|
|
الصفحة السابقةإرسال النبيّ موسي الی فرعون مع انّه لم يكن من بني إسرائيلفقد دعی موسي فرعونَ و الاقباط الذين سكنوا مصر الی شريعته، في حين انّ من المسلّم انّهم لم يكونوا من بين اسرائيل (الذين كانوا أسباطاً). و كان الاقباط في مقابل الاسباط و بني إسرائيل. و منها انّ الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم كان يعترف برسميّة ديانة اليهود والنصاري الذين كانوا في بلاد العرب، و كانوا من عرب مكّة و المدينة و الحبشة و سائر النقاط و من غير بني اسرائيل قطعاً، و كان يتعامل معهم كأهل كتاب؛ بينما لو اختصّت شريعد موسي و عيسي ببني اسرائيل، لكان تديّن عرب قبل الإسلام بدين اليهود و النصاري أمراً خاطئاً، و لما أقرّه رسول الله. و منها انّ الرسول الاكرم استعدّ لمباهلة نصاري نجران، و لإعلان المواجهة العرفانيّة، بينما كان نصاري نجران بأجمعهم من العرب. امّا سُنّة الحجّ، فبالرغم من انّها من سنن ابراهيم عليه السلام، الاّ ان ابراهيم كان قد شرّعها للعرب خاصّة، لا لجميع الاقاطر و المناطق التي تشملها نبوّته، فلم يشرّعها لسكنة فلسطين، و الاّ فانّ اسحق و يعقوب و الانبياء الآخرين من بني اسرائيل كانوا سيُقيمون هذه السنّة الإلهيّة قطعاً. امّا بين اسماعيل و أولاده الذين سكنوا المناطق العربيّة، فقد بقيت هذه السنّة. و ليس لدينا ـ لاثبوتاً و لا إثباتاً ـ دليل علی لزوم تشريع عموميّة الحجّ زمن النبيّ ابراهيم، و يمكن الإجابة علی الآيات التي استدللتم بها بأن الإرسال الی نبي إسرائيل غير اختصاص الدعوة بهم. و الآية المباركة: وَ مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، لا تدلّ علی أكثر من انّ كلّ بني إسرائيل انّما يتكلّم بلسان قومه، و لكن من أين يستفاد ـ يا تري ـ اختصاص دعوته بقومه؟ استناد الافعال الی حضرة الحقّ تعالي و معني: لِيَعْلَمَ اللَهُ مَن يَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُالتلميذ: لدينا في القرآن الكريم آيات تُسند الافعال الی الذات المقدّسة للحضرة الاحدية، و بعض هذه الآيات في غاية العجب، كالآية 115، من السورة 4: النساء. وَ مَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِلِ الْمُوْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سَآءَتْ مَصِيرًا. حيث تنسب ذات الحقّ المقدّسة لنفسها أمر تولّي من يُشاقق رسول الله و لا يتّبع سبيل المؤمنين، فيقول تعالي: (إنّا) نولّه ما تولّي. فنفس توليّه مستند الی توليتنا. كما يقول تعالي في الآية الكريمة 143، من السورة 4: النساء: يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَـ'فِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـ'نًا مُّبِينًا. و حقّا فانّ هذا الحقير كلّما تذكّر مفاد هذه الآية الشريفة، زاد عجيبي من مدي رشاقة و بُعد معناها ول طافة مضمونها و شمول مفادها! إذ كيف ينهي الله سبحانه و تعالي المؤمنين عن إلقاء المودّة الی الكفّار و التقرّب اليهم، و جَعْلهم في النهاية وليّاً لهم متصرّفاً في شؤونهم، و الإعراض عن المؤمنين، ثم يعدّ تلك القدرة و السلطان اللذين يجدهما الكفّار علی تلك الطائفة اثر هذا العمل الذميم. قدرةً و سلطاناً و قهراً لله تعالي عليهم! أي انّ غلبة و سلطان الكفار علی المسلمين هما الغلبة الإلهيّة عليهم. و عليكم ـ أيّها المسلمون ـ أن لا تفعلوا كذا فيفعل الله كذا. حيث عُدّت قدرة الكفّار و سلطانهم بنفسها قدردً و سلطاناً لله علی المسلمين. جميع الافعال منوطة بإذن الحقّ المتعالي و مشيئةالعلاّمة: منطق القران في مجال التوحيد الافعالي و إسناد جميع الافعال الی الحقّ المتعال منطقٌ في غاية الرفعة و السموّ، فهو يقول في الآية 12، من السورة 18: الكهف. ثُمَّ بَعَثْنَـ'هُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَي' لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا. لانّ من الجليّ انّ المراد بالعلم هنا العلم الفعلي، و هو عبارة عن وجود الاشياء و ظهورها بوجودها الخاصّ عند الله المتعال، و قد ورد كثيراً في القرآن الكريم هذا الاستعمال للعلم، الذي يراد به نفس أفعال الموجودات؛ كالآية الشريفة: لِيَعْلَمَ اللَهُ مَن يَنصُرُهُ و وَ رُسُلَهُ و بِالْغَيْبِ. [1] و آية: لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـ'لَتِ رَبِّهِمْ. [2] و قد فسّر البعض هذا العلم تفسيراً حسناً، فقالوا بأنّ معناه: «لِيُظْهِرَ مَعْلُومَنا علی مَا عَلَّمَناهُ». و كذلك آية: وَ لاَ تَقُولَنَّ لِشَايءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَهُ؛ [3] الدالّة علی انّ نفس الفعل الذي يأتي به الإنسان هو مورد المشئية و الإرادة الإلهيّة. و نظير الآية 9، من السورة 6: الانعام: وَ لَوْ جَعَلْنَـ'هُ مَلَكًا لَجَعَلْنَـ'هُ رَجُلاً وَ لَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ. و عموماً فإنّ ما يعلّمنا القرآن الكريم ايّاه: انّ ما في عالم الوجود، من الذات و الفعل و الاثر، مملوك بأجمعه لله تعالي وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ؛ و انّ لله ما يريد فعله في مماليكه؛ و أن ليس لغير الله اختيار و قدرة بأيّ وجه، الاّ بالقدر الذي ملّكه الله إيّاه؛ و ملّكه لتلك القدرة. و انّ الله سبحانه المالك المطلق لجميع الموجودات و للإنسان و ما يملكه الإنسان. و الآيات القرآنية الدالّة علی هذه الحقيقة كثيرة و جمّة. انّ ما يُشاهد في عالم التكوين من الموجودات ذوات الفعل أو الاثر ـ التي نعدّها عللاً و أسباباً ـ لا استقلال له في سببيّته، و ليس مستغنياً عن فعل الله المتعال و تأثيره. فهذه الموجودات لا يمكنها أن تفعل شيئاً أو أن يكون لها أثراً ما، الاّ من شاء الله أن يفعل أو يؤثّر. أي ان الله يمنحه الفعل و الاثر، و لا يشاء عكسه فتُسلب ـ نتيجة لذلك ـ القدرة من ذلك الموجود. و بعبارة اخري، فان الله تعالي يُيَسّر سبيل الوصول لذلك المعلول و الاثر و يأذن به، و إذن الله هو نفسه منحه للقدرة و رفعه المانع و الحائل. و قد وردت آيات و روايات مستفيضة في أنّ عمل كلّ عامل مرهونٌ بإذن الله تعالي، و ان أيّ عمل لا يصدر من أيّ عامل الاّ بإذن الله تعالي فيه. [4] يقول تعالي: مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَهِ. [5] وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ و بِإِذْنِ رَبِّهِ [6]. وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَهِ. [7] مَا قَطَعْتُم مّـِن لّـِنَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَي' أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَهِ. [8] وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ. [9] و تبعاً لذلك فإنّ في عهدة مَن له معرفة بربّه أن لا يري نفسه مستقّلاً في الفعل الصادر منه، و أن لا يعدّ نفسه مستغيناً عن الله؛ بل عليه اعتبار نفسه مالكاً للفعل بتمليك الله، و قادراً علی فعله بقدرة الله تعالي. يقول عزّوجلّ: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَهِ جَمِيعًا. [10] و علی كلّ مؤمن إذا ما أراد فِعل شيء، أن يُقدم عليه متوكّلا علی الله و معتمداً عليه و مستنداً إليه. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ علی اللَهِ. [11] و اذا ما أراد أن يعد وعداً، أو يُخبر بأنّه سيفعل كذا في المستقبل، فعليه أن يُقيّد ذلك بإذن الله و مشيئته. بلي، فمه انّ من المسلّم بأن عمل الإنسان للإنسان، و أنّ الله تعاي ينسب الافعال في كثير من مواضع القرآن الی النبيّ و الی أفراد الناس، فيقول: فَقُل لِّي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ. [12] أو يقولي: لَنَا أَعْمَـ'لُنَا وَ لَكُم أَعْمَـ'لُكُمْ. [13] لكنّه يُنكر ـ في الوقت نفسه ـ الإستقلال بالنسبة للإنسان، و يعدّ استغناءه عن إذن الله و مشيئته باطلاً. و يُستفاد ممّا ذكر انّ الاستثناء في آية: وَ لاَ تَقُولَنَّ لِشَايءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَهُ، هو استثناء مفرّغ، و انّ تقدير المستثني منه يشمل جميع الاحوال أو جميع الازمنة. و علينا أن نقدّر وجود باء المُلابسة في جملة المستثني، فيصبح المعني: وَ لاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي زَمَانٍ مِنَ الاَْمِنَةِ أَوْ فِي حَالٍ مِنَ الاَحْوَالِ إِلاَّ أَن يُلاَبِسَ قَوْلَكَ بِأَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَهُ.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
في وقوع النسخ في القرآن الكريم، و عدم استحالة النسخ شرعاً و عقلاًالتلميذ: يعتقد البعض بعدم وجود نسخ في القرآن الكريم، أي بعدم وجود آيات ناسخة و منسوخة؛ بينما نري بوضوح في بعض الآيات انّ لها عنوان النسخ لبعضهما الآخر، كالآية الشريفة أُولُوا الاْرْحَامِ. و أساساً فما هو سبب الإصرار و الإبراهم علی عدم النسخ؟ و هل يستوجب عنوان النسخ محذوراً ما ليعتقد هؤلاء بعدم النسخ؟ في وقوع النسخ في القرآن الكريم، و الآيات الدالّة علی هذا المعنيالعلاّمة: بلي، يعتقد البعض بعدم وجود نسخ في القرآن؛ و ظاهر كلامهم عدم وجود آيات ناسخة و منسوخة. و لكن يبدو أن بعض أقسام الآيات لا يمكن إنكار كونها ناسخة أو منسوخة، مثل أمر الصدقة في النجوي الذي له جلاء لا يخفي، و ذلك في حُكمٍ أُبلغ للنبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، بأن لا يُناجيه أحد من أصحابه الاّ بعد التصدّق، فلم يعمل لذلك غير أميرالمؤمنين سلام الله عليه، امّا الآخرون فانتهوا عن مناجاته. يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَـ'جَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي نَجْوَن'كُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَ أَطْهَرُ فَإِن اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [14] أو في شأن الإرث و نزول آية أُولوا الاْرْحَامِ؛ فقد كان المومنون يتوارثون في بداية الإسلام تبعاً للعلاقات الدينيّة، و كانت أحكام الإرث تجري وفق المؤاخاة التي أقرّها رسول الله بين الصحابة؛ حتّي نزلت آية أُولُوا الاْرْحَامِ فنسخت ذلك الحكم، و تقرّر أن يرث الافراد بعضهم البعض الآخر علی أساس القرابة في الرحم لا علی أساس الاخوّة الدينيّة، و كانت أحكام الإرث تجري وفق المؤاخاة التي أقرّها رسول الله بين الصحابة؛ حتّي نزلت آية أُولوا الاْرْحَامِ فنسخت ذلك الحكم، و تقرّر أن يرث الافراد بعضهم البعض الآخر علی أساس القرابة في الرحم لا علی أساس الاخوّة الدينيّة. وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَ هَاجَرُوا وَ جَـ'هَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ وَ أُولُوا الاْرحَامِ بَعضُهُمْ أُولَي بِبَعْضٍ فِي كَتِـ'بِ اللَهِ إِنَ اللَهِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.[15] و هذه الآية تبيّن انّ الورثة يجب أن يكونوا من الارحام؛ حيث نسخت هذه الآية ذلك الحكم السابق. كما انّ الآية المباركة: مَا نَسَخُ مِن ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأنتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعولَمْ أَنَّ اللَهَ علی كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ[16]، لها دلالة جليّة علی وقوع النسخ دون أيّ محذور. و ربّما كان أجلي منها و أكثر وضوحاً، الآية القائلة: وَ إِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَ اللَهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يعْلَمُونَ قُل نَزَّلَهُ و رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ هُديً وَ بُشْرَي' لِلْمُسْلِمِينَ. [17] حيث يبّين في هذه الآية بوضوح أنّ الآيات نُنسخ و تتبادل مواضعها، و انّ التغيير و التبديل يحصل فيها. و معلوم ان المراد بالآيات هنا آيات القرآن الكريم. و لانّ المعاندين يقولون بأنّ هذا التبديل وا لتغيير من جانب محمّد لا من جانب الله، و بأنّ النبيّ كاذب مفترٍ؛ فهو يقول في الآية اللاحقة: قل انّ هذه الآيات، ناسخها و منسوخها نزل بها روح القُدس جبرئيل لتثبت قلوب المؤمنين و هديً و بشري للمسلمين. و مرجع النسخ الی أمر تحديد زمن الحكم المنسوخ و أحد مدّته، أي انّ مدّة الحكم السابق لم تكن دائميّة، بل كانت الی زمن مجيء الحكم الناسخ. و لا إشكال في ذلك أبداً، بل انّ النسخ أمر كان ينبغي وجوده في الشرائع بشكل حتميّ، اذ ما أكثر الاحكام التي لا تشرّع بعنوان الدوام، و التي ينحصر ملاكها و المصلحة منها في بُرهة زمنيّة معيّنة. و حينذاك فانّ الحكم يشرّع بشكل مطلق، ثُمّ يُنسخ بعد استيفاء المصالح و الملاكات المندرجة تحته. و من ثمّ فانّ مرجع النسخ المبيّن بواسطة الآية الناسخة، هو انّ الآية المنسوخة لا حكم لها خارج أمدها، و لا تتمكّن من أن يكون لها حكم أبعد من أمدها و زمنها، و ليست المسألة تناقض و تضادّ. بل هي بيانٌ للحكم؛ و الاحكام مختلفة و متنوّعة. و لو تضادّ حُكمان في الظاهر، فمن الجليّ ان التضاد لن يكون حقيقيّاً؛ فقد ورد حكمٌ ما تبعاً لاقتضاء المصلحة، ثم ورد حكمٌ آخر. و لقد تغيّر الموطن و المقتضيات فتغيّر الحكم بدوره. والعلّة في اصرار البعض علی عدم وجود النسخ في القرآن الكريم تعود الی تصوّرهم بأن مسألة النسخ هذه تستتبع مسألة التضادّ، بينما ينبغي الاّ يكون هناك تضادّ في الاحكام. امّا حين اتّضح بأنّ مرجع النسخ الی ان احدي الآيتين تبيّن أمد الآية الاخري و مدّتها، و تُظهر مدّة. مفعولها، فإنّ مسألة التضادّ تفقد معناها. و شتّان بين مسألة التضادّ و بين مسألة النسخ! الإسلام ناسخٌ للاديانالتلميذ: ما الدليل علی انّ القرآن الكريم ناسخ للتوراة و الانجيل؟ العلاّمة: وردت آيات في القرآن الكريم لها دلالة علی انّ شريعة الإسلام شريعة جديدة، و انّ تشريع الاسلام كان بتشريع جديد، كالآية الشريفة: شَرَعَ لَكُم مِّن الّدِينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَي' وَ عِيسَي أَن أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لاَّ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ علی الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَهُ يَجْتَبِي´ إِلَيْهِ مَن يَشآءُ وَ يَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ. [18] و هذه الآية في غاية الوضوح بأنّ ما وصيّنا به نوحاً، و ما أوحينا إليه، و ما وصيّنا به ابراهيم وموسي و عيسي، أي شرائع نوح و ابراهيم و موسي وع يسي و ما أوحينا اليك، جعلناه بأجمعه شريعةً لك. و هذا الجعل للشريعة ـ و لو تضمّن نفس الشرائع السابقة ـ يمثّل نسخاً،.ي تجاهلاً للحكم السابق و إنشاءاً لحكم جديد، بإنشاء و تشريع جديد. لذا يمكن القول بأنّ كلّ شريعد لاحقة ناسخة للشريعة السابقة، لانّها تجيء بعنوان تشريع جديد. التلميذ: لماذا لايعتبر اليهودُ النسخَ أمراً جائزاً؟ العلاّمة: الظاهر انّ ذلك يعود الی انّهم لايريدون الإعتراف بكتاب سماويّ آخر بعد نزول التوراة (التي هي كتاب سماويّ)، و لا يريدون أن يكون لهم حكم سماويّ آخر. فهم ـ لذلك ـ يقولون انّ الامر ـ مهما كان ـ قد خُتم بالتوراة، فليس بعدها من حكم سماويّ آخر. و آية النسخ تُبطل هذا المعني، فتبيّن بأن ليس من قدرة يمكنها تقييد الله و تحديده بالإلتزام بعدم تغيير الحكم، فدأبه تعالي أن ينسخ الآيات أو يُنسها، و هو علی كلّ شيءٍ قدير. مَا نَنسَخَ مِن ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنَهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلزمو تَعْلَمْ أَنَّ اللَهَ علی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَ الاْرْضِ وَ مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَهِ مِن وَلِيٍّ وَ لاَ نَصِيرٍ. [19] بيد انّ اليهود يقولون بأن الله لا يمكنه أن ينسخ حكماً بعد نزوله، و أنّ النسخ ليس من شؤون القدرة الإلهيّة و من مقتضيات العلم الالهي، لذا فانّ يد الله مغلولة عن أمثال هذه الامور: وَ قَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ. [20] فهم يقولون بأنّ الله خلق السماوات و الارض و جعل الاحكام في الايّام الستئة الاولي، فانتهي الامر و لن يحصل ثمّة تغيير أو تبديل فيه. و بالطبع فانّ مفاد هذا المرام نفس غلّ يد الخالق، معاذَ الله؛ بل يداه مبسوطتان يغيّر و يبدّل في عالم الخلق ما يشاء، و يضع أحكاماً جديدة وفقاً للمصالح المستحدثة. التلميذ: ما هو الوضع الذي كان فيه كتّاب الوحي الإلهيّ (القرآن)؟ أكان رسول الله يستدعي كاتب الوحي بعد نزوله ليكتبه؟ و لقد كان الوجود المقدّس لاميرالمؤمنين عليه السلام أحد كتّاب الوحي، و جليّ أنّه لم يكن ملازماً لرسول الله علی الدوام، فقد كان رسول الله يرسله كثيراً في الحروب و الغزوات، أو يبعثه لإنجاز مهمّات أخري. فكيف كان وضع عبدالله بن مسعود و أُبيّ بن كعب و زيد بن ثابت؟ و من أين نشأت هذه القراءات و الاختلافات بينهم؟ العلاّمة: لم أشاهد في روايةٍ ما أنّ رسول الله كان يستدعي أحد الصحابة أو أحد كتّاب الوحي عند نزوله ليجيء فيكتب الوحي، الاّ انّه ورد انّهم كانوا يكتبون وحي رسول الله صلّي الله عليه واله وسلّم. و كان الكتّاب عبارة عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه و عبدالله بن مسعود و أُبيّ بن كعب و زيد بن ثابت و آخرون. و قد تصدّي زيد بن ثابت لاحقاً لمسألة جمع القرآن في المرّة الاولي بأمر أبي بكر، و كذلك في جمعه للمرّة الثانية بأمر عثمان و في عهده، فقام بجمع القرآن و تأليفه. اختلاف القراءآت مستند الی الرواية عن رسول اللهأمّا اختلاف القرآءات فيُعزي الی الرواية؛ أي انّ القرّاء رووها عن رسول الله بهذه الكيفيّة، و هو ما ينطبق علی قراءة عاصم التي عليها مدار قراءة القرآن، حيث يروي عن أميرالمؤمنين بواسطةٍ واحدة. و كلُّ من هؤلاء القرّاء يقرأ القرآن علی نمطٍ خاّ، فهم يختلفون فيما بينهم في كيفيّة القراءة. و من ثمّ فانّ قراءة أبيّ بن كعب ـ مثلاً ـ هي غير قراءة عاصم. أمّا مسألة اختلاف القرءاة في تاريخ القرآن، فهي مسألة في حدّ ذاتها، و تمثّل بنفسها مرحلة من المراحل. و علی كلّ حال فلا يبدو أنّ القرّاء كانوا يروون و يقرأون عن نفس رسول الله مايسمعونه منه، فذاك أمرٌ لا يلوح في النظر، أي لا يمكن استنتاجه، بل انّ ما يمكن إدراكه هو انّ عدداً كبيراً يترواح بين سبعين الی ثمانين نفراً أو أكثر هم حملة القرآن، و انّهم كانوا يتلون القرآن و يتعلّمونه ثم ينشرونه بين الناس، فإذا واجههم إشكال في موضعٍ ما، استفسروا عنه من النبيّ الاكرم فيجيبهم. هذا ما يُستنتج؛ و خلاصة الامر انّ هذه القراءآت من قبل القرّاء لم تكن سماعاً منهم لنفس القراءاة من رسول الله ليتبعوها و يقرأوا بها، كما انّها لم تكن ابتداعاً من تلقاء أنفسهم. بل انّ المسلمين شاهدوا حمة القرآن يتبعون في قراءآتهم تلك الكيفيّات، و انّ اولئكم قد أخذوا عن الرسول الاكرم، فيحصل في النتيجة انّ هذه القرآءات المأخوذة عن القاري الفلاني أو الصحابي الفلاني عائدة الی الرسول الاكرم. و حسب قول المورّخين فانّ الرسول الاكرم نفسه كان يقرأ القرآن بكيفيّتين أو أكثر، لذا فانّ اختلاف القراءات ـ من ثمّ ـ راجع الی اختلاف كيفيّة قرائة رسول الله نفسه. لقد كان جبرئيل يأتي الی رسول الله مرّةً في السنة، فيعارضه مرّتين بما نزل من القرآن من أوّل الوحي الی ذلك الوقت، و يجدّد وحيه؛ و كان النبيّ ـ هو الآخر ـ يقرأه علی كتّاب الوحي بنفس الطريقة التي قرأها جبرئيل أخيراً، فينتشر منهم ـ بنفس الكيفيّة ـ الی الناس، و في النتيجة فقد اختلف هذا الوحي عن الوحي السابق. لذا فانّ علّة اختلاف القراءة راجعة الی أساس اختلاف قراءة جبرئيل في السنوات المتعاقبة. التلميذ: حين كان جبرئيل ينزل كلّ سنة فيتلو علی رسول الله جميع القرآن، فهل كان الرسول يقرأه بأجمعه علی أميرالمؤمنين عليه السلام سنةً، ثم يقرأه علی أُبيّ فقط في السنة التالية، و علی زيد بن ثابت فقط في السنة التي بعدها، و هكذا يقرأ، كلّ سنة لاحد كتّاب الوحي؟ ذلك لاننا نري اختلاف هؤلاء الكتّاب في القراءة. و لو كان رسول الله يقرأ للجميع ما يأتي به جبرئيل كلّ سنة، لوجب أن لا يختلفوا بينهم، بل لتوجّب علی القرّاء أن يقرأوا كلّ سنة علی نحوٍ واحد، و لتفاوتت قراءة كتّاب الوحي أنفسهم في كلّ سنة عنها في السنوات الاخري. العلاّمة: انّ جميع رواياتهم متعدّدة في نهاية الامر و مختلفة، و قد ورد فيها في سنة رحلة الرسول الاكرم فقط انّه قال: إنّ جبرئيل عارضني بالقرآن العامَ مرّتين من أوّله الی آخره، و لا أراني الاّ و قد حضر أجلي. و من الجليّ بطبيعة الحال انّه تلاه عليه مرّتين، أي بكفيّتين. و كتاب «الإتقان» للسيوطي جيّد في هذا المجال، إذ يكشف فيه الستار الی حدٍّ ما عن هذه المطالب. و لقد كان السيوطي ـ إنصافاً ـ من رجال الدين الماهرين، و كان له مقدرة و خبرة في تتبّع الاقوال و الروايات و نقلها، و كان في منتهي التبحّر في هذه الامور، الاّ انه لم يكن صاحب نظر فيها. التلميذ: ينبغي حلّ هذه المسألة في نهاية الامر، و هي انّ أُبيّ بن كعب كان يقرأ القرآن بنفسه علی نحوٍ ما؛ و كان زيد بن ثابت يقرأه علی نحوٍ آخر، و كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقرأ علی نحوٍ ثالث، و هذا يستلزم أن يكون النبيّ قد قرأ القرآن كلّ سنة لاحدهم؛ و لو كان يقرأه كلّ سنة عليهم جميعاً، لوجب أن يكون هناك اختلاف في نفس قراءة كلّ منهم أيضاً! العلاّمة: كلاّ، من الممكن أن يكون أُبيّ قد قرأ القرآن علی نحوٍ ما سنةً، ثمّ قرأه علی نحوٍ آخر السنةَ اللاحقة، ثم علی نحوٍ آخر السنةَ التي تليها، و هكذا، و هو ما حصل بالفعل، فقد نُقلت لنا عدّة أنواع من القراءآت عن كلّ قاري من القرّاء، و حُكي في خصوص أُبيّ ـ مثلاً ـ أنّه قرأ سنة بكيفيّة معيّنة، و قرأ فيا لسنة اللاحقة بكيفيّة أخري. و يقول البعض بأنّ ذلك هو العلّة في اختلاف القراءات. فهناك اختلاف بين قراءآت أُبيّ نفسه، علاوةً علی الاختلاف بين قراءته و قراءة الآخرين. و كان لعاصم تلميذان ينقل كلّ منهما القرآن عنه من أوّله الی آخره، و هما يختلفان بينهما في القراءة، فهذا التلميذ يروي عن عاصم بكيفيّةٍ ما، بينما يروي الآخر عنه بكيفيّة أخري. و هذه الامور تنطبق كذلك بالنسبة لامثال أُبيّ! و عبدالله ابن مسعود. التلميذ: ألا يمكننا القول بأنّه كما يختلف النحويّون من أمثال سيبويه و الكسائي و غيرهما تبعاً للقواعد التي ينتهجونها، فيقرأ أحدهم شعراً عربيّاً علی نحوٍ ما، و يقرأه الآخر علی نحوٍ مختلف؛ فانّ العرب كذلك كانوا مختلفين، فقد كان أُبيّ! بن كعب و زيد بن ثابت و سائر القرّاء من العرب و من أهل اللغة الامّ مطّلعين علی حقيقة علم النحو و الادب و العربيّة، فكانوا يقرأون هكذا تبعاً للغتهم الامّ وا لقواعد التي يسيرون علی ضوئها؛ فنقول بأنّ اختلاف القراءة عائد الی اختلاف نظرهم واجتهادهم؟ العلاّمة: ليس الامر كذلك؛ لانّ ظاهر اختلافهم بلحاظ الرواية. أي انّهم يُسندون القراءة الی رسول الله. و لدينا روايتان ـ مثلاً ـ في مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ تذكران بأنّ رسول الله كان يقرأ « مَلِك » كما كان يقرأ « مَالِك»؛ و لو كانت الروايتان متواترتين للزم منهما ذلك. مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ أعمّ و أشمل و أنسب قياساً الی مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِبيد انّ قاري « مَلِك » أكثر من « مالك »، فهناك أربعة قرّاء من بين القرّاء السبعد قرأوا ب « مَلِك »، بينما قرأ الآخرون ب « مَالِك ». يُضاف الی ذلك انّ الإعتبار في «مَلِك» أكثر إنسجاماً، لانّ «يَوم» لا يُنسب عادةً الی «مالك»، بل ينسب الی «ملك»؛ فيُقال: مَلِك اليوم الفلاني، لا مالك اليوم الفلاني. و كان المرحوم القاضي رحمة الله عليه يقرأ فيا لصلاة بلفظ «مَلِكش؛ و يذكر (الزمخشري» في تفسير «الكشّاف» وجوهاً لفظُ «مَلِك» فيها أشمل و أعمّ و أنسب. التلميذ: ما معني القرّاء السبعد و القراءات المتواترة و القراءآت الشاذّة؟ العلاّمة: انّ القرّاء الذين تتواتر قراءتهم عن رسول الله هم سبعة نفر؛ لذا فانّهم يُدعون بالقرّاء السبعة. مثل عاصم الذي يروي بواسطة واحدة عن أميرالمؤمنين، عن رسول الله؛ و يروي آخر عن أُبيّ ـ مثلاً ـ؛ و اخر عن ابن مسعود. و بالطبع فحين تقلّ الوسائط، فانّ الرواية تصل الی رسول الله أسرع. أمّا القراءات الشاذّة فهي القراءآت التي أخذها الاساتذة عن القرّاء فجعلوها ملاك قراءتهم. و القراءآت الشاذّة كثيرة، و منها ثلاث معروفة، تصبح مع تلك القراءآت السبع المتواترة عشر قراءآت. فهذه هي القراءآت العشر المعروفة. الاّ انّ هناك روايات أخري غير هذه القراءآت الثلاث الشاذّة تنقل قسماً من القراءآت المختلفة، و تُدعي تلك بالروايات الشاذّة، أي غير المعروفة. و بطبيعة الحال فانّ هناك أفراداً يعدّون تلك الروايات الثمث الشذّة أو بعضاً منها متوترة، لذا يريد عدد روايات القراءآت المتواترة لديهم عن سبع قراءآت. تاريخ جمع القرآن من قبل عثمان و وفاة عبدالله بن مسعودأمّا عن جمع القرآن، فحين حدثت حرب اليمامة في عهد أبي بكر و قُتل فيها ما يزيد علی أربعمائة نفر من قرّاء القرآن، و كان يُحتمل انّه لو حدثت حرب اخري أو حربان فقُتل فيهما باقي القرّاء، فانّ القرآن سيضيع تماماً، اذ لم يكن القرآن قد دُوّن بعد. و من ثمّ فقد كُلّف زيد بن ثابت في زمن أبي بكر بتأليف القرآن و جمعه، فجُمع في ذلك العهد. ثمّ جاء عهد عثمان، و كان قد حصل اختلاف كبير في كيفيّد قراءة القرآن بسبب اختلاف القراءآت، فكتب عبدالله بن مسعود الی عثمان يقول: أدركْ القرآن فقد أشرف علی الزوال لكثرة اختلاف القراءآت وا ختلال وضع قراءته. فاستجاب عثمان لكلاما بن مسعود و نفّذه، فأمر بالمصاحف المختلفة المخطوطة التي كانت تختلف بينها في القراءآت، فجيء بها بأجمعها الی المدينة، وكُدّست علی بعضها في مكان واحد، فاصرت أشبه بالتلّ. و كانت هذه المصاحف مخطوطة علی ألواح الخشب و علی جلود الغزال و عظام كتف البقر و علی الورق، و كان حجمها كبيراً؛ فكدست علی بعضها و أُشعلت فيها النار. و لذلك فقد امتنع ابن مسعود من تسليم مصحفه، مع انّه أوّل من كتب الی عثمان بوخامة الاوضاع و طلب منه أن يُدرك القرآن و يفعل شيئاً يصون هذا الكتاب الإلهيّ من البلاء، فأمر عثمان ـ استجابة لرسالته ـ بجلب المصاحف من البلاد المختلفة. و لقد كان ابن مسعود هو المحرّض الاساس لهذا العمل و المُشير به. و لم يكن ابن مسعود في المدينة في ذلك الوقت، بل كان في أحد أعماله، فلمّا عاد الی المدينة و اطّلع علی الامر قال: لقد قُلنا ما قلنا من أجل صون القرآن، إمّا إذا تقرّر إحراق المصاحف فالامر أسوأ و أنكي. و لن أسلّم مصحفي أو أدعهم يحرقونه. و هكذا امتنع ابن مسعود عن تسليم مصحفه، و أصر علی موقفه الی النهاية، فقُتل بسبب ذلك و ارتحل عن الدنيا. ثم ان ابن مسعود لمّا رجع الی المدينة باحثَ عثمانَ و تكلّم معه في مجلسين أو ثلاثة، و عيّره و نَسَب إليه السوء، فضاق عثمان به ذرعاً. ثم انّ عثمان ارتقي المنبر يوماً و كان منهمكاً في خطابته، فشرع ابن مسعود من بين الصحابة بانتقاد سيرته، فغضب و أمر جلاوزته أن يجرّوه علی وجهه الی خارج المسجد، فجرّه غلمان عثمان علی وجهه خارج المسجد فانكسرت احدي أضلاعه خلال جرّهم إيّاه و سقط مريضاً بسبب ذلك حتّي فارق الدنيا في النهاية. ثمّ انّ عثمان أرسل له هديّة خلال مرضه فلم يقبلها، و أرسل اليه مالاً فردّه و قال: أتحرمنيه و أنا أحوج إليه، و تعطينيه و أنا مستفنٍ عنه؟! و ردّه بأجمعه. و قال: لستُ أرضي و لا أدعكم تأخذون مصحفي و تحرقونه. و من المعلوم انّ المعوذّتين (سورة قل أعوذ بربّ الناس و سورة قل أعوذ بربّ الفلق) لم تكونا في مصحف ابن مسعود، فقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام انّهما لم تكونا في مصحفه. و كان ابن مسعود يعتقد بأنّهما ليسا من القرآن، و كان يري انّهما عوذتان جاء بهما جبرئيل من السماء حين مرض الحسنان عليهما السلام ليُعَوَّذا بهما، أي لتعلّق تلكما العوذتان عليهما و تُقرءا عليهما ليشفيا، فعُلّقت عليهما و تحسّنت حالمها. و كان عثمان يقول بأنّ المصاحف يجب أن تُحرق من أجل صالح المسلمين، بينما كان ابن مسعود يقول بأن لا وجودل مثل هذه المصلحة في إهانة القرآن و إحراق كتاب الله هكذا. فقد كان أسهل و أيسر أن يجري ذفن هذه المصاحف في أرض طاهرة، أو وضعها في مكان مقدّس، أو اغراقها في الماء. هذه هي روايات الشيعة في هذا المجال؛ امّا روايات العامّة فنقول بأنّ المصاحف لم تُحرق، بل وُضعت في قدر ماء يغلي فطُبخت حتي مُحيت الحروف و الكمات المخطوطة علی العظام و الالواح و الاوراق. مصحف أميرالمؤمنين سلام الله عليه و تحميله علی بعير و المجيء به الی المسجدو قد ورد في أحد التواريخ و لعلّه «تاريخ اليعقوبي» (لايخطر في بالي الآن) أنّ أميرالمؤمنين سلام الله عليه لم يخرج من منزله بعد ارتحال الرسول الاكرم، فذهب اليه عدّة نفر من وجوه الصحابة و استفسروا منه عن علّة عدم خروجه و عدم ذهابه الی المسجد و الإلتحاق بجماعة المسلمين. فقال بأنّه أقسم أن لا يضع رداءه علی عاتقه حتّي يؤلّف القرآن و يجمعه، و ينظّم تفسيره و تأويله. و أنّه محبوسٌ هناك برّاً بقسمه. و دام الامر ستّة.شهر؛ ثم انّ الإمام نظّم القرآن و رتّبه حسب ترتيب نزوله، بحيث كان أوّله سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، و آخرت آخر سورة نزلت علی رسول الله كسورة المائدة. و بالطبع فانّ سورة البقرة ـ وهي سورة مدنيّة ـ ستكون في آخر القرآن. و من مزايا هذا المصحف و خصائصه ـ علاوةً علی ترتيب السور و الآيات حسب نزولها ـ وجود شأن نزول الآيات و السور، فقد امتازت كلّ آية أو سوة نزلت في وقتٍ معيّن و شُخّص سبب نزولها عن السور التي نزلت قبل ذلك أو بعده، فاحتلّت هذه السور موضعاً بين بداية القرآن و آخره، أي في وسط القرآن. [21] و الخلاصة، فقد نظّم أميرالمؤمنين عليه السلام المصحف بهذه الكيفيّة و الصورة، حتّي انّه قام بتشخيص بعض الجهات التفسيريّة و التأويليّة. ثم أتمّه بعد ستّة أشهر مخمله علی بعير و جاء به الی المسجد، و كان الصحابة يتواجدون في المسجد آنذاك، فقال لهم: هذا قرآنكم، جُمعتُه و جئتُ به. فلم يردّوا عليه، فعاد عليه السلام بالبعير الی المنزل، و لم يرد لذلك القرآن خبر بعد ذلك. هذه حصيلة ما جاء في روايات العامّة؛ امّا ما ورد في روايات الخاصّة فهو انّ الإمام حَمَل القرآن علی بعير فجاء به الی المسجد و قال: هذا هو قرآنكم؛ فقالوا: لا حاجَة لنا بقرآنك! و لم يسألوه عنه، فلم يتكلّم بشيء، و لوي زمام البعير فأعاده الی المنزل و قال: لن تشاهدوا هذا القرآن الی يوم القيامة. [22] بلي، لقد كان شأن النزول مشخّصاً الی حدٍّ ما في ذلك القرآن، و كان يظهر الی حدٍّ ما انّ الآية الفلانيّة في هذا الموضع، و أنّها نلي الآية الفلانيّة في النزول و تسبق الآية الفلانيّة فيه. و يبدو انّ هذه المسائل كانت واضحة فيه. و يبدو انّهم منهمكون في مكّة و المدينة بكتابة تفسيرين للقرآن، يفسر فيهما القرآن بحسب النزول، و قد شاهدتُ قدراً من ذلك التفسير، الاّ ان هناك اشكالاً في نفس الروايات الموجودة لدي العامّة، و التي فيها شأن النزول، فقد جاءت ثلاث روايات في شأن النزول من طرق العامّة تختلف كلّ منها مع الاخري، و لكلّ منها كلام خاص يشكّل اختلافاً آخر بينها. وا لخلاصة فانّ كيفيّة تنظيم مصحف أميرالمؤمنين عيه السلام مدوّن في تفسير اليعقوبي (لا يخطر ببالي تماماً، و هو مفسّر له تفسير في مجلّد واحد، و هناك في تأريخه قدر من مطاعن عثمان و معاوية و غيرهما). التلميذ: ما السبب في عدم مجيء اسم أميرالمؤمنين عليه السلام في القرآن؟ العلاّمة: لو ورد اسمه في القرآن لحُذف و غُيّر؛ هكذا يجيب بنفسه. في اثبات عدم تحريف القرآن الكريمأمّا ذلك القرآن الذي جمعه زيد بن ثابت في عهد عثمان، فحاوٍلجمیع القرآن بلا شكّ، لم تنقص منه كلمة و لم تُزاد فيه كلمة. و القول بتحريف القرآن لا اعتبار له. و ذلك لانّ حجيّة أخبار الآحاد التي وردت في التحريف موقوفة علی حجيّة قول الإمام الذي يذكر تلك الاخبار؛ و حجيّة قول الإمام موقوفة علی حجيّة قول رسول الله الذي قدّم الإمام كوصيّ و خليفة معصوم؛ وحجيّة قول رسول لله موقوفة علی حجيّة القرآن الذي قدّم رسول الله كمعصوم و نبيّ و إمام و وليّ. و لو قلنا بنقصان أو زيادة حرف واحد في القرآن الكريم، لسقط جميع القران من حجيّته، و لا ستتبع سقوط هذه الحجّة اسقاط حجيّة أخبار التحريف. انّ القرآن الكريم حجّة بالإجماع، و قد استشهد الائمّة عليهم السلام بآيات القرآن و استدلّوا بها في كثير من الموارد و قالوا بحجيّتها؛ و هو أمر لا شكّ فيه و لا شبهة أبداً. و حين وقعت حرب اليمامة في زمن أبي بكر فقُتل فيها سبعين نفراً أو أربعمائة نفر من قرّاء القرآن، جاء عُمر الی أبي بكر و.صرّ عليه بجمع القرآن و قال: انّ القرآن اليوم في صدور قرّاء القرآن فقط، فإن حصلت حربٌ أخري فقُتل فيها من القرّاء، لضاع القرآن من علی ظهر البسيطة. فيجب جمع القرّاء و تصحيف القرآن حتماً، أي جعله بين جلدين و حفظه بين الدفّتين. لذلك أمروا زيد بن ثابت بكتابة القرآن، و عيّنوا خمسةو عشرين نفراً من قرّاء المهاجرين و مثلهم من قرّاء الانصار، فإن جاءهم امرؤٌ بآية من القرآن و شهد له شاهدان عادلان قُبلت منه تلك الآية. و من ثمّ فانّ هذا القرآن المشهود الفعلي جُمع في عهد أبي بكر و صُحّف بهذه الكيفيّة، الاّ انّ الائمّة عليهم السلام أمروا بالاجماع بأن نقرأ القرآن بتلك الكيفيّة و الترتيب، كما كانوا أنفسهم يقرأونه بذلك الترتيب، و كان أصحابهم يقرأونه بنفس الترتيب. و كانت كلّ آية ترد تدوّن في هذا القرآن المؤلّف المصحّف، فإن وردت مرّتين أو ثلاثاً ـ مثلاً ـ دُوّنت في موضعين أو ثلاثة مواضع، الاّ سورة فاتحة الكتاب التي نزلت ـ بإجماع المسلمين ـ علی النبيّ الاكرم مرّتين، لكنّها دُوّنت مرّة واحدة. و الظاهر انّ سورة التوحيد كذلك، أي انّها نزلت هي الاخري مرّتين فدوّنت مرّةً واحدة. و صفوة القول، فانّ القول بتحريف القرآن لا اعتبار له كما سلف، لانّ هذا القول مرهون بحجيّة أخبار التحريف، و حجيّتها مرهونة بجميّة قول الإمام و رسول الله، و علی حجيّة القرآن في النهاية. فالعمل بمفاد أخبار التحريف التي تسقط حجيّة القرآن سيوجب اسقاطها هي بنفسها من الإعتبار، أي انّ ثبوتها يستلزم عدم ثبوتها، لذا فانّ العمل بها مُستحيل. بلي، من الممكن انّ موضع بعض الآيات قد غُيّر، لكنّ تغيير محلّ الآيات أمر، و التحريف أمرٌ آخر. في تغيير موضع آية: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم؛ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِيو بحسب الظاهر ـ والله أعلم ـ أنّ هناك موضعين في القرآن لا أشكّ في تغيير موضع الآية فيهما. و قد يمكن في المواضع الاخري أن نقول بأنّ محلّ الآية لم يغيّر، و أن نبرّر ذلك. أمّا في هذين الموضعين فلا يمكن التبرير أبداً. الموضع الاوّل في سورة المائدة، و الآخر في سورة الاحزاب، أمّا في سورة المائدة فالآية الكريمة القائلة: اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينِكُمْ وَ أَتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا. حيث يظهر من الشواهد التي جمعناها، و من الخصائص الموجودة في هذه الآية و في الآيات التي سبقتها و التي تلتها، أنّها تشير ـ دونما شكّ ـ الی حصول تغيير و تلاعب في ذلكا لموضع و الی إبدال موضع الآية. فقد وضعوا هذه الآية بعد محرّمات الاكل بين المستثني و جملة المستثني منه، من أجل أن يختلط المبحث، فيخال المرء انّ المراد باليوم الذي يئس فيه الكفّار من التلاعب بدين المسلمين، و اليوم الذي يجب أن يخشي المسلمون فيه الله، و الذي اكتمل فيه دين المسلمين، و تمّت فيه عليهم النعمة، و اليوم الذي ارتضي فيه الله الاسلام للمسلمين، و تمّت فيه عليهم النعمة، و اليوم الذي ارتضي فيه الله الاسلام للمسلمين ديناً، هوا ليوم الذي حُرّمت فيه الميتة و الدم و لحم الخنزير و غيرها! و بيان ذلكا نّ مسألة محرّمات الاكل قد تطرّق اليها البحث في مواضع أربعة من القرآن الكريم فيط! سياقٍ و لحن و هيئة واحدة، فذكرت موارد الاستثناء تلوكلّ واحد من الموارد الاربعة، بأنّ المضطرّين الذين تُلجؤهم الضرورة يمكنهم التناول من هذه الموارد المحرّمة. امّا في هذا الموضع فقط، فقد وقعت هذه الآيات بين جملة المستثني منه (أي محرّمات الاكل المذكورة) و بين الجملة الاستثنائيّة، دون أن يكون لها ارتباطاً إو إفادةً لمعنيٍ واضح؛ بحيث تتبيّن مسألة تغيير موضع هذه الآية بجلاء من مقارنتها بالآيات الثلاث الاخري. امّا تلك الجمل الاستثنائيّة الاربع التي ذُكرت بعد محرّمات الاكل، فهي كالتالي: 1 ـ فَمَن اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. 2 ـ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. 3 ـ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَإنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. 4 ـ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِثْمٍ فَإِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. و قد وردت هذه الجمل الاستثنائيّة الاربع ـ كما هو ملاحظ ـ في هيئة واحدة و سياق واحد، و جاءت أولادها في سورة البقرة بهذه الكيفيّة بعد الآية التالية: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَهِ فَمِنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٍ. [23] و جاءت الثانية في سورة الانعام بهذه الكيفيّة بعد هذه الآية: قُلْ لآ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ الی مُحَرَّمًا علی طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ و إِلآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْدَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [24] و جاء الثالثة في سورة النحل بهذه الكيفيّة بعد هذه الآية: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [25] وجاءت الرابعة في سورة المائدة بهذه الكيفيّة: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهَ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةَ وَ الْمُتَرَدِّيَةِ وَ النَّطِيحَةُ وَ مَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ علی النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاْلَـ'مِ ذَِلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينِكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمِ فَإِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [26] و كما يُلاحظ من مقارنة هذه الآيات مع بعضها، فانّه أورد جملة الاستثناء في الآيات الثلاث الاوّل بعد بيان محرّمات الاكل مباشرةً، فذكر فيها موارد الاستثناء. أمّا في هذه الآية، فمع انّ الجملة الاستثنائيّة هي نفس الجملة الاستثنائيّة في سائر الآيات، و كان ينبغي ـ أساساً ـ أن تورد بعد جملة المستثني منه و تذكر بلافاصلة؛ فإنّ جملة اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ قد فصلت بين جملة المستثني منه و هذه الجملة الاستثنائيّة،. و من الجليّ أنّهم وضعوا هذه الجملة العائدة الی الولاية و المتضمّنة لذلك المفاد الرفيع و المحتوي الراقي، ليختلط البحث و لينصرف الناس عن معناها و لا يُتابعوا مفادها و محتواها، و ليُخال اليهم انّ آية الولاية هذه الدالّة علی إكمال الدين و إتمام النعمة، و التي سُدّ بواسطتها النقص في الإسلام، فصار جديراً أن يرتضيه الله ديناً، أنّها عائدة الی أمور عاديّة من قبيل مراودة الكفّار و حلّيّة طعامهم للمسلمين و حلّيّة طعام المسلمين لهم و أمثال ذلك. ارجاعات [1] ـ مقطع من الآية 25، من السورة 57: الحديد. [2] ـ صدر الآية 28، من السورة 72: الجنّ. [3] ـ الآية 23، و صدر الآية 24، من السورة 18: الكهف. [4] ـ تفضّل العلاّمة ببيان عدّة جمل قصيرة مستدلّة في «تفسير الميزان» ج 8، ص 34، في وجوب امتثال أمر الله في سبيل الله و لامره لا لشيءٍ آخر، و هي عبارات تضمّ كتاباً في الحكمة، يقول فيها: «فَقَوْلُهُ الْحَقُّ؛ وَالوَاجِبُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ أَنو يُمَثَّلَ لاِنَّهُ أَمْرُهُ، لاَ لاِنَّهُ مُشْتَمِلٌ علی مَصْلَحَةٍ أَوْ جِهَةٍ مِن جِهَاتِ الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ حَتَّي يُعْزَلَ عَنْ رُبُوبِيَّتِه وَ مَوْلَوِيَّتِهِ، وَ يَعُودَ زِمَامُ الاَمْرِ وَالتَّأْثِيرِ إلی الْمَصزالِحِ وَالْجَهَاتِ، وَ هِيَ الزتِي تَنْتَهِي إلی خَلْقِهِ وَ جَعْلِهِ كَسَآئِرِ الاَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ». [5] ـ صدر الآية 11، من السورة 64: التغابن. [6] ـ صدر الآية 58، من السورة 7: الاعراف. [7] ـ الآية 145، من السورة 3: آل عمران. [8] ـ صدر الآية 5، من السورة 59: الحشر. [9] ـ صدر الآية 64، من السورة 4: النساء. [10] ـ مقطع من الآية 165، من السورة 2: البقرة. [11] ـ مقطع من الآية 159، من السورة 3: آل عمران. [12] ـ مقطع من الآية41، من السورة 10: يونس. [13] ـ مقطع من الآية 15، من السورة 42: الشوري. [14] ـ الآية 12، من السورة 58: المجادلة. [15] ـ الآية 75، من السورة 8: الانفال. [16] ـ الآية 106، من السورة 2: البقرة. [17] ـ الآية 101 و 102، من السورة 16: النحل. [18] ـ الآية 13، من السورة 42: الشوري. [19] ـ الآية 106 و 107، من السورة 2: البقرة. [20] ـ صدر الآية 64، من السورة 5: المائدة. [21] ـ يروي المرحوم الشيخ الطبرسي في تفسير «مجمع البيان» ضمن تفسير سورة الدهر « هَلْ أَتَي علی الاْءِنسَـ'نِ» عدة أحادیث فی کیفیة نزول سور القرآن منها عن أبی القاسم الحسکانیّ و یعدّ سور القرآن بترتيب نزولها واحدةً فواحدة. (تفسير «مجمع البيان» المجلّد 5، ص 405، طبع صيدا). [22] ـ ما ورد من كلامه عليه السلام نقلناه بالمعني لا بالنّص، لذا اقتضي الثنويه (م). [23] ـ الآية 173، من السورة 2: البقرة. [24] ـ الآية 145، من السورة 6: الانعام. [25] ـ الآية 115، من السورة 16: النحل.
|
|
|