|

أمّا
بشأن علم الفيزياء :
فقد برع العلماء والمفكّرون المسلمون في هذا الفنّ وبرزوا في كثير من
مجالاته ، سواءً ما تعلّق بحسابات جرّ الاثقال ، أم بأبحاث النور وانكسار
الاشعّة والمرايا ، أم في كثير من الصناعات المعتمدة علي القوانين
الفيزيائيّة .
فاكتشافات
أبي ريحان البيرونيّ
في الفلكيّات والرياضيّات و
الميكانيك
و
الهيدروستاتيك
(
ضغط وتوازن السوائل ) ، وارتفاع مياه الينابيع والفوّارات ، وقياس محيط الارض بالطريقة التي
دعاها الغربيّون بقاعدة البيرونيّ ، واختراعه لبعض أنواع الاصطرلاب ،
والكتب التي أ لّفها
في الآلات
الفلكيّة ، والنجوم المذنّبة ، والظواهر الجوّيّة ، والمدّ والجزر ، وإيجاد
الوزن الخاصّ للاجسام ، والحدس بحركة الارض ، واحتمال وجود قارّة أُخري في
سائر نقاط الربع المسكون كقارّة أمريكا ، وكثير آخر من أمثال هذه المسائل ،
تعدّ بأجمعها من المسائل المهمّة التي وُضعت عليها علوم الفيزياء
والرياضيّات الحاليّة .
وقد جاء في مقـدّمة كتاب «
التفهـيم لاوائل صناعة التنجـيم » أنّ أبا ريحان قد اخترع ميزاناً جديداً لتعيين الوزن والحجم الخاصّ للاجسام
دعاه ب
ميزان أبي ريحان
، وعيّن بواسطته الوزن الخاصّ (
النوعيّ ) لعدد من الاجسام في حدود 16 فقرة يُطابق آخر ما وصلت إلي تحقيقات العلماء الحاليّين .
وكان ميزان أبي ريحان في نظـر أهل الفنّ والخـبرة أدقّ من
ميزان أرخميدس .
وهناك
رسالة مذكورة في فهرس مؤلّفاته في النسبة بين الفلزّات والجواهر
المعدنيّة كتبها بالفارسيّة ؛ وقد عيّن بشكل خاصّ في كتاب
«الجَمَاهِر»
الوزن الخاصّ (
النوعيّ ) للفلزّات ولبعض الاحجار الكريمة .
الرجوع
الي الفهرس
البئر
الارتوازيّة :
وقد
أورد في «
نامة دانشوران » (
=
رسالة الحكماء ) أنّ هناك بعض المطالب المذكورة في كتاب
«الآثار الباقية» لابي ريحان
أُقيم علي أُسسها ونظمها في كتب حكماء أُوروبّا ، وذكر من
جملتها شروحاً لارتفاع الماء من بعض العيون ذكره بعينه الحكيم الطبيعيّ
المسيو زله
في باب
«پي آرت زين»
.
وسنورد بعد انتهاء مسائل ومطالب أبي ريحان تلك المسألة وسائر المسـائل
وقواعد رسم الخرائـط المعهودة عند حكماء أُوروبّا ، ليتّضـح أنّ
أبا ريحان
كان له توارد خواطر مع أغلب حكمائهم ، أو أ نّهم
ظفروا بمؤلّفاته فاقتبسوا تلك القواعد منه .
يقول
في «الآثار
الباقية» : تنقسم المياه التي تتجمّع في قعر البئر إلي قسمين : منها ما
يترشّح أحياناً من أطراف البئر ويتجّمع ، فيكون سطح تلك المادّة مع سطح
الماء المجتمع في مستويً واحد ، وهذا القسم لا يمكن بأيّ تدبير أن يرتفع إلي
الاعلي ، لانّ الفتور والضعف الذي فيه لا يتلائم مع ذلك القصد .
ويحدث أحياناً أن يفور الماء في قعر البئر بقوّة لانّ منبعه ومادّته مرتفعة
ينحدر منها بشدّة ويخرج من المنافذ ، وهذا القسم يمكن رفعه بالآلات
العاديّة المعهودة مثل الفوّارات العالية والانابيب ، للقدر الذي يصبح فيه
أعلي ارتفاع لماء الفوّارة موازياً ومساوياً لسطح المادّة الاصليّ ، وهذا
الماء قد يصل أحياناً إلي مستوي القلعة والمنارة .
وقال أبو ريحان في ذيل ذلك المطلب أيضاً : ولقد حصل كثيراً في اليمن ،
عند حفرهم الآبار
، أن ينتهوا في حفرهم إلي صخرة ، فيعرف قوم تلك الديار ، حسب فراستهم في
هذا الامر ، من صوت الصخرة كمّيّة الماء المخزون في تلك المنطقة ، فيعمدون
بما في أيديهم من الآلات
إلي إيجاد ثقب ضيّق في تلك الصخرة ، فإن فار منها الماء بسلامة قاموا
بتوسعة ذلك المجري ، وإن شوهد في الماء آثار الطغيان عمدوا إلي ذلك الثقب
فسدّوه بالتراب والجِير لئلاّ ينبعث منه سيل مهيب .
وهناك بحيرة واقعة في أعلي جبل بين مدينتي طوس وأبر شهر
تدعي ببحيرة
برزود
، يبلغ محيطها مائة فرسخ ، لا يظهر في مائها الجزر والمدّ الذي يظهر في
مياه البحار الاُخري ، وذلك لانّ مستوي المخزن المائيّ الذي يمدّها يوازي
سطح البحيرة ، أو أ نّه
يرتفع عنه ، لكنّ مقدار الماء الذي يجفّ بالتبخّر الحاصل من أشعة الشمس
يعادل المقدار الوارد من المنبع ، لذا انعدمت الزيادة فيه أو النقصان .
حتّي يصل إلي القول :
وقد أورد
الحكيم المسيو زله
في كتابه في علم الطبيعة بشأن
بئر جرْنل
الواقعة
في باريس فصلاً مشبعاً ، وذكر في بيان علله وأسبابه الطبيعيّة شرحاً يوافق
تحقيقات أبي ريحان تماماً .
وعلي كلّ حال فإنّ تلك البئر تقع في منطقة باريس بعمق خمسمائة وثمانية
وأربعين متراً ، ويرتفع ماؤها عن الارض بواسطة أنابيب ارتفاعها ثمانية
وثلاثون متراً .
ولقد كان
بحر الخزر
مورد حيرة حكماء أُوروبّا ، إذ تصبّ فيه كلّ تلك الانهار في حين ليس هنا من
ممرّ ومخرج للماء منه ، لذا فقد اعتقدوا إلي ما قبل مائتي سنة
أنّ للبحر المذكور مجريين سفليّين ، أحدهما تحت كرجستان والقفقاس ، والآخر
من جهة ممالك إيران وهوانق ، فما يرد فيه من تلك الانهار يذهب في المجري
الاوّل إلي البحر الاسود ، وفي الثاني إلي الخليج الفارسيّ ، ولولا ذلك فإنّ
طغيان الماء الناتج من تجمّع الانهار العظيمة سيغطّي سواحل إيران وحاج
طرخان ، بل سيغطّي خوارزم وجميع آسيا .
لكنّهم قالوا في مسألة ذلك البحر ؛ استناداً إلي علوم الكيمياء والطبيعة
التي تكاملت منذ التأريخ المذكور إلي الآن ؛ بنفس القول الذي نقلناه عن
الاُستاذ
أبي ريحان
، وتيقّنوا أنّ الكمّيّة التي تجفّ من المياه بأشعّة الشمس
تعادل الكمّيّة الواردة في ذلك البحر ، وقد أمعن جمع من المهندسـين الروس
في التحـقيق والبحـث بشأن هذه المسـألة خاصّة ، فاستنبطوا بعد تتبّع زائد
ما يطابق رأي
أبي ريحان
الذي ذكره في
«الآثار الباقية»
.
ويعرف
كشـف أبي ريحان هذا اليـوم في الفيـزياء ب
قانـون خاصّـيّة الاواني المستطرقة .
وقد
كان لابي ريحان تحقيقات عميقة أيضاً بشأن حركة
النور والصوت
، وأنّ حركة الصوت أبطأ من النور .
ومن
بين المسائل الفيزيائيّة التي يدين بها الاُوروبّيّون للمسلمين مسائل النور
والمرايا ، ومن أرقي الكتب التي دوّنت في هذا الموضوع كتاب
«تنقيح المناظر لذوي الابصار والبصائر»
تأليف
العلاّمة كمال الدين
أبي الحسن الفارسيّ
، كتبه قبل سبعمائة سنة ، وهو كتاب في جزءين يقرب من ألف صفحة .
وأمّا
بشـأن علم النجـوم والهيـئة
، فإنّ علماء الهيـئة الحقيقيّـين بالرغم من عدم امتلاكـهم لوسـائل العمل
ومسـتلزماته ، وافتقارهم إلي المنظار (
التلسـكوب ) ، قد عملوا في حساب قواعد حركات السـيّارات وقربها وبعدها وأماكنـها ومواضـعها
في الفلك ، وتعيـين أماكن الثـوابت والسيّارات وصناعة الكرات الفضائيّة
والاسطرلابات والخرائـط الجـوّيّة والارضيّة ، فأوصلوا البحث في هذه العلوم
طبق القواعد الرياضـيّة الدقيقة والحسابات الاستدلاليّة والجبر والمقابلة
والمثلثات وقواعد الظلّ والظلّ تمام والجيب والجيب تمام إلي ما لا يتصوّر
فوقه .
الرجوع
الي الفهرس
فلقد كتب
أبو ريحان البيرونيّ
ـ
وكان متخصّصاً في علم الفلك ماهراً فيه حتّي لكأنّ السماء في قبضة يده ـ
كتاب
«قانون المسعوديّ»
في ثلاثة أجزاء ، وكتاب
«في تحقيق ما للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»
، وهو حاصـل أربعين سنة من السـفر والتوقّف في الهـند ،
وكتاب
«التفهـيم في أوائل صناعة التنجيم»
، و
«الآثار الباقية»
، وكتباً ورسائلاً جمّة ذُكرت أسماؤها في عداد مؤلّفاته ، ففاق بألف ضعف
الاُوروبّيّين الذين شاهدوا ورصدوا مراكز النجوم بالنواظر المكبّرة ؛ في
جهوده ونتائج فكره البِكر التي قدّمها إلي دنيا العلم والعلماء .
يقول في «
نامة دانشوران ناصري » (
=
رسالة العلماء الناصريّين ) : لقد حاز البيرونيّ مقاماً سامياً في أنواع الصناعات وفنون الرياضة وأصناف
العلوم ، واتّفق فضلاء العالم وسلّموا علي أ نّه
في مسائل النجوم متفرّد كالشمس ، لم يُرَ له نظير ، ولم يطرق الاسماع
اسماً لصنوٍ له في منزلته أو شبيه ، فهو في الحقيقة درّة يتيمة انطوت علي
الكمالات والفضائل
.
حتّي يصـل إلي القـول : ويتّضـح مـن كتاب
«الاستيعاب في صنعة الاُسطرلاب»
وسائر مؤلّفاته ، إنّ ذلك الاُستاذ الكامل كما تسلّمَ تفوّقه في المعقول
والمنقول ، واشتهرت مهارته في المحسوسات والمصنوعات ، فإنّه وصل في إبداع
الصنائع العمليّة إلي حيث تركت مهارته في اختراع طبقات الافلاك وخرائط
النجوم عدّة صفحات بالغ في إيضاحها ، حتّي كأنّ الالواح الفلكيّة قد
اندمجت في صفحات خياله ، والصور الثمان والاربعين قد ارتسمت في لوح صدره
.
وعموماً فقد كان في جودة الذهن وحُسن القريحة لدرجة كان يشرع معها بنفسه
بالابتكار في صناعات الخرائط والآثار
الجغرافيّة ، وقد ابتدع عدّة قواعد ظلّ الاُوروبّيّون يجلّون واضعها كلّما
شاهدوها وطالعوها ، كذلك فإنّ أغلب خرائطهم في هذا العصر مبتنية ومرتكزة علي
الاُصول والقوانين التي ابتكرها .
كيفيّة
تسطيح سطح الكرة الارضيّة
في الخرائط الجغرافيّة المسـتوية :
هي
من بنات أفكار وإبداعات ذلك الفاضل المتفرّد ، وقد أوجد قوانين وأطلق
مسمّيات لبعض المسائل الطريفة والمطالب الدقيقة بحس قريحته وفكره البعيد
الثاقب بسبب فقدان الوسائل ونقص الآلات
لديه ، ويري مَنْ تأمّلها بعين الاءنصاف مدي علميّته وقدر فضله ؛ ومن بينها
الاُصول والضوابط التي أوردها في مطاوي مؤلّفاته في تسطيح الكرة الارضيّة
ورسم الخرائط الجغرافيّة ، وبالرغم من أنّ حكماء أُوروبّا قد أوصلوها ـ لتوفّر
الاسباب وتهيّؤ الادوات إلي أعلي درجات الكمال ، لكنّهم كلّما سمعوا هذه
العبارات وشاهدوا هذه الاءشارات كانوا يجلّونه ويعتبرونه لائقاً لكلّ ثناء
حسب قاعدة
الفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ .
ولاجل
الاءيضاح المحض لتلك الرموز ، وكشف تلك الكنوز ، فسنورد حاصل ما ذكره في «
الآثار
الباقية » في باب رسم الخرائط الجغرافيّة ... ثمّ يشرع ببيان كيفيّة تسطيح الكرة
الارضيّة الذي أورده في «
الآثار
الباقية » ، وذلك في ثلاث صفحات كاملة .
الرجوع
الي الفهرس
وكان
أبو ريحان
؛ خلافاً لجميع المتقدّمين القائلين بسكون الارض حسب هيئة بطليموس ؛ ذا
قريحة جيّدة في مسألة حركة الارض ، يعلم مَن تأمّل فيها أنّ له في
اختيار ذلك المذهب والطريقة كمال الرغبة ، فيقول في كتاب «
الاستيعاب في عمل الاُسطرلاب الزورقيّ » :
وَقَدْ
رَأَيْتُ لاِبِي السَّعِيدِ السَّجْزِيِّ أُسْطُرْلاَباً مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ
بَسِيطٍ ، غَيْرَ مُرَكَّبٍ
مِنْ شِمَالِيٍّ وَجُنُوبِيٍّ ؛ سَمَّاهُ الزَّوْرَقِيَّ .
فَاسْتَحْسَنْتُهُ جِدَّاً لاِخْتِرَاعِهِ إيَّاهُ عَلَي أَصْلٍ قَائِمٍ
بِذَاتِهِ مُسْتَخْرَجٍ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ بَعضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الحَرَكَةَ
المَرْئِيَّةَ مِنَ الاَرْضِ دُونَ الفَلَكِ .
وَلَعَمْرِي هُوَ شُبْهَةٌ عَسِرَةُ التَّحْلِيلِ ؛ صَعِبَةُ المَحْقِ ؛ لَيْسَ
لِلْمُعَوِّلِينَ عَلَي الخُطُوطِ المَسَاحِيَّةِ مِنْ نَقْضِهَا شَيٌ . أَعْنِي
بِهِمْ المُهَنْدِسِينَ وَعُلَمَاءَ الهَيْئَةِ .
عَلَي أَنَّ الحَرَكَةَ سَوَاءً كَانَتْ لِلاَرْضِ أَمْ كَانَتْ لِلسَّمَاءِ ؛
فَإنَّهَا فِي كِلْتَا الحَالَتَيْنِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِنَاعَاتِهِمْ . بَلْ
إنْ أَمْكَنَ نَقْضُ هَذَا الاعْتِقَادِ وَتَحْلِيلُ الشُّبْهَةِ فَذَلِكَ
مَوْكُولٌ إلَي الطَّبِيعِيِّينَ مِنَ الفَلاَسِفَةِ .
وقد
بحث أبو ريحان في مشكلة حركة الارض أيضاً في كتاب
«تحقيق ما للهند» .
اكتشافات أبي ریحان الجدیده فی المسائل الریاضیة و الهیة
استخراج
جيب الدرجة الواحدة :
يعدّ
استخراج جيب الدرجة الواحدة من المسائل الرياضيّة الدقيقة التي لم يوفّق
العلماء الذين سبقوا أبا ريحان لكشفها ؛ وكان أبو ريحان أوّل العلماء الذين
وفّقوا لذلك ، حيث أورد شرحها في الباب الرابع من المقالة الثالثة في
«
قانون المسـعوديّ » ج 1 ، ص 292 ، فقد طرح من عنـده ابتداءً اثنتي عشرة مقدّمة ، أي إثنتا عشرة قضيّة
رياضيّة ، وبرهن عليها ، ثمّ استنتج مقصوده واستنبطه منها .
وكان لاءثنين من معاصري أبي ريحان من أعاظم علماء
الرياضيّات ؛ أحدهما أبو
سهل بيزن بن رستم كوهي
والآخر
أبو الجود محمّد بن ليث السمرقنديّ
؛ جهود ومحاولات في هذا الشأن ، لكنّها لم تثمر شيئاً .
وهناك
مسائل أُخري كان للبيرونيّ نظره الخاصّ فيها قام بنفسه بقياسها وفق
الحسابات الرياضيّة الدقيقة والارصاد ، مثل قياس مساحة محيط الكرة
الارضيّة وقطرها ، ومسارات الكواكب ، والقاعدة النجوميّة لتسوية البيوت ،
والطول والعرض الجغرافيّ ، وجهة قِبلة المدن ؛ وقاعدة جديدة لاكتشاف جهة
القِبلة وبناء محراب المساجد ؛ ورصد المَيل الكلّيّ والميل الاعظم ؛ والحركة
الخاصّة الوسطيّة للشمس ، وحركة أوج الشمس ؛ والمقدار الدوريّ لحركة
الثوابت ؛ وكثير من المسائل الاُخري التي يطول المقام بشرحها واحدة فواحدة
،
وقد ذكر البيرونيّ هذه المسائل بالتفصيل في
«قانون المسعوديّ»
و
«تحديد نهايات الاماكن»
و
«الآثار الباقية»
، و
«كتاب الجَمَاهِر» .
الرجوع
الي الفهرس
الخواجة
نصیر الدین الطوسی : مدون الیزیج الإخانی
ومن بين علماء الهيئة والرياضيّات والنجوم الذي يدين لعلمه
وفضله وكماله جميع أصحاب التقاويم والحسابات من زمنه حتّي يومنا هذا ،
ويشيرون إليه في أغلب الكتب بألقاب :
أفضل المتكلّمين ، سلطان الحكماء والمحقّقين ، أُستاذ البشر ، علاّمة البشر ،
العقل الحادي عشر : العلاّمة الخواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن
الطوسيّ
،
فإنّه بتأسيس مرصد مراغة ، وجمعه علماء الرياضيّات وفضلائها
وهيئة العلماء والمتخصّصين من الطراز الاوّل لمدّة ستّ عشرة سنة ، فقد قام
بترتيب وتدوين
الزيج الاءيلخانيّ
. ثمّ أ لّف
بعده أحد معاونيه في تنظيم الزيج ،
اسمه
غياث الدين جمشيد الكاشانيّ
كتاباً في إكمال الزيج الاءيلخانيّ للخواجة الذي ظلّ ناقصاً ،
وسمّاه
بالزيج الخاقانيّ
.
وقد كتب الخواجة في خاتمة عمل الرصد كتاب
الزيج الاءيلخانيّ
باسم
هولاكوخان
، وأضاف إليه عدّة جداول لم تكن في الازياج السابقة ، فحاز لهذا السبب
اعتباراً أكمل .
وقد ترجم ونشر مؤرّخو أُوروبّا أيضاً ؛ حسب النقل المعتبر ؛
سنة ألف وثلاث وستّين للهجرة التي توافق سنة ألف وستمائة واثنين وخمسين
ميلاديّة في مدينة
لندن
جدولاً لعرض البلاد وطولها اعتماداً علي هذا
الزيج الاءيلخانيّ
.
ومن
بين كتب الخواجة نصير الدين الطوسيّ في علم السماء كتاب
«التذكرة النصيريّة في الهيئة»
، وهو كتاب مختصر إلاّ أ نّه جامع لمسائل هذا الفنّ ، ومن
الشروح المشهورة علي هذا الكتاب شرح الفاضل
شمس الدين
محمّد بن
أحمد الحفريّ
أحد تلامذة
سعد الدين
، وهو شرح ممزوج سمّاه
«التكملة»
، وفرغ من تأليفه في شهر محرّم الحرام لسنة 932 هجريّة .
ويعدّ
علم الهيئة أيضاً من العلوم التي يجري تدريسها في الحوزات العلميّة ،
وكان العلاّمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله نفسه أُستاذاً في هذا الفنّ
وقادراً علي استخراج التقويم ، وقد حضرتُ دورة في علم الهيئة في محضره
المبارك .
الرجوع
الي الفهرس
تقدم المسلمین فی علوم الطب و الصیدله
وأمّا
علم الطبّ والصيدلة :
فيكفي في عظمة تدريسه وتعليمه وشهرته أنّ الطبّ كان حتّي
هذه الاواخر منحصراً إمّا حسب طبّ
خمسة اليونانيّ
، أو حسب طبّ
أبي زكريّا
الرازيّ
؛ ولم ننسَ بعدُ ما كان لدينا من حكماء وأطبّاء متبصّرين ،
حاذقين ، خبيرين ومشهورين في كلّ مدينة ومحلّة وشارع ، من المشتغلين
بمعالجة الامراض حسب نظام مشخّص وطريقة معيّنة ، تبعاً لكتب الادوية مثل
«قرابادين الكبير»
وسائر الكتب المتخصّصة في هذا الشأن ، وذلك بالادوية اليونانيّة ، حسب
نوع المرض المشخّص ، أي بالعقاقير والادوية العشبيّة وتعديل المزاج
بالمُنضج ثمّ المُسهل .
الطب
القیم ، و کتاب «القانون» لابن سینا
وكان كتاب
«القانون» لابن سينا
، من الكتب المعـروفة التي ينـبغي مطالعتها في هذا المجال ؛ وكان لكلّ
أُستاذ ـ مضافاً إلي ذلك طريقته الخاصّة في العلاج وتلامذة خاصّون يقوم
بتعليمهم وتدريسهم كتاباً آخر وفق المنهج الذي اختطّه ، يُضاف إلي ذلك
مجيئه بالتلاميذ من أوّل العمل إلي مطبّه وإراءتهم ـ عملاً ـ أنواع وأقسام
الامراض وطرق معالجتها ومقدار الدواء الموصوف لكلّ حالة ؛ وقد بقي كتاب «
القانون » يدرّس حتّي هذه الاواخر لتلامذة الطبّ في أُوروبّا.
الرجوع
الي الفهرس
فوائد علم الطب القدیم، و أضرار الطب الحالی
ولقد تغيّر الاُسلوب اليوم ، فجعلوا الادوية عبارة عن موادّ كيميائيّة ذات
صيغ وتركيبات خاصّة ، وصيّروها بشكل أقراص أو حُقَن ، لتكون سهلة الحمل
والنقل ، وللاستفادة منها بالمقادير المعيّنة حسب الحاجة من جهة ، ولتكون
أدوية جاهزة يمكن إيصالها أفضل وأسرع ليد المريض ، ولتكون أكثر انسجاماً مع
وضع التقدّم التَّقنيّ الحاكم علي الدنيا حاليّاً من جهة ثانية ، وليمكن
من جهة ثالثة تجزئة العقاقير للتخلّص من الموادّ المضرّة والسمّيّة
الموجودة فيها والحصول علي الدواء الخاصّ المطلوب بتركيب وخلط الموادّ
النافعة لعدّة أنواع من الادوية . وعلي الرغم من امتلاك هذه الطريقة
للمنافع العديدة ، إلاّ أنّ لها أضرارها أيضاً .
أوّلاً : لانّ الادوية الصناعيّة تفسد ويعروها التلف بسرعة ، وينبغي اتّخاذ
تدابير خاصّة للمحافظة عليها من التلف لمدّة معيّنة ، وتلك التدابير التي
تتّخذ للدواء ـ إمّا بواسطة عمل كيميائيّ أو عمل فيزيائيّ لن تبقي بدون
تأثير في بدن المريض ، حيث يسبّب الترسّب التدريجيّ للموادّ الضارّة وردّ
فعل خلايا البدن لورودها سَوْق البدن تدريجيّاً للضعف ؛ في حين أنّ الادوية
الطبيعيّة والاعشاب الطبّيّة خالية من الضرر ، ولا يعروها الفساد ، والتلف
وتبقي مدّة طويلة .
وثانياً : استعمال زرق الحُقَن ـ أي إدخال موادّ خارجيّة دفعةً واحدة في
شريان القلب أو العضلة يسبّب إيجاد ردّ فعل سلبيّ ، إذ ينبغي لعموم
الاغذية والادوية أن تدخل البدن من المجاري الطبيعيّة ، كالمعدة والرئة .
وثالثاً : فإنّ هذه المركّبات هي أدوية توصف لجميع أنحاء العالم ، بما فيها
من مناطق باردة وحارّة ومعتدلة ، ولكلّ أنواع الامزجة ولكلّ الاقوام
بصفاتهم وأنواعهم المتباينة ، فكما أنّ ملاحظة وضع الماء والهواء والبيئة
الجغرافيّة مؤثّرة في أصل صحّة الاءنسان وطبيعته ، فهي كذلك مؤثّرة في
كيفيّة المعالجة وتعيين نوع الدواء .
وعلي هذا الاساس يقول ابن سينا في كتاب «
القانون » :
وَكُلٌّ يُدَاوَي عَلَي نَبْتِ بَلَدِهِ
.
أي ينبغي معالجة كلّ مريض بالاعشاب التي تنمو في بلده ، لا بأعشاب بلد
آخر .
وهذا الامر قد جرت رعايته في الطبّ القديم ، وكانت الادوية التي يصفها
الحكماء عبارة عن جذور العقاقير أو الاعشاب التي تؤخذ غالباً من نفس البلد أو
البلاد المجاورة .
ورابعاً : إنّ تلك الادوية العشبيّة هي موادّ معلومة ومجرّبة ، فهي تؤخذ
من النباتات أو الحيوانات المحلّلة كزيت السمك ، أمّا الادوية الكيميائيّة
الحاليّة التي تُجلب من بلاد الاءفرنج ، فلا ضابط ولا قيود هناك في عملية
انتخابها .
فهم هناك يعدّون الكلب والخنزير والضفدع والسرطان البحريّ والافعي
والسحلية والعقرب وكلّ ما يتصوّره الاءنسان محلّلة ، فيأكلونه ويستخرجون
أدويتهم منه ما صلح لذلك ، من زيت سمك محرّم ، أو معدّة وكبد خنزير ، ومن
غدّة بنكرياس كثير من الحيوانات المحرّمة ، أو حتّي من عصارة فضلات الكلب
.
فحقن
التستوفيرون (
Testowiron ) التي يصفونها لبعض أنواع الضعف الجنسيّ يستخرجونها من خصية القرد ، لذا
تكون غالية القيمة ، كذلك فهم يعدّون الكحول والخمر حلالاً ، ويعدّونه في
الصيدلة كأحد الموادّ الرئيسيّة . أمّا الشرع الاءسلاميّ المقدّس ، فحين يعتبر
هذه الموادّ حراماً ، فليس ذلك فقط للامر التعبّديّ ، بل للاضرار الجسميّة
والروحيّة التي تنطوي عليها أيضاً . لذا نشاهد أنّ هذا النوع من المعالجات
بالموادّ الكيميائيّة وتركيبات الموادّ الصناعيّة غير الطبيعيّة تخفِّض بشكل
عامّ معدّل العمر الطبيعيّ للاءنسان ؛ أي أنّ تناول هذه الموادّ ينطوي علي
إدخال سموم وموادّ ضارّة إلي البدن ، بالرغم من عدم تسبيبها للموت السريع
الآنيّ
دفعةً واحدة ، إلاّ أ نّها
تسبّب نوعاً من الموت البطيء التدريجيّ ؛ ويقال إنّ هذا النوع
من الادوية والمعالجات يخفِّض معدّل الاعمار الطبيعيّة بما يقرب من عشر
سنوات .
يقول
الدكتور الكسيس كارل
: ويجب من جهة أُخري أن نسأل أنفسنا : ألا يسبّب نقص تلفات الاطفال
والشباب ووفيّاتهم إشكالاً جديداً ؟
فالاطفال العاجزين والمعوّقين تجري حمايتهم في المدينة الحديثة فلا يجري
انتخاب الاصلح كما كان
يحصل في السابق . وإنّ أحداً لا يعلم أين سيؤول مستقبل نسل تجري حماية
موجوداته العليلة والناقصة بواسطة الموازين الطبّيّة والصحّيّة .
لكنّنا نواجه أمامنا مسألة معضلة أُخري يجب أن نجد لها حلاّ سريعاً :
ففي الوقت الذي تزول فيه شيئاً فشيئاً أمراض الالتهابات كالجدري والحصبة
والخناق والسلّ والطاعون والاءسهال المعديّ للاطفال وغير ذلك من الامراض ،
ممّا يقلّل من ميزان الخسارة في الاطفال ، فإنّنا نلاحظ في المقابل أنّ
عدد المصابين بالامراض النفسيّة يزداد يوماً بعد آخر .
ففي بعض المناطق يزيد عدد المرضي المجانين في مستشفيات الامراض العقليّة
حتّي علي عدد جميع المرضي الآخرين
الذين تجري معالجتهم . ومضافاً إلي ذلك فإنّه ينبغي الاهتمام بمسألة
زيادة الاختلالات والاعراض العصبيّة ، التي هي بنفسها أحد الاسباب
الرئيسيّة لكآبة الافراد وتشتّت العائلات ، والتي تمثّل خطراً علي مستقبل
البشريّة والمدنيّة أهمّ بكثير من أمراض الالتهابات التي يخصّص الطبّ
الحاليّ كلّ هذا الوقت والجهد لدراستها ومكافحتها .
والامر
اليوم شبيه أيضاً بالقرن السابق ، فالرجل الذي عمره (
45 ) سنة لا يمتلك الامل الكبير في أن يصل إلي سنّ الـ (
80 ) سنة ، ومع أنّ متوسّط عمر الافراد قد زاد بكثير علي السابق إلاّ أ نّه
يحتمل أن تكون الاعمار قد قصرت .
وتبعاً
لهذا الامر فإنّ الكثير من العلماء والاجلاّء يتأسّفون لاندثار الطبّ اليونانيّ ،
فليس لدينا حاليّاً من أُولئك الاطبّاء في إيران إلاّ واحد أو اثنان ،
وسيضيع بذهابهم تعليم هذا النوع من الطبّ وتتشتّت علومه ، فقد آل أمر هذه
الطبابة بيد العطّارين وباعة الاعشاب الذين لا شأن لهم بالطبابة ولا مهارة
لديـهم ، ولا تعود مراجعـتهم علي المريض المبـتلي إلاّ بالاذي والخطر .
ويقال : إنّ هناك بعض الاطبّاء في ألمانيا يقومون بمعالجة المرضي حسب نهج
الطبّ اليونانيّ فقط ، وإنّ لهم صيدليّات خاصّة تباع فيها الادوية
التقليديّة القديمة والعقاقير ، وتصرف فيها وصفاتهم الطبّيّة ، فيضع أصحاب
هذه الصيدليّات لافتات في واجهتها كُتب فيها :
Herbalist Medcine
Shop
.
لكنّ الامر يختلف في أمريكا ، فهناك توجد دكاكين تباع فيها الموادّ
الغذائيّة الصحّيّة فقط ، مثل الـ «
آب نبات »
والاعشاب
والعقاقير والاقراص والادوية التي لايحتاج استعمالها إلي وصفة طبيب ، وتعلو
واجهاتها لافتات : (
محل الموادّ الغذائيّة الصحّيّة ) Health Food
Shop
ونحن
الآن
بانتظار ظهور طبابة وأطبّاء بهذه الكيفيّة ، يمتلكون التخصّص والمهارة في
ذلك الفنّ ، مضافاً إلي المزايا الاءيجابيّة النافعة للطبّ العصريّ ،
كالعمليّات الجراحيّة وغيرها .
ويقال إنّ الطبّ الحديث يقوم علي ثلاثة أركان : ابن سينا ، العمليّات
الجراحيّة ، الترياق .
ومع امتلاكنا بحمد الله
ومنّه هذه الاركان الثلاثة ، فإنّ بإمكاننا
تأسيس دراسة الطبّ العالي الذي يمتلك ميزات الطبّ الحديث ويفتقد أضراره ،
ليمكن معالجة المرضي بالنحو الاحسن أوّلاً ، وليتمّ تخصّص الاطبّاء ونيلهم
المهارة بشكل أفضل ثانياً .
الرجوع
الي الفهرس
آثار
الأجهزه الطبیه الحدیثة فی انخفاض مهاره الطبیب
ومن أضرار الطبّ الحالي هو عدم تنميته لمهارة الاطبّاء الذين يقوم بتخريجهم
؛ إذ لم يدع استعمال ميزان الحرارة (
Thermometer ) مجالاً للطبيب لاخذ نبض المريض ومعرفة كيفية ضرباته التي كان الطبّ
القديم يقسّمها إلي (
32 ) نوعاً من الضربات ، يشخّص الاطبّاء من كيفيّة كلّ نوع من الضربات مرضاً
خاصّاً في المريض المبتلي .
ووصل الامر إلي الحدّ الذي تمّ أخيراً اختراع جهاز يمكن بواسطته تشخيص
الغدّة الواقعة في الرأس فوراً وتعيين محلّها ، فيقوم معاونو الطبيب بهذا
العمل قبل معاينة الطبيب ، فيقدّمون المريض إلي الطبيب وبمعيّته وصف
للغدّة وكيفيّتها . وبالرغم من مزيّة هذا العمل إلاّ أنّ قوّة الابتكار
والبحث وكيفيّة تشـخيص الغدّة والعثـور عليها من الطرق المتـعدّدة التي
يسلكها الاطبّاء عادةً لذلك ، ستنتفي بهذا العمل . وخلاصة الامر أ نّه
كلّما اتّسعت دائرة اختراع واكتشاف مثل هذه الاجهزة والوسائل لتشخيص
الامراض ، هبط معها بنسبة معكوسة قابليّة الاطبّاء ومهارتهم ، وهذا الامر
بنفسه من الآفات
التي تواجه الطبّ الحديث ، لا نّه
لا يربّي أطبّاء حاذقين متمرّسين في تشخيص الامراض ، بل يجعل الاطبّاء
أشبه بالمأمورين في ماكنة فيزيائيّة أو محرّك كهربائيّ لاستبدال المسامير
اللولبيّة (البراغي) والصامولات .
كانت هذه هي الاءجابة علي الاءشكال الثاني لمقولة صاحب المقالة ، بسطنا
القول فيها مجبرين لتتّضح أطرافها وجوانبها ، من أجل بيان عظمة علم الحكمة
والفلسفة الاءسلاميّة أوّلاً ، والبرهنة علي حقارة الفلسفة الحديثة ـ بما
فيها من إلهيّاتها وطبيعيّاتها أمام تلك الفلسفة ثانياً .
الرجوع
الي الفهرس

الارجاعات:
ـ مقدّمة «التفهيم» ص 116 ، بقلم جلال الدين هُمائي .
ـ خصّص المستشار
عبد الحليم جنديّ
في كتاب «الاءمام
جعفر الصادق» ثلاثة فصول
منه حول علوم الاءمام في حقول العلوم التجـربيّة والعلوم
السياسـيّة والعلوم الاقتصـاديّة ، أورد فيها بحوثاً قيّمة ، واستدلّ
علي أنّ جميع علوم الاُوروبيّيّن في هذه الحقول الثلاثة المهمّة
مستمدّة ومقتبسة منه عليه السلام ، فيقول في بداية هذه الفصول
في الباب الخامس الذي يشخّص المنهج العلميّ للاءمام في ص 277 بشكل مكثّف :
في الباب
الحالي فصول ثلاثة تحاول تصوير منهج الاءمام الصادق العلميّ
والحضاريّ والسياسيّ والاقتصاديّ ، كما رسم خطوطه بالفعل وبالقول ،
وكما اقتفي آثاره وبني عليه علماء الاءسلام ، الفقهاء منهم
والرياضيّون التطبيقيّون ، مستمتعين بحرّيّة الفكر والبحث التي وردت
بها نصوص الكتاب العزيز وأمرت بها السُّنّة . وكان الاءمام الصادق
من الاوائل في تعليمها للمسلمين ، ممّن انتسبوا إليه وممّن أخذوا
عنهم ، يستوي في ذلك الشيعة وفقهاء أهل السنّة .
علي هؤلاء
الفقهاء تعلّم أهل أُوروبّا منهج النزاهة العلميّة والواقعيّة الذي
تبلور في طريقة «التجربة والاستخلاص» . والذي أعلنه جابر بن حيّان
، أوّل من استحقّ في العالم لقب كيميائيّ كما يعبّر عنه
الاُوروبّيّون .
ومن
المنهج الحضاريّ : المنهج السياسيّ والاقتصاديّ الذي يستهدف عمارة
الدنيا بالعدل بين الناس ، والعمل للحياة ، والتكافل بين أعضاء
الجماعة ، والسعي لاستثمار طاقات الناس وأموالهم ؛ وهي قواعد بلغ
بها الفقه الشيعيّ غايته ، ابتداءً من منهج أمير المؤمنين عليّ ،
معمولاً به في حياته أو خلافته ، أو منصوصاً في عهده للاشتر النخعيّ
، وكلّه سياسة واجتماع واقتصاد ، إلي رسالة حفيده زين العابدين في
الحقوق ، وهي تجري في آثاره ، إلي برنامج حفيده جعفر الصادق
العلميّ والحضاريّ ، السياسيّ والاقتصاديّ ، يدلي به للناس ، ويطبّقه
بنفسه ، ويضع به الاُسس لدول أو مجتمعات أو جماعات أو جمعيّات ،
تعمل بمنهاجه لتبلغ أوجها به .
وهذه
خصّيصة لا يجاري الصادق فيها عالم من العلماء في التأريخ ، وحسبنا
في هذا المقام كلمات كالاءشارات ، تضمّنتها الفصول الثلاثة التي
حواها هذا الباب .
ـ طُبع المجلّد الاوّل من «نامة دانشوران» (= رسالة العلماء) ؛ كما
ذُكر في مقدّمته بقلم العالم الجليل الحاجّ السيّد رضا الصدر في 15 شعبان سنة 1296 هجريّة ، وعلي هذا تصبح الفاصلة الزمنيّة بينه
وبين تأليف المجلّد لاوّل من هذا الكتاب «نور ملكوت القرآن» في
1408 هجريّة تعادل 112 سنة ينبغي إضافتها إلي المائتي سنة
المذكورة .
ـ (نامة دانشوران ناصري) = رسالة الحكماء الناصريّين ، ج 1 ، ص 80 و 82
.
ـ «مقدمه التفهيم» ص 117 ، عن «الآثار الباقية» ص 256
.
ـ طُبع هذا الكتاب في جزءين كبيرين في مدينة حيدر آباد سنة 1347 و 1348 هجريّة ، ومؤلّفه من الشيعة الاجلاّء ، قال عنه في
«الذريعة» ج 4 ، ص 467 : هذا الكتاب شرح للمولي كمال الدين
الفارسيّ ، شرحه بأمر أُستاذه قطب الدين الشيرازيّ المتوفّي ( 710 )
علي كتاب «المناظر والمرايا» المنسـوب إلي أبي عليّ محمّد بن
الحسـين بن الحسـن بن سـهل ابن هيثم
البصريّ المتوفّي عن عُمْر طويل في حدود سنة ( 430 ) ، ويحتوي علي
سبع مقالات أضاف لها خاتمة وذيلاً ولواحق ، وفرغ من الشرح سنة (
718 ) . ثمّ إنّ معاصر الشارح وزميله في التلمذة علي قطب الدين
الشيرازيّ وهو المولي نظام الدين الشهير بالنظام الاعرج القمّيّ قد
اختصر «التنقيح» وسمّاه : «البصائر في اختصار تنقيح المناظر» ، وأصل
كتاب «المناظر» لاءقليدس الصوريّ ، ثمّ إنّ ابن الهيثم أدرج مسائله
في كتابه المسمّي بـ «المناظر» .
ـ (نامة دانشوران) (= رسالة العلماء) ج 1 ، ص 61
.
يذكر أحمد
أمين المصري في كتابه «يوم الاءسلام» ص 89 و 90 مطلباً يستحقّ
التأمّل ، حيث يقول :
وطريقة الاءسلام الاعتماد علي الـ
Induction
، أعني الاستقراء ، فهو يتتبّع المسائل الجزئيّة ما أمكن ثمّ يستنتج
منها القاعدة الكلّيّة ، كما فعلوا في النحو والصرف ، فكانوا يتتبّعون
الجزئيّات المعروفة ليستنتجوا منها قاعدة : الفعل مرفوع . أمّا
الفلسفة اليونانيّة أو فلسفة أرسطو فعمادها علي الـ
Deduction ، أي : الاستنتاج ، فهم يضعون القاعدة الكلّيّة ثمّ يستنتجون منها
النتائج الجزئيّة ، كقولهم إنّ الاجسام تتمدّد بالحرارة ، والحديد
جسم ، إذن فالحديد يتمدّد بالحرارة ... وهكذا .
وقد أدّتهم
طريقة الاستقراء هذه الي الاءمعان في الشكّ والتجربة ، فنري كثيراً
ممّا كتبه الجاحظ في كتاب «الحيوان» يبتدي بالشكّ ، ثمّ يعرض علي
محكّ التجربة ، ولا بأس عنده أن يخطِّي أرسطو فيما قاله ، ويفضِّل
عليه أعرابيّاً بدويّاً . وسار النظام علي هذا حتّي في الاحاديث
النبويّة ، فكان يشكّ فيها أوّلاً ، ثمّ يعرضها علي مقتضي العقل
ليعرف أصحيحة هي أم غير صحيحة ؟ فكان الغزّاليّ والجاحظ أسبق إلي
الشكّ من ديكارت ، وكان مسكويه أسبق من داروين في تقريره مذهب
النشوء والارتقاء في كتاب «تهذيب الاخلاق» ، وكان الطوسيّ أسبق من
أينيشتَين في فهم الزمنيّة ، غاية الامر أنّ مواد العلم الاوّليّة
كانت لهؤلاء المتأخّرين أوفر ، والزمن لهم أعون ، والحقائق عندهم
أكثر اتّضاحاً ، والتعبير أبين ، ويسودهم مذهب التحليل أكثر من مذهب
التركيب ، فما يقوله علماء العرب في جملة ، يقوله المتأخّرون من
الاُوروبّيّين في كتاب ، وهكذا . وقد نسبوا إلي روجر بيكون أ نّه
أوّل من قال بالاستقراء في النهضة الاُوروبّيّة الحديثة ، مع أ نّه
خرّيج الجامعات العربيّة في إسبانيا .
وعيب
العرب أ نّهم
لم يجـدوا من يمجّـدهم . ومزيّة الاُوروبّيّين أ نّهم
يمجّدون دائماً من يعلي شأنهـم ، وهكذا الشـأن في ابن خلـدون ،
فإنّه سبق ديكارت في تأسـيسـه علم الاجتماع ، والفرق بين كتب
الاءثنين أ نّه
أيضاً بني كتابه علي مذهب الاستقراء الذي سار عليه العرب أكثر ممّا
سار علي مذهب الاستنتاج الذي سار عليه الاُوروبّيّون .
ـ «نامة دانشوران» ج 1 ، ص 62
.
ـ «نامة دانشوران ناصري» ج 2 ، ص 73 إلي 76
.
ـ «نامه دانشوران ناصري» ج 1 ، ص 77
.
ـ «تحقيق ما للهند» ص 138
.
ـ مقدّمة «التفهيم» ص 113 ، عن «قانون المسعوديّ» ج 1 ، ص 297
.
ـ يقول في «نامة دانشـوران ناصـري» (= رسالة العلماء الناصـريّين)
ج 1 ، ص 70 : ومن أمثلة فضائل ذلك الاُستاذ الكامل : مناظراته
ومباحثاته مع الشيخ الرئيس ابن سينا في ثمان عشرة مسألة طبيعيّة
، دارت حول سكون الارض ، وميل جميع الاجسام إلي مركزها ، وامتناع
الخلاء ، وإبطال الجـزء الذي لا يتجـزّأ ، وتناهي الابعاد ، وأمثالها
من المسائل التي يفهم كلّ مَن تأمّل بنظر التدقيق في تلك الرسالة
؛ وهي مطمح أنظار المتقدّمين ومطرح أفكار المتأخّرين ؛ درجةَ هذين
الحكيمين المتفرّدين في الفضل ومرتبتهما في العلم . فتأمّل .
حتّي يصل
إلي القول : قال ياقوت الحمويّ : حين وردتُ جامع مرو ونظرت في
فهرس مؤلّفاته ضمن رسالة وقف ذلك المسجد ، وكانت عدّة أوراق
كُتبت بخطّ دقيق متقارب ، فعددتها فكانت ستّين ورقة ؛ وقال البعض
إنّها كانت تزيد علي وقر بعير عند الحمل والنقل ، لكنّ عقد تلك
التصانيف النفيسة انفرط بِيَدِ الحوادث فلم يبقَ من ذاك الكثير
الوافر إلاّ هذا القليل النادر .
ـ يقول عبد الحليم
الجنديّ في كتاب «الاءمام جعفر الصادق» ص 296 و 297 : وعندما توضع
أقوال جابر بن حيّان في القرن الثاني للهجرة إلي جوار أقوال
الحسن بن الهيثم ( 354 إلي 430 ه .ق) بعد أكثر من قرنين ، وقد
عمل في خدمة الدولة الفاطميّة ، وهي دولة من دول الشيعة ، وله 47 كتاباً في الرياضيّات و 58 كتاباً في الهندسة ؛ تتأكّد لنا طريقة
ونهج العلوم التجربيّة والاستخلاص التي سلكها الاءمام الصادق وأتقن
العمل بها ، ووصفها جابر والحسـن ، وقد أحسـن الحسـن التعبير عنها
بأفضل المناهج العلمـيّة الواضحة الفحـوي والمحدّدة العبارات .*
ويشهد بها من أهل أُوروبّا درايير في كتابه «النزاع بين العلم
والدين» فيقول : كان الاُسلوب المختصّ الذي توخّاه المسلمون سبب
تفوّقهم في العلم . فإنّهم تحقّقوا أنّ الاُسلوب النظريّ وحده لا
يؤدّي إلي التقدّم ، وأنّ الامل في معرفة الحقيقة معقود بمشاهدات
ذات الحوادث . ومن هنا كان شعارهم في أبحاثهم هو «الاُسلوب
التجريبيّ» . وهذا الاُسلوب هو الذي أرشدهم إلي اكتشاف علم الجبر
وغيره من علوم الرياضة والحياة . وإنّنا لندهش حينما نري في
مؤلّفاتهم من الآراء العلميّة ما كنّا نظنّه من ثمرات العلم في
هذا العصر .
*
ثمّ يذكر عبد الحليم الجنديّ في الهامش : راجع مقدّمة كتاب الدكتور
مصطفي نظيف ، مدير جامعة عين شمس بالقاهرة عن الحسن بن الحسن
الهيثم البصريّ أكبر عالم في الرياضيّات والطبيعة في العصور الوسطي
حيث يقول : وفد الحسن من العراق إلي القاهرة ليعمل مهندساً في
خدمة الدولة الفاطميّة في عصر الحاكم بأمر الله . وكان من رأيه
جواز إقامة آلات علي النيل يحرّكها تيّار مياهه. والدكتور نظيف يقول
إنّه ينبغي أن نستبدل بأسماء روجير بيكون ومور ليكوس ودافنشي وكبلر
ودلابورتا باسم الحسن بن الهيثم .
فعلي يد
الحسن بن الهيثم أخذ علم الضوء وجهة جديدة بمنهجه الاءسلاميّ ، وهو
(استقراء الموجودات وتصفّح أحوال المبصرات وتمييز خواصّ الجزئيّات وما
يخصّ البصر في حال الاءبصار . وما هو مطّرد لا يتغـيّر ، وظاهر لا
يشـتبه من كيفيّة الاءحسـاس . ثمّ نترقّي في البحث والمقاييس علي
التدرّج والترتيب مع انتقاد المقدّمات والتحفّظ في النتائج ، ونجعل
غرضنا في جميع ما نستقرؤه ونتفحّصه استعمال العدل لا اتّباع الهوي
. ونتحرّي في سائر ما نميّزه وننقده طلب الحقّ لا الميل مع الآراء
، فلعلّنا ننتهي بهذا الطريق إلي الحقّ الذي يثلج الصدور ، ونصل
بالتدريج والتلطّف إلي الغاية التي عندها يقع اليقين ، ونظفر مع
النقد والتحفّظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها موادّ
الشبهات) فهذا جمع للاستقراء والقياس . وما هو إلاّ منهج علماء
الرياضيّات والطبيعة المسلمين تابعهم فيه ابن الهيثم ونقله علماء
أُوروبّا ابتداءً من الكنديّ (المتوفّي سنة 252 ) عالم الطبيعة أو
الطبيب الفيلسوف ؛ والرازيّ (المتوفّي سنه 320 ) جالينوس العرب أو
الطبيب الفيلسوف الذي يتّخذ الاءحساسات بالجزئيّات أساساً لكلّ عمله
ويدلّل بالكائنات الحيّة علي وجود الخالق ؛ وابن سينا (المتوفّي
سنة 428 ) الرئيس أو الفيلسوف الطبيب الذي يمثّل فكرة المثل
الاعلي في العصور الوسطي كما يقول سارتون ؛ وللاخيرَين صورتان
معلّقتان علي جدران جامعة باريس الآن مع جرّاح العظام ابن زُهَر
.
ـ «ريحانة الادب» ج 2 ، ص 171 ، يقول : ولد الخواجه علي المشهور
في الحادي عشر من جمادي الاُولي سنة 597 هجريّة في طوس . وبدأ
في بناء الرصد سنة 657 ، وحسب المشهور فقد رحل عن الدنيا يوم
عيدالغدير سنة 672 في بغداد ، ونقلت جنازته حسب وصيّته إلي
الكاظمين عليهما السلام ودُفنت أسفل أقدام ذينك الاءمامينِ
المعصومين .
ـ يطلق الزيج علي الكتب التي تتناول أُصول أحكام علم
النجوم ، أو علي الجداول التي تُثَبَّت بها نتائج الرصد.
ـ «ريحانة الادب» ج 2 ، ص 177
.
أورد
المستشار عبد الحليم الجنديّ في كتاب «الاءمام جعفر الصادق» ص 304 إلي 307 ما يلي : ولا عجب أن تتآمر كثرة الاُوروبّيّين بالصمت عن
مناهج العلم الحديث المنقولة من نهج المسلمين ، كدأبهم في تنكير
صلة آباء العلوم الرياضيّة والهندسيّة بالمهد الذي نشأت فيه . فذلك
استمرار للحروب الصليبيّة ، وإخضاع للحقائق العلميّة للتعصّب الدينيّ
المتأصّل في الحضارة الاُوروبّيّة ، فهم لا يذكرون أنّ فيثاغورث
وأرشميدس وإقليدس آباء الرياضيّات ألقوا الدروس وتلقّوها في مدرسة
الاءسكندريّة بمصر ، ولا يذكرون أ نّهم
لم يعرفوا كتاب إقليدس المسمّي «الاساسيّات» أو «العناصر» إلاّ عن
نسخة عربيّة . ولا يذكرون أنّ أُوروبّا المعاصرة أخذت عن العلم
الاءسلاميّ المنهج العلميّ المعاصر ، أي منهج التجربة والاستخلاص .
يقول
الشاعر محمّد إقبال 1 : يقول دبرنج
Dubring : إنّ آراء روجير بيكون أصدق وأوضح من آراء سلفه . ومن أين استمدّ
روجير بيكون دراسته العلميّة ؟ من الجامعات الاءسلاميّة في الاندلس
.
ويقول
بريفو 2 Robert
Briffault : إنّه لا ينسـب إلي روجـير بيكـون (المتـوفّي سنة 1294 م 3 )
. ولا إلي
سميّه الآخر فرانسيس بيكون (المتوفّي سنة 1626 م) أيّ فضل في
اكتشاف المنهج التجريبيّ في أوروبّا . ولم يكن روجير بيكون في
الحقيقة إلاّ واحداً من رسل العلم الاءسلاميّ والمنهج الاءسلاميّ إلي
أُوروبّا المسيحيّة .
ولم يكفّ
بيكون عن القول بـ : أنّ معرفة العرب وعلمهم هما الطريق الوحيد
للمعرفة . ولقد انتشر منهج العرب التجريبيّ في عصر بيكون وتعلّمه
الناس في أُوروبّا يحدوهم إلي هذا رغبة ملحّة .
ويضيف : أ نّه
ليس هناك وجهة نظر من وجهات العلم الاُوروبّيّ لم يكن للثقافة
الاءسلاميّة عليها تأثير أساسيّ ، وأنّ أهمّ أثر للثقافة الاءسلاميّة
هو تأثيرها في العلم الطبيعيّ والروح العلميّ ، وهما القوّتان
المميّزتان للعلم الحديث .
ثمّ يضيف
قائلاً :
إنّ ما
يدين به علمنا للعرب ليس ما قدّموه لنا من اكتشاف نظريّات مبتكرة
غير ساكنة . إنّ العلم مدين للثقافة الاءسلاميّة بأكثر من هذا . فقد
أبدع اليونان المذاهب وعمّموا الاحكام ، لكنّ طرق البحث وجمع
المعرفة الوضعيّة وتركيزها ومناهج العلم الدقيقة والملاحظة المفصّلة
العميقة والبحث التجريبيّ كانت كلّها غريبة عن المزاج اليونانيّ .
إنّ ما ندعوه بالعلم قد ظهر في أُوروبّا نتيجة لروح جديدة في البحث
ولطرق جديدة في الاستقصاء ، طريقة التجربة والملاحظة والقياس ؛
ولتطوّر الرياضيّات صورة لم يعرفها اليونان .
وهذه
الروح وهذه المناهج أدخلها العرب إلي العالم الاُوروبّيّ .
أو كما
يقول المستشرق المعاصر برنارد لويس : إنّ أُوروبّا القرون الوسطي
تحمل دَيْناً مزدوجاً لمعاصريها العرب ؛ وهم الواسطة التي انتقل بها
إلي أُوروبّا جزء كبير من ذلك التراث الثمين .
كما تعلّمت
أُوروبّا من العرب طريقة جديدة وضعت العقل فوق السلطة ، ونادت
بوجوب البحث المستقلّ والتجربة . وكان لهذين الاساسين الفضل الكبير
في القضاء علي العصور الوسطي والاءيذان بعصر النهضة .
وروجير
بيكون يعلن تأثّره بالمنهج العربيّ ورفضه للمنهج الارسطيّ الذي سيطر
علي الفكر الاُوروبّيّ من جرّاء الفساد في بعض استنتاجاته في العلوم
الطبيعيّة فيقول :
If
it had my way , I should burn all books of Aristotk for the study of
them can lead to
a loss of time ,
produce error . increase ignorance .
وتعريبه
: لَو أُتِيحَ لِيَ الاَمْرُ لاَحْرَقْتُ كُلَّ كُتُبِ أَرَسْطُو ،
لاِنَّ دِرَاسَتَهَا يُمْكِنُ أَن تُؤَدِّي إلَي ضَيَاعِ الوَقْتِ ،
وَالوُقُوعِ فِي الخَطَأِ ، وَنَشْرِ الجَهَالَةِ .
وكما
قال جوستاف لوبون بعد ستّ قرون من وفاة بيكون :
أَدْرَكَ
العَرَبُ بَعدَ لاَيٍ أَنَّ التَّجْرِبَةَ وَالمُشَاهَدَةَ خَيْرٌ مِنْ
أَفْضَلِ الكُتُبِ ، وَلِذَلِكَ سَبَقُوا أُورُوبَّا إلَي هَذِهِ
الحَقِيقَةِ ، فَالمُسْلِمُونَ أَسْبَقُ إلَي نِظَامِ التَّجْرِبَةِ فِي
العُلُومِ .
1 ـ
في كتابه (=
The
Reconstruction of Religious Thinking
) «= إعادة تكوين الفكر الدينيّ في الاءسلام» .
2 ـ في
كتابه (
Making of
Humanity
) «= صنع الاءنسانيّة» .
3 ـ مات
روجير بيكون سنة 1294 م ، واستمرّت الجامعات العربيّة والعرب في
الاندلس قرنَين بعد ذلك إلي جوار المعاهد التي أُنشئت لترجمة
علومهم في فرنسا والاندلس وإيطاليا وألمانيا .
وكان
(بيكون) يجيد اللغتين العربيّة والعبريّة ، ويمارس التجارب العلميّة
في الطبيعة والكيمياء ، وقاومه معاصروه ولكنّ البابا شدّ آزره . وكان
جزاؤه السجن في باريس من أجل كتاباته . التي تعدّ طلائع لكشوف
علميّة حديثة (كالعدسات والسيّارات ذات المحرّك الابتدائيّ
والطائرات) .
وهو القائل
: الفلسفة مستمدّة من العربيّة ، فاللاتينيّ علي هذا لا يستطيع فهم
الكتب المقدّسة والفلسفة إلاّ إذا عرف اللغة التي نُقلت عنها . ومن
قبل ذلك بقرون ، وعلي التحديد في سنة 920 م طلب ملك الصقالبة
إلي الخليفة أن يبعث إليه معلّمين وفقهاء فصنع ، وكان الجغرافيّون
العرب في أرمينية منذ القرن التاسع للميلاد .
كذلك
تلقّي البابا سلفستر ( 999 إلي 1003 م) علومه بجامع قرطبة ، وكان
اسمه الراهب جلبير قبل أن يصير رئيساً لدير رافنا . وهو ناقل العلوم
العربيّة والارقام العربيّة إلي أُوروبّا . وقد أنشأ مدرسة في
إيطاليا وأُخري في ريمس بألمانيا لنقل العلوم العربيّة . ومن
الثابت أنّ مدرسة الوعّاظ في طليطلة نشأت مدرسةً لتدريس اللغة
العربيّة سنة 1250 م ، ثمّ أمر مجلس فينّا سنة 1311 م بتدريس
العلوم العربيّة في باريس وسلامنكا وغيرها .
وفي سنة 1207 م أنشأت جنوة جامعة لنقل الكتب العربيّة ، وفي سنة 1209 م
، 1215 م قرّر المجمع المقدّس منع تدريس كتب ابن رشد وابن سينا
لما فيها من حرّيّة فكريّة .
وفي سنة 1296 م قرّر المجمع اللاهوتيّ تحريم تدريس الفلسفة العربيّة وحرمان
كلّ من يعتقد أنّ العقل الاءنسانيّ واحد في كلّ الناس .
وكان
الاءمبراطور فردريك الثاني قد أنشأ جامعة نابولي لنقل العلوم
العربيّة فوق ما تنقله مدرسة سالرنو المجاورة . وأنشا العرب
المطرودون في إسبانيا مدرسة مونيليه في بروفانس بجنوب فرنسا .
والشريف
الاءدريسيّ هو معلّم روجار ملك صقلية ، صنع له كرة من فضّة ككرة
الارض سنة 1153 م قبل أن تعرف أُوروبّا أنّ الارض كرويّة .
ومن الثابت أنّ فيبروناتش
Fibronacci
أوّل عالم اشتغل بعلم الجبر قد رحل إلي مصر وسوريا في عصر الملك
فردريك الثاني ملك صقلية ، وأنّ أدلارد الباثي
Adilard of Bath درس علي العرب علمَي الفلك والهندسة ، وما هؤلاء إلاّ طلائع للعصر
الذي عاشوا فيه .
وفي العصر
ذاته كانت مدرسة صقلية ومثلها مدرسة سالرنو في جنوب إيطاليا جامعة
نابولي التي أنشأها الاءمبراطور فردريك الثاني تذيع العلوم العربيّة
.
واحتلّ
العرب جزر البحر الابيض ابتداءً من كريت سنة 212 ، إلي صقلية
سنة 216 ، أي في النصف الاوّل من القرن التاسع للميلاد ، كما
استولوا علي باري وبرنديزي في وسط إيطاليا وتوطّدت سيطرتهم علي
مقاطعتَي كامينيا وأبروزي ، وأقاموا فيهما إمارات عربيّة ، وامتدّ
سلطان عرب الاندلس إلي جنوب فرنسا في مقاطعة برونانس وحاصروا روما
.
وكانت
ملابس البابا موشّاة بالاحرف العربيّة ، وتأثّر دانتي بالثقافة
العربيّة واضح في الكوميديا الاءلهيّة . وهو يذكر صلاح الدين
الايّوبيّ والدوق جودفري (الملك جودفري ملك بيت المقدس في حرب
الصليبيّين) في كتابه . وكانت السفارات بين الملوك والامراء
الاءفرنج والسلاطين تمدّ إلي أُوروبّا أسباب الحضارة . وكانت كتب
ابن رشد والغزاليّ أيّامئذٍ تقدّم الغذاء العلميّ للفكر الاُوروبّيّ،
وكتابات القدّيس توماس الاءكوينيّ (القدّيس توما) ناطقة بالتأثّر
الظاهر أو بالنقل الكامل .
وأوّل مرصد
فلكيّ أُقيم في أُوروبّا أقامه العرب بإشبيلية ، وأوّل مدرسة
طبّيّة في أُوروبّا هي التي أقاموها في ساليرت . ومنذ سنة 970 م
كان في غرناطة بإسبانيا 120 مدرسة ، منها 17 مدرسة كبيرة و 27 مدرسة مجّانيّة يتعلّم فيها نبلاء أُوروبّا علوماً عربيّة .
ولمّا سقطت
طليطلة في سنة 1085 م في أيدي الاسبان ، أقاموا المدارس لترجمة
العلوم العربيّة فيها ، ولم يتوقّف النقل بل أُتيحت له مصادر
جديدة بسقوط قرطبة سنة 1236 م ، ثمّ بسقوط غرناطة سنة 1492 م .
وكان بلاط الفونسو السادس بعد سقوط طليطلة مصطبغاً بالثقافة
العربيّة ، بل هو أعلن نفسه إمبراطور العقيدتين المسلمة والمسيحيّة
؛ وكان الفونسو الخامس الملقّب بالحكيم ملك قشتالة (من سنة 1252 إلي 1284 ) أكبر دعاة الثقافة العربيّة ، وقد جمع له اليهود كلّ
كتب العرب .
وفي سنة 1250 م أنشأت جماعة الوعّاظ في طليطلة مدرسة لتدريس اللغتين
العربيّة والعبريّة بقصد تنصير المسلمين ، كما أ لّفت
الكتب للدفاع عن المسيحيّة ضدّ المسلمين . وكان الاسقف ستيفن في
باريس يناقش كتب ابن رشد . وفي آخر أيّام المسلمين بالاندلس
أُنشئت محاكم التفتيش لمقاومة العلم والفلسفة اللذين خيف انتشارهما
من كتب المسلمين .
وفي بحر
ثمانية عشر عاماً من 1481 إلي 1499 أحرقت هذه المحاكم 10220 رجلاً أحياءً وشنقت 6860 ، وعاقبت بعقوبات أُخري سبعة وتسعين ألفاً
. وفي سنة 1502 م قرّر مجمع لاترانا لعن من ينظر في فلسفة ابن
رشد ، لا نّه
يقول بحرّيّة العقل .
يراجع
الفصل الثاني وعنوانه (قوّة الحضارة العلميّة) من الباب الاوّل
في كتابنا «توحيد الاُمّة العربيّة» الفقرات 4 إلي 18 .
ـ قال في «كشف الظنون» ص 391 و 392 ، الطبعة العثمانيّة ، سنة 1360 ه : وأوّل من شرح كتاب «التذكرة» السيّد شريف الجرجانيّ
المتوفّي سنة 816 ، ثمّ شرحه المحقّق نظام الدين حسن بن محمّد
النيسابوريّ المعروف بالنظام الاعرج ، وسمّاه «توضيح التذكرة» وفرغ
منه سنة 811 ه ، وهو شرح مشهور ومقبول ، ثمّ شرحها الفاضل محمّد
الحفريّ الذي أوردنا بيانه في المتن ؛ ويقال إنّ للعلاّمة قطب
الدين محمّد بن مسعود الشيرازيّ والفاضل عبد العليّ البيرجنديّ أيضاً
شرحاً لـ «التذكرة» ولم أره (ولم أرهما) .
ـ إنّ أحد الموادّ الغذائيّة والادوية المستعملة حاليّاً في بلاد الكفر
، الذي يعتبرونه من أفضل الموادّ والادوية من الناحية الصحّيّة ،
هي الاغذية والادوية المستحصلة من ماء مجاري المدن ، فهم ينصبون
معملاً لتجزئة الموادّ الكيميائيّة في محلّ تجمّع مياه المجاري ،
فيدخلون فيه كلّ ما في مياه المجاري من النجاسات وفضلات الاءنسان
والحيوان وسائر الاقذار ، وتجري تجزئتها فيصنعون من الموادّ الناتجة
الدهن والزبد والموادّ النشويّة والبروتينيّة وحتّي اللحوم وجميع
أنواع الحَيَمِين (الفيتامين) التي تتواجد بكثرة ، ويصنّعونها بشكل
موادّ غذائيّة ودوائيّة ويعرضونها للبيع في السوق .
وكان من
المزمع أيّام الطاغوت إنشاء معمل صغير منه في طهران في ممرّ مياه
مجاري مستشفي الالف سرير ، لكنّه لم يدخل حيّز التنفيذ لاعتراض
العلماء الاعلام ، وكذلك أوشك مثل هذا العمل أن يتحقّق في إصفهان
أيضاً ، حيث استخرج أحد المهندسين هناك زبداً من مياه المجاري
وعرضه للبيع في السوق وأكل منه في جمع من الناس ؛ وقيل إنّه
كان شبيهاً جدّاً بالزبد الطبيعيّ ، إلي الحدّ الذي صعب علي
الاخصّائيّين التفريق والتمييز بينهما . وقد مُنع إجراء هذا المشروع
أيضاً ، لكنّ ذلك معهود ورائج لسنين طويلة في الدول الكافرة ، حتّي
وصلوا إلي استخراج العطر الصناعيّ في ذلك المعمل ، ويقال إنّ بعض
الصابون المعطّر المستورد من الخارج يحوي من ذلك العطر .
وينبغي
العلم أنّ هذه الموادّ هي غير الموادّ المستخرجة من النفط ، حيث
يقال إنّ سبعين في المائة من الاغذية تستخرج من النفط ، والعطر
المذكور هو غير العطر المستخرج من النفط والذي يعدّ من أغلي وأندر
أنواع العطور في الدنيا .
ـ «انسان موجـود ناشناخـته» (= الاءنسان ذلك المجـهول) ص 22 و 23 ، الطـبعة السادسة . وينبـغي العلم أنّ كتاب «الاءنسـان ذلك
المجـهول» أُ لِّف
سنة 1935 ميلاديّة ، وقد انقضـي فعلاً علي تأليف الكـتاب إلي
زمانـنا (سنة 1409 هجـريّة قمـريّة ـ 1988 ميـلاديّة) 53 سنة .
ـ «انسان موجود ناشناخته» ص 199 و 200
.
ـ وهما السيّدان الجليلان : الحاج السيّد عبد الحسين خسروي الهمدانيّ
الذي انتقل إلي رحمة الله قبل عدّة سنين ، وكان مشغولاً في
الطبابة في همدان ، ثمّ في طهران أخيراً ، وكان له شهادة طبابة
رسميّة من وزارة الصحّة والكلّيّة الطبّيّة ؛ والحاجّ السيّد أحمد
علي الهمدانيّ ابن عمّه ، وهو رجل عجـوز مجدّ يشـتغل حاليّاً في
الطـبابة في همدان ، أبقاهُ الله إن شاءَ الله .
ـ نوع من الحلوي تُصنع من تبلور محلول سكّريّ مشبع ساخن بعد
تبريده ، ويسمّي السُّكَّر الفضّيِّ .
ـ وقد نقل لي هذه القضيّة الاُستاذ المحترم وطبيب الاسنان الجليل
الدكتور باكدان آراكليان هداه الله إلي النهج القويم والصراط
المستقيم ، وهو من أطبائنا الاجلاّء في التخصص والمهارة في فنّه ،
وفي صدقه واستقامته .
الرجوع
الي الفهرس

|