|
|
الصفحة السابقةيقول الحافظ الشيرازيّ رضوان الله عليه في مقام التعليم والوعظ في هذا المجال ببيانٍ بديع: به سرّ جام جم آنگه نظر تواني كرد كه خاك ميكده كُحلْ بصر تواني كرد مباش بي مِي و مطرب كه زير طاق سپهر بدينترانه غم از دل بدر تواني كرد گدائي در ميخانه طُرفه اكسيرست گر اين عمل بكني خاك زر تواني كرد [1] به عزم مرحلة عشق پيش نِه قدمي كه سودها كني ار اين سفر تواني كرد بيا كه چارة ذوق حضور و نظم أُمور به فيض بخشي اهل نظر تواني كرد گُلِ مراد تو آنگه نقاب بگشايد كه خدمتش چو نسيم سحر تواني كرد تو كز سراي طبيعت نميروي بيرون كجا به كوي طريقت گذر تواني كرد جمال يار ندارد نقاب و پرده ولي غبار ره بنشان تا نظر تواني كرد گرت ز نور رياضت خبر شود حافظ چو شمع خنده زنان ترك سر تواني كرد ولي تو تا لب معشوق و جام ميخواهي طمع مدار كه كار دگر تواني كرد [2] وما أروع بيان المغربيّ لحال التجرّد بعد نيله والوصول إلیه: دلي نداشتم آن هم كه بود يار ببرد كدام دل كه نه آن يار غمگسار ببرد به نيم غمزه روانِ من هَزار ربود به يك كرشمه دل همچو من هزار ببرد هزار نقش برانگيخت آن نگار ظريف كه تا به نقش دل ار دستم آن نگار ببرد به يادگار دلي داشتم ز حضرت دوست ندانم از چه سبب دوست يادگار ببرد دلم كه آينة روي اوست داشت غبار صفاي چهرة او از دلم غبار ببرد چو در ميانه در آمد خِرَد كناره گرفت چو در كنار در آمد دل از كنار ببرد[3] اگر چه در دل مسكين من قرار گرفت وليكن از دل مسكين من قرار ببرد به هوش بودم و با اختيار در همه كار ز من به عشوهگري هوش و اختيار ببرد كنوننهجانونهدل دارم و نهعقل ونههوش چو عقل و هوش و دل و جان هر چهار ببرد چو آمد به ميان رفت مغربي زميان چو او به كار درآمد مرا ز كار ببرد [4] وحين يُزاح الستار فستتجلّي هذه الحقائق كالشمس: فَكَشفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ إلیوْمَ حَدِيدٌ. [5] المقدّمة السادسة: إنّه عالم الحشر، أي عالم الجمع؛ فالنفوس التي ترحل عن هذا العالم متّجهة إلی الله تعإلی تتّجه إلی نفس النقطة التي تمثّل بداية خلقتها والتي تنزّلت عنها إلی هذا العالم. جميع الموجودات لها عالم معاد: إنّ جميع موجودات هذا العالم لها معاد وحركة باتّجاه الله المتعال، ومن ثمّ فإنّ جميع النفوس لها معاد، الإنسان والحيوان والنبات، وحتّي الجمادات، كما أنّ نفوس الملائكة والانبياء وجميع الموجودات المجرّدة للعالم العلويّ لها معاد، ومعادها عبارة عن الاندكاك والفناء في ذلك الاسم من أسماء ذات الحقّ الذي وجدت منه. هذه البعوضة لها معاد، أي أنّ القوس النزوليّ الذي طوته في الخلقة ينبغي عليها أن ترتقيه ثانية فتضمحلّ وتفني وتندكّ في ذلك الاسم والصفة التي أوجبت بدءها ونشأتها: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. [6] كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ. [7] إنّ الله تعإلی خلق أوّل ما خلق العقل، حيث ورد في الرواية: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ العَقْلَ. أو النور، حيث ورد ذلك في الرواية أيضاً؛ أو الماء الذي يقصد به الوجود المنبسط وسعة رحمة الله؛ حيث ورد: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ المَاءَ. وعلي كلّ تقدير فإنّ معادها سيكون إلی الذات المقدّسة. ثمّ إنّ الله تعإلی خلق من ذلك الاسم والخلق الاوّل الموجودات المجرّدة كأرواح الملائكة والعقول والنفوس القدسيّة والنفوس الناطقة، ثمّ خلق منها الاسماء الجزئيّة والموجودات المتكثّرة بترتيب النزول من رأس المخروط إلی قاعدته. ومن هنا فإنّ معاد كلّ موجود في هذه السلسلة من المراتب، عبارة عن العودة والرجوع إلی المبدأ الذي خُلق منه، والفناء والاندكاك في ذلك الاسم للحيّ القيّوم. وقد صرّح بهذه المطالب بصورة كاملة في دعاء السمات، وهو من أرقي الادعية الحاوية لنكات ودقائق عرفانيّة عجيبة، كما صرّح بذلك في الروايات التي تذكر كيفيّة نشوء العالم من أسماء الله تعإلی. والإنسان ـ بدوره ـ يعود إلی المبدأ الذي خُلق منه، وإلی المكان الذي جُبلت منه طينته، سواءً كان من عليّين أم من سجّين. وتدعي حركة الإنسان من عالم الكثرة إلی مقام الوحدة، ومن الاعتبار إلی الحقيقة حشراً، أي أنّ عالم الجمع عالمٌ يجمع فيه الإنسان وينطوي ويفني ويندكّ ويضمحلّ. جاء في كتاب « أقرب الموارد » أنّ الحشر بمعني الجمع: وَيَوْمُ الحَشْرِ يَوْمُ البَعْثِ وَالمَعَادِ، وَهُوَ مَأخُوذٌ مِنْ حَشَرَ القَوْمَ إِذَا جَمَعَهُم. وقال الجوهريّ في « صحاح اللغة »: حَشَرْتُ النَّاسَ أحْشُرُهُمْ وَأحْشِرُهُمْ: جَمَعْتُهُمْ، وَمِنْهُ يَوْمُ الحَشْرِ. وقال ابن منظور في « لسان العرب » بعد نقله مقولة « الصحاح »: وَالحَشْرُ جَمْعٌ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ. وبطبيبعة الحال فإنّ للحشر معنيً آخر، وهو اجتماع الناس مع بعضهم يوم القيامة، حيث ورد: ذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَ ' لِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ. [8] افرضوا ـ من باب المثال ـ أنّ أفكاركم تضطرب في وقتٍ ما، وأنّ الخواطر الذهنيّة تهاجمكم من كلّ صوب، وأ نّكم مهما حاولتم تصفية أذهانكم من هذه الخواطر والاوهام فشلتم وعجزتم، ثمّ إنّكم تعمدون إلی تسكين أنفسكم بكلّ وسائل التسكين والتهدئة، فتختلون بأنفسكم وتزورون أهل القبور، وتعودون المرضي والبائسين، وتتذكّرون الآخرة والموت وتلقّنون أنفسكم بأنّ الدنيا فانية زائلة، حتّي يهدأ بالكم شيئاً فشيئاً، وتغادركم الخواطر المضطربة، وتنصرفون إلی أنفسكم وتنغمرون في الطمأنينة وسكينة الخاطر وهدوء البال، ويصفو ذهنكم من المنغّصات والمكدّرات ومن الافكار المُبهجة أو المُحزنة. علينا أن نتّجه إلی حيث يصفو ذهننا من كلّ ما سوي الله تعإلی، وإلی حيث يفني وجودنا في ذاته القدسيّة، وهذا هو معني وَإِنَّآ إلیهِ رَ ' جِعُونَ. هناك حيث لاظلمة ولا معصية ولا أوهام ولا أفكار مشوشة، هناك حيث عالم الجمع ومقام التجرّد المطلق. المقدّمة السابعة: إنّه عالم النشر، والنشر بمعني البسط، حيث إنّ لدينا عالماً للنشر يلي عالم الحشر، أي أنّ ذلك النحو من الجمع والفناء يعود فيُبسط ويُنشر أشبه بلفافة قماشيّة مطويّة تُفتح الآن فيُعرض للانظار جميع خصائصها ومساحتها وشكلها وأبعادها. قال العلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظلّه العإلی في تفسير الآية: وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإلیهِ النُّشُورُ؛ [9] النشر إحياء الميّت بعد موته، وأصله من نَشَرَ الصَّحِيفَةَ وَالثَّوبَ إِذَا بَسَطَهُمَا بَعْدَ طَيِّهِمَا. وقوله وَإلیهِ النُّشُورُ، أي ويرجع إلیه نشر الاموات بإخراجهم من الارض وإحيائهم للحساب والجزاء. [10] وجاء في « أقرب الموارد »: وَنَشَر الثَّوْبَ وَالكِتَابَ نَشْرًا: بَسَطَهُ، خِلافُ طَوَاهُ، وَنَشَرَ اللَهُ المَوْتَي نَشْراً وَنُشُوراً، أَحْيَاهُمْ فَكَأَ نَّهُمْ خَرَجُوا وَنُشِرُوا بَعْدَمَا طُووا. [11] وقال الجوهريّ في « صحاح اللغة »: وَنَشَر المَتَاعَ وَغَيْرَهُ يَنْشُرُهُ نَشْراً بَسَطَهُ؛ وَمِنْهُ رِيحٌ نُشُورٌ، وَرِيَاحٌ نُشْرٌ، وَنُشِرَ المَيِّتُ يُنْشَرُ نُشُوراً، أَي عَاشَ بَعْدَ المَوْتِ؛ قَالَ الاَعْشَي: حَتَّي يَقُولُ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَبَاً لِلمَيِّتِ النَّاشِرِ وَمِنْهُ يَوْمُ النُّشُورِ، وَأَنْشَرَهُم اللَهُ أَي أَحْيَاهُمْ. [12] وأورد ابن الاثير في « النهاية » أ نّه في حديث الدعاء: لَكَ المَحْيَا وَالمَمَاتُ وَإلیكَ النُّشُورُ؛ يُقَالُ نُشِرَ المَيِّتُ يُنْشَرُ نُشُورَاً: إِذَا عَاشَ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَنْشَرَهُ اللَهُ أَي أَحْيَاهُ. [13] وأورده في « لسان العرب » بنفس هذه الالفاظ وعقّب عليه بقوله: وَمِنْهُ يَوْمُ النُّشُورِ. [14] ويستخلص ممّا قيل أنّ عالم النشر يعني عالم الحياة، أي أنّ الناس يفنون في سيرهم إلی الله تعإلی ثمّ يتحرّكون ثانية من الفناء إلی البقاء، وينشرون مثل نشر لفافة الثوب المطويّة ويحصل لهم إحاطة وجوديّة وإحاطة علميّة بأعمالهم ويتعرّضون للحساب والجزاء والعرض والسؤال. تماماً مثل لفافة مكتوبة طويلة كُتبت وطُويت فلم يعد لاحد علم بمضمونها ومطالبها، لكنّها تُفتح وتُبسط فيتّضح ما فيها. وهذا العالم هو عالم البقاء بالله، الذي يُدعي أيضاً بالبقاء بعد الفناء، وقد ورد في عالم المعاد والحشر تعبير: إلیهِ تُقْلَبُونَ، أي أ نّكم تقلبون إلی الله فيطوي عالم الكثرة ويضمحلّ. كما ورد تعبير: وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ، أي أنّ ما كنتم تتخيّلون وتزعمون سيفني ويزول ويتلاشي. أمّا في عالم النشر فالامر علي العكس، إذ يبعث جميع الاموات وتظهر المخفيّات، ويقف الإنسان علي جميع أعماله وعباداته ومعاصيه ونواياه وأخلاقه وملكاته وعقائده. أمّا الآن وقد اتّضحت هذه المقدّمات السبع فنقول: إنّ الإنسان سيصل إلی مقام البقاء بعد أن يصل إلی مقام الفناء، وأدني درجات ذلك أن تحصل له الإحاطة العلميّة والوجوديّة بكثراته. أي أ نّه سيحصل علي السيطرة علي عالمي الزمان والمكان، وسيقف علي نفسه منذ زمن ولادته إلی موته، وذلك بهذا البدن العنصريّ ومع جميع الافعال التي عملها، وسيحصل علي السيطرة الوجوديّة علي جميع سيرته من الاعمال الصالحة والطالحة. أي أ نّه سيدرك بدنه المادّيّ العنصريّ وجداناً، ليسللحظة واحدة، بل لجميع مدّة عمره مع جميع الآثار والخصائص والمستلزمات. وكما تحيط روحنا ببدننا في هذه اللحظة، فإنّ روح الإنسان ستجد الإحاطة الوجوديّة ببدنه في جميع مدّة عمره ومع جميع خصوصيّاته ومقارناته، وستهيمن عليه بتمام معني الكلمة، وسيكون للروح علم حضوريّ ببدنها وسيرته. وكما سبق أن ذكرنا، فباعتبار أنّ الإنسان سيتجلّي مع أعماله في ذلك العالم في صورة ملكوتيّة، وأنّ حقائق الاشياء ستنكشف له، وأنّ الجنّة وجهنّم، الثواب والعقاب، هي ـمن جهة أُخريـ نفس توفية الاعمال وحقائق الافعال وتجسّد روحها وواقعها، فإنّ الإنسان سيحصل ـمن ثمّـ علي الإحاطة بجميع بدنه العنصريّ مع النيران التي سعّرها أو الورود وإلیاسمين التي غرسها، وليست هذه الإحاطة مجرّد علم وإحاطة تصوّريّة، بل هي إحاطة وجوديّة أشبه بالروح المجرّدة، والله العالم.
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم وصلَّي الله علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين عالم العرض وحضور الإنسان في ساحة الله عزّ وجلّقال الله الحكيم في كتابه الكريم: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُو´ءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ و´ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَهُ نَفْسَهُ و وَاللَهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ.[15] يستفاد من هذه الآية الكريمة أنّ أمام الإنسان يوماً يري فيه جميع أعماله حاضرة أمامه ومشاهدة ومحسوسة، وأ نّه سيجد أعماله السيّئة حاضرة ـبدورهاـ أمامه باعتبار ملازمتها لنفسه ولا نّها أثر نفسه، فيودّ من شناعتها وشدّة قبحها ومن إحساسه بالصَّغار والخجل والانزعاج لو كان بينه وبين تلك الاعمال القبيحة فاصلاً بعيداً. ولكن ـ ومع الاسف ـ فليس هناك من فاصل بينه وبينها، فتلك الاعمال تلازمه وتلاصقه لا نّها ارتُكبت بإرادته واختياره، ولا نّها من آثاره وتبعاته ووليدة علمه، لذا فهي قرينه الذي لاينفكّ عنه. وقد ذكرنا في البحث السابق علي أساس المقدّمات السبع أنّ المعاد لنيكون معاداً جسمانيّاً فحسب، بل إنّ البدن العنصريّ سيمثل مع عمله في محضر الله تعإلی بجميع خصائص ذلك العمل ولوازمه وآثاره وخفاياه ونواياه. ليس خلال لحظة واحدة فحسب، بل إنّه سيمثل أمام الإنسان كبدن سيّال منذ نقطة الولادة إلی نقطة الموت، فجميع هذا الزمان سيمثل أمام الإنسان بحيث لايحتاج الامر إلی خمسين سنة ليُشاهد الإنسان جميع الاحداث والاعمال التي فعلها خلال السنوات الخمسين المنصرمة، بل إنّه سيحيط خلال لحظة واحدة بجميع هذه الاعمال التي فعلها خلال هذه السنوات. والعلّة في الامر أنّ ذلك الإنسان هو إنسان فوق الزمن، وأنّ الإدراك الذي يحصل للإنسان في ذلك العالم تجاه الموجودات الزمانيّة لايحتاج إلی زمن، بمعني أنّ التجرّد الذي تحصل عليه النفس في تلك المراحل يكفيها لتدرك كلّ ذلك في لحظة واحدة. بل لا وجود آنذاك للحظةٍ واحدة، فهذه التعبيرات من باب ضيق العبارة، فالإنسان يجد الإحاطة ـخلال لحظة واحدة هي دهر في نفس الوقتـ بجميع الزمان والزمانيّات، ومن بينها الاعمال التي فعلها بنفسه. وهذا ما يحصل بعد مقام الفناء بالله تعإلی الذي يمثّل مقام الجمع والحشر، وفي مقام البقاء بالله الذي يُدعي بالفَرْق والحَشْر. وليس هناك في مقام الفناء من أمر معيّن، أي حين تتحرّك النفس في عالم الجمع والحشر صوب الخالق المتعال، فليس ثمّة من أمر غيرالتحيّر وجهل كلّ ما سواه، وليس ثمّة شيء غير الاستغراق في الذات المقدّسة للخالق تعإلی. وبعد أن يحصل ـ بأمر الله تعإلی ـ البقاء بعد الفناء ( الذي يُدعي بمقام جمع المجموع )، فإنّ الإنسان سيُحيط بجميع العوالم الزمان والزمانيّات، ومن بينها الاعمال التي صدرت منه منذ ولادته إلی موته، وهذه الاعمال لاتدوّن في صحيفة فيُعطاها في يده، بل إنّ حقيقة هذه الاعمال تُري للإنسان، كما ليست صحيفة الاعمال عبارة عن كتاب مدوّن قد سُجّل فيه ما فعله في إلیوم الفلانيّ وما ارتكبه في الساعة الفلانيّة، بل إنّ صحيفة الاعمال هي كتاب التكوين والتحقّق المدوّن في عالمي الخارج والوجود والحدوث. وسيمثل في كتاب الوجود والحدوث ذلك ما نشأ من الإنسان، فنفس العمل وحقيقته موجودان في كتاب التكوين، وسيُعرضان للإنسان فيراهما بأُمّ عينيه، ليس كمن ينظر إلی ستار السينما ويتفرّج علي الاحداث المصوّرة المعروضة عليه، ومن بينها الاعمال التي فعلها بنفسه، إذ ليس الامر علي هذا النحو. بل إنّ العلم الذي يحصل للإنسان بأعماله علم حضوريّ لاحصوليّ، أي أنّ ذلك المعلوم ليس خارجاً من دائرة نفسه، بل من علوم نفسه، فنسفه محيطة بتلك العلوم وبنفسها، لا نّها قد أشرقت في مقام التجرّد ووصلت إلی مقام البقاء وخرجت من مقام الفناء وحصلت بعد الفناء علي البقاء بالله تعإلی، لذا فإنّها ستحصل من خلال حال التجرّد تلك علي السيطرة علي عالم كثرتها. وكما نحيط الآن بجميع قوانا، أي كما أنّ جميع قوانا موجودة لدينا؛ وكما أنّ ذهننا لنا، وكما أنّ عقلنا لنا، وكما أنّ حسّنا المشترك والقوّة الحافظة والقوّة الواهمة هي لنا، وكما أنّ لدينا علماً حضوريّاً ـلاحصوليّاًـ بالنسبة إلی قوانا هذه؛ فالامر كذلك هناك، حيث يحصل للإنسان علم حضوريّ بجميع أعماله، فيهيمن ويُسيطر علي حقيقة أعماله منذ زمن ولادته إلی زمن موته. وسيجد في لحظة واحدة جميع هذا الزمن المتطاول مع جميع تفاصيله وحالاته ولحظاته من أعمال الشرّ والخير وجميع نواياه وأفكاره وأخلاقه وملكاته وعقائده، وليست تلك اللحظة لحظةً لتزول من ثمّ، لانّ العالم هناك ليس عالماً زمنيّاً، وليس من تدريج وتغيّر وتبدّل، بل هو عالم الوجدان. وهو عالم مدهش ومثير للعجب، يسيطر فيه الإنسان ويُهيمن علي نفسه وعلي جميع أعماله ويري ما الذي فعل وما الذي اجترح، ويُدعي ذلك العالم بعالم العَرْض الذي يمثّل أحد العوالم التي تنتظرنا بعد عالمي الحشر والنشر. فقد كان عالم الحشر عالم الجمع، وكان عالم النشر عالم البسط والبقاء ونشر النفس في كثراتها، أمّا عالم العَرْض فيلي البقاء، حيث يُعرض علي الله تعإلی الإنسان المحيط بأعماله وأفعاله وسيرته، وحيث يدرك الإنسان بالوجدان نفسه مع جميع ما قدّم في سابق الايّام وفي أواخرها: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ. [16] فيُعرض ذلك كلّه في محضر الله تعإلی: وَعُرِضُوا عَلَي' رَبّـِكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـ'كُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّـن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا. [17] لقد تركتم جميع الآمال وخلّفتم الزوجة والولد والاُمور الاعتباريّة التي أحاطتكم من كلّ جهة، والتي اعتمدتم عليها في عالم المجاز والاعتبار، تركتموها بأجمعها وراءكم وأتيتم إلی هذا العالم فرادي كما هي حالكم حين أتيتم إلی الدنيا. ولم تكونوا تحسبون أبداً أنّ لكم موعداً ستحضرون فيه لدينا، ولو ظننتم ذلك لاعددتم ـعلي أقلّ تقديرـ مستلزمات سفركم لئلاّ تُبتلون هنا بهذه الآثار والاعمال التي قدّمتوها فصارت تلازم أنفسكم. مقام عرض الكفّار علي نار جهنّم.يَوْمَنءِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَي' مِنكُمْ خَافِيَةٌ. [18] وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَي النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـ'تِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا. [19] أي أ نّكم أذهبتم طيّباتكم وثرواتكم الطيّبة الزكيّة من العمر والعقل والقدرة والعلم والحياة والراحة والامن وأمثالها في الحياة الدنيا الحيوانيّة الوضيعة لا في الحياة السامية؛ ولقد منّ الله عليكم بمقامكم ومنصبكم الحقيقيّ من أجل كسب الكمال وطيّ سبيل التقرّب إلی الله تعإلی ولإعداد الزاد والراحلة لسفر لقاء الله وزيارة الخالق المتعال، وللسير تجاه مقام التجرّد والعثور علي النفس؛ لكنّكم بدلاً من أن توظّفوا هذه الثروات لإضاءة عقبات الطريق الموحشة ولفتح مخابي العدوّ والنفس الامّارة التي تكمن باستمرار لقاصدي هذا السفر، لتكونوا في مأمن الصدق، فقد أنفقتم تلك الطيّبات خلال الحياة الدنيا في الغفلة والشهوات وإعمال القوي الغضبيّة والوهميّة بلا داعٍ ولا مبرر، وانصرفتم إلی الاستكبار والتكاثر واكتناز المال بلامبرر، وكسب الجاه والاعتبار الكاذب والحيثيّة والكرامة التي لاقيمة لها، وأنفقتم تلك الطيّبات في هذه الحياة المعاشة الوضعيّة الحيوانيّة، وقدمتم إلی هنا بأيدٍ خإلیة دون أن تكسبوا كمالاً، فمكانكم في النار! إن تلك الطيّبات ثروتكم التجاريّة وعُدّتكم في العمل لسفر الآخرة، وقد أهدرتموها وضيّعتموها فليس لكم إلیوم ثمّة شيء يمكنه العبور بكم من هذه المراحل: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَي النَّارِ إلیسَ هَـ'ذَا بِالْحَقِّ[20]. ولو افترضنا أنّ الإنسان يمكنه هناك أن يُنكر كلّ شيء إلاّ أ نّه لنيمكنه أن يُنكر وجوده وآثاره ولوازمه المترشّحة عن وجوده. وآنذاك فإنّ الإنسان سيجد علي نحو العلم الحضوريّ أفعاله وأعماله التي تبدّلت إلی نار، فيُسأَل منه علي نحو الاستفهام التقريريّ: إلیس هذا بالحقّ؟ بلي حقٌّ هو، وليس هناك ثمّة حقّ بمثل هذا الوضوح والجلإ. هذه هي حقيقة المعاد، ليس هو المعاد الروحانيّ فقط، وليس هو المعاد الجسمانيّ فقط لنقول بأنّ الله يستبقي ذرّة من الموادّ الاصليّة ليكون كذا وكذا... من الاقوال الخاطئة من أساسها. لقد أخطأ البعض في بعض هذه المقدّمات السبع أو في جميعها فظنّوا ـفي العاقبةـ مثل هذه الاُمور، فقد اعتبروا أنّ عالم المعاد في عرض هذا العالم، وأنّ عالم البرزخ وعالم القيامة يبدآن بعد انقضاء زمن هذه الدنيا، وقد اتّضح ـبناءً علي المقدّمات السالفة الذكرـ أنّ عالم المعاد في طول هذا العالم لافي عرضه. إنّ المعاد الجسمانيّ من ضروريّات الإسلام، ومن الاُمور التي لايمكن إنكارها، أمّا المعاد المادّيّ العنصريّ فلم يعدّه أحد من الضروريّات، ولم يقم المرحوم صدر المتأ لّهين والمرحوم الحكيم السبزواريّ بإثباته[21]، لكنّ الله العليم منّ علينا فبرهنّا علي المعاد المادّيّ العنصريّ بالطريق الذي ذكرناه اعتماداً علي موازين البرهان، وللّه الحمد وله المنّة علي نواله. وعلينا الآن أن نري هل الحشر والمعاد مختصّان بالإنسان، أم أ نّهما يشملان سائر الموجودات كذلك؟
كلام صدر المتأ لّهين في «الاسفار» في حشر جميع الموجوداتلقد ورد في آيات القرآن الكريم: إلی اللَهِ الْمَصِيرُ؛[22] الآ إلی اللَهِ تَصِيرُ الاْمُورُ؛ [23] إلی اللَهِ تُرْجَعُ الاْمُورُ. [24] يقول صدر المتألّهين في « الاسفار » في معاد وحشر جميع الموجودات « إنّ من تأمّل وتدبّر في هذه الاُصول والقوانين العشرة التي أحكمنا بنيانها وشيّدنا أركانها ببراهين ساطعة وحجج قاطعة لامعة مذكورة في كتبنا وصحفنا سيّما هذا الكتاب تأمّلاً كافياً وتدبّراً وافياً بشرط سلامة فطرته عن آفة الغواية والاعوجاج، ومرض الحسد والعناد، وعادة العصبيّة والافتخار والاستكبار، لم يبق له شكّ وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والاجساد، ويعلم يقيناً ويحكم بأنّ هذا البدن بعينه سيُحشر يوم القيامة بصورة الاجساد، وينكشف له أنّ المعاد في المعاد مجموع النفس والبدن بعينها وشخصهما، وأنّ المبعوث في القيامة هذا البدن بعينه لابدن آخر مباين له عنصريّاً كان، كما ذهب إلیه جمع من الإسلاميّين، أو مثإلیاً كما ذهب إلیه الإشراقيّون؛ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملّة، الموافق للبرهان والحكمة، فمن صدّق وآمن بهذا فقد آمن بيوم الجزاء، وقد أصبح مؤمناً حقّاً، والنقصان عن هذا الإيمان خذلان وقصور عن درجة العرفان، وقول بتعطيل أكثر القوي والطبائع عن البلوغ إلی غاياتها والوصول إلی كمالاتها ونتائج أشواقها وحركاتها. ويلزم أن يكون ما أودعه الله في غرائز الطبائع الكونيّة وجبلاّتها من طلب الكمال والتوجّه إلی ما فوقها هباءً وعبثاً وباطلاً وهدراً، فلكلّ قوّة من القوي النفسانيّة وغيرها كمال يخصّها ولذّة وألم وملائمة ومنافرة تليق بها، وبحسب كلّما كسبته أو فعلته يلزم لها في الطبيعة الجزاء والوفاء، كما قرّرته الحكماء من إثبات الغايات الطبيعيّة لجميع المبادي والقوي، عإلیة كانت أم سافلة: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَ ' تِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَهُ جَمِيعًا. [25] وقوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا. [26] وإلیه الإشارة بقوله تعإلی: مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَي' صِرَ ' طٍ مُّسْتَقِيمٍ. [27] وكلّما في الكون من الجواهر الطبيعيّة دابّة لما بيّنّاه من حركاتها الذاتيّة، فالله آخذ بناصية نفوسها وطبائعها وهو موليها نحوه وجاذبها إلیه، ومَن تَحقّق بهذا تيقّن بلزوم عود الكلّ ولم يشتبه عليه ذلك، وهذا مقتضي الحكمة والوفاء بالوعد والوعيد ولزوم المكافاة في الطبيعة والمجازاة. ولنا رسالة علي حدة في هذا الباب بيّنّا فيها حشر جميع الاشياء الكائنة حتّي الجماد والنبات إلی الدار الآخرة وحشر الكلّ إلیه تعإلی ببيانات واضحة وقواعد صحيحة برهانيّة مبناها علي أن لا معطّل في الطبيعة ولاساكن في الخليقة، فالكلّ يتوجّه نحو الغاية المطلوبة، إلاّ أنّ حشر كلّ أحد إلی ما يناسبه ويجانسه، فللإنسان بحسبه وللشياطين بحسبهم وللحيوانات بحسبها، وللنبات والجماد بحسبهما كما قال تعإلی في حشر أفراد الناس: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلی الرَّحْمَـ'نِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلی' جَهَنَّمَ وِرْدًا. [28] وفي ( حشر ) الشياطين: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَـ'طِينَ. [29] وفي ( حشر ) الحيوانات: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَت. [30] وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ و´ أَوَّابٌ. [31] وفي ( حشر ) النبات: وَّالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. [32]وقوله تعإلی: وَتَرَي الاْرْضَ هَامِدَةً [33] فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، [34] إلی قوله: وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ. [35] وفي حقّ الجميع: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَي الاْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرنَـ'هُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَي' رَبِّكَ صَفًّا. [36] وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الاْرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإلینَا يُرْجَعُونَ. [37] وقوله تعإلی: كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ. [38] كلام صدر المتأ لّهين في «رسالة الحشر» في حشر جميع الموجودات.ومع أنّ « رسالة الحشر » لصدر المتألّهين رسالة في منتهي الإيجاز والاختصار، فإنّها تتضمّن خزائن العلم والمعرفة وتعدّ من نفائس ذخائر الكتب، حيث طبعت في حاشية كتاب « المبدأ والمعاد » وجُمعت ـإضافة إلی ذلكـ مع ثمان رسائل أُخري لصدر المتأ لّهين وطُبعت في مجموعة مستقلّة عرفت باسم « رسائل الملاّ صدرا ». وقد جري في هذه الرسالة إثبات أنّ جميع الموجودات ـوبضمنها الملائكة والإنسان والجنّ والنباتات والجماداتـ تمتلك معاداً وحشراً، فقد قسّم الموجودات ابتداءً إلی خمس مجاميع، ثمّ قال: الطبقة الاُولي: المفارقات العقليّة؛ وعالمهم عالم القضاء الإلهيّ وهي صور علم الله بالانواع الكاينة ومفاتيح الغيب التي لايعلمها إلاّ هو وخزائن الرحمة التي ما نزّلها إلاّ بقدر معلوم. الطبقة الثانية: هي الارواح المدبّرة العقليّة المتعلّقة بالاجرام العلويّة والسفليّة ضرباً من التعلّق، وعالمهم عالم القدر الربّانيّ ولوح المحو والإثبات. والطبقة الثالثة: هي الارواح المدبّرة الجزئيّة والنفوس الخيإلیة المتعلّقة بالاجرام السفليّة الدخانيّة أو الناريّة، ومنها ضرب من الإنس والجنّ والشياطين. والطبقة الرابعة: هي النفوس النباتيّة وغيرها من الطبايع السارية في الاجسام المحركة إيّاها، المتحرّكة بتحريكها، المتجدّدة في كلّ آن، وهي المشار إلیها بقوله: غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرَونَ. [39] وإنّما جمعت بصيغة ذوي العقول لمدبّرها العقليّ ومحرّكها الروحانيّ كما ستعلم، ومن هذه الطبقة أيضاً من الجهة التي أومأنا إلیها الزبانية وسدنة جهنّم المأمورون بقوله تعإلی: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ. [40] ومنهم الموكلّون علي السحاب والامطار والبحار والجبال والارض والمعادن والنباتات وغيرها. والطبقة الخامسة: هي الابعاد والاجرام، وهي أسفل السافلين ومهوي النازلين ومثوي المتكبّرين. فإذا تمهّد هذا فلنرجع إلی حشر كلّ من هذه الطبقات إلیه تعإلی بياناً علي التفصيل بعد ذكر إجمإلی يعمّها، وهو أنّ الله تعإلی لم يخلق شيئاً إلاّ لغاية، فإنّه ما من موجود ممكن إلاّ وله فاعل وغاية، ومن الموجودات وهي المركّبات ما له علل أربع هي هما مع المادّة والصورة، إلاّ أنّ البسيط لايكون له من العلل إلاّ الفاعل والغاية، لانّ صورته بعينها ذاته ولامادّة له، وقد ثبت بالبرهان أنّ الغاية الاخيرة في فعله تعإلی هي ذاته، وذاته غاية الغايات كما أ نّه مبدأ المبادي، ولا شكّ أنّ غاية الشيء ما له بالذات أن يصل إلیه وينتهي به إلاّ أن يعوقه عائق، وكلّ ما لا يمكن الوصول إلیه لميكن إطلاق اسم الغاية عليه إلاّ بالمجاز، فلا يكون غاية بالحقيقة. وقد فُرض أ نّه غاية، هذا خلف. فثبت بما ذكر أنّ جميع الممكنات بحسب الجبلّة الغريزيّة طالبة له تعإلی متحرّكة إلیه تعإلی حركة معنويّة، مشتاقة إلی لقائه بالوصول، وهذه الحركة والرغبة لكونها مرتكزة من الله تعإلی في ذاتها يجب أن لاتكون عبثاً ولامعطّلاً، فلا محالة متحقّقة في غالب الامر بلا عايق وقاسر، والقسر علي الطبع كما ثبت في مقامه لا يكون دائميّاً ولا أكثريّاً فيزول لامحالة ولو بعد زمان طويل، فيعود حكم الطبيعة، ومن هنا يعلم أنّ كلّ طبيعة نوعيّة يؤدّي يوماً إلی غايتها الاصليّة، وغاية الشيء أشرف من الشيء ذي الغاية، وغاية الجوهر أكمل جوهريّةً منه وأقوي وجوداً في ذاتها، وننقل الكلام إلی نفس تلك الغاية وتوجّهها الذاتيّ إلی غاية الغاية، وهكذا إلی أن ينتهي إلی غاية لا غاية وراءها وهي غَايَةُ الغَايَاتِ وَمُنْتَهَي الحَرَكَاتِ وَالرَّغَبَاتِ وَمَأْوَي العُشَّاقِ الإلَّهَيِينَ وَالمُشتَاقِينَ مِنْ ذَوِي الحَاجَاتِ. [41] حشر الروح الاعظم والملائكة المقرّبين والاسماء والصفات الكلّيّةكان هذا هو البيان الإجمإلی لصدر المتأ لّهين في رسالة « الحشر »، أمّا بيانه التفصيليّ فإنّه يتضمّن درجة من التعقيد بحيث يعسر فهمه لعامّة الناس فضلاً عن اقترانه بالمصطلحات الفلسفيّة، لذا فقد أوردنا تلك المطالب في قالب بسيط ولغة سهلة استخدمنا فيها اصطلاحات القرآن الكريم والروايات، ونقدّمه للقرّاء المحترمين بهذه الكيفيّة: إنّ الحشر والمعاد أمر عامّ لجميع الموجودات حتّي الجمادات والمادّة والهيولي الاوّليّة، وصولاً إلی العقول المفارقة وأرواح عالم العلّيّين والملائكة المقدّسين والروح الاعظم، وللملائكة الثانويّين والنفوس الإنسانيّة والشياطين والحيوان والنبات. ولدينا موجودات تفوق جميع الموجودات الاُخري بلحاظ القدرة وشدّة الحياة والعلم والقدرة، وتدعي بلسان الشرع الاسماء والصفات الإلهيّة الكلّيّة والروح والملائكة المقرّبين، وقد عبّر عنها الفلاسفة بالعقول المجرّدة والعقول المفارقة وبتعبيرات مختلفة أُخري. ولهذه مقامات في غاية الرفعة ولها إحاطة كبيرة، مثل جبرائيل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل الذين يمثّلون واسطة الفيض من الذات القدسيّة للحضرة الاحديّة عزّ وجلّ إلی جميع العوالم، ووجودهم وعلمهم وقدرتهم في غاية العظمة. فميكائيل ـ مثلاً ـ واسطة الرزق من جانب الله تعإلی لجميع العوالم في جميع لحظات عالم الدهر والزمان، فالرزق في يده سواء الرزق الروحانيّ والمعنويّ أم الصوريّ والذهنيّ أم المادّيّ والطبيعيّ. وبطبيعة الحال فإنّ عمله ليس منفصلاً عن الله تعإلی، بل إنّ الله سبحانه يرزق من خلال نافذة ومرآة وشبكة هذا الملك المقرّب الوجوديّة؛ كما أنّ جبرائيل يمنح عالم الإمكان الفهم والعلم والشعور، ويفيض علي الكائنات العلم والشعور. أمّا إسرافيل فوظيفته بسط عالم الحياة، حياة الكرات السماويّة، حياة عالم المادّة، حياة عالم البرزخ والقيامة، حياة الطبع والمثال والنفس والعقل، حياة حيتان البحار وطيور السماء ووحوش الفلوات، وفي نهاية الامر حياة جميع الموجودات. وينبغي ألاّ يتصوّر أنّ معني الحياة هو ما يحصل في بداية الامر لموجودٍ معيّن، كالإنسان الذي يحيي مثلاً، أو كالبيضة التي تتبدّل إلی فرّوج، أو كبيوض الجراد والنمل التي تفقس عن صغارها؛ بل إنّ هناك حياةً جديدة في كلّ لحظة، وحياةً بعد حياة، ومنحاً لحياة مستمرّة متعاقبة. وكما ينفخ الحدّاد في كيره باستمرار لئلاّ تخمد النار وتخبو، فإنّ إسرافيل يُحيي باستمرار وينفخ في الموجودات الحيّة نَفَس الحياة ويبعث فيها حياةً دائمة مستمرّة. أمّا عزرائيل فمكلّف بالإماتة وقبض أرواح جميع الموجودات، ليسالموت الطبيعيّ المعهود لوحده، بل إنّه يقبض حياةً ويسبّب موتاً في كلّ لحظة. إنّ لدينا موتاً وحياةً في كلّ لحظة، وهذا الخلع واللبس المستمرّ، وهذه الحياة والموت المستمرّين للفرد في كلّ لحظة، إنّما يحصلان لتكامل الفرد ووصوله إلی المعاد والحشر ولقاء الله تعإلی: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَو'َةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيرُ الْغُفُورُ. [42] وهذا اللبس المتعاقب يحصل علي يد إسرافيل، وهذا الخلع المتعاقب يحصل علي يد عزرائيل، فهذا يخلع وذاك يُلبس، هذا يمنح الموت وذاك يمنح الحياة. علي أنّ مقام الروح أشرف وأعظم وأفضل من هؤلإ الملائكة المقرّبين، لذا نري أنّ القرآن الكريم قد ذكر الملائكة بصيغة الجمع والروح بصيغة المفرد: تَتَزَّلُ الْمَلَـ'´نءِكَةُ وَالرُّوُحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِّن كُلِّ أَمْرٍ. [43] وبطبيعة الحال فإنّ المراد من الروح ليس هذه الارواح الإنسانيّة، بل إنّ هذه الارواح الجزئيّة الإنسانيّة منطوية تحت ذلك الروح الكلّيّ والروح الاعظم. صعود الروح والملائكة إلی الله وحشرهم في خمسين ألف سنةكما أنّ خلقة ذلك الروح الاعظم عجيبة بلحاظ الإحاطة والسعة. وحين يريد الروح والملائكة المقرّبون العروج إلی الله سبحانه، فإنّ ذلك يستغرق منهم خمسين ألف سنة: مِّنَ اللَهِ ذِي الْمَعَارِجِ* تَعْرُجُ الْمَلَـ'نءِكَةُ وَالرُّوحُ إلیهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ و´ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. [44] والمراد من إلیوم هنا المرحلة الزمنيّة، أي أنّ ذلك العروج سيتمّ في مرحلة زمنيّة طولها خمسون ألف سنة. ومن ثمّ فإنّ ما تتناقله الافواه من أنّ لدينا يوماً في القيامة طوله خمسون ألف سنة ليس صحيحاً، لانّ المراد بذلك مرحلة عروج وعودة الروح والملائكة مع جميع العوالم المنطوية تحت تدبيرهم، فذلك الروح وأُولئك الملائكة يأتون إلی الارض في مهمّة ما، ثمّ يعودون إلی مقامهم الاوّل ويعرجون إلی الله تعإلی بعد تكامل دورة طبيعتهم وأنفسهم، فيستغرق هذا العروج خمسين ألف سنة. ولدينا في القرآن الكريم: رَفِيعُ الدَّرَجَـ'تِ ذُو الْعَرْشِ ( أي ذوعرش الحكم علي جيمع العوالم، ذلك العرش الوسيع الذي يتّسع لجميع موجودات العالم العلويّ والسفليّ، المُلكيّ والملكوتيّ وعالم الوجود ) يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَي' مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ. [45] فمن اتّصل به الروح الاعظم صار بإمكانه إنذار الناس وإيقاظهم ولفت أنظارهم، أمّا من لم يتّصل. بالروح ولم يرتوِ من معينه، فإنّه لنيتمكّن من إنذار الناس. وذلك الروح يُلقي علي الانبياء والائمّة لينذروا الناس من خلال الارتباط المعنويّ مع ذلك الروح الاعظم؛ وبغير ذلك فأ نّي للغافل النائم أن يوقظ الغافل؟ وهذا المنصب والمقام ( أي مقام الارتباط بالروح ) مختصّ بأُولئك الانبياء والائمّة، أمّا باقي أفراد البشر فلا يعلمون شيئاً عن ذلك الروح الاعظم، إلاّ أولياء الله والمخلصين والمقرّبين الذين تحرّكوا في متابعة الانبياء والائمّة وحظوا بذلك الفوز العظيم ووصلوا ءلي مقام التوحيد. والخلاصة فإنّ فناء الروح الاعظم والملائكة المقرّبين وحشرهم يحصل في ذات الله تعإلی، أمّا الارواح الجزئيّة الإنسانيّة ( المدبّرة للبدن والطبيعة ) ففناؤها في المبدأ الذي جاءت منه وتفرّقت عنه. كما أنّ الارواح الجزئيّة للانبياء العظام والائمّة الكرام والمقرّبين ذوي العزّ والإكرام تفني في الروح الاعظم. فهم يفنون في ذلك الروح الاعظم، والروح يفني ـبدورهـ في ذات الحقّ تعإلی، والفانيّ في الفانيّ في شيء إنّما يفني في ذلك الشيء؛ فالجميع ـمن ثمّـ فانون في ذات الحقّ تعإلی. وقد ذكر الروح الاعظم والملائكة المقربّون في الاخبار بتعبيرات مختلفة مثل أوّل ما خلق الله، أو عالم القضاء، أو أُمّ الكتاب، أو اللوح المحفوظ. ومن هناك يجري تقدير كلّ موجود يريد الظهور بشكلٍ وأبعاد معيّنة، أي أنّ عالم القضاء الكلّيّ الإلهيّ يقضي بتقديره، فيتشخّص شكل وأبعاد ذلك الموجود الواقع في عالم أدني هو عالم التقدير، ثمّ يرتدي لباس التحقّق والوجود في عالم أدني. وعالم القدر الذي يُدعي أيضاً بلوح المحو والإثبات، له معاد وحشر في عالم أعلي منه، أي في عالم قضاء الله تعإلی، وهي بحار واسعة من خزائن العلم والقدرة والحياة تقوم بالتقدير، ثمّ تعيّن ـبالمقدّراتـ موجودات هذا العالم. والادني من ذلك الملائكة الجزئيّون الذين يدبّرون العالم العلويّ والعالم السفليّ والافلاك والارض؛ حيث ورد في القرآن الكريم: وَالْمُرْسَلَـ'تِ عُرْفًا * فَالْعَـ'صِفَـ'تِ عَصْفًا * وَالنَّـ'شِرَاتِ نَشْرًا* فَالْفَـ'رِقَـ'تِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيـ'تِ ذِكْرًا. [46] كما ورد: وَالنَّـ'زِعَـ'تِ غَرْقًا * وَالنَّـ'شِطَـ'تِ نَشْطًا* وَالسَّـ'بِحَـ'تِ سَبْحًا* فَالسَّـ'بِقَـ'تِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَ ' تِ أَمْرًا. [47] وهؤلإ الملائكة يعملون وفق ما يؤمرون به، ويُدعون بالارواح المدبّرة الجزئيّة، ومحلّهم ومسكنهم ـكما ذكر سابقاًـ أدني من عالم القدر ولوح المحو والإثبات. ووفقاً للا´ية القرآنيّة، فإنّ نزول الامر من عالم الامر إلی الدنيا يحصل بواسطة هؤلإ الملائكة، حيث ينجز هؤلإ ما عُهد إلیهم ثمّ يعرجون إلی الله المتعال في ألف سنة من هذه السنوات التي نعدّها: يُدَبِّرُ الاْمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إلی الاْرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلیهِ فِي يَوْمٍ [48] كَانَ مِقْدَارُهُ و´ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. [49] ليس من السنين اللاهوتيّة، ولا من السنين الجبروتيّة، ولامن السنين الملكوتيّة، بل من هذه السنين الطبيعيّة التي تعدّونها. هذا هو نزول الملائكة من عالم الامر إلی الدنيا وتنفيذهم المهام وعودتهم إلی الله تعإلی. أي أنّ هبوطهم يستغرق خمسمائة عام، وصعودهم وعودتهم يستغرق ـبدورهـ خمسمائة عام، فيكون المجموع ألف سنة. ومن هنا فإنّ نزول الروح الاعظم والملائكة المقرّبة الإلهيّة الكلّيّة من الذات القدسيّة للحضرة الاحديّة إلی عالم القدر، ومن هناك إلی عوالم الملائكة الجزئيّة المأمورة بتدبير الاُمور، ثمّ إلی عالم الطبيعة، وإتمام قوس النزول في عوالم الكثرة، ثمّ عروجهم وصعودهم بقوس الصعود ووصولهم إلی نقطة الذروة وطيّ جميع العوالم خلال الطريق وإتمام قوسي الدائرة يستغرق بكامله مائة ألف سنة. وذلك لانّ عروجهم يستغرق خمسين ألف سنة، وينبغي أن يستغرق نزولهم بدوره خمسين ألف سنة أُخري. ومن هنا فإنّ الحركة من نقطة الذروة في قوس النزول، وصولاً إلی نقطة الحضيض، والحركة من نقطة الحضيض إلی نقطة الذروة حيث تختتم دورة الحركة ستستغرق مائة ألف سنة. وعلي هذا فإنّ دورة قوسي نزول وصعود الملائكة الجزئيّة ستستغرق ألف سنة، ودورة قوسي نزول وصعود الروح والملائكة المقرّبين ستستغرق مائة ألف سنة. وإذا ما شئنا الآن بيان معني السنة، ومعني النزول، فإنّ طبيعة بحثنا لاتتّسع للخوض في هذا المجال، يُضاف إلی ذلك أ نّنا لمنفهم حقيقته التي تُعدّ من أسرار القرآن الكريم. أذكر أ نّني استفسرت من سماحة أُستاذي العلاّمة الطباطبائيّ مدّ ظلّه قبل حدود عشر سنوات عن معني هذه الآية وعن كيفيّة النزول وسرّ تقديره بخمسين ألف سنة، فأجاب: لا أعلم! قلت: إلیس زمن العروج بقدر زمن النزول؟ وأساساً فليس هناك ثمّة زمان في العوالم الربوبيّة؛ فهل المراد بالخمسين ألف سنة زمن النزول من عالم الامر والصورة إلی الدنيا الزمنيّة؟ قال: لا أعلم! وخلاصة القول، فحيثما دار البحث في هذا الموضوع قال العلاّمة: لا أعلم؟ ولقد كان جادّاً في قوله: لا أعلم، وأنا بدوري لا أعلم، فالعلم عند الله تعإلی. كان هذا حديثاً عن عروج الملائكة الجزئيّين وحشرهم بالاندكاك والحضور في أرواح الملائكة المقرّبين، وفي الروح الاعظم في خاتمة المطاف، ومن ثمّ حشرهم بواسطة الروح وفنائهم في ذات الحضرة الاحديّة. حشر الشيطان والجنّ والكفّار ومعادهمالثالث: معاد وحشر تلك النفوس الجزئيّة التي تدبّر موادّ هذا العالم، وتلك النفوس الخيإلیة المتعلّقة بالاجرام من قبيل الدخان أو النار، ومثل الشياطين والجانّ وبعض أصناف البشر من أمثال الكفّار المنكرين المعاندين. وفرق الشيطان مع الإنسان والجانّ أنّ مادّة الإنسان والحيوان من التراب، ومادّة الشياطين من النار، أمّا الجانّ فهم من الدخان، إلاّ أ نّهم يمتلكون نفوساً وأرواحاً كما نمتلك أبداناً وأرواحاً، ومعادهم ليس إلاّ منجم النار ومعدنها وروح الحرارة والانصهار. ولدينا في القرآن الكريم: وَمَنْ يَهْدِ اللَهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ عَلَي' وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَيـ'هُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدنَـ'هُمْ سَعِيرًا. [50] وحين تميل نفوس هؤلإ الضإلین في الدنيا إلی الهدوء أحياناً بواسطة الوعظ والنصحية، فإنّهم سرعان ما ينشغلون بالفساد والفتنة ثانية، ولو تابوا حقّاً لما استعرت ثانية نار جهنّم حين تنطفي وتخبو. وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ. [51] أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي´ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ. [52] وَلَـ'كِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. [53] وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجَنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. [54] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَـ'مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإنسِ. [55] وعلي كلّ حال، فقد كانت هذه بعض الآيات القرآنيّة الكريمة الدالّة علي حشر طائفة الجنّ، كما أنّ لبعضها دلالة علي حشر طائفة الإنس. وقلنا بأنّ هؤلإ الذين يُعرضون علي جهنّم سيكون حشرهم في روح النار والدخان تلك،[56] كما أنّ أفراد البشر من أهل الجنّة إن كانوا من المقرّبين فإنّ حشرهم سيكون في الروح الاعظم، أمّا إن كانوا من أصحاب إلیمين والمتوسّطين، فإنّ حشرهم سيكون في الجنّة ولذائذها. كما ورد بشأن هؤلإ الافراد من البشر: وَلَلاْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـ'تٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً. [57] وهم المخلّدون في عالم ملكاتهم وصفاتهم، والمتغمّون بتلك الصفات والملكات، كما يقول: وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَـ'ذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَـ'بِهًا وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. [58] ارجاعات [1] ـ «ديوان حافظ» حرف الدال، ص 51، طبعة پژمان. يقول: «سيمكنك الاطّلاع علي سرّ كأس الملك جم (علي سرّ قلب العارف) حين تكحل ناظريك بتراب الحانة! ولا تبقينّ دون مطرب و شراب، فتحت قبّة السماء سيمكنك بهذه الاغنية طرد الغمّ من قلبك. الاستجداء علي باب الحانة كيمياء، فإن فعلت ذاك صار بإمكانك قلب التراب ذهباً». [2] ـ يقول: «اخطُ إلی الإمام قاصداً منزل العشق، فستجني الكثير لو أمكنك السفر. تعال فإنّ الحصول علي ذوق الحضور وانتظام الاُمور ممكن لو مَنّ أهل النظر بغيضهم والتفاتهم. وستسفر وردتك المشتهاة النقاب إن أمكنك مداراتها كنسيم السَّحَر. وأنّي لك ـأنت الذي لم تخطو خارج فناء الطبيعةـ أن تضع قدمك علي طريقالحقيقة ليس لجمال الحبيب نقاب وستار، فأزِل غبار الطريق لتراه جليّاً. واطّلعت علي نور الرياضة يا حافظ، لامكنك ـ كالشمع ـ أن تتخلّي عن رأسك ضاحكاً. ولكن ما دمت تسعي إلی شفة المعشوق والكأس، فلا تطمعن في فعل أمر آخر». [3] ـ «ديوان مغربي» ص 50. يقول: «لم أمتلكُ قلباً، فقد خطف الحبيب قلبي، وأيّ قلبٍ ـ تري ـ لايخطفه ذلك الحبيب مجلّي الهموم؟ فقد خطف الهزار روحي بنصف لحظ من العين؛ وسلب الآلاف مثلي بغمزةٍ واحدة. لقد أثار ذلك الكاتب الظريف ألف صورة في قلبي، حتي إذا ارتسمت في القلب صادرها من يدي. كان لي ـ ذكري من الحبيب ـ قلبٌ؛ لست أدري لمَ استعاد التذكار منّي الحبيب. قد علا الغبار قلبي الذي كان مرآة وجهه، فجلي صفاء طلعته عن قلبي الغبار. حين حلّ في القلب تنحّي العقل جانباً، وحين صار إلی الجنب خطف القلب من الجنب. [4] ـ يقول: «ومع أ نّه قد استقرّ في قلبي المسكين، إلاّ أ نّه قد سلب الاستقرار عنه. كنت صاحياً مختاراً في جميع أُموري، فسلب بفتنته وغنجه صحوتي واختياري. فصرت لا روح ولا قلب لي ولا عقل ولا شعور؛ فقد سلب العقل والشعور والقلب والروح جميعاً. حِينَ قَدِمَ، زال المغربيُّ عنِ البيْنِ، لا نَّه قد أزالني بمجيئه». [5] ـ النصف الثاني من الآية 22، من السورة 50: ق. [6] ـ مقطع من الآية 29، من السورة 7: الاعراف. [7] ـ مقطع من الآية 104، من السورة 21: الانبياء. [8] ـ الآية 103، من السورة 11: هود. [9] ـ الآية 15، من السورة 67: الملك. [10] ـ «تفسير الميزان» ج 20، ص 14. [11] ـ «أقرب الموارد» ج 2، ص 1300. [12] ـ «صحاح اللغة» ج 1، ص 306. [13] ـ «النهاية» لابن الاثير، ج 5، ص 54. [14] ـ «لسان العرب» ج «رز» ص 206. [15] ـ الآية 30، من السورة 3: آل عمران. [16] ـ الآية 5، من السورة 82: الانفطار. [17] ـ الآية 48، من السورة 18: الكهف. [18] ـ الآية 18، من السورة 69: الحاقّة. [19] ـ الآية 20، من السورة 46: الاحقاف. [20] ـ الآية 34، من السورة 46: الاحقاف. [21] ـ لا يخطر ببالنا أن أحداً من الفلاسفة المسلمين من أمثال شيخ الإشراق ابن سينا، وبهمنيار وغيرهما قد قام بإثبات هذا المعاد. [22] ـ الآية 28، من السورة 3: آل عمران؛ والآية 18، من السورة 35: فاطر. [23] ـ الآية 53، من السورة 42: الشوري. [24] ـ وذكرت هذه الآية في ستّة مواضع من القرآن الكريم. [25] ـ مقطع من الآية 148، من السورة 2: البقرة. [26] ـ مقطع من الآية 148، من السورة 2: البقرة. [27] ـ الآية 56، من السورة 11: هود. [28] ـ الآيتان 85 و 86، من السورة 19: مريم. [29] ـ الآية 68، من السورة 19: مريم. [30] ـ الآية 5، من السورة 81: التكوير. [31] ـ الآية 19، من السورة 38: ص. [32] ـ الآية 6، من السورة 55: الرحمن. [33] ـ وردت الآية في الطبعتين الحروفيّة والحجريّة للاسفار بلفظ «بارزةً» بدل «هامدةً» خطأً، إذ وردت في القرآن الكريم بلفظ «هامدةً». [34] ـ الآية 5، من السورة 22: الحجّ. [35] ـ الآية 7، من السورة 22: الحجّ. [36] ـ الآيتان 47 و 48، من السورة 18: الكهف. [37] ـ الآية 40، من السورة 19: مريم. [38] ـ «الاسفار» ج 9، ص 197 إلی 199، الطبعة الحروفيّة. والآية هي: 104، من السورة 21: الانبياء. [39] ـ الآية 6، من السورة 66: التحريم. [40] ـ الآيات 30 إلی 32، من السورة 69: الحاقّة. [41] ـ «رسالة الحشر» ص 341 و 342. [42] ـ الآية 2، من السورة 67: الملك. [43] ـ الآية 4، من السورة 97: القدر. [44] ـ الآيتان 3 و 4، من السورة 70: المعارج. [45] ـ الآية 15، من السورة 40: غافر. [46] ـ الآيات 1 إلی 5، من السورة 77: المرسلات. [47] ـ الآيات 1 إلی 5، من السورة 79: النازعات. [48] ـ إلیوم في العالم الربوبيّ مرحلة زمنيّة قدرها ألف سنة من السنوات العاديّة، يقول تعإلی في القرآن الكريم: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (الآية 47، من السورة 22: الحجّ). [49] ـ الآية 5، من السورة 32: السجدة. [50] ـ الآية 97، من السورة 17: الإسراء. [51] ـ الآية 179، من السورة 7: الاعراف. [52] ـ الآية 18، من السورة 46: الاحقاف. [53] ـ الآية 13، من السورة 23: السجدة. [54] ـ الآية 158، من السورة 37: الصافّات. [55] ـ الآية 128، من السورة 6: الانعام. [56] ـ أمّا عن حشر الشيطان والشياطين فقد ورد في القرآن الكريم: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنـَّهُمْ وَالشَّيَـ'طِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (آية 68، من السورة 19: مريم) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَ ' جَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَهِ فَاهْدُوهُمْ إلی' صِرَ ' طِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْؤُلُونَ. (الآيات 22 إلی 24، من السورة 37: الصافّات). [57] ـ الآية 21، من السورة 17: الإسراء. |
|
|