الصفحة السابقة
المخلَصون لا يمتلكون صحيفة أعمال
أمّا عباد الله المخلَصين فلم تكن أعمالهم لتحقيق أيّ قصد وهدف معيّن، بل كانت خالصة لوجه الله الكريم ـ وكلامنا هنا يخصّ المقرّبين والمخلَصينـ وما فعلوه فلم يفعلوه بأنفسهم، بل كان الله تعالي هو الفاعل لتلك الاعمال. أفللّه كتاب وصحيفة أعمال؟!
إنّ مَن تخطّي مرحلة الإخلاص وفني في ذات الله وتمحّض وجوده وسرّه من شوائب الاثنيّنيّة، وانتمي إلی عالم التوحيد المطلق، فقد انتفي تعيّنه ووجوده فليست له بعدُ آثار وجوديّة وصحيفة العمل من جملتها.
المخلَصون وما أدراك ما المخلَصون، أُولئك الذين انتهي قوس صعودهم في معرفة ذات الحقّ وطيّ درجات القُرب، فامّحوا في ذات الحضرة الاحديّة. علی أنّ حركتهم لم تكن في حال النزول وطيّ قوس نزول مراتب ما دون الذات، ليعودوا إلی تلك المرتبة ويفنوا فيها، بل كانت بداية حركتهم من الذات، ثمّ إنّهم شرعوا بطيّ قوس الصعود في العالم الادني ( أي عالم الطبع ) ثمّ تخطّوا الاسماء والصفات الإلهيّة وفنوا فيها وصولاً إلی الفناء في ذات الحقّ تعالي. وهؤلاء المخلصون يسكنون حرم الله، ويحظون بقُربه والاُنس به، وهو وليّهم. فمن أيّ جهة إذاً سيُعطون كتابهم؟ في حرم الله سبحانه لاوجود لزمان ومكان ولاجهة ولاجانب ولايمين ولاشمال وجنوب ولاأعلی وأسفل، إذاً فكيف ستكون صحيفة الاعمال؟
إن كانت تفصيل الحقيقة الملكوتيّة للاعمال، للزم ظهور حقائق الاعمال في الصقع الربوبي وفي جهة الذات الاحديّة، بَيدَ أ نّه ليس في محضرالله وفِنائه صورة وشكل ومادّة ومعني، ولامن تفصيل وتجزئة. لذا لاوجود هناك لكتاب وصحيفة عمل، وعموماً لا يوجد للمقرّبين كتاب. ونلحظ أنّ القرآن لم يذكر لهم كتاباً وصحيفة عمل.
لقد وصل عباد الحقّ المخلَصين خلال طيّهم لطريق السلوك إلی حيث فنوا في ذات الحقّ تعالي، وفنيت أسماؤهم وآثارهم، فلميبق منهم عينٌ ولاأثر، فلقد فنيت صفاتهم في صفات الحقّ، وفنيت ذواتهم في ذات الحقّ، فهم لا يملكون لانفسهم شيئاً من إرادة واختيار وفعل، فقد صار الحقّ في وجودهم المريد والمختار والفاعل. إذ سلّموا كلّ وجودهم إليالله تعالي، فصار سبحانه هو الوجود في وجودهم. ولقد تخطّوا وجودهم في مقابل وجود الحقّ سبحانه، ووهبوا أنفسهم له، فأصبح الله تعالي هو جزاؤهم وهو ديتهم.
ولقد جسّدت الابيات المعدودة التالية في وصف سيّد الشهداء عليه السلام هذه الحقيقة أبدع تجسيد:
شاهان همه به خاك فكندند تاجها تا زيب نيزه شد سر شاه جهان عشق
بر پاي دوست سر نتوان سود جز كسي كو را بلند گشت سر اندر سنان عشق
از لامكان گذشت به يك لحظه بيبُراق اين مصطفي كه رفت سوي آسمان عشق
شاه جهان عشق كه جانانش از اَلَسْت* گفت اي جهان حسن فداي تو جان عشق
تو كشتة مني و منم خونبهاي تو بادا فداي تو كون و مكان عشق [1]
وهذه الاُمور ممّا يختصّ بها المقرّبون، فهم ـ إذاً ـ لايمتلكون كتاباً.
وعليه: فما هو مصير كدحهم وأعمالهم في الدنيا وصلاتهم وصيامهم وجهادهم، وما تحمّلوه من مصائب وشدائد ومحن؟
لمن خلق الله الحور العين والجنان والنسائم والانهار الجارية، والانهار الاربعة: نهر العسل المصفّي، ونهر الخمر الذي جُعل لذّة للشاربين، ونهر اللبن الذي لايتغيّر طعمه، ونهر الماء الذي لايأسن؟
ولمن نهر الزنجبيل والماء الممزوج بالكافور؟
ولمن عين السلسبيل وماء الكوثر؟
إنّها لهم، ولكن ليس في حال الفناء، بل في حال البقاء بعد الفناءوفي مقام جمع الجمع. أي أ نّهم سيتمتّعون بهذه النعم في عين الفناء والاستغراق في الذات الاحديّة، وسيحظون خلالها بالتمتّع بجمال الله. كما خُلقت هذه النعم لاصحاب اليمين المتلذّذون بها بدون الاستغراق في الذات الاحديّة.
وخلاصة القول أنّ هذه النعم هي في الحقيقة جزاء الحركة والسلوك ولاتشمل مَن في الحَرَم، فالعشق والحماس والحركة تكون في مرحلة السلوك، أمّا في مرحلة العرفان فليس هناك من عشق ولاحماس. لذا فإنّ من يصبح ـ بعد طيّ مرحلة السلوكـ عارفاً بالله تعالي ومن عباد الله المقرّبين المخلَصين، فلا حركة له بعد، إذ ليس في مرحلة العرفان أيّ حزن أو فرح، أو خـوف أو أمل، ولا وجـود للإحسـاس بالعلم أو القـدرة أو الوجود.
حالات فقر المخلَصين والمقرّبين وفنائهم
ولقد أجاد ابن الفارض في وصف بعض حالات المخلَصين عند الفناء:
1 ـ أَمَمْتُ إِمَامِي فِي الحَقِيقَةِ فَالْوَري وَرَائِي وَكَانَتْ حَيْثُ وَجَّهْتُ وِجْهَتِي
2 ـ يَرَاها أَمَامِي فِي صَلاَتِي نَاظِرِي وَيَشْهَدُ فِي قَلْبِي إِمَامَ أَئِمَّتِي
3 ـ وَلاَ غَرْوَ أَنْ صَلَّي الإمام إلی أَنْ ثَوَتْ فِي فُؤَادِي وَهْيَ قِبْلَةُ قِبْلَتِي
4 ـ وَكُلُّ الجهاتِ السِّتِّ نَحْوِي تَوَجَّهَتْ بِمَا تَمَّ مِنْ نُسْكٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةِ
5 ـ لَهَا صَلَواتِي بِالمَقَامِ أُقِيمُهَا وَأَشْهَدُ فِيها أَ نَّهَا لِيَ صَلَّتِ
6 ـ كِلانَا مُصَلٍّ وَاحِدٌ سَاجِدٌ إلی حَقِيقَتِهِ بِالجَمْعِ فِي كُلِّ سَجْدَةِ
7 ـ مُنِحْتُ وَلاَهَا يَوْمَ لاَ يَوْمَ قَبْلَ أَنْ بَدَتْ عِنْدَ أَخْذِ العَهْدِ فِي أَوَّلِيَّتِي
8 ـ وَهِمْتُ بِهَا فِي عَالَمِ الاَمْرِ حَيْثُ لاَ ظُهُورٌ وَكَانَتْ نَشْوَتِي قَبْلَ نَشْأَتِي
9 ـ فَأَفْنَي الهَوَي مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ بَاقِياً هُنَا مِنْ صِفَاتٍ بَيْنَنَا فَاضْمَحَلَّتِ
10 ـ فَأَلْفَيْتُ مَا أَلْقَيْتُ عَنِّيَ صَادِرَاً إلی وَمِنِّي وَارِدَاً بِمَزِيدَةِ
11 ـ وَشَاهَدْتُ نَفْسِي بِالصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تَحَجَّبْتِ عَنِّي فِي شُهُودِي وَحَجْبَتِي
12 ـ وَأَ نَّي الَّتِي أَحْبَبْتُهَا لاَ مَحَالَةً وَكَانَتْ لَهَا نَفْسِي علی مُحِيلَتِي
13 ـ فَهَامَتْ بِهَا مِنْ حَيْثُ لَمْ تَدْرِ وَهْيَ فِي شُهُودِي بِنَفْسِ الاَمْرِ غَيْرُ جَهُولَةِ
14 ـ جَلَتْ فِي تَجَلِّيهَا الوُجُودَ لِنَاظِرِي فَفِي كُلِّ مَرْئِيٍّ أَرَاهَا بِرُؤْيَةِ[2]
المخلصون والمقرّبون مدهوشون في ذات الحقّ تعالي 37
وأ نّي للمقرّبين والمخلصين الغارقين في بحار أنوار الذات الاحديّة، والمدهوشين بكلّ وجودهم في التجلّيات الذاتيّة، أن ينشغلوا بالآثار والتجلّيات الصفاتيّة عن ذواتهم؟ إذ الانشغال بذواتهم ـ بعد بقائهم بالله تعاليـ هو عين الانشغال بالذات، إلاّ أ نّه قبل البقاء موجب للمحجوبيّة عن الذات، فهو لايمثّل إلاّ سدّاً لطريق الوصول بالنسبة إلی السالك الذي يلتهب عشق الله في كلّ كيانه ووجوده ويذيبه كالشمع ويجعله يصرخ: وَاجْعَلْ قَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّمَاً. [3] وما الذي يفهمه عاشق الله ـ يا تريـ من الحوريّة؟ وما الذي يدركه من جنّاتٍ تجري من تحتها الانهار؟
فهو يركل كلّ نيّة وقصد ـ غير لقاء الله تعاليـ بنداء:
إلَهِي! مَا عَبَدْتُكَ خَوْفَاً مِنْ نَارِكَ وَلاَ طَمَعَاً فِي جَنَّتِكَ بَلْ وَجَدْتُكَ أَهْلاَ لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ. [4]
ويدرك أنّ المضمار الوحيد للعمل والطاعة والعبادة هي في وجوديّة ذات الحقّ تعالي، فيحظي ـفي هذا الميدانـ بقصب السبق علی أهل العالم. وحين يُنهي امرؤ ما تحصيلاته الدراسيّة، فما الذي سيعنيه ـبعدُـ وقوفه في مصافّ أطفال الصفّ الاوّل الابتدائيّ؟
إنّ عبادة الحقّ وطاعته علی أساس من الخوف من النار والطمع في الجنة ليست عبادةً للحقّ، بل عبادة للنفس وقواها النفسانيّة. وعليه فإذا عَبَدَ أحدما الله سبحانه بهذه النيّة، فسيُعطي كتابه من تلك الجهات، أمّا مَن عَبَدَ الله تعالي لذاته القدسيّة العديمة الجهة والتعيّن، فمن أين سيُعطي كتابه؟ إنّ كتابه وصحيفة عمله يجسّدان نفس واقع الامر وحقيقته، أي الذات القدسيّة للحقّ تبارك وتعالي. لقد بادل السالك العاشق نفسه بالله تعالي لابالآثار والنعم، ولميعبد إلاّ ذاته المقدّسة، فكانت جنّته هي اندكاكه في الذات القدسيّة والمحو والفناء في الانوار القدسيّة والتجلّيات الذاتيّة.
ووفقاً للآية الشريفة: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ،[5] فإنّ الذات القدسيّة للحقّ تعالي ستكون جنّته العليا.
من كه امروزم بهشت نقد حاصل ميشود وعـدة فـرداي زاهـد را چـرا باور كـنـم [6]
ولا تعني مقولة « إنّني بادلتُ نفسي بالله تعالي » اكتسابي شيئاً من صفاته وأسمائه، وإدّعائي لنفسي أُلوهيّته، فذاك ادّعاء باطل، بل تعني تصديقي وإذعاني واعترافي بأ نّي لا شيء مقابل نور الله، وأنّ أسماءك ـ ياإلهيـ هي الاسماء العظمي، وصفاتك كذلك. ولقد كان يخيّل لي حتّي الآن أ نّي ذو أثر وصفة، وأ نّي سرقتُ قدراً من صفاتك وأسمائك فنسبتُها لنفسي. وكان يخيّل لي حقيقة أنّ لي وجوداً وأصالة واسماً وصفةً، لكنّي ـوقد طويت المسير بحبّك ومن أجل لقائك فقبلتني وأعززتنيـ قد أدركتُ أ نّي لا شيء وأ نّي لاأملك شيئاً، وأدركتُ أنّ ذلك القدر من الوجود الذي كنت أعدّه لنفسي كان نابعاً من الفرعونيّة، لا نّك أنت إلهي في عالم الوجود ولا غيرك.
نيست جز فقر در طَيلسانم نيست جز عجز طيِّ لسانم
سفلهتر از همه ناكسانم راست گويم خسيازخسانم
پرده زين سو بدان سو هوايم[7]
من ز خود هست وبودي ندارم من ز خود ربح و سودي ندارم
من ز خود تار و پودي ندارم من كه از خود نمودي ندارم
بيخودانه چسان خود نمايم
بنده را پادشاهي نيايد از عدم كبريائي نيايد
بندگي را خدائي نيايد از گدا جز گدائي نيايد
من گدا من گدا من گدايم
بندهام گر بخويشم بخواند راندهام گر ز پيشم براند
آستانم چو بر در نشاند پاسبانم چو بر ره بماند
هر چه گويد جز او را نشايم [8]
گر بخواند بخويشم فقيرم ور براند ز پيشم حقيرم
گر بگويد اميرم اميرم ور بگويد بميرم بميرم
بندة حكم و تسخير رأيم
از عدم حرف هستي نشايد دعوي كبر و مستي نشايد
خاك را جز كه پستي نشايد از فنا خودپرستي نشايد
من فنا من فنا من فنايم
بندهام ره به جائي ندارم عقل و تدبير و رائي ندارم
در سر از خود هوائي ندارم ره به دولت سرائي ندارم
در گه دوست دولت سرايم
بندهام با دو صد عيب و علّت عجز و خواري و زاري و ذلت
با همه شرمساري و خجلت اي خداوند اقبال و دولت[9]
نيست جز بر درت التجايم
من اگر با تو همراه باشم از دل خويش آگاه باشم
در ره بندگي شاه باشم در صف كَانَ لِلّه باشم
تو مرائي اگر من ترايم
اي غمت ماية شادماني ياد روي تو روز جواني
وصل تو دولت جاوداني تار زلف تو سبعُ المثاني
لعل دلجويت آب بقايم [10]
الاشقياء الذين لا يُعطون كتاباً
وهناك طائفة أُخري لا صحيفة أعمال لهم ـ عدا المقرّبين والمخلَصين ـ فمن هم؟
ذكرنا أنّ المقرّبين هم الذين ارتقوا إلی الذروة فتخطّوا المراتب واجتازوا الاسم والاثر، وارتفعوا إلی ما فوق مستوي العمل، وفي المقابل، هناك طائفة أُخري انحطّت إلی درجة أن أصبح أفرادها أدني من البهائم، حيثأضاعوا من وجودهم جميع صفات الله وأسمائه، وانغمروا في الشهوات، مصرّين علی غفلتهم وإعراضهم عن الله تعالي، فتخطّوا بذلك مرتبة العمل وترسّخت القبائح والمنكرات في وجودهم وأصبحت جزءاً من ذواتهم.
لقد أفسد هؤلاء سرائرهم وبواطنهم من خلال إصرارهم علی إنكار الله ورسوله وعدائهم للصالحين من عباد الله، ونصب العداوة لهم، فتسبّب ذلك في سريان القبائح من ظواهرهم إلی بواطنهم، وصار وجودهم منبعاً للشرور ومصدراً ترشح عنه المنكرات والجنايات الظاهريّة والباطنيّة.
وأمثال هؤلاء لا كتاب لهم، لانّ الكتاب وصحيفة الاعمال لمن قبائحه ضمن حدود الاعمال، لا في مرتبة ذاته وفي درجة كينونة ماهيّته وحقيقته. وقد عبّرت الآيات القرآنيّة عن هؤلاء الافراد بالذين حبطت أعمالهم، أي الذين أُبطلت أعمالهم: أُولَـ'ئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ.
وأصحاب هذه الطائفة جهنّميّون بحيث إنّهم يجسّدون حقيقة جهنّم وصُلبها، إذ ليست جهنّم إلاّ ظهوراً لذواتهم. كما أنّ دركاتهم ومراتبهم أسفل وأكثر عمقاً من دركات جهنّم وأهلها العاديّين، فإذا بدرت ـ مثلاًـ خيانة من عقيد في الجيش، فإنّه لايُسجن مع الجنود العاديّين الخائنين، بل يُساق إلی سجنٍ يتناسب مع درجة جرمه وجنايته.
وعليه فليس لهؤلاء كتاب، ولايعطون كتابهم من جهة الشقاء.
أمّا أصحاب اليمين فهم من المحسنين، إلاّ أنّ إحسانهم لميسرِ إلی ذواتهم وبواطنهم، لا نّهم لم يبيعوا أنفسهم للّه بيعاً تامّاً، وإلاّ لكانوا من المقرّبين. لو كان التفاتهم إلی الحقّ قد بلغ درجة كبيرة، وغفلتهم كانت قليلة يسيرة، فهم إذاً من السعداء.
وأمّا أصحاب الشمال فهم الذين غالباً ما اتّبعوا سبيل المعاصي والجرائم في دنياهم، إلاّ أ نّهم كانوا يفعلون أعمالاً حسنة أحياناً، وربّما كانوا من أهل الخير، غير أنّ حبّهم للّه تعالي لميبلغ درجة كبيرة، فاستحقّوا العقاب علی أعمالهم السيّئة، وصار عليهم أن يصْلوا النار ـولو إلی مدّةـ جزاءً وفاقاً.
وأمّا من أنكروا الحقّ وجحدوه من الاساس، فلنيُؤاخَذوا علی أعمالهم، بل علی حقيقتهم.
موارد حبط الاعمال وانتفاء صحيفة الاعمال
ولدينا في الروايات أنّ الحبط ليس سارياً بشكل دائم، فما الذي يعنيه ذلك ياتري؟ إنّه يعني أنّ كلّ عمل من الاعمال الذميمة لايمحو الاثر الحسن للاعمال الصالحة. فلو صلّينا اليوم صلاةً ـمثلاًـ وحصلنا علی ثوابٍ ما، ثمّ أذنبنا بعد ذلك ذنباً، فإنّ ذلك الذنب لنيمحو أثر تلك الصلاة، وستبقي تلك الصلاة محفوظة مع ذلك الاثر في موضعهما، كما سيبقي الذنب وأثره محفوظين في موضعها.
ومن ثمّ فإنّ الاعمال الحسنة والاعمال السيّئة لاتُحبط بعضها، وستُحفظ الاعمال الصالحة في موضعها إلی يوم القيامة، كما ستُحفظ الاعمال الطالحة في مواضعها، إذ ينبغي مجازاة الإحسان بالإحسان، والإساءة بالعقاب.
وسيتعرّض المذنبون لاهوال المحشر وشدائده، وللوقوف في ساحة العرض، وللمكث في جهنّم في خاتمة المطاف مقابل الاعمال السيّئة التي اجترحوها، وصولاً إلی تطهيرهم وتزكيتهم، ثمّ يدخلون الجنّة بعد ذلك جزاءً علی ما فعلوا من الاعمال الحسنة.
فالحقّ ـ إذاً ـ أن لا يُفسد عمل معيّن يقوم به المرء إثر عمل آخر، وعلی الإنسان أن لايقنط أبداً من رحمةالله، فإن أذنب وهاله ذنبُه، فلايقولنّ إنّ جميع أعماله الحسنة التي قام بها قد حبطت وذهبت أدراج الرياح.
بَيدَ أنّ هنالك بعض الموارد يسري فيها قانون الحبط وهي مستثناة من هذه القاعدة العامّة بحيث إذا ما فعل الإنسان عملاً معيّناً فإنّ جميع أعماله ستضيع وتحبط بلا استثناء.
وأحد هذه الموارد: الشرك بالله تعالي واعتبار غيره مؤثّراً في الذات أو الصفة أو الفعل.
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَنءِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـ'سِرِينَ. [11]
وعلّة الحبط في هذا المورد أنّ الاعمال الصالحة لها وجود حسن في عالم التوحيد؛ وحين ينظر امرؤ ما إلی الحقّ المتعال بغير نظرة التوحيد، حيث يعدّ له شريكاً في عمله وينسب أفعالَ الحقّ وآثاره الاصليّة الاصيلة إلی الغير الذي ليس في حقيقة الامر سوي ظلاّ للّه وفقيراً إليه ولاوجود حقيقيّ له بل اعتباريّ فانٍ، فمهما بدا في الظاهر عظيماً وكبيراًإلاّ أ نّه سيفقد قيمته في عالم الواقع والحقيقة.
مَثَل هذا الشخص مَثَل غلام يسعي بجدّ في خدمة مولاه، فيكنس البيت، ويسقي الاشجار والاوراد، ويرشّ فناء الدار بالماء، ويُشعل أعواد البخور في أرجاء البيت، وينثر العطر وماء الورد هنا وهناك؛ لكنّه بالرغم من كلّ هذه الخدمات يضمر لمولاه صاحب الدار حقداً وعداوة، وينتظر الفرصة لقتله واغتياله. فهل تكون لهذه الخدمات قيمة عند مولاه؟
لقد كان كنس السجّاد وتعطير الغرف من أجل راحة؛ أمّا إذا تقرّر ذبح صاحب البيت علی هذه السجاجيد وضمن هذه الغرف، فهل سيكون لعمله هذا من قيمة عند مولاه؟
والنتيجة الحاصلة فإنّ كلّ عمل خير سيكون محكوماً وباطلاً إذا اقترن بالشرك الذي هو بمثابة إعلان الحرب علی المالك الاصليّ للعالم.
الثاني: الكفر؛ أي أنّ من يكفر بالله ورسوله، وينكر حقّانيّة رسولالله ورسالته، فإنّ أعماله ستحبط، لانّ إنكار الرسول المُرسَل من قِبَلِالله تعالي بمثابة إنكار المُرسِل سبحانه:
وَمَن يَكْفُرْ بِالإيمَـ'نِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ. [12]
ولهذه الآية نظائر أُخري في القرآن الكريم تتحدّث عن موارد الكفر.
الثالث: الارتداد؛ أي العودة عن الإسلام، والكفر بعد الإيمان.
وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـ'´نءِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأُولَـ'´نءِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ.[13]
أحكام المرتدّين وذوي الاعمال الحابطة
ومن الجدير هنا أن نذكر معني الارتداد وآثاره بإجمال؛ فالمرتدّ هو الذي يرجع عن الإسلام، وفيه حالتان، إمّا أن يعود المرتدّ إلی الإسلام من جديد، أو يبقي مصرّاً علی ارتداده.
أمّا في الحال الاُولي، وهي عودته إلی الإسلام من جديد بحقيقة التوبة، فإنّ توبته ستكون مقبولة، ومصيره إلی الجنّة، سواءً أُجري في حقّه حكم الإسلام أم لميُجْرَ، لانّ إجراء حكم الارتداد لاعلاقة له بقبول التوبة الصادقة. فالتائب فيما بينه وبين الله تعالي ستكون توبته مقبولة بلحاظ الواقع، سواءً في ذلك كان المرتدّ رجلاً أم امرأة، فطريّاً أم ملّيّاً.
أمّا بلحاظ الظاهر، أي بلحاظ إجراء حكم الإسلام الظاهريّ، فإنّ المرتدّ علی صنفين:
الاوّل: المرتدّ الفطريّ.
والثاني: المرتدّ الملّيّ.
فالمرتدّ الفطريّ هو الذي انعقدت نطفته من أبوين كلاهما أو أحدهما مسلم، فيكون انعقاد نطفته علی فطرة الإسلام وجبلّته، لانّ الطفل يتبع أشرف الابوين، أي المسلم من الابوين ـسواءً الاب أم الاُمّـ فيكون الطفل تابعاً له في إسـلامه وغيرتابـع للآخر الكافـر، حتّي لو كان الكافر أباه.
ومن هنا فإنّ من تنعقد نطفته من أبوين مسلمين، أو من أب مسلم أو أُمّ مسلمة، فإنّ نطفته ستنعقد في الإسلام. فإن ولد الطفل في هذه الحالة ثمّ أدرك سنّ البلوغ وصار مسلماً ثمّ ارتدّ عن الإسلام، فسيكون قد ارتدّ عن فطرة الإسلام، أي عن الفطرة والجبلّة التي طبع عليها. فإن ثبت ارتداده في محكمة شرعيّة عند حاكمٍ مسلم، كان جزاؤه القتل. هذا إن كان المرتدّ رجلاً، أمّا لو كان المرتدّ امرأة، فإنّ الحاكم المسلم لايأمر بقتلها، بل يأمر بحبسها وضربها علی الصلوات في مواعيدها حتّي تفيء من الكفر إلی الإسلام.
أمّا المرتدّ الملّيّ، فهو المرتدّ الذي انعقدت نطفته من أبوين كافرين، ثمّ نشأ وترعرع حتّي حان بلوغه فاعتنق الإسلام. سواءً في ذلك أسلم أبواه وهو صغير فتبعهما في إسلامهما، أم بقيا علی كفرهما فتبعهما في الكفر ثمّ أسلم بعد بلوغه وتمييزه. فإن ارتدّ كافراً بعد إسلامه دُعي بالمرتدّ الملّيّ، أي المرتدّ بعد بلوغه عن ملّة الإسلام وشريعته، لاعن فطرة الإسلام وجبلّته.
فإن تاب هذا المرتدّ وعاد بنفسه إلی الإسلام، فلايُحكم بقتله في المحكمة الشرعيّة، سواء كان المرتدّ رجلاً أم امرأة. أمّا لو لميَتُب وأصرّ علی كفره فإنّه لايُقتل بل يُستتاب، فإن تاب قُبلت توبته، وإن أصرّ علی ارتداده فإن كان رجلاً قُتل، وإن كان امرأة حُبست وأُجري بحقّها أحكام المرتدّ الفطريّ حتّي تُسلم أو تموت في الحبس. وبطبيعة الحال فإنّ جميع هذه المسائل هي بلحاظ حكم الإسلام الظاهريّ وإجراء الحدّ، والتأديب من زاوية القوانين الجزائيّة الإسلاميّة، أمّا بلحاظ الباطن فإنّ المرتدّ لو تاب وعاد إلی إسلامه، فإن توبته ستكون مقبولة، ومصيره سيكون إلی الجنّة حتّي لو أُجري في حقّه الحكم الظاهريّ للإسلام فحُبس أو قُتل.
أمّا لو مات المرتدّ أو قُتل دون أن يتوب، حبطت أعماله وخُلّد في جهنّم مدحوراً.
وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـ'´نءِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأُولَـ'´نءِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ. [14]
أي أنّ جميع الاعمال الحسنة التي فعلوها في الدنيا ستحبط آثارها الدنيويّة والاُخرويّة.
حبط الاعمال هو عاقبة التكذيب بآيات الله عزّ وجلّ
الرابع: التكذيب بآيات الله ولقائه.
هناك فئة من الناس يكذّبون بالله ولقائه، ويحبّون أن يكتشفوا خللاً في نواميس الدين وقوانينه، ويسعون جاهدين للعثور علی إشكال في القرآن الكريم أو في كلام رسول الله والائمّة الطاهرين عليهم السلام، ويقولون في تكذيبهم لآيات الله ولقائه: إنّ طريق الله مسدود، وأن لامعني للقاء الله والمعاد.
وإن كانوا يدّعون الإسلام ويتلبّسون بردائه، إلاّ أ نّهم يقولون مثلاً: « لقد فاه النبيّ بهذا الكلام الذي لا حقيقة له لمصلحةٍ ما. إنّنا نعتقد بالإسلام، لكنّه في وضعه الحالي دين ما قبل ألف وأربعمائه سنة، لايصلح لهذا العصر، وينبغي تغيير أحكامه وفق أحكام الغرب المعاصرة المقبولة ».
ويقولون: « لقد كان نبيّ الإسلام مفكّراً ونابغة من النوابغ، وقد أراد إصلاح المجتمع لذا تحدّث عن الجنّة والحور ليكفّ الناس عن الاعتداء وتخطّي العدالة، ولينصرفوا للعبادة علی أمل نيل تلك النعم، وحبّاً للفوز بتلك اللذّات. كما أ نّه تحدّث عن نار جهنّم ليخافوا فلاينحرفوا عن صراط العدل في المجتمع، لكنّ كلّ ذلك لا حقيقة له ولاأصالة ». وهؤلاء ممّن ستحبط أعمالهم مهما كانت ذات منفعة عامّة.
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا.[15]
ولهذه الآية الشريفة نظائر أُخري في القرآن الكريم.
لقد تحدّث المتأثّرون بالغرب من أصحاب ربطات العنق عند التوقيع علی قوانين النهضة الدستوريّة باسم حرّيّة القلم والبيان، وشرعوا بنشر السخافات في الجرائد، فكان أوّل حديثهم السخرية بالنبيّ والائمّة والدين والإيمان والقرآن. وكانوا يكتبون كلّ يوم فصلاً مشبعاً في هذا المجال.
أوردت جريدة « ناهيد » ـ ولا أعلم هل صاحبها علی قيد الحياة أم لاـ أشعاراً تحطّ من قدر رسولالله صلّيالله عليه وآله وسلّم وتهزأ به، ومنها هذا البيت:
جار زد آن جارچي مسخره الـدُّنـيـا مـزرعــة الآخــرة [16]
كما صدرت في « كلكتا » جريدة « حبل المتين » وأوردت كلّ مرّة فصلاً فيالتهجّم علی الدين والنبيّ والإيمان، وفي انتقاد مجالس العزاء والبكاء علی سيّدالمظلومين: سيّد الشهداء عليه السلام، وفي السخرية بحجاب النساء المسلمات وعفّتهن. فتأمّلوا في أشعار « إيرج ميرزا » وكيف أُغرم بصور الغرب وثقافته بحيث صار يعتبر عُري المرأة دليلاً علی حرّيّتها وتكاملها ورقيّها.
ولقد سخر هؤلاء بالعلماء والفقهاء، بحيث وصل الامر بالمرحوم الآخوند الملاّ محمّد كاظم الخراسانيّ رحمة الله عليه ـالذي كان من زعماء النهضة الدستوريّة والموقّعين عليهاـ إلی العزم علی السفر من النجف إلی إيران، فأرسل برقيّة من مائتي كلمة تفيض بالتهديد يقول فيها: فليذهب عشّاق مدينة العشق إلی باريس وليبعدوا عن البلاد! والمقصود من مدينة العشق مدينة « عشق آباد » التي كانت مقرّاً لهذه الفرق الضالّة. وإثر هذه البرقيّة جري إبعاد دعاة التحرر وإخراجهم بأجمعهم من إيران من أجل تهدئة الاوضاع، والحديث في ذلك طويل.
ثمّ عزم رحمه الله علی السفر إلی إيران، فقيل إنّه في الليلة التي قرّر السفر فيها دُسّ له السمّ ففارق الحياة صبيحتها، لماذا؟ لحرف الافكار عن مجراها الاصيل. الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا وَلِقَآءِ الاْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ. [17]
ولقد ارتكبوا ما ارتكبوا فحرموا الجميع طوال سبعين سنة ـ باسم الحرّيّة ـ من حقوقهم البديهيّة، وانهالوا بالهراوات علی رؤوس الناس ليكفّوا عن الاصالة والحقيقة، وسعوا إلی إشغالهم وخداعهم بألفاظ الحرّيّة الجوفاء التي لامحتوي لها. فهؤلاء أعمالهم حابطة، وليسلهم يوم القيامة كتاب.
مَثَل فعلهم كمثل عود ثقاب تشعلونه في مخزن للكتب، فهو كافٍ لإحراق الجميع. ولو كان المرء عالماً مثقّفاً مجدّاً قد دوّن عدّة كتب، فإنّ عود ثقاب واحد كافٍ لجعله ذلك طعمة للحريق في لحظة واحدة. ولو حزم المرء كتبه الخطّيّة في صرّة ثمّ ألقاها في النهر، فإنّ تلك الكتب التي دوّنت خلال فترة مائتي سنة ـ مثلاًـ ستكفيها لحظة واحدة لتغرق وتضيع. وهذا هو معني الحَبْط وكيفيّته.
فلا عجب ـ إذاً ـ من أنّ عملاً صغيراً له القدرة علی إتلاف عمل مائتي سنة، إذ إنّ كلمة كفر واحدة يتفوّه بها المرء، تجعله كافراً جهنّميّاً، وزلّةً واحدة من علی قمّة جبل أو إهمالاً وعبثاً بسيطاً يمكن أن يهوي به إلی قعر وادٍ مخوف تنسحق فيه عظامه، فيُقبر هناك إلی الابد. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يُحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [18].
إنّ أخسر الناس وأفرغهم وفاضاً هم الذين تنتهي جميع نشاطاتهم ومساعيهم وآمالهم الشخصيّة في الحياة الدنيويّة الوضيعة، فيُخيّل لهؤلاء المساكين أ نّهم كانوا منشغلين بأعمال الخير، مع أ نّهم سيخرجون صفر اليدين لا نّهم لميفعلوا شيئاً في سبيل الله تعالي لينفعهم في عاقبة الامر، ولا نّهم لميتنازلوا عن شخصيّاتهم وغرورهم وعُجبهم وعمالتهم من أجل نيل رضاالله عزّ وجلّ، ولطيّ طريق لقائه والتقرّب لساحته.
فكانت العاقبة أن صارت أعمالهم لا تساوي في عالم الحقائق ومعيار الواقع شروي نقير، ولو كانت أعمالاً ضخمة مقبولة عند عامّة الناس، لا نّها صدرت من نفوس مستكبرة، ولا نّها استهدفت كسب الوجاهة لدي الناس. وستضيع أعمال أمثال هؤلاء وتفني في العاقبة، ولنيكون لهم ثمّة عمل ليُذكر في كتابهم.
وسنذكر في بحث الميزان إن شاء الله تعالي أنّ ميزان بعض الناس ثقيل، وميزان البعض الآخر خفيف، أمّا هذه الفئة فلاميزان لها مطلقاً: فَلاَنُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا. [19]
والعلّة في ذلك أ نّهم كانوا يعترضون علی الله ورسوله، ولانّ السعي واللهاث خلف الشهرة والجاه منعهم من الاستسلام لامر الحقّ تعالي، وأعمي أبصارهم عن مشاهدة الحقيقة، فصارت تلوح خلال كلامهم مطالب تُفصح عن إنكارهم وعنادهم.
يقولون: نحن نعتقد بالقرآن، بَيدَ أ نّنا لانفهم هذه الآية:
الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ علی النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی' بَعْضٍ. [20]
ويكذبون، لا نّهم يدركون معناها ويفهمونها حـقّ الفهم، إذ ليست هذه الآية بمعزل عن سائر الآيات القرآنيّة، كما أ نّها لمتنزل بلغةٍ أُخري مختلفة.
وقد نشرت قبل أيّام مقالة في جريدة « اطّلاعات » اليوميّة، [21] طُبعت في أربعة أو خمسة أعداد تضمّنت ترجمة لوصيّة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام كتبها في « حاضِرَيْن »، وكانت الترجمة جيّدة وسلسة، إلاّ أنّ المترجم قد ارتكب سرقة خلال الترجمة، فحذف فقراتها الاخيرة التي تتحدّث عن حجاب النساء ولميذكر اسمه:
وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الحِجَابِ أَبْقَي عَلَيْهِنَّ، وَإنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَيَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ. [22] وهي سرقة صريحة في وضح النهار.
ونتساءل: لو أردتم ترجمة كلام أميرالمؤمنين لقيل إنّكم تقومون بترجمة كلامه، إلاّ أ نّكم لاتعتقدون بهذه الفقرات، وأنّ مفاد هذه الفقرات هي علی عاتق أميرالمؤمنين وليس في عاتقكم. أمّا حين تقومون بترجمة هذه الوصيّة من بدايتها إلی نهايتها ثمّ تُسقطون منها الفقرة التي لاتنسجم مع ذوقكم، فإنّ ذلك يُعدّ سرقة وتصرّفاً في كلام الآخرين.
هذا هو التأثّر بالغرب الذي تفوح روائحه العفنة من مسيرة خمسمائة فرسخ. يقولون: إنّنا لانفهم آية: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. [23]
ونجيب: لا شكّ أ نّكم لا تفهمون، ليست هذه الآية فقط، بل وكثيراً من الآيات القرآنيّة الاُخري، ولو كنتم تفهمونها حقّ الفهم لاعتقدتم بها ولعملتم بمضمونها. إنّكم لمتمسّوا القرآن ولم تشمّوا عبقاً من عبيره، ولاتفهمون ما يتعارض مع طبعكم.
ذَ ' لِكَ بِأَ نَّهُمْ كَرِهُوا مَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـ'لَهُمْ. [24]
ونظير هذه الآية، الآية رقم 8، من نفس السورة: ذَ ' لِكَ بِأَ نَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَهَ وَكَرِهُوا رِضْوَ ' نَهُ و فَأَحْبَطَ أَعْمَـ'لَهُمْ. [25]
و خامساً: من الاُمور التي تسبّب إحباط الاعمال، التجاسر علی النبيّ والائمّة ومقام الولاية وما شابه ذلك:
يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوآ أَصْوَ ' تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولاَتَجْهَرُوا لَهُ و بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـ'لُكُمْ وَأَنتُمْ لاَتَشْعُرُونَ. [26]
فلو قال رسول الله ـ مثلاً ـ افعلْ هذا الامر ولا تفعل ذاك! فلاتصرخ قائلاً: ليس هذا بالصواب! وحين يجلس رجلان عند رسولالله فيُصغي إلی كلامهما، فلاتتدخّل وتقول بصوت عالٍ خشن: إنّ هذا صادق في كلامه، وذاك كاذب. ولاتقل أمام رسول الله: « إنّنا سنفعل هذا الامر ولانفعل ذاك »، لانّ عليك أن تدرك أ نّه رسول الله، وأنّ التقدّم عليه في الرأي والقول والفكرة تقدّم علی الحقّ، وأنّ هذا التقدّم هو عين الضلال، ومدعاة لإحباط مثوباتك وأعمالك، ومهما كنت غافلاً وتحسب أنّ صراخك ورفعك صوتك وتقديمك رأيك أمر يرتبط بشخصيّتك ومقامك.
سمعتُ أحد الثقات يقول: « ذهب أحد المعمّمين يوماً لعيادة المرحوم العلاّمة الامينيّ رحمه الله في منزله المؤقّت في طهران في منطقة « پيچ شميران »، وكان العلاّمة صاحب « الغدير » مريضاً قد رقد علی ظهره وثقل عليه المرض، فتحدّث معه وكان من بين كلامه أن قال له: سماحة الشيخ! إذا لميكن المرء محبّاً لابي الفضل العبّاس ـمثلاًـ فمن أين سيتأثّر إيمانه سلباً؟
فتغيّر حال العلاّمة ونهض جالساً بالرغم من مرضه وقال:
« دع عنك أبا الفضل عليه السلام! فلو لم يكن لديك حبّ لقيطان حذائي، أنا الخادم من خدّام أبي الفضل بسبب خدمتي لابي الفضل، لاكبّوك ـ واللهِ ـ علی وجهك في نار جهنّم!».
وإلي هنا ننهي البحث عن صحيفة الاعمال وتطاير الكتب، وسنتحدّث في المجلس القادم إن شاء الله تعالي عن موضوع الشهادة. هذا وقد بقي من هذا البحث نكتة في آية الطائر نجعلها خاتمة البحث.
نتيجة الاعمال ملازمة للنفس؛ والكتاب هو عين العمل
وآية الطائر هي الآية الكريمة:
وَكُلَّ إِنسَـ'نٍ أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'´نءِرَهُ و فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ و يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ كِتَـ'بًا يَلْقَب'هُ مَنشُورًا. [27]
وهذه الآية الشريفة لاتقول: ونخرجه يوم القيامة كتاباً، بل تقول: وَنُخرِجُ لَهُ و... كِتَـ'بًا؛ والسرّ في ذلك هو أنّ أعمال الإنسان التي يفعلها كلّ ساعة وكلّ يوم لها صورة خارجيّة ولها أثر نفسانيّ، وهذا الاثر والنتيجة والحاصل النفسانيّ ـلانفس الاعمال ـ هو الذي يلازم نفس الإنسان.
افرضوا ـ مثلاً ـ أنّ نجّاراً يقوم بصناعة سرير وكرسيّ من الخشب، فإنّ ما سيبقي في نفس النجّار، الاثر الذي حصل في نفسه نتيجة هذا العمل، والامر علی هذا النحو بالنسبة إلی الحائك الذي يحترف حياكة السجّاد، والبنّاء الذي يبني مسجداً، حيث إنّ أفعالهم لنتوجد في نفوسهم في صورها الخارجيّة، وما سيلازم نفوسهم إنّما هو روح تلك الافعال وحقيقتها. ويتمثّل المراد بتعبير طَـ'ئِرَهُ و فِي عُنُقِهِ بهذه النتيجة والاثر النفسيّ للعمل.
علی أنّ الإنسان يشاهد يوم القيامة نفس الاعمال التي فعلها في الدنيا، إذ إنّ طائر الإنسان يلازمه في الدنيا وعند الموت وفي البرزخ وفي المحشر، وسيُشاهد المرء يوم القيامة بهذه النفس ـالتي يلازمها هذا الطائرـ عين عمله وقد نُشر للعيان؛ ومفاد آية: وَنُخْرِجُ لَهُ و... كِتَـ'بًا هو نفس مفاد آية: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ. [28] ويستفاد من جملة: اقْرَأْ كِتَـ'بَكَ كَفَي' بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا.
إنّ هذا الكتاب هو غير الكتب والصحائف العاديّة التي تُعطي للناس فيقرأونها، ولو كانت كذلك لامكن لجميع الناس قراءتها ومحاسبة بعضهم البعض الآخر. ولكن يتّضح من قوله اقْرَأْ كِتَـ'بَكَ كَفَي' بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا أنّ المراد هو الاطّلاع والهيمنة والتسلّط الذي يحصل لكلّ نفس علی أعمالها. فالمراد ـ إذاً ـ من أمر « اقْرَأْ » هو قراءة النفس المنسجمة مع ذلك العالم. وهذه الآية في مصافّ الآية الشريفة: يُنَبَّؤُا الإنسَـ'نُ يَوْمَنءِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ. [29]
فهنيئاً للذين سلّموا قلوبهم إلی الله سبحانه، وجعلوها سجلّ تدوين تجلّيات الحقّ الجماليّة والجلاليّة، وللذين يخلو كتابهم من غير الله وذكره. نسأله تعالي بحقّ الاطهار والواصلين إلی حريم قدسه أن يعبر بنا من الغفلة والحُجب الظلمانيّة والنورانيّة، وأن يجعل قلوبنا مركزاً للحقّ، فلايدوّن في صحائفنا غير ذلك المحبوب الازليّ الابديّ.
رهي باشد از اين ماتم به آن سور نميدانم كه نزديك است يا دور[30]
بود دل منزل حقّ ليك ما را بود تا دل حجابي سخت مستور
برو ويرانه كن دل را كه چون دل شود ويرانه گردد بيت معمور
طواف و سير گِرد خانة دل بودحجّي كه مقبول است و مشكور
گناهي جز خودي نبود چو خود را رها كردي تو در ذنب تو مغفور
بخوان از دفترِ دل هر چه خواهي كه دل را خوانده ايزد لوح مسطور
بدين دفتر شود اسرار حقّ ثبت كهخوانندش به مصحف رقّ منشور
در اين مُصحف كه انسانست نامش بخوان از سورة دل آية نور [31]
دل است آن وادي ايمن كه گويد انَا اللهْ، حقّ در او، از آتش طور[32]
بمحمّد وآله الطاهرين، وصلّي الله عليهم أجمعين، وارحمنا برحمتك ياأرحم الراحمين.
ارجاعات
[1] ـ «دمع السجوم» هامش ص 196.
يقول: «ألقي الملوك إلی الارض تيجانهم، حين زيّن الرمحَ رأسُ ملك عالم العشق.
ولن يمرّغ أحدٌ جبينهعلی قدمَي الحبيب، إلاّ الذي رُفع رأسه عالياًعلی رمح العشق.
لقد تخطّي اللا مكان في لحظةٍ بلا بُراق، هذا المصطفي الذاهب إلی سماء العشق.
ولقد قال ملِك عالم العشق منذ «أَلَست» * يا عالَم الحُسن فداك روح العشق.
أنت قتيلي وأنا ديتُك، فليكن فداك ـإذاًـ عالم العشق».
* ـ إشارة إلی الآية القرآنيّة 172، من السورة 7: الاعراف: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي´ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي'´ أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي'ـ الآية.
[2] ـ «ديوان ابن الفارض» التائيّة الكبري، ص 60 فما بعد؛ البيت الاوّل هو البيت 148 من التائية.
1 ) حين استغرق وجودي في الوجود المطلق وفي ذات الحضرة الاحديّة، فقد زال رسم الاثنينيّة بيني وبين إلهي، لذا فقد ائتممت في صلاتي ـفي حقيقة الامرـ بإمامي الذي هو ذات الحقّ، ووجّهت وجهي إليه فأضحي جميع الموجودات ورائي، الإمام منهم والمأموم. ولا نّه صار في قلبي، فأينما وجّهت وجهي كانت تلك وجهتي.
2 ) تراه عيني أمامي في صلاتي، ويشهد قلبي أ نّه إمام أئمّتي.
3 ) ولا عجب أن صلّي الإمام باتّجاهي، لانّ الله تعالي استقرّ في قلبي، فذاته القدسيّة جلّ وعلا هي قبلةُ قبلتي.
4 ) وتوجّهت نحوي الجهات الستّ (اليمين والشمال، والامام والخلف، والاعلي والاسفل) بجميع الآثار والخصائص الموجودة فيها من العبادة والحجّ والعُمرة.
5 و6 ) صلاتي التي أُقيمها في مقام إبراهيم أُقيمها له، وأشهدُ في ذلك المقام أ نّه صلّيلي،لانّ الاشباح الظاهرة ظِلال ساجدة للارواح الباطنة، ولانّ المحبّ ـباعتبار الجمعـ هو عين المحبوب، وباعتبار التفرقة غيره، ولانّ التفات المحبّ إلی المحبوب فرع التفات المحبوب إلی المحبّ. فيمكن القول ـإذاًـ إنّنا كلانا مصلّيان نسجد في كلّ سجدة في مقام حقيقة جمعه.
7 ) لقد مُنحت مقام قربه وولايته في أوّل نقطة إيجادي ونشأتي، حين ظهرت الاشياء بطريق المعلوميّة من ذات الحقّ، وتشكّل عالم الامر قبل عالم الخلق، وقبل أن يخلقالله اليوم بعدُ، ولميكن قد أخذ العهد في عالم الميثاق.
8 ) ولقد ولهت بمحبّته وتحيّرت في عالم الامر، إذ لم يكن لذاتي ولالصفاتي ظهور في عالم الخلق، فنشوتي وسُكري به وُجدا قبل نشأتي في هذا العالم.
9 ) فأفني ذلك الهوي الذي وجدتُه في عالم الامر تجاه ربّي، تلك الصفات التي حدثت بيننا في عالم الخلق (والتي ليس لها ثبات في عالم الامر)، فاضمحلّت تلك الصفات وفنتْ، فصرت مع تلك الذات القدسيّة كما كنتُ أوّل الامر.
10 ) وبعد أن اضمحلّت صفاتي في عالم الفناء، عدتُ إلی عالم البقاء فشاهدت تلك الصفات التي ألقيتها وتخلّيت عنها لزيادتها، قد صدرت منّي إلی ووردت عَلَيّ. 11) وشاهدتُ نفسي (حال شهودي) بصفاتها التي احتجبت بها عنّي الذات الاحديّة المقدّسة.
12 ) وشاهدتُ أنّ نفسي ـ يقيناً وضرورةً ـ هي الذات، وأنّ نفسي في معرفة الذات قد أحالتنيعلی نفسي.
13 ) فتولّهت به نفسي فجأة خلال بحثها عنه، بينما كان ـفي الحقيقةـ مشهوداً لي، ولميكن هذا الامر خافياً عن نفسي.
14 ) فكشفت تلك الذات القدسيّة في تجلّيها في الوجود المطلق الستارَ أمام عيني، فصرتُ أراها عياناً في كلّ مرئيّ ومُشاهَد.
[3] ـ من فقرات دعاء كميل الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام يكثر قراءته، ثمّ علّمه لكميلبن زياد النخعيّ.
[4] ـ «بحار الانوار» ج 9، ص 511، طبعة الكمبانيّ. من كلامٍ لاميرالمؤمنين عليه السلام. وقد نقل المجلسيّ هذا الكلام عن «شرح نهج البلاغة» لابن ميثم البحرانيّ، ج 5، ص 361، حيث يقول أميرالمؤمنين عليه السلام في الحكمة 237 من باب الحكم: «إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الاحرار». ثمّ نقل المجلسيّ رحمه الله عن ابن ميثم قوله: أي لا نّه مستحقّ للعبادة. ثمّ يقول ابن ميثم: وقال عليه السلام في موضع آخر: إلهي! ما عبدتك خوفاً من نارك... إلی آخره.
[5] ـ الآية 111، من السورة 9: التوبة.
[6] ـ «ديوان حافظ الشيرازي» ص 157، طبعة پژمان.
يقول: «حين أحصل اليومعلی الجنّة نقداً، فلماذا أصدّق وعد الزاهد حين يُحيلنيعلی الغدّ؟».
[7] ـ «ديوان حبيب» للمرحوم آية الله الحاج الميرزا حبيب الله الخراسانيّ، ص 54، فما بعد، وهذه الاشعار مقتطفات من أشعاره. يقول: «لا شيء إلاّ الفقر في طيلساني، وإلاّ العجز طيّ لساني.. ولاقل الحقّ، فأنا أسفل من كلّ السفلة، وأتفه مقاماً من التافهين
يتقاذفني هواي من صوبٍ لآخر»
[8] ـ يقول: «لا أملك نفسي وجوداً، ولا أملك في نفسي خسارةً وربحاً.. ولا أملك في نفسي سديً ولحمة، ولا أثراً ومظهراً
فأنا ـ إذاً ـ أظهر نفسي عبثاً
لا يليق رداء الملوكيّة بالعبد، ولا تليق الكبرياء بالعدم المحض.. ولا تليق الاُلوهيّة بالعبد، ولا يجدر بالشحّاذ إلاّ الاستجداء
أنا شحّاذ أنا شحّاذ أنا شحّاذ
إن دعاني إليه كنتُ عبده، ولو نهرني كنت طـريداً شـريدا.. ولو أوقفني حـاجباً لصقت ببابه كالاءطار، ولو توقّف في الطريق كنت حارساً وخفيراً
إذ لا يجدر بي إلاّ أن أكون ما يدعوني»
[9] ـ يقول: «لو دعاني باسمي كنت فقيراً، ولو طردني كنت في ذاتي حقيراً.. لو دعاني أميراً صرتُ حقّاً أميراً، ولو أمرني بالموت متُّ وفنيت
فأنا لحكمك عبد ولرأيك قنٌّ مملوك
لا يليق بالعدم حديث الوجود، ولا يليق به ادّعاء الكبر والسكر.. لا يليق بالتراب إلاّ الذلّ والضعة، ولا يليق بالفناء عبادة النفس
أنا عدم أنا عدم أنا عدم
أنا عبدٌ ليس لي حيلة أو سبيل، ولا عقل لي ولا رأي ولا تدبير.. لا ادّعاء لي في نفسي، ولا سبيل لي إلی بلاط السلطان
لانّ فِناء الحبيب عندي بلاط السلطان
أنا عبدٌ تعُدّ بالمئات عيوبي، وعجزي وذلّي وهواني.. ولكن، أيّها الإله المهيمن الحاكم، مع كلّ عاري واستحيائي»
[10] ـ يقول: «ليس لي ـ إلاّ إلی بابك ـ التجاء
لو قُدّر لي أن أكون معك، ولو أدركت ما في نفسي.. لكنتُ في طريق العبوديّة ملكاً، وكنت في مصاف مَن كَانَ لِلّه
أنت أنا، لو كنتُ أنا أنت
يا من غمّك مدعاة للسرور، وذكري طلعتك أيّام الشباب.. يا من وصلك حكومة دائمة، وطرّتك السوداء سبعُ المثاني
ياقوتتك المحبوبة لي ماء البقاء والخلود»
[11] ـ الآية 65، من السورة 39: الزمر.
[12] ـ المقطع الاخير من الآية 5، من السورة 5: المائدة.
[13] ـ المقطع الاخير من الآية 217، من السورة 2: البقرة.
[14] ـ الآية 217، من السورة 2: البقرة.
[15] ـ الآيات 103 إلی 105، من السورة 18: الكهف.
[16] ـ يقول: «نادي ذلك المُنادي المُضْحك: الدنيا مزرعة الآخرة».
[17] ـ مقطع من الآية 147، من السورة 7: الاعراف.
[18] ـ الآية 104، من السورة 18: الكهف.
[19] ـ مقطع من الآية 105، من السورة 18: الكهف.
[20] ـ الآية 34، من السورة 4: النساء.
[21] ـ جريدة «اطّلاعات» العدد 15923، 16 مرداد، سنة 58، ص 9.
[22] ـ «نهج البلاغة» الرسالة 31، الفقرة الاخيرة.
[23] ـ مقطع من الآية 228، من السورة 2: البقرة.
[24] ـ الآية 9، من السورة 47: محمّد.
[25] ـ الآية 28، من السورة 47: محمّد.
[26] ـ الآيتان 1 و 2، من السورة 49: الحجرات.
[27] ـ الآية 13، من السورة 17: الاءسراء.
[28] ـ الآية 10، من السورة 81: التكوير.
[29] ـ الآية 13، من السورة 75: القيامة.
[30] ـ «ديوان حبيب» للمرحوم الميرزا حبيب الله الخراسانيّ، ص 199. يقول: «هناك طريق من هذا المأتم إلی ذلك الحفل البهيج، لكنيّ لا أعلم أبعيدة هي الشُقّة أم قريبة».
[31] ـ يقول: «إنّ القلب منزل الحقّ، لكنّنا محجوبون عنه بحجاب وسترٍ مستور.
فأذهب وخرّب القلب، فسيصبح في خرابه كالبيت المعمور.
وطف حول منزل القلب، فهو حجّ مقبول ومشكور.
ليس لك ـ إلاّ نفسك ـ ذنبٌ، فإنْ تخلّيتَ عنها صار ذنبك مغفوراً.
واقرأ في دفتر القلب ما شئت، إذ دعاه الله لوحاً مسطوراً.
فهو دفتر تُسجَّل فيه أسرار الحقّ؛ دفترٌ دُعي في القرآن رقّاً منشوراً.
فاقرأ في هذا المصحف المسمّي إنساناً، واتلو من سورة القلب آية النور».
[32]
ـ يقول: «القلب هو الوادي الايمن الذي يقول من نار الطور ـإذ الحقّ
فيهـ أنا الله».