|
|
الصفحة السابقةتغيير موضع آية: إِنَّمَا يُريدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاو أمّا المورد الثاني الذي يستبين أمر تغييره بجلاء، فهو آية التطهير الواردة في سورة الاحزاب: إِنَّمَا يُريدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الْرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. و هذه الآية تحتلّ بدورها موضعاً لا مناسبة لها فيه مع ما قبلها و ما بعدها، لانّ ما قبلها راجع الی نساء رسول الله، و ما بعدها راجع الی نساء رسول الله أيضاً. و قد حُشرت هذه الآية بين هذه الآيات بالرغم من انّها راجعة لاهل بيت رسول الله من أجل أن يشتبه الامر. و مجموع الآيات بهذه الكيفيّة: يَـ'نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِن اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوولِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَّعرُوفًا وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـ'هِلِيَّةِ الاْولَي وَ أَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَ ءَاتِينَ الزَّكَوةَ وَ أَطِعْنَ اللَهَ وَ رَسُولَهَ ـ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبََ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَـ'تِ اللَهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا. [1] حيث لم يرد لاهل البيت ذكرٌ هنا، و لم تبيّن لهم أوصاف، ليخاطبهم الله تعالي و يطّهرهم من كلّ رجس و دنس. بل انّ الآيتين تتحدّثان عن نساء النبيّ! (زوجاته) فقط. الآولي آية: يَـ'ِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا. و الثانية بعدها، آية: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الوجَـ'هِلِيَّةِ الاْوْلَي وَ أَقِمْنَ الصَّلوةَ وَ ءَاتِينَ الزَّكَوةَ وَ أَطِعْنَ اللَهَ وَ رَسُولَهَ وَاذْكُرْنَ مَا يُتلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَـ'تِ اللَهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا. كلتاهما عائدتان الی نساء النبيّ (أي أزواجه) و الاوامر التي وجّهت اليهنّ، و الضمائر راجعة بأجمعها اليهنّ، أي ضمائر جمع المؤنّث المخاطب، مثل: لَسْتُنَّ، اتَّقَيْتُنَّ، تَخْضَعْنَ، قُلْنَ، قَرْنَ، بُيُوتِكُنَّ، تَبَرَّجْنَ، أَقِمْنَ، ءَاتِينَ، أَطِعْنَ، اذْكُرْنَ. بينما نلاحظ وسط الآية الثانية أنّ لحن الخطاب يتغيّر فتجيء جملة غير مناسبة راجعة الی أهل بيت رسول الله، بحيث أنّ ضمائرها من جمع المخاطب المذكّر مثل عَنْكُمْ و يُطَهِّـِرَكُمْ؛ تماماً كمثل رقعة شاذّة، بحيث تظهر بجلاء عدم ارتباطها بالآية التي قبلها و الآية التي بعدها، و تبيّن انّ محلّ هذا الخطاب ليس هذا الموضع. بيد انّهم جاءوا بهاهنا ليصرفوا أذهان العامّة ـ بواسطة الملابسات ـ الی أزواج رسول الله، و ليُلصقوا بهنّ حسنة التطهير و فقدان الرجس. و نتيجةً لحشر هذه الإضافة، صارت الآية الثانية آيتين، فقد جعلوها آية الی وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، و آية اُخري الی لَطِيفًا خَبِيرًا، و جعلو الآيات الثلاث عائدة بأجمعها الی نساء النبيّ. [2] تاريخ تغيير القبلة، و كيفيّة قبلة رسول الله في مكّة المكرّمةالتلميذ: هل يلوح في خاطركم المبارك كتاب مفصّل يتحدّث عن تاريخ القبلة و تغييرها و وضع المصلّين عند تغيير القبلة؟ العلاّمة: هناك كتابان بسطا الكلام في هذه المسائل، أحدهما «تاريخ مكّة» و الآخر «تاريخ الحرمين» (أي مكّة و المدينة)؛ و أحدهما كتاب حسن جداً يذكر وضع الكعبة و جميع الوقائع التي حصلت في مكّة، و يبيّن مطالب نفيسة جدّاً عن المدينة و القبلة و كيفيّة تغييرها. و كنتُ قد طالعت قسماً منه خلال سفري الاوّل الذي تشرّفت فيه بالذهاب الی مكّة. و قد نقلتُ مختصراً منه في المجلّد الاوّل من التفسير، في أمر تغيير القبلة في سورة البقرة، الاّ انّني ـ باعتباري مسافراً ـ لم أتمكّن من مطالعته بتمامه، كما لم أوفّق في سفري الاخير من الحصول عليه هناك و جلبه معي. التلميذ: لقد كان المسلمون يصلّون في بدء الإسلام باتّجاه بيت المقدس، فهل كانت بيت المقدّس قد عُيّنت بعنوان قبلة، أم انّهم جعلوها قبلتهم اتّابعاً لسائر المذاهب؟ العلاّمة: من المسلّم أنّ رسول الله كان يدأب علی ذك في مكّة المكرّمة، فكان يصلّي في المسجد الحرام بحيث بتوجّه الی الكعبة و الی بيت المقدّس كليهما، اي انّه كان يقف باتّجاه الكعبة بحيث تكون بيت المقدس هي الاخري قبلةً له، ثمّ انّه هاجر الی المدينة فاختلف الامر، و كانت صلاة رسول الله و المسلمين باتّجاه بيت المقدس، حتّي اعترض عليهم اليهود و عيّروهم بأنّهم لا يمتلكون قبلة لهم، و قالوا كذا و كذا، حتّي نزلت في النهاية آيات القبلة، فجَعْلُ الصلاة باتّجاه القبلة يمثّل في الحقيقة ركناً حسناً من أركان الإسلام. التلميذ: ماذا لدينا من دليل قطعي علی تحريف العهدين بلحاظ الشواهد التأريخية المسلّمة؟ العلاّمة: إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ اليهود و النصاري حرّفوا العهدين،.ي انّ الإنجيل و التوراة لم يُحرّفا بأجمعها، بل انّ قدراً منهما قد حُرّف، لانّ القرآن ينصّ علی أنّ العهدين ليسا محرّفين بأجمعهما، بل انّ هنالك مطالب صحيحة فيهما. ثمّ انّ القرآن يُحاجج اليهود والنصاري في كثير من الموارد بالتوراة و الإنجيل الفعليّين، و يدعوهم الی المحاججة بهما. كما انّ لدينا شواهد تاريخيّة علی هذا المعني؛ و هناك في نفس التوراة و الإنجيل إشارة الی أمور تُظهر التحريف بجلاء. كيفيّة نزول التوراة علی النبيّ موسي، و نزول الإنجيل علی النبيّ عيسيالتلميذ: هل نزلت التوراة علی موسي علی نبيّنا و آله وعليه السلام في تلك الليالي الاربعين التي ذهب فيها الی المناجاة في ميقات ربّه؟ و من أيّ شيء كانت الالواح التي كتبت التوراة عليها؟ و أين يقع جبل الطور؟ و كيف كان نزول الإنجيل؟ و هل كتب حواريّو عيسي الاناجيل في عصره أم بعده؟ و هل كانوا بأجمعهم من الاخيار الصالحين أم لا؟ العلاّمة: ليس من الجليّ تماماً انّ التوراة نزلت علی موسي في ليالي المناجاة تلك، لكن من الثابت أنّ التوراة كانت ألواحاً علی موسي عليه السلام في جبل الطور في أربعين ليلة، فأخذها موسي و أتي بها قومه. و لانّه كان غاضباً منهم، فقد ألقي بالالواح فتحطّم بعضها، و كانت بأجمعها من الزمرّد. أي انّ الله تعالي خلق تلك الالواح الزمرديّة من كتم العدد. و يوجد في التوراة مطالب عن المقاطع التأريخيّة و القصص و الحكايات و الوقائع ممّا لا يمكن نسبته الی كتاب سماويّ، و فيها أشياء في منتهي الغرابة. امّا الإنجيل فكان التلاعب فيه أقلّ ممّا في التوراة. و لقد نزلت التوراة علی موسي في جبل الطور، و هو جبل في صحراء سيناء. و من المسلّم أنّها نزلت في ذلك الجبل و في تلك الصحراء. و تقع صحراء سينا الی يسار البحر الاحمر بالنسبة للمسافر الذاهب الی مكّة بالباخرة عن طريق البحر. و قد نزلت التوراة بأجمعها خلال الاربعين يوماً، فجمعها موسي و جاء بها قومه فلم يمثّل لها أغلبُهم، فرفع الله سبحانه الطور فوق رؤسهم معلّقاً في الهواء لتأديبهم. وَ إِذْ أَخَذْنَا مِثَـ'قَكُمْ وَ رَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَـ'كُمْ بَقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَ عَصَيْنَا وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَـنُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. [3] و كان هذا التعليق لجبل الطور من أجل تأديبهم و تخويفهم، من أجل أن يسجدوا و يسلّموا للحقّ؛ فسجد بعضهم و قالوا القول الحقئ الذي قيل لهم، و قال بعضهم كلاماً آخر. و كان هارون وصيّ موسي منذ البداية، لكنّه (و هو أخو موسي) رحل عن الدنيا قبل موسي بينما كان في التيه، فغضب موسي يوشع بن نون وصيّاً له. وَ اذْكُرْ إِسْمَـ'عِيلَ وَالْيَسَعَ وَ ذا الْكِفْلِ وَ كُلُّ مِّنَ الاْخْيَارِ. [4] أمّا كيفيّة نزول الإنجيل فأكثر إبهاماً، اذ ليس مشخّصاً انّ الانجيل نزل علی عيسي في هيئة وحي سماويّ! ليكون ـ من ثمّ ـ كتاباً؛ أو انّه كان من تليقين موسي، أو انه كان علی نحوٍ آخر ثم جُمع كتاباً. و علی كلّ حال فقد كُتبت جميع الاناجيل بعد عيسي، فكُتب بعد صعوده مائة و عشرون انجيلاً عُدّت أربعة منها معتبرة، أي ان الكنيسة اعترفت برسميّتها، و هي الاناجيل التي دوّنها لُوقَا و يُوحَنَّا و مِرْقِس و مَتزي؛ أمّا الاناجيل المائة و الستّة عشر الباقية فقد عُدّت مرفوضة، و هي الآن كذلك لا يعمل بها أحد. أمّا كيف جري تدوين الإنجيل و كيف أُلقي فأمرٌ ليس واضحاً أبداً؛ و ليس هناك ـ أساساً ـ بين المسيحيين كلام في كيفيّة انجيلهم و كيفيّة نزوله، و النحو الذي جري به تداوله بينا لناس. كما لا توجد في كلماتهم دلالة علی انّ الإنجيل كان من إنشاء المسيح نفسه. و لقد جاء إنجيل برنانا فأثاروا ضجّة كبيرة بشأنه حتّي أسقطوه من الاعتبار في النهاية، لانّه يتّفق مع المسائل الإسلاميّة و القرآنيّة في كثير من الاقسام، و فيه بشارة عن قدوم النبيّ محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم. حواريّو عيسي ابن مريم و عددهم، و الرهبانيّةأمّا الحواريّون فهم أنصار عيسي و خاصّة أصحابه، و قد دعاهم الله تعالي للإيمان، فكانوا أنصار الله: يَـ'أَيُّهَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُو´ا أَنصَارَ اللَهِ كَمَا قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرَيَمَ لِلْحَوَارِيّنَ مَن أَنصَارِي´ الی اللَهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَهِ.[5] و قد ورد ذكر الحواريين في مواضع عديدة من القرآن الكريم، أحدها الآية التي ذُكرت للتوّ، و الآخر الآية الواقعة في سوة آل عمران: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَي مِنهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَن أَنصَارِي´ الی اللَهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَهِ ءَامَنَّا بِاللَهِ وَاشْهَد بِأنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـ'هِدِينَ. [6] و الآية الواقعة في سورة المائدة: وَ إِذْ أَوْحَيْتُ الی الْحَوَاِريِّنَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قَالُو´ا ءَامَنَّا وَاشْهَد بِأَنَّنَا مُسْلُمُونَ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَـ'عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتطزِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ. [7] قيل انّ جميع الحواريّين كانوا من الصلحاء الاّ واحداً منهم دلَّ أعداء المسيح عليه عندما كانوا في صدد البحث عنه، فجاءوا للقبض عليه الاّ انه عرج الی السماء و رُفع من بين الناس تماماً. و كان مجموع الحواريين اثني عشر نفراً، تبيّن انحراف أحدهم، أمّا الباقون فبقوا ثابتين علی سيرة المسيح و نهجه، صمّموا بأجمعهم ـ متابعدً لسيرة المسيح ـ أن لا يتّخذوا أزواجاً لهم، و لا يتّخذوا لهم منزلاً، و لا يُقيموا في مدينةٍ ما؛ فكانوا علی الدوام علی سفر لدعوة الناس لدين المسيح و نهجه، يهاجرون من مدينة الی أخري، و يطوفون القري قريةً فقرية، منتهجين الرهبانيّة و الاعتزال. و مع انّ الله لم يشرّع مبني الرهبانيّة، الاّ انّه ارتضاها. ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَي'´ ءَاثَـ'رِهِم بِرُسُلِنَا وَ قَفَّيْنَا بِعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ وَ ءَاتَيْنَـ'هُ الإنجِيلَ وَ جَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً وَ رَهوبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـ'هَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآئَ رِضَوَْانِ اللَهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَـَاتَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنهُمْ أَجْرَهُمْ وَ كَثِيرٌ مِّنهم وَ كَثِيرٌ مِّنهُم فَـ'سِقُونَ. [8] بيد أنّهم لم يراعوا شرائط الرهبانيّة و آدابها كما فينغي، و لم يقوموا بها كما يتوجّب. و الخلاصة فقد قام الحواريّون بدعوتهم و نشروها و أرسوا أُسسها فيا لعالم كدعوةٍ كاملة. التلميذ: ألست عزوبيّة السيّد المسيح دليلاً علی النقصان؟ العلاّمة: ليست دليلاً علی النقصان، بل هي دليل علی نورانيّة عيسي و روحانيّة، إذ لم يرتبط بهذه النشأة أبداً، فلم يتزوّج و لم يسكن في بيت؛ و كان له وجودٌ خاصّ. أمّا الرسول الاكرم فكان له كمال و شمول، فوفّي ـ علی أفضل نحوٍ ـ بآاثر هذه النشأة و خصائصها، خاصّةً و انّ سُنّة الزواج من مختصّات رسول الله. وَ مِن ءَايَـ'تِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّودَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَـ'تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ. [9] التلميذ: ما أفضل كتاب يفصّل أحوال موسي و عيسي علی نبيّنا و آله و عليهما السلام بالادلّة و الشواهد التأريخيّة بنحوٍ مسند واستدلاليّ؟ العلاّمة: لعلّه ليس هناك كتاب بهذه المواصفات. التلميذ: تبعاً للشواهد التأريخيّة القطعيّة فانّ الكثير من الانبياء، مثل موسي و عيسي و اليسع و يونس و داود و سليمان كانوا من ذريّة ابراهيم، [10] مع انّهم ـ قطعاً ـ لم يكونوا من نسل إسماعيل. فيجب حتماً أن يكونوا من نسل إسحق. و باعتبار انحصار نسل اسحق في يعقوب، فانهم يجب أن يكونوا بأجمعه من نسل يعقوب، و من بني اسرائيل، لانّ اسرائيل هو لقب يعقوب. و حينذاك يطرأ هذا السؤال، اذ وفقاً لبعض الروايات الواردة فانّ الله تعالي رفع النبوّة من نسل يوسف لتركه الاَولي (فقد صار ملكاً و تربّع علی العرش، فدخل عليه أبويه و اخوته قادمين من كنعان فلم يقم لهم؛ أو انّ أباه يعقوب أراد ركوب فرسه، فسبقه يوسف في الركوب). فكيف يضع الله النبوّة في نسل يهودا الاخ الاكبر ليوسف و في نسل ا،خوته، مع انّهم ارتكبوا جناية عظيمة و ألقوا أخاهم في الحبّ، و آذوا أبويهما بمحنة فراقة؟ العلاّمة: حَسَنَاتُ الأبرَارِ سَيّئَاتُ المُقَرَّبِينَ؛ فلعلً ذلك الترك للاَولي من قبل يوسف ـ مع مقامه المعنوي ذلك و منزلته الإلهيّة الخاصّة تلك ـ كان أهمّ من إلقاء يوسف في الجبّ من قِبل الآخرين؛ هذا أوّلاً. النبي يوسف عليه السلام كان من المخلَصينو ثانياً: انّ يوسف كان من المخلَصين بنصّ القرآن، [11] و الذنب غير متصوّر من قبل المخلَصين؛ لذا يمكن ـ استناداً الی هذه الآية القرآنيّة ـ رفض تلك الروايات و عدّها مختلفة بأجمعها. منهج افلاطون و المنهج الافلاطوني الحديثالتلميذ: يقول البعض بأنّ افلاطون لم يقبل بشريعة عيسي علی نبيّنا و آله و عليه السلام و قال إنّها شريعة لضعفاء العقول، و لا يمكنني ـ أنا المرتبط بالحقيقة ـ أن أخضع لها. فهل ذلك صحيح أم مختلق؟ العلاّمة: هذا الامر عارٍ عن الصحّة، فقد عاش افلاطون قبل السيّد المسيح بخمسمائة سنة، إذ كان استاذاً لارسطو؛ و كان أرسوا استاذاً للإسكندر المقدوني و وزيراً؛ و زمان الاسكندر المقدوني مدوّن في التاريخ. و افلاطون هو صاحب حكمة الإشراق، و كان رئيساً لسلسلة الرواقيتين، و كان يحصل له انكشاف للحقائق و المعارف الإلهيّة بواسطة الرياضات و المجاهدات الباطنية عن طريق تصفية الباطن. و أرسطو هو نفسه أرسطاطاليس (حيث اعتقد ابعض خطأً انّه غير ارسطاطاليس، و نحن لا نتذكّر أحداً في التاريخ و الحكمة غير أرسطو) و هو صاحب مدرسة المشّائين، و لم يكن يعتمد علی الباطن أبداً، بل بني مسائله الحكميّة علی أساس البرهان فقط، و لقد قام الاسكندر بعد فتحه بلدان الشرق ببناء ميناء الإسكندريّة في مصر، و أسّس مدرسةً هناك، فتصدّي تلامة افلاطون للتدريس فيها. و قد دُعيت مدرستهم بالمدرسة الافلاطونيّة الحديثة لانّها تشكّلت من بعض أسس افلاطون المقترنة بملحقات أخري معها. [12] و قد بقيت هذه المدرسة الی زمن الإسلام، ثم سقطت في عهد حكومة عمر حين قام بفتح الاسكندرية. و ينبغي العلم انّ الكتاب « الاثولوجيا » و هو كتاب مختصر مفيد علی أساس حكمة الإشراق، و الذي يعده البعض لافلاطون، هو من تأليف افلوطين أحد تلامذة هذه المدرسة (أي المدرسة الافلاطونيّة الحديثة)، و من الخطأ عزوه لافلاطون. و قد أسلم أحد تلامذة هذه المدرسة و اسمه « ثاميطورس » في زمن الاسلام، و صار يُدعي ب « يحيي النحوي ». و هكذا انتهت هنا محاورات الحقير مع سماحة الاستاذ العلاّمة، و بالطبع فقد كانت هذه المحاورات رسميّة، و قد دوّنتها في كتاباتي تحت عنوان محاورات؛ و الاّ فانّ ما حصل من الفائدة من مجالس سماحة العلاّمد متفرّقاً كثيرٌ و جمّ، سواءً ما جري تدوينه و ما لم يدوّن، حيث أورد هذا الحقير كثيراً من تلك الفوائد في مولّفاته. شَكَرَ اللَهُ مَسَاعِيهِ الْجَمِيلَةَ وَ حَشَرَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ خَيْرِ البَرِيَّةِ وَ آلهِ الغُرّ الكِرَامِ حَسَنِي السَّجِيَّةِ. و قد اختتمت هذه الرسالة في ذكري العلاّمة الطباطبائي مع المحاورات في الليلة المصادفة لليلة الثالث عشر من ربيع الثاني لسنة ألف و أربعمائة و اثنتين هجريّة، و لله الحمد و له الشكر علی هذا التوفيق، حيث قضيتُ أفضل أيّامي خلال هذه المدّة التي دامت شهرين و ثلاثة أيّام في الذكر الدائم للاستاذ الجليل و التفكير منه، و كنت استنزل الرحمة للروح المنوّرة لذلك الفقيد الكريم و أدعو لها باستمرار في هذا المكان المقدّس لاعتاب ثامن الحجج عليه آلاف التحيّة و الإكرام، و كلّما شئت زمّ عنان القلم قلتُ: انّ عدّة كلمات أخري ستكون غنيمة! يك امشبي كه در آغوش شاهد شكرم گرم چو عُود بر آتش نهند غم نخورم ببند يك نفس اي اسمان دريچة صبح بر آفتاب كه امشب خوش است با قمرم ندانم اين شب قدر است يا ستارة روز توئي برابر من يا خيال در نظرم بدين دو ديده كه امشب ترا همي بينم دريغ باشد فردا كه ديگري نگرم روان تشنه بر آسايد از وجود فرات مرا فرات ز سر بر گرفت و تشنه ترم چو مي نديدمت از شوق بيخبر بودم كنون كه با تو نشستم ز ذوق بيخبرم سخن بگوي كه بيگانه پيش ما كس نيست بغير شمع و همين ساعتش زبان ببرم [13] واختم هذا الدفتر الشريف هنا ببيانات العلاّمة حين شرّفني بالحضور في منزلي لتناول طعام الغداء، فقد تفضّل بالقول بعد الغداء: كنتُ في النجف الاشرف جالساً بعد صلاة الصبح في حال التفات و خلسة، فاقترب منّي علی بن جعفر سلاما لله عليهما حتّي كأنّ أنفاسه تلفحني، و قال: إنّ أمر التوحيد في الوجود من أصولنا المسلّمة أهل البيت. [14] ثمّ قال: و ما أبدع ما أنشد سعدي في قوله: ره عقل جز پيچ در پيچ نيست برِ عارفان جز خدا هيچ نيست توان گفتن اين با حقايق شناس ولي خُرده گيريد أهل قياس كه پس آسمان و زمين چيستند بني آدم و دام و دَدْ كيستند همه هرچه هستند از آن كمترند كه با هستيش نام هستي برند عظيم است پيش تو دريا به موج بلند است خورشيد تابان به أوج ولي أهل صورت كجا پي برند كه أرباب معني به ملكي درند كه گر آفتابست يك ذرّه نيست و گر هفت دريا يك قطره نيست چو سلطان عزّت علم دركشد جهان سر بجيب عدم دركشد [15] و قال: ما أروع بيان الجيلي في كتاب «الإنسان الكامل»: أَلاَ إِنَّ الوُجود َبِلاَ مَحَالِ خِيَالٌ فِي خِيَالٌ فِي خَيالِ وَ لاَ يَقظانَ إِلاَّ أهْلُ حَقٍّ مَعَ الرَّحْمَنِ هُمْ فِي كُلِّ حَالِ وَ هُمْ مُتَفَاوِتُونَ بِلاَ خِلافٍ فَيَقْظَتُهُمْ علی قَدْرِ الكَمَالِ هُمُ النَّاسُ المُشارُ الی عُلاَهُم لَهُمْ دُونَ الوَرَي كُلُّ التَّعالي حَظُوا بِالذَّاتِ وَ الاَوصَافِ طُرًّا تَعَاظَمَ شَأْنُهُمْ فِي ذِي الْجَلاَلِ فَطُوراً بِالْجَلاَلِ علی التُذَاذٍ وَ طَوْراً بِالتَّلَذُّذِ بِالجَمَالِ سَرَتْ لَذَّاتُ ذَاتِ اللَهِ فِيهِمْ لَهُمْ فِي الذَّاتِ لَذَّاتٌ عَوَالي[16] القصيدة الغرّاء للعلاّمة الطباطبائي في حبّ الله تعاليو من المناسب هنا بعنوان مسك الختام أن نورد قصيدة أنشدها سماحة الاستاذ العلاّمة في الزهد في غير الله تعالي، و العشق و الوله بجماله و جلاله؛ و هي في منتهي السموق و الرقيّ بلحاظ التشبيهات و الاستعارات و الفنون الشريّة، بحيث لا يمكن لاحد أن يصدّق كون هذه القصيدة بهذه اللطائف الذوقيّة لزاهد عابد ناسك متهجّد يمثّل المثل البارز للزهد و التقوي، و لشخصٍ لُغته الامّ هي التركيّة، حيث يتجلّي لحن تلك اللغة في كلامه و منطقه، امّا العربيّة و الفارسيّة فلغتان ثانويّتان له. و نتزوّد من دعاء ذلك الفقيد و عناياته. همي گويم و گفتهام بارها بود كيش من مهر دلدارها پرستش به مستي است در كيش مهر برونند زين جرگه هشيارها به شاديُّ و آسايش و خواب و خور ندارند كاري دل أفكارها بجز أشك چشم و بجز داغ دل نباشد بدست گرفتارها كشيدند در كوي دلدادگان ميان دل و كام ديوارها چه فرهادها مرده در كوهها چه حلاّج ها رفته بردارها چه دار جهان جز دل و مهر يار مگر تودههائيّ و پندارها ولي رادمردان و وارستگان نيارند هرگز به مردارها مَهين مِهر ورزان كه آزادهاند بريزند از دام جان تارها بخون خود آغشته و رفتهاند چه گلهاي رنگين به جوبارها بهاران كه شاباش ريزد سپهر بدامان گلشن ز رگبارها كشد رخت سبزه به هامون و دشت زَند بارگه گل به گلزارها نگارش دهد گلبنِ جويبار در آئينه آب رخسارها رود شاخ گل در بر نيلوفر برقصد به صد ناز گلنارها درد پردة غنچه را بادِ بام هَزار آورد نغز گفتارها بآواي ناي و به آهنگ چنگ خروشد ز سرو و سمن تارها بياد خَم ابروي گلرخان بكش جام در بزم ميخوارها گره را ز راز جهان باز كن كه آسان كند باده دشوارها جز افسون و افسانه نبود جهان كه بستند چشم خشايارها به اندوه آينده خود را مباز كه آينده خوابيست چون پارها فريب جهان را مخور زينهار كه در پاي اين گل خارها پياپي بكش جام و سرگرم باش بهل گر بگيرند بيكارها [17] اللُهُمَّ أَفِضْ صِلَةَ صَلَوَاتِكَ وَ سَلاَمَةَ تَسْلِيمَاتِكَ علی أوَّلِ التَّعَيُّنَاتِ المُفَاضَةِ مِنَ العَمَآءِ الرَّبَّانِيّ وَ آخِرِ التَّنَزُّلاَتِ المُضَافَةِ الی النَّوْعِ الإنسانيِّ؛ المُهَاجِرِ مِن مَكَّةَ كَانَ اللَهُ وَ لَمْ يَكُن مَعَهُ شَيْءٌ ثَانٍ، وَ هُوَ الآنَ علی مَا كَانَ. مُحْصِي عَوَالِمِ الحَضَرَاتِ الخَمْسِ فِي وُجُودِهِ؛ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَـ'هُ فِي´ إِمَامٍ مُّبِينٍ، رَاحِمُ سَآئِلِ اسْتِعْدَادَاتِهَا بِنَدَي جُودِهِ؛ وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـ'لَمِينَ، سِرُّ الهُوِيَّةِ الَّتِي هِيَ فِي كُلِّ شَيْءٍ سَارِيةٌ وَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مُجَرَّدَةٌ. كَلِمَةُ الإسْمِ الاَعْظَمِ الجَامِعِ بَيْنَ العُبُودِيَّةِ وَ الرُّبُوبِيَّةِ. نُقْطَةُ الْوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسِي الاحَدِيَّةِ وَالوَاحِدَيَّةِ. بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وَ آلرهِ الطَّيّبِينَ الطَّاهِرِينَ صَلَوَاتُكَ وَ سَلاَمُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مَا قَامَتِ السَّمَواتُ وَ الاَرْضِينَ. كَتَبَهُ بِيُمْنَاهُ الدَّاثِرَةِ الضَّعيفُ الذَّلِيلُ وَ الحَقِيرُ الفَقِيرُ، فِي المَشْهَدِ الرَّضويّ المُقَدَّسِ علی ثَاوِيهِ التَّحِيَّةُ وَالثَّنَآءُ بِمَنِّهِ وَجُودِهِ، في منتصف ليلة الثالث عشر من ربيع الثاني 1402 هجريّة. السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ. ارجاعات [1] ـ الآيات 32 إلی 34، من السورة 33: الاحزاب. [2] ـ جعل آية الله السيّد (عبدالحسين) شرف الدين العاملي في كتاب «الكلمة الغرّائ في تفضيل الزهراء» المطبع مع كتاب «الفصول المهمة» الطبع الثانية، ص 213 و 214، أحد أجوبته هو انّ آية التطهير استطراديّة وردت بين آيتين. فيقول: ان الكلام البليغ يدخله الاءستطراد و الاعتراض، و هو تخلل الجملة الاجنبيّة بين الكلام المتناسق، كقوله تعالي في حكاية خطاب العزيز (عزيز مصر) لزوجته إذ يقول لها « إِنَّهُ و مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ» يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغوفِري لِذَنبِكَ»؛ فقوله «يُوسُفُ أَعْرِض عَن هَـ'ذَا» مستطرد بين خطابيه معها كما تري. و مثل قوله تعالي: «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهولِهَآ أَذِلَّةً وَ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ» فقوله « وَ كَذَبِكَ يَفْعَلُونَ» مستطرد من جهة الله تعالي بين كلام بلقيس. و نحوه قوله عزّ من قائل: «فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِع النُّجُومِ * وَ إِنَّهُ و لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ و لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ. تقديريه: فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومُِ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ. و ما بينهما استطرادا علی استطراد، و هذا كثيرٌ في الكتاب و السُنّة و كلام العرب العاربة و غيرهم من البلغاء. و آية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء، فتبيّن بسبب استطرادها أنّ خطاب الله لهنّ بتلك الاوامر و النواهي و النصائح و الآاب لم يكن الاّت لعناية الله تعالي بأهل البيت (أعني الخمسة) لئلاّ ينالهم ـ و لو من جهتينّ ـ لومٌ، أو يُنسب اليهم ـ و لو بواسطتهنّ) هناة، أو يكون عليهم لمنافقين ـ و لو بسببهنّ ـ سبيل. و لو لا هذا الاستطراد ما حصلت هذه النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم و كمل إعجازه الباهر كما لا يخفي. [3] ـ الآية 93، من السورة 2: البقرة. [4] ـ الآية 48، من السورة 38: ص´. [5] ـ الآية 14، من السورة 61: الصفّ. [6] ـ الآية 52 و 53، من السورة 3: آل عمران. [7] - الآیة111 و 112، من السورة 5: المائدة. [8] ـ الآية 27، من السورة 57: الحديد. [9] ـ الآية 21، من السورة 30: الروم [10] ـ قال سماحة العلاّمة قدئس سرّه في كتاب «قرآن در اسلام = القرآن في الإسلام» ص 89: و قد ذكر القرآن فقط اسم عشرين و نيّف من الانبياء، و هم: آدم، نوح، إدريس، هود، صالح، ابراهيم، لوط، اسماعيل، اليسع، ذوالكفل، الياس، يونس، اسحق، يعقوب، يوسف، شُعيب، موسي، هرون، داود، سُليمان، أيّوب، زكريّا، يحيي، اسماعيل صادق الوعد، عيسي، و محمّد صلّي الله عليهم أجمعين. و هم الانبياء الذين ذُكروا بالاءسم؛ و أشار إلی جماعة كمثل الاسباط في سورة النساء، الآية 163، و مثل النبيّ الذي صار طالوت بإشارته ملكاً لبني اسرائيل (سورة البقرة، الآية 246)؛ والنبيّ الذي أُشير اليه في سورة البقرة، الآية 258؛ و الانبياء الذين أُشير اليهم في سورة يس´، الآية 14. [11] ـ الآية 24، من السورة 12: يوسف: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ عهَمَّ بِهَا لَوْ لآ أَن رَءَان بُرْهَـ'نَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. [12] ـ ذكر الشيخ الطنطاوي في تفسير «الجواهر» الطبعة الثانية، 1350، مطبعة مصطفي البابي، ج 23، ص 254 و 255، في تفسير الآية 50، من السورة 54: القمر: وَ مَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ مطلباً بالمناسبة نورده هنا: (و هذه الآية) تكميلٌ لما تقدّم (في سورة القتال) عند آية: فَاعْلَمْ أَنَّهُ و لاَ إِلَـ'هَ إِلاَّ اللَهُ»، فقد ذكرت هناك رأي افلاطون و فيه الكلام علی المثل المسمّاة مُثلاً افلاطونيّة، و أنّ هذه المثل نبذها أرسطاطاليس بعده و قال: انّ العلم لا يعتمد الاّ علی ثابت، و لا ثابت الاّ المادّة و صورتها. و انّ الرواقتين الذين جاءوا بعده و كان رئيسهم «زينون» في القرن الثالث قبل الميلاد ردّوا عليه كما ردّ هو علی استاذه و قالوا: أنت لم تبيّن لنا لكيف يكون ارتباط هذه المادّة بصانع العالما لذي أنت توقن به، و ما المناسبة بينهما. ثمّ انّك تقول: انّ المادّة مجرّد إمكان محض. و تقول انّها تشتاق للصورة! و هذا كلامٌ لا دليل عليه، لانّها إذا كانت مجرّد إمكان، فأين عشقها للصورة الذي تدّعيه؟ و هل هي تعقل؟ فلمّا رأي ذلك الرواقيّون و بعدهم العلماء الذين جاءوا بعد الميلاد، و هما لفرع الاسكندري، و الفرع الشامي، و الفرع اللاتيني، نظروا في آراء الحكيمين (افلاطون و أرسطو)، فقومٌ منهم أكبّوا علی العلوم الطبيعيّة كالطبّ؛ و قومٌ أكبّوا علی الرياضة، و هؤلاء أكثرهم من الرواقتين. ثمّ انّ هذه الفروع الثلاثة بعد الميلاد وفّقوا بين الآراء و استخلصوا خلاصة، و اليهم يُنسب كلّما وصل إلی علماء الإسلام كابن سينا و الفارابي و الصوفيّة. فهذه الحيرة التي وقع فيها القوم بعد الحكيميْن سببها أنّهما لم يوفّقا لانتهاج خطّة بها يصلان إلی الطريق التي بها يعرفون كيف توجد هذه العوالم من إلهٍ لاصلةَ بينها و بينه. فلا افلاطون قدر أن يبيّن، و لا أرسطاطاليس كذلك، و هما السبب في اختلاف الاحزاب فيما بعد ذلك. و قد نقلت من كلام «الاستاذ سنتلانه» المكتوب بخطّه في كتاب «تاريخ الفلسفة العربيّة» أنّ حكماء اوربا لم يبرعوا في الفلسفة و لم ينالوا من العلم الاّ ما كان من قبيل العلوم الجزئيّة، كالطبيعيّات و الرياضيّات، فاخترعوا و زرعوا و طاروا و حاربوا؛ أما العالم الاعلي و عجائب النفس و أصل التكوين التي لاجلها وضعت الفلسفة، و التي هي المقصود الاعلي لنوع الإنسان من أبحاثه، فهم فيها ليسوا بالنسبة لسقراط و افلاطون الاّ كنسبة البقّة إلی الفيل، و انّهم لو عرفوا ذلك مثل هذين الحكيمين لم يكونوا الاّ ملائكة. [13] ـ «كليّات سعدي» قسم الغزليّات، ص 211 و 212، طبع فروغي. يقول: أنا الليلة في أحضان حبيبي الجميل، فلو أحر قوني كالعود في النار ماغمّني ذلك. فأغلقي يا سماء نافذةَ الصبح بوجه الشمس لحظةً، فأنا الليلةَ سعيدٌ مع قمري و لستُ أعلم هل الليلة ليلة قدر، أم نجمة الصبح، و لست أدري أأنت أمامي أم خيالٌ يلوح في ناظري. و يا حسرتاه أن أراك بعينيّ هاتين الليلةَ، ثم أري غيرك بهما غداً. تستقرّ الروح الظمأي بوجود الفرات، لكنّ الفرات غمرني فازدوتُ ظمأً. كنتُ لا أعلم ما الشوق حتّي رأيتُك، فصرتُ ـ و أنا جليك ـ أجهل السعادة. تكلّم فليس بيننا ـ الاّت الشمع ـ مِن غريب، و ها أنا ذا مُخرسه الساعةَ! [14] ـ و كان (العلاّمة) يترنّم بهذه الآية في كثير من الاوقات خلال المذاكرة: وَ أَنَّ إلی رَبِّكَ الْمُنتَهَي (الآية 42، من السورة 53: النجم). و كان يقول في الشدائد و المحن: وَاللَهُ الْمُسْتَعَانُ (مقطع من الآية 18: من السورة 12: يوسف). و كان لا يردّ بالمثل علی أحدٍ ممّن كانوا يخاطبونه بالالفاظ المقذعة، و ينسبون اليه التهم القبيحة، و علی مَن كان يكيل اليه التهم بلا حدّ و لا حساب من أجل إسقاط نهجه العرفاني و اسلوبه الحكميّ، فكانت كلماتهم تطرق مسامعه فلا يقابلها بالمثل، و لا يجزيهم عليها أو يقابلهم بشيء. و جليّ انّ أمثال هذه التهم كثيرة و جمّة فيا لحوزات العلميّة الجامدة التي لا تتعامل مع القرآن و التفسير و الروايات و الاخلاف العرفانيّة وا لحكمة العقلانيّة، و بين الجماعاتا لذين تحلّقوا إلی المائدة السوداء وانشغلوا بالتكالب علی الحُطام و زيادة الشهرة و الصيت و السمعة. فلقد هاجر العلاّمة من تبريز و حطّ رحاله في الاعتاب المباركة للسيّدة المعصومة أخت الرضا عليهما صلوات الملك المتعال من أجل تحطيم هذه المعاني، و من أجل تنوير الطلبة الشباب بالاسرار الإلهيّة و الحقائق و المعنويّات الدينيّة. و من البيّن انّ البعض كانوا لا يستسيفون هذا النهج و الاسلوب و السبيل، لذا فقد كانوا يحاولون إطفاء نوره و لملمة بساط التفسير و الحكمة و العرفان من الحوزة المقداّسة العلميّة، متوسّلين بالتهم المموّهة المزّورة، و بخداع العوام بشعوذة و حذاقة خاصّة قضوا فيها أعمارهم و تفّنوا في ممارستها وا لتمرّن عليها. و حبن كانت هذه الامور و الدسائس تصل إلی سمعه، فكان يقول: وَ لاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّيُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ (مقطع من الآية 43، من السورة 35: فاطر). و هو تماماً معني و مفاد الآية القرآنيّة الكريمة: يُريدُونَ لِيُطْفـُوا نُورَ اللَهِ بِأفْوَاهِهِمْ وَ اللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (الآية 8، من السورة 61: الصفّ). و كان يصل إلی سماحة العلاّمة من الرسائل القبيحة المليئة بالسبّ و الشتم و التهم و المختلقات الكاذبة و الكلام الواهي الفارغ دون توقيع، بحيث سمعنا بذلك و تصوّرنا انّه لن يُطالع بعدُ الرسائل التي لا تحمل توقيعاً. و علی هذا الاساس فقد قلتُ له يوماً ـ و كنتُ في محضره ـ لقد وصل الامر بحيث أنّكم تفتحون الرسائل فتنظرون أوّلاً إلی محلّ التوقيع، ثم تضعون جانباً الرسائل الغفل من التوقيع فلا تطالعونها أبداً. فتبسّم ابتسامة مليحة و قال: انّني أطالع جميع الرسائل! إنّني ـ للاسف ـ أُطالع الرسائل التي لا تحمل توقيعاً أيضاً. [15] ـ «كليّات سعدي» طبع محمد علی فروغي، كتا «بوستان» ص 113 و 114. يقول: ليس طريق العقل الاّ مقاهات؛ و ليست الثمرة ليد العارفين شيئاً غير الله تعالي. و هو ما يمكن قوله للعارف بالحقائق، أمّا أهل القياس فيعترضون (قائلين) ما هي ـ اذاً ـ هذه الارض و السماوات، و ما البشر و الحيوان و الوحوش؟ هي جمعاء ـ مهما كانت ـ أقلّ من أن يكون لها ـ مع وجودهـ اسم الوجود. عظيمٌ لديك البحر بأمواجه، و سامقة لديك الشمس الساطعة في أوجها. و لكن أنّي لاهل الصورة والظاهر أن يدركوا أنّ أصحاب المعني مزّقوا المُلك (فوصلوا الملكوت)! فليست ـ و لو كانت شمساً ـ ذرّةً واحدة، و ليست ـ و لو كانت أبحراً سبعاً ـ قطرة واحدة. و حين يلوّح سلطان العزّة بالراية، فيسنسحب العالَم إلی حبيب العدم. [16] ـ «الإنسان الكامل» الجزء الثاني، ص 26. [17] ـ يقول: قلتُ دوماً و أقول كراراً، بأن نهجي و عقيدتي محبّة العاشقين فالعبادة في منهج العشق بالسُّكر (في الحبّ)، امّا العقلاء فهم خارج هذا السرادق. و ذوي القلوب المكلومة لا شأن لهم بالاكل و النوم و لا بالدعة و السرور. و ليس في قلوب ذوي البلوي الاّ الدمع في العيون و الحرقة في القلوب. لقد أقام العشّاق المتيّمون في نهجهم جداراً بين القلوب و بين المُني. و كم مات في الجبال من أمثال فرهاد، و كم راتقي أعواد المشافق من نظائر الحلاّج! فماذا في العالم ـ عدا القلب وحبّ الحبيب ـ الاّ المظاهر و الاوهام؟ و لكنّ الاحرار و الطلقاء المنزّهين لم يفخروا قطّ بالجيف. و العشّاق الكاملون الاحرار أزالوا عن الروح حبائل الفخاخ. ثم تضمّخوا بدمائهم و ارتحلوا، كارتحال الورود الملونّة في الساقية. * * * و حين تنثر السماء في الربيع ـ نثارَ الفرح ـ وابلَ المطر في أحضان الرياض حين يبسط النبات الاخضر فراشه في السهول و الصاري، و تنصب الازهار سرادقاتها في بساتين الورد. حين ترسم شجيرات ورد الساقية طلعتها في مرآة الماء. و يرتمي غصن الورد في أحضان زهرة النيلوفر، و ترقص زهور الرمّان في غنجٍ، أيَّ غنج. حين يفتح نسيم الصبح أكمام الورد، و يصدح العندليب ألحانه الجميلة. و تعزف ـ بسماع تغمة الناي و ألحان القيثار ـ أشجارُ السرو و الياسمين أوتارها بحماس. فارشف الكأس في محفل الشاربين، لذكري استدارة حواجب ذوي الوجوه الشبيهة بالورد. و فُكُّ ما استعصي من لغز العالم، فالخمر تيسّر كلّ أمرٍ عسير. فليس العالم الاّ خرافة و خدعة أعمتا أعين الملوك من أمثال خشايار. و لا يفلّنّ عزمك الغمّ علی ما هو آتٍ، إذ المقبل كالماضي، ليس الاّ حلماً. حذارِ لا تُخدعن بالدنيا، ففي أصل كلّ وردة تقبع الاشواك.
و اكرع الكأس تلو الكأس و انتعش، و ليقُلْ البطّالون ماشاءوا.
|
|
|