|
|
الصفحة السابقة
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم وصلَّي الله علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
هطول أمطار الحياة أربعين يوماً لحشر الموتيقال الله الحكيم في كتابه الكريم: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَي'´ أَن نُبَدِّلَ أَمْثَـ'لَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ. [1] يروي الشيخ الصدوق في كتابه « الامإلی » عن أحمد بن زياد الهمدانيّ رحمةالله عليه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّدبن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: إِذَا أَرَادَ اللَهُ أَنْ يَبْعَثَ الخَلْقَ أَمْطَرَ السَّمَاء عَلَي الاَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً فَاجْتَمَعتِ الاَوْصَالُ وَنَبَتَتِ اللُّحُومُ. [2] وينقل المجلسيّ هذه الرواية في « بحار الانوار » عن تفسير عليّبن إبراهيم، وفي تتمّتها يقول الإمام الصادق عليه السلام: أتي جبرائيلُ رسولَ الله صلّي الله عليه وآله فأخذه فأخرجه إلی البقيع فانتهي به إلی قبر فصوّتَ بصاحبه فقال: قُم بإذن الله! فخرج منه رجلٌ أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول: الحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَهُ أَكْبَرُ. فقال جبرائيل: عُدْ بإذن الله. ثمّ انتهي به إلی قبر آخر فقال: قُم بإذن اللهِ! فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول: يَا حَسْرَتَاهُ! يَا ثُبُورَاهُ! ثمّ قال له جبرائيل: عُد إلی ما كنت بإذن الله. فقال: يامحمّد! هكذا يُحشرن يوم القيامة، والمؤمنون يقولون هذا القول، وهؤلاء يقولون ما تري؟[3] وتشعر بعض آيات القرآن بأنّ الله تعإلی حين يريد إحياء الموتي فإنّه يُرسل المطر من السماء فيكتسب الموتي بذلك حياة جديدة: وَتَرَي الاْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَ نَّهُ و يُحْيِي الْمَوْتَي' وَأَ نَّهُ و عَلَي' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَّنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ. [4] وبالطبع فليس معني هذه الآية الشريفة والحديثينِ السابقينِ أنّ المطر الذي يهطل من السماء فيُبعث الموتي بسببه هو هذا المطر الذي نشاهده، والذي تخضرّ الارض بواسطته وتزهو، بل إنّه من باب التمثيل. أي كما أنّ هذا المطر يهطل من السماء فيحيي الارض التي لو رآها في همودها وذبولها وبرودتها، ولم يسبق له علم بطراوة الاشجار وتساقط الشلاّلات واخضرار البساتين وينعها، لما صدّق ولما تصوّر أ نّها ستحيا من جديد، وأنّ هذه الاشجار القديمة التي بدت كقطع الحطب المقتطع الملقي في الصحراء، عارية بلا أثر ولا خاصّيّة، ستخضرّ من جديد فتقدّم لافراد البشر عالماً من البهجة والاثر والحركة والخاصّيّة. لكنّنا نري أنّ الله يُرسل المطر من السماء فيوجب الحياة وينفخ روحاً جديدة في شرايين الارض. فكذلك هناك مطر يسبّب بعث الموتي، هذا في مجاله وذاك في مجاله. ولقد جعل الخالق العظيم الشأن هذا الاثر في هذا المطر فصار يُحيي الارض، كما جعل الله رفيع الدرجات ذلك الاثر في ذلك المطر فصار يمنح الحياة للموتي، وحين يصل إلی عظامهم وأعضائهم وأوصالهم المختلطة ببعضها، فإنّه سيُحيها جميعاً فيدفع بها في عالم الحياة الجديدة. هناك في هذا المطر ذلك الاسم للخالق الذي يؤثّر بواسطته في حياة الارض الميّتة: مُحيي الارض بعد موتها؛ كما أ نّها في ذلك المطر اسماً آخر للّه تعإلی تُبعث بواسطته أبدانُ الموتي وأجسادهم المبدّدة المشتّتة فتبدأ حياتها من جديد، وهو اسم: مُحْيِي الاَمْوَاتِ بَعْدَ مَوْتِهَا، و بَاعِثُ المَوْتَي بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي القُبُورِ. ذلك المطر نوع من إفاضة الرحمة من جانب الله تعإلی، وله تأثير وميزة نتيجتها جمع ذرّات أجساد الناس ووصل العظام وإكساؤها لحماً، وإحياؤها لتحضر في المحشر. وهذا العمل كمثل خلق سائر الموجودات ونشأة باقي الممكنات، فليس بينهما أيّ اختلاف أو تفاوت، ولايجب أن يُنظر إلیه كعمل عجيب مُدهش. وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ' بًّا أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ وَأُولَـ'ئِكَ الاْغْلَـ'لُ فِي´ أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَـ'ئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. [5] قال الشيخ الطبرسيّ في تفسير « مجمع البيان » في تفسير هذه الآيات: (وَ إِن تَعْجَب) يا محمّد من قول هؤلاء الكفّار في إنكارهم البعث مع إقرارهم بابتداء خلق الخلق، فقد وضعت التعجّب موضعه، لانّ هذا قولٌ عجب ومعناه عجب للمخلوقين، فإنّ معني العجب في صفات الله لايجوز، لانّ العجب أن يشتبه عليه سرّ أمره فيستطرفه (فَعَجَبٌ قَوْلُهُم) أي فقولهم عجب (أَءِذَا كُنَّا تُرَ ' بًا أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جِدِيدٍ) أي أَنُبعثُ ونُعاد بعدما صرنا تراباً، هذا ممّا لايمكن! وهذا منهم، فإنّ الماء إذا حصل في الرحم استحال علقة ثمّ مضغة ثمّ لحماً، فإذا مات ودُفن استحال تراباً؛ فإذا جاز أن يتعلّق الإنشاء بالاستحالة الاُولي، فَلِمَ لا يجوز تعلّقة بالاستحالة الثانية؟ وسمّي الله تعإلی الإعادة خلقاً جديداً. أقوال المتكلّمين في معاد الإنسانواختلف المتكلّمون فيما يصحّ عليه الإعادة، فقال بعضهم: كلّما يكون مقدوراً للقديم سبحانه خاصّةً ويصحّ عليه البقاء يصحّ عليه الإعادة، ولا يصحّ الإعادة علي ما لا يقدر علي جنسه غيره تعإلی، وهذا قول أبي عليّ الجبائيّ. وقال آخرون: كلّما كان مقدوراً له وهو ممّا يبقي يصحّ عليه الإعادة؛ وهو قول أبي هاشم ومن تابعه، فعلي هذا يصحّ إعادة أجزاء الحياة. ثمّ اختلفوا فيما يجب إعادته من الحيّ، فقال أبو القسم البلخيّ: يعاد جميع أجزاء الشخص. وقال أبو هاشم ( الجبائيّ ): يعاد الاجزاء التي يتميّز الحيّ من غيره ويعاد التإلیف ثمّ رجع عن ذلك وقال: تعاد الحياة مع البنية. وقال القاضي أبو الحسن: تعاد البنية وما عدا ذلك يجوز فيه التبديل. ثمّ قال المرحوم الطبرسيّ رحمة الله عليه: وهذا هو الاصحّ. [6] إحياء الموتي ليس بالامر العجيبوروي أحمد بن محمّد أبو عبد الله البرقيّ في كتاب « المحاسن » عن أبان، عن عبدالرحمنبن سيّابه، عن أبي نعمان، عن أبي جعفر ( الباقر) عليه السلام قال: العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِلشَّاكِّ فِي قُدْرَةِ اللَهِ، وَهُوَ يَرَي خَلْقَ اللَهِ. وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِلْمُكَذِّبِ بِالنَّشَأَةِ الاُخْرَي، وَهُوَ يَرَي النَّشْأَةَ الاُولَي. وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِلْمُصَدِّقُ بِدَارِ الخُلُودِ، وَهُوَ يَعْمَلُ لِدَارِ الغُرُور. وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِلْمُخْتَالِ الفُخُورِ الَّذِي خُلِقَ مِن نُطْفَةٍ، ثُمَّ يَصِيرُ جِيفَةً؛ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لاَ يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ! [7] كما أ نّه يروي نظير هذه الرواية باختلاف يسير في اللفظ عن عليّبن الحكم، عن هشامبن سالم، عن أبي حمزة الثمإلی، عن الإمام السجّاد عليه السلام بزيادة فقرة أُخري، وهي قوله عليه السلام: وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِمَنْ أَنْكَرَ المَوْتَ وَهُوَ يَرَي مَنْ يَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ! [8] نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ؛ وسيدرككم هذا الموت، لا نّه يستتبع كمالكم. عَلَي'´ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـ'لَكُمْ؛ إذ يجب أن نبدّلكم ونغيرّكم، فلانبقيكم في درجة واحدة، بل نأخذكم من صفّ دراسيّ إلی آخر، والموت هو عبوركم وسبب تكاملكم. ولو شئنا إبقاءكم في الدنيا دوماً، لاوجب ذلك فسادكم ولبعث علي توقّفكم واضمحلالكم. فنحن ـ إذنـ نبدّلكم ونبدّل الرداء الذي ترتدونه ونسوقكم للامام حتّي نوصلكم إلی حيث: وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ؛ إلی حيث لا تعلمون أصلاً ما الذي سيحدث، ونبدّلكم في تلك الخلقة. وهنا أسرار جمّة، إلاّ أنّ الإنسان الغافل يتخيّل أنّ الموت يعني الفناء والانعدام، لا نّه يتصوّر أنّ وجوده ليس إلاّ هذا البدن، وأنّ جميع مراتب وجوده منحصرة في البدن، هذا البدن الذي يُدفن تحت الارض فيصبح رميماً، فليس هناك ـ إذن ـ من خبر! لكنّ الامر ليس كذلك، إذ إنّ الإنسان يعود إلی الله تعإلی، ومعاده يحصل بجميع أرجاء وجوده، فهو يعود بروحه ويعود ببدنه أيضاً. ومن ثَمَّ، وكما أنّ روح الإنسان تعود إلی الله سبحانه، فإنّ بدنه يعود هو الآخر، ويجب ألاّ يعجب الإنسان من كيفيّة إحياء الله الموتي، فهذا الامر ـكما ذكرنا سابقاًـ ناشي من التوهّم الباطل. ويتلخّص إشكال الطبيعيّين من الزمان السابق إلی يومنا هذا في جملة واحدة وهي مجرّد الاستبعاد. وَضَرَب لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْي الْعِظَـ'مَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي´ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. [9] لقد ذهب لك العربيّ وسط المقبرة، فتناول عظماً بإلیاً وجاء به عند رسولالله، ثمّ فتّه بيده ونثره علي الارض أمام رسول الله وقال: يا محمّد! أتزعم أنّ الله يبعث هذا؟! لكنّ هذا الرجل المسكين نَسِيَ خَلْقَهُ. هذا الإنسان الذي يهزأ بنا، فيُلقي برميم العظام علي الارض ويعجب من تقدير قدرتنا، أن كيف في قدرتنا مثل هذه القوّة التي يمكننا بها إحياء ذلك العظم، لكنّه نسي نفسه. من أيّ شيء كان؟ وأيّ مراحل طواها ليصبح إنساناً؟ وما كانت خلقته الاُولي؟ لو أ نّه نظر في خلقته الاُولي لغرق في الحيرة والتفكّر ولما سمح له وجدانه أن يفعل ما فعل. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ. فقل أيّها النبيّ إنّ الذي يُحيي هذه العظام هو الذي أوجدها في الوهلة الاُولي، ذلك القادر المتعال الذي جاء بهذه العظام من العدم إلی الوجود، وخلع عليها رداء الوجود، ذلك الله هو الذي يُحييها ثانياً. لماذا؟ لا نّه: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. فليس علم الله محدوداً بحدّ معيّن، وليس منبعثاً من سبب خاصّ، بحيث إنّنا لو منعنا ذلك السبب لما كان هناك من سبيل لعلم الله وقدرته بعدُ. الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الاْخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ. [10] فما العلاقة بين الماء والاخضرار مع النار؟ ما علّة اخضرار الاشجار؟ الماء هو العلّة، فإن لم يصلها الماء جفّت ويبست، ومع ذلك فإنّنا نري أنّ هذه الشجرة الخضراء هي مصدر النار. أو أن نقول إنّ بعض الاشجار تعمل كالشرارة وكمثل حجر الزناد، بحيث تبعث النار حين تُقدح ببعضها. وهناك شجرتان تُدعيان بـ (المَرْخ والعِفَار) من خصائصها إيجار النار حين تُقدح أوراقها ببعضها كمثل حجر الزناد. لذا فإنّ وجود هذه الاشجار في الغابة من دواعي خطر الحريق؛ إذ بمجرّد هبوب الريح فإنّ أوراقها تحتكّ ببعضها فتسبب انقداح النار كما يفعل الزناد. ولانّ هذه الشجرة تشتعل فإنّها تسبّب احتراق جميع الغابة التي تجاوزها. ذلكم الله الذي خلق لكم من الشجر الاخضر ناراً، فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ. لقد كانت البيوت تخلو في السابق من النفط والبنزين والكبريت فكانوا يستفيدون من حجر الزناد للحصول علي النار، فيقدحون قطعتين منه ببعضهما فتنبعث شرارة يشعلون بها فتيلة، ثمّ يشعلون بالفتيلة ما يشاؤون، ويشعلون الحطب فيطبخون الطعام. أو أ نّهم كانوا يأخذون خشب المرخ والعفار إلی بيوتهم، فإن شاؤوا إشعال نار قدحوا قطعتين من ذلك الخشب ببعضهما، فيشتعل كالكبريت فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ. العجائب في نظام الخلقة أكثر منها في المعاد والحشر.أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ بِقَـ'دِرٍ عَلَي'´ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَي' وَهُوَ الْخَلَّـ'قِ الْعَلِيمِ. [11] كم يتوجّب علي المرء أن يكون بعيداً عن الإنصاف، ليري خلق السماوات والارض، وهذه الصناعات البديعة، وهذه الحركات والدورانات، وهذه التغيّرات والتبدّلات، وهذا النظام العجيب المحيّر المدهش فلايعجب، ثمّ يعجب لمجرّد إحياء الموتي فيُنكر قدرةالله تعإلی! يقول الله تعإلی علي الفور وبلا فصل: بَلَي' وَهُوَ الْخَلَّـ'قُ الْعَلِيمُ؛ إنّ الذي خلق السماوات والارض لقادر علي أن يخلق مثل الإنسان. بلي هو قادر أن يخلق؛ فليس هو خالقاً فقط، بل وخلاّقاً أيضاً، أي أُستاذ الخلقة والمتمكّن المهيمن في الخلق والقدرة دون حصر ولا حدّ ولا قياس. قدرته في الخلق عجيبة، وعمله محيّر مدهش كذلك، وكلاهما دون حدّ ولانهاية. أمر الله بإحياء الموتي بلفظ «كُنْ»إِنَّمَآ أَمْرُهُ و´ إِذَا أَرَادَ شَيْـًا أَن يَقُولَ لَهُ و كُن فَيَكُونُ. [12] فهو ليس محتاجاً إلی زمان ومكان وقوّة واستعداد ومادّة وتدريج ومُعِدّ وشرط وغير ذلك. إنّ خلق الطفل في بطن الاُمّ يستغرق تسعة أشهر، وذلك لانّ إرادة الله تعلّقت بأن يتحقّق ذلك الامر « كُن » بهذه الكيفيّة. أي بأن يقول للنطفة أوّلاً: كن! ثمّ يقول: كن! ثمّ يقول: كن! وهكذا يصدر من ذاته المقدّسة أوامر متعدّدة كلّ لحظة، فتحصل إثر تلك الاوامر تغييرات في تلك النطفة، حتّي يستغرق الامر تسعة أشهر. علي أنّ الله تعإلی يمكنه أن يخلق البشر بلفظ « كن » واحد؛ أفلم تُخلق ناقة النبيّ صالح بكلمة « كن » واحدة؟ أو لم يتمخّض الجبل عن الناقة؟ أجل؟ لقد انفتحت بطن الجبل فخرجت منها ناقة كاملة تامّة. أوَلم يُخلق النبيّ عيسي علي نبيّنا وآله وعليه السلام بكلمة « كن » واحدة دون أن يكون له أب؟ أَو لم يُخلق آدم أبو البشر وحوّاء أُمّ البشر بكلمة « كن » واحدة؟ وإجمالاً، فإنّ أمر الله ليس زمانيّاً، بل هو زمانيّ حسب نظرنا نحن الواقعين في دائرة حركة التدرّج والزمان، أمّا تبعاً للواقع في ذلك العالم الربوبيّ، فليس هناك من معنيً للزمان، وكلمة « كن » هي نفسها كلمة « يكون »، أي عين التحقّق الخارجيّ، وعين عالم التكوين، ونفس المشيئة العينيّة والخارجيّة للخالق لا منفصلة عنها. فَسُبْحَـ'نَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإلیهِ تُرْجَعُونَ. [13] وَالَّذِي قَالَ لِوَ ' لِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي´ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَهِ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـ'ذَآ الآ أَسَـ'طِيرُ الاْوَّلِينَ * أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي´ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَـ'سِرِينَ. [14] قيل إنّ الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، قال له أبواه ليُسلم وألحّا عليه، فقال: أحيوا لي عبد الله بن جدعان ومشايخ قريش حتّي أسألهم عمّا تقولون، عن ابن عبّاس وأبي العإلیة والسدّيّ ومجاهد. وقيل الآية عامّة في كلّ كافر عاقّ لوالديه، عن الحسن وقتادة والزجّاج، قالوا: ويدلّ عليه أ نّه قال عقيبها أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُالْقَوْلُ فِي´ أُمَمٍ. [15] وقال العلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظلّه الساميّ في البحث الروائيّ: وفي « الدرّ المنثور » أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبدالله قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إنّ الله قد أري أميرالمؤمنين ( معاوية ) في يزيد رأياً حسناً، وإن يستخلفه فقد استخلف أبوبكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقليّة؟ إنّ أبابكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلاّ رحمة وكرامة لولده. فقال مروان: ألستَ الذي قال لوالديه أُفٍّ لَكُمَا؟ فقال عبد الرحمن: ألستَ ابن اللعين الذي لعن أباك رسولُالله صلّيالله عليه ] وآله [ وسلّم؟ قال: وسمعتها عائشة فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبدالرحمن كذا وكذا؟ كذبتَ واللهِ ما فيه نزلت. نزلت في فلان بن فلان. وفيه ( أيّ في « الدرّ المنثور » أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في الَّذِي قَالَ لِوَ ' لِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ـ الآية، قال: هذا ابنٌ لابي بكر. ثمّ يقول العلاّمة الطباطبائيّ: وروي ذلك أيضاً عن قتادة والسدّيّ. وقصّة رواية مروان وتكذيب عائشة له مشهورة. قال في « روح المعاني » بعد ردّ رواية مروان: ووافق بعضهم كالسهيليّ في « الاعلام » مروان في زعم نزولها في عبدالرحمن، وعلي تسليم ذلك لا معني للتعيير، لاسيّما من مروان، فإنّ الرجل أسلم وكان من أفاضل الصحابة وأبطالهم، وكان له في الإسلام عناء يوم إلیمامة وغيره، وَالإسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، فالكافر إذا أسلم لاينبغي أن يعيّر بما كان يقولـ انتهي كلام « روح المعاني ». وقد أشكل العلاّمة الطباطبائيّ علي هذا القول بقوله: وفيه أنّ الروايات لو صحّت، لم يكن مناص عن صريح شهادة الآية عليه بقوله: أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ـ إلی قولهـ إِنَّهُمْ كَانُوا خَـ'سِرِينَ، ولم ينفع شيء ممّا دافع عنه به. [16] وقد أنكر البعض المعاد فقالوا: ليس لنا من معاد. مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ. [17] ليس هناك إلاّ الاكل والشرب والنوم وإطفاء الشهوة، وليس هناك إلاّ المعيشة الحيوانيّة البهيّميّة، ثمّ يموت الإنسان بعدها فيُهلكه الدهر، فليسمن سرّ ولاحقيقة وراء ذلك. ويقول الله سبحانه: إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. أدلّة منكري المعاد الجسمانيّويقول البعض: إنّ لنا معاداً، لكنّه معاد روحانيّ لاجسمانيّ. فللإنسان عقل ونفس هما من المجرّدات، وإنّ هذه النفس المجرّدة تتحرّك إلی مبدئها، كما يُدفن البدن تحت الارض فيتّخذ لنفسه صوراً متبدّله ومتغيّرة في القبر، ومن ثَمّ فإنّ المعاد روحانيّ فقط. ويقول البعض: إنّ المعاد جسمانيّ فقط وليس روحانيّاً أبداً، فما يعود إلی الله تعإلی هو البدن واللذّات البدنيّة، كالاكل وإطفاء الشهوة والتفرّج وأمثال ذلك. أمّا تلك الكمالات العقلانيّة والفناء في أسماء الحيّ القيّوم ذي الجلال وصفاته وذاته فقد أنكروها، كما تجاهلوا تلك الارزاق والاغذية العقليّة المختصّة بالروح، والتي تفوق وتفضل هذه الاغذية الجسميّة بمئات الآلاف من المرّات. كما يقول البعض الآخر: إنّنا تمتلك كلا المعادينِ، فالروح لها معاد، والبدن له معاد. يقول المرحوم الفيلسوف الشهير الحاجّ الملاّ هادي السبزواريّ رضوانالله عليه: مَنْ قَصَّرَ المَعَادَ فِي الرُّوحَانِي ّ قَصَّرَ كَالحَاصِرِ فِي الجِسْمَانِيّ وَجَامِعٌ بَيْنَهُمَا جا فَائِزَا وَقَصَباتِ السَّبْقِ كَانَ حَائِزَا[18] والدليل الذي أقامته تلك الطائفة من الفلاسفة والحكماء علي أنّ المعاد روحانيّ فقط لا جسمانيّ هو أنّ حقيقة الإنسان بالعقل وبالنفس، وهما مجرّدان. وحين جمع الله تبارك وتعإلی بين النفس والعقل من جهة والبدن من جهة أُخري، فإنّهما اجتمعا سويّاً وتصافيا وتآلفا مثل روح الإنسان وبدنه، فهبطت الروح وحلّت في قالب البدن، أشبه بطائر الورقاء ذات التعزّز والتمنّع. هَبَطَتْ إلیكَ مِنَ المَحَلِّ الاَرْفَعِ وَرْقَاءُ ذَاتُ تَعَزُّزٍ وَتَمَنُّعِ ولقد هبط طائر القدس الساكن في السدرة، المتعإلی الدرجات، رفيع المنزلة، من المحلّ الارفع إلی البدن، فحلّ في قالب البدن وعاش فيه مدّة، ثمّ إنّ عليه التحليق والعودة إلی محلّه الاوّل، إذ سيُفتح له باب القفص فيطير ذلك الطائر ويرحل، ويسقط القفص جنب المنزل. لقد أرسل الله الروح إلی البدن لتسعي إلی كمالاتها بواسطة هذا البدن المسخّر لها، وبعد الحصول علي الكمالات فإنّ الافتراق يحلّ بينها وبين البدن، فتعود الروح إلی محلّها، ويحلّ بدن الإنسان في أعماق التراب الذي كان أصله منه، فيتبدّل تدريجيّاً إلی التراب. أمّا الروح فإنّ محلّها ـ باعتبارها مجرّدة وملكوتيّةـ سيكون عالم التجرّد والملكوت. فما يمكن تصوّره من المعاد، أي الرجوع والعودة إلی الله، هو معاد الروح لامعاد البدن. كان هذا هو حصيلة استدلالهم، وقد أوردوا دليلاً علي عدممعاد الجسم بأنّ الروح مجرّدة، وأنّ غذاءها الاغذية العقلانيّة التي تتناولها عند ربّها. وبأنّ البدن يتبدّل تحت الارض إلی صورة أُخري، وليس لدينا شيء آخر غير الروح والبدن. ولو قيل لهم إنّ الإنسان يمتلك قوّة خيال وعالم مثال، لاجابوا بأن قوّة الخيال والمثال هي نفس إحساسات الإنسان وعواطفه؛ فالذهن يلتذّ بالتفرّج علي الصور الجميلة، كما يصيبه الاذي والالم من مواجهة المزعجات، وهي أُمور قائمة بأجمعها بالبدن، فإن كان البدن موجوداً، وُجدت هذه الصورة والخيال، أمّا لو انعدم فأين ستكون الصورة والمثال ياتري؟ ومن باب المثال، فإذا ماشاء الإنسان أن يرسم صورة علي الجدار، فإنّ هذا مبتنٍ علي كون الجدار حجريّاً صلباً ليرسم عليه الصورة؛ بَيدَ أنّ الإنسان لايمكنه أن يرسم صورةً علي الهواء، ولاعلي الماء. وهكذا فإن وُجد البدن، وُجدت فيه القوي المتخيّلة والمفكّرة والإحساسات والعواطف وغيرها، وإن زال البدن زالت تبعاً له قوّة الخيال والحسّ المشترك. وحين يزول البدن فإنّنا لن نستطيع بعدُ أن نتصوّر عالِماً يقف علي قدميه يلتذّ بتلك الصور المُبهجة، أو يتأذّي ويتعذّب من تلك الصور القبيحة المُنكَرة. ومجمل الامر أنّ كيفيّة استدلالهم كانت بأنّ جهنّم والجنّة قائمان بواسطة تصوّرات الذهن، والذهن متوقّف علي وجود البدن وقائم به، فإن انعدم البدن انعدم الذهن. وأجاب البعض بأنّ الله تعإلی حين يُزيل البدن، فإنّ من الممكن أن يخلق بدناً آخر فتقوم به تلك الصور والإحساسات. كما أجاب بعضُ المتكلّمين بأنّ الله تعإلی يُعيد نفس البدن الذي أعدمه مع جميع تلك الشرائط، وليس هذا بأمر ذي بال بالنسبة للّه تعإلی؛ كما أجابوا بإجابات أُخري جميعها مخدوشة ولايمكن قبولها. والإجابة الصحيحة هي أوّلاً: أنّ نفس الإنسان بالرغم من أ نّها تذهب إلی عالمها تلقائيّاً فتبتهج هناك وتُسرّ، إلاّ أنّ النفس تمتلك بذاتها سمعاً وبصراً وإدراكاً. أي علاوة علي القوّة المتخيّلة التي هي آلة مسخّرة للنفس، وعلي القوي الذهنيّة التي هي آلة رقيّها وتكاملها، فإنّ النفس بصيرة في ذاتها وعليمة وممتلكة لسائر صفات الكمال. وعليه فإنّ النفس حين تذهب إلی عالمها، فإنّها ستكون مبتهجة ومسرورة ومتمتّعة بتلك اللذّات بواسطة هذه القوي المعنويّة في ذاتها، وهذا غير تمتّعها باللذّات العقلانيّة المختصّة بعالم الفناء. وثانياً: فإنّ نفس قوّة الخيال وعالم المثال مجرّدة أُصولاً، وأنّ قولهم بأنّ البدن يجب أن يوجد حتماً لتقوم به قوّة خيال الإنسان وتصوّراته، لايعدو كونه كاملاً خطابيّاً. فقد ثبت بالادلّة والبراهين الفلسفيّة أنّ قوّة الخيال مجرّدة، وأنّ الإنسان يستطيع إثر التكامل والترقّي أن يخلع خياله من البدن، وأنّ الإنسان موجود بالوجود الروحانيّ في عالم المثال والصورة الذي ينعدم فيه البدن. كما أنّ القوي المتخيّلة والمفكّرة ليست مجرّدة لوحدها. بل إنّ الحسّ المشترك والقوّة الحافظة وسائر قوي الإنسان النفسانيّة مجرّدة بأجمعها. وتبعاً لادلّة تجرّد قوّة الخيال هذه، فقد أثبتوا عالم المثال، وهو ذلك العالم الماثل بين عالم الدنيا وعالم القيامة. فعالم الدنيا عالم المادّة، في حين أنّ عالم القيامة عالم المعني والتجرّد المحض. أمّا عالم المثال فبين هذين العالمين، فليس بمادّة لها ثقل، ولا بمعنيً صرف ليكون خارجاً عن الصورة والتشكّل. واللذّات والآلام الصوريّة. هو عالمٌ بنفسه قائمٌ بذاته، يقع بين هذا العالم وذلك العالم. إذ إنّ هناك عالم الصورة حيث لا مادّة، إلاّ أنّ آثار المادّة موجودة. هناك اللذّة وهناك العذاب والالم، والبكاء والضحك، والحرارة والبرودة، والكميّة والكيفيّة. وفي هذه الحال التي تكون فيها قوّة الخيال بسيطة ومجرّدة، فإنّ الإنسان حين يكون حيّاً فإنّه سيكون حيّاً بالبدن، أمّا حين يموت فيترك البدن، فإنّ قوّة الخيال هذه لن تموت، بل هي موجودة في عالمها وفي واقعيّتها وكينونيّتها. فإن قبلنا بهذا المطلب فإنّ المسألة ستكون قد حُلّت. افرضوا أنّ البدن قد تلاشي، لكنّ قوّة الخيال موجودة في نهاية الامر، موجودة تماماً بهذه اللذّات والآلام التي هي محمول لقوّة الخيال. وبناء علي ذلك، فإنّ الإنسان موجود في عالم المثال بمجرّد موته؛ يعيش دوماً ويبتهج بالصور الملائمة للنفس، ويتعذّب بالصور المُنكرة الكريهة التي تشقِّ علي النفس. والخلاصة فإنّ لنا مطلباً دقيقاً في المعاد الجسمانيّ مُبتنٍ علي مقدّمات متينة، سيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالی. كلمات ابن سينا في المعاد الجسمانيّ.وكان الشيخ الرئيس ابن سينا لا يقول بعالم البرزخ، وكان يستدلّ بأنّ عالم البرزخ المجرّد لا معني له، وأنّ لدينا عالمينِ لا أكثر، أحدهما عالم الطبع والمادّة، والآخر عالم المعني المجرّد. وبالرغم من أ نّه يُستفاد من بعض استدلالاته في « الشفاء » أ نّه عدّ عالم الخيال مجرّداً، وأ نّنا إذا ما عددنا عالم الخيال مجرّداً، فإنّ علينا أن نقول بعالم البرزخ حتماً، لا مفرّ لنا من ذلك ولا حيلة. إلاّ أ نّه علاوة علي عدم تصريحه بوجود عالم البرزخ، فإنّه كذلك قد صرّح بعدمه، ومن ثَمّ فإنّ إشكالاً سيعترضه في أمر المعاد الجسمانيّ، [19] فهذه القوي والصور التي اكتسبها الإنسان لنفسه من الكمالات، أو التي اكتسبها من الاعمال القبيحة، يقع عالم صورتها في العذاب، وهو أمر يجب وقوعه حتماً حين يكون البدن موجوداً، لانّ الصورة قائمة بالبدن وعديمة التجرّد. أمّا حين يفني البدن فإنّ الصورة ستفني تبعاً له، وستذهب النفس المجرّدة فقط في عالمها وفي موطنها ومحلّها، فتغرق هناك في الملذّات العقلانيّة، أو تبقي في العذاب لفقدان الكمالات العقلانيّة. لذا فليس هناك بعدُ من تصوّر للمعاد الجسمانيّ. ولذلك فإنّه يصرّح في « الشفاء » بأ نّنا لانمتلك دليلاً عقليّاً علي المعاد الجسمانيّ، ولا يمكننا إقامة الدليل عليه بالبُرهان، إلاّ أ نّه مسلّم شرعاً لإخبار الرسول الصادق المصدَّق به. يقول في « الشفاء »: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ المَعَادَ مِنْهُ مَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي الشَّرْعِ، وَلاَسَبِيلَ لإثْبَاتِهِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ؛ وَتَصْدِيقِ خَبَرِ النَّبِيّ، وَهُوَ الَّذِي لِلْبَدَنِ عِنْدَ البَعْثِ وَخَيْرَاتِ البَدَنِ وَسُرُورِهِ، مَعْلُومَةٌ لاَ يَحْتَاجُ إلی تَعَلُّمٍ. وَقَدْ بَسَطَتِ الشَّرِيعَةُ الحَقَّةُ الَّتِي أَتَانَا بِهَا نَبِيُّنَا وَسَيِّدُنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّياللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَالَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ الَّتِي بِحَسَبِ البَدَنِ. وَمِنْهُ مَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالعَقْلِ وَالقِيَاسِ البُرْهَانِيِّ، وَقَدْ صَدَّقَتْهُ النُّبُوَّةُ، وَهُوَ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ الثَّابِتَتَانِ بِالقِيَاسِ، اللَّتَانِ لِلاَنْفُسِ، وَإِنْ كَانَتْ الاَوْهَامُ مِنَّا تَقْصُرُ عَنْ تَصَوُّرِهَا الآنَ لِمَا نُوضِحُ مِنَ العِلَلِ. [20] وبناء علي ما ذُكر فإنّ ابن سينا ليس من منكري المعاد الجسمانيّ، بل إنّه أقرّ بثبوته عن طريق الشرع، كما أ نّه قبل بثبوت المعاد النفسانيّ من طريق البرهان والقياس وكذلك من طريق تصديق الشرع وأخبار النبوّة. وتبعاً لذلك يقول المرحوم السبزواريّ: وأمّا الشيخ رئيس المشّائين فإنّه لم ينكر المعاد الجسمانيّ، حاشاه عن ذلك، إلاّ أ نّه لم يحقّقه بالبرهان كما يظهر ممّن نظر في إلهيّات « الشفاء ». [21] كلمات ابن سينا في المعاد النفسانيّوأمّا بشأن المعاد النفسانيّ وسعادة النفوس وشقاوتها فقد بحث ذلك مفصلاً، ثمّ إنّه يقول بعد بيان مقدّمة: وَإِذْ تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الاُصُولُ، فَيَجِبُ أَنْ نَنْصَرِفُ إلی الغَرَضِ الَّذِي نُؤمُّهُ فَنَقُولُ: إِنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ كَمَالُهَا الخَاصُّ بِهَا تَصِيرَ عَالَماً عَقْلِيَّاً مُرْتَسِماً فِيهَا صُوَرُ الكُلِّ، وَالنِّظَامُ المَعْقُولُ فِي الكُلِّ، وَالخَيْرُ الفَائِضُ فِي الكُلِّ، مُبْتَدِيَةً مِنْ مَبْدَءِ الكُلِّ، سَالِكَةً إلی الجَوَاهِرِ الشَّرِيفَةِ الرُّوحَانِيَّةِ المُطْلَقَةِ، ثُمَّ الرُّوحَانِيَّةِ المُتَعَلَّقَةِ نَوْعاً مَا بِالاَبْدَانِ، ثُمَّ الاَجْسَامِ العلوِيَّةِ بِهَيْأتِهَا وَقِوَامِهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّي يَسْتَوْفِي فِي نَفْسِهَا هَيْئَةَ الوُجُودِ كُلّهِ، فَتَنْقَلِبُ عَالَماً مَعْقُولاً مُوَازِيَاً لِلْعَالَمِ المَوْجُودِ كُلِّهِ، مُشَاهِدَةً لِمَا هُوَ الحُسْنُ المُطْلَقُ، وَالخَيْرُ المُطْلَقُ وَالجَمَالُ الحَقُّ المُطْلَقُ، وَمُتَّحِدَةً بِهِ وَمُنْتَقِشَةً بِمِثَالِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَمُنْخَرِطَةً فِي سِلْكِهِ، وَصَايِرَةً مِنْ جَوْهَرِهِ. [22] ثمّ يقول: فإذا قيسَ هذا بالكمالاتِ المعشوقة التي للقوي الاُخري، وجد في المرتبة التي بحيث يقبح معها أن يُقال إنّه أفضل وأتمّ منها. بل لا نسبة لها إلیه بوجه من الوجوه فضيلةً وتماماً وكثرة وسائر ما يتمّ به التذاذ المدركات ممّا ذكرنا. [23] ثمّ يتابع المطلب ويستمرّ في البحث بشكلٍ كافٍ ووافٍ. كان هذا كلام « أبي علي »، وقد ذكرنا أنّ عدم إقامة البرهان علي المعاد الجسمانيّ مبتنٍ علي عدم تحقيق وإثبات تجرّد قوّة الخيال وعالم البرزخ، وقائم عموماً علي عدم القبول بعالم المثال المجرّد. أمّا إذا قبلنا بعالم المثال فلن يبقي هناك من إشكال آخر. وعالم الصورة يعني عالم المثال. كما أنّ اللذائذ التي تجدها النفس في عالم المثال هي نفس لذائذ عالم الصورة، ويمكن أن تكون منفصلة عن البدن، فيصحب الإنسان تلك الصورة معه علي الدوام. يقول الحكيم السبزواريّ قدّس الله نفسه بشأن هذا المعاد الروحانيّ: إِنَّ الَّذِي بِالعَقْلِ بِالفِعْلِ انْتُقِي فَهْوَ لِعَالَمِ العُقُولِ مُرْتَقِي مِنْهُ يَصِيرُ عَالَماً عَقْلِيَّا بِهِ يُضَاهِي عَالَماً عَيْنِيَّا [24] وَ هَيْئَةُ الوُجُودِ بِالشَّرَاشِرِ تَزِينُهُ كَالاَوَّلِ فِي الآخِرِ كَوْناً أَشْدِيَّةً أَضْعَفِيَّة خَالَفَ وَالمَهِيَّةُ المَهِيَّة [25] فَالْعَالَمُ الاْكْبَرُ كَانَ حَاوِيَا كَأَنْ غَدَا كُلٌّ لَهُ مُرَائِيَا [26] و [27]
وينقل المرحوم الحكيم السبزواريّ مطلباً في تصوير محلّ الابدان المحشورة في المعاد الجسمانيّ، جدير بالتأمّل. يقول: قد ذكر الشيخ الرئيس في كتابه « المبدأ والمعاد » في أمر الابدان البرزخيّة التي هي محلّ وموضوع لتصويرات أنوار المؤمنين ونائرات الكافرين، إنّ بعض أهل العلم ممّن لا يجازف فيما يقول، قال: علينا أن نجد تصويراً للمعاد الجسمانيّ بحيث يمكن قبوله. فحين يرحل الإنسان عن الدنيا، فإنّ نفسه ـمن أجل أن تتمتّع باللذائذ في عالم الخيال والصورة، أو تعذّب بالصور الكريهةـ يجب أن تتعلّق ببدنٍ ليقوم عالم الصورة بذلك البدن. وليس هناك من بدنٍ فوق الارض لتتعلّق به هذه النفس، كما أ نّها لو تعلّقت بالابدان الخارجيّة للزم من ذلك التناسخ الذي تمتلك البراهين والادلّة الكثيرة لإبطاله. كما أن الارض ـ من جهة أُخري ـ كرة محدودة، بينما أفراد البشر الذين يأتون فوقها من البدء إلی النهاية غير محدودين ولامتناهين، ولايمكن لغيرالمتناهي أن يحلّ في المتناهي المحدود. ولو جعلنا جميع حجم الكرة الارضيّة أبداناً ـ فرضاً ـ فتعلّق كلّ واحد من النفوس بأحد هذه الابدان، لفاض من تلك النفوس عدد كثير، لا نّها غيرمحدودة، ولازم ذلك بقاء كثير من النفوس دون بدن. ولذا فإنّ هذا الفرض مردود لايمكن قبوله أيضاً. وعلينا من ثَمّ أن نري أين تقع تلك الابدان التي تتعلّق بها النفوس بعد الموت. يجب القول إنّها في السماوات، أي في الافلاك وطبقات الدُّخان، لانّ لدينا تسعة أفلاك، وهذه الافلاك كبيرة بحيث لايعلم أبعادها إلاّ الله تعإلی. وأصغر الافلاك فلك القمر المحيط بجميع هذا العالم، فضلاً عن الافلاك الاكبر منه. فنفوس الناس تتعلّق بعد الموت بتلك الافلاك، حيث يتّخذ قدر من الفلك هيئة بدن الإنسان فتعلّق به نفس الإنسان، ويحصل جميع الثواب والعذاب بواسطة ذلك البدن. نظريّة الفارابيّ في أنّ أبدان بعد الموت في الافلاك.وبالطبع فإنّه ليس كمثل البدن الطبيعيّ الثقيل الذي يمتلك جرماً، بل هو مادّيّ لطيف زلال، ويمكن إجمالاً قبول هذا الكلام من ابن سينا. ويقول الخواجة نصير الدين الطوسيّ قدّس الله سرّه: وأظنّ أنّ أصل هذا الكلام من الفارابيّ.[28] وحاصل المطلب أنّ هؤلاء ] العوامّ [ إذا فارقوا البدن وهم بدنيّون لايعرفون غيرالبدنيّات، وليس لهم تعلّق بما هو أعلي من الابدان، فيشغلهم التعلّق بها عن الاشياء البدنيّة أمكن أن يعلّقهم تشوّقهم إلی البدن ببعض الابدان التي من شأنها أن تتعلّق بها الانفس لا نّها طالبة، وهذه ماهيّات هيئة الاجسام، وهذه الابدان ليست بأبدان إنسانيّة أو حيوانيّة، لا نّها لاتتعلّق بها إلاّ ما يكون نفساً لها، فيجوز أن يكون أجراماً سماويّة لاأن تصير هذه الانفس أنفساً لتلك الاجرام أو مدبّرة لها، فإنّ هذا لايمكن، بل يستعمل تلك الاجرام لإمكان التخيّل ثمّ يتخيّل الصور التي كانت معتقدة عنده وفي وهمه، فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله الخير شاهدت الخيرات الاُخرويّة علي حسب ما تخيّلتها، وإلاّ فشاهدت العقاب. وقال كذلك: ويجوز أن يكون هذا الجرم متولّداً من الهواء والادخنة، ويكون مقارباً لمزاج الجوهر المسمّي روحاً الذي يشكّ الطبيعيّون أنّ تعلّق النفس به لا بالبدن. هذا ما لخّصه المحقّق ( الخواجة نصير الدين ) الطوسيّ رحمة الله عليه من كلام الفارابيّ. وقد استحسن الشيخ شهاب الدين السُّهرورديّ هذه الفرضيّة وقال بأ نّها تخلو من الإشكال، وذلك لتعلّق الروح ببدن في الافلاك غيرالمتناهيه، وخاصّة فلك الافلاك الذي يقال له أيضاً الفلك الاطلس والفلك المحدّد. وقد تعجّب الخواجة نصير الدين الطوسيّ رحمة الله عليه من كلام شيخ الإشراق فقال: إنّي لاتعجّب من بعض الموصوفين بفقه المعارف الإلهيّة والاستشراق للانوار الملكوتيّة كصاحب « التلويحات » مع شدّة توغّلة في الرياضات الحكميّة واعتنائه بوجود عالم آخر بين العالمين، كيف صوّب في « التلويحات » قول بعض العلماء من كون جرم سماويّ موضوعاً لتخيّلات طوايف من السعداء والاشقياء. [29] ولصدر المتألّهين ( الشيرازيّ » علي هذا القول اعتراضات كثيرة مذكروة في أكثر كتبه وفي موضعين من « الاسفار »، كلزوم التناسخ بسبب التعلّق بالفلك وشبهه، وكإباء الفلك عن التأثّر من العلل الغريبة، وكعدم ما يصون الجرم الدخانيّ عن التبدّد والتحلّل والفساد، وكعدم المطابقة بينه وبين النفوس المفارقة في الازمنة غير المتناهية لتناهيه وعدم تناهيها وغيرذلك ممّا مذكور في « الاسفار ». وقد أجاب المرحوم السبزواريّ رحمة الله عليه علي إشكالات الملاّ صدرا وردّ عليها جميعاً حسب ظنّه، ودَعمم كلام الفارابيّ وشيخ الإشراق. [30] بَيدَ أنّ بعض إشكالات الملاّ صدرا ـ إنصافاً ـ لا يمكنٌ ردّها، خاصّة بعد أن ثبت هذه الايّام عدم وجود الافلاك. وأنّ فرضيّة القدماء هذه أمر اضمحلّ إلیوم وفقد اعتباره. فالالتزام بهذه الزوايا لإثبات المعاد الجسمانيّ، والدخول في عقبات ومنعطفات يستحيل عبورها، هو تأئيد للشرع الانوار بجهاتٍ لا يرتضيها صاحب الشرع نفسه. والشرع الانور أسمي وأقدس من أن نشاء دعمه ومناصرته بهذه الاُمور. في أقسام تصوّرات المعاد الجسمانيّ.وإجمالاً فقد قال المرحوم الحكيم السبزواريّ رحمة الله عليه في الفرضيّات التي نُقلت في المعاد الجسمانيّ: وَبَعْضُهُمْ قَدْ صَحَّحُوا الجِسْمَانِيّ بِالجِرْمِ مِنْ أَفْلاَكٍ أَوْ دُخَانِ يَكُونُ مَوْضُوعاً لِتَصْوِيرَاتِهِمْ مِنْ نَائِرَاتِهِمْ وَتَنْوِيرَاتِهِم وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ بِالتَّنَاسُخِ وَأَخْذُ جِنسٍ كُلَّ خُلْقٍ رَاسِخِ وَفِرْقَةٌ بِحِفْظِ أَجْزَا فَرْدَةِ تَصِيرُ ذِي بِالوَصْلِ ذَاتَ وَحْدَةِ وَقَالَ الإشْرَاقِيُّ بِالمِثَالِ وَالاَنْفُسُ الاَنْفُسُ فِي الاَقْوَالِ[31] يقول: قد صحّح بعض الفلاسفة تصوير المعاد الجسمانيّ بحلول النفس بعد مفارقة البدن بالاجرام السماويّة من الافلاك أو الاجرام الدخانيّة، لا نّها محلّ صور نيران أهل جهنّم وأنوار أهل الجنّة. وصحّح بعضهم التناسخ، بأن تستخدم كلّ مَلَكة من ملكات الإنسان و أخلاقه الراسخة ذلك النوع من الحيوانات الذي يرسخ فيه تلك الملكة وذلك الخُلُق. فالنملة ـمثلاًـ محلّ بروز ملكة الطمع، والخنزير محلّ بروز ملكة الشره وانعدام الغيرة، والفأر محلّ بروز ملكة السرقة. والتناسخ باطل بجميع أقسامه، وقد جري إقامة الدليل الفلسفيّ علي ذلك. وقال بعض المتكلّمين بأنّ أجزاءً فردة تبقي في الإنسان محفوظة لاتتجزّأ بعد الموت؛ ثمّ إنّ الباري تعإلی يخلع لباس الوحدة علي تلك الاجزاء بواسطة الوصل عند المعاد، ويصوّرها في صورها السابقة في الدنيا، فتتعلّق بها النفس من جديد. والإشكالات الواردة علي هذه الفرضيّة كثيرة، وسيأتي ذكرها. وصحّح الإشراقيّون المعاد الجسمانيّ لنفوس المتوسّطين من أهل السعادة وأصحاب إلیمين وأصحاب الشمال، وذلك بعالم المثال الذي يدعي أيضاً عالم الاشباح. كما أنّ النفوس تبقي نفسها دون تغيير وفقاً لجميع هذه الاقوال. ارجاعات [1] ـ الآيتان 60 و 61، من السورة 56: الواقعة. [2] ـ «أمإلی الصدوق»، ص 107. [3] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 39، الطبعة الحروفيّة. [4] ـ الآيات 5 إلی 7، من السورة 22: الحجّ. [5] ـ الآية 5، من السورة 13: الرعد. [6] ـ «مجمع البيان» ج 3، ص 277 و 278، الطبعة ذات المجلّدات الخمسة، مطبعة العرفانـ صيدا. [7] ـ «محاسن البرقيّ» ج 1، ص 242. [8] ـ «محاسن البرقيّ» ج 1، ص 242. [9] ـ الآيتان 78 و 79، من السورة 36: يس. [10] ـ الآية 80، من السورة 36: يس. [11] ـ الآية 81، من السورة 36: يس. [12] ـ الآية 82، من السورة 36: يس. [13] ـ الآية 83، من السورة 36: يس. [14] ـ الآيتان 17 و 18، من السورة 46: الاحقاف. [15] ـ «مجمع البيان» ج 5، ص 87، طبعة صيدا. [16] ـ «تفسير الميزان»، ج 18، ص 225 و 226. [17] ـ النصف الاوّل من الآية 24، من السورة 45: الجاثية. [18] ـ «المنظومة السبزواريّة» بحث المعاد، ص 335، طبعة ناصري. [19] ـ آخر إلهيّات «الشفاء» أوّل فصل المعاد. [20] ـ يقول الملاّ صدرا: ومنها (أي من جملة الموارد التي عجز ابن سينا عن إثباتها) أ نّه لمّا لم يظفر بإثبات تجرّد القوّة الخيإلیة للإنسان، صار متحيّراً في بقاء النفوس الساذجة الإنسانيّة بعد البدن، فاضطرّ تارةً إلی القول ببطلانها، كما في بعض رسائله المسمّي بـ «المجالس السبعة». علي أ نّه معترف بأنّ الجوهر غير الجرميّ لا يبطل ببطلان الجسد. وتارةً إلی القول بأ نّها باقية من جهة إدراكها ببعض الاوّليّات والعمومات. ثمّ يتصدّي الملاّ صدرا بحزم للإجابة عليها. («الاسفار» ج 9، ص 115، الطبعة الحروفيّة). [21] «المنظومة السبزواريّة» ص 335، طبعة ناصري. [22] ـ إلهيّات «الشفاء» بحث المعاد، ص 3. [23] ـ إلهيّات «الشفاء» ص 3 و 4. [24] ـ وهذا الكلام إشارة إلی ما قالوه في تعريف الحكمة: الحِكْمَةُ صَيْرُورَةُ الإنسان عَالَماً عَقْلِيَّاً مُضَاهِياً لِلْعَالَمِ العَيْنِيّ فِي هَيْئَتِهِ، لاَ فِي مَادَّتِهِ. [25] ـ إذ إنّه قد برهن علي أنّ الاشياء تحضر في الذهن بتمام ماهيّتها وتظهر بأنفسها هناك، لا أن تحضر أمثالها وأشباهها في الذهن. وإلی هذا المعني أشار أميرالمؤمنين عليّبن أبيطالب عليه السلام في أشعاره المعروفة المشهورة: أَتَزْعَمُ أَ نَّكَ جِرْمٌ صغيرٌ وَفِيكَ انْطَوي العَالَمُ الاَكْبَرُ [26] ـ «المنظومة السبزواريّة» ص 330 و 331، طبعة ناصري. [27] ـ وما أبدع ما ضمّن المغربيّ هذه المعاني في أشعاره، وذلك في قوله: اگر چه آينة روي جان فزاي توأند همه عقول و نفوس و عناصر و أفلاك ولي ترا ننمايد بتو چنانكه توئي مگر دل من مسكين و بيدل و غمناك تمام چهرة خود را بدو تواني ديد كه هست مظهر تامّ و لطيف صافي پاك ولو جلوت علي القلب ما جلوت عليه لاِجل قربته بل لا نّه مجلاك بساحل ار چه فكندي به بحر باز آرم كه موج بحر محيط توام نيمَ خاشاك ظهور تو بمن است و وجود من از تو و لست تظهر لولاي، لم أكن لولاك تو آفتاب منيري و مغربي سايه ز آفتاب بود سايه را وجود و هلاك «ديوان مغربي» ص 80 و 81. يقول: «مع أنّ العقول والنفوس والعناصر والافلاك هي بأجمعها مرآة طلعتك المنعشة للارواح. إلاّ أن شيئاً منها لا يُظهرك لك كما أنت مثلما يفعل قلبي، أنا العاشق المغموم المسكين. فإنّك تستطيع أن تري طلعتك فيه كاملة، لا نّه مظهر تام لطيف صافٍ طاهر». ولو جلوتَ علي القلب ما جلوتَ عليه لاجل قربته، بل لا نّه مجلاك ولو قذفتني إلی الساحل لعدتُ إلی البحر من جديد، إذ لستُ قشّة، بل موج بحرك المحيط. ظهورُك بي، ووجودي منك، ولست تظهر لولاي، لم أكن لولاك. أنت شمسٌ منيرةٌ والمغربيّ ظلّ، ومن الشمس وجود الظلّ وفناؤه». ويقول في مقام مخاطبة النفس: توئي خلاصة اركان انجمُ و افلاك ولي چه سود كه خود را نميكني ادراك تو مهرِ مشرق جاني بغربِ جسم نهان تو دُرّ گوهر پاكي فتاده در دل خاك توئي كه آينة ذات پاك الهي ولي چه فائده هرگز نكردي آينه پاك غرض توئي ز وجود همه جهان ورنه لما يكون في الكون كائنٌ لولاك همه جهان بتو شادند و خرّم و خندان تو از براي چه دائم نشئة غمناك نجات تو بتو است و هلاك تو از تو ولي تو باز نداني نجات را ز هلاك تو عين نور بسيطي و موج بحر محيط چنان مكن كه شوي ظلمت خس و خاشاك يقول: «أنت خلاصة أركان الانجم والافلاك، ولكن ما الفائدة؟ إذ إنّك لا تدرك نفسك. فأنت شمس مشرق الروح خفيت بمغرب الجسم، أنت درّ وجوهر صافٍ سقط في أعماق التراب. أنت مرآة الذات المنزّهة الإلهيّة، ولكن ما الفائدة؟ فأنت لم تجلُ المرآة أبداً. أنت الهدف من وجود العالم كلّه، ولولا ذلك لما يكون في الكون كائن لولاك. العالم بأجمعه سعيدٌ بك ومسرور وضاحك، فلِمَ أنت جلست دوماً حزيناً ومغموماً؟ العالم بأجمعه مشغول بك وأنت لاهٍ عن نفسك؛ الجميع خائف من غفلتك وأنت لاتبإلی. نجاتُك بك وهلاكك بك، لكنّك مع ذلك لا تميّز نجاتك من هلاكك. أنت عين النور البسيط وموج البحر المحيط، فلا تفعل ما يجعلك ظلمة القشّ والتبن. وإن صرتَ كالمغربيّ حرّاً عن الكائنات، أمكنك بقدمٍ واحدة أن تحلّق من السَمَك إلی سمائك». [28] ـ ينقل المرحوم الملاّ صدرا في «الاسفار» قصّة جرم الافلاك والمواد الدخانيّة لتعلّق النفوس الخسيسة من أصحاب إلیمين وأصحاب الشمال بعد مفارقة البدن، وذلك عن ابن سينا، عمّن لايجازف في قوله (وقال العلاّمة الطوسيّ: وأظنّه يريد الفارابيّ)، ثمّ يقول بعد أن يورد عليه عدّة إشكالات: والعجب أنّ ما صوّره الشيخ والفارابيّ أحسن وأجود من سائر ممّا في كتب غيرهما من الإسلاميّين. ولذا فقد اختاره الغزّإلی في كثير من مصنّفاته، كمواضع من «إحياء العلوم» وفي رسالته «المضنّون به علي غير أهل»، وذلك بعد أن شرحه مفصّلاً. ثُمّ يقول الملاّ صدرا: وأكثر هذه المطالب يوافق ما نقلناه عن «الشفاء» ولعلّه اقتبس منه. («الاسفار» ج 9، ص 148 إلی 253، الطبعة الحروفيّة). وقد ذكر الغزّإلی هذه المطالب مفصّلاً في رسالة «المضنّون به علي غير أهله» المطبوعة في هامش رسالة «الإنسان الكامل» لعبد الكريم الجيليّ، ج 2، ص 84 و 85، طبعة المطبعة الازهريّةـ مصر، سنة 1316 هجريّة. [29] ـ «المنظومة السبزواريّة» ص 337، طبعة ناصري. [30] ـ «المنظومة السبزواريّة» ص 338، طبعة ناصري. [31] ـ «المنظومة السبزواريّة» ص 337 إلی 341، طبعة ناصري. |
|
|