|
|
الصفحة السابقةفهم الشيخين لمعني الولاية علی أ نّها الاءمامة، وعدولهما عن الحقيقةوكذلك ذكر قول عمر عند تفسير كلام الشافعيّ القائل إنّ معني الولاء هو ولاء الإسلام. وأخرج ابن عساكر بسنده عن الربيع بن سليمان: أنّه قال: سمعت الشافعيّ يقول في معني كلام النبيّ صلّيالله علیه وآله ل علیّبن أبي طالب: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ: يعني بذلك ولاء الإسلام. وذلك قول الله عزّ وجلّ: ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ مَوْلَي الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَـ'فِرِينَ لاَمَوْلَي' لَهُمْ. [1] وأمّا قول عمر بن الخطّاب ل علیّ: أَصْبَحْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ! يقول: وَلِيَّ كُلِّ مُسْلِمٍ. [2] إنّ ما ذكرناه في معني الولاء مفصّلاً قد سطع كالشمس دالاَّ علی أنّ تفسير الشافعيّ خطأ، وأنّ المراد من ولاء الاءيمان الولاية بمعني الاءمارة والاءمامة والسيادة، وهي ملزوم القرب، وذلك الملزوم هو معناه الاوّل والحقيقيّ وهو ما نصّه: الوَلاَءُ حُصُولُ الشَّيْئيْنِ فَزَائِداً حُصُولاً لَيْسَبَيْنَهُمَا مَا لَيْسَمِنْهُمَا. و علی كلّ تقدير، أنّ شاهدنا من كلام الشافعيّ الاستشهاد بحديث عمر في التهنئة. 7 ـ ذكر الحافظ أبو القاسم الحَسْكانيّ ستّ روايات في «شواهد التنزيل» تحت عنوان الروايات الواردة في الآية المباركة: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلَـ'مَ دِينًا. ووردت تهنئة عمر في اثنتين منها. الاُولي: عن الحاكم أبيه، عن أبي حَفْص شاهين، بسنده عن أبي هريرة، وقد جاء فيها ثواب الصيام في يوم الغدير، وقال عمربن الخطّاب في آخرها: بِخٍّ بِخٍّ ] لَكَ [ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ. [3] الثانية: عن أبي بكر إلیزديّ بسنده عن أبي هريرة، وذكر فيها أيضاً ثواب صيام ستّين شهراً في يوم الغدير. وبعد خطبة رسولالله صلّيالله علیه وآله وإعلان الولاية: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ. قال عمربن الخطّاب: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ! أَصْبَحْتَ مَوْلاَيّ وَمَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ! وأنزل الله: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. [4] 8 ـ قال الفخر الرازيّ فيّ ذيّل الآية: يـآأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن رَّبِّكَ: الوجه العاشر: نزلت هذه الآية في فضل علیّبن أبي طالب، ولمّا نزلت هذه الآية، أخذ النبيّ بيد علیّ وقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیّ مَوْلاَهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، فلقيه عمر، فقال: هَنِيئاً لَكَ يَاابْنَ أَبِي طَالِبٍ! أَصْبَحْتَ مَوْلاَيَ وَمَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ! وهو قول ابن عبّاس، والبراءبن عازب، ومحمّدبن علیّ.[5] 9 ـ قال الشهرستانيّ في «الملل والنحل» ومثل ما جري في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعإلی: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ. فلمّا وصل رسولالله غدير خمّ، أمر بالدوحات فَقُمِمْنَ، ونادوا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. ثمّ قال وهو علی الرِّحال: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ! وَأدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ: أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ، ثلاثاً؟ فادّعت الاءماميّة أنّ هذا نصّ صريح: فإنّا ننظر من كان النبيّ صلّيالله علیه وآله موليً لَهُ؟ وبأيّ معني؟ فنطّرد ذلك في حقّ علیّ. وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه، حتّي: قال عمر حين استقبل علیاً: طُوبَي لَكَ يَا علیٌّ! أَصْبَحْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. [6] 10 ـ قال ابن حجر الهَيْتَميّ المتوفّي سنة 973 بعد بيان الحديث: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ الذي نطق به النبيّ في جواب بريدة، بعد أن قال له: يَابُرَيْدَةُ! ألَسْتُ أوْلَي بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟! قُلْتُ: بَلَي يَارَسُولَاللَهِ! لو سلّمنا أنّ المراد من المولي: الاوْلَي، لكن لانسلّم أنّ المراد أنّه الاولي بالاءمامة، بل ] المراد أولي [ بالاتّباع والقرب من رسولالله، كقوله تعإلی: إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبرَ ' هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ. ولا ] دليل [ قاطع ولاظاهر علی نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر. وأفضل دليل علی هذا الاحتمال ما فهمه أبو بكر وعمر من الحديث، فإنّهما لمّا سمعاه، قالا له: أَمْسَيْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. أخرجه الدارقطنيّ. [7] إنّ قصدنا من رواية الشهر ستانيّ، وابن حَجَر الهيتميّ هو الاستشهاد بتهنئة الشيخين لمولي الموإلی أمير المؤمنين علیه السلام، وليس قصدنا الاءتيان بالمراد الذي جاءا به من عند أنفسهما في معني الولاية، وفرضا ذلك المعني علی فهم أبي بكر، وعمر، ذلك أ نّنا أثبتنا بوضوح في الجزء الخامس، والسابع من هذه الدورة «معرفة الاءمام» أنّ للولاية معني واحداً لاأكثر، وهو رفع الحجاب بين شيئين بحيث لايكون بينهما مإلیس منهما، وشرط هذا المعني، القرب والسيطرة والاءمامة والاءمارة من الله، عندما تتحقّق الولاية بين الله والعبد. وفهم الصحابة جميعهم هذا المعني بلااستثناء، لا نّهم كانوا عرباً، ولهم علم بالمعني الحقيقيّ للكلمة. وفهم عمر، وأبو بكر هذا المعني أيضاً، و علی هذا الاساس سلّما علی علیّ، وبايعاه، وهنّآه، ولكنّهما صدفا وعدلا عن الالتزام بهذا المعني عمليّاً فيما بعد، وسلبا الاءمامة الاءلهيّة من أهل البيت و علیّبن أبي طالب بمختلف الدسائس، واستأثرا بها لانفسهما، فأصبحا غاصبين لهذا المقام. يقول الشيعة: لقد خان الشيخان، وأخرجا الخلافة والاءمامة من أهل بيت رسولالله علی علمٍ منهما، وحينئذٍ كيف يمكن أن نستدلّ بفهمهما؟ وهل هذا الاستدلال إلاّ المصادرة بالمطلوب؟ ولاأحد من أهل السنّة والعامّة يستطيع أن يتّخذ من فهم هذين الشخصين دليلاً، وذلك بسبب عملهما، إذ كان تجاوزاً وتعدّياً بكلّ صراحة. وكشف الغزّإلیّ في كتاب «سرّ العالمين» عن هذه الحقيقة، وقال بصراحة، استجاب عمر لحديث الولاية: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ. وقال مسلّماً وراضياً بإمامة وولاية أمير المؤمنين علیه السلام: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَاأَبَا الحَسَنِ! لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلاَيَ وَمَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. فَهذا تسليم ورضيً وتحكيم ] بإمارة علیّ [، ثمّ بعد هذا غلب الهوي لحبّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوي في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الامصار سقاهم كأس الهوي فعادوا إلی الخلاف الاوّل فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون. وقال رسول الله قبل وفاته: إيتوني بدواة وبياض لازيل عنكم إشكال الامر، وأذكر لكم من المستحقّ لها بعدي. قال عمر: دعوا الرجل فإنّه ليهجر! وقيل: يهذو لغلبة الوجع علیه! [8] إنّ الشيعة قد حلّلوا ودرسوا أعمال الصحابة عملاً عملاً، ولايقلّدون تقليداً أعمي فينظرون إلیهم بمنظار العدالة والتقوي بوصفهم يحملون علامة السلف الصالح، وعنوان الصحابيّ، بل يمحّصون ويجرحون ويعدّلون من خلال مجاهر قويّة فيرفضون كلّ صحابيّ لايوافق قوله عمله، كما ينبذون كلّ صحابيّ لايعمل وفقاً للقرآن والسنّة النبويّة، وينظرون إلی كافّة الكتب، التي أ لّفها العامّة في فضائل ومناقب الشيخين ومن دار في فلكهم وعمل لهم، نظرة شكّ وتردّد وإبهام، ولايقرّون بها، ولايمكنهم أن يقرّوا بها، إذ كيف يمكن أن يطمئنّوا إلی منقبة من مناقبهم، والتأريخ مشحون بالروايات الموضوعة في مناقب الشيخين ومعاوية وعثمان وأمثالهم. ولمّا كان كتّاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب من وُعَّاظ السلاطين، وقد أعدّوها كما يشتهي السلاطين، وتمليه مذاهبهم وعقائدهم، فهي ساقطة من درجة الاعتبار. وعندما نذكر الروايات من كتب العامّة في فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم، فليس ذلك لاجل الحجّيّة، بل لاجل فنّ الجدال وإدانة الخصم وإفحامه بالمسلّمات الثابتة التي يعترف بها. وحاصل القول: أنّ مدرسة التشيّع هي مدرسة الحقّ ودراسة الحقائق، وضرب الاباطيل والموهومات عرض الجدار. ومن المناسب أن نذكر هنا قصّة تشيّع ذلك الفقيه السنّي الذي كان من المستنصريّة علی يد العالم الجليل والفقيه النبيل السيّد ابن طاووس رحمةالله علیه، لتستبين كيفيّة دخول الشيعة ومدرستهم في النقاش، ويُعْلَمَ أنّ العالمَ السنيّ كلّه لابدّ أن يعترف بالحقّ، ويعرض عن اتّباع الحكّام الغاصبين، ويستنير بمدرسة أهل البيت، إذ مَا وَرَاءَ عبَّادَان قَريَةٌ. [9] نقاش ابن طاووس مع أحد فقهاء السنّة في حرم الاءمامين الكاظمينبيان ابن طاووس في حالات مختلفة أنّ الصحابة خالفوا رسولاللهيقول السيّد علیّ بن طاووس في الفصل الثامن والتسعين من كتاب «كشف المَحَجَّةِ لِثَمَرَةِ المُهْجَةِ»: واعلم يا ولدي! أ نيّ كنتُ في حضرة مولانا الكاظم والجواد علیهما السلام، فحضر فقيه من المستنصريّة كان يتردّد علیَّ قبل ذلك إلیوم. فلمّا رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه، قلت له: يافلان! ما تقول لو أنّ فرساً لك ضاعت منك، وتوصّلت في ردّها إلیّ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصّلت في ردّها إلیك، أما كان ذلك حسناً أو واجباً؟! فقال: بلي! فقلتُ له: قد ضاع الهدي إمّا منّي وإمّا منك! والمصلحة أن ننصف من أنفسنا، وننظر ممّن ضاع الهدي فنردّه علیه! فقال: نعم. فقلتُ له: لا أحتجّ بما ينقله أصحابيّ من الشيعة لا نّهم متّهمون عندك، ولاتحتجّ بما ينقله أصحابك [من العامّة] لا نّهم متّهمون عندي أو علی عقيدتي، ولكن نحتجّ بالقرآن، أو بالمجمع علیه من أصحابي وأصحابك، أو بما رواه أصحابي لك وبما رواه أصحابك لي! فقال: هذا إنصاف! فقلتُ له: ما تقول فيما رواه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما؟! فقال: حقٌ بغيرشكّ! فقلتُ: فهل تعرف أنّ مسلماً روي في صحيحه عن زيدبن أرقم أنّه قال ما معناه: إنّ النبيّ صلّيالله علیه وآله خطبنا في خمّ، فقال صلّيالله علیه وآله: إنِّي بَشَرٌ يُوشَكُ أنْ أُدْعَي فَأُجِيبَ وَإنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَهَ في أَهْلِ بَيْتِي أُذَكُرُكُمُ اللَهَ في أهْلِ بَيْتِي! فقال: هذا صحيح! فقلتُ له: وتعرف أنّ مسلماً روي في صحيحه في مسند عائشة أ نّها روت عن الرسول الاكرم صلّيالله علیه وآله وسلّم أنّه لمّا نزلت الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.[10] جمع علیاً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام قال: هؤلاء أهل بيتي. فقال: نعم! هذا صحيح. فقلت له: تعرف أنّ البخاريّ ومسلماً رويا في صحيحهما أنّ الانصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سَعْدَبْنَ عُبَادَةَ، وأ نّهم ما نفذوا إلی أبي بكر ولاعمر ولاإلی أحد من المهاجرين، حتّي جاء أبوبكر وعمر وأبوعبيدة لما بلغهم في اجتماعهم، فقال لهم أبوبكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني عمر وأبا عبيدة! فقال عمر: ما أتقدّم علیك! فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الانصار، وأنّ علیاً علیه السلام وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستّة أشهر. وأنّ البخاريّ ومسلماً قالا فيما جمعه الحَميديّ من صحيحهما: وكان ل علیّ علیه السلام وجه بين الناس في حياة فاطمة علیها السلام فلمّا ماتت فاطمة علیها السلام بعد ستّة أشهر من وفاة النبيّ صلّيالله علیه وآله انصرفت وجوه الناس عن علیّ علیه السلام. فلمّا رأي علیّ علیه السلام انصراف وجوه الناس عنه، خرج إلی مصالحة أبي بكر. فقال هذا صحيح. فقلت له: ما تقول في بيعة تخلّف عنها أهل بيت رسولالله صلّيالله علیه وآله؟ الذين قال عنهم: «إنّهم الخلف من بعده وكتاب الله جلّ جلاله» وقال صلّيالله علیه وآله فيهم: «أُذكّركم الله في أهل بيتي». وقال عنهم: «إنّهم الذين نزلت فيهم آية التطهير»، وإنّهم ما تأخّروا مدّة يسيرة حتّي يقال: إنّهم تأخّروا لبعض الاشتغال، وإنّما كان التأخّر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدّة ستّة أشهر. ولو كان الإنسان تأخّر عن غضب، يُرَدُّ غضبه؛ أو عن شبهة، زالت شبهته بدون هذه المدّة. وأ نّه ما صالح أبا بكر علی مقتضي حديث البخاريّ ومسلم إلاّ لمّا ماتت فاطمة علیها السلام، ورأي انصراف وجوه الناس عنه، خرج عند ذلك إلی المصالحة. وهذه الصورة حال تدلّ علی أنّه ما بايع مختاراً. وأنّ البخاريّ ومسلماً رويا في هذا الحديث أنّه ما بايع أحد من بني هاشم حتّي بايع علیّ علیه السلام. فقال: ما أُقدم علی الطعن في شيءٍ قد عمله السلف والصحابة! فقلتُ له: فهذا القرآن يشهد بأ نّهم عملوا في حياة النبيّ صلّيالله علیه وآله وهو يُرجي ويُخاف، والوحي ينزل علیه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الامن وحال الصحّة والاءيثار علیه ما لايقدروا أن يجحدوا الطعن علیهم به. وإذا جاز منهم مخالفته في حياته وهو يُرجي ويُخاف، فقد صاروا أقرب إلی مخالفته بعد وفاته وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه. فقال: في أيّ موضعٍ من القرآن؟ فقلتُ: قال الله جلّ جلاله في مخالفتهم في الخوف: وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ علیكُمُ الاْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.[11] روي أصحاب التواريخ أنّه لم يبق مع النبيّ إلاّ ثمانية أنفس: علیّ علیه السلام، و العبّاس، و الفضل بن العبّاس، و ربيعة وأبوسفيان ابنا الحارثبن عبدالمطّلب، و أُسامة بن زيد، و عبيدة بن أُمّ أيْمَن، و رُوِيَ: أيْمَن بن أُمّ أيمن. وقال الله في مخالفتهم له في الامن: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلیهَا وَتَرَكُوكَ قَآنءِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. [12] ذكر جماعة من المؤرّخين أنّ النبيّ كان يخطب يوم الجمعة، فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة مزيَّنة، فسارعوا إلی مشاهدتها وتركوه قائماً، وما كان عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به. فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورئاستها؟! وقال الله تعإلی في سوء صحبتهم مع النبيّ: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاْمْرِ.[13] ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم، ما قال الله: «فاعف عنهم واستغفر لهم!» وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاريّ معارضتهم للنبيّ في غنيمة هوازن لمّا أعطي المؤ لّفة قلوبهم[14] أكثر منهم. ومعارضتهم له لمّا عفي عن أهل مكّة. ومعارضتهم له قائلين: لماذا تريد تغيير الكعبة؟ فلهذا ترك النبيّ تغيير الكعبة وإعادتها إلی ما كانت في زمن إبراهيم علیه السلام خوفاً من معارضتهم له. وعارضوا النبيّ لمّا خطب في تنزيه صَفْوانبن المعَطِّل لمّا قذف عائشة، وأ نّه ما قدر أن يتمّ الخطبة. قلتُ: أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاريّ؟! فقال: هذا صحيح! فقلتُ: وقال الله في إيثارهم علیه القليل من الدنيا: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِذَا نَـ'جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَي'كُمْ صَدَقَةً.[15] وقد عرفت أ نّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لاجل التصدّق برغيف ومادونه. حتّي تصدّق علیّبن أبي طالب علیه السلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه فيها، ثمّ نسخت الآية بعد أن صارت عاراً علیهم وفضيحة إلی يوم القيامة بقوله: ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَي'كُمْ صَدَقَـ'تٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَهُ علیكُمْ.[16] أي: هل خفتم من الفقر فلم تتصدّقوا قبل مناجاة النبيّ؟! والآن لمتتصدّقوا، وعفي الله عنكم، فأقيموا الصلاة... فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جلّ جلاله، وبين يدي رسوله صلّيالله علیه وآله، وقالا لك: كيف جاز لك أن تقلّد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة؟ فأيّ عذر وأيّ حجّة تبقي لك عند الله، وعند رسوله في تقليدهم؟! فبهت فقيه المستنصريّة وحار حيرة عظيمة. فقلتُ له: أما تعرف في صحيحي البخاريّ ومسلم في مسند جابربن سمرة وغيره أنّ النبيّ صلّيالله علیه وآله قال في عدّة أحاديث: لاَيَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزيزاً مَا وَلاَّهُمُ اثْنَا عَشَرَ خَليفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. وفي بعض أحاديثه صلّيالله علیه وآله من الصحيحين: لاَيَزَالُ أمْرُ النَّاسِ مَاضِياً مَا وَلاَّهُمُ اثْنَا عَشَرَ خَليفةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. وأمثال هذه الالفاظ كلّها تضمّن هذا العدد الاثني عشر. فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غيرالاءماميّة الاثني عشريّة؟! فإن كانت هذه الاحاديث صحيحة كما شرطت علی نفسك في تصحيح ما نقله البخاريّ ومسلم، فهذه مصحّحة لعقيدة الاءماميّة وشاهدة بصدق مارواه سلفهم! وإن كانت كذباً، فلايّ حال رويتموها في صحاحكم؟! فقال: ما أصنع بما رواه البخاريّ ومسلم من تزكية أبي بكر، وعمر، وعثمان، وتزكية من تابعهم؟! فقلت له: أنت تعرف أ نّني شرطت علیك أن لاتحتجّ علیَّ بما ينفرد به أصحابك! وأنت أعرف أنّ الإنسان، ولو كان من أعظم أهل العدالة وشهد لنفسه بدرهم ومادونه، ما قبلت شهادته؛ ولو شهد في الحال علی أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور ممّا يقبل فيه شهادة أمثاله، قبلت شهادته؟! والبخاريّ، ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم، فشهادتهم لهم شهادة بعقيدة نفوسهم، ونصرة لرئاستهم ومنزلتهم. فقال فقيه المستنصريّة: والله ما بيني وبين الحقّ عداوة، ما هذا إلاّ واضح لاشبهة فيه، وأنا أتوب إلی الله تعإلی بما كنتُ علیه من الاعتقاد. فلمّا فرغ من شروط التوبة، وإذا رجل من ورائي قد أكبّ علی يديّ يقبّلها ويبكي. فقلتُ: من أنت؟! فقال: ما علیك من اسمي؟! فاجتهدت به حتّي قلت: فأنت الآن صديق! أو صاحب حقّ! فكيف يحسن لي أن لاأعرف صديقي وصاحب حقّ علیَّ لاُكافيه! فامتنع من تعريف اسمه. فسألت الفقيه الذي من المستنصريّة: من هو هذا الرجل؟! فقال: هذا فلانبن فلان من فقهاء النظاميّة سهوت عن اسمه الآن. [17] وقال المرحوم السيّد ابن طاووس رضوان الله علیه في «الاءقبال» حول عيد الغدير: فَصْلٌ فيما نذكره من فضل الله جلّ جلاله بعيد الغدير علی سائر الاعياد وما فيه من المنّة علی العباد. اعلم أنّ كلّ عيد جديد أطلق الله جلّ جلاله فيه شيئاً من الجود والاءحسان إلی عبده السعيد، فإنّما يكون إطلاقه جلّ جلاله لذلك الاءحسان لمن ظفر بمعرفة الله جلّ جلاله ومعرفة رسوله صلّيالله علیه وآله وإمام الزمان، وكان صحيح الاءيمان، فإنّ النقل عن صاحب الشريعة النبويّة ورد متظاهراً أنّه مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمام زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة، فيه كشفالله ورسوله عن واضح المحجّة، ونصّ بها علی من اختاره للاءمامة والحجّة. واعلم أنّ منّة الله وإحسانه بكشفه، والمحنة بلطفه تكاد أن تزيد علی الامتحان بصاحب النبوّة العظيم الشأن. لانّ الرسول المبعوث صلوات الله وسلامه علیه بعث في أوّل أمره بمكّة إلی قوم يعبدون أحجاراً وأخشاباً لاتدفع، ولاتنفع، ولاتسمع خطاباً، ولاتردّ جواباً. قد شهدت عقول أهل الوجود بجهل من اتّخذها آلهة من دون الله المعبود. هذا من جهة، ومن جهة أُخري لميكن بين أهل مكّة وبين رسولالله صلّيالله علیه وآله عداوة قبل رسالته، ولابينهم وبينه قتل، ولادم قد سفكه، تمنع طبعاً وعقلاً من قبول نبوّته. وأمّا مَوْلاَنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ علیه أفضل السلام الذي نصّ الله جلّ جلاله علیه علی لسان رسوله في يوم الغدير، فإنّ أهل الإسلام كانوا قد اتّسعت علیهم شبهات العقول والاحلام وتأويل ما يقدرون فيه علی التأويل. وكان أمِيرُ المُؤمِنِينَ علیه السلام قد عادي كثيراً من الناس في الله جلّ جلاله، وفي طاعة الرسول الجليل، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم، وأمثالهم. وسار مع رسول الله صلّي الله علیه وآله سيرة واحدة في معاداة من عاده من أوّل أمره إلی آخره من غير مراعاة لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم. وظهرت له من الكرامات والعنايات ما اقتضت حسد أهل المقامات، فحصل لاءمامته من المعاداة والحسد له علی الحياة، ونفور الطباع أنّه ما سار إلاّ سيرة رسول الله من غير وهن ولامداهنة علی ما كان عند بعثة النبيّ علیه أفضل الصلوات، فبلغ الامر إلی ما قدّمناه قبل هذا الفصل من العداوات. ثمّ قال: فَصْلٌ ولقد حكي أبو هلال العسكريّ في كتاب «الاوائل» وهو من المخالفين المعاندين كلاماً جليلاً في سبب عداوة الناس لمولانا علیّبن أبي طالب علیه السلام. خطبة أبي الهيثم بن التيّهان في سبب حسد قريش علی أمير المؤمنينفقال في مدح أبي الهَيْثَم بن التَّهيِّان [18] أنّه أوّل من ضرب علی يد رسولالله صلّيالله علیه وآله في ابتداء أمر نبوّته. ثمّ قال بإسناده إلی الهيثمبن التيّهان: إنَّهُ قَامَ خَطِيبَاً بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِالمُؤْمِنِينَ علیِّبْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنَّ حَسَدَ قُرَيْشٍ إيَّاكَ علی وَجْهَيْنِ: أمَّا خِيَارُهُمْ فَتَمَنَّوا أنْ يَكُونُوا مِثْلَكَ مُنَافَسَةً في المَلاَءِ وَارْتِفَاعِ الدَّرَجَةِ. وَأمَّا شِرَارُهُمْ فَحَسَدُوُا حَسَداً أثْقَلَ القُلُوبَ وَأحْبَطَ الاَعْمَالَ. وَذَلِكَ أ نَّهُمْ رَأوْا علیكَ نِعْمَةً قَدَّمَهَا إلیكَ الحَظُّ وَأخَّرَهُمْ عَنْهَا الحِرْمَانُ فَلَمْيَرْضَوا أنْ يَلْحَقُوا حَتَّي طَلَبُوا أنْ يَسْبِقُوكَ فَبَعُدَتْ وَاللَهِ علیهِمُ الغَايَةُ وَسَقَطَ المِضْمَارُ. فَلَمَّا تَقَدَّمْتَهُمْ بِالسَّبْقِ وَعَجَزُوا عَنِ اللِّحَاقِ بَلَغُوا مِنْكَ مَا رَأيْتَ، وَكُنْتَ وَاللَهِ أحَقَّ قُرَيْشِ بِشُكْرِ قُرَيْشٍ، نَصَرْتَ نَبِيِّهُمْ حَيَّاً وَقَضَيْتَ عَنْهُ الحُقُوقَ مَيْتاً. وَاللَهِ مَا بَغْيُهُمْ إلاَّ علی أنْفُسِهِمْ وَلاَنَكَثُوا إلاَّ بَيْعَةَ اللَهِ. يَدُاللَهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فِيهَا. وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الاَنصَارِ أيْدِينَا وَألْسِنَتُنَا مَعَكَ! فَأيْدِينَا علی مَنْ شَهِدَ، وَألْسِنَتُنَا علی مَنْ غَابَ.[19] وكذلك قال المرحوم السيّد ابن طاووس: قال مصنّف كتاب «النَّشْر والطَّيّ»: قال أبوسعيد الخُدْرِيّ: فلم ننصرف مع رسولالله من غدير خمّ حتّي نزلت هذه الآية: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلَـ'مَ دِينًا.[20] فقال النبيّ صليّالله علیه وآله: الحَمْدُ لِلَّهِ علی كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ وَرِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتي وَوَلاَيَةِ علیِّبْنِ أبي طَالِبٍ. ونزلت هذه الآية: إلیوْمَ يَنءِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَتَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.[21] قال صاحب كتاب «النَّشر والطيّ»: فقال الصادق علیه السلام: يَئِسَ الكَفَرَةُ وَطَمِعَ الظَّلَمَةُ. قلتُ أنا: وقال مسلم في صحيحه بإسناده إلی طَارِقِبْنِ شَهَابٍ قال: قالت إلیهود لعمر: لو علینا معشر إلیهود نزلت هذه الآية: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلَـ'مَ دِينًا، نعلم إلیوم الذي أنزلت فيه، لاتّخذنا ذلك إلیوم عيداً. [22] وروي نزول هذه الآية يوم الغدير جماعة من المخالفين (السنّة) ذكرناهم في «الطرائف». وقال مصنّف كتاب «النَّشْر والطيّ»: وروي أنّ الله عرض علیاً علی الاعداء يوم المباهلة، فرجعوا عن العداوة، وعرضه علی الاولياء يوم الغدير، فصاروا أعداءً، فشتّان ما بينهما! يوم الغدير عيد عند رسول الله وجميع الائمّة علیهم السلامأجل، إنّ جميع هذه الميزات والخصوصيّات ونزول الآيات تضفي علی يوم الغدير أهمّيّة وجلالاً، إذ أسرّت الرسولالاكرم صاحب الرسالة الخاتميّة، والائمّة الطاهرين خلفاءه بالحقّ، والمؤمنين بعدهم، وهذه هي الحقيقة والمعني الذي نريده من العيد. روي فُرات بن إبراهيم الكوفيّ عن محمّد بن ظهير، عن عبداللهبن الفضل الهاشميّ، عن الاءمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه علیهمالسلام: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ أَعْيَادِ أُمَّتِي، وَهُوَ إلیوْمُ الَّذِي أَمَرَنِي اللَهُ تَعَإلی ذِكْرُهُ بِنَصْبِ أَخِي علیِّبْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَماًا لاُمَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ إلیوْمَ الَّذِي أَكْمَلَ اللَهُ فِيهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ علی أُمَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ وَرَضِيَ لَهُمُ الإسلام دِيناً. [23] وفي ضوء هذا العيد ومعني العيد، قال رسول الله: هَنِّئُونِي! هَنِّئُونِي! إذ إنّ التهنئة والتبريك من مواصفات العيد الخاصّة به، وعيد كهذا. وروي أبو سعيد الخركوشيّ النيسابوريّ بإسناده عن البراءبن عازب، عن أحمدبن حنبل، وعن أبي سعيد الخُدْريّ قال: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّياللَهُ علیهِ وَآلِهِ: هَنِّئُونِي! هَنِّئُونِي! إنَّ اللَهَ تَعَإلی خَصَّنِي بِالنُّبُوَّةِ وَخَصَّ أهْلَ بَيْتِي بِالاءمَامَةِ. فَلَقِيَ عُمَرُبْنُ الخَّطَابِ أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: طُوبَي لَكَ يَاأَبَاالحَسَنِ! أَصْبَحْتَ مَوْلاَيَ وَمَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. [24] واتّخذ أمير المؤمنين علیه السلام يوم الغدير عيداً اقتداءً بهدي رسولالله صلّيالله علیه وآله، كما وجدنا ذلك في خطبته التي نقلناها عن كتاب «مصباح المتهجّد». وعرف الائمّة الطاهرون علیهم السلام هذا إلیوم، وسمّوه عيداً، وأمروا كافّة المسلمين أن يتّخذوه عيداً، ويبثّوا فضائله، ويتحدّثوا للناس عن الثواب المضاعف لاعمال البرّ والحسنات والخيرات في ذلك إلیوم. وروي فرات بن إبراهيم أيضاً بسنده عن فراتبن أحنف، عن الاءمام الصادق علیه السلام قال: قلت للاءمام: جُعِلْتُ فداك! للمسلمين عيد أفضل من الفطر، والاضحي، ويوم الجمعة، ويوم عرفة؟! قال الاءمام: نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو إلیوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل علی نبيّه محمّد هذه الآية: إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلَـ'مَ دِينًا. قلتُ: وأيّ يوم هو؟ قال: فقال ] الاءمام [: إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذ أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والاءمامة من بعده، ففعل ذلك، جعلوا ذلك إلیوم عيداً. ] فأفضل الاعياد [ هو إلیوم الذي نصب فيه رسولالله صلّيالله علیه وآله علیاً علیه السلام للناس عَلَماً، وأنزل فيه ما أنزل، وكمل فيه الدين، وتمّت فيه النعمة علی المؤمنين. قال: قلتُ: وأيّ يوم هو في السنة؟! قال: فقال: إنّ الايّام تتقدّم وتتأخّر، وربما كان يوم السبت، والاحد، والاثنين إلی آخر الايّام السبعة. قال: قلتُ: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك إلیوم؟! قال ] الاءمام [: هو يوم عبادة، وصلاة وشكر للّه وحمد له، وسرور، لما منّ الله به علیكم من ولايتنا، فإنّي أُحبُّ لكم أن تصوموه! [25] وروي محمّد بن يَعقوب الكُلَيْنيّ عن علیّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسمبن يحيي، عن جدّه الحسن بن راشد، عن الاءمام الصادق علیه السلام قال: قلت للاءمام: جعلتُ فداك! للمسلمين عيد غير العيدين (الفِطر والاضْحي)؟! قال: نعم يا حسن! أعظمهما وأشرفهما! قلت: وأيّ يوم هو؟! قال: يوم نُصِبَ أميرالمؤمنين علیه السلام عَلَماً ] وإماماً للناس [! قلتُ: جعلت فداك! وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟! قال: تصوم يا حسن! وتكثر الصلاة علی محمّد وآله، وتبرأ إلیالله ممّن ظلمهم! فإنّ الانبياء علیهم السلام كانوا يأمرون الاوصياء إلیوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً. قلتُ: فما لمن صامه؟! قال: صيام ستّين شهراً! وأنت لاتدع صيام السابع والعشرين من شهر رجب! لانّ النبوّة نزلت علی محمّد صلّيالله علیه وآله في ذلك إلیوم، وثوابه لكم كصيام ستّين شهراً. [26] وروي الكلينيّ أيضاً عن سَهْل بن زياد، عن عبدالرحمنبن سالم، عن أبيه أنّه قال: سألت الصادق علیه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة، والاضحي، والفطر؟! قال: نعم! أعظمها حرمة! قلتُ: وأيّ عيد هو، جعلت فداك؟! قال: إلیوم الذي نصب فيه رسولالله صلّيالله علیه وآله أميرالمؤمنين علیه السلام، وقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علیٌّ مَوْلاَهُ! قلت: وأيّ يوم هو؟! قال: وما تصنع بإلیوم؟ إنّ السنة تدور.[27] ولكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة. فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك إلیوم؟! قال: تذكرون الله عَزَّ ذِكْرُهُ فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد! فإنّ رسولالله صلّيالله علیه وآله أوصي أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتّخذوا ذلك إلیوم عيداً، وكذلك كان الانبياء علیهم السلام يفعلون، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً. [28] [2] ـ «تاريخ دمشق» ج 2، ص 87، الحديث رقم 588. [3] ـ «شواهد التنزيل» ج 1، ص 156، الحديث رقم 210. [4] ـ «شواهد التنزيل» ج 1، ص 158، الحديث رقم 213. [5] ـ «تفسير الفخر الرازيّ» ج 3، ص 636، طبعة دار الطباعة العامرة، في هامش «تفسير أبي السعود». [6] ـ «المِلَل والنِّحَل» المطبوع في حاشية «الفِصَل» ص 220 و 221. الجزء الاوّل. [7] ـ «الصواعق المحرقة» ص 26. [8] ـ «سرّ العالمين» ص 21، طبعة النجف، مطبعة النعمان، سنة 1385. وقد أثبتنا في ج 8، من كتابنا هذا «معرفة الإمام» الدرس 118 إلی 120 في ص 248 و 249 أنّ الكتاب المذكور للغزإلیّ. و علی هذا لاُيُلْتَفَت إلی تشكيك العالم المحترم السيّد جعفر مرتضي العامليّ في نسبة هذا الكتاب إلی الغزّإلیّ ـفي مجلّة «تراثنا»، العدد 2، السنة الاُولي، خريف 1406 ه، ص 97 و 98 لانّ عدم اجتماع الغزّإلیّ والمعرّيّ في الحياة دليل علی تصرّف في هذا الخصوص لافي أصل الكتاب وجميع أبوابه. ولعلّ أبا حامد كتب في النسخة: ابنحامد سهواً، والكتب التي ذكرها، نسبهما الغزّإلیّ إلیه في ذلك الكتاب، بينما هي ليست له. وما لميثبت انتساب هذه الكتب نفسها بما تحويه من مطالب وموضوعات إلی مصنّف آخر، فليس لنا أن لانعتبرها للغزّإلیّ، إذ من الممكن أن تكون من الكتب التي صنّفها، وفقدت بعد وفاته، وكم لها من نظير. [9] ـ مثل مشهور عند العرب. كناية عن فصل الخطاب هنا، ولامفرّ من ذلك. [10] ـ الآية 33، من السورة 33: الاحزاب. [11] ـ الآية 25، من السورة 9: التوبة. [12] ـ الآية 11، من السورة 62: الجمعة. [13] ـ الآية 159، من السورة 3: آل عمران. [14] ـ المؤ لّفة قلوبهم جماعة من الكفّار شرّع لهم القرآن الكريم حصّة من الزكاة لكي يكفّوا عن الحرب ومعارضة المسلمين أو من أجل تإلیف قلوبهم وتليينها لقبول الإسلام، فيسلموا في آخر المطاف. [15] ـ الآية 12، من السورة 58: المجادلة. [16] ـ الآية 13، من السورة 58: المجادلة. [17] ـ «كشف المحجّة»، الفصل 98، ص 107 إلی 115، الطبعة الحجريّة. [18] ـ قال في «الإصابة» ج 4، ص 208: أبو الهيثم بن التَّيِّهان بفتح النقطتين الفوقيّة وكسرهما،ابن مالك بن عتيك بن عمرو، وقيل: اسمه مالك. شهد بدراً وحضر بيعة العقبة. آخي النبيّ بينه وبين عثمانبن مظعون. وذهب كثيرون إلی أنّه استُشهد في حرب صفّين. [19] ـ كتاب «الإقبال» لابن طاووس، ص 459 إلی 461. [20] ـ الآية 3، من السورة 5: المائدة. [21] ـ الآية 3، من السورة 5: المائدة. [22] ـ إنّ هذه الرواية التي ذكرها طارق بن شهاب في «تيسير الوصول» ص 222، أوردها مسلم، والبخاريّ، والترمذيّ، والنِّسائيّ، ومالك في كتبهم أيضاً. [23] ـ «تفسير فرات بن إبراهيم». [24] ـ كتاب «شرف المصطفي». [25] ـ «تفسير فرات بن إبراهيم» سورة المائدة؛ و «بحار الانوار» ج 9، ص 215. [26] ـ «فروع الكافي» طبعة المطبعة الحيدريّة، كتاب الصيام، باب صيام الترغيب، ج 2، ص 148 و 149؛ ورواها السيّد ابن طاووس في «الإقبال» عن رواية علیّبن حسن فضّال في كتاب الصيام، عن الحسن بن راشد. وجاء فيها أنّ ذلك إلیوم هو الثامن عشر من ذيالحجّة، ويستحبّ للإنسان أن يصوم في ذلك إلیوم، ويتقرّب إلی الله عزّ وجلّ بأنواع أعمال الخير. (ص 465)؛ ورواها الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 512 و 513. ووردت في «بحار الانوار» ج 9، ص 215. [27] ـ نلحظ هنا أنّ السائل لمّا أراد أن يعرف يوم الغدير حسب الفصول والشهور الشمسيّة، ردعه الإمام علیه السلام، وقال: المناط في حساب وتعيين الايّام والاعياد وغيرها هو الشهور القمريّة لاالشمسيّة. وعيد الغدير هو يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ولكنّ يومه غيرمحدّد حسب الشهور الشمسيّة، لانّ الايّام تدور باستمرار، وكلّ يوم من أيّام الشهر القمريّ لايقع في يوم خاصّ من أيّام الشهر الشمسيّ، بل هو يدور دائماً. فقد يصادف يوم عيد الغدير مثلاً في الربيع وشهر الحمل، وقد يتّفق وقوعه في الجوزاء، وقد يكون في الصيف وشهر السرطان، وهكذا. ولمّا كان المدار في الاُمور الشرعيّة والحساب هو الشهور القمريّة، فلافائدة في معرفتها وتطبيقها علی الشهور الشمسيّة. ولهذا قال للسائل: ومَا تَصْنَعُ بإلیوم إنَّ السَّنَةَ تَدُورُ؟ وهذه الرواية، وكذلك الرواية التي نقلناها أخيراً عن فراتبن إبراهيم، التي يقول الإمام فيها: إنّ الايّام تتقدّم وتتأخّر، دليل علی عدمجواز الاستناد إلی الشهور الشمسيّة، إذ إنّ السائل يقول في هذه الرواية أيضاً: قلتُ: و أيّ يوم هو في السنة؟ فقال لي: إنّ الايّام تتقدّم وتتأخّر وربما كانت في السبت ـ إلی آخره. ونحن ناقشنا هذا الموضوع بنحو وافٍ في الجزء السادس من هذا الكتاب، في المجلس 83 إلی 90، وكذلك في رسالة مستقلّة عنوانها «رسالة نوين در بناء اسلام بر سال وماه قمري» (= رسالة جديدة في بناء الإسلام علی الشهور القمريّة). [28] ـ «فروع الكافي» ج 2، ص 149، الطبعة الحيدريّة؛ وكتاب «الإقبال» ص 465؛ و«مصباحالمتهجّد» ص 512؛ و«بحار الانوار» ج 9، ص 215 و216. |
|
|