بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد السادس / القسم الاول: عدم تشخیص ساعة القیامة، ظهور اسم المحیی فی القیامة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع الی المجلد الخامس

المجلس‌ الخامس‌ والثلاثون‌:

المعاد حتمي‌ّ، والبعث‌ بواسطة‌ اسم‌ «المُحيي‌ّ»

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علي‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ساعة‌ القيامة‌ لا يمكن‌ أن‌ تكون‌ مشخصّة‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَيَقُولُونَ مَتَي‌' هَـ'ذَا الْوَعْدُ إِن‌ كُنتُمْ صَـ'دِقِينَ * قُل‌ لَّكُمْ مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّتَسْتَـخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ.[1]

 لقد كانوا يلحّون‌ بالسؤال‌: متي‌ تقوم‌ القيامة‌؟ وهو سؤال‌ خاطي‌ وكلامٌ لا معني‌ له‌، لانّ الذين‌ يتوفّون‌ في‌ هذه‌ الدنيا يردون‌ عالم‌ البرزخ‌ بمجرّد موتهم‌، فقيامتهم‌ الصغري‌ هي‌ ورودهم‌ إلی‌ البرزخ‌. ثمّ إنّهم‌ يمكثون‌ في‌ البرزخ‌ حتّي‌ تقوم‌ القيامة‌ الكبري‌، فيموتون‌ آنذاك‌ من‌ البرزخ‌ ويُبعثون‌ في‌ القيامة‌ الكبري‌. وهكذا فإنّ جميع‌ الذين‌ ماتوا وارتحلوا إلی‌ البرزخ‌، الواحد تلو الآخر، سينتقلون‌ من‌ البرزخ‌ إلی‌ عالم‌ الحشر والقيامة‌ الكبري‌.

 فإن‌ كان‌ الموت‌ هو المعنيّ بهذا السؤال‌ ( متي‌ هذا الوعد ) فإنّه‌ سيكون‌ سؤالاً فارغاً لا معني‌ له‌، إذ إنّ جميع‌ البشر يموتون‌ ويرحلون‌ عن‌ الدنيا في‌ ساعة‌ معيّنة‌، وسواءً كانت‌ تلك‌ الساعة‌ مشخصّة‌ للإنسان‌ أم‌ لم‌ تكن‌، فما علاقة‌ ذلك‌ بأصل‌ المطلب‌؟! وما الفائدة‌ في‌ هذا التشكيك‌؟ وإن‌ كانت‌ القيامة‌ هي‌ المراد بوعد الله‌، فهي‌ أساساً غير مشخّصة‌ وليست‌ قابلة‌ للتعيين‌ والتحديد بلحاظ‌ عرض‌ الزمان‌.

 افرضوا ـ علي‌ فرض‌ المحال‌ ـ أنّ النبيّ! الاكرم‌ يجيب‌ علي‌ هذا السؤال‌: ستقوم‌ القيامة‌ الكبري‌ بعد أربعين‌ ألفاً وخمس‌ وثلاثين‌ سنة‌ وثلاثة‌ أشهر وأربعة‌ أيّام‌؛ أفكنتم‌ ستقتنعون‌ بذلك‌؟ أم‌ كنتم‌ ستقولون‌: وهذا أيضاً أحد الاكاذيب‌ التي‌ يقولها، إذ إنّ أحداً لن‌ يمكنه‌ طي‌ّ هذه‌ الفترة‌ الزمنيّة‌ المديدة‌ خلال‌ عمره‌ المحدود،لذا فإنّ كذبه‌ لن‌ يفتضح‌ وسيكون‌ مفيداً وناجعاً للبسطاء والعوامّ السذّج‌.

 وهكذا سيُنكِر مَن‌ هو في‌ صدد الإنكار الامُور البديهيّة‌، ويكذّب‌ المعجزات‌ ويعزوها إلی‌ السحر. أفيقبل‌ امرؤ كهذا إخبار رسول‌الله‌ بهذه‌ المدّة‌ الطويلة‌ للقيامة‌؟ أبداً.

 وعلاوة‌ علي‌ هذا، فإنّ قيام‌ القيامة‌ هو العبور من‌ البرزخ‌ إلی‌ عالم‌ القيامة‌ الكبري‌، وليس‌ ذلك‌ زمناً.

 إنّ كلّ مَن‌ يرحل‌ عن‌ هذا العالم‌ يمتلك‌ سيراً طوليّاً صوب‌ الله‌ تعإلی‌، أي‌ أ نّه‌ سيحصل‌ علي‌ تجرّد من‌ المادّة‌ فيرد عالم‌ البرزخ‌ والصورة‌ ـعالم‌ البرزخ‌ والمثال‌ هو عالم‌ الصورة‌ـ وحين‌ تحين‌ القيامة‌ الكبري‌ فإنّه‌ سيموت‌ مرّة‌ أُخري‌ فيعبر من‌ البرزخ‌ والصورة‌ إلی‌ عالم‌ مجرّد عن‌ الصورة‌، وهو عالم‌ النَّفس‌. وليس‌ معني‌ التدرّج‌ والزمان‌ علي‌ هيئة‌ الزمان‌ المعهود لدنيا، بل‌ إنّ التدرّج‌ له‌ معنيً آخر هناك‌.

 الرجوع الي الفهرس

قدرة‌ الله‌ تعإلی‌ علي‌ حدٍّ سواء لا´حاد الخلقة‌

 وعلي‌ كلّ تقدير، فإنّ الله‌ سبحانه‌ قد أوضح‌ لنا بشواهد وأمثلة‌ أنّ القيامة‌ أمر حتمي‌ّ، وأنّ إحياء الموتي‌ ليس‌ أمراً عسيراً، بل‌ هو سهلٌ يسير، وإنّما يُحتسب‌ يُسر العمل‌ وعُسره‌ بالنسبة‌ إلی‌ الموجودات‌ التي‌ تمتلك‌ قدرة‌ محدودة‌. فإن‌ كان‌ العمل‌ الذي‌ ننتظره‌ منها ممكناً لها، وإن‌ كان‌ ضمن‌ تحمّلها وقدرتها ووسعها، كان‌ ذلك‌ العمل‌ سهلاً لها يسيراً، أمّا لو خرج‌ من‌ دائرة‌ قدرتها، صار صعباً عسيراً.

 وحين‌ يمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يحمل‌ خمسين‌ كيلو غراماً مثلاً، فإنّنا نقول‌ إنّ هذا العمل‌ يسير لديه‌؛ لكنّه‌ حين‌ ينوء بثقل‌ مائة‌ كيلو غرام‌، فإنّنا سنقول‌ إنّه‌ أمر عسير عليه‌ وفوق‌ قدرته‌ وطاقته‌.

 وإسطوانات‌ هذا المسجد ـ مثلاً ـ يمكنها تحمّل‌ ثقل‌ ثلاثين‌ طنّاً، وهو وزن‌ ضمن‌ حدود قدرتها وتحمّلها، بَيَد أ نّها ستعجز عن‌ تحمّل‌ ثقل‌ ثلاثين‌ ألف‌ طنّ. فإن‌ حمّلناها ثقلاً بهذا الوزن‌، فإنّ من‌ المسلّم‌ أ نّها ستنهار وتتداعي‌، وسيُقال‌ حينئذٍ لمثل‌ هذا الوزن‌ إنّه‌ يفوق‌ قدرتها ويتخطّي‌ حدود تحمّلها.

 وعليه‌ فإنّ تخطّي‌ مدي‌ القدرة‌ أو الكون‌ ضمن‌ حدودها، إنّما هو بالنسبة‌ للموجودات‌ التي‌ تمتلك‌ قدرة‌ مشخّصة‌ محدودة‌. أمّا بالنسبة‌ إلی‌ الله‌ سُبحانه‌ ذي‌ القدرة‌ اللامتناهية‌ الخارجة‌ عن‌ الحدّ والحدود، القدرة‌ التي‌ لاتُقاس‌ مُدّةً وعدّةً وشدّةً وكثرةً، فليس‌ هناك‌ من‌ معني‌ للسهل‌ والعسير إنّ قدرات‌ غير الحقّ جلّ وعلا متفاوتة‌ بلحاظ‌ الجهات‌ الماديّة‌ أو الملكوتيّة‌، الظاهريّة‌ والباطنيّة‌؛ يصدق‌ عليها جيّداً القياس‌ والمقارنة‌ والترتّب‌ في‌ درجات‌ معيّنة‌، كما يصدق‌ عليها عنوان‌ السهولة‌ والصعوبة‌. أمّا قدرة‌ الحقّ تعإلی‌ فغير متناهية‌، أي‌ أنّ جميع‌ القدرات‌ التي‌ تُفترض‌ مندكّة‌ في‌ قدرته‌. فكيف‌ يمكن‌ ـوالحال‌ هذه‌ـ تصوّر السهولة‌ والصعوبة‌؟ ما الذي‌ تعنيه‌ الصعوبة‌؟ وما الذي‌ تعنيه‌ السهولة‌؟ وما الذي‌ يعنيه‌ الاسهل‌؟ وما الذي‌ يعنيه‌ الاصعب‌؟

 ليس‌ هناك‌ أبداً من‌ سبيل‌ لهذه‌ المفاهيم‌، فهي‌ مفاهيم‌ إذا ما أرادت‌ التحقّق‌ وإيجاد مصداقها في‌ الذات‌ القدسيّة‌ للباري‌ تعإلی‌ شأنه‌ العزيز، فإنّها ستواجه‌ نفير الطرد والإبعاد والمنع‌.

 وعلي‌ ذلك‌، فإن‌ أراد الله‌ تعإلی‌ أن‌ يخلق‌ بعوضةً لا وزن‌ لها، أو أن‌ يخلق‌ فيلاً والذي‌ هو أثقل‌ الحيوانات‌ البرّيّة‌، فإنّه‌ يُعمل‌ قدرته‌ بدرجة‌ واحدة‌، أي‌ أنّ مشيئته‌ وإرادته‌ هي‌ نفس‌ إيجاده‌.

 كم‌ سيُعمل‌ الله‌ قدرته‌ حين‌ يوجِد جبل‌ « همالايا » أكثر من‌ إعماله‌ لها حين‌ يوجِد ذرّة‌ تراب‌ واحدة‌؟ الجواب‌: لا شي‌ء.

 إنّ نزول‌ قطرة‌ مطر واحدة‌ من‌ السماء، وإيجاد محيط‌ كبير ذي‌ أمواج‌ متلاطمة‌ هادرة‌ يحصلان‌ كلاهما بيد الله‌ تعإلی‌، فهو يوجدهما ويحرّكهما علي‌ منوال‌ واحد وأُسلوب‌ واحد. كما أنّ جميع‌ الموجودات‌، الصغير منها والكبير، المادّي‌ّ منها والمعنوي‌ّ، الملكي‌ّ والملكوتي‌ّ سواسية‌ بالنسبة‌ إلی‌ قدرته‌ كأسنان‌ المشط‌، كما أ نّها سواسية‌ كذلك‌ بالنسبة‌ إلی‌ علمه‌ وحياته‌.

 وهكذا فإن‌ إحياء الموتي‌ بالنسبة‌ للّه‌ كأصل‌ خلقهم‌ وبدئه‌، ليس‌هناك‌ أبداً من‌ صعوبة‌ أو سهولة‌، ولا عُسر وحرج‌، ولا يُسر ولا معاناة‌، ولامن‌ ثقل‌ وخفّة‌، ولا من‌ إمكان‌ واستحالة‌. كلّ ما هناك‌ إرادة‌ واحدة‌ فقط‌: إِنَّمَآ أَمْرُهُ و´ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًا أَن‌ يَقُولَ لَهُ و كُن‌ فَيَكُونُ. [2]

 لذا فقد ورد الخطاب‌ إلی‌ النبي‌ّ في‌ بعض‌ الآيات‌ بأن‌ يقول‌ لهم‌: لماذا تشكّكون‌ في‌ القيامة‌؟ لقد خلقكم‌ الله‌ من‌ عدمٍ محض‌، ثمّ إذا شاء أعاد خلقكم‌ من‌ جديد.

 وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. [3]

 إنّنا نري‌ في‌ أفهامنا وإدراكاتنا، بحسب‌ الاُنس‌ الذهنيّ، أنّ إيجاد شي‌ءٍ ما من‌ موجودات‌ متفرّقة‌، أسهل‌ من‌ إيجاد ذلك‌ الشي‌ء من‌ العدم‌ المحض‌. فانظروا في‌ خلق‌ الإنسان‌ وتصرّم‌ العمر؛ أكان‌ الإنسان‌ شيئاً في‌ الحقيقة‌؟ أبداً. فلقد خلق‌ الله‌ الإنسان‌ فطوي‌ مراتب‌ معيّنة‌، حتّي‌ صيّره‌ إنساناً فوهبه‌ عيناً وأُذماً وقلباً وفكراً وإحساسات‌ وتعقلاً. وهو أمر يبدو في‌ نظر الإنسان‌ أعسر بكثير من‌ إماتة‌ الإنسان‌، ثمّ جمع‌ ذرّاته‌ ـمهما تفرّقت‌ وتبدّدت‌ في‌ العالم‌ـ وإحيائه‌ من‌ جديد.

 ذلك‌ لانّ الإنسان‌ مهما كان‌ مفرّقاً مبدّداً، إلاّ أنّ هناك‌ شيئاً موجوداً منه‌ في‌ نهاية‌ الامر؛ وجَمْعُ الاشياء المتفرّقة‌ أسهل‌ من‌ أصل‌ الخلقة‌ حيث‌ أوجده‌ الله‌ دونما شي‌ء مُسبق‌، بل‌ من‌ العدم‌ المحض‌ الصرف‌. ولقد جاء التعبير بالهيّن‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌ تبعاً لإدراكاتنا ومشاعرنا، من‌ أجل‌ تقريب‌ ذهننا لهذا الامر، ولإزالة‌ عجب‌ الإنسان‌ ليصبح‌ تصديق‌ الامر سهلاً لديه‌. 

 الرجوع الي الفهرس

 بعث‌ الاموات‌ ليس‌ بأعجب‌ من‌ استيقاظ‌ أصحاب‌ الكهف‌

إنّ عليكم‌ أن‌ تعجبوا من‌ خلقكم‌ وصعوبته‌، أمّا إحياء الموتي‌ فليس‌أمراً عسيراً. أمّا في‌ حقيقة‌ الامر، فليس‌ هناك‌ من‌ تفاوت‌ أبداً. ثمّ إنّه‌ تعإلی‌ يضرب‌ لنا مثلاً بأصحاب‌ الكهف‌، وذلك‌ للاعتبار بهم‌ ولإجراء الحكم‌ المشابه‌ لهم‌ بين‌ سائر الناس‌:

 وَ كَذَ ' لِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُو´ا أَنَّ وَعْدَ اللَهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَرَيْبَ فِيهَآ. [4]

 ولقد كانت‌ قصّة‌ عجيبة‌ حقّاً، ولو أ نّها في‌ نظر الله‌ وفي‌ حقيقة‌ الامر وفي‌ نظر حكم‌ الامثال‌ والمشابهات‌ غير عجيبة‌ أصلاً.

 فلقد نام‌ أصحاب‌ الكهف‌ وكلبهم‌ ( ومجموعهم‌ ثمانية‌ نفر ) ثلاثمائة‌ وتسع‌ سنين‌ ثمّ استيقظوا، ثمّ جاء أحدهم‌ إلی‌ المدينة‌ ليشتري‌ طعاماً، ولم‌يكن‌ ليعلم‌ بما جري‌، فشاهد أنّ العالم‌ قد تغيّر وتبدّل‌، وأنّ المدينة‌ صارت‌ مدينة‌ أُخري‌ بأبنيةٍ مختلفة‌، ولاحظ‌ أن‌ لا وجود لافراد تلك‌ المدينة‌ الاُولي‌، فعجب‌ وتساءل‌: لقد نمنا ساعتين‌ أو ثلاثاً، فلماذا تبدّل‌ العالم‌! ولم‌يكن‌ ليدرك‌ أن‌ ثلاثمائة‌ سنة‌ شمسيّة‌ قد مرّت‌ عليهم‌ وهم‌ رقود، أي‌ ثلاثة‌ قرون‌ شمسيّة‌، وهو يعني‌ تصرّم‌ ستّة‌ أو سبعة‌ أو ثمانية‌ أجيال‌. فتأمّلوا: لو حصل‌ أن‌ ذهبتم‌ إلی‌ المنزل‌ ظهراً فرقدتم‌ ساعة‌ بعد تناولكم‌ الطعام‌ كعادتكم‌، فطال‌ نومكم‌ ثلاثمائة‌ سنة‌، ثمّ نهضتم‌ من‌ نومكم‌ بعد هذه‌ المدّة‌ في‌ يومٍ مشابه‌ للذي‌ نمتم‌ فيه‌ وفي‌ ساعة‌ تتقدّم‌ علي‌ التي‌ رقدتم‌ فيها بساعة‌ واحدة‌. فما الذي‌ كنتم‌ ستشاهدونه‌؟ أين‌ ستكون‌ زوجتكم‌؟ وأين‌ سيكون‌ أولادكم‌؟ لا أحد من‌ أعمامكم‌ وأبناء أعمامكم‌، ولا من‌ أبويكم‌، ولامن‌ سائر أرحامكم‌ ومعارفكم‌. وسيكون‌ أفراد آخرون‌ بدلاً منهم‌ قد ملاوا بيوت‌ المدينة‌. ومهما تكلّمتم‌ معهم‌ وذكّرتموهم‌ لم‌ يفهموا شيئاً، ثمّ إنّ النقود والعملة‌ صارت‌ عملة‌ أُخري‌.

 وهذه‌ الاُمور جميعاً في‌ حالة‌ أ نّهم‌ لم‌ يدفنوكم‌ تحت‌ الارض‌؛ إذ حين‌ ينقضي‌ زمن‌ بسيط‌ علي‌ موعد استيقاظ‌ المرء دون‌ أن‌ يستيقظ‌ ـفي‌ حالة‌ انعدام‌ حسّ الإنسان‌ وحركته‌ ونبض‌ قلبه‌ـ فإنّ عائلته‌ سيتصوّرون‌ أ نّه‌ قد مات‌، فيأخذونه‌ إلی‌ المغتسل‌ فيغسّلونه‌ ويكفّنوه‌ ويدفنوه‌.

 أمّا لو كان‌ له‌ حسّ وحركة‌، وكان‌ قلبه‌ ينبض‌ في‌ وهن‌، وباعتبار أ نّه‌ لايجيبهم‌ ولايستيقظ‌ من‌ نومه‌، فإنّهم‌ سيتصوّرون‌ أ نّه‌ مريض‌، فيصبّون‌ في‌ فمه‌ السوائل‌ بأمر الطبيب‌ ويضعون‌ له‌ الحقنة‌ حتّي‌ يموت‌.

 ولو جري‌ ذلك‌ في‌ أيّامنا هذه‌، لنقلوه‌ فوراً إلی‌ المستشفي‌ فغرزوا في‌ بدنه‌ حُقَن‌ الدواء، ولداروا به‌ من‌ هذه‌ الغرفة‌ إلی‌ تلك‌ لالتقاط‌ الصور الشعاعيّة‌ وللقيام‌ بالتحإلیل‌ الطبّيّة‌، ولربّما أجروا له‌ عمليّة‌ جراحيّة‌ أو عمليّتين‌ حتّي‌ يقتلون‌ ذلك‌ المسكين‌ حيّاً.

 ومن‌ ثمّ فلو حصل‌ ـ مثلاً ـ لبعض‌ أولياء الله‌ أن‌ صارت‌ له‌ حالة‌ خلع‌ في‌ هذه‌ الايّام‌، ولم‌ يكن‌ مرافقوه‌ يعلمون‌ بذلك‌، فما أحراهم‌ أن‌ يظنّونه‌ قد أسلم‌ الروح‌، فيأخذونه‌ إلی‌ المقبرة‌ ويدفنونه‌.

 وعلي‌ هذا الاساس‌، ولاجل‌ صون‌ أُولئك‌ الفتية‌ أصحاب‌ الكهف‌، فقد أخرجهم‌ الله‌ من‌ المدينة‌ وأنامهم‌ في‌ كهف‌ بحيث‌ لايطّلع‌ علي‌ أحوالهم‌ أحد، وإلاّ لقتلهم‌ أصدقاؤهم‌ فضلاً عن‌ أعدائهم‌. تماماً كالافراد الذين‌ يتّهمهم‌ الناس‌ هذه‌ الايّام‌، فإنّهم‌ لو كانوا أحراراً طليقين‌ لتعرّض‌ لهم‌ الناس‌ بسوء، فتقوم‌ الدولة‌ والحكومة‌ بنقلهم‌ إلی‌ مكان‌ آخر ـولو كان‌ ذلك‌ المكان‌ سجناًـ ليبقوا في‌ حرز ومأمن‌ من‌ أيدي‌ الناس‌. وهكذا فقد كان‌ الكهف‌ محلاَّ خإلیاً هادئاً لاستراحة‌ أُولئكم‌ دونما إزعاج‌.

 فانظروا لو صادف‌ أن‌ حصلت‌ لكم‌ قصّة‌ أصحاب‌ الكهف‌ وقصّة‌ ذلك‌ الذي‌ جاء إلی‌ المدينة‌ لشراء الطعام‌، فأدركتم‌ بعمق‌ ولمستم‌ أ نّكم‌ كنتم‌ طيلة‌ هذه‌ المدّة‌ المديدة‌ في‌ نوم‌ عميق‌. فكم‌ كان‌ ذلك‌ سيبدو لكم‌ عجيباً مدهشاً بحيث‌ إنّ قصّة‌ الموت‌ والإحياء لن‌ تفوقه‌ في‌ العجب‌ والغرابة‌، إذ ما الفرق‌ بين‌ النوم‌ والاستيقاظ‌ بعد ثلاثمائة‌ سنة‌، وبين‌ الموت‌ والبعث‌ من‌ جديد بعد ثلاثمائة‌ سنة‌؟ أَوَ ليس‌ النوم‌ موتاً؟ ولقد فعلنا ذلك‌ ليطّلع‌ الناس‌ علي‌ الوعد الحقّ الذي‌ قطعه‌ الله‌ ليوم‌ الجزاء.

 لقد سيطر بختنصّر ( نبوخذ نصّر ) علي‌ إلیهود فقتلهم‌ عن‌ آخرهم‌، وجاء في‌ التأريخ‌ أنّ الناس‌ كانوا قد خرجوا من‌ بيوتهم‌ وأماكنهم‌، فأدركهم‌ جيش‌ بختنصّر ( نبوخذ نصّر ) في‌ العراء فضرب‌ رقابهم‌ جميعاً، حيث‌ قتل‌ من‌ إلیهود سبعين‌ ألف‌ نفراً، وهذه‌ القصّة‌ مدوّنة‌ في‌ التواريخ‌. وكان‌ عزيرالنبي‌ّ قد فرّ من‌ يده‌ فتواري‌ في‌ عين‌ ماء وغاب‌ عن‌ الانظار إلاّ أ نّه‌ لم‌يمت‌، فقد حفظه‌ الله‌ تعإلی‌.

 ثمّ إنّ النبيّ إرْميا مرّ علي‌ تلك‌ الصحراء بعد سنوات‌ متمادية‌، وكانت‌ أجساد إلیهود قد تلاشت‌ ولم‌ يبقَ منها في‌ تلك‌ الصحراء إلاّ العظام‌ الملقاة‌، فشاهد عجباً، صحراء تملؤها عظام‌ مبدّدة‌ مشتّتة‌ متداخلة‌، فحار في‌ ذلك‌؛ قَالَ أَنَّي‌' يُحْيِ هَـ'ذِهِ اللَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا. [5] 

الرجوع الي الفهرس

 إحياء الطيور المذبوحة‌ علي‌ يد النبي‌ّ إبراهيم‌ الخليل‌ عليه‌ السلام‌

فأماته‌ اللهُ وحماره‌ معه‌، ثمّ أحياهما بعد مائة‌ عام‌، فشاهد إرميا بأُمّ عينيه‌ كيف‌ أ نّه‌ وحماره‌ كانا يرتديان‌ لباس‌ المادّة‌، وكيف‌ أنّ الاجزاء المشتّتة‌ كانت‌ تجتمع‌ فيكسوها اللحم‌، فأراه‌ الله‌ بذلك‌ كيفيّة‌ إحياء الموتي‌. ولقد طلب‌ النبيّ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ من‌ ربّه‌ أن‌ يعلم‌ الجهة‌ الفاعلة‌ وإعمال‌ القدرة‌ في‌ إحياء الموتي‌، فقال‌: كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَي‌'.[6]

 وهو غير سؤال‌ إرميا، فقد كان‌ سؤال‌ إرميا عن‌ نحو الفعل‌ بينما كان‌ سؤال‌ إبراهيم‌ عن‌ نحو الفاعل‌. ذلك‌ أ نّهم‌ يأخذون‌ المرء أحياناً إلی‌ المختبر فيرونه‌ تلك‌ المطالب‌ التي‌ قرأها، كما يحصل‌ أحياناً أن‌ يقولوا له‌: اعمل‌ بنفسك‌ وحقّق‌ بيدك‌ عمليّاً المطالب‌ العلميّة‌ واخلع‌ عليها رداء التحقّق‌. يقول‌ إبراهيم‌: ربّ أرني‌ كيف‌ تُحي‌ الموتي‌.

 ولقد بحثنا هذا الموضوع‌ في‌ المجلس‌ الخامس‌ والعشرين‌ تحت‌ عنوان‌ التحقّق‌ بوجه‌ الله‌، وسنقتصر في‌ البحث‌ الآن‌ ـلمزيد من‌ الوضوح‌ـ علي‌ الجهة‌ الفاعليّة‌ لإحياء الموتي‌.

 ربّ كيف‌ تُحي‌ الموتي‌؟ أريد أن‌ أفهم‌ ما هي‌ تلك‌ الجهة‌ الفاعلة‌ فيك‌ التي‌ تُحيي‌ بها الموتي‌.

 أوَ لم‌ تؤمن‌ بهذا الامر يا إبراهيم‌؟

 قال‌: بلي‌! أعلم‌ أ نّك‌ تحيي‌ الموتي‌ بقدرتك‌ الكاملة‌ وباسم‌ المحيي‌ الذي‌ هو من‌ أسمائك‌ الحُسني‌، ولكن‌ ليطمئنّ قلبي‌.

 فما الذي‌ كان‌ يعنيه‌؟ يعني‌ أ نّني‌ الآن‌ خلف‌ الستار، فأزحْ هذا الستار جانباً لاُشاهد دونما حجاب‌.

 ولقد كان‌ إبراهيم‌ نبيَّاً من‌ الانبياء أُولي‌ العزم‌ أصحاب‌ الشريعة‌ والكتاب‌، وقد حاز درجات‌ ومقامات‌، وطوي‌ مدارج‌ ومعارج‌، وسار في‌ عالم‌ الولاية‌ ووصل‌ إلی‌ الصفات‌ والاسماء الحسني‌، لكنّ جانب‌ الإحياء واسم‌ المُحيي‌ لم‌ يظهر بَعْدُ في‌ إبراهيم‌ نفسه‌، فلم‌ يُحيي‌ الموتي‌ بنفسه‌، ولم‌يكن‌ ليعلم‌ كيفيّة‌ إحياء الموتي‌ من‌ جهة‌ حيثيّتها الفاعلة‌.

 ذلك‌ أنّ أولياء الله‌ حين‌ يصلون‌ إلی‌ مقام‌ القرب‌، فإنّ جميع‌ أسماء الله‌ وصفاته‌ تتجلّي‌ في‌ وجودهم‌. وقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ قول‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌: وَأُحْيِ الْمَوْتَي‌' بِإِذْنِ اللَهِ. [7]

 ليس‌ الامر بأن‌ أقف‌ جانباً فأدعو: ربِّ أحيي‌ الموتي‌! فيستجيب‌ الله‌ فيُحيي‌ ميّتاً. بل‌ إنّني‌ أُحيي‌ الموتي‌ بنفسي‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌. أنا عبدٌ وكلّ حظّ وقوّة‌ في‌ّ إنّما هو من‌ عند الله‌، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَهِ، لكنّ العمل‌ عملي‌ أنا.

 افرضوا ـ مثلاً ـ أ نّني‌ أدعو وأنا جالسٌ هنا: يا إلهي‌! ليسقط‌ هذا القلم‌ عن‌ هذه‌ الورقة‌! فيستجيب‌ الله‌ الدعاء ويحصل‌ عمل‌ خارجي‌ّ، كأن‌ تهبّ ريحٌ أو يأتي‌ زيد فيضع‌ هذا القلم‌ علي‌ الارض‌، وآنذاك‌ فإنّ حركة‌ القلم‌ وسقوطه‌ علي‌ الارض‌ لم‌ يكونا بإرادتي‌ أنا. وقد يحصل‌ أحياناً أن‌ أرفع‌ القلم‌ بيدي‌ فأضعه‌ علي‌ الارض‌. فالفعل‌ في‌ الحإلین‌ هو فعل‌ الله‌ وقد حصل‌ بحوله‌ وقوّته‌، ولولا مشيئته‌ وإذنه‌ لما تحرّك‌ القلم‌ من‌ مكانه‌ إلی‌ ما بعد ألف‌ سنة‌. أمّا في‌ الحالة‌ الثانية‌ حيث‌ وضعتُ القلم‌ علي‌ الارض‌ بيدي‌ فإنّ الفعل‌ فعلي‌ ومنتسب‌ لي‌.

 لقد وصل‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ إلی‌ مقامات‌ وطوي‌ مدارج‌ معيّنة‌، لكنّ اسم‌ المحيي‌، أي‌ كيفيّة‌ الإحياء وتلك‌ القوّة‌ التي‌ تظهر في‌ أولياء الله‌ في‌ مقام‌ القرب‌ بواسطة‌ تجلّي‌ اسم‌ المُحيي‌ لم‌ تكن‌ قد ظهرت‌ فيه‌ بعدُ. وإجمالاً فإنّ إبراهيم‌ لم‌ يكن‌ قد قام‌ بنفسه‌ بإحياء الموتي‌. لذا فهو يسأل‌: كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَي‌؟

 أي‌ كيف‌ يتجلّي‌ فيك‌ هذا الاسم‌ فتُحيي‌ بواسطته‌ الميّت‌؟

 قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِن‌ بهذه‌ الحقيقة‌ يا إبراهيم‌؟ قال‌: بلي‌! آمنتُ، وأعلم‌ أ نّك‌ تقوم‌ بهذا العمل‌ باسمك‌ المقدّس‌، تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ وَعَلَتْ صِفَاتُكَ، لكنيّ أريد أن‌ أري‌ كما يري‌ التلميذ حين‌ يختبر بنفسه‌ في‌ المختبر ويري‌ رأي‌ العين‌. فقال‌ له‌ الله‌: فافعل‌ هذا العمل‌ بنفسك‌. خذ أربعة‌ من‌ الطير فاجعلهنّ يأنسن‌ إلیك‌، ثمّ اذبحهنّ واخلط‌ أوصالهنّ وضَعْ قدراً منهنّ علي‌ قمّة‌ كلّ جبل‌، ثمّ ادعهنّ فسيأتينّك‌ سعياً، واعلمْ آنذاك‌ أنّ الله‌ عزيزٌ حكيم‌. فأخذ إبراهيم‌ أربعة‌ طيور، وهي‌ علي‌ ما في‌ تفسير علي‌ّبن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ: الطاووس‌، الغراب‌، الحمامة‌ والديك‌؛ فطحنها معاً بحيث‌ تداخلت‌ جميع‌ ذرّاتها، ثمّ وزّع‌ أجزاءها علي‌ قمم‌ عشر جبال‌، فوضع‌ علي‌ كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً.

 فلتدعهنّ الآن‌ يا إبراهيم‌ بنفسك‌! ماذا يعني‌ ذلك‌؟ أي‌ ادعهنّ بنفسك‌ الملكوتيّة‌، فإنّهنّ سيجبنك‌ ويلبّين‌ نداءك‌.

 ومن‌ هنا، فإبراهيم‌ يُحيي‌ الموتي‌ لا نّه‌ لم‌ يعد إبراهيم‌، بل‌ حول‌الله‌ وقوّته‌، لاغير. ولقد ظهرت‌ إرادة‌ الله‌ ومشيئته‌ من‌ نافذة‌ نفس‌ إبراهيم‌، وصار لإبراهيم‌ الاسم‌ الاعظم‌، وظهر اسم‌ المحيي‌ في‌ وجوده‌ فعلاً.

 لقد تخطّي‌ إبراهيم‌ نفسه‌ خارجاً، وصار فانياً في‌ اسم‌ الحقّ، فليس‌هناك‌ من‌ إبراهيم‌ بعدُ، بل‌ هناك‌ الله‌ تعإلی‌ لا غير.

 ثمّ إنّ إبراهيم‌ أمسك‌ مناقير الطيور واحداً بعد آخر فناداها واحداً فواحداً: أ يّها الديك‌! تعالَ. أ يّها الغراب‌! تعالَ. أ يّها الطاووس‌! تعال‌. أيّتها الحمامة‌! تعإلی‌.

 فسبحت‌[8] ذرّات‌ كلّ واحد من‌ هذه‌ الطيور في‌ الهواء من‌ فوق‌ الجبال‌ العشر وجاءت‌ فلصقت‌ بمناقيرها في‌ يد إبراهيم‌، فنما اللحم‌ فوق‌ عظامها فوراً، ونما الريش‌ والاجنحة‌ فوق‌ اللحم‌، فصارت‌ الطيور الاربعة‌ كاملة‌ الخلقة‌ مستوية‌ أمام‌ إبراهيم‌.

 وعلي‌ كلّ حال‌، فقد كان‌ نداء إبراهيم‌ الملكوتيّ هو الذي‌ أحيا الطيور، ولقد أحيا إبراهيم‌ باسم‌ الله‌؛ واسم‌ الله‌ هو أمره‌ وإذنه‌ تعإلی‌.

 ولقد ورد في‌ الرواية‌ أنّ إبراهيم‌ جاء إلی‌ قمّة‌ جبل‌ أبي‌ قبيس‌ حين‌ بني‌ الكعبة‌ فأذّنَ في‌ الناس‌ بالحجّ، فأجابه‌ بالتلبية‌ كلّ من‌ سمع‌ نداءه‌ ولو كان‌ في‌ أصلاب‌ الآباء، فوفّق‌ للحجّ مَن‌ أجابه‌. فمنهم‌ مَن‌ لبّي‌ مرّة‌ واحدة‌، ومنهم‌ مَن‌ لبّي‌ مرّتين‌ فحجّ مرّتين‌. وهكذا فإنّهم‌ سيوفّقون‌ للحجّ ولزيارة‌ بيت‌الله‌ الحرام‌ بعدد تلبيتهم‌. ومن‌ الجلي‌ّ أنّ نداء إبراهيم‌ هذا كان‌ ملكوتيَّاً هو الآخر، وإلاّ لما سمعه‌ مَن‌ كان‌ في‌ أصلاب‌ الآباء. كما أن‌ التلبيات‌ كانت‌ ملكوتيّة‌ هي‌ الاُخري‌. ولقد وفّق‌ إلی‌ الحجّ كلّ مَن‌ لبّي‌ وأجاب‌. وإلاّ فإنّ التلبيات‌ الظاهريّة‌ ليس‌ لها تلازم‌ مع‌ التشرّف‌ بالحجّ.

 وهكذا فقد اطمأنّ إبراهيم‌، أي‌ أنّ ذلك‌ الاطمئنان‌ القلبي‌ّ! الذي‌ كان‌ ينشده‌ ويصبو إلیه‌ قد حصل‌ له‌، لا نّه‌ قد فعل‌ ما فعل‌ بيده‌ وإرادته‌.

 ولو تحقّق‌ أمرٌ ما في‌ وجود الإنسان‌، فلمسه‌ الإنسان‌ وشاهده‌، لانقلب‌ بالطبع‌ من‌ مقام‌ التردّد والشكّ أو عدم‌ الاطمئنان‌ علي‌ أقلّ تقدير، إلی‌ مقام‌ إلیقين‌ والاطمئنان‌.

 ولو قلتَ: إنّني‌ لايمكنني‌ أن‌ أفهم‌ كيف‌ يُضي‌ء هذا المصباح‌ الكهربائي‌ّ!

 فقلنا: إنّ التيّار الكهربائيّ يجب‌ أن‌ يسير في‌ السلك‌؛ والكهربائيّة‌ نولّدها بواسطة‌ أمر فيزيائيّ أو كيميائي‌ّ، كالحركة‌ والاحتكاك‌ أو الفعل‌ والانفعال‌، أي‌ أ نّنا نوجد قطبين‌ كهربائيّين‌ موجباً وسالباً بواسطة‌ مولّد أو بطّاريّة‌، بحيث‌ يحصل‌ كذا وكذا... وهكذا نشرح‌ جميع‌ ذلك‌ ونرسم‌ دائرته‌ الكهربائيّة‌، ثمّ نقول‌: أفصدّقتَ الآن‌؟

 الرجوع الي الفهرس

 معجزات‌ الانبياء تظهر من‌ نفوسهم‌ بإذن‌ الله‌ تعإلی‌

وستجيب‌: لقد صدّقتُ، ولكن‌ لم‌ يحصل‌ لي‌ إلیقين‌ واطمئنان‌ الخاطر.

 فنقول‌: هاتِ بنفسك‌ أيّها السيّد وعاءً فاسكب‌ فيه‌ قدراً من‌ محلول‌ الآمُونِيَّة‌، ثمّ ضع‌ فيه‌ قطعتي‌ فحم‌ الغرافيت‌ بعنوان‌ قطبينِ، ثمّ صِل‌ الفحمتين‌ بسلكينِ، وصِلْهما بمصباح‌، وضع‌ مفتاحاً للوصل‌ في‌ طريقهما، فستري‌ أنّ المصباح‌ سيتوهّج‌. وها أنت‌ تنجز هذه‌ الاعمال‌ بيدك‌، فتري‌ أنّ المصباح‌ يتوهّج‌. إنّ جميع‌ معجزات‌ الانبياء، من‌ إحياء الموتي‌، وشفاء الكُمْه‌ الذين‌ وُلدوا عُمياناً. وشفاء البرص‌، وإلید البيضاء، وقلب‌ العصا ثعباناً وشقّ القمر، وغير ذلك‌، كانت‌ بأجمعها غير خارجة‌ من‌ دائرة‌ إرادتهم‌ ونفوسهم‌. ولم‌ يكن‌ الامر بحيث‌ إنّهم‌ يعتبرون‌ أنفسهم‌ منفصلين‌ عن‌ الحول‌ والمشيئة‌ الإلهيّة‌، ثمّ يدعون‌: إلهي‌! شُقَّ القمر! واقلب‌ هذه‌ العصا ثعباناً! وسلِّط‌ هذا الاسد المنقوش‌ علي‌ السِّتار علي‌ مهرّج‌ المأمون‌! فيقوم‌ الله‌ تعإلی‌ باستجابة‌ دعائهم‌ خارج‌ مَجلي‌ ومَجري‌ نفوسهم‌، بل‌ إنّ المعجزات‌ تتجلّي‌ من‌ جهة‌ نفوسهم‌. فلقد أشار النبيّ فانشقّ القمر نصفينِ، وتكلّم‌ مع‌ الحصي‌ في‌ كفّه‌. ولقد جاء أمير المؤمنين‌ إلی‌ المقبرة‌ بناء علي‌ طلب‌ شابّ حديث‌ العهد بالإسلام‌ قَدِم‌ من‌ أماكن‌ بعيدة‌ راغباً في‌ الحديث‌ مع‌ أبيه‌ المتوفّي‌، فأمر أميرُ المؤمنين‌ فانشقّ القبر وخرج‌ منه‌ شيخٌ ينفض‌ التراب‌ عن‌ وجهه‌ ورأسه‌، فتحدّث‌ مع‌ ابنه‌ عدّة‌ جملات‌.

 كما أنّ الشخص‌ ذا النفس‌ الطاهرة‌ والروح‌ الطيّبة‌، حين‌ يذهب‌ لعيادة‌ مريض‌ فيرغب‌ في‌ شفائه‌ أشدّ الرغبة‌، فإنّه‌ يشفي‌ فوراً بتأثير تلك‌ النفس‌ الطاهرة‌ بإذن‌ الله‌ تعإلی‌. والشخص‌ الذي‌ يحسد الطفل‌ فيمرض‌ الطفل‌ أو يموت‌، إنّما يفعل‌ ذلك‌ لنفسه‌ الخبيثة‌ الدنسة‌، حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ الطفل‌ ابنه‌، فالموت‌ والمرض‌ وسوء الحظّ وأمثالها هي‌ من‌ آثار النفوس‌ الخبيثة‌. كما أنّ تأثير النفوس‌ في‌ البركة‌ والعافية‌ والصحّة‌ وطول‌ العمر يحصل‌ بواسطة‌ طهارة‌ تلك‌ النفوس‌.

 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي‌ الاْرْضِ. [9]

 إنّ آثار السوء تذهب‌ كالزبد الذي‌ يعلو الماء، وأمّا ما ينفع‌ الناس‌ ويصلهم‌ بالخير والرحمة‌ فيبقي‌ ويمكث‌ في‌ الارض‌. وجميع‌ هذه‌ التأثيرات‌ والتأثّرات‌ التي‌ نشاهدها في‌ العالم‌ متعلّقة‌ بالنفوس‌، بَيدَ أ نّها تحصل‌ بإذن‌ الله‌ تعإلی‌، ذلك‌ لانّ أيّ موجود لايرتدي‌ رداء الوجود في‌ ذاته‌ وفي‌ فعله‌ وفي‌ أثره‌ إلاّ بإذن‌ الله‌ سُبحانه‌.

 وليس‌ هذا الإذن‌ إذناً اعتباريّاً كسائر العقود والعهود التي‌ تحصل‌ في‌ عالم‌ الدنيا والاعتبار. كأن‌ يقول‌ الإنسان‌: إلَهي‌ اسْتَجَزْتُ مِنْكَ؛ فيجيبه‌: عَبْدِي‌ أَجَزْتُ لَكَ؛ بل‌ هو إذن‌ تكوينيّ وحقيقيّ في‌ النفوس‌، مِن‌ أثره‌ إمكان‌ تأثير النفوس‌ في‌ المُجاز.

 إنّ النفس‌ تقع‌ في‌ ظرف‌ التكوين‌ والواقعيّة‌ في‌ مرحلةٍ بحيث‌ تتجلّي‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعإلی‌، لهذا السبب‌ في‌ تلك‌ المرحلة‌، بحيث‌ ترتدي‌ إرادة‌ حضرته‌ بهذه‌ الوسيلة‌ والمفتاح‌ لباس‌ الوجود خارجاً. فاذهب‌ وكُن‌ مجرّداً لتري‌ المجرّد ولتعمل‌ المجرّد؛ وهو إشارة‌ إلی‌ تحقّق‌ حالة‌ الانقطاع‌ هذه‌ في‌ النفوس‌.

 نحن‌ الآن‌ جالسون‌ في‌ المسجد بأجمعنا، فنحن‌ نري‌ كلّ شي‌ء، ونتطلّع‌ إلی‌ جميع‌ الاءصدقاء والإخوة‌ في‌ الدين‌، لكنّنا لانري‌ أنفسنا. أفنري‌ طلعتنا يا تري‌؟ كلاّ.

 ومع‌ أنّ جميع‌ شرائط‌ الإبصار موجودة‌، فلدينا أعين‌، والمصباح‌ مضاء، لكنّنا ننظر فلا نري‌ أنفسنا. وننظر إلی‌ هذا المِذْياع‌ فلانري‌ أنفسنا؛ وننظر إلی‌ صفحة‌ الورقة‌، وإلی‌ البساط‌، وإلی‌ السقف‌، فلا نري‌ أنفسنا. أمّا حين‌ ننظر إلی‌ حجر المرمر المتلإلی‌ هذا فإنّنا نري‌ أنفسنا.

 لماذا؟ لانّ هذا الحجر قد اكتسب‌ فعليّة‌ تجلّي‌ وعكس‌ الإشعاع‌ بواسطة‌ بروز قابليّته‌ واستعداده‌، فإن‌ زِيد في‌ صقله‌ قدراً، تبدّل‌ إلی‌ صفحة‌ مرآة‌ نري‌ فيها أنفسنا بصورة‌ كاملة‌. وهكذا فإنّ أحد شروط‌ الإبصار والرؤية‌ قابليّة‌ عكس‌ الشعاع‌.

 ولو كان‌ هذا البساط‌ الملقي‌ علي‌ الارض‌ في‌ شرائط‌ معيّنة‌، فاستطعنا صقله‌ ليتلالا كالمرآة‌، لارانا هذا البساط‌ طلعتنا هو الآخر. ولارانا إيّاها الكتاب‌، والمِذْياع‌ أيضاً، وجميع‌ الاشياء التي‌ تُحاذينا وتقابل‌ وجوهنا.

 إنّ الموجودات‌ التي‌ خلقها الباري‌ تعإلی‌ مظهرة‌ لقدرة‌ وعظمة‌ وعلم‌ وحياة‌ الحضرة‌ الابديّة‌ كلاّ بحسب‌ سعة‌ ماهيّته‌ وقابليّته‌، وعلي‌ الاخصّ نفس‌ الإنسان‌ التي‌ خلقت‌ بقابليّة‌ أكثر بحيث‌ إذا ما تنوّرت‌ بنور العلم‌ والتقوي‌ والتزكية‌، وتخطّت‌ غرورها ونظرها إلی‌ نفسها فصارت‌ تري‌ الحقّ، فإنّها تستطيع‌ بواسطة‌ الصفاء الذي‌ ستكتسبه‌ أن‌ تكون‌ عاكسة‌ للاسماء والصفات‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌، وباعتبارها مصفّاة‌ من‌ الاكدار النفسانيّة‌، فإنّ الاعمال‌ التي‌ تصدر منها ستكون‌ طاهرة‌ نقيّة‌ مائة‌ في‌ المائة‌.

 ومن‌ هذا القبيل‌ معجزات‌ الانبياء والائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ وكرامات‌ أولياء الله‌، فهذه‌ المعجزات‌ منتسبة‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ عين‌ انتسابها واستنادها إلی‌ أُولئك‌ الانبياء. ومن‌ ثَمّ فإنّ الفعل‌ له‌ نسبتان‌، فله‌ ـبلحاظ‌ نزوله‌ من‌ جهة‌ منبع‌ الجود وأصل‌ الجودـ اختصاص‌ حقيقيّ بالذات‌ القدسيّة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌، أمّا بلحاظ‌ عبوره‌ من‌ هذه‌ الجهة‌ والنافذة‌ النفسانيّة‌ وكونه‌ محدوداً بهذا العدّ ومقيّداً بهذا القيد، فإنّه‌ مستند لصاحب‌ ذلك‌ الفعل‌ كزيد وعمرو والانبياء والاولياء وغيرهم‌.

 يقول‌ المرحوم‌ الحكيم‌ السبزواريّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ في‌ استناد أفعال‌ الإنسان‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌، وذلك‌ في‌ مبحث‌ « عموم‌ قدرته‌ تعإلی‌ لكلّ شي‌ء »:

 1 ـ وَالشَّي‌ءُ لَمْ يُوجَدْ مَتَي‌ لَمْ يُوجَدَا         وَبِاخْتِيَارٍ اخْتِيَارٌ مَا بَدَا

 2 ـ وَكَيْفَ فِعْلُنَا إلینَا فُوِّضَا         وَإِنَّ ذَا تَفْوِيضُ ذَاتِنَا اقْتَضَي‌

 3 ـ إِذْ خُمِّرَتْ طِينَتُنَا بِالمَلَكَة‌         وَتِلْكَ فِينَا حَصَلَتْ بِالحَرَكَةْ

 4 ـ لَكِنْ كَمَا الوُجُودُ مَنْسُوبٌ لَنَا         فَالفِعْلُ فِعْلُ اللَهِ وَهُوَ فِعْلُنَا [10]

 1 ـ إنّ الاشياء ما لم‌ تكن‌ موجودة‌، فلن‌ يمكنها أن‌ توجِد أثراً أو فعلاً منها. ( وعليه‌ فحين‌ يكون‌ أصل‌ وجود الإنسان‌ وسائر الموجودات‌ غيريّاً ومختصّاً ومرتبطاً بذات‌ الحقّ تعإلی‌، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ لايكون‌ أثرها وفعلها غيريّاً، وأن‌ لايتعلّق‌ بذات‌ الحضرة‌ القيّوميّة‌؟ ) كما أنّ اختيارنا لايمكن‌ أن‌ يكون‌ مستنداً إلی‌ اختيار الغير.

 2 ـ وكيف‌ تكون‌ أفعالنا مفوّضة‌ إلینا؟ أَوَ لن‌ يكون‌ ذلك‌ تفويضاً لذاتنا؟ وهو أمرٌ مسلّم‌ البطلان‌!

 3 ـ ذلك‌ لانّ طينتنا قد خُمّرت‌ بملكاتنا، وجليٌّ أنّ ملكاتنا قد ظهرت‌ فينا بواسطة‌ تكرّر الحركات‌ والسكنات‌، فإن‌ كانت‌ الحركات‌ قد فُوّضت‌ إلینا، فإنّ الملكات‌ ـالتي‌ هي‌ نتيجة‌ الافعال‌ـ ستكون‌ بالطبع‌ والملازمة‌ قد فُوّضت‌ إلینا هي‌ الاُخري‌، وستكون‌ طينتنا ـمن‌ ثَمّـ قابلةً للتفويض‌، وهو أمر خاطي‌.

 4 ـ فلا يظنّنّ أحد أنّ هذا الامر مقتضٍ للجبر، لا نّنا في‌ مقام‌ نقض‌ التفويض‌.

 ولإيضاح‌ المطلب‌ وبيان‌ حقيقة‌ الامر نقول‌ إنّ أفعالنا ووجوداتنا تنسب‌ إلینا، وتُنسب‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌. وإنّ الفعل‌ في‌ عين‌ كونه‌ فعلنا، فإنّه‌ كذلك‌ فعل‌ الحيّ القيّوم‌ تعإلی‌.

 إنّ الإنسان‌ من‌ بين‌ أفراد الموجودات‌ له‌ القابليّة‌ والقوّة‌ لتحقّق‌ الاسم‌ الاعظم‌ للحقّ، لذا فهو يجلّي‌ ظهورات‌ الحقّ تعإلی‌ أكثر من‌ باقي‌ الموجودات‌، وخاصّة‌ الانبياء العظام‌ والائمّة‌ الكرام‌، وبالاخصّ الوجود المبارك‌ لرسول‌الله‌ محمّدبن‌ عبدالله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، فهو المصداق‌ الاعلي‌ والمرآة‌ الاتمّ والاكمل‌ لاسماء الله‌ وصفاته‌ الكلّيّة‌، حقّقها بأجمعها في‌ نفسه‌ وأوصلها إلی‌ الفعليّة‌. يقول‌ المرحوم‌ الحكيم‌ السبزواريّ قدّس‌الله‌ سرّه‌ في‌ هذا الشأن‌:

 وَكَمَا أُوتِي‌ جَوَامِعَ الكَلِمِ التَّدْوِينِيّ، كَذَلِكَ أُوتِيَ لِوُجُودِهِ الَّذِي‌ هُوَ رَحْمَةٌ لِلعَالَمِينَ جَوَامِعَ الكَلِمِ التَّكْوِينِيّ، كَيْفَ لاَ.

 آنكه‌ شد اوّل‌ پديد از جيب‌ غيب‌         بود نور پاك‌ او بي‌هيچ‌ ريب‌

 بعد از آن‌ آن‌ نور مطلق‌ زد عَلَم        ‌ گشت‌ عرش‌ وكرسي‌ و لوح‌ وقلم‌

 يك‌ عَلَم‌ از نور پاكش‌ عالم‌ است‌         يك‌ عَلَم‌ ذرّيّت‌ است‌ وآدم‌ است‌ [11]

 أجل‌، حين‌ تتجلّي‌ هذه‌ المعاني‌ في‌ الإنسان‌ فإنّه‌ يصبح‌ إنساناً كاملاً، أي‌ أنّ جميع‌ جهات‌ قابليّته‌ ستعصل‌ إلی‌ الفعليّة‌، فتصبح‌ أرجاء مرآة‌ وجوده‌ مُظهراً للّه‌ تعإلی‌.

 وما أجمل‌ ما أنشد العارف‌ الجامي‌ّ:

 تا بـود بـاقـي‌ بـقـايـاي‌ وجـود         كي‌ شود صاف‌ از كدر جام‌ شهود

 تا بود پيوند جان‌ و تن‌ بجاي‌         كي‌ شود مقصود كلّ بُرقع‌ گشاي‌

 تا بود قالب‌ غبار جشم‌ جان        ‌ كي‌ توان‌ ديدن‌ رخ‌ جانان‌ عيان‌ [12]

 وعلي‌ كلّ حال‌ فإنّ كيفيّة‌ تجلّي‌ ذات‌ الحقّ ليس‌ مختصّاً بالملائكة‌ والانبياء والاولياء والإنسان‌، بل‌ إنّ كلّ موجود يرتدي‌ رداء الوجود أو يُظهر من‌ نفسه‌ أثراً، إنّما يفعل‌ ذلك‌ إثر تجلّي‌ وظهور ذات‌ الحقّ تعإلی‌ في‌ ذلك‌ الموجود.

 وعلي‌ سبيل‌ المثال‌ فأنا الآن‌ مشغول‌ في‌ الحديث‌، وهذا التحدّث‌ هو إذن‌ الله‌ تعإلی‌ فيّ، وإلاّ لما تحرّكت‌ شفتي‌. فما الذي‌ يعنيه‌ الإذن‌؟ أهو بمعني‌ أنّ الله‌ قد قال‌ لي‌: إنّي‌ أُجيزك‌ بالحديث‌. فأجبتُه‌ بالقبول‌ لفظاً؟ كلاّ، ليس‌ هذا معني‌ الإذن‌، وإلاّ فإنّنا نري‌ الكثيرين‌ يعملون‌ دون‌ هذا الإذن‌ اللفظي‌ّ، فيجب‌ ـإذن‌ـ أن‌ يكون‌ عمل‌ أُولئكم‌ دون‌ إذن‌ الله‌ تعإلی‌. مع‌ أ نّنا نعلم‌ أنّ ورقة‌ لا تسقط‌ من‌ الشجرة‌ دون‌ إذنه‌ سبحانه‌. فمعني‌ الإذن‌ هو أنّ الله‌ قد خلقنا ومَنّ علينا بالإدراكات‌، وخَلَق‌ أجزاء بدننا وأعضاءنا وجوارحنا، وعيّن‌ قوانا وقابليّاتنا بحيث‌ إنّ هذه‌ الجهات‌ والمعاني‌ يمكنها في‌ شرائط‌ خاصّة‌ أن‌ تدرك‌ المعاني‌ الكلّيّة‌ بإذن‌ الله‌ وتجلّيه‌ وبقوّته‌ وحوله‌ ورحمته‌، وأن‌ تصبّ تلك‌ المعاني‌ ـمن‌ ثَمّـ في‌ قالب‌ الالفاظ‌، فتلقيها بصورة‌ منتظمة‌ مرتّبة‌. واللهُ في‌ كلّ حال‌ مهيمن‌ علي‌ جميع‌ هذه‌ الاُمور، تفيض‌ هذه‌ المعاني‌ وهذه‌ الالفاظ‌ من‌ معدن‌ وجوده‌ وعلمه‌ علي‌ هذا الفكر، فتسري‌ إلی‌ الخارج‌.

 هذا هو معني‌ الإذن‌، ولولا ذلك‌ لما كان‌ للشفة‌ قدرة‌ علي‌ الحركة‌ ولو انقضي‌ عليها ألف‌ سنة‌، فهي‌ قد تحرّكت‌ حين‌ تحركت‌ بإذن‌ الله‌. فما الذي‌ يعنيه‌ ذلك‌؟

 أي‌ أ نّه‌ ما لم‌ تحصل‌ جميع‌ الاسباب‌ والشروط‌ التي‌ قرّرها الله‌سبحانه‌ ومالم‌ تتعلّق‌ إرادته‌ تعإلی‌ بإيجاد موجود من‌ هذه‌ الاسباب‌ والشرائط‌ والمقدّمات‌، لما حصل‌ إذنه‌ سبحانه‌.

 افرضوا أ نّنا نضع‌ ساعة‌ ونضع‌ لها زجاجة‌ وعجلة‌ مسنّنة‌ ورقّاصاً وعقرباً ولولباً، ونراعي‌ في‌ صنعها جميع‌ الجهات‌، لكنّ هذه‌ الساعة‌ لاتتحرّك‌، فلماذا يا تري‌؟ ذلك‌ لانّ أحد المسامير اللولبيّة‌ لم‌يثبّت‌ جيّداً بعدُ، وحين‌ يتوفّر ذلك‌ الشرط‌ الاخير فيُحكم‌ برم‌ المسمار اللولبيّ فإنّ الساعة‌ ستبدأ بالعمل‌.

 كما أنّ جهاز المذياع‌ لا يعمل‌ ولاينقل‌ لنا خبراً، وذلك‌ لخلل‌ فنّي‌ فيه‌، فهناك‌ سلك‌ مقطوع‌ فيه‌، وحين‌ يُعاد وصل‌ ذلك‌ السلك‌، فإنّ جميع‌ الاسباب‌ والشرائط‌ ستؤثّر من‌ حيث‌ المجموع‌ في‌ ذلك‌ المفعول‌، فيحصل‌ ذلك‌ القصد والنتيجة‌.

 هذا هو إذن‌ الله‌، أي‌ السُّنة‌ الحتميّة‌ والناموس‌ الذي‌ وضعه‌ بحيث‌ يظهر الاثر تبعاً له‌؛ وهذه‌ هي‌ حقيقة‌ تجلّي‌ الله‌ وظهوره‌ وإذنه‌. فقد كانت‌ في‌ هذا المذياع‌ بحيث‌ إنّ الاسباب‌ والشرائط‌ يجب‌ أن‌ تنظّم‌ بحيث‌ تُبدّل‌ الموجة‌ إلی‌ صوت‌، فيمنحُنا صوتاً مسموعاً من‌ جنس‌ الملفوظ‌.

 فهذا الصوت‌ ـ إذن‌ ـ هو صوت‌ الله‌. وليس‌ معني‌ ذلك‌ أ نّه‌ قد جاء بصوت‌ الله‌ من‌ مكان‌ آخر فمنحنا إيّاه‌ في‌ الخارج‌، بل‌ إنّ نفس‌ هذا الصوت‌ هو صوت‌ الله‌ وظهور الله‌، وقد ظهر بهذه‌ الوسيلة‌ وبهذه‌ الكيفيّة‌ في‌ هذه‌ الآلة‌.

 الرجوع الي الفهرس

كيفيّة‌ تجلّي‌ نور الحقّ في‌ الشجرة‌، ونداء: إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ

 لقد كان‌ موسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ السلام‌ يسير في‌ عمق‌ الصحراء. في‌ ذلك‌ الليل‌ البهيم‌ المدلهم‌، وفي‌ الجوّ البارد القارس‌، يطلب‌ ناراً لزوجته‌ التي‌ جاءها المخاض‌ وانتابتها آلام‌ الطلق‌، وحيداً فريداً لامعين‌ له‌ ولاناصر، بلاطعام‌ ولا دواء، ولا ماء ولا نار، يسير حائراً هنا وهناك‌، قد انقطعت‌ عنه‌ جميع‌ الاسباب‌، فحصلت‌ له‌ حالة‌ الاضطرار والالتجاء الحقيقي‌ّ لذا فقد تجلّي‌ نور الله‌ في‌ الشجرة‌، فصدر منها نداء: يَـ'مُوسَي‌'´ إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ. [13]

 يقول‌ البعض‌: إنّ الله‌ قد خلق‌ نوراً في‌ تلك‌ الشجرة‌ وأوجد صوتاً: إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ. فماذا يعني‌ ذلك‌؟ أكان‌ ذلك‌ الصوت‌ صورتاً مسموعاً ملفوظاً؟ أين‌ أوجد؟ إنّ الشجرة‌ لن‌ يتحقّق‌ فيها إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ بمجرّد إيجاد صوت‌ فيها من‌: إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ. فلمن‌ ـ يا تري‌ ـ يعود الضمير في‌ «إِنِّي‌»؟ وكيف‌ يمكن‌ قبول‌ هذا الكلام‌؟

 تقول‌ الشجرة‌: إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ. وصوت‌ الله‌ يأتي‌ منها لامن‌ شجرة‌ أُخري‌، قد استتر نفسه‌ خلف‌ الستار وأوجد الكلام‌ في‌ الشجرة‌ مجازاً. لقد كانت‌ هذه‌ الشجرة‌ تجلّي‌ الله‌. أفكانت‌ مأمورةً للّه‌ أم‌ لا؟ أكانت‌ مأذونةً من‌ قبل‌ الله‌ أم‌ لا؟

 إنّ جميع‌ وجود الشجرة‌، ظاهرها وسرّها، جذورها وأوراقها، وجميع‌ ذرّات‌ وجودها وقطرات‌ الماء المتحرّك‌ داخلها هو بأجمعه‌ في‌ قبضة‌ الله‌ وفي‌ قدرته‌ وعلمه‌، وكان‌ ظهوراً للّه‌ وتجلٍّ له‌. كما أنّ الله‌ سبحانه‌ حقّاً وحقيقةً أقرب‌ إلی‌ هذه‌ الشجرة‌ من‌ كلّ ذرّة‌ فيها؛ الله‌ أوّلاً ثمّ هذه‌ الشجرة‌؛ الله‌ مع‌ هذه‌ الشجرة‌ وقبل‌ هذه‌ الشجرة‌ وبعدها. كلّ ذرّة‌ من‌ هذه‌ الشجرة‌ قائمة‌ بالله‌ أوّلاً ثمّ بنفسها، بل‌ قُل‌ إنّها قائمة‌ بالله‌ أوّلاً وبالله‌ آخراً، فهذه‌ الشجرة‌ هي‌ بنفسها آية‌ للّه‌ ومُظهرة‌ له‌، فهي‌ تُشير: إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ.

 وما أجمل‌ قول‌ الحكيم‌ السبزواريّ:

 شورش‌ عشق‌ تو در هيچ‌ سري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌         منظر روي‌ تو زيب‌ نظري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 چشم‌ ما ديدة‌ خفّاش‌ بود ورنه‌ ترا         پرتو حسن‌ به‌ ديوار و دري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 موسئي‌ نيست‌ كه‌ دعويّ أنا الحقّ شنود         ورنه‌ اين‌ زمزمه‌ در هر شجري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌ [14]

 وما أروع‌ إنشاد العارف‌ الشبستري‌ّ:

 روا باشد أنا الله‌ از درختي‌         چرا نبود روا از نيكبختي‌ [15]

 كما استهشد السبزواريّ بهذين‌ البيتينِ:

 غافل‌ از خويش‌ خدا مي‌طلبي‌         اي‌ غلط‌ كرده‌ كرا مي‌طلبي‌

 مخزن‌ گنج‌ معاني‌ دل‌ تست‌         مقصد هر دو جهان‌ حاصل‌تست‌ [16]

 إنّ هناك‌ في‌ هذا المسجد حإلیاً آلاف‌ الامواج‌ الصوتيّة‌ قادمة‌ من‌ أطراف‌ الدنيا وأكنافها، إذ إنّ أجهزة‌ البثّ منهمكة‌ في‌ البثّ، لكنّنا لانسمع‌ أيّاً منها، وعلينا أن‌ نجلب‌ جهاز استلام‌ وننظّم‌ محوّلته‌ مع‌ طول‌ تلك‌ الموجة‌ الخاصّة‌ لتصبح‌ مسموعة‌، فإن‌ فعلنا ذلك‌ سمعنا وإلاّ فلا.

 ومن‌ ثَمّ فإنّنا لا نستطيع‌ القول‌ الآن‌ بعدم‌ وجود صوت‌ في‌ هذا المسجد، فهناك‌ صوت‌ فعلاً إلاّ أ نّنا لانسعمه‌.

 يقول‌ الشاعر: ليس‌ هناك‌ من‌ موسي‌ ليسمع‌ نداء الحقّ، وإلاّ فإنّ هذا النداء موجود في‌ كلّ شجرة‌، بل‌ في‌ كلّ موجود. فليست‌ في‌ تلك‌ الشجرة‌ خصوصيّة‌ معيّنة‌، بل‌ هي‌ شجرة‌ كسائر الاشجار؛ وجميع‌ أشجار العالم‌ هي‌ مركز تجلّي‌ الله‌ تعإلی‌ ومركز نور الحقّ وظهوره‌، وآيات‌ لاسماء الله‌ وصفاته‌، غاية‌ الامر أنّ ذلك‌ الذي‌ يسمع‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ موسي‌. وحين‌ يصبح‌ الإنسان‌ موسي‌ فإنّه‌ سيسمع‌ ذلك‌ الصوت‌، سواء من‌ تلك‌ الشجرة‌ أم‌ من‌ شجرة‌ أُخري‌.

 لقد تحقّقت‌ في‌ وجود موسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ الصلاة‌ والسلام‌، بسبب‌ الصفاء والطهارة‌ والتزكية‌، شرائطُ تحقّق‌ تجلّيات‌ نور التوحيد، فشاهد توحيد الحقّ تعإلی‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلّ شي‌ء لا إله‌ إلاّ الله‌؛ والتهليلات‌ الواردة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 فانظروا إلی‌ ما يقوله‌ القرآن‌ وإلی‌ ما يبيّنه‌ رسولنا من‌ منظار الوحي‌:

 هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّـ'هِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. [17]

 فليست‌ تلك‌ الشجرة‌ لوحدها، بل‌ إنّ جميع‌ الاشجار وجميع‌ الاحجار وجميع‌ الاراضي‌ هي‌ بأجمعها لا إله‌ إلاّ الله‌.

 وما أجمل‌ تلك‌ التهليلات‌ المرويّة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، والتي‌ تقرأ في‌ العشرة‌ الاُولي‌ من‌ شهر ذي‌ الحجّة‌ الحرام‌:

 1 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ اللَّيَإلی‌ وَالدُّهُورِ.

 2 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ أَمْوَاجِ البُحُورِ.

 3 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ.

 3 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ الشَّوْكِ وَالشَّجَرِ.

 4 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ الشَّعْرِ وَالوَبَرِ.

 5 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ الحَجَرِ وَالمَدَرِ.

 6 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ لَمْحِ العُيُونِ.

 8 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ فِي‌ اللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ.

 9 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ عَدَدَ الرِّيَاحِ فِي‌ الْبَرَارِي‌ وَالصُّخُورِ.

 10 ـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ مِنَ إلیوْمِ إلی‌ يَوْمِ يُنْفَخُ فِي‌ الصُّورِ. [18]

 الرجوع الي الفهرس

جميع‌ الموتي‌ صاروا لا إله‌ إلاّ الله‌

 إنّ كلّ وردة‌ تنمو، وكلّ ذرّة‌، وكلّ حجر، وكلّ حبّة‌ رمل‌ تذرّها الريح‌ في‌ الفضاء هي‌ لا إله‌ إلاّ الله‌ وآية‌ لذاته‌ واسمه‌ وصفته‌ تعإلی‌، غاية‌ الامر أ نّها آية‌ في‌ حدود سعتها وقابليّتها. فجميع‌ العالم‌ ـإذن‌ـ هو لا إله‌ إلاّ الله‌، وهو عالم‌ المُلك‌ والملكوت‌. كما أنّ أوّل‌ ذكرٍ نقوله‌ هو لا إله‌ إلاّ الله‌؛ نقول‌ عند الإسلام‌: لا إله‌ إلاّ الله‌، كما نقول‌ عند الموت‌: لا إله‌ إلاّ الله‌. إلاّ أنّ من‌ المؤسف‌ أنّ الإنسان‌ لا يُدرك‌ معني‌ هذا الذكر، ولا يسعي‌ إلی‌ فهم‌ تفسيره‌ بالتأمّل‌ والعناية‌، ولا يُجريه‌ علي‌ لسانه‌. أمّا حين‌ يموت‌ فتُحمل‌ جنازته‌ فإنّهم‌ سينادون‌ علي‌ جنازته‌ بنداء لا إله‌ إلاّ الله‌.

 أي‌: أيّها المسكين‌! أفهمتَ الآن‌ أن‌ لا إله‌ إلاّ الله‌؟ أفهمتَ أنّ ليس‌غيرالله‌ من‌ معبود؟ وأن‌ ليس‌ سواه‌ من‌ مؤثّر؟

 مهما قيل‌ لك‌ في‌ حياتك‌: لا إله‌ إلاّ الله‌، فإنّك‌ لم‌ تدرك‌ ولم‌تفهم‌ ولم‌تتخطّ الاستكبار والتشخّص‌ خارجاً، ولم‌ تضع‌ قدمك‌ علی جادّة العبودیة نزوعاً[19] إلی‌ الاستقلال‌ والربوبيّة‌ علي‌ جادّة‌ العبوديّة‌! وها قد صار مسلّماً لك‌ وجليّاً أن‌ لاإله‌ إلاّ الله‌.

 إنّ من‌ المستحبّ أن‌ يسلّم‌ الإنسان‌ إذا ورد المقبرة‌، علي‌ من‌؟ علي‌ أهل‌ لا إله‌ إلاّ الله‌، علي‌ أُولئك‌ الذين‌ صاروا من‌ زمرة‌ لا إله‌ إلاّ الله‌ ومن‌ أهل‌ التوحيد، أُولئك‌ الذين‌ أسلموا كلّ ما لديهم‌ عند ظهور جلالة‌ وعظمة‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ بقبض‌ الروح‌، والذين‌ خرجوا من‌ التفرعن‌ وعبادة‌ الشخصيّة‌، وأقرّوا واعترفوا ـ طوعاً أو كرهاً ـ بوحدانيّة‌ ذات‌ الحقّ تعإلی‌، فرقدوا في‌ هذه‌ المقبرة‌ سواسية‌ لا تفاوت‌ بينهم‌، الرجل‌ والمرأة‌، الشيخ‌ والشابّ، الصغير والكبير، العالم‌ والعامّيّ، الغنيّ والفقير، الرئيس‌ والمرؤوس‌، صاحب‌ الشهرة‌ والخامل‌ الذكر؛ تصافوا جميعاً فلاخصام‌ ولاحرب‌، ولااستكبار ولا فخر؛ رقدوا جميعاً في‌ مصاف‌ بعضهم‌، قد ملا فضاء المقبرة‌ سكوتٌ مطبق‌ محض‌ له‌ دلالة‌ علي‌ لا إله‌ إلاّ الله‌.

 وقد روي‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أ نّه‌: إذا وردت‌ المقبرة‌ فقل‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، السَّلاَمُ عَلَي‌ أهْلِ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ مِنْ أَهْلِ لاَإِلَهَ إِلاَّ اللَهُ؛ يَا أَهْلَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ بِحَقِّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ! كَيْفَ وَجَدْتُمْ قَولَ لاَإِلَهَ إِلاَّ اللَهُ مِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ؟

 يَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ بَحَقِّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ! اغْفِرْ لِمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ، وَاحْشُـرْنَا فِي‌ زُمْرَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَهِ. [20]

 يقول‌ شيخ‌ ذو ضمير مُضاء لا يزال‌ علي‌ قيد الحياة‌ فعلاً: سنحت‌ لي‌ حال‌ طيّبة‌ حسنة‌ في‌ شهر رمضان‌، فشاهدتُ في‌ إحدي‌ الليإلی‌ نور التوحيد في‌ جميع‌ الموجودات‌، فقد كان‌ كلّ شي‌ء لا إله‌ إلاّ الله‌؛ ثمّ رأيتُ في‌ تلك‌ الحال‌ قطّة‌ تقفز من‌ جدار إلی‌ آخر، فكانت‌ القطّة‌ لا إله‌ إلاّ الله‌، وكانت‌ قفزتها لاإله‌ إلاّ الله‌.

 وما أبدع‌ ما أنشد العارف‌ الربّانيّ الفيض‌ الكاشاني‌ّ:

 سكينة‌ دل‌ و جان‌ لا إله‌ إلاّ الله‌         نتيجة‌ دو جهان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 ز شوق‌ دوست‌ به‌ بانگ‌ بلند مي‌گويند         همه‌ زمين‌ و زمان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 تو گوش‌ باش‌ تا بشنوي‌ ز هر ذرّه        ‌ چو آفتاب‌ عيان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌ [21]

 به‌ گلستان‌ گذري‌ كن‌ به‌ برگ‌ گل‌ بنگر         ز رنگ‌ و بوي‌ بخوان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 به‌ برّ و بحر گذر كن‌ به‌ خشك‌ و تر بنگر         شنو ز اين‌ و زآن‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 بكَن‌ تو پنبة‌ غفلت‌ ز گوش‌ پس‌ بشنو         ز نطق‌ خُرد و كلان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 سحر ز هاتف‌ غيبم‌ ندا به‌ گوش‌ آمد         كه‌ أيّها الثقلان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌

 به‌ گفتن‌ دل‌ جان‌ فيض‌ اقتصار مكن        ‌ بگو به‌ نطق‌ زبان‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَه‌ [22]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآيتان‌ 29 و 30، من‌ السورة‌ 34: سبأ.

[2] ـ الآية‌ 82، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[3] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 27، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

[4] ـ النصف‌ الاوّل‌ من‌ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[5] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 259، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 260، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[7] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

 [8] سبحت: أسرعت. (المنجد)

[9] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 23: الرعد.

[10] ـ «غرر الفرائد» المنظومة‌ السبزواريّة‌، ص‌ 174، طبعة‌ ناصري‌.

[11] ـ «غرر الفرائد» للسبزواريّ، حاشية‌ ص‌ 178.

يقول‌: «إنّ أوّل‌ ظاهر من‌ جيب‌ الغيب‌ هو بلا شكّ نوره‌ الطاهر.

 ثمّ ظهر بعده‌ ذلك‌ النور المطلق‌، فصار العرش‌ والكرسيّ واللوح‌ والقلم‌.

 العالم‌ عَلَمٌ من‌ نوره‌ الطاهر، وآدم‌ وذرّيّته‌ عَلَمٌ آخر».

[12] ـ يقول‌: «متي‌ يصفو كأس‌ الشهود من‌ الكدر مادامت‌ ثمالة‌ الوجود باقية‌.

 وأ نّي‌ يُسفر قبلة‌ الكلّ فيضع‌ برقعه‌ جانباً مادام‌ اتّصال‌ الروح‌ والبدن‌ قائماً؟!

 وما دام‌ البدنُ غبارَ عين‌ الروح‌، فمتي‌ سيمكن‌ رؤية‌ طلعة‌ الجيب‌ عياناً؟».

[13] ـ وردت‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ في‌ كلام‌ الشجرة‌ بـ «إنّي‌ أنا الله‌» في‌ ثلاث‌ سور: الاُولي‌: السورة‌: طه‌، الآيات‌ 9 إلی‌ 14؛ وَهَلْ أَتَب'كَ حَدِيثُ مُوسَي‌'´ * إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لاِهْلِهِ أمْكُثُو´ا إِنِّي‌´ ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي‌´ ءَاتِيكُم‌ مِّنْهَا بِقَبِسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَي‌ النَّارِ هُدًي‌ * فَلَمَّا أَتَي'هَا نُودِيَ يَـ'مُوسَي‌'´* إِنِّي‌´ أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًي‌ * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَآ يُوحَي‌'´ * إِنَّنِي‌´ أَنَا اللَهُ لاَ´ إِلَـ'هَ الآ أَنَا فَاعْبُدْنِي‌ وَأَقِمِ الصَّلَـ'وةَ لِذِكْرِي‌´.

 الثانية‌: السورة‌ 27: النمل‌، الآيات‌ 7 إلی‌ 9: إِذْ قَالَ مُوسَي‌' لاِهْلِهِ إِنِّي‌´ ءَانَسْتُ نَارًا سَـَاتِيكُم‌ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُم‌ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن‌ بُورِكَ مَن‌ فِي‌ النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَـ'نَ اللَهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ * يَـ'مُوسَي‌'´ إِنَّهُ و´ أَنَا اللَهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

 والثالثة‌ في‌ السورة‌ 28: القصص‌، الآيتان‌ 29 و 30:

 فَلَمَّا قَضَي‌' مُوسَي‌ الاْجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءَانَسَ مِن‌ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لاِهْلِهِ امْكُثُو´ا إِنِّي‌´ ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي‌´ ءَاتِيكُم‌ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَب'هَا نُودِيَ مِن‌ شَـ'طِي‌ءِ الْوَادِ الاْيْمَنِ فِي‌ الْبُقْعَةِ الْمُبَـ'رَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن‌ يَـ'مُوسَي‌'´ إِنِّي‌´ أَنَا اللَهُ رَبُّ الْعَـ'لَمِينَ.

[14] ـ «لغت‌ نامه‌ دهخدا» مجلّد حرف‌ السين‌، ص‌ 237.

يقول‌: «ليس‌ من‌ رأسٍ إلاّ وفيه‌ فتنة‌ عشقك‌، وليس‌ من‌ نظرٍ إلاّ وطلعتُك‌ زينتُه‌.

 لقد كانت‌ أعيننا أعين‌ الخفّاش‌، وإلاّ فليس‌ من‌ جدار ولا باب‌ إلاّ وشعاع‌ جمالك‌ ساطع‌ عليه‌.

 ليس‌ هناك‌ من‌ موسي‌ ليسمع‌ نداء أنا الحقّ، وإلاّ فليس‌ من‌ شجرة‌ تخلو من‌ هذه‌ الزمزمة‌ والترنّم‌!».

[15] ـ «گلشن‌ راز»:

 يقول‌: «لقد صحّ من‌ الشجرة‌ أن‌ تقول‌ أنا الله‌، فلِمَ لا يصحّ ذلك‌ ممّن‌ حالفته‌ السعادة‌؟».

[16] ـ «المنظومة‌» حاشية‌ ص‌ 301؛ طبعة‌ ناصري‌.

 يقول‌: «أيّها الغافل‌ عن‌ نفسه‌ أتطلب‌ الله‌! لقد أخطأتَ فمن‌ الذي‌ تطلبه‌؟

 إنّ قلبك‌ خزينة‌ كنوز المعاني‌، وثمرتك‌ وحاصلك‌ غاية‌ العالمينِ معاً».

[17] ـ الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[18] ـ روي‌ هذه‌ التهليلات‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، السيّد ابن‌ طاووس‌ في‌ «الإقبال‌» ص‌ 324، بسنده‌ عن‌ أبي‌ جعفر بن‌ بابويه‌، عن‌ كتاب‌ ابن‌ اشناس‌ وغيره‌، بأ نّها تُقرأ في‌ العشرة‌ الاُولي‌ لشهر ذي‌ الحجّة‌ الحرام‌، ونقل‌ في‌ فضلها ثواباً عجيباً. كما ذكرها المرحوم‌ المجلسيّ في‌ «زاد المعاد» ص‌ 197 و 198، عن‌ الشيخ‌ الطوسيّ وابن‌ بابويه‌ والسيّد ابن‌ طاووس‌، وأورد ثواب‌ قرائتها مفصّلاً.

[19] ـ نزوعاً: اشتیاقاً إلی الوطن الأصلی. (_المنجد).

[20] ـ أورد المجلسيّ هذا الدعاء في‌ «بحار الانوار» ج‌ 22، ص‌ 302.

[21] ـ «ديوان‌ فيض‌» تصحيح‌ پيمان‌، ص‌ 372.

 يقول‌: «سكينة‌ القلب‌ والروح‌ لا إله‌ إلاّ الله‌؛ وثمرة‌ العالمينِ: لاَ إله‌ إلاّ الله‌.

 ينادي‌ الارض‌ والزمان‌ جميعاً نداءً عإلیاً من‌ شوقهما للحبيب‌ أن‌: لاَ إله‌ إلاّ الله‌.

 فكُنْ أُذناً صاغيةً لتسمع‌ من‌ كلّ ذرّة‌ عياناً كالشمس‌: لا إله‌ إلاّ الله‌».

[22] ـ يقول‌: «وإن‌ مررتَ بالبستان‌ فانظر إلی‌ أوراق‌ الورد واقرأ من‌ لونها وعبيرها: لا إله‌ إلاّ الله‌.

 واعبر البرّ والبحر، وانظر الرطب‌ وإلیابس‌، واسمع‌ من‌ ذا وذاك‌: لا إله‌ إلاّ الله‌.

 واترك‌ تغافلك‌ واستمع‌ من‌ نطق‌ الصغير والكبير: لا إله‌ إلاّ الله‌.

 طرق‌ سمعي‌ نداء هاتف‌ الغيب‌ سَحَراً أن‌: أيّها الثقلان‌، لا إله‌ إلاّ الله‌.

 فيا فيض‌ لا تقتصر علي‌ نطق‌ القلب‌ والروح‌ وقل‌ بلسانك‌: لا إله‌ إلاّ الله‌».

 فيض‌: اسم‌ الشاعر، وهو الفيض‌ القاسانيّ.

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com