بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد السابع / القسم الرابع: الخطابات العامة فی القرآن ذات الملاک الخاص، شهادة الملائکة، درجات الذنوب...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

في‌ الخطابات‌ العامّة‌ ذات‌ الملاك‌ الخاصّ

 فعلی الرغم‌ من‌ عموميّة‌ ظاهر الخطاب‌، إلاّ أنّ ملاك‌ الخطاب‌ الذي‌ يتحقّق‌ علی أساسه‌ الحكم‌ والإنشاء هو ملاك‌ خاصّ. وقد تعلّق‌ الخطاب‌ العامّ بذلك‌ الملاك‌ وتلك‌ الخصوصيّة‌ التي‌ يمتلكها أُولئك‌ الافراد المعيّنون‌ الواقعون‌ بين‌ الاُمّة‌ والمحشـورون‌ معها، من‌ الحائزين‌ علی مسـتلزمات‌ الشهادة‌.

 ونظائر هذا الخطاب‌ كثيرة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، كما أ نّها رائجة‌ ومتداولة‌ في‌ العرف‌ الادبيّ وفي‌ المحاورات‌ الاجتماعيّة‌ بين‌ الفصحاء والبلغاء.

 لنفرض‌ ـ علی سبيل‌ المثال‌ ـ أنّ حاكماً معيناً ينزعج‌ ويتأثّر من‌ بعض‌ أفراد رعيّته‌، فيقول‌ في‌ خطابه‌: « إنّ رعيّتي‌ لا يلقون‌ إليّ بالاً، ولايهتمّون‌ بكلامي‌ » مع‌ أنّ بعض‌ أفراد رعيّته‌ ـ لا جميعهم‌ ـ قد عصوه‌ وخالفوه‌، لكنّه‌ أورد الخطاب‌ علی نحو العموم‌، فجعل‌ الجميع‌ في‌ معرض‌ اللوم‌ والعتاب‌.

 أو كما يحصل‌ في‌ حزب‌ أو جمعيّة‌ ذات‌ عنوان‌ خاصّ يقوم‌ بعض‌ أفرادها بتصرّف‌ ما، فيتوجّه‌ الخطاب‌ إلی جميع‌ الاعضاء، سواءً كان‌ مدحاً وثناءً أم‌ لوماً وعتاباً، مع‌ أنّ ملاك‌ الخطاب‌ خاصّ بأفراد معيّنين‌.

 وهذا المطلب‌ من‌ مواضيع‌ فنّ البلاغة‌ والفصاحة‌ في‌ الادب‌، يستخدمه‌ الفصحاء والبلغاء في‌ خطاباتهم‌ علی اختلاف‌ اللغات‌ والامكنة‌.

 وقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌ ـ علی سبيل‌ المثال‌ـ:

 مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ و´ أَشِدَّآءَ علی الْكُفَّارِ رُحَمَآءَ بَيْنَهُمْ تَرَب'هُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَهِ وَرِضْوَ ' نًا سِيمَاهُمْ فِي‌ وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَ ' لِكَ مَثَلُهُمْ فِي‌ التَّوْرَیـ'ةِ وَمَثَلُهُمْ فِي‌ الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ شَطْـَهُ و فَـَازَرَهُ و فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَي‌' علی' سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ مِنْهُم‌ مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. [1]

 حيث‌ يلاحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ أنّ القرآن‌ الكريم‌ قد امتدح‌ أصحاب‌ النبيّ كثيراً، ووصفهم‌ بالصدق‌ والاستقامة‌ والشدّة‌، وبأ نّهم‌ لايتخطّون‌ أوامر الله‌ تعالي‌، فهم‌ أشدّاء مع‌ أعداء الله‌، رُحماء مع‌ محبّي‌ الله‌، دائبون‌ علی ركوعهم‌ وسجودهم‌، يقيمون‌ الصلاة‌ في‌ أوقاتها، يبتغون‌ ضالّتهم‌: لقاء الله‌ ورضوانه‌ وفضله‌، إلی الحدّ الذي‌ ذكر أوصافهم‌ موسي‌ وعيسي‌ علی نبيّنا وآله‌ وعليهما السلام‌ في‌ التوراة‌ والإنجيل‌.

 أفكان‌ جميع‌ أصحاب‌ النبيّ علی هذه‌ الشاكلة‌؟ أكانوا بأجمعهم‌ يستحقّون‌ هذا المدح‌ والثناء؟

 لقد نزلت‌ هذه‌ السورة‌ في‌ المدينة‌ بعد وقعة‌ صلح‌ الحديبيّة‌، أي‌ بعد السنة‌ السادسة‌ للهجرة‌، وكان‌ هناك‌ في‌ المدينة‌ من‌ بين‌ أصحاب‌ رسول‌الله‌ منافقون‌ يشكّلون‌ الصف‌ الاعظم‌ من‌ الصحابة‌، وقد نزلت‌ في‌ شأنهم‌ آيات‌ كثيرة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌.

 ولقد كان‌ المنافقون‌ يتظاهرون‌ بالإسلام‌، وكانت‌ خطابات‌ القرآن‌ العامّة‌ للمسلمين‌ تشملهم‌، إذ كانوا يصلّون‌ ويصومون‌، إلاّ أ نّهم‌ كانوا يضعون‌ العصي‌ في‌ عجلة‌ المسيرة‌، ويحاولون‌ الحدّ من‌ نفوذ الإسلام‌. وقد ساعدوا الكفّار سرّاً في‌ الحروب‌، وسعوا إلی إضعاف‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ في‌ الداخل‌، وكذلك‌ إلی بثّ الرعب‌ في‌ صفوف‌ المسلمين‌ عند مواجهة‌ العدوّ. ولدينا في‌ القرآن‌ الكريم‌ سورة‌ باسم‌ سورة‌ « المنافقون‌ ».

 ولقد عاني‌ رسول‌ الله‌ من‌ أذي‌ منافقي‌ أُمّته‌ أكثر من‌ معاناته‌ من‌ أذي‌ الكفّار والمشركين‌ بكثير، مع‌ أنّ الكفّار والمشركين‌ كانوا يوحّدون‌ صفوفهم‌ في‌ أغلب‌ الغزوات‌ ـ مثل‌ غزوة‌ الاحزاب‌ـ للقضاء علی رسول‌الله‌ والمسلمين‌، وكانوا يُثيرونها حرباً شاملة‌ تتآلف‌ فيها جميع‌ الطوائف‌ لكسر صولة‌ الإسلام‌، وتوحّد مساعيها لقمعه‌ واستئصال‌ جذوره‌. إلاّ أنّ ضرر المنافقين‌ وأذاهم‌ يبقي‌ ـمع‌ هذا كلّه‌ـ أشدّ وأقسي‌ علی الإسلام‌ ونبي‌ّ الإسلام‌. والشواهد التأريخيّة‌ والاخبار والروايات‌ الواردة‌ في‌ هذا المجال‌ تضيق‌ علی الحصر. لذا نشاهد الشدّة‌ والقسوة‌ في‌ لحن‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ في‌ خطابها للمنافقين‌، أُولئك‌ المنافقين‌ الذين‌ شكلّت‌ قصّتهم‌ فصلاً كبيراً من‌ تأريخ‌ حياة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 والخلاصة‌، فقد كان‌ المنافقون‌ يعدّون‌ ضمن‌ الصحابة‌، أفكان‌ القرآن‌ الكريم‌ يمتدح‌ المنافقين‌؟ كلاّ بطبيعة‌ الحال‌. إذ فضلاً عمّا ذكر، فإنّ لهذه‌ الآية‌ شواهد وقرائن‌ دالّة‌ علی أنّ المخاطب‌ بها لايشمل‌ جميع‌ أصحاب‌ رسول‌الله‌.

 يقول‌ القرآن‌: وَالَّذِينَ مَعَهُ و´ أَشِدَّآءُ علی الْكُفَّارِ رُحَمَآءَ بَيْنَهُمْ.

 ومن‌ الجلي‌ّ أنّ هذه‌ الصفات‌ لم‌ تكن‌ موجودة‌ لدي‌ المنافقين‌، فقد كانوا علی العكس‌ من‌ ذلك‌ أَشِدَّاءُ علی المُؤْمِنِينَ رُحَمَاءُ مَعَ الكُفَّارِ!

 يقول‌ القرآن‌: تَرَیـ'هُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَهِ وَرِضْوَ ' نًا؛ بينما لم‌يكن‌ المنافقون‌ علی هذه‌ الكيفيّة‌، يُضاف‌ إلی ذلك‌ أ نّه‌ لم‌يرد في‌ التوراة‌ والإنجيل‌ ذكر للمنافقين‌ وصفاتهم‌، ولم‌ يأت‌ فيهما حديث‌ عن‌ أبي‌ سفيان‌ وعبدالله‌بن‌ سلام‌ ونظائرهما؛ والشاهد علی ذلك‌ ما جاء في‌ آخر الآية‌ من‌ الوعد بالمغفرة‌ والاجر الجزيل‌ لمن‌ آمن‌ من‌ أصحاب‌ النبي‌ّ وعمل‌ صالحاً، وليس‌ لجميعهم‌.

 ومجمل‌ القول‌ أنّ آية‌: وَكَذَ ' لِكَ جَعَلْنَـ'كُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ علی النَّاسِ تفيد ـ وفق‌ هذا البيان‌ـ انطباعاً بأنّ المراد بالاُمّة‌ الوسط‌ في‌ الملاك‌ والمعيار، خصوص‌ الذين‌ امتلكوا تلك‌ الصفات‌، أي‌ الاشدّاء علی الكفّار، الرحماء بينهم‌، من‌ أمثال‌ أميرالمؤمنين‌ علیبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ و عثمان‌بن‌ مظعون‌ وسلمان‌ وأبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ والمقداد، وأصحاب‌ رسول‌الله‌ الذين‌ استشهدوا في‌ غزوة‌ بدر مثل‌ عبيدة‌بن‌ الحارث‌بن‌ المطّلب‌ ابن‌ عمّ رسول‌الله‌، أو المستشهدين‌ في‌ غزوة‌ أُحد مثل‌ حمزة‌ سيّد الشهداء ونظائر هذه‌ الارواح‌ المقدّسة‌ وطيور سدرة‌ المنتهي‌ المحلّقة‌ إلی الذروة‌، فهم‌ الذين‌ كانوا أصحاب‌ النبي‌ّ. وقد تعلّق‌ الخطاب‌ العامّ ـ بلحاظ‌ شرف‌ هؤلاء ومقامهم‌ـ بالاُمّة‌ الإسلاميّة‌، حيث‌ جري‌ مدحهم‌ بتعبير وَالَّذِينَ مَعَهُ.

 كان‌ هذا فيما يتعلّق‌ بالآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ الفتح‌، فلننظر في‌ الآية‌ التي‌ نبحث‌ في‌ شأنها: وَكَذَ ' لِكَ جَعَلْنَـ'كُمْ أُمَّةً وَسَطًا.

 لقد جعلناكم‌ أُمّة‌ وسطاً معتدلة‌، وشرّفناكم‌ بحيث‌ صار رسول‌الله‌ شاهداً عليكم‌ بصورة‌ مباشرة‌ ودونما واسطة‌. فأنتم‌ الشهداء علی الناس‌، ورسول‌الله‌ الشاهد عليكم‌. فهو ـ إذاً ـ مقام‌ شريف‌ أن‌ يُجعل‌ الإنسان‌ شاهداً علی عامّة‌ الناس‌ ويُجعل‌ الرسول‌ شاهداً عليه‌. ومن‌ لايمتلك‌ هذا المقام‌ فلايصلح‌ لمسؤوليّة‌ تحمّل‌ الشهادة‌ وأدائها. ومن‌ هنا فإنّ المراد بالاُمّة‌ الوسط‌. الشاهدة‌ علی الناس‌ ليس‌ جميع‌ الاُمّة‌، بل‌ أفراداً خاصّين‌ يحملون‌ المزايا والخصائص‌ المذكورة‌ في‌ معني‌ الشهادة‌.

 وينبغي‌ الآن‌ أن‌ نري‌ مَن‌ هم‌ هؤلاء الافراد؟

 الرجوع الي الفهرس

في‌ تفسير الآية‌ الشريفة‌: هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ

 لدينا آية‌ قرآنيّة‌ أُخري‌ نظير الآية‌ السابقة‌:

 هُو اجْتَبَـ'كُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي‌ الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْر ' هِيمَ هُوَ سَمَّب'كُمْ الْمُسْلِمِينَ مِن‌ قَبْلُ وَفِي‌ هَـ'ذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ علی النَّاسِ. [2]

 وربّما كان‌ مضمون‌ هذه‌ الآية‌ أوضح‌ من‌ سابقتها، لا نّها تقول‌: هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ، بينما الآية‌ السابقة‌ تستخدم‌ تعبير: وَكَذَ ' لِكَ جَعَلْنَـ'كُمْ أُمَّةً وَسَطًا.

 ويعني‌ الاجتباء في‌ العربيّة‌ الاصطفاء والاختيار، كما يحصل‌ عند اختيار عدّة‌ تفّاحات‌ من‌ شجرة‌ تفّاح‌ أو من‌ صندوق‌ تفّاح‌، ويدعي‌ كذلك‌ بـ الاستنقاء وهو الاصطفاء والتطهير.

 وللفظ‌ الاجتباء دلالة‌ كبيرة‌ علی الشرف‌ والمنزلة‌ الرفيعة‌، لانّ الله‌ تعالي‌ هو المجتبي‌ والمصطفي‌، وهؤلاء الافراد هم‌ المجتبون‌ والمصطفون‌ من‌ قِبَلِهِ عَزّ وجلّ.

 كما ورد في‌ هذه‌ الآية‌: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ ' هِيمَ هُوَ سَمَّب'كُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ.

 فَلِمَ فعل‌ ذلك‌، ولِمَ سمّاكم‌ أبوكم‌ إبراهيم‌ المسلمين‌؟ فصارت‌ لكم‌ هذه‌ الشخصيّة‌ والخصائص‌، ليكون‌ الرسول‌ شاهداً عليكم‌ وتكونوا شهداء علی الناس‌.

 وينبغي‌ الآن‌ أن‌ نري‌ من‌ هم‌ هؤلاء الشهداء الذين‌ اجتباهم‌ الله‌ وسمّاهم‌ أبوهم‌ إبراهيمُ المسلمين‌ من‌ قبل‌، فصارت‌ لهم‌ هذه‌ الخصائص‌ لتحمّل‌ الشهادة‌ وأدائها، وأين‌ سمّاهم‌ المسلمين‌؟

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ دعاء النبي‌ّ إبراهيم‌ لذرّيّته‌

 لقد دعا إبراهيم‌ عند بنائه‌ الكعبة‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ قائلاً:

 رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن‌ ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـ'تِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزَيزُ الْحَكِيمُ.[3]

 أنت‌ يا إلهنا عزيزٌ ذو استقلال‌، حكيمٌ فعلُك‌ محكم‌ متقن‌، ندعوك‌ ونسألك‌ أن‌ تستجيب‌ دعاءنا.

 وحين‌ استجاب‌ الله‌ دعاء النبي‌ّ إبراهيم‌: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِن‌ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَّكَ، فجعل‌ من‌ ذرّيّته‌ أُمّة‌ مسلمة‌، فإنّ إبراهيم‌ قد حكي‌ عن‌ إسلام‌ الذرّيّة‌، كما في‌ الآية‌: هُوَ سَمَّب'كُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن‌ قَبْلُ. أي‌ الذرّيّة‌ التي‌ وُجدت‌ منه‌ والتي‌ رغب‌ إلی الله‌ في‌ دعائه‌ أن‌ يجعلهم‌ مسلمين‌.

 فلمن‌ ـ يا تري‌ ـ يعود دعاء النبيّ إبراهيم‌ في‌ قوله‌: وَمِن‌ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ؟ فقد دعي‌ النبي‌ّ إبراهيم‌ بهذا الدعاء حين‌ كان‌ مشغولاً مع‌ ابنه‌ إسماعيل‌ ببناء الكعبة‌، فكانا يجلبان‌ الصخر فيرصفانه‌ علی بعضه‌، ويبنيان‌ الكعبة‌ التي‌ دُعيت‌ « بيت‌ الله‌ » في‌ الموضع‌ الذي‌ تقع‌ فيه‌ حاليّاً.

 والحقّ أنّ هذا الدعاء كان‌ في‌ شأن‌ ذرّيّة‌ إبراهيم‌ وإسماعيل‌ عليهما السلام‌ اللذين‌ كانا في‌ مكّة‌. فقد كان‌ سياق‌ الآيات‌ قبل‌ هذه‌ الآية‌ كالتالي‌:

 وَعَهِدْنَآ إِلَي‌'´ إبْرَ ' هِــمَ وَإِسْمَـ'عِيلَ أَن‌ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآنءِفِينَ وَالْعَـ'كِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. [4]

 ثمّ يقول‌: وَإِذْ قَالَ إِبْرَ ' هِــمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـ'ذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ و مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللَهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ. [5]

 إلی أن‌ يصل‌ إلی هذه‌ الآية‌: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَ ' هِـمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـ'عِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [6]

 والله‌ وحده‌ يعلم‌ ماذا كان‌ الاب‌ والابن‌ يدعوان‌ سويّاً بينما كانا منهمكين‌ في‌ بناء الكعبة‌ ورفع‌ قواعدها، وماذا كانت‌ حالات‌ مناجاتهما وارتباطهما بخالقهما، وأيّ لذّة‌ كانت‌ لهما في‌ حوارهما مع‌ ربّهما. والقرآن‌ الكريم‌ يذكر لنا قدراً من‌ تلك‌ الادعية‌ في‌ هذه‌ الجملات‌، حتّي‌ يصل‌ إلی هذه‌ الآية‌: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِن‌ ذُرِّيَّتِنَآ أُمََّةً مُسْلِمَةً لَّكَ. [7]

 وعلينا أن‌ نعرف‌ أوّلاً أي‌ّ إسلام‌ هو ذلك‌ الذي‌ طلبه‌ النبيّ إبراهيم‌ في‌ دعائه‌؟ أهو هذا الإسلام‌ العاديّ الذي‌ ينتمي‌ إليه‌ الناس‌، والذي‌ يتلبّسون‌ به‌ بمجرّد تفوّههم‌ بالشهادتين‌؟ أكان‌ إبراهيم‌ ـوهو من‌ أنبياء أُولي‌ العزم‌ وذوي‌ الكتاب‌ والشريعة‌ـ يدعو للحصول‌ علی مثل‌ هذا الإسلام‌؟ بالإضافة‌ إلی أنّ النبي‌ّ إبراهيم‌ لم‌ يدعُ بهذا الدعاء يوم‌ كان‌ صبيّاً غرّاً أوّل‌ بلوغه‌ ولادعا به‌ في‌ مطلع‌ رسالته‌، بل‌ حين‌ صار شيخاً كبيراً قد تجاوز عمره‌ مائة‌ سنة‌ أو مائة‌ وسبع‌ عشرة‌ سنة‌، مرّ خلاله‌ بأربعة‌ وعشرين‌ ابتلاءً واختباراً، ونال‌ درجة‌ الإمامة‌ التي‌ تفوق‌ درجة‌ النبوّة‌، وكان‌ من‌ بين‌ تلك‌ الابتلاءات‌ ذبح‌ ولده‌ إسماعيل‌، وما مرّ به‌ في‌ أرض‌ بابِل‌ حين‌ حطّم‌ الاصنام‌ ورُمي‌ بالمنجنيق‌ في‌ النار ثمّ أُبعد إلی أرض‌ الاردن‌ وفلسطين‌ حيث‌ قضي‌ هناك‌ مدّة‌ طويلة‌ يدعو إلی التوحيد، ثمّ إرساله‌ ابن‌ أخيه‌ أو ابن‌ أُخته‌ النبي‌ّ لوط‌ برسالته‌ ودعوته‌. وبعد تحمّله‌ شدائد ومحن‌ من‌ زوجته‌ سارة‌ التي‌ لم‌تُنجب‌ منه‌. وكانت‌ سارة‌ قد وهبته‌ فتاة‌ جميلة‌ تُدعي‌ هاجَر كان‌ ملك‌ بابل‌ قد أهداها لها، بَيدَ أنّ إبراهيم‌ ـاحتراماً لها لا نّها ابنة‌ خاله‌ـ لم‌يكن‌ يقرب‌ هاجر لتُنجب‌ له‌ أولاداً مع‌ أ نّه‌ كان‌ قد بلغ‌ من‌ العمر عتيّاً دون‌ أن‌ يُولَد له‌.

 إلاّ أنّ سارة‌ أذنت‌ له‌ بالزواج‌ من‌ هاجر لتُنجب‌ له‌ بعد أن‌ رأت‌ كبر سنّه‌ وحرمانه‌ من‌ الاولاد، فرزقه‌ الله‌ من‌ هاجر ولداً سمّاه‌ إسماعيل‌، هو جدّنا الاعلی.

 غير أنّ سارة‌ اغتمّت‌ من‌ ولادة‌ إسماعيل‌، وكانت‌ قد كبرت‌ وشاب‌ شعرها واحدودب‌ ظهرها، فجري‌ بينها وبين‌ إبراهيم‌ من‌ الاُمور ما جعل‌ إبراهيم‌ يصطحب‌ هاجر وطفلها من‌ فلسطين‌ إلی أواسط‌ صحراء الحجاز، ثمّ يتركهما هناك‌ ويرجع‌ إلی فلسطين‌. وكان‌ يأتيهما إلی مكّة‌ مرّة‌ أو مرّتين‌ في‌ السنة‌ فيتفقّدهما ويعود، حتّي‌ ترعرع‌ إسماعيل‌ وكبر فشرعا سويّاً ببناء الكعبة‌ بيت‌ الله‌.

 إلاّ أنّ الله‌ أنعم‌ علی سارة‌ بولد أنجبته‌ علی كبرها وشيخوختها، فجاء جبرائيل‌ تصحبه‌ الملائكة‌ وقد نزلوا بالعذاب‌ علی قوم‌ لوط‌، فعرّجوا علی خيمة‌ إبراهيم‌ وبشّروه‌ بولد يولد له‌ من‌ سارة‌.

 ولمّا طرق‌ الخبر أسماع‌ سارة‌ قالت‌ مدهوشة‌: يَـ'وَيْلَتَي‌'´ ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ قد شاب‌ شعري‌ واحدودب‌ ظهري‌ وَهَـ'ذَا بَعلی شَيْخًا قد فات‌ أوان‌ إنجابه‌؟! فقالت‌ الملائكة‌: الامر للّه‌ وحده‌، وهو الرحيم‌ الكريم‌.

 ثمّ مَنَّ الله‌ علی إبراهيم‌ بولد من‌ زوجته‌ سارة‌ سمّاه‌ إسحاق‌. ولقد مرّ إبراهيم‌ بجميع‌ هذه‌ الابتلاءات‌ ونظائرها حتّي‌ جاء إلی مكّة‌، وكان‌ أمر الحجّ وقضيّة‌ مِني‌ وذبح‌ ولده‌ وبناء بيت‌ الله‌، فدعا هذا النبي‌ّ الكبير ربّه‌: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ.

 الرجوع الي الفهرس

اصطفاء ذرّيّة‌ إبراهيم‌ للشهادة‌ علی أعمال‌ الناس‌

 فأي‌ّ إسلام‌ هو يا تري‌؟ إنّه‌ الإسلام‌ الاعظم‌. أي‌ أنّ إبراهيم‌ دعا ربّه‌: ربّنا اجعل‌ أرجاء وجودنا وكياننا تسليماً لجلالك‌ وعظمتك‌ وكبريائك‌، وأن‌ لاتكون‌ فقط‌ أعمالنا لك‌ وحدك‌، بل‌ أرواحنا وأخلاقنا وديننا وإيماننا وعمرنا ووجودنا ومودّتنا وحياتنا كلّها لك‌ وحدك‌ بلاشريك‌.

 قُلْ إِنَّ صَلاَتِي‌ وَنُسُكِي‌ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي‌ لِلَهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ. [8]

 هذا هو معني‌ الإسلام‌ الذي‌ رجاه‌ إبراهيم‌ من‌ ربّه‌، ودعاه‌ أن‌ يشرّف‌ به‌ نبيّنا الذي‌ سيولد من‌ نسله‌، ويشرّف‌ به‌ ذرّيّته‌.

 وقد اتّضح‌ بذلك‌ المراد بالذرّيّة‌ وإسلام‌ الذرّيّة‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌: وَمِن‌ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ.

 ودعا النبي‌ّ إبراهيم‌: هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ؛ أي‌ أنّ الله‌ اصطفاكم‌ واختاركم‌.

 مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ ' هِــمَ هُوَ سَمَّب'كُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن‌ قَبْلُ، أي‌ هو الذي‌ دعا لكم‌ بهذه‌ الدرجة‌ والمرتبة‌ من‌ الإسلام‌، وختمكم‌ بهذا الخَتمْ، وأعلمكم‌ بصبغة‌ الإسلام‌، وسمّاكم‌ المسلمين‌ ودعا لكم‌.

 وينبغي‌ أن‌ نري‌ مَن‌ هم‌ هؤلاء الافراد من‌ ذرّيّة‌ إبراهيم‌ الذين‌ يمتلكون‌ هذه‌ الدرجة‌ من‌ الإسلام‌، ويحوزون‌ هذا القدر من‌ الطهارة‌ الباطنيّة‌؟ يُضاف‌ إلی ذلك‌ أنّ إبراهيم‌ وإسماعيل‌ دعوا ربّهما ـإضافة‌ إلی دعائهما بشأن‌ الإسلام‌ الواقعيّ الاعظم‌ والطهارة‌ الباطنيّة‌ـ فقالا: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا.

 أرنا مواضع‌ عبادتنا وكيفيّة‌ نُسكنا وطريق‌ عبوديّتنا. علّمنا مناسك‌ العبوديّة‌ والدعاء إضافةً إلی تلك‌ الطهارة‌ الباطنيّة‌ والتسليم‌ الحقيقيّ مقابل‌ ذاتك‌ المتّصفة‌ بالعزّة‌ والجلال‌ والجمال‌ والكبرياء والعظمة‌، واهدِ ذرّيّتنا إلی الإسلام‌ الحقيقيّ وطريق‌ العبوديّة‌، وابعث‌ فيهم‌ نبيّاً منهم‌ يعلّمهم‌ الكتاب‌ والحكمة‌ ويتلو عليهم‌ آياتك‌ ويزكّيهم‌ ويهديهم‌ إلی الرقيّ والتكامل‌ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ مقام‌ عزّة‌ الله‌ وحكمته‌ يقتضي‌ استجابة‌ هذه‌ الادعية‌.

 ويمكن‌ تلخيص‌ النتيجة‌ الحاصلة‌ من‌ مجمل‌ المطالب‌ التي‌ ذكرناها بعدّة‌ جمل‌: لانّ النبي‌ّ إبراهيم‌ دعا أوّلاً لإسلام‌ ذرّيّته‌، ثمّ دعا لإراءتهم‌ المناسك‌ ولقبول‌ توبتهم‌، وبعدها دعا لبعث‌ نبي‌ّ منهم‌ يتلو عليهم‌ آيات‌ الله‌ ويعلّمهم‌ الكتاب‌ والحكمة‌ ويربّيهم‌ ويزكيّهم‌. فيتّضح‌ أنّ الدعاء اختصّ بجماعة‌ من‌ قريش‌ جمعوا بين‌ طهارتهم‌ الذاتيّة‌ والإسلام‌ الواقعيّ والتسليم‌ المحض‌ مقابل‌ الله‌ عزّ وجلّ؛ لانّ الإسلام‌ هنا بمعني‌ الإسلام‌ الوارد في‌ الآية‌: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَْينِ لَكَ، وهو دعاء صدر من‌ إبراهيم‌ عند نبوّته‌ وبعد اجتيازه‌ الاختبارات‌ العديدة‌، وحين‌ كان‌ منشغلاً مع‌ ابنه‌ إسماعيل‌ ببناء الكعبة‌.

 فطلبه‌ للإسلام‌ في‌ هذه‌ الحال‌ يتضمّن‌ معني‌ راقياً سامياً ودقيقاً، وهو مقام‌ التسليم‌ والفناء في‌ ذات‌ الله‌ والتوكّل‌ عليه‌، وتفويض‌ جميع‌ الاُمور وكلّ الوجود بيده‌ تعالي‌. فتكون‌ إحدي‌ صفات‌ الذرّيّة‌ المصطفاة‌ الجمع‌ بين‌ الطهارة‌ المكتسبة‌ الصفاتيّة‌، من‌ إراءة‌ المناسك‌ وقبول‌ التوبة‌ في‌ جميع‌ المراحل‌ والوفاء بالعهد، إضافة‌ إلی شمولهم‌ بلطف‌ الله‌ عزّ وجلّ ببعثة‌ رسول‌الله‌، وتلاوة‌ آيات‌ الله‌ عليهم‌ وتعليمهم‌ الكتاب‌ والحكمة‌ في‌ حدّها الاعلی وصولاً إلی مقام‌ الكمال‌ الإنساني‌ّ.

 ونعلم‌ أنّ جملة‌ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وجملة‌ لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ علی النَّاسِ تعليل‌ لعبارة‌ هُوَ اجْتَبَـ'كُمْ. أي‌ أنّ علّة‌ اجتبائكم‌ واصطفائكم‌ هي‌ أن‌ تكونوا شهداء علی أعمال‌ الناس‌ والرسول‌ علی أعمالكم‌ شهيداً.

 الرجوع الي الفهرس

الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ هم‌ الشهداء يوم‌ القيامة‌

 وبما تقدّم‌، فقد اتّضحت‌ هذه‌ النتيجة‌ وعرفنا بصورة‌ عامّة‌ الخصائص‌ التي‌ تتحلّي‌ بها هذه‌ الذرّيّة‌، ولابدّ الآن‌ من‌ تبيان‌ مصداقها من‌ خلال‌ السنّة‌ الصحيحة‌ والروايات‌ الواردة‌، ليتّضح‌ أنّ هؤلاء الشهداء من‌ قريش‌ الذين‌ لهم‌ هذه‌ الخصائص‌ لايمكن‌ أن‌ يكونوا إلاّ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌.

 روي‌ في‌ « الكافي‌ » و « تفسير العيّاشي‌ّ » عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ قال‌: نَحْنُ الاُمََّةُ الوَسَطُ وَنَحْنُ شُهَدَاءُ اللَهِ علی خَلْقِهِ وَحُجَجُهُ فِي‌ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. [9]

 أي‌ أ نّنا وحدنا فقط‌ الذين‌ نمتلك‌ هذه‌ الخصائص‌ في‌ عالم‌ الظاهر والباطن‌، وفي‌ عالم‌ الغيب‌ والشهادة‌، وفي‌ عالم‌ التحمّل‌ والاداء.

 روي‌ الحاكم‌ الحسكانيّ في‌ « شواهد التنزيل‌ » بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌ عن‌ سليم‌بن‌ قيس‌، عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 إنَّ اللَهَ إِيَّانَا عَنَي‌ بِقَوْلِهِ تَعَالَي‌: «لِتُكُونُوا شُـهَدَآءَ علی النَّاسِ»، فَرَسُولُاللَهِ شَاهِدٌ عَلَيْنَا وَنَحْنُ شُهَدَاءُ علی النَّاسِ (علی خَلْقِهِـخ‌ل‌) وَحُجَّتُهُ علی أَرْضِهِ؛ ونَحْنُ الَّذِينَ قَالَ اللَهُ جَلَّ اسْمُهُ (فِيهِمْ): «وَكَذَ ' لِكَ جَعَلْنَـ'كُمْ أُمَّةً وَسَطًا». [10]

 وروي‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ « المناقب‌ » عن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ ضمن‌ حديث‌ طويل‌ قال‌:

 وَلاَ يَكُونُ شُهَدَآءُ علی النَّاسِ إِلاَّ الاَئِمَّةَ وَالرُّسُلَ، فَأَمَّا الاُمَّةُ فَإنَّهُ غَيْرُجَائِزٍ أَنْ يَسْتَشْهِدَهَا اللَهُ وَفِيهِمْ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي‌ الدُّنْيَا علی حُزْمَةِ بَقْلٍ.[11]

 أليس‌ بين‌ أفراد الاُمَّة‌ فاسقون‌؟ فلو جاء أحدهم‌ إلی قاضي‌ الشرع‌ فشهد أ نّه‌ رأي‌ زيداً وهو يسرق‌ حزمة‌ بقل‌ من‌ عمرو، فهل‌ ستُقبل‌ شهادته‌؟

 سوف‌ لن‌ تُقبل‌ شهادته‌ بطبيعة‌ الحال‌ باعتباره‌ فاسقاً. فهي‌ شهادة‌ مرفوضة‌ ولو كانت‌ علی حزمة‌ بقل‌ أو حزمة‌ بصل‌ أو حزمة‌ ورق‌ الشمندر فكيف‌ إذاً سيشهد مثل‌ هذا الشخص‌ علی أعمال‌ الناس‌ في‌ يوم‌ القيامة‌؟

 ورد في‌ « تفسير العيّاشيّ » عن‌ أبي‌ عمرو الزبيديّ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قَالَ: قَالَ اللَهُ: «وَكَذَ ' لِكَ جَعَلْنَـ'كُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ علی النَّاسِ وَيُكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»؛ فَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ اللَهَ عَنَي‌ بِهَذِهِ الآيَةِ جَمِيعَ أَهْلِ القِبْلَةِ مِنَ المُوَحِّدِينَ؛ أَفَتَرَي‌ أَنَّ مَنْ لاَيَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي‌ الدُّنْيَا علی صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ يَطْلُبُ اللَهُ شَهَادَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَقْبَلُهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الاُمَمِ المَاضِيَةِ. كَلاَّ لَمْيَعْنِ اللَهُ مِثْلَ هَذَا مِنْ خَلْقِهِ. يَعْنِي‌ الاُمَّةَ الَّتِي‌ وَجَبَتْ لَهَا دَعْوَةُ إبْرَاهِيمَ: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»؛ وَهُمُ الاُمَّةُ الوُسْطَي‌ وَهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. [12]

 وحقّاً، فالامر علی ما قال‌ عليه‌ السلام‌. وكيف‌ يمكن‌ أن‌ يأتي‌ الله‌ عزّ وجلّ يوم‌ القيامة‌ بأفراد فاسقين‌ من‌ هذه‌ الاُمّة‌، فيقول‌ أمام‌ الانبياء لوط‌ وشعيب‌ ويونس‌ ودانيال‌، وأمام‌ جميع‌ الاُمم‌ بأنّ هؤلاء هم‌ شهداء أُمّة‌ خاتم‌ الانبياء؟

 المراد بالاُمّة‌ الوسط‌ هنا هم‌ الائمّة‌، دون‌ أن‌ يكون‌ لفظ‌ « الاُمّة‌ » قد استعمل‌ في‌ الائمّة‌. فالاُمَّة‌ بمعني‌ الاُمّة‌، إلاّ أنّ مصداقها الواقعيّ منطبق‌ هنا علی خصوص‌ الائمّة‌، وعليه‌ فقد جاء الخطاب‌ عامّاً بملاك‌ هذا المصداق‌. إلاّ أنّ حقّ ورود الخطاب‌ بهذه‌ الخصوصيّات‌ مختصّ بالافراد الذين‌ يمتلكون‌ هذه‌ المزايا، وهم‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌، والاخبار الواردة‌ في‌ هذا المجال‌ تفوق‌ حدّ الاستفاضة‌.

 الرجوع الي الفهرس

رسول‌ الله‌ يشهد علی الانبياء، والانبياء يشهدون‌ علی أُممهم‌

 وبهذا البيان‌ يتّضح‌ معني‌ الآية‌ الشريفة‌:

 فَكَيْفَ إِذَا جِئنَا مِن‌ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئنَا بِكَ علی' هَـ'ؤُلآءِ شَهِيدًا* يَوْمِئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَروا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّي‌' بِهِمُ الاْرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَهَ حَدِيثًا. [13]

 علی أنّ الآية‌ التالية‌ أوضح‌ منها دلالة‌ وأكثر جلاء: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي‌ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا علی' هَـ'´ؤُلآءِ. [14]

 وهي‌ أكثر صراحة‌ من‌ سابقتها، لا نّها تقول‌: يَوْمَ نَبْعَثُ ثمّ تقول‌: مِن‌ أَنفُسِهِمْ. وأُولئكَ الافراد المبعوثون‌ هم‌ الائمّة‌ المصطفون‌ من‌ قِبَل‌ الله‌ تعالي‌، بعثهم‌ من‌ بين‌ الناس‌ للشهادة‌ علی أعمالهم‌.

 يقول‌ علی بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ في‌ تفسيره‌ في‌ بيان‌ عبارة‌ «شَهِيدًا علی' هَـ'´ؤُلآءِ»: يَعْنِي‌ علی الاَئِمَّةِ، فَرَسُولُاللَهِ شَهِيدٌ علی الائِمَّةِ، وَهُمْ شُهَدَاءُ علی النَّاسِ. [15]

 وجـاء في‌ « الاحتجاج‌ » للشـيخ‌ الطبرسـيّ رحمـة‌ الله‌ عليه‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ضمن‌ حديث‌ يذكر فيه‌ أحوال‌ أهل‌ الموقف‌:

 قَالَ: فَيُقَامُ الرُّسُلُ فَيُسْأَلُونَ عَنْ تَأْدِيَةِ الرِّسَالَةِ الَّتي‌ حَمَلُوهَا إلی أُمَمِهِمْ، ولاَ تُسْئَلُ الاُمَمُ فَتَجْحَدُ، كَمَا قَالَ اللَهُ تَعَالَي‌: «فَلَنَسئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ولَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ»، فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَنَذِيرٍ، فَتُشْهِدُ الرُّسُلُ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُ بِصِدْقِ الرُّسُلِ وَتَكْذِيبِ مَنْ جَحَدَهَا مِنَ الاُمَمِ فَيَقُولُ ـلِكُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمْ «بَلَي‌' قَدْ جَآءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَهُ علی' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، أَي‌: مُقْتَدِرٌ علی شَهَادَةِ جَوَارِحِكُمْ عَلَيْكُمْ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إِلَيْكُمْ رِسَالاَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَهُ لِنَبِيِّهِ: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن‌ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ علی' هَـ'´ؤُلآءِ شَهِيدًا». [16]

 وأورد العيّاشيّ في‌ تفسيره‌ عن‌ أبي‌ معمّر السعدي‌ّ، قال‌:

 قَالَ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌ صِفَةِ يَوْمِ القِيَامَةِ: يَجْتَمِعُونَ فِي‌ مَوْطِنٍ يُسْتَنْطَقُ فِيهِ جَمِيعُ الخَلْقِ فَلاَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً، فَيُقَامُ الرُّسُلُ فَيُسْأَلُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن‌ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ علی' هَـ'´ؤُلآءِ شَهِيدًا»؛ وَهُوَ الشَّهِيدُ علی الشُّهَدَاءِ، والشُّهَداءُ هُمُ الرُّسلُ. [17]

 وجاء في‌ كتاب‌ « فضائل‌ الشيعة‌ » للشيخ‌ الصدوق‌ رضوان‌الله‌ عليه‌ رواية‌ رواها بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الثمالي‌ّ:

 قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: نَحْنُ الشُّهَدَاءُ علی شِيعَتِنَا، وَشِيعَتُنَا شُهَدَاءُ علی النَّاسِ، وَبِشَهَادَةِ شِيعَتِنَا يُجْزَوْنَ وَيُعَاقَبُونَ. [18]

 الرجوع الي الفهرس

شهادة‌ رسول‌ الله‌ والائمّة‌ تبعاً لاختلاف‌ المراتب‌

 وخلاصة‌ القول‌ أنّ شهادة‌ رسول‌ الله‌ علی الانبياء والائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ تقوم‌ علی أساس‌ الدرجات‌ والمقامات‌ التي‌ ينبغي‌ مراعاتها، لانّ درجة‌ رسول‌الله‌ ومقامه‌ في‌ الذروة‌ من‌ السمّو والرفعة‌؛ أمّا مقامات‌ الانبياء والائمّة‌ فأدني‌ منه‌. فيشفع‌ الائمّة‌ للاُمّة‌ ويشهدون‌ علی أعمالهم‌، لانّ الناس‌ العاديّين‌ لاقِبَل‌ لهم‌ بمقاومة‌ نور الجلال‌ دون‌ واسطة‌ وحجاب‌.

 ومن‌ هنا فإنّ ذلـك‌ النـور يتنـزّل‌ بلحـاظ‌ المراتـب‌ والدرجـات‌ والمقامات‌، فيأخذ كلٌّ نصيبه‌ منه‌. لذا يمكن‌ للإنسان‌ الوصول‌ إلی مقامات‌ الرضا والتسليم‌ أمام‌ ذات‌ الحقّ عن‌ طريق‌ التوسّل‌ بالائمّة‌، وبغير ذلك‌ فإنّه‌ سيبقي‌ حائراً ضائعاً تائهاً إلی آخر عمره‌.

 فَيَا رَبِّ بِالخِلِّ الحَبِيبِ نِبِيِّنَا                      رَسُولِكَ وَهُوَ السَّيِّدُ المُتَوَاضِعُ

 أَنِلْنَا مَعَ الاَحْبَابِ رُؤْيَتُكَ الَّتِي‌                   إِلَيْهَا قُلُوبُ الاَوْلِيَاءِ تُسَارِعُ

 فَبَابُكَ مَقْصُودٌ وَفَضْلُكَ زَائِدٌ                     وَجُودُكَ مَوْجُودٌ وَعَفْوُكَ وَاسِعٌ [19]

 خيال‌ روي‌ تو در هر طريق‌ همره‌ ماست‌                    نسيم‌ موي‌ تو پيوند جان‌ آگه‌ ماست‌

 بِرَغْمِ مدّعياني‌ كه‌ مَنع‌ عشق‌ كنند             جمال‌ چهرة‌ تو حجّت‌ موجّه‌ ماست‌

 ببين‌ كه‌ سيب‌ زنخدان‌ تو چه‌ مي‌گويد                      هزار يوسف‌ مصري‌ فتاده‌ در چه‌ ماست‌[20]

 اگر به‌ زلف‌ دراز تو دست‌ ما نرسد                گناه‌ بخت‌ پريشان‌ و دست‌ كوته‌ ماست‌

 به‌ حاجب‌ درِ خلوتْ سراي‌ خاصّ بگو                        فلان‌ ز گوشه‌ نشينان‌ خاك‌ درگه‌ ماست‌

 به‌ صورت‌ از نظر ما اگرچه‌ محجوب‌ است‌                   هميشه‌ در نظر خاطر مرفّه‌ ماست‌

 اگر به‌ سائلي‌ حافظ‌ دري‌ زند بگشاي‌                       كه‌ سالهاست‌ كه‌ مشتاق‌ روي‌ چون‌ ماه‌ ماست‌ [21]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ السادس‌ والاربعون‌:

 شهادة‌ الملائكة‌ علی الإنسان‌ في‌ يوم‌ القيامة‌

 

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلی العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَمَا تَكُونُ فِي‌ شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن‌ قُرْءَانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن‌ رَبِّكَ مِن‌ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي‌ الاْرْضِ وَلاَفِي‌ السَّمَآءِ وَلآ أَصْغَرَ مِن‌ ذَ ' لِكَ وَلآ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي‌ كِتَـ'بٍ مُّبِينٍ.[22]

 من‌ بين‌ الطوائف‌ التي‌ تحضر يوم‌ القيامة‌ للشهادة‌ علی أعمال‌ الإنسان‌ طائفةُ الملائكة‌. وقد بحثنا في‌ المجلس‌ السابق‌ في‌ كيفيّة‌ شهادة‌ رسول‌الله‌ والائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌، وسيدور بحثنا في‌ هذا المجلس‌ عن‌ كيفيّة‌ شهادة‌ الملائكة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الاصناف‌ المختلفة‌ لملائكة‌ الشهادة‌

 وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَـ'نَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ و وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ* إِذْ يَتَلَقَّي‌ الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعِنِ الشِّمَالِ قَعِيدُ* مَّا يَلْفِظُ مِن‌ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَ ' لِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي‌ الصُّورِ ذَ ' لِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ * لَّقَدْ كُنتَ فِي‌ غَفْلَةٍ مِّنْ هَـ'ذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. [23]

 لقد خلقنا الإنسان‌ ونعلم‌ بجميع‌ الهواجس‌ والافكار التي‌ تعتريه‌ وتخطر في‌ ذهنه‌، والوساوس‌ التي‌ تعتمل‌ في‌ نفسه‌، ونحن‌ أقرب‌ إليه‌ من‌ حبل‌ الوريد الحيوي‌ّ. وهناك‌ مَلَكان‌ جالسان‌ عن‌ يمينه‌ وعن‌ شماله‌ يتلقّيان‌ الاعمال‌ والالفاظ‌ والافكار التي‌ تصدر منه‌ ويسجّلانها. والمراد عن‌ اليمين‌ والشمال‌، جهتي‌ السعادة‌ والشقاء، وهو عن‌ أعمال‌ الخير والسيرة‌ الحسنة‌ وعن‌ أعمال‌ الشرّ والسيرة‌ السيّئة‌؛ تلك‌ الاعمال‌ التي‌ تسوق‌ الإنسان‌ في‌ نهاية‌ المطاف‌ إلی أصحاب‌ اليمين‌ أو إلی أصحاب‌ الشمال‌. فهذان‌ الملكان‌ ( عتيد ورقيب‌ ) يدوّنان‌ كلّ ما يفعل‌ أو يلفظ‌، ولو كان‌ كلمةً واحدة‌.

 ثمّ تأتي‌ سكرة‌ الموت‌ بالحقّ، ذلك‌ الموت‌ الذي‌ كنت‌ ـ أيّها الإنسان‌ـ تفرّ منه‌ وتنأي‌ وتحيد؛ ويُنفخ‌ في‌ الصور فهو يوم‌ المعاد الذي‌ تُسرع‌ فيه‌ إلی لقاء الله‌ وزيارة‌ الحقّ تعالي‌. يؤمئذٍ تجي‌ء جميع‌ النفوس‌ والارواح‌ إلی ساحة‌ الله‌ وتقف‌ في‌ موقف‌ عدله‌ عزّ وجلّ.

 كلّ نفس‌ معها سائق‌ وشهيد، سائق‌ تتحرّك‌ النفوس‌ إلی ذلك‌ العالم‌ علی ضوء حركته‌ وهديه‌، وشهيد لم‌ يطّلع‌ علی جميع‌ أعمالها وأفكارها، فحسب‌ بل‌ دوّن‌ كذلك‌ تلك‌ الاعمال‌ وذلك‌ السلوك‌، وحفظ‌ في‌ ذاته‌ وكيانه‌ حقيقة‌ العمل‌ وهيئته‌ بصورة‌ كاملة‌، من‌ أجل‌ أن‌ يأتي‌ في‌ مثل‌ هذا اليوم‌ فيؤدّي‌ شهادته‌ بشأنها.

 ولقد كنتَ ـ أيّها النبي‌ّ ـ في‌ غفلة‌ عن‌ هذه‌ الحقيقة‌، فكشفنا عن‌ بصرك‌ حجاب‌ المعني‌، فصار بصرك‌ حادّاً نافذاً. لذا صرت‌ تشاهد حقائق‌ ماوراء حجاب‌ المادّة‌ والطبع‌. وليس‌ ظواهر الاعمال‌ والسلوك‌ ووقائع‌ الاُمور والحوادث‌ فحسب‌، بل‌ أضحيت‌ تطّلع‌ علی حقائقها وبواطنها ونواياها وملكاتها وأخلاقها بلحاظ‌ الخير والشرّ، والسعادة‌ والشقاء، والحقّ والباطل‌.

 لهذه‌ الآيات‌ دلالة‌ علی أنّ للإنسان‌ مَلَكاً موكّلاً به‌، وأنّ لكلّ شخص‌ ملائكة‌ خاصّـين‌ لتدوين‌ أعماله‌ وتسـجيلها. وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ لكلٍّ من‌ هؤلاء الملائكة‌ الذين‌ خلقهم‌ الله‌ تعالي‌ وظائف‌ ومهمّات‌ خاصّة‌. فبعضهم‌ للعلم‌، والآخر للحياة‌، أمّا هذه‌ الطائفة‌ من‌ الملائكة‌ التي‌ يذكرها عزّ وجلّ في‌ هذه‌ الآيات‌، فهي‌ طائفة‌ الملائكة‌ الذين‌ يأتون‌ يوم‌ القيامة‌ فيشهدون‌ بما تحمّلوه‌ في‌ هذه‌ الدنيا. أي‌ أ نّهم‌ يقومون‌ بتدوين‌ الاعمال‌، الصالح‌ منها والطالح‌:

 إِذْ يَتَلَقَّي‌ الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ.

 فهذان‌ المتلقّيان‌ يلازمان‌ الإنسان‌ علی الدوام‌ ولاينفصلان‌ عنه‌. وهما معه‌ في‌ نومه‌ ويقظته‌، وفي‌ سكونه‌ وحركته‌. حتّي‌ إذا لفظ‌ الإنسان‌ جملةً ما، دوّناها علی الفور. لا يعتريهما غفلة‌ ولانسيان‌، ولايطرأ عليهما تقاعس‌ ولافتور في‌ القيام‌ بوظيفتهما.

 مَا يَلْفِظُ مِن‌ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

 وقد ذكر بعض‌ الاعلام‌، كصاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ » والعلاّمة‌ الطباطبائيّ مدّ ظلّه‌ السامي‌، أنّ رقيب‌ وعتيد ليسا اسمي‌ عَلَم‌ لملكينِ، بل‌ هما صفتان‌ بمعني‌ الحفيظ‌ وبمعني‌ المعدّ المهيّأ والحاضر والشاهد.

 فهؤلاء الملائكة‌ الحفظة‌ المستعدّون‌ يتسلّمون‌ كلّ جملة‌ يلفظها الفم‌، وكلّ قولٍ يصدر من‌ الإنسان‌، خيراً كان‌ أم‌ شرّاً، فيسجّلونه‌ ويدوّنونه‌.

 كما ورد لدينا بهذا المضون‌: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـ'فِظِينَ * كِرَامًا كَـ'تِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. [24]

 بَيدَ أ نّنا قد ذكرنا في‌ بعض‌ الابحاث‌ السابقة‌ أنّ لكلّ صنف‌ من‌ الملائكة‌ مهمّة‌ خاصّة‌، فهناك‌ ملائكة‌ للعلم‌، وملائكة‌ للحياة‌، وملائكة‌ للرزق‌، وللحكمة‌ وللحفظ‌ والقوّة‌ وتسجيل‌ الاعمال‌ وغير ذلك‌. وقد خُلق‌ كلّ صنف‌ من‌ الملائكة‌ لإنجاز وظيفة‌ معيّنة‌ علی نحوٍ لايمكنهم‌ معه‌ تخطّي‌ مهمّتهم‌ التي‌ هي‌ أصل‌ خلقتهم‌.

 فإن‌ كان‌ رقيب‌ وعتيد صفتين‌ مختلفتين‌ تعنيان‌ الحفيظ‌ والحاضر المهيّأ، فإنّ هاتين‌ الصفتين‌ تدلاّن‌ علی ذاتين‌ مختلفين‌، وسيكونان‌ منطبقين‌ علی العَلَميّة‌.

 وهذا بديهي‌ّ، إذ نري‌ اليوم‌ كيف‌ تسجّل‌ هذه‌ الآلات‌ المخترعة‌ ـعلی الرغم‌ من‌ كونها مادّيّة‌ لا معنويّة‌ روحانيّة‌ـ كلمات‌ الإنسان‌ وصورته‌ بحيث‌ يمكنها الاحتفاظ‌ بهذا التسجيل‌ قروناً عديدة‌، فينبغي‌ ألاّ نَدَع‌ للشكّ سبيلاً إلی أنفسنا في‌ أمر قيام‌ الملائكة‌ الإلهيّين‌ الاحياء بتسجيل‌ الاعمال‌ والصور. فهذه‌ الصور والالفاظ‌ يمكن‌ مشاهدتها في‌ عالم‌ المادّة‌ الخاضع‌ لسيطرة‌ عالم‌ الملكوت‌ والمعني‌، فضلاً عن‌ الموجودات‌ الملكوتيّة‌ الروحانيّة‌ المهيمنة‌ والمطّلعة‌ علی أعمال‌ الإنسان‌.

 إلاّ أنّ هناك‌ نكتة‌ جديرة‌ بالتأمّل‌، وهي‌: هل‌ لاُولئك‌ الملائكة‌ درجات‌ ومراتب‌ مختلفة‌ كما للإنسان‌ درجات‌ ومراتب‌ مختلفة‌؟

 والإجابة‌: نعم‌، إنّ لهم‌ درجات‌ مختلفة‌. إذ إنّ بعضهم‌ من‌ الملائكة‌ المقرّبين‌ مثل‌ جبرائيل‌ وميكائيل‌ وإسرافيل‌ وعزرائيل‌، والبعض‌ الآخر من‌ أتباعهم‌ وجندهم‌، وصولاً إلی الملائكة‌ الفرعيّين‌ الذين‌ يمتلك‌ كلّ إنسان‌ ملكاً خاصّاً منهم‌؛ ووصولاً إلی الملكينِ رقيب‌ وعتيد الموكّلينِ بأعمال‌ الإنسان‌.

علی أنّ أعمال‌ الإنسان‌ ودرجاتها وكيفيّاتها متفاوتة‌ بلحاظ‌ الصحّة‌ ومقدار التقرّب‌ والخلوص‌ في‌ النيّة‌. فمعاصي‌ الافراد العاديّين‌ هي‌ الذنوب‌ التي‌ يرتكبوها من‌ زنا وكذب‌ ولعب‌ قمار وشرب‌ خمر واعتداء علی نواميس‌ الناس‌ وحقوقهم‌ وأعراضهم‌، وهي‌ المعاصي‌ التي‌ يرتكبها عامّة‌ أفراد الناس‌.

 الرجوع الي الفهرس

اختلاف‌ الافراد ودرجاتهم‌ بلحاظ‌ الاعمال‌ ودرجات‌ الذنوب‌

 لكنَّ الامر يختلف‌ بالنسبة‌ للمؤمنين‌، إذ إنّ مَلَكة‌ العدالة‌ التي‌ نشأت‌ لديهم‌ تردعهم‌ عن‌ ارتكاب‌ أمثال‌ هذه‌ الكبائر، فهم‌ من‌ الخواصّ ولهم‌ أعمال‌ خاصّة‌. أمّا ذنوبهم‌ فلها شكل‌ آخر، وهو الانشغال‌ بغير الله‌ عزّ وجلّ، إذ إنّ التفاتهم‌ إلی غيره‌ سبحانه‌ يُعدّ عليهم‌ ذنباً.

 الرجوع الي الفهرس

درجات‌ الذنوب‌ ومراتب‌ التوبة‌ تبعاً لاختلاف‌ درجات‌ الافراد

 فالخواصّ في‌ مقام‌ ودرجة‌ لو غفلوا فيها عن‌ الله‌ تعالي‌ ساعةً في‌ اليوم‌، لتوجّب‌ عليهم‌ التوبة‌ من‌ ذلك‌، لانّ الالتفات‌ إلی غير الله‌ يعدّ عليهم‌ ذنباً ومعصية‌.

 وحين‌ تترسّخ‌ هذه‌ الصفة‌ لدي‌ المؤمنين‌ بحيث‌ تصبح‌ من‌ مَلَكاتهم‌؛ ويغرقون‌ في‌ أسماء الحقّ وصفاته‌ فلا يغفلون‌ عنه‌ سبحانه‌، فإنّه‌ تبارك‌ وتعالي‌ سيرفعهم‌ إلی درجات‌ أعلی ويجعلهم‌ من‌ أصفيائه‌.

 إلاّ أ نّه‌ يبتليهم‌ ويختبرهم‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ ليرتقوا فوق‌ هذه‌ الدرجة‌. وعليهم‌ أن‌ يجتازوا هذه‌ الاختبارات‌ التي‌ قد يصعب‌ بعضها ويشقّ علی النفس‌. وكثيراً ما يحصل‌ أن‌ يدعوا هؤلاء المؤمنون‌ في‌ خضمّ معاناة‌ الشدائد والمصائب‌ أن‌: يا إلهي‌! لقد هدّنا التعب‌، فارفع‌ عنّا هذه‌ المشكلات‌.

 ويمكن‌ أن‌ يبحثوا في‌ أعماقهم‌ باستمرار عن‌ طريق‌ للفرار من‌ تلك‌ المشاكل‌، لكنّ حتّي‌ هذا التفكير يعدّ ذنباً، لانّ واجبهم‌ الفعلی هو أن‌ يتحملوامايصيبهم‌ بصبر وتحمّل‌ وثبات‌ واستقامة‌، لا نّه‌ من‌ قِبَل‌ الحقّ سبحانه‌. وينبغي‌ عليهم‌ تخطّي‌ هذه‌ المرحلة‌ دون‌ الالتجاء للدعاء لرفعها فراراً من‌ المحنة‌ والشدّة‌. فإن‌ قالوا « خلّصنا يا إلهنا من‌ هذه‌ الفترة‌ فقد تعبنا وأُعيينا » عُدّ ذلك‌ معصيّةً منهم‌. لذا يُقال‌ ـعلی هذا الاساس‌ـ إنّ الاصفياء يتوبون‌ من‌ التنفيس‌. أي‌ من‌ قولهم‌: نَفِّس‌ اللهمّ عنّا هذا الهمّ.

 فإن‌ وُفّق‌ الاصفياء في‌ هذه‌ المرحلة‌ واجتازوها بنجاح‌ وظفر، نقلهم‌ الله‌ سبحانه‌ إلی درجة‌ الاولياء. وأمثال‌ هؤلاء الفائزين‌ بهذه‌ الدرجة‌ ينعدم‌ لديهم‌ أيّ معني‌ لذنوب‌ العامّة‌ والخاصّة‌ والاصفياء، فلقد اجتازوا هذه‌ المراحل‌ وعبروها، فصار ذنبهم‌ في‌ هذا الموقف‌ والمنزل‌ عبارة‌ عن‌ تلويث‌ الخاطر. فماذا يعني‌ تلويث‌ الخاطر ياتري‌؟

 يعني‌ أنّ أذهانهم‌ وخواطرهم‌ وصفحات‌ أفكارهم‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ علی الدوام‌ منزّهة‌ لا يمرّ عليها أيّ خاطرة‌. بل‌ تبقي‌ تلك‌ الاذهان‌ كالمرآة‌ المشعّة‌ أمام‌ الحقّ وفي‌ محضره‌، لايضي‌ء فيها غير جمال‌ الحقّ سبحانه‌، فإن‌ خطر علی أذهانهم‌ خاطر ما، عُدّ ذلك‌ ذنباً.

 ونحن‌ نعلم‌ أنّ علی الإنسان‌ أن‌ يتحلّي‌ بحضور قلب‌ خلال‌ الصلاة‌، أي‌ أن‌ يسعي‌ ليكون‌ التفاته‌ إلی ذات‌ الخالق‌ بحيث‌ لاتخطر علی ذهنه‌ خاطرة‌ ما خلال‌ الصلاة‌، وأن‌ يسعي‌ ليكون‌ ذهنه‌ منزّهاً غيرملوّث‌. فإنّ دأب‌ أولياء الله‌ أن‌ لا تخطر لهم‌ أي‌ّ خاطرة‌، ليس‌ خلال‌ الصلاة‌ فحسب‌، بل‌ طيلة‌ نهارهم‌ وليلهم‌، اللهمّ إلاّ التفكير بأمر الله‌، والافكار الصالحة‌. حيث‌ يكون‌ ورود أمثال‌ هذه‌ الخواطر بإذن‌ من‌ قلوبهم‌. فإن‌ حصل‌ لبعضهم‌ تشويش‌ في‌ بعض‌ الاحيان‌ سبّب‌ تلوّث‌ الذهن‌، عُدّ ذلك‌ من‌ الذنوب‌، وتوجّب‌ عليه‌ الاستغفار منه‌.

 وتَوْبَةُ الاَوْلِيَاءِ مِنَ التَّلْوِيثِ. ثمّ إنّهم‌ يرتقون‌ من‌ هذه‌ الدرجة‌، فيصلون‌إلي‌ درجة‌ يتعذّر فيها علی أيّ خاطرة‌ أن‌ تمرّ علی أذهانهم‌، ويمتنع‌ فيها علی طائر الخواطر اقتحام‌ دائرة‌ أذهانهم‌ أو أن‌ يحطّ فيها.

 إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَـ'´نءِفٌ مِّنَ الشَّيْطَـ'نِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم‌ مُّبْصِرُونَ. [25]

 إنّ المتّقين‌ هم‌ الذين‌ حازوا مقاماً ودرجةً، بحيث‌ إذا ما شاء الشيطان‌ الطواف‌ حول‌ قلوبهم‌ تمهيداً للهبوط‌ فيها، أو إذا شاء إيجاد خاطرة‌ فيها، استعانوا بحربة‌ ذكر الحقّ جلّ وعزّ ويطردوه‌ بها.

 وحين‌ يتنزّه‌ الذهن‌، فإنّه‌ سيجد قوّة‌ يمتنع‌ بها علی الخواطر الشيطانيّة‌ فلاتنفذ فيه‌. فإن‌ حصل‌ للمتّقين‌ في‌ بعض‌ الاحيان‌ اضطراب‌ في‌ وجودهم‌ وحقيقتهم‌، عُدّ ذلك‌ ذنباً لهم‌. ويُدعي‌ هذا الاضطراب‌ باضطراب‌ السرّ.

 بَيدَ أ نّه‌ ليس‌ من‌ قبيل‌ الذنوب‌ الخارجيّة‌، ولا من‌ الذنوب‌ الفكريّة‌ والذهنيّة‌، ولامن‌ الذنوب‌ القلبيّة‌، كما أ نّه‌ ليس‌ تنفيساً وانشغالاً بغيرالله‌ تعالي‌. فهو ليس‌ واحداً من‌ هذه‌ الذنوب‌. وينبغي‌ علی نفوس‌ هؤلاء المتّقين‌ أن‌ تكون‌ في‌ الشدائد والمحن‌ الشاقّة‌ والعجيبة‌ أشبه‌ بماء البحر، صافيةً ولطيفة‌ لايعكّرها ولايشوبها أي‌ موج‌ ولا اضطراب‌.

 فإن‌ حصل‌ في‌ هذه‌ النفوس‌، إثر ابتلاءٍ معيّن‌ أو حادثةٍ ما اضطراب‌ وتشويش‌، مثل‌ ماء البحر الساكن‌ الذي‌ تهبّ عليه‌ الريح‌ فيتموّج‌ ويضطرب‌، عُدّ ذلك‌ منهم‌ ذنباً، وتوجّب‌ عليهم‌ أن‌ يتوبوا منه‌، وهذه‌ التوبة‌ هي‌ توبة‌ من‌ اضطراب‌ السرّ.

 وقد ورد ضمن‌ رواية‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » المنسوب‌ إلی الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌:

 تَوْبَةُ الاَنْبِيَاءِ مِنَ اضْطِرَابِ السِّرِّ؛ وَتَوْبَةُ الاَوْلِيَاءِ مِنْ تَلَوُّثِ الخَطَرَاتِ؛ وَتَوْبَةُ الاَصْفِيَاءِ مِنَ التَّنْفِيسِ؛ وَتَوْبَةُ الخَاصِّ مِنَ الاشْتِغَالِ بِغَيْرِاللَهِ؛ وَتَوْبَةُ العَامِّ مِنَ الذُّنُوبِ.[26]

 والخلاصة‌ فإذا ما تُخطّيت‌ مرحلة‌ اضطراب‌ السرّ، أعقبتها درجة‌ معيّنة‌ خاصّة‌ بالمخلَصين‌ ينعدم‌ فيها اضطراب‌ السرّ، ويسودها الهدوء والسكون‌ المحض‌.

 ويستنتج‌ من‌ هذا الامر أنّ أولئك‌ الملائكة‌ الموكّلين‌ بالإنسان‌ يمتلكون‌ بدورهم‌ درجات‌ ومقامات‌ مختلفة‌. فهناك‌ طائفة‌ من‌ الملائكة‌ الفرعيّين‌ بإمكانهم‌ تسجيل‌ الاعمال‌ فقط‌. وهناك‌ طائفة‌ أُخري‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ درجتهم‌ أكمل‌، ليفهموا متي‌ ينشغل‌ الإنسان‌ بالله‌ سبحانه‌ ومتي‌ ينشغل‌ بغيره‌. وهؤلاء يسجّلون‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ خصائص‌ مدركات‌ الإنسان‌ الذهنيّة‌ كما أنّ هناك‌ طائفة‌ أُخري‌ أرفع‌ مقاماً، وهم‌ الموكّلون‌ بالاصفياء، يسجّلون‌ تنفيسهم‌ في‌ مواقع‌ الابتلاء والمحنة‌، ويسجّلون‌ حالاتهم‌ خلال‌ الامتحانات‌ والاختبارات‌ وفي‌ سائر الشؤون‌ الاُخري‌.

 وهناك‌ طائفة‌ أعلی منهم‌ مقاماً، وهم‌ الملائكة‌ الموكّلون‌ بالاولياء، يسجّلون‌ درجات‌ شؤونهم‌ وأحوالهم‌، ويدوّنون‌ التلوّث‌ الذي‌ قد يحصل‌ لخواطرهم‌ في‌ جميع‌ الاحوال‌. وبناءً علی ما ذكر فليس‌ لجميع‌ الملائكة‌ نفس‌ الدرجة‌ والمقام‌ الواحد.

 الرجوع الي الفهرس

الذنوب‌ التي‌ لا يمكن‌ الاطّلاع‌ عليها حتّي‌ من‌ قِبَل‌ الملائكة‌ المقرّبين‌

 بَيدَ أنّ للإنسان‌ مقاماً دقيقاً وموقفاً لطيفاً لايمكن‌ لايّ ملك‌ من‌ الملائكة‌ أن‌ يسجّله‌. لماذا؟ لانّ الإنسان‌ يصل‌ في‌ مرحلة‌ الصعود وفي‌ مقام‌ القرب‌ إلی حيث‌ لايمكن‌ لايّ موجود أن‌ يعلو عليه‌، حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ الموجودمن‌الملائكة‌ المقرّبين‌.

 يقال‌: إنّ الإنسان‌ أشرف‌ المخلوقات‌. أي‌ ذلك‌ الإنسان‌ الذي‌ يصل‌ في‌ مقام‌ التزكية‌ والتهذيب‌ إلی حيث‌ يخرج‌ عن‌ دائرة‌ علم‌ الملائكة‌ المقرّبين‌ وقدرتهم‌، وإلي‌ حيث‌ لا يفصل‌ بينه‌ وبين‌ الذات‌ القدسيّة‌ للباري‌ تعالي‌ أيّ حجاب‌ وفاصلة‌، وإلي‌ حيث‌ لا يمكن‌ لايّ مَلَك‌ الورود إلی ذلك‌ المقام‌، إذ يتعذّر علی فكر المَلَك‌ وعلمه‌ وخواطره‌ وسعة‌ قدرته‌ كَمَلك‌ أن‌ يسجّل‌ دقائق‌ خلوة‌ المؤمن‌ بحضرة‌ الحقّ تعالي‌.

 وقد جاء في‌ الروايات‌ قولٌ للمعصومين‌ عليهم‌ السلام‌: لِي‌ مَعَ اللَهِ وَقْتٌ لاَيَسَعُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ. [27]

 أي‌ أنّ لكلّ منّا حالات‌ مع‌ الله‌ فوق‌ سعة‌ جميع‌ الملائكة‌ المقرّبين‌ بحيث‌ يعجز الإدراك‌ الرفيع‌ والفكر المتعالي‌ لايّ ملك‌ من‌ الوصول‌ إلی تلك‌ الحالات‌ وإدراكها.

 يقول‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الدعاء الذي‌ علّمه‌ لكميل‌بن‌ زياد، ضمن‌ تضرّعه‌ إلی الله‌ عزّ وجلّ:

 وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإثْبَاتِهَا الكِرَامَ الكَاتِبِينَ الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ مَا يَكُونُ مِنِّي‌ وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً علی مَعَ جَوَارِحِي‌ وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ علی مِنْ وَرائِهِمْ وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِي‌َ عَنْهُمْ.

 وكلام‌ الإمام‌ هذا إشارة‌ إلی الذنوب‌ المتعلّقة‌ بالانبياء والاولياء. تلك‌ الذنوب‌ التي‌ يتعذّر علی الملائكة‌ الاطّلاع‌ عليها، والتي‌ لايعلم‌ بخصائصها غير الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعالي‌. ويتمثّل‌ غفرانها في‌ رفع‌ اضطراب‌ السرّ. أي‌ أنّ الله‌ تعالي‌ يمنّ علی عبده‌ المؤمن‌ الذي‌ وصل‌ إلی تلك‌ الدرجة‌، فيُبقيه‌في‌ حرمه‌ ويضيّفه‌ بحيث‌ لا يعتريه‌ اضطراب‌ السرّ طوال‌ مدّة‌ عمره‌ إلی أوان‌ وفاته‌.

 كان‌ هذا كلامنا في‌ شأن‌ الافراد الذين‌ يرتكبون‌ أمثال‌ هذه‌ الذنوب‌، فيسجّل‌ الملائكة‌ أعمالهم‌ بهذه‌ الطريقة‌. أمّا فيما يتعلّق‌ بأهل‌ المعصية‌ فإنّ الملائكة‌ يطّلعون‌ علی جميع‌ أعمالهم‌، لا نّهم‌ يطّلعون‌ علی ذنوب‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ وعلی سائر أعمالهم‌ الاُخري‌. أمّا اضطراب‌ السرّ أو تلوّث‌ الخاطر أو التنفيس‌ المختصّ بالمتّقين‌، فإنّ الملائكة‌ لاتطّلع‌ علی بعض‌ خصوصيّاته‌.

 الرجوع الي الفهرس

ملائكة‌ الليل‌ وملائكة‌ النهار

 ولدينا في‌ الروايات‌ أنّ للإنسان‌ ملكينِ في‌ النهار، وملكينِ في‌ الليل‌. فملكا النهار يأتيان‌ من‌ أوّل‌ طلوع‌ الفجر الصادق‌، فيلازمان‌ المرء ويستقرّ أحدهما علی كتفه‌ الايمن‌ بينما يستقرّ الآخر علی كتفه‌ الايسر. وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ المَلَك‌ ليس‌ موجوداً مادّيّاً ليحتاج‌ إلی محلّ، إلاّ أ نّه‌ إذ يتعلّق‌ بالمادّة‌ فإنّه‌ يكتسب‌ نسبة‌ وإضافة‌ إلی المادّة‌. شأنه‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ أرواحنا غيرالمادّيّة‌ التي‌ حصلت‌ ـ بواسطة‌ تعلّقها بالبدن‌ـ علی إضافة‌ ونسبة‌ خاصّة‌ لذلك‌ البدن‌.

 فمجي‌ء الملكينِ السماويّين‌ واستقرارهما علی كتفَي‌ الإنسان‌ هو إذاً نظير تعلّق‌ النفس‌ بالبدن‌. كما أنّ اليمين‌ والشمال‌ كناية‌ عن‌ السعادة‌ والشقاء. أي‌ أنّ أحد ذينك‌ الملكينِ يسجّل‌ الاعمال‌ الحسنة‌، ويدعو الإنسان‌ إلی الاعمال‌ الصالحة‌ ويلهمه‌ القيام‌ بها؛ أمّا الآخر فيسجّل‌ الاعمال‌ الطالحة‌ وينهي‌ الإنسان‌ عن‌ ارتكابها. ثمّ يهبط‌ ملكا الليل‌ عند غروب‌ الشمس‌ ليلازما الإنسان‌ إلی طلوع‌ الفجر. فيتبادلان‌ مواقعهما مع‌ ملكَي‌ النهار اللذين‌ ينصرفان‌. وتدعي‌ هذه‌ الملائكة‌ بملائكة‌ الليل‌ والنهار.

 يقول‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ أعلی الله‌ تعالي‌ مقامه‌ الشريف‌ ـوكان‌ من‌ كبار العلماء الاتقياء وأفاضل‌ الاولياء والاصفياء ممّن‌ حاز علی مقامات‌ ودرجات‌ وكرامات‌ـ في‌ كتابيه‌ « أسرار الصلاة‌ » و « أعمال‌ السنة‌ » أو « المراقبات‌ »: إنّ الإنسان‌ يرقد في‌ الليل‌ فيوقظه‌ الملائكة‌ الموكّلون‌ به‌ لصلاة‌ الليل‌، فإن‌ لم‌يلقِ إلی ذلك‌ بالاً وعاد إلی النوم‌، فإنّهم‌ يوقظونه‌ من‌ جديد. ثمّ ينام‌ فيوقظونه‌ من‌ جديد. وليس‌هذا الاستيقاظ‌ المتكرّر أمراً اتّفاقيّاً، بل‌ هو استيقاظ‌ ملكوتيّ يحصل‌ بواسطة‌ الملائكة‌. فإن‌ أفاد الإنسان‌ منه‌ ونهض‌ أعانوه‌ وقوّوا روحه‌، وإلاّ أصابهم‌ التأثّر والفتور.

 يقول‌ ذلك‌ المرحوم‌: إذا قمتَ من‌ النوم‌ فلم‌ تشاهد أُولئك‌ الملائكة‌، فحيّهم‌ وسلّم‌ عليهم‌ علی الاقلّ، وادعُ لهم‌ واشكرهم‌.

 ثمّ ينقل‌ في‌ كتابه‌ دعاءً بعنوان‌ سلام‌ وتحية‌ لاُولئك‌ الملائكة‌، يقرأه‌ الإنسان‌ حين‌ ينهض‌ من‌ النوم‌، ويحمد الله‌ الذي‌ جعل‌ هذه‌ الموجودات‌ الملكوتيّة‌ تلازمه‌ لتؤنسه‌ وتعينه‌ في‌ خلوته‌ ومناجاته‌ لربّه‌، وتطهّره‌ من‌ تعلّقات‌ عالم‌ المادّة‌ ومن‌ الرذائل‌ الاخلاقيّة‌ والشهوات‌، وتُلفّته‌ إلی ربّه‌.

 ينقل‌ أحد إخوة‌ الإيمان‌ أ نّه‌ عندما كنت‌ في‌ حرم‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ إحدي‌ الليالي‌ قرب‌ أذان‌ الصبح‌، حيث‌ كان‌ الناس‌ منهمكين‌ بالعبادة‌، وكلٌّ واحد منشغل‌ بنفسه‌، شاهدتُ أحد أصحاب‌ المكاشفة‌ ـ ممّن‌ تعرفّت‌ عليه‌ سابقاًـ وهو يجلس‌ إلی جهة‌ الرأس‌ المطهّر وقد غرق‌ في‌ التفكير العميق‌ وكان‌ الناس‌ ينتظرون‌ حلول‌ الاذان‌ ليصلّوا صلاة‌ الصبح‌. فتوجّهت‌ إليه‌ وسألته‌: هل‌ حلّ وقت‌ صلاة‌ الصبح‌ أيّها السيّد؟ فتطلّع‌ إلی وقال‌: أفأعمي‌ أنت‌؟ ألم‌ تشاهد ملائكة‌ الليل‌ قد رحلوا وملائكة‌ الصبح‌ قد جاءوا؟!

 وكان‌ ذلك‌ الشخص‌ المراقب‌ المتفكّر صادقاً، فقد كان‌ يري‌ ذلك‌ عياناً، لانّ عينه‌ الملكوتيّة‌ كانت‌ مفتوحة‌ مُبصرة‌. أمّا الآخرون‌ فكانوا لايرون‌ شيئاً.

 إنّ بصر الإنسان‌ لا ينحصر في‌ عينيه‌ الواقعتين‌ في‌ جمجمته‌ فهذه‌ هي‌ أعين‌ عالم‌ المُلك‌ التي‌ يمكن‌ للإنسان‌ بواسطتها الارتباط‌ مع‌ موجودات‌ عالم‌ الطبع‌ والمادّة‌. إلاّ أنّ الإنسان‌ يمتلك‌ كذلك‌ عيناً ملكوتيّة‌ يمكنه‌ من‌ خلالها الارتباط‌ مع‌ موجودات‌ عالم‌ المعني‌ ومع‌ الملائكة‌.

 وعلی أيّ تقدير فإنّ علم‌ الملائكة‌ الذين‌ يدوّنون‌ أعمال‌ الإنسان‌ ليس‌منفصلاً عن‌ علم‌ الله‌ عزّ وجلّ، كما ليست‌ شهادتهم‌ منفصلة‌ عن‌ شهادته‌ تعالي‌.

 وقد أُرسيت‌ قواعد الفلسفة‌ التوحيديّة‌ الإلهيّة‌ علی أساس‌ أنّ فعل‌ جميع‌ الموجودات‌ التي‌ تصدر منها الافعال‌ هو عين‌ فعل‌ الله‌ وليس‌منفصلاً عن‌ فعله‌ تعالي‌.

 وعلی سبيل‌ المثال‌ فإنّ عمل‌ الملائكة‌ الذين‌ يسجّلون‌ الاعمال‌ هو عين‌ فعل‌ الله‌ عزّ وجلّ. وليس‌ الامر بحيث‌ إنّ للّه‌ اطّلاعاً وعلماً، وإنّ لهم‌ اطّلاعاً وعلماً آخر منفصلاً عن‌ علمه‌.

 ليس‌ الامر بحيث‌ إنّ الشاهَد شاهدٌ علی أعمال‌ الإنسان‌، وإنّ الملائكة‌ يشهدون‌ علی تلك‌ الاعمال‌ بصورة‌ منفصلة‌ عن‌ حكومة‌ الله‌ وسيطرته‌. إذ إنّ علمه‌ تعالي‌ بالموجودات‌ علم‌ حضوري‌ّ لا حصولي‌ّ. لذا فإنّ نفس‌ الملائكة‌ حاضرون‌ مع‌ علمهم‌ عند الله‌ المتعال‌، وهذا الحضور هو علم‌ الله‌ سبحانه‌.

 وعلی هذا الاساس‌ فإنّ علم‌ الملائكة‌ هو عين‌ علم‌ الله‌؛ كما أنّ شهادتهم‌ ـ بلحاظ‌ التحمّل‌ والاداءـ هي‌ عين‌ المثول‌ في‌ محضر الحقّ المتعال‌، وعين‌ الإحاطة‌ والسيطرة‌ الإلهيّة‌ الوجوديّة‌ والحضوريّة‌ بهم‌. وهما ـ إذاًـ عين‌ علم‌ الحقّ وشهادته‌.

 وبعبارة‌ أبسط‌ بياناً، فإنّ الملائكة‌ لا يمتلكون‌ استقلالاً بأنفسهم‌، إذ ليسوا إلاّ مجرّد آلة‌ محضة‌، ومرآة‌ وآية‌ محضتان‌. ولقد تجلّي‌ علم‌ الله‌ تعالي‌ فيهم‌، فصاروا يرون‌ ويتحمّلون‌ بواسطة‌ علم‌ الحقّ تعالي‌ ثمّ يقومون‌ بأداء الشهادة‌.

 ومن‌ هنا فإنّ هذه‌ الاُمور تنتسب‌ للملائكة‌ بلحاظ‌ مقام‌ الكثرة‌، وتنتسب‌ إلی الحقّ تبارك‌ وتعالي‌ بلحاظ‌ مقام‌ الوحدة‌. وهي‌ بلحاظ‌ مقام‌ الوحدة‌ في‌ الكثرة‌ منتسبة‌ إلی الحقّ الذي‌ ظهر وتجلّي‌ في‌ هذه‌ المرايا. كما أ نّها بلحاظ‌ مقام‌ الكثرة‌ في‌ الوحدة‌ منتسبة‌ إلی الملائكة‌؛ قد نشأت‌ بعلّة‌ التحقّق‌ بالحقّ تعالي‌.

 وبتعبير أبسط‌ فإنّ علم‌ الملائكة‌ وشهادتهم‌ هما عين‌ علم‌ الله‌ وشهادته‌، إذ لا استقلال‌ ـ عموماً ـ للوسائط‌ بنفسها، بل‌ هي‌ طلوع‌ وظهور لعلم‌الله‌ من‌ خلال‌ مرايا وجود هذه‌ الوسائط‌، دون‌ أن‌ يكون‌ للوسائط‌ بنفسها أيّ دخل‌ في‌ ذلك‌، وهذا هو المعني‌ الحقيقيّ للتوحيد.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 29، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[2] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 78، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

[3] ـ الآيتان‌ 128 و 129، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[4] ـ الآية‌ 125، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[5] ـ الآية‌ 126، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ الآية‌ 127، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[7] ـ الآية‌ 128، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[8] ـ الآية‌ 162، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[9] ـ هذا الحديث‌ برواية‌ بريد بن‌ معاوية‌ العجلي‌ّ. وقد ورد في‌ «الكافي‌» الاُصول‌، ج‌ 1، ص‌ 191، الحديث‌ الرابع‌؛ وفي‌ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 62.

[10] ـ «شواهد التنزيل‌»، ج‌ 1، ص‌ 92.

[11] ـ «المعاد» (رسالة‌ الإنسان‌ بعد الدنيا) للعلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ سرّه‌، مخطوطة‌، ص‌ 41

[12] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 63.

[13] ـ الآيتان‌ 41 و 42، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[14] ـ النصف‌ الاوّل‌ من‌ الآية‌ 89، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[15] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 127.

[16] ـ «الاحتجاج‌» ج‌ 1، ص‌ 360 و 361؛ طبعة‌ النجف‌، ضمن‌ احتجاج‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌علی زنديق‌ ادّعي‌ وجود تناقض‌ في‌ آيات‌ القرآن‌.

[17] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 242.

[18] ـ جزء «المعاد» للعلاّمة‌ المجلسيّ رحمة‌ الله‌ عليه‌، ص‌ 325، من‌ أجزاء «بحار الانوار» وهو الجزء السابع‌ من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[19] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 213.

[20] ـ «ديوان‌ حافظ‌» ص‌ 39، طبعة‌ پژمان‌.

 يقول‌: «خيال‌ طلعتك‌ رفيقنا في‌ كلّ درب‌، ونسيم‌ شَعرك‌ قرين‌ أرواحنا.

 وبرغم‌ أنف‌ المدّعين‌ الذين‌ يمنعون‌ العشق‌ ويحظرونه‌، فإنّ حُسن‌ وجهك‌ حجّتنا الوجيهة‌ القاطعة‌.

 فتطلّعْ إلی الغمّازة‌ في‌ ذقنك‌ إذ تقول‌ بأنّ ألف‌ يوسف‌ مصري‌ّ قد وقعوا في‌ بئرنا. (وصار لنا عاشقاً)».

[21] ـ يقول‌: «وإن‌ عجزتْ أيدينا عن‌ نيل‌ جدائلك‌ الطويلة‌، فذاك‌ من‌ طالعنا السيّي‌ وأيدينا القاصرة‌.

 فقلْ لحاجب‌ بلاط‌ خلوتك‌ الخاصّ: إنّ فلاناً المنزوي‌ أضحي‌ ترابَ أعتابنا.

 وإنّه‌ ـ ولو كان‌ محجوباً عن‌ نظرنا في‌ الظاهر ـ ماثلٌعلی الدوام‌ في‌ خاطرنا المرفّه‌.

 وإن‌ طَرَق‌ البابَ حافظ‌ مُستجدياً فافتحْ له‌، فهو مشتاق‌ منذ سنين‌ لطلعتنا الشبيهة‌ بالقمر!».

 [22] ـ الآية‌ 61، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[23] ـ الآيات‌ 16 إلی 22، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[24] ـ الآيات‌ 10 إلی 12، من‌ السورة‌ 82: الانفطار.

[25] ـ الآية‌ 201، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[26] ـ «رسالة‌ لقاء الله‌» ص‌ 41، طبعة‌ انتشارات‌ هجرت‌، نقلاً عن‌ «مصباح‌ الشريعة‌».

[27] ـ «بحار الانوار» ج‌ 18، ص‌ 360.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com