|
|
الصفحة السابقة
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظيم وصلَّي الله علی محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَـَابٍ * جَنَّـ'تِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاْبْوَ ' بُ * مُتَّكِـِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَـ'كِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَـ'صِرَ'تُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَـ'ذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَـ'ذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ. [1] الولاية هي حقيقة الجنّة، وهي العبوديّة المحضة والرقّ المطلق للّه تعالي، حيث تختفي في تلك النقطة من الكينونة جميع الحجب الفاصلة بين العبد ومولاه، وحيث يهوي العبد علی تراب المسكنة والفقر والذلّ والجهل والعجز والفاقة والفناء خاشعاً أمام ربّه الغفور الودود الرحيم المتربّع علی عرش عظمته وجلاله وعِلمه وقدرته وحياته وحُكمه وحِكمته. أمّا فيض النِّعم في العوالم، فمنشؤه من الولاية، وعلی إثر إظهار العبوديّة قبال إطلاق صفات الله وأسمائه الظاهرة في كلّ نشأة وعالم بأشكال وصور مختلفة متناسبة مع ذلك العالم؛ سواء في ذلك نِعم هذا العالم أم نِعم عالم البرزخ أم نِعم عالم القيامة. ويجسّد الإقرار بعزّ مقام كبرياء الباري تعالي شأنه العزيز، وإيكال جميع مراتب الوجود والإنّيّة والشخصيّة بيده عزّ وجلّ، وطيّ مراحل التوحيد الافعاليّ والصفاتيّ والاسمائيّ والتوحيد الذاتيّ لذلك الوجود المقدّس بتمام معني الكلمة، يجسّد الدرجة العلیا والذروة الاسني للجنّة، كما تمثّل المقامات الادني منه درجات أدني في الجنّة. ومن الجليّ أنّ المحبّة لم تُقسّم في عالم الوجود علی حدٍّ سواء، وأ نّها مُنحت لكلّ موجود بمقدار ماهيّته وسعته، فترشّح في كلّ موجود رشحة من المحبّة الدائمة الخالدة. ومن هنا، فلو قلنا بأنّ الولاية هي حقيقة الجنّة، وبأنّ المحبّة ترشّحت عنها فتجلّت في كلّ عالم بصور مختلفة وأشكال متباينة تتناسب مع سعة ذلك العالم، وأ نّها أنشأت عالم المُلك والملكوت فلن نكون قد قلنا جزافاً. ثمّ إنّ المحبّة كلّما زادت شدّة، ازداد معها الصفاء والخلوص والإيثار والإنفاق والعبوديّة. أمّا لو قلّت تلك المحبّة، فإنّ تلك الاُمور ستتضاءل معها، ولهذا يمكننا أن نعتبر أن يحبّهم هو أساس نشوء العالم وأنّ يحبّونه قد نشأ علی ذلك الاساس؛ وأنّ يحبّهم ويحبونه قد تعانقا باستمرار بحيث تسبّب الجذب الربوبيّ والانجذاب العبوديّ في نشوء العالم، وأنّ العباد قد خُلقوا من الله تعالي، وأ نّهم يعودون إليه، وأنّ للمتّقين مآباً حسناً. ويمثّل رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم مركز الولاية الكامنة، بينما يجسّد أميرالمؤمنين علیه السلام ظهور مقام الولاية. ولدينا روايات مستفيضة، بل متواترة، في أنّ الجنّة وآثارها ودرجاتها وحورها وقصورها وفاكهتها وشرابها و جَنَّـ'تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنهَـ'رُ وغلمان الجنّة وملائكتها وخازنها وجميع خصوصيّاتها إنّما هي من الولاية وتابعة لها، وأنّ إنشاءها وانتفاع العباد بها قائمينِ علی هذا الاساس. روي الصدوق في « الامالي » عن رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم، قال: إنَّ حَلْقَةَ بَابِ الجَنَّةِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ علی صَفَائِحِ الذَّهَبِ. فَإذَا دُقَّتِ الحَلْقَةُ علی الصَّفْحَةِ طَنَّتْ وَقَالَتْ: يَا علیُّ [2]. وروي النطنـزيّ في « الخصائص » عن ابن مسـعود، قال: قال رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم: علیُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَلْقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِبَابِ الجَنَّةِ، مَنْ تَعَلَّقَ بِهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. [3] وروي الصدوق في « الخصال » بسنده المتّصل عن عطيّة، عن جابر قال: قال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: مَكْتُوبٌ علی بَابِ الجَنَّةِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، علیٌّ أَخُو رَسُولِ اللَهِ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. [4] وروي في « الخصال » أيضاً بسنده المتّصل عن رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم، قال: أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ علی بَابِهَا مَكْتُوباً بِالذَّهَبِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ حَبِيبُ اللَهِ، علیٌّ وَلِيُّ اللَهِ، فَاطِمَةُ أَمَةُ اللَهِ، الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ صَفْوَةُ اللَهِ؛ علی مُبْغِضِيهِمْ لَعْنَةُ اللَهِ. [5] وروي الصدوق في « إكمال الدين وإتمام النعمة » بإسناده عن أبي الطفيل، عن علیّ علیه السلام ضمن أجوبته علی أسئلة رجل يهوديّ، قال: وَمَنْزِلُ مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسلَّمَ مِنَ الجَنَّةِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ وَسَطُ الجِنَانِ، وَأَقْرَبُهَا مِنْ عَرْشِ الرَّحْمَنِ جَلَ جَلاَلُهُ. قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللَهِ لَقَدْ صَدَقْت. قَالَ لَهُ علیٌّ علیهِ السَّلاَمُ: وَالَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ فِي الجَنَّةِ هَؤُلاَءِ الاَئِمَّةُ الاثْنَا عَشَرَ. [6] وروي الصدوق في « الامالي » عن الحسن بن محمّد بن يحيي، عن يحييبن الحسن، عن إبراهيم بن علیّ والحسن بن يحيي، عن نصربن مزاحم، عن أبي خالد، عن زيد بن علی، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين علیه السلام، قال: كَانَ لِي عَشْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلاَ يُعْطَاهُنَّ أَحَدٌ بَعْدِي. قَالَ لِي: يَا علیُّ! أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا، وَأَنْتَ أَخِي فِي الآخِرَةِ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنِّي مَوْقِفاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُكَ فِي الجَنَّةِ مُتَوَاجِهَانِ كَمَنْزِلِ الاَخَوَيْنِ، وَأَنْتَ الوَصِيُّ! وَأَنْتَ الوَلِيُّ، وَأَنْتَ الوَزِيرُ؛ عَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللَهِ؛ وَوَلِيُّكَ وَلِيِّي، وَوَلِيِّي وَلِيُّ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ.[7] وروي الشيخ الطوسيّ هذه الرواية في « الامالي » عن المفيد، عن علیّبن محمّد الكاتب، عن الحسن بن علیّ الزعفرانيّ، عن إبراهيمبن محمّد الثقفيّ، عن عثمان بن أبي شيبة، عن عمرو بن ميمون، عنجعفر ابنمحمّد، عن أبيه، عن جدّه علیهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين علیّبن أبي طالب علیه السلام علی منبر الكوفة: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ خِصَالٍ، لَهُنَّ أَحَبُّ إلی مِمَّا طَلَعَتْ علیهِ الشَّمْسُ ـ الحديث. [8] ثمّ إنّه علیه السلام عدّد هذه الخصال، وقال في جملتها: وَأَنْتَ الوَارِثُ مِنِّي! وَأَنْتَ الوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي فِي عِدَاتِي وَأُسْرَتِي! وَأَنْتَ الحَافِظُ لِي فِي أَهْلِي عِنْدَ غَيْبَتِي! وَأَنْتَ الإمام لاِمَّتِي، وَالقَائِمُ بِالقِسْطِ فِي رَعِيَّتِي. [9] كما روي الصدوق هذه الرواية في « الخصال » بنفس عبارة « الامالي ». [10] مقامات الشيعة في الجنّةوروي ( الطبريّ الشيعيّ » في « بشارة المصطفي » بسنده المتّصل عن ابنعبّاس، قال: يَأْتِي علی أَهْلِ الجَنَّةِ سَاعَةٌ يَرَوْنَ فِيهَا نُورَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، فَيَقُولُونَ: أَلَيْسَ قَدْ وَعَدَنَا رَبُّنَا أَنْ لاَ نَرَي فِيهَا شَمْساً وَلاَ قَمَراً؟ فَيُنَادِي مُنَادٍ: قَدْ صَدَقَكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَهُ لاَ تَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ قَمَراً، وَلَكِنْ هَذَا رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ علیِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ مِنْ غُرْفَةٍ إلی غُرْفَةٍ، فَهَذَا الَّذِي أَشْرَقَ علیكُمْ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ. [11] ونقل مؤلّف « جامع الاخبار » في كتابه أنّ أميرالمؤمنين علیه السلام قال: إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إلی مَنَازِلِ شِيعَتِنَا كَمَا يَنْظُرُ الإنسان إلی الكَوَاكِبِ. [12] ثمّ إنّ من الاُمور الشيّقة التي تستلفت النظر، ما ورد عن الاُنس بالحور العين اللاتي ذكرهنّ القرآن الكريم، وربّما كانت العلّة في ذلك هيأنّ الإنسان يرغب في الاُنس والمسامرة أكثر من رغبته في الاكل والشرب. نقل العيّاشيّ في تفسيره عن جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله علیه السلام، قال: إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ مَا يَتَلَذَّذُونَ بِشَيءٍ فِي الجَنَّةِ أَشْهَي عِنْدَهُمْ مِنَ النِّكَاحِ، لاَ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ. [13] ومن البديهيّ أنّ الحور العين مدعاة للاُنس والاستئناس والاُلفة ونسيان الغُربة، لذا جاء: كَذَ ' لِكَ وَزَوَّجْنَـ'هُمْ بِحُورٍ عِينٍ. [14] و الحور جمع الحوراء؛ وهي المرأة نقيّة بياض العينين، شديدة سواد الحدق. أمّا العِين فجمع العيناء؛ والعَيَن هو عِظَم سواد العين وسعتها. ويطلق اسم الحور العين علی النساء اللاتي لهنّ أعين سوداء واسعة، بحيث يحسن منظر سواد أعينهنّ في بياضها، لشدّة سواد أحداقهن ونقاء بياض أعينهنّ. وجاء في الآيتين 22 و23، من السورة 56: الواقعة: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَـ'لِ اللُّؤْلُوءِ الْمَكْنُونِ. كما جاء في وصفهنّ: وَعِندَهُمْ قَـ'صِرَ ' تُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ. [15] وجاء في الآية 33، من السورة 78: النبأ: وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا. و الكواعب جمع الكاعبة، وهي الجارية التي نَهد ثديُها. أمّا الاتراب فجمع التِّرْب، وهي اللِّدة والمِثل؛ أي أنّ حوريّات الجنّة جوارٍ مُتَماثلاتٌ في السنّ، أو أنّ المؤمنات اللواتي يرتحلن عن دار الدنيا يُصبحن لازواجهنّ في الجنّة جوارٍ جميلات في عُمر واحد. حسنات الوجوه والاخلاق. الآيات الواردة في سورة الرحمن بشأن الجنّةونلحظ في سورتين من سور القرآن الكريم وصفاً للجنّة ونعمها يفوق ما ورد في باقي السور الاُخري؛ إحداهما سورة الرحمن، وهي السورة الوحيدة التي تبدأ بعد بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ باسم من أسماء الله تعالي. ووفقاً للرواية الواردة في « مجمع البيان » عن الإمام موسيبن جعفر، عن آبائه، عن رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم، فإنّها تُدعي عروس القرآن. قَالَ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ شَيْءٍ عَرُوسٌ، وَعَرُوسُ القُرْآنِ سُورَةُ الرَّحْمَنِ جَلَّ ذِكْرُهُ. كما أورد السيوطيّ في « تفسير الدرّ المنثور » عن البيهقيّ، عن أميرالمؤمنين عن رسول الله علیهما الصلاة والسلام نفس هذا المعني. [16] والسورة الاُخري هي سورة الواقعة. ونذكر فيما يلي بحول الله وقوّته الفقرات التي وردت في هاتين السورتين في وصف الجنّة. أمّا في سورة الرحمن: 55: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. (الآية 46 ). والمراد بالخوف من مقام الربّ هو عبادته تعالي لذاته، لا طلباً للجنّة ولاخوفاً من النار. ولذلك فإنّ هذه الآية عائدة إلی المقرّبين والمخلَصين الذين لاتشوب عبادتهم لذات الحقّ تعالي شائبة. أمّا الجنّتان فالظاهر أ نّهما عبارة عن الجنّة التي تُعطي جزاءً للعمل، والجنّة التي يمنّ بها ربّ العزّة كزيادة علی أجر العمل وفقاً لمقولة: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ. ( الآية48 ) ذواتا مثنّي ذات وقد سقطت نونُها بالإضافة. أمّا الافنان فهي جمع فنّ بمعني النوع، أو جمع فَنن وهو الغصن. فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ. ( الآية 50 ) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَـ'كِهَةٍ زَوْجَانِ. ( الآية 52 ) إحداهما الفاكهة التي وجدت في الدنيا، فأصحاب الجنّة يعرفونها من قبل، والثانية فاكهة الجنّة التي لم يروها، فقد نالوها الآن. مُتَّكِـِينَ علی' فُرُشٍ بَطَآنءِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَي الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ. (الآية 54 ). فُرش جمع فراش، وهو ما يُفترش ويُبسط للجلوس أو الاتّكاء. و بطائن جمع بطانة وهي ما بطن من الثوب، خلاف الظِّهارة وهي ما ظهر منه. و الإستبرق هو الديباج الغليظ. أمّا الجني فهو الثمر المجتني، و دان فيالاصل داني اسم فاعل من دنا يدنو. فيكون المعني أنّ أصحاب الجنّة متّكئون علی فرش مبطّنة بديباج غليظ فضلاً عن ظاهرها الذي ينبغي أن يفوق الديباج كيفيّةً وقيمة؛ وأنّ ثمار هاتين الجنّتين قريبة علی من يريد قطفها من أصحاب الجنّة، فهي في متناول أيديهم يقطفونها متي شاءوا، وهذا المعني قريب ممّا في الآية23، من السورة 69: الحاقّة: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ؛ لانّ قطوف جمع قِطف، وهي الفاكهة المقتطفة توّاً. وقريب ممّا في الآية 14، من السورة 76: الدهر: وَدَانِيَةً علیهِمْ ظِلَـ'لُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً. فِيهِنَّ قَـ'صِرَ ' تُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ. (الآية56 ) [17] الطرف جفن العين، وقـ'صِرَ ' تُ الطَّرْفِ كناية عن النساء اللواتي قصرن أنظارهنّ علی أزواجهنّ لم يُردن غيرهم. أمّا الطَّمث فعبارة عن الافتضاض والنكاح بالتدمية. و الجانّ: الجنّ في مقابل الإنس. فيكون المعني أنّ تلكم النساء والحوريّات مضطجعات علی تلك الفرش ـ أو في الجِنانـ لا يرغبنَ في غير أزواجهنّ، ويقصرن همّتهنّ فيهم، وأ نّهنّ أبكار لم ينكحهنّ ولم يفتضّهن إنس ولا جانّ. كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ. ( الآية 58 ) هَلْ جَزَآءُ الإحْسَـ'نِ إِلاَّ الإحْسَـ'نُ. ( الآية 60 ) أي أنّ الله تعالي سيُحسن للمؤمنين والمؤمنات الذين آمنوا في الدنيا وأطاعوا الله ورسوله وسلكوا سبيل الخلوص والتقوي فصاروا من المقرّبين والمحسنين، ويجزيهم علی إحسانهم، فيمنّ علیهم بهذه النِّعم. وَمِن دُونِهِمَا جَنَّـتَانِ. ( الآية 62 ) وهاتان الجنّتان، وإن أشبهتا الجنّتين السالفتين، إلاّ أ نّهما دونهما منزلةً وقدْراً وفضلاً وشرفاً، فقد كانت الاُوليان لاهل الإخلاص الذين كانوا يخشون ربّهم، والذين عبدوا الله للّه، وهم المخلصون والمقرّبون. أمّا هاتان الجنّتان فمتعلّقتان بطائفة أدني من أُولئكم، وهم أصحاب اليمين الذين عبدوا الله تعالي أمّا خوفاً من ناره، أو طمعاً في جنّته. لذا كانت هاتان الجنّتان اللتان تمثّل إحداهما الجزاء والثواب وتمثّل الاُخري مقولة: وَلَدَيْنَا مَزِيد، أوطأ منزلةً ومقاماً من الجنّتين الاُوليين. مُدْهَآمَّتَانِ. ( الآية 64 ) مُدهامّة، مُدهاممة، اسم فاعل من باب إفعيلال من مادة دهم؛ والدُّهمة هي السواد. وتطلق علی الزرع إذا اشتدّت خُضرته فمال إلی السواد. ومن هذا القبيل الفَرَس الادهم أي المائل للسواد. و إدْهَمَّ و إدْهَامَّ من باب إفعلال و إفعيلال، كلاهما له نفس المعني، أي المائلان للسواد. وهذا اللون في الشجر يمثّل ريّ أوراقها وتمام خُضرتها بحيث صارت تضرب إلی السواد. فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ. ( الآية 66 ) نَضَخَ يَنْضَخُ نَضْخاً ونَضَخاناً بمعني اشتداد فوران الماء وتصاعده من العين. فِيهِمَا فَـ'كِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ. ( الآية 68 ) ونظراً لانّ النخل يعني الشجر دون فاكهة التمر، فالمراد بالفاكهة والرّمان ـ بدلالة هذه القرينةـ هو أشجار الفاكهة والرمان أيضاً. فِيهِنَّ خَيْرَ ' تٌ حِسَانٌ. ( الآية 70 ) والضمير في « فيهنّ » يعود إلی الجِنان، وهي جمع، لانّ الجنّتين الاُوليين والجنّتين الاُخريين تصبح أربع جنان. وبما أنّ استعمال لفظ خَيْر في معني المرأة، ولفظ حُسن في الطلعة والشمائل، فإنّ معني خير ' ت حسان هو نساء حسان الوجوه خيرات الخلائق والطبائع. وحِسان جمع حسناء. حُورٌ مَّقْصُورَ ' تٌ فِي الْخِيَامِ. ( الآية 72 ) الخيام جمع الخيمة؛ و مقصور ' ت أي محبوسات في الحِجال مستورات مصونات عن بذل أنفسهنّ لغير أزواجهنّ، فليس لاحد فيهنّ نصيب سوي أزواجهنّ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ. ( الآية 74 ). مرّ معناه أخيراً. مُتَّكِـِينَ علی' رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ. ( الآية 76 ) الرفرف قماش أخضر يُستعمل للفُرش. و العبقريّ و العباقريّ نوع من الفرش النفيسة. حسان جمع حسن وهو مذكّر؛ ولذلك فإنّ حسان هي جمع مذكّر وجمع مؤنّث أيضاً. تَبَـ'رَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ. ( الآية 78 ) وينبغي العلم بأنّ الآية الشريفة فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قد تكرّرت في سورة الرحمن إحدي وثلاثين مرّة، ومن الموارد التي تكرّرت فيها هذه الآية، بين هذه الآيات في وصف الجنّة التي أوردناها في هذا المجال. الآيات الواردة في سورة الواقعة بشأن الجنّةأمّا السورة الثانية التي تكرّر فيها ذكر الجنّة، فهي سورة الواقعة حيث قسّمت السورة الناسَ إلی ثلاث طوائف: السابقون، أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة. وَالسَّـ'بِقُونَ السَّـ'بِقُونَ * أُولَـ'ئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـ'تِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الاْوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الاْخِرِينَ. ( الآيات 10 إلي14 ) وجنّة النعيم ـ كما سيأتي ـ هي جنّة الولاية. ويقصد بالاوّلين: الاُمم السابقة، وبالآخرين: أُمّة خاتم الانبياء. وبالتأكيد فإنّ المقرّبين في هذه الاُمّة أقلّ عدداً منهم في الاُمم السابقة، علی الرغم من تفوّقهم علیهم كمالاً. أمّا أصحاب اليمين في هذه الاُمّة فعددهم مماثل في كثرته لعددهم في الاُمم السالفة، وسيأتي ذكر ذلك لاحقاً. والثُلّة ـ بضمّ الثاء ـ هي الجماعة الكثيرة العدد. أمّا الثَّلة ـبفتح الثاءـ فهي القطيع من الاغنام. وفي المَثَل: فُلاَنٌ لا يفرّق بين الثَّلَّة والثُّلَّة. علی' سُرُرٍ مَّوْضُوْنَةٍ * مُّتَّكِـِينَ علیهَا مُتَقَـ'بِلِينَ. ( الآيتان 15 و16) السرير بمعني الاريكة والعرش، ويستعمل غالباً لعرش الملك، وجمعه سُرُر و أَسِرَّة. وَضَنَ يَضِنُ وَضْناً بمعني نَسَج، و موضونة أي منسوجة من الالياف، وهي استعارة تعبّر عن إحكامها ومتانتها. وتقابُل أصحاب الجنّة في الجلوس كناية عن كمال الاُنس وحسن المعاشرة وصفاء البواطن، فهم لا ينظرون في أقفية بعضهم، ولايلوّثون بواطنهم ـ فتخالف ظواهرهمـ بالغِيبة والانتقاص لبعضهم. يَطُوفُ علیهِمْ وِلْدَ ' نٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ. ( الآيات 17 إلی 19 ) ولدان جمع ولد، وهو الغلام. مُخلّد إمّا من الخُلود و الخَلْد و الخُلْد بمعني البقاء؛ أو من الخُلد و الخَلَدة ـ بفتحتينـ بمعني القُرط. أكواب جمع كوب، وهو الكوز الذي لا عروة له ولا خرطوم. أمّا أباريق فجمع إبريق وهو الإناء الذي له خرطوم. و كأس مفرد لاجمع، وهو الإناء الواسع الرأس الذي لا عروة له ولا خرطوم، خلافاً للكوز. والعلّة في المجيء بالكأس مفرداً، هي أنّ الكأس يطلق علی الإناء مادام فيها شراب؛ فالكأس من غير شراب هي ـ إذاً ـ في حكم الاباريق والاكواب. لاَ يُصَدَّعُونَ عَنهَا أي لا يأخذهم من خمر الجنّة صداع. و أنزف من باب إفعال، هو فعل لازم بمعني السكر وذهاب العقل. فيكون معني ولا ينزفون لاتذهب عقولهم بالسكر وشرب الخمر. وَفَـ'كِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَـ'لِ اللُّؤْلُؤءِ الْمَكْنُونِ * جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ( الآيات 20 إلي24 ) لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلَـ'مًا سَلَـ'مًا. (الآيتان 25 و26 ) اللغو ما لا فائدة فيه من الكلام. و الإثم: الذنب؛ و تأثيم: الكلام الذي يؤثم المرء فيه. قيل مصدر، شأنه شأن قَوْل و سلـ'مًا مصدر أيضاً، وقد مرّ معناه. الآيات الواردة في نِعَم الجنّةوَأَصْحَـ'بُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَـ'بُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَـ'كِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ. ( الآيات 27 إلی 33 ) السِّدر شجرة معروفة ذات أشواك. و خَضَدَ يَخْضِدُ خَضْداً فعل متعدّ بمعني نزع أشواك الشجرة وقطعها. و سدرة مخضودة هي السدرة التي نُزعت أشواكها. وجاء في تفسير الدر المنثور: أخرج الحاكم وصحّحه، والبيهقيّ في « البعث » عن أبي أمامة، قال: كان أصحاب رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم يقولون: إنّ الله ينفعنا بالاعراب ومسائلهم. أقبل أعرابيّ يوماً، فقال: يا رسول الله! لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنتُ أري أنّ في الجنّة شجرة تؤذي صاحبها. فقال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: وما هي؟ قال: السدر، فإنّ لها شوكاً. فقال رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم: أليس يقول الله: فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ، يخضده الله من شوكه فيجعل مكان كلّ شوكة ثمرة، إنّها تنبت ثمراً تفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام، ما فيها لون يشبه الآخر. وفي « المجمع »: وروت العامّة عن علی علیه السلام أ نّه قرأ رجل عنده: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ؛ فقال: ما شأن الطلح؟! إنّما هو وَطَلْعٍ، كقوله: وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ. فقيل له: ألا تغيّره؟ قال: إنَّ القُرْآنَ لاَ يُهَاجُ اليَوْمَ وَلاَ يُحَرَّكُ. رواه عنه ابنه الحسن علیه السلام وقيس بن سعد. [18] وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّآ أَنشَأْنَـ'هُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَـ'هُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا. ( الآيات 34 إلی 37 ) فُرُش جمع فراش وهو البساط يُفرش فيجلس علیه، إلاّ أنّ من الممكن أنّ المراد بـ فُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ في هذه الآية: النساء المرتفعات القدر في عقولهنّ وحسنهنّ وكمالهنّ. والشاهد علی ذلك أنّ المرأة تدعي فراشاً. وممّا يُناسب هذا المعني قوله بلا فصل: إنَّآ أَنشَأْنَـ'هُنَّ إِنشَآءً. و عُرُب جمع عروب، وهي المرأة التي تتحبّب إلی زوجها، أو المرأة اللعوب مع زوجها. و أتراب جمع تِرْب ـبالكسرة ثمّ السكونـ بمعني المثيل والشبيه. لاِصْحَـ'بِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الاْخِرِينَ. (الآيات 38 إلی 4 ) وينبغي العلم أنّ ما جاء في قوله تعالي: فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ إلی قوله فَجَعَلْنَـ'هُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا متعلّق بأجمعه بأصحاب اليمين. أمّا ما ذُكر من قوله تعالي: فِي جَنَّـ'تِ النَّعِيمِ، إلی قوله تعالي إِلاَّ قِيلاً سَلَـ'مًا سَلَـ'مًا، فمتعلّق بالسابقين والمقرّبين. ويتبيّن من خلال التأمّل في خصوصيات تلك المزايا وهذه المزايا المذكورة لاصحاب اليمين، أفضليّة السابقين وتقدّمهم شرفاً علی أصحاب اليمين. كما ينبغي العلم بأنّ الله تعالي قد ذكر في سورة الدهر أيضاً آياتاً في جزاء الابرار وثوابهم حاكية عن عظمتهم ومقامهم، إلاّ أنّ تفسير تلك الآيات يندرج ضمن ما أوردناه في هذا المجال، لذا أعرضنا عن إيرادها. وقد نزلت سورة الدهر في شأن أهل بيت رسول الله، وهم أميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين علیهم السلام وخادمتهم فضّة. لقد جاء في الآيتين 54 و55، من السورة 54: القمر أنّ مقام المتّقين لدي المالك المطلق والحاكم المقتدر يتمثّل في مَقْعَدِ صِدْقٍ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّـ'تٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ. كما جاء في الآيتين 7 و8، من السورة 98: البيّنة أنّ ذلك الجزاء الذي يشتمل علی رضا الطرفين قد أُرسي علی أساس من خشية عزّ جلال الخالق وإجلال مقامه تعالي. إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ'ئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـ'تُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَ ' لِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. وجاء في الآيات 31 إلی 36، من السورة 78: النبأ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَآنءِقَ وَأَعْنَـ'بًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّ ' بًا * جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابًا. دَهَقَ يَدْهَقُ دَهْقاً: ملا الكأس، و دهاقاً كأساً ممتلئة طافحة. أمّا كِذَّ ' بًا فمن مصادر كَذَبَ يَكْذِبُ. ويستفاد من هذه الآيات أنّ الجنّة هي مقام الصدق والامانة والتقوي وزوال الشكوي من آثار ومظاهر عالم الخلقة ( وهو مخلوق للّه تعالي)، وحفظ مقام جلال وعظمة وأُبّهة الربّ ذي الجلال. وهو مقام لايتسرّب إليه اللغو والباطل والكذب والذنوب، ولا يعتريه نقص ولافتور ولاعيب. مقامٌ شرابه يُسكر بجمال الله وصفاته وأفعاله، لكنّه لايسبّب الصداع للشاربين ولايذهب بعقولهم. وهو بذاته الشراب الطهور المذكور في سورة الدهر. كما أنّ طعام الجنّة طعام لا يُثقل المرء ولا يستدعي فتوره؛ ولايعقب نكاح الجنّة أيّ فتور وارتخاء. كلّ ما في الجنّة عشق ولذّة وسرور وحبور. وعلّة ذلك في عدم وجود سبيل للعدم والنقصان والفناء في الجنّة. وحين نلاحظ أنّ النكاح أو تناول الاطمعة والاشربة اللذيذة في هذا العالم يبعث علی لذّة ضعيفة وله تأثير ضعيف آنيّ، فإنّما يكون ذلك بسبب نقصان هذا العالم. نِعَم الجنّة خالدة بلا نقصانولو فرضنا أنّ انعدام جهات النقص في هذا العالم فسوف لنيتبدّل كلٌّ من البهجة والسرور إلی انقباض وسوء في الحال، ولاتّسمت كلّ لذّة حاصلة بالبقاء والخلود، فلا يشوبها والحال هذه أيّ شيء من الفتور أو القصور أو النقصان. وبعبارة أوضح، فإنّ النقصان والعيب والمرض والموت والفتور هي أُمور معلولة لثقل المادّة. أمّا في عالم القيامة فليس للمادة ثقل، وهو عالم تحلّق فيه الحور العين فيطوين في طرفة عين واحدة جنّةً سعتها سعة السماوات والارض، وعالم لا ثقل لطعامه، وعالمٌ يعرق ساكنوه فيفوح منهم العطر. وهو في النهاية عالمٌ تتواجد فيه جميع جوانب النعمة واللذة مجتمعة، وتنعدم فيه آثار المادّة وخواصّها وثقلها وكثافتها. ذلك العالَم جنّة حقيقيّة واقعيّة بدون جهات عدميّة أو نقصان. ومن هنا، فإنّ لذّة تلك الجنّة ستكون لذّة دائميّة لا يعتريها انقلاب ولافساد ولاكدر. وفي الحديث: أنّ جميع أصحاب الجنّة جُرْد و مُرْد. و الجرد جمع الاجرد، و المرد جمع الامرد، وكلاهما بمعني الغلام الذي لمينبت عارضاه. أي سيكون أصحاب الجنّة في هيئة غلمان وفتيان لمينبت الشعر علی عوارضهم وإن فارق بعضهم الدنيا وهو شيخ هرم قد انحنت قامته واحدودب ظهره وثقلت آذانه وعمشت عينه. كما جاء في الرواية: أنّ الرسول الاكرم صلّي الله علیه وآله وسلّم كان يتحدّث يوماً عن الجنّة وأوصافها، فمازح عجوزاً مؤمنة كانت قريبه منه، فقال: إنّ الجنّة لا يدخلها العجز! فبكت المرأة، فضحك النبيّ صلّيالله علیه وآله وسلّم، وقال: أما سمعتِ قول الله تعالي: إِنَّآ أَنشَأْنَـ'هُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَـ'هُنَّ أَبْكَـارًا؟ وجاء في « تفسير مجمع البيان » في ذيل الآية 25، من السورة 2: البقرة: وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَ ' جٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ؛ وقيل: هُنَّ من نساء الدنيا. قال الحسن: هُنَّ عَجَائِزُكُمُ الغُمْصُ الرُّمْصُ العُمْشُ طَهُرْنَ مِنْ قَذَرَاتِ الدُّنْيَا. مُطَهَّرَةٌ؛ قيل: في الابدان والاخلاق والاعمال، فلايحضن. ولايلدن ولايتغوّطن ولايبلْن، قد طهرنَ من الاقذار والآثام. وَهُمْ فِيهَا؛ أي في الجنّة. خَـ'لِدُونَ؛ يعني دائمون يبقون بقاء الله فلا انقطاع لذلك ولانفاد، لانّ النعمة تتمّ بالخلود والبقاء، كما تنتقص بالزوال والفناء. [19] وعلی هذا الاساس فقد عدّت الآية 35، من السورة 13: الرعد تناول طعام الجنّة دائميّاً، وعدّت ظلالها دائمة مستمرّة: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ أُكُلُهَا دَآنءِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَي الْكَـ'فِرِينَ النَّارُ. وجاء تفسيرها في « مجمع البيان » علی النحو التالي: أُكُلُهَا دَآئِمٌ؛ يعني أنّ ثمارها لاتنقطع كثمار الدنيا، وظلّها لا يزول ولاتنسخه الشمس... وقيل: معناه نعيمها لا ينقطع بموتٍ ولا آفة. [20] ونقل مؤلّف « مجمع البيان » في تفسير الآية 18، من السورة 76: الدهر، وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً، عن ابن عبّاس، قال: كلّ ما ذكره الله في القرآن ممّا في الجنّة وسمّاه ليس له مثيل في الدنيا، ولكن سمّاه الله بالاسم الذي يُعرف؛ والزنجبيل ممّا كانت العرب تستطيبه، وكذلك ذكره في القرآن ووعدهم أ نّهم يُسقَون في الجنّة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنّة. [21] صفة الحور العِينونقل مؤلّف « جامع الاخبار » عن أميرالمؤمنين علیه السلام، قال: قال النبيّ صلّي الله علیه وآله وسلّم: إنّ في الجنّة سوقاً ما فيها شري ولابيع إلاّ الصور من الرجال والنساء، من اشتهي صورة دخل فيها، وإنّ فيها مجمع حور العين يرفعن أصواتهنّ بصوت لم يسمع الخلائق بمثله: نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ أَبَداً؛ وَنَحْنُ الطَّاعِمَاتُ فَلاَ نَجُوعُ أَبَداً؛ وَنَحْنُ الكَاسِيَاتُ فَلاَ نَعْرَي أَبَداً؛ وَنَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ نَمُوتُ أَبَداً؛ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ أَبَداً؛ وَنَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلاَ نَظْعَنُ أَبَداً؛ فَطُوبَي لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا؛ نَحْنُ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ؛ أَزْوَاجُنَا أَقْوَامٌ كِرَامٌ. [22] ونقل في « مجمع البيان » في ذيل آية: فِيهِنَّ خَيْرَ ' تٌ حِسَانٌ، عن رسولالله في ليلة المعراج أنّ الحوريّات استأذنَّ ربّهنّ عزّ وجلّ في السلام علی النبيّ، فأذن لهنّ فقلنَ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ نَمُوتُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْأَسُ، أَزْواجُ رِجَالٍ كِرَامٍ. [23] وقال في تفسير هذه الآية: قيل إنّهنّ نساء الدنيا، ترد علیهم في الجنّة وهنّ أجلّ من الحور العين، وقيل: خيرات مختارات؛ وقيل: لَسْنَ بِذَرِباتٍ، وَلاَ زَفِرَاتٍ، وَلاَ نَخِرَاتٍ، وَلاَ مُتَطَلِّعاتٍ، وَلاَ مُتَسَوِّفاتٍ، وَلاَ مُتَسَلِّطَاتٍ، وَلاَ طَمَّاحَاتٍ، ولاَ طَوَّافَاتٍ فِي الطُّرُقِ، وَلاَ يَغِرْنَ، وَلاَ يُؤْذِينَ. قَالَ عَقَبَةُ بْنُ عَبْدِ الغَفَّارِ: نِسَاءُ أَهْلِ الجَنَّةِ يَأْخُذُ بَعْضُهُنَّ بِأَيْدِي بَعْضٍ وَيَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الخَلاَئِقُ مِثْلَهَا: نَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، وَنَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلاَ نَظْعَنُ، وَنَحْنُ خَيْرَاتٌ حِسانٌ، حَبِيبَاتٌ لاِزْوَاجٍ كِرَامٍ. [24] وعموماً فليس هناك من عقل أو شرع قد شكّ في خلود لذائذ الجنّة ودوامها. ومع افتراض أنّ ذلك العالم ليس موضعاً لتزاحم المادّة وفعلها وانفعالها، وليس موضعاً لوجود المادّة وفسادها؛ فليس ثمّة من معني للتناقضات المادّيّة التي تسبّب تنغيص العيش وتقليل اللذّة، كما ليس ثمّة من موت أو مرض أو ما شاكل ذلك ليعكّر صفو تلك اللذّة. وما أكثر الآيات القرآنيّة الواردة في خلود أصحاب الجنّة الحاكية عن معني: لَـ'كِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّـ'تٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَهِ وَمَا عِندَ اللَهِ خَيْرٌ لِلاْبْرَارِ. [25] و النُّزُل كما في « مجمع البيان » هو ما يُعدّ للضيف من الكرامة والبرّ والطعام والشراب. خلود الحياة في الجنّةالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَهِ وَأُولَـ'ئِِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَ ' نٍ وَجَنَّـ'تٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَهَ عِندَهُ و´ أَجْرٌ عَظِيمٌ. [26] وَمَن يُؤْمِن بِاللَهِ وَيَعْمَلْ صَـ'لِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَهُ لَهُ و رِزْقًا. [27] وقد نقل الكشّيّ في رجاله في ترجمة هشام بن الحكم مناظرة شيّقة له مع النظام في أمر الخلود، يقول: علیّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ، قال: حدّثني أبو زكريّا يحيي ابن أبي بكر، قال: قال النظام لهشام بن الحكم: إنّ أهل الجنّة لايبقون في الجنّة بقاء الابد فيكون بقاؤهم كبقاء الله، ومحال أن يبقوا كذلك. فقال هشام: إنّ أهل الجنّة يبقوا بمبقٍ لهم والله يبقي بلا مُبْقٍ أَوَ ليس هو كذلك؟ فقال: محال أن يبقوا للابد. قال: قال: ما يصيرون؟ قال: يدركهم الخمود. قال ( هشام ): فبلغك أنّ في الجنّة ما تشتهي الانفس؟ [28] قال: نعم. قال: فإن اشتهوا وسألوا ربّهم بقاء الابد؟ قال: إنّ الله تعالي لا يُلهمهم ذلك. قال: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنّة نظر إلی ثمرة علی شجرة، فمدّ يده ليأخذها فتدلّت إليه الشجرة والثمار، [29] ثمّ كانت منه لفتة فنظر إلی ثمرة أُخري أحسن منها، فمدّ يده اليسري ليأخذها فأدركه الخمود ويداه متعلّقة بشجرتين، فارتفعت الاشجار وبقي هو مصلوباً، فبلغك أنّ في الجنّة مصلوبين؟ قال: هذا محال. قال: فالذي أتيت به أمحل منه، أن يكون قوم قد خلقوا وعاشوا فأُدخلوا الجنان تمّوتهم فيها يا جاهل. [30] وربّما لهذا السبب دُعيت الجنّة ـ بجميع أنواعها ـ بجنّة الخُلد، ولإضافة الجنّة إلی الخُلد: جنّة الخلد الدالّة علی الدوام والتأبيد، دلالة علی أنّ الجنّة لاتمتلك في حدّ ذاتها بقاءً ودواماً، حيث تأتي الجملة اللاحقة: خَـ'لِدِينَ فِيهَا، لتدلّ علی خلود أصحاب الجنّة وبقائهم. أسماء الجنان المذكورة في القرآن الكريموقد ورد في القرآن الكريم ذكر أربع جنان: جنّة عدن، جنّة الفردوس، جنّة النعيم و جنّة المأوي. وجاء في الرواية: قال أبو جعفر علیه السلام: أَمَّا الجِنَانُ المَذْكُورَةُ فِي الكِتَابِ فَإنَّهُنَّ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَجَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَجَنَّةُ المَأْوَي. وَإنَّ لِلَّهِ تَعَالَي جِنَانًا مَحْفُوفَةً بِهَذِهِ الجِنَانِ. [31] أمّا جنّة النعيم فقد ورد ذكرها في ايات قرآنيّة كثيرة، كالآيات 10 إلی 12، من السورة 56: الواقعة: وَالسَّـ'بِقُونَ السَّـ'بِقُونَ * أُولَـ'ئِِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـ'تِ النَّعِيمِ. وكالآيتين 38 و39، من السورة 70: المعارج: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِيءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ. وأمّا جنّة عدن فقد ورد ذكرها في آيات كثيرة أيضاً، كالآية 12، من السورة 61: الصفّ: وَمَسَـ'كِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّـ'تِ عَدْنٍ. وأمّا جنّة الفردوس، فقد ذُكرت في موضعين من القرآن الكريم، أوّلهما: الآيتان 107 و108 من السورة 18: الكهف: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـ'تُ الْفِردَوْسِ نُزُلاً * خَـ'لِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً. وثانيهما: الآيتان 10 و11، من السورة 23: المؤمنون: أُولَـ'ئِِكَ (والحديث عن المؤمنين المتّصفين بصفات معيّنة ) هُمُ الْوَ ' رِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِردَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. وأمّا جنّة المأوي فقد وردت أيضاً في موضعين من القرآن الكريم: الاوّل: الآية 19، من السورة 32: السجدة: أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ فَلَهُمْ جَنَّـ'تُ الْمَأْوَي' نُزُلاَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. والثاني: الآيتان 14 و15، من السورة 53: النجم: عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي' * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي'. وخلاصة القول أنّ جنّة الخُلد ليست جنّة سوي الجنان المعهودة لتكون قسيماً لها، بل هي مقسم تلك الجنان. وكما مرّت الإشارة سابقاً، فإنّ إضافة الجنّة إلی الخُلد قد حقّق معني الخلود في تلك الجنّة. أمّا جنّة النعيم فهي جنّة الولاية. وحيثما ورد ذكر للنعمة في القرآن الكريم، كانت الولاية هي المراد بتلك النعمة. وقد برهنّا علی هذه الحقيقة في المجلس الثامن والخمسين من الجزء الثامن من هذا الكتاب. وكما نعلم فإنّ الحقّ تعالي قد وعد المؤمنين بلقائه وزيارته في أكثر من عشرين موضعاً من قرآنه الكريم، فإنّ جنّة اللقاء ستكون إحدي تلك الجنان... وأيّ جنّة هي! وُجُوهٌ يَؤْمَئِِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَي' رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. [32] فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. [33] ويمكن استفادة اسم جنّة اللقاء من خلال نسبة هذه الجنّة إلی الله تعالي في قوله عزّ وجلّ: يَـ'´أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِِنَّةُ * ارْجِعِي´ إِلَي' رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَـ'دِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي. [34] ويلاحظ في هذا المجال أ نّه ذكر تلك الجنّة بلفظ جَنَّتِي، وأ نّه جعلها خاصّة بعباد معيّنين من عباده، كما يُلاحظ أ نّه لم يعبّر عن بعض الجنان بعنوان جنّة، بل أشار إليها بعنوان دار، كجنّة السلام التي وردت في قوله تعالي: لَهُمْ دَارُ السَّلَـ'مِ عِندَ رَبِّهِمْ. [35] وجاء في التفسير: قيل إنّ السلام هو الله تعالي وداره الجنّة. [36] جنّة الذاتومن جملة مقامات السالك إلی الله تعالي، مقام الفناء في الله من جميع الجهات، وينبغي لذلك أن تكون جنّة الذات بالتأكيد هي إحدي الجنان التي وعدها الحقّ تعالي للمؤمنين. به زيورها بيارايند وقتي خوبرويان را توسيمينتن چنان خوبي كه زيور را بيارائي [37] ويتصوّر البعض أنّه لمّا كانت أبواب الجنّة ثماينة، وفقاً للروايات الواردة، فلابدّ لعدد الجنان من أن يكون ثمان أيضاً، إذ إنّ دخول كلّ جنّة يستلزم الورود من بابها الخاصّ بها، ولا يمكن دخولها إلاّ من ذلك الباب الخاصّ. والآية الكريمة: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَ ' بِهَا وَاتَّقُوا اللَهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، [38] دالّة علی هذا المعني. لكنّ هذا الاستدلال يبقي ناقصاً، إذ يمكن أوّلاً أن تكون هناك جنّة واحدة ذات بابين أو أكثر، فيكون دخولها ممكناً عن طريقين وسبيلين. ويمكن ثانياً أن تكون جميع أبواب الجنّة الثمانية لجنّة واحدة، وأن يكون الله تعالي قد أعرض عن ذكر أبواب الجنان الباقية علی لسان المعصومين. ويستفاد من بعض الروايات أنّ للجنّة أكثر من سبعين باباً. فقد روي ابنشهرآشوب في « المناقب » عن أميرالمؤمنين علیه السلام، قال: إنَّ لِلْجَنَّةِ إحْدَي وَسَبْعِينَ بَاباً، يَدْخُلُ مِنْ سَبْعِينَ مِنْهَا شِيعَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي، وَمِنْ بَابٍ وَاحِدٍ سَائِرُ النَّاسِ. [39] وروي الكلينيّ في « الكافي » عن علی بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابنأبيعُمير، عن منصـور بن يونـس، عن إسـحاق بن عمّار، عن أبيعبدالله علیه السلام، قال: إنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ المَعْرُوفُ، لاَ يَدْخُلُهُ إلاَّ أَهْلُ المَعْرُوفِ، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ. [40] وروي الصدوق في « الامالي » عن وهب بن وهب القرشيّ، عن أبيعبدالله، عن أبيه، عن جدّه علیهم السلام، قال: قال رسولالله صلّيالله علیه وآله وسلّم: لِلْجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ بَابُ المُجَاهِدِينَ، يَمْضُونَ إلَيْهِ فَإذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَهُمْ مُتَقَلِّدُونَ سُيُوفَهُمْ، وَالجَمْعُ فِي المَوْقِفِ، وَالمَلاَئِكَةُ تُرَحِّبُ بِهِمْ. فَمَنْ تَرَكَ الجِهَادَ، أَلْبَسَهُ اللَهُ ذُلاَّ فِي نَفْسِهِ وَفَقْراً فِي مَعِيشَتِهِ، وَمَحْقاً فِي دِينِهِ. إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي أَعَزَّ أُمَّتِي بِسَنَابِكِ الخَيْلِ وَمَرَاكِزِ رِمَاحِهَا. [41] وبطبيعة الحال فإنّ للجنّة درجات ومقامات يفضّل بعضها علی بعض، وأنّ أبواب الجنّة مختلفة ومتفاوتة شأنها شأن الجنان الثمانية، وبذلك يمكننا أن نعتبر أنّ الجنّة ذات أبواب ودرجات كثيرة. قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ: دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ، وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ، لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا، وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا، وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا، وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا.[42] [1] ـ الآيات 49 إلي 54، من السورة 38: ص. [2] ـ «سفينة البحار» ج 1، ص 183، مادّة (جنن) عن «الامالي» للصدوق، و«الخصائص» للنطنزيّ. [3] ـ «سفينة البحار» ج 1، ص 183، مادّة (جنن) عن «الامالي» للصدوق، و«الخصائص» للنطنزيّ. [4] ـ «الخصال» ج 2، ص 171، الطبعة الحجريّة. [5] ـ «الخصال» ج 1، ص 157. [6] ـ «إكمال الدين» للصدوق، ص 173؛ الطبعة الحجريّة. [7] ـ «الامالي» للصدوق، ص 48، الطبعة الحجريّة. [8] ـ «الامالي» للطوسيّ، ص 121، الطبعة الحجريّة. [9] ـ «الامالي» للطوسيّ، ص 121، الطبعة الحجريّة. [10] ـ «الخصال» ص 429، الطبعة الحروفيّة. [11] ـ «بشارة المصطفي» ص 159، الطبعة الثانية، النجف. [12] ـ «جامع الاخبار» ص 203، الفصل 137، الطبعة الحجريّة. [13] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 139، الطبعة الحروفيّة. [14] ـ الآية 54، من السورة 44: الدخان. [15] ـ الآيتان 48 و 49، من السورة 37: الصافّات. [16] ـ «تفسير الميزان» ج 19، ص 105. [17] ـ الآية 56، من السورة 55: الرحمن. [18] ـ «الميزان» ج 19، ص 145. [19] ـ «مجمع البيان» ج 1، ص 65، طبعة صيدا. [20] ـ «مجمع البيان» ج 3، ص 296. [21] ـ «مجمع البيان» ج 5، ص 411. [22] ـ «جامع الاخبار» ص 202، الفصل 137، الطبعة الحجريّة. [23] ـ «مجمع البيان» ج 5، ص 211. [24] ـ «مجمع البيان» ج 5، ص 211. [25] ـ الآية 198، من السورة 3: آل عمران. [26] ـ الآيات 20 تا 22، من السورة 9: التوبة. [27] ـ الآية 11، من السورة 65: الطلاق. [28] ـ فقد ورد في القرآن الكريم: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي´ أَنفُسُكُمْ (الآية 31، من السورة 41: فصّلت). [29] ـ إذ ورد في الروايات أنّ قطف ثمار الجنّة لا يستدعي صعود أشجارها، وحبّ المشتهي قطف ثمرة أن يمدّ يده إليها فيقطفها. والآيات القرآنيّة صريحة في هذا المعني: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. [30] ـ «رجال الكشّيّ» ص 177 و178، طبعة بمبي؛ وج 2، ص 552، من طبعة موسّسة آل البيت عليهم السلام. [31] ـ «علم اليقين» للفيض الكاشانيّ، ص 224، الطبعة الحجريّة بالقطع الوزيريّ. [32] ـ الآيتان 22 و 23، من السورة 75: القيامة. [33] ـ الآية 110، من السورة 18: الكهف. [34] ـ الآيات 27 إلي 30، من السورة 89: الفجر. [35] ـ الآية 127، من السورة 6: الانعام. [36] ـ «مجمع البيان» ج 2، ص 364. [37] ـ «كلّيّات سعدي الشيرازي» الغزليّات، ص 278، طبعة فروغي. يقول: «الحسناوات يتجمّلنَ بأسباب الزينة، لكنّك ـ يا ذات البدن النُحاسيّـ جميلة تُضفين علي وسائل الزينة حُسناً». [38] ـ الآية 189، من السورة 2: البقرة. [39] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 139، الطبعة الحروفيّة. [40] ـ «الكافي» ج 4، ص 30. [41] ـ «الامالي» للصدوق، ص 344، الطبعة الحجريّة. |
|
|