمع‌ بود شاهد ازل‌                  گرفت‌ دست‌ ساقي‌ شراب‌ عشق‌ لم‌ يزل‌

 مُعَرِّف‌ وَلايتش‌ شد ومُعيِّن‌ مَحلّ                   كه‌ اوست‌ جانشين‌ من‌ وليّ أمر عقد وحل‌

 به‌ دست‌ او بود زمام‌ شرع‌ پايدار من‌ [32]

 رقيب‌ او كه‌ از نخست‌ داد دست‌ بندگي                    ‌ در آخر از غدير او نخورد آب‌ زندگي‌

 كسيكه‌ خوي‌ او بود چه‌ خوك‌ وسگ‌ درندگي‌              چه‌ مار وكژدم‌ گزنده‌ طبع‌ وي‌ زنندگي‌

 همان‌ كند كه‌ كرد با امير شه‌ شكار من‌ [33] و[34]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «الطبقات‌ الكبري‌» لابن‌ سعد، ج‌ 2، ص‌ 244. طبعة‌ دار صادر، بيروت‌.

[2] ـ «حياة‌ محمّد» لمحمّد حسنين‌ هيكل‌، ص‌ 474 و 475.

[3] ـ «حياة‌ محمّد» ص‌ 475.

[4] ـ «تاريخ‌ دمشق‌» لابن‌ عساكر، ج‌ 2، ص‌ 307 إلي‌ 311، طبعة‌ دار التعارف‌، بيروت‌.

[5] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 12، ص‌ 78 و 79.

[6] ـ الا´ية‌ 9، من‌ السورة‌ 47: محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌.

[7] ـ قسم‌ من‌ الا´ية‌ 68، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[8] ـ «الإمام‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌» لعبد الفتّاح‌ عبد المقصود، ج‌ 1، ص‌ 220، طبعة‌ منشورات‌ مكتبة‌ الوفاق‌، بيروت‌.

[9] ـ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 7، ص‌ 101، من‌ الطبعة‌ الثانية‌؛ و «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ï ïطبعة‌ السعادة‌، 1358 ه، ج‌ 7، ص‌ 397. ونقل‌ ذلك‌ في‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 15، ص‌ 291، عن‌ الطبعة‌ الثانية‌ في‌ ترجمة‌ جعفر بن‌ الحسين‌، نقله‌ عن‌ القاضي‌ أبي‌ المكارم‌ محمّدبن‌ عبدالملك‌بن‌ أحمد بن‌ هبة‌ الله‌ بن‌ جرادة‌ الحلبي‌ّ في‌ شرح‌ قصيدة‌ أبي‌ فراس‌ الميميّة‌ المعروفة‌ بـ الشافية‌، فإنّه‌ حكي‌ فيه‌ عن‌ مروان‌ بن‌ أبي‌ حفصة‌، أنـّه‌ قال‌: «أنشدت‌ المتوكّل‌ شعراً ذكرت‌ فيه‌ الرافضة‌. فعقد لي‌ ] المتوكّل‌ [ علي‌ البحرين‌ واليمامة‌، وخلع‌ عَلَي‌َّ أربع‌ خلع‌. ثمّ ذكر صاحب‌ «الاعيان‌» شعراً عن‌ جعفر بن‌ الحسين‌ في‌ ردّ مروان‌ بن‌ أبي‌ حفصة‌ ومطلعه‌:

قُلْ لِلَّـذِي‌ بِـفُـجُـورِهِ                 فِي‌ شِعْرِهِ ظَهَرَتْ عَلاَمَه‌

 ونقل‌ في‌ كتاب‌ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 175، 176 شعر مروان‌ بن‌ أبي‌ حفصة‌، وشعر جعفربن‌ الحسين‌ في‌ ردّه‌؛ وذلك‌ في‌ شعراء الغدير في‌ القرن‌ الرابع‌ نقلاً عن‌ «أعيان‌ الشيعة‌».

[10] ـ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 7، ص‌ 101.

[11] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 216، عبده‌.

[12] ـ أي‌ّ من‌ أبي‌ بكر وعمر.

[13] ـ كتاب‌ «الفردوس‌ الاعلي‌» للشيخ‌ محمّد حسين‌ كاشف‌ الغطاء، وتعليقة‌ السيّد محمّد علي‌ القاضي‌ الطباطبائي‌ء، ص‌ 20 و 21.

[14] ـ الا´ية‌ 124، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[15] ـ جاء في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 1، ص‌ 6: أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَخِيَارُهُمْ فِي‌ الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي‌ الإسْـلاَمِ إذَا فَقِهُوا. وكذلك‌ جاءت‌ هذه‌ العبارة‌ نفسها عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ «جامع‌ السعادات‌» طبعة‌ النجف‌، ج‌ 1، ص‌ 24 بدون‌ قيد « إذَا فَقِهُوا ».

[16] ـ الا´ية‌ 1 و 2، من‌ السورة‌ 20: طـ´ه‌.

[17] ـ الا´ية‌ 128، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[18] ـ الا´ية‌ 6، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[19] ـ الا´ية‌ 53، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[20] ـ الا´ية‌ 61، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[21] ـ الا´ية‌ 37، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[22] ـ الا´ية‌ 45 إلي‌ 47، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[23] ـ الا´ية‌ 67، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[24] ـ يقول‌: «هبّت‌ ريح‌ الصبا علي‌ أميري‌ مبشّرةً كالبلابل‌ الغرّيدة‌ القادمة‌ من‌ حديقة‌ شقائق‌ النعمان‌.

 هيّا يا صبا فإنّ فيك‌ عطر الحبيب‌، وتأتي‌ البشائر من‌ كلّ مكان‌ مبشّرة‌ بلقاء الحبيب‌.

 وما أجمل‌ تلك‌ اللحظة‌ التي‌ أري‌ فيها الحبيب‌ جالساً إلي‌ جانبي‌».

[25] ـ يقول‌: «انثري‌ يا صبا تحيّتي‌ التي‌ لا حدّ لها بحيث‌ تملا الفضاء لاعتاب‌ علي‌ّ المرتضي‌.

 فهو ولي‌ّ القَدَر والمهيمن‌ علي‌ القضاء، وهو محيط‌ المعرفة‌ الحلم‌ ومركز الرضا.

 وكعبة‌ بابه‌ مطافي‌ وملاذي‌ الذي‌ ألوذ به‌».

[26] ـ يقول‌: «انظُر إلي‌ تجلّيات‌ الذات‌ في‌ مشهد شهوده‌. وانظر إلي‌ حقائق‌ صفات‌ الحقّ من‌ تجلّيات‌ وجوده‌.

 وانظر إلي‌ الحروف‌ العالية‌ في‌ نسخة‌ وجوده‌. وانظر إلي‌ تمام‌ المجملات‌ فيه‌ فإنّه‌ مفصل‌ عن‌ الحدود.

 وإن‌ تنزّه‌ حبيبي‌ عن‌ الحدود (لاقترانه‌ بالله‌ تعالي‌)».

[27] ـ يقول‌: «صار واضعاً للاُسس‌ ومشيّداً للاُصول‌. ومصوّراً للمعاني‌ ومفصّلاً للفصول‌.

 وأصبح‌ حقيقة‌ المثاني‌ ومكمّلاً للعقول‌. وصار في‌ الدرجة‌ الثانية‌ للحقّ وخليفة‌ الرسول‌.

 وكانت‌ الخلافة‌ باسم‌ أميري‌ منذ بداية‌ العصور».

[28] ـ يقول‌: «لقد كان‌ الغدير قطرة‌ من‌ بحر مناقبه‌. وكان‌ شعاع‌ الشمس‌ بصيصاً من‌ نور نجمه‌ الثاقب‌.

 وكان‌ نعيم‌ الخلد نصيباً من‌ مائدة‌ مواهبه‌. ويا ليته‌ ينعم‌ عَلَي‌َّ بنظرة‌ تجتذبني‌ إلي‌ جانبه‌.

 فأتباهي‌ مفتخراً حتّي‌ تبلغ‌ قبّعة‌ فخري‌ فرق‌ الفرقدين‌».

[29] ـ يقول‌: «شتّان‌ بين‌ طائر السعد وبين‌ الوحوش‌ والبهائم‌. ولا تقارن‌ بين‌ العاقل‌ وبين‌ الابله‌ الذي‌ لا عقل‌ له‌.

 فلا تقرن‌ من‌ يشرب‌ ثمالة‌ الكأس‌ بمن‌ أهرم‌ نفسه‌ وشيّب‌ عمره‌ في‌ بيع‌ الخمر. ولو كنتَ موحّداً فاغسل‌ عن‌ لوح‌ قلبك‌ النقوش‌.

 ولا يليق‌ اجتذاب‌ القلب‌ والهيمنة‌ عليه‌ إلاّ بصاحبي‌ الذي‌ يكتم‌ الاسرار».

[30] ـ يقول‌: «ولايته‌ في‌ الغدير التي‌ أصبحت‌ فرضاً علي‌ الاُمم‌. كانت‌ حديثاً منذ القديم‌ مثبّتاً في‌ دفتر القِدَم‌.

 فقد خطّ القلم‌ علي‌ لوح‌ قلب‌ سيّد الاُمم‌، بأن‌ قد جاء مكمّل‌ الشريعة‌ ومتمّم‌ النعم‌.

 وصار زمام‌ الدين‌ صاحبي‌ ذي‌ الاختيار».

[31] ـ يقول‌: «أصبح‌ أمير العشق‌ وزيراً للعقل‌ الكلّي‌ّ بأمر الحقّ. وأصبح‌ أبوالفتوح‌ (أميرالمؤمنين‌) خليفةً لخاتم‌ الرسل‌.

 ووصلت‌ راية‌ الهدي‌ بِيَدِ هادي‌ السبل‌، فلطف‌ طاعته‌ نعيمٌ دائم‌ الاُكُل‌.

 وما الجحيم‌ إلاّ شعلة‌ من‌ غضب‌ ذلك‌ الرجل‌ العظيم‌».

[32] ـ يقول‌: «وفي‌ وسط‌ كان‌ المعشوق‌ الازلي‌ّ ضياءه‌ المتأ لّق‌، أخذ الساقي‌ بِيَدِ العشق‌ الدائم‌ (إشارة‌ إلي‌ أخذ النبي‌ّ يدَ علي‌ّ أمير المؤمنين‌ يوم‌ غدير خمّ.

 فعرّف‌ ولايته‌ وأبان‌ مقامه‌، إذ هو خليفتي‌ وهو ولي‌ّ الامر في‌ الحلّ والعقد بعدي‌ وبِيَدِه‌ زمان‌ شرعي‌ الراسخ‌ الوطيد».

[33] ـ يقول‌: «ومنافسه‌ الذي‌ مدّ له‌ يد الطاعة‌ والعبوديّة‌ في‌ بادي‌ الامر، لم‌يرتشف‌ إكسير حياته‌ من‌ غديره‌ الفيّاض‌ في‌ آخر المطاف‌.

 ومن‌ كان‌ طبعه‌ الضراوة‌ والافتراس‌ كالخنزير والكلب‌، أو كان‌ طبعه‌ اللدغ‌ كالافعي‌ والعقرب‌.

 فإنّه‌ يفعل‌ كما فعل‌ مع‌ أميري‌ الذي‌ صيده‌ الملوك‌ والاُمراء».

[34] ـ «ديوان‌ آية‌ الله‌ الكمباني‌ّ» ص‌ 28 إلي‌ 30.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com