|
|
الصفحة السابقةأساس الحوزات العلميّة قائمٌ علي القرآن والعرفانوكان الاءشكال الثالث هو : إظهار المؤلّف الاسف لعدم تدريس الدروس الحديثة والعلوم التجريبيّة في الحوزات العلميّة ، وعدم وجود تخصّص لدي الطلبة والفقهاء والفضلاء في علوم الطبيعة والعلوم البشريّة الحديثة كما ينبغي . ونورد هنا نصّ مقولته لتّتضح جوانب الاءشكال فيها جيّداً : لا يتكوّن أيّ فهم دينيّ بمعزل عن نظرة كونيّة دينيّة ومستقلّة مُسبقة ، ولا يبقي أيّ فهم دينيّ أيضاً علي وضعه السابق عند تغيّر تلك النظرة الكونيّة ، لذا فإن أعطت فتوي العرب رائحة العرب ، وأعطت فتوي العجم رائحة العجم ، فلا عجب في ذلك . ومعني هذا الكلام أ نّه بدون الاجتهاد في الاُصول (وبالمعني الاعمّ في علم الكلام ومعرفة العالم و...) فإنّ الاجتهاد في الفروع لن يكون متيسّراً أو ناجحاً ومفيداً . فالاءنسان لا يمكنه النظر (ولا ينظر) في الدين بدون أن يكون له مبني وفلسفة نظريّة ، ولن يعود النظر بنفع بدون تنقيح للمنظر ؛ وما لم يُفتح باب التحوّل والتغيّر في المبادي ، فستبقي المسائل في منأي عن التغيير . ولهذه الجهة فإنّ الاءعراض ، بل الجفاء الذي أولته وتوليه حوزاتنا الدينيّة العلميّة للعلوم والمعارف الجديدة مثير للاسف وليس له أبداً ما يبرّره ، بحيث يتّخذ الدفاع معه عن الدين لون الدفاع عن النظرة الكونيّة والعلوم الاءنسانيّة القديمة . لكأنّ الدين لا ينمو ولا يبقي في غير تلك الجغرافية المعيّنة ، فلا وزن لعلم التأريخ (وهو المدخل ، بل الاساس لدراسة العلوم الاءنسانيّة) ليتّخذ مقام الصدارة ، ولا شيء هناك من علم الطبيعة والعلوم الاءنسانيّة وعلم الاجتماع وعلوم المعرفة الحديثة ، بل لا زالوا يدرسون حتّي يومنا هذا علم الاخلاق المعتمد علي علم النفس القديم . [1] ويلزم قبل الاءجابة عليه أن نورد نصّ كلام أُستاذنا الاكرم العلمة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه ، الذي أورده في كتابه النفيس «قرآن در اسلام» ( = القرآن في الاءسلام ) ، ثمّ نشرع في البحث : القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يساوي بين الحياة الاءنسانيّة السعيدة والحياة الفطريّة النزيهة أوّلاً ، وهو بعكس جميع المناهج يجمع بين البرنامج الدينيّ وبرنامج الحياة ثانياً ؛ فله رأيه الخاصّ في جميع شؤون الفرد والمجتمع ، ويصدر تعاليمه بما ينسجم مع النظرة الواقعيّة ( معرفة الله تعالي النظرة الكونيّة ) ، وفي الحقيقة فإنّه يودع الافراد بِيَدِ العالَم ، والعالم بِيَد الافراد ، ويودعهما معاً بيد الله سبحانه .[2] ونشرع الآن في جوابه والردّ عليه بالتفصيل : ينبغي العلم أوّلاً : ما هو المراد من العلم الذي جري التأكيد والترغيب علي تعلّمه في الاءسلام والقرآن والروايات المستفيضة ، بل المتواترة في سنّة رسول الله وأئمّة الهدي عليهم صلوات الله ؟ و ثانياً : علي أيّ أساس من أُسس التعليم والتربية وُضعت رسالة الحوزات العلميّة الدينيّة وواجباتها ؟ و ثالثاً : ما هو الهدف الغائيّ لمثل هذه الحوزات ؟ وما هي المزايا والخصوصيّات التي ينبغي توفّرها في الافراد الذين يتخرّجون منها ؟ وبعبارة أُخري : ما هو انتظار وتوقّع القرآن ، ورسول الله ، وإمام الزمان عجّل الله فرجه الشريف ، والمسلمين الذين يدفعون بعرق الجبين وكدّ اليمين نفقات الحوزة من مصارف سهم الاءمام ؟ [3] ما هو العلم الذی اوصی الاسلام باکتسابه؟أمّا البحث عن المسألة الاُولي وهي المراد من العلم الذي عُدّ من أهمّ الفرائض ، والذي أكّد عليه رسول الله إلي ذلك الحدّ ، فقال لربيبه الوحيد ووصيّه بلا فصل وخليفته في الارض : يَا عَلِيُّ ! إذَا رَأيْتَ النَّاسَ يَتَقَرَّبُونَ إلَي خَالِقِهِمْ بِأَنْوَاعِ البِرِّ ، تَقَرَّبْ إلَيْهِ بِأَنْوَاعِ العَقْلِ تَسْبِقْهُمْ ! [4] هل المراد منه العلوم الحـديثة : كالفيـزياء والكيمـياء والطبيعـيّات والرياضيّات والطبّ والطبّ البيطريّ والزراعة وتربية الدواجن ، أم المراد منه علم خاصّ حثّ عليه وأكّد علي تعلّمه ؟ وجوب تحصیل العلوم الاهم و ترک العلوم المهمه لضرورات ضیق الوقتممّا لا ريب فيه أنّ دائرة العلوم قد اتّسعت إلي حدّ كبير وهائل ، وأنّ فرصة تعلّمها واكتسابها من قِبل الاءنسان ضئيلة ومحدودة جدّاً ؛ فلو صرف الاءنسان جميع عمره في اكتساب فنٍّ واحد ، للدرجة التي يطّلع فيها عليه تحقيقاً ويصبح أُستاذاً أخصّائيّاً فيه ، فلا ضامن له في وصوله للاءحاطة التامّة بجميع أطرافه وجوانبه ودقائقه ، فضلاً عن أن يحاول التخصّص في فنّين أو أكثر . لذا فإنّ علي الاءنسان أن يوازن بين مدّة عمره الصالحة للتعلّم ، وبين احتياجه من ذلك العلم النافع الذي يرغب في اكتسابه ، فيصرف الساعات والايّام في تعلّمه ليحصل علي الغاية التي يتوخّاها [5]. أمّا لو جدّ الاءنسان واجتهد ، فاكتسب بالمشاقّ والمتاعب والسهر العلومَ المخـتلفة التي لا تنفـعه ، فلن يكون نصـيبه إل الوبال والخسـران والندم ، فتكون حاله كمن قضي العمر ببناء البيوت والعمارات الكثيرة علي أمل أن يُعمَّر ، وكلّما فرغ من عمارة لم يستفد منها ولم يسكن فيها ، بل تدفعه شدّة الامل والحرص إلي بناء بناية أُخري ، حتّي يأتيه الموت فجأة فيخطفه ، ل مَال حَمَلَ وَل بِنَاءً نَقَلَ .[6] وهكذا هو شأن هذا الرجـل الذي تعـلّم العـلم لكـنّه رحل عن الدنـيا ولم يجن إل الضرر والخسران ، فلقد أضاع بإرادته واختياره عمره الشريف الذي يعدّ أثمن رأسمال له ، وخسر حياته الحاضرة بلا عوض ، وكان في هذا الدنيا ـ التي تعدّ محلّ اكتسـاب العلم النافـع وتحصـيل العـقل الكامل والتجـرّد الخالـص مسـربل بمسـكنة العلم ، صفر اليدين من الكمـالات النفسيّة ، حتّي رُحّل عنها حائراً ذليلاً ، وسيق إلي سرادق النور بأعين عمياء وآذان صمّاء . لاخیر فی علم لا یًنفعولذلك كان خاتم الرسل ، النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم يستعيذ بالله من علومٍ غير نافعة كهذه ، فيدعو ربّه ويسأل حاجته من ساحة قُدسه : اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ . [7] وقد أشار معجزة رسول الله الباقية ( القرآن الكريم ) إلي هذه النكتة الدقيقة ونبّهنا إليها ، حيث يقول : فَبَشّـِرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ و ´ أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ هَدَنـ'هُمُ اللَهُ وَأُولَـ'´نءِكَ هُمْ أُولُوا اللْبَـ'بِ . [8] ويقول سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليه السلام : العِلْمُ كَثِيرٌ فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَيءٍ أَحْسَنَهُ . [9] ويقول أيضاً في وصيّته للاءمام الحسن عليه السلام : فَإنَّ خَيْرَ القَوْلِ مَا نَفَعَ . وَاعْلَمْ أَ نَّهُ ل خَيْرَ فِي عِلْمٍ ل يَنْفَعُ ؛ وَل يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ ل يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ .[10] وللراغب الاءصفهانيّ كلام في هذا المقام يستحقّ المدح ، فهو يقول : مَن كان قصده الوصول إلي جوار الله والتوجّه نحوه ، كما قال تعالي : فَفِرُّو´ا إِلَي اللَهِ [11] ؛ وكما أشار إليه النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم بقوله : سَافِرُوا تَغْنَمُوا ؛ فحقّه أن يجعل أنواع العلوم كزادٍ موضوع في منازل السفر ، فيتـناول من كلّ منزل قدر البُلغة ، ولا يعرج علي تفصّيه واستغراق ما فيه ، فإنّه لو قضـي الاءنسـان جمـيع عمـره في فـنّ واحد لم يـدرك قعـره ولم يسبر غوره . [12] ويقول كذلك : العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْوَي ، فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَيءٍ أَحْسَنَهُ ! [13] وَقِيلَ : حَلِّ طَبْعَكَ بِالعُيُونِ وَالقَفْرِ ؛ فَالشَّجَرَةُ ل يَشِينُهَا قِلَّةُ الحَمْلِ إذَا كَانَتْ ثَمَرَتُهَا نَافِعَةً . [14] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمَا : العِلْمُ كَثِيرٌ فَارْعَوْا أَحْسَنَهُ ؛ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَهِ تَعَالَي : «فَبَشّـِرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» ؟[15] قَالَ الشَّاعِرُ : قَالُوا : خُذِ العَيْنَ مِنْ كُلٍّ فَقُلْتُ لَهُمْ فِي العَيْنِ فَضْلٌ وَلَكِنَّ نَاظِرَ العَيْنِ أَفْضَلُ[16] وقيل كذلك : قِيلَ : ازْدِحَامُ العِلْمِ فِي السَّمْعِ مَضَلَّةٌ لِلْفَهْمِ . وَقِيلَ : إذَا رَأَيْتُمْ رَجُل يُرِيدُ تَعَلُّمَ أَنْوَاعِ العُلُومِ فَدَاوُوهُ . [17] وَقِيلَ : مَنْ رَامَ أَنْ يَنْتَحِلَ فُنُونَ العِلْمِ اسْتَخَفَّ بِنَحِيزَتِهِ وَوَقَفَ النَّاسَ عَلَي غَمِيزَتِهِ ؛ قَالَ الشَّاعِرُ : تَعَلَّمْتَ حَتَّي مِنْ كِلبٍ عَواءَهَا لَعَمْرِي لَقَدْ أَسْرَفْتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ [18] ومن العجب أنّ نفس هذا المطلب قد نقل عن أينشتَين ، وليس معلوماً أ كان ذلك مجرّد توارد خواطر ، أم أنّ أينشتَين قد نقل عن كتاب الراغب ؟ يقول أينشتَين : إنّ الاءفراط في القراءة يسلب قوّة الابتكار من العقل بعد بلوغ سنّ معيّنة ؛ فمن أفرط في القراءة وأقلّ من اعتماده علي فكره ، فإنّ فكره سيصاب بالخمول والعجز . [19] وقد أورد ابن أبي الحـديد في آخر « شرح نهـج البلاغة » كلـمات قصاراً لامير المؤمنين عليه السلام غير تلك التي في « النهج » ، من جملتها : 60 ـ العُمْرُ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ تَعَلَّمَ كُلَّ مَا يَحْسُنُ بِكَ عِلْمُهُ : فَتَعَلَّمِ الاَهَمَّ فَالاَهَمَّ . [20] ونلحظ أنّ الاءمام عليه السلام ينبّه علي مطلب أسمي وأدقّ ، وهو أنّ علي الاءنسـان أن لا يضـنّ ويبخـل بعـمره عن إهداره في اكتسـاب العلوم غير النافعة فحسب ، بل عليه أيضاً مراعاة الاهمّيّة في سعيه لاكتساب العلوم المقبولة النافعة ، فيقدّم الاهمّ علي المهمّ حسب الاولويّة . أي أن يقلّل الاشتغال بالاُمور الدنيويّة ليتوفّر علي حصّة وسهم أكبر لتحصيل العلوم الاُخرويّة والمعنويّة والروحيّة . وقد حكي في « سفينة البحار » مقولة بديعة عن بعض الافاضل : قال الله تعالي : مَا جَعَلَ اللَهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ . وَالفِكْرَةُ مَتَي تَوَزَّعَتْ تَكُونُ كَجَدْوَلٍ تَفَرَّقَ مَاؤُهُ . فَيَنْشَفُهُ الجَوُّ وَتَشْرَبُهُ الاَرْضُ فَل يَقَعُ بِهِ نَفْعٌ ، وَإذَا جُمِعَ بَلَغَ بِهِ المَزْرَعُ فَانْتَفَعَ بِهِ .[21] وعلينا الآن أن نري أيّ علم نافع من هذه العلوم رُغبّ في اكتسابه ، وشُجّع علي تعلّمه من قبل الشارع الاكرم فعدّ من أهمّها ؟ أيّ علم قال عنه رسول الله : اطْلُبُوا العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إلَي اللَّحْدِ . [22] ذاك الذي قال عنه رسول الله : اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ . [23] وفرضَ طلبه علي الناس بقوله : طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَي كُلِّ مُسْلِمٍ . [24] المراد من العلم النافع و العلم الذی یرغب به الشارعروي محمّد بن يعقوب الكلـينيّ عن محمّد بن الحسـن وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسي ، عن عُبيد الله بن عبد الله الدهـقان ، عن دُرُسْـت الواسـطيّ ، عن إبراهـيم بـن عبد الحمـيد ، عـن أبي الحسن موسي الكاظم عليه السلام أ نّه قال : دَخَلَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ المَسْجِدَ ؛ فَإذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ : عَلمَةٌ . فَقَالَ : وَمَا العَلمَةُ ؟! فَقَالُوا لَهُ : أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا ، وَأَيَّامِ الجَاهِلِيَّةِ وَالاَشْعَارِ العَرَبِيَّةِ . قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ : ذَاكَ عِلْمٌ ل يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ ، وَل يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ . ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ : إنَّمَا العِلْمُ ثَلثَةٌ : آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ؛ وَمَا خَلهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ .[25] ويقول المجلسيّ رضوان الله عليه في « مرآة العقول » في شرح هذا الحديث : قوله صلّي الله عليه وآله مَا هَذَا ؟ . ولم يقل : مَنْ هَذَا تحقيراً أو إهانةً أو تأديباً له . وقوله صلّي الله عليه وآله : وَمَا العَلمَةُ ؟ أي ما حقيقة علمه الذي به اتّصف بكونه علمة ؟ وهو أيّ نوع من أنواع العلمة ؟ والتنوّع باعتبار أنواع صفة العلم ، والحاصل : ما معني العلمة الذي قُلتم وأطلقتم عليه ؟ ثم يشرع المجلسيّ في شرح معني هذه الاُمور الثلاثة ، ويقول في حاصلها : ... أو أنّ المراد بالآية المحكمة البراهين العقليّة المسـتنبطة من القرآن علي أُصول الدين ، فإنّها محكمة لا تزول بالشكوك والشبهات ؛ وبالفريضة ساير الاحكام الواجبة ، وبالسنّة الاحكام المستحبّة ، سواء أخذنا من القرآن أو من غيره ، لا نّها محكمة تقابل المتشابه ؛ ويقال للآية محكمة إذا كانت واضحة الدلالة علي المراد ولا تحتاج في دلالتها إلي تأويل ، فالعقائد والاُصول التي تتّصف بهذه الصفة تكون محكمة وراسخة ؛ وأمّا العلّة في وصف الفريضة بالعادلة ، لا نّها أُخذت من الكتاب والسُّنّة بلا إفراط ولا تفريط .[26] فالمراد من هذه العبارات هو العلم بعقائد الدين وأُصوله الحاصلة باليقين ، والعلم بالواجبات والفرائض ، والعلم بالمستحبّات ، وما خلا هذه العلوم الثلاثة ففضل وزيادة لا حاجة إليها . اشرف العلوم و افضلها ، علم معرفه الله تعالیفالعلم بأُصول الدين والتوحيد والمعارف الاءلهيّة يوجب حياة النفس الاءنسانيّة ، والعلم بالواجبات والمستحبّات بما فيها من العبادات والمعاملات والاءيقاعات والاحكام والسياسات يوجب العمل الصحيح لاءيصال الاءنسان للمعارف الحقيقيّة ، وهو أمر ضروريّ لكلّ بشر . أمّا أصناف العلوم التي ينبغي أل نعدّها علوماً فهي الفنون التي دعتها الرواية فضلاً و زيادة ، لا فضيلةً ، إذ الفضيلة تتضمّن قدراً من الكمال . وهذا العلم الواجب هو الذي اعتبره القرآن الكريم الغاية من خلق السماوات السبع والارضين السبع وتنزّل أمر الله بينهنّ : اللَهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَـ'وَ تٍ وَ مِنَ الرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ المْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُو´ا أَنَّ اللَهَ عَلَي' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا . [27] وهو العلم النافع الذي عدّه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة همّام من جملة صفات المتّقين : وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَي العِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ . [28] ويستنتج ممّا قيل أنّ أشرف العلوم هو علم بناء الاءنسان . وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ أَنَّ شَرَفَ كُلِّ عِلْمٍ بِشَرَفِ المَعْلُومِ . وَكُلُّ عِلْمٍ يَكُونُ مَعْلُومُهُ أَشْرَفُ المَعْلُومَاتِ يَكُونُ ذَلِكَ العِلْمُ أَشْرَفَ العُلُومِ . فَأَشْـرَفُ العُـلُومِ العِـلْمُ الاءلَهِـيُّ ل نَّهُ مَعْـلُومَهُ وَهُوَ اللَهُ أَشْـرَفُ المَوْجُودَاتِ . يقول الخواجه شمس الدين محمّد حافظ الشيرازيّ : اي دل به هرزه ، دانش و عمرت به باد رفت صد مايه داشتي و نكردي كفايتي[29] ويقول الخـواجة الحـكيم ميـرفندرسـكي في قصـيدته الحـكميّة المعروفة : هر چه بيرون است از ذاتت نيايد سودمند خويش را كن ساز اگر امروز اگر فرداستي [30] وما أبدع بيان الحكيم السنائيّ حين يقول : اي هواهاي تو هوي أنگيز وي خدايان تو خدا آزار[31] ره رها كردهاي از آني گم عزّ ندانستهاي از آني خوار علم كز تو تورا نه بستاند جهل از آن علم به بود صد بار غول باشد نه عالِم آنكه ازو بشنوي گفت و نشنوي كردار دِه بود آن نه دِل كه اندر وي گاو و خر باشد و ضياع و عقار كي در آيد فرشته تا نكني سگ ز در دور و صورت ازديوار ؟ أفسري كان نه دين نهد بر سر خواهَش أفسر شمار و خواه أفسار قائد و سائقِ صراط الله به ز قرآن مدان و به ز أخبار[32] وكم هو جميل ووافٍ ومتسامٍ شعر العارف الروميّ المل جلال الدين البلخيّ حيث يقول : او ز حيوانها فزونتر جان كند در جهان باريك كاريها كند مكر وتلبيسي كه او تاند تنيد آن ز حيوان دگر نايد پديد جامههاي زركشي را بافتن دُرّها از قعر دريا يافتن خرده كاريهاي علم هندسه يا نجوم و علم و طبّ و فلسفه كان تعلّق با همين دنييستش ره به هفتم آسمان بر نيستش اين همه علم بناي آخور است كه عِمادِ بود گاو و اُشتر است بهر استبقاي حيوان چند روز نام آن كردند اين گيجان رموز[33] علم راه حقّ و علم منزلش صاحب دل داند آن را با دلش [34] فالعلوم الطبيعيّة والمعارف التجريبيّة تعُدّ ـ لهذا السبب جزءاً من العلوم الدنيويّة لا العلوم الاءنسانيّة ، إذ ليس من شأنها صياغة الاءنسان بالرغم من كون بعضها مفيداً للبشر ، لانّ هذه الفائدة تنحصر في بدنه وطبيعته ، شأنها شأن العلوم التي تمتلكها الحيوانات فتستفيد منها لاءدامة حياتها . فكلّ حيوان يعلم ماذا ينبغي أن يأكل ، وماذا ينبغي له أن يصطاد ، وكيف يتواري عن أعدائه ، وكيف يتناسل للحفاظ علي بقاء نوعه . فهذه العلوم ليست علوماً عقليّة ، بل هي علوم حسّيّة مدبّرها القوي الخياليّة الموجودة في جميع الحيوانات . والاءنسان الذي ينحصر همّه وسعيه في الحصول علي العلاقات المادّيّة وحلّ المسائل الرياضيّة والتحقيق المعمّق في الفيزياء والكيمياء والفيزياء الكيميائيّة وعلوم الحياة والاجتماع والطبّ ، من أجل تأمين صحّته والمحافظة علي سلامة بدنه ، فيجول لاجلها البلدان ويطوي القارّات ، ويذهب إلي الجامعات فيستفيد من علومها ومكتباتها ؛ إنّما يسعي وراء العلوم الخياليّة التي تشاركه الحيوانات في امتلاكها ؛ وإنّ تغيير مستوي هذه العلوم لدي الاءنسان لن يغيّر حقيقته ولن يميّزه عن صفّ الحيوانات . [35] وباعتبار أنّ هدف وغاية هذه العلوم ليس كمال الاءنسان ونفسه الناطقة ، فيمكن تسميتها جميعاً بعلوم البطن والمعلف[36] ، كما صرّح ذلك مولانا في الابيات السابقة ؛ ويقول كذلك : علمهاي أهل حس شد پوزبند تا نگيرد شير ز آن علم بلند[37] وقد أثار الاءعجاب حقّاً في هذا البيت لما فيه من حسن بيان وطراوة وجزالة معني ، فأعطي الموضوع حقّه بشكل رائع . يقول : كما أ نّهم يضعون علي فم العجل وصغار الاغنام كمّامة تمنعها رضاع أُمّهاتها ، فإنّ العلوم التي يكتسبها الناس لاجل الدنيا ، والتي لا أثر لها في تكامل ورقيّ أنفسهم ، ولا في تحرير البشر من رقّ عبوديّة المادّة والطبيعة ، وسَوقه إلي العالم الواسع الفسيح للتجرّد والتقرّب وعرفان المعبود ، هي كذلك كمّامات وضعت علي الافكار والآراء والعقول لتحدّها وتمنعها وتكبحها عن الانطلاق والاستفادة من المعارف الحقيقيّة والعلوم السرمديّة ، وارتضاع ماء الحياة المعنويّة ولبن العلوم الحقيقيّة ، وتصدّها عن الانكباب حتّي الارتواء علي ثدي علوم العالم العلويّ التي تتكفّل ببناء الاءنسان وتربية البشريّة . التوسع فی العلوم التجریبیه بدون الارتباط بالله فی ضرر البشریهوحريٌّ هنا ذرف الدموع علي الحظّ التعس لامثال لافوازيه ونيوتن وأينشتَين ومن جاراهم ، وعلي جميع أتباع مدرسته ومادحيه ؛ البكاء عليهم فيم صرفوا أعمارهم وأهدروها ، وأيّ نفع من الاءنسانيّة اكتسبوه ؟ ومضافاً إلي ذلك فلم يقدّر لهذه الاكتشافات أن تعود علي الاءنسانيّة بنفع ، بل كانت سبباً لاءيقاع الضرر بها ؛ فلم ينسَ أهالي طهران بعد تلك الاصوات المهيبة المفزعة ، والخرائب والحرائق واهتزاز الارض تحت أقدامهم لاكثر من شهر جرّاء الصواريخ التي صبّها عليهم النظام العراقيّ ، والتي بلغ عددها المائتي صاروخ !! فما الذي مثّلته هذه الصواريخ غير قانون لافوازيه والقانون الاوّل الثرموديناميكيّ ، والحسابات الدقيقة لجاذبيّة نيوتن ، وتصحيح نسبيّة أينشتَين ؟ لقد أظهر أينشتَين أسفه علي ما اخترعه في آخر سنيّ حياته في المؤتمـر الذي كُرّس لتعظـيمه في أمريـكا ، وقال : لم يكـن ليخـطر ببالي أنّ الدول الظالمة ستسـيء الاستفادة من هذا الاكتشـاف إلي هذا الحـدّ ، فيستخدمون من فلق الذرّة في الصواريخ العابرة للقارّات ويسحقون بها المـرأة والطـفل والرجل العجـوز ، فيدفـنونهم تحـت أطنان الانقاض ، ويجعلونهم طعمة للحرائق . لقد كانت هذه النتائج السيّئة هي الاشياء التي تحقّقت في حياته ، ناهيك عمّا تحقّق بعد وفاته . [38] باش تا صبح دولتت بدمد كاين هنوز از نتايج سحر است [39] الارجاعات: [1] ـ «بسط وقبض تئوريك شريعت» (= بسط وقبض نظريّة الشريعة) ؛ مجلّة «كيهان فرهنگي» رقم 50 ، أُرديبهشت ماه 67 ، رقم 2 ، ص 17 ، العمود الاوّل . [2] ـ «قرآن در اسلام» (= القرآن في الاءسلام) ص 61 ، الطبعة الاُولي . [3] ـ نقل للحقير أخيراً الصديق المعظّم والرفيق الشفيق ، صاحب العلم والورع ، آية الله المكرّم الحاجّ الشيخ عبد الحميد الشربيانيّ دامت بركاته ، عن المرحوم آية الله العظمي المجتهد جامع الشرائط السيّد محمّد حجّت كوه كمري أعلي الله مقامه الشريف ، وهو من المراجع النزيهة والجليلة للحوزة العلميّة في قم ، أنّ أحد القرويّين وضع في يده يوماً ورقة ماليّة قيمتها خمسة تومانات ، فلمّا تسلّم منه هذا المبلغ بقيت يد القرويّ في يده لمدّة لا يطلقها ، وبعد أن غادر القرويّ سأله أحد الحاضرين عن السبب الذي دعاه لاستبقاء يد القرويّ في يده كلّ هذه المدّة وهو أمر لم يكن معهوداً منه قبلاً ؟ فأجاب : إنّ هذا الرجل مزارع ، وقد كسب هذا المال من عمله بالمسحاة ، وقد أثّر العمل في يده فاخشوشنت وملاتها الفقاقيع والنتوءات ، فضغطّت علي يده لتنغرس نتوءاتها في يدي فأعلم كيف ينبغي أن يُصرف هذا المال الذي جاء من هذا الطريق . اللَهُمَّ اغْفِرْ لِسَلَفِنَا الصَّالِحِينَ وَاخْلُفْ عَلَي عَقِبِهِمْ فِي الغَابِرِينَ وَارْحَمْهُمْ وَإيَّانَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . [4] ـ ورد هذا الحـديث في الجوامـع الروائيّة للشـيعة والعامّة ؛ وذكره الشـيخ الرئيـس ابن سينا في «الرسالة المعراجيّة» ، والفيض الكاشانيّ في «الوافي» ج 1 ، ص 102 ، الطبعة الحروفيّة . [5] ـ أورد الشيخ هادي كاشف الغطاء في «مستدرك نهج البلاغة» ص 165 و 166 عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال : أَقَلُّ النَّاسِ قِيمَةً أَقَلُّهُمْ عِلْماً ؛ وَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فِي صِغَرِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كِبَرِهِ ... حتّي يقول : العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَي ، فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَيءٍ أَحْسَنَهُ . ثُمَّ أَنشَأَ يَقُولُ : مَا حَـوَي العِـلْمَ جَـمِـيعاً أَحَـدٌ ل وَلَـوْ مَـارَسَــهُ أَلْــفَ سَــنَـة إنَّـمَـا العِـلْــمُ بَـعِـيــداً غَــوْرُهُ فَخُـذُوا مِنْ كُلِّ شَـيءٍ أَحْسَـنَـه [6] ـ الخطبة 112 من «نهج البلاغة» طبعة مصر بتعليقة محمّد عبده ، ج 1 ، ص 224 ، ومن جملة فقراته : وَمِنَ العَنَاءِ أَنَّ المَرْءَ يَجْمَعُ مَا ل يَأْكُلُ ، وَيَبْنِي مَا ل يَسْكُنُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَي اللَهِ ل مَال حَمَلَ ، وَل بِنَاءً نَقَلَ . [7] ـ ورد هذا الدعاء في الجوامع الشيعيّة والعامّيّة ؛ وقد ذكر الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 53 ، في جملة تعقيبات صلاة العصر : ثُمَّ تَقُولُ : اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْسٍ ل تَشْبَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ ل يَخْشَعُ ، وَمِنْ عِلْمٍ ل يَنْفَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ ل يُسْمَعُ ـ الدعاء . وأورده الراغب الاءصفهانيّ في«المحاضرات» ج 1 ، ص 35 : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ عَالِمٌ ل يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ . وَقَالَ عَلَيهِ السَّلمُ : أَشَدُّ النَّاسِ نَدَامَةً عِنْدَ المَوْتِ العُلَمَاءُ المُفَرِّطُونَ . وَقَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّم : اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ ل يَنْفَعُ ، وَقَلْبٍ ل يَخْشَعُ ، وَعَيْنٍ ل تَدْمَعُ وَنَفْسٍ ل تَشْبَعُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَؤُلءِ الاَرْبَعِ . وروي الحاكم في «المستدرك» ج 1 ، ص 104 ثلاث روايات مختلفة ، إثنتان منها بسنده عن أبي هريرة والثالثة بسنده عن أنس : كَانَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ يَدْعُو فَيَقُولُ : اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرْبَعِ : مِنْ عِلْمٍ ل يَنْفَعُ ، وَقَلْبٍ ل يَخْشَعُ ، وَنَفْسٍ ل تَشْبَعُ ، وَدُعَاءٍ ل يُسْمَعُ ؛ وورد في الدعاء المروي عن أنس بزيادة : اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤْلءِ الاَرْبَعِ . ويقول ابن ميثم كذلك في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام في «شرح نهج البلاغة» ج 5 ، ص 12 : ولهذا فقد كان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم يستعيذ بالله من شرّ هكذا علم ، ويقول : وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ ل يَنْفَعُ . وهو مذكور كذلك في «مرصاد العباد» ص 486 . وأورده في «إحياء العلوم» ج 1 ، ص 291 بهذه العبارة ، وأورده في ج 1 ، ص 3 بهذه الصورة : أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال : نَعُوذُ بِاللَهِ مِنْ عِلْمٍ ل يَنْفَعُ . وأورد الفيض الكاشانيّ هذا الحديث في كتاب «المحجّة البيضاء» ج 1 ، ص 4 ، عن الغزّاليّ . ويقول المعلّق في تعليقته : أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ ... وَالنِّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ ، وَهَكَذَا فِي «المُسْتَدْرَك» ؛ وَفِي «مِصْبَاحِ الشَّرِيعَةِ» باب 60 . [8] ـ الآيتان 17 و 18 ، من السورة 39 : الزمر . [9] ـ «سفينة البحار» ج 2 ، ص 219 . [10] ـ من جملة وصيّة طويلة كتبها أمير المؤمنين عليه السلام للاءمام الحسن عليه السلام في حاضرين وهي مكان قريب من صفّين ، جاءت في الخُمس الاوّل من الرسالة 31 لـ «نهج البلاغة» ، وفي طبعة مصر بتعليقة محمّد عبده : ج 2 ، ص 40 . [11] ـ الآية 50 ، من السورة 51 : الذاريات . [12] ـ «سفينة البحار» مادّة (علم) ، ج 2 ، ص 219 . [13] ـ أورد في الجزء الثاني من «الغرر والدرر» شرح آقا جمال الخونساريّ ، ص 157 ، رقم 2174 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أنْ يُحَاطْ بِهِ ، فَخُذُوا مِنْ كُلِّ عِلْمٍ أَحْسَنَهُ ! [14] ـ أورد هذا المطلب في «سفينة البحار» ج 2 ، ص 219 حكايةً عن الراغب وبلفظ «يانعة» ، ودلالته علي المطلب أفضل من لفظ «نافعة» ؛ ونقل بعد هذا المطلب عن الراغب قوله : وَيَجِبُ أَنْ ل يَخُوضَ فِي فَنٍّ حَتَّي يَتَنَاوَلَ مِنَ الفَنِّ الَّذِي قَبْلَهُ بُلْغَتَهُ ، وَيَقْضِيَ مِنْهُ حَاجَتَهُ . حتّي يصل إلي القول : وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَي «الَّذِينَ ءَاتَيْنَـ'هُمُ الْكِتَـ'بَ يَتْلُونَهُ و حَقَّ تِلوَتِهِ» ؛ أَيْ ل يُجَاوِزُونَ فَنَّاً حَتَّي يُحْكِمُوه عِلْماً وَعَمَلاً . [15] ـ وأورد الخطيب البغداديّ أيضاً هذه الرواية في كتاب «تقييد العلم» ص 141 ، بهذه العبارة : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : العِلْمُ كَثِيرٌ وَلَن تَعِيَهُ قُلُوبِكُمْ وَلَكِنِ ابْتَغُوا أَحْسَنَهُ ؛ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعَالَي : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ إلي آخر الآية . [16] ـ «محاضرات الاُدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء» للراغب الاءصفهانيّ : أبي القاسم حسين بن محمّد ، ج 1 ، ص 51 . [17] ـ نقل في «سفينة البحار» ج 2 ، ص 219 ، في باب علـم عن روضة «بحار الانوار» باب 25 (ضه كه) ، ص 206 ، عن كتاب «أعلام الدين» عن الاءمام موسي بن جعـفر عليه السلام ، قال : أَولَي العِلْمِ بِكَ مَا ل يَصْلُحُ لَكَ العَمَلُ إل بِهِ . وَأَوْجَبُ العَمَلِ (العِلْمِ ظ) عَلَيكَ مَا أَنتَ مَسْؤُولٌ عَنِ العَمَلِ بِهِ . وَأَلْزَمُ العِلْمِ لَكَ مَا دَلَّكَ عَلَي صَلحِ قَلْبِكَ وَأَظْهَرَ لَكَ فَسَادَهُ . وَأَحْمَدُ العِلْمِ عَاقِبَةً مَا زَادَ فِي عِلْمِكَ العَاجِلِ ؛ فَل تَشْغَلَنَّ بِعِلْمِ مَا ل يَضُرُّكَ جَهْلُهُ ، وَل تَغْفُلَنَّ عَنْ عِلْمِ مَا يَزِيدُ فِي جَهْلِكَ تَرْكُهُ . [18] ـ «محاضرات الاُدباء» ج 1 ، ص 52 . [19] ـ كتاب «دو فيلسوف شرق وغرب» (= فيلسوفا الشرق والغرب) للعالم المكرّم عبّاس علي راشد ، ص 117 ، الفصل 17 ، في مبادي النسبيّة . [20] ـ «شرح نهج البلاغة» (الطبعة ذات العشرين جزءاً) ، ج 2 ، ص 262 . [21] ـ «سفينة البحار» للمحدّث الكبير الحاجّ «الشيخ عبّاس القمّيّ ، ج 2 ، ص 223 ؛ وورد في «إحياء العلوم» ج 1 ، ص 3 : قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيهِ وَسَلمُهُ : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَهُ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِهِ . [22] ـ «نهج الفصاحة» ص 64 ، حديث رقم 327 ، الطبعة الحادية والعشرون . [23] ـ روي المجلسيّ في «بحار الانوار» طبعة الكمبانيّ ، ج 1 ، ص 57 و 58 هذه الرواية عن «غوالي اللئالي» وعن «روضة الواعظين» . وورد في «مصباح الشريعة» تحقيق وتقديم العالم الجليل الحاجّ الشيخ حسن المصطفويّ ، طبعة سنة 1379 هجريّة ، الباب 62 ، ص 41 قَالَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السَّلمُ : اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ ؛ وَهُوَ عِلْمُ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ ، وَفِيهِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ . وجاء بعده : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ . وقد نقل الملا محسن الفيض الكاشانيّ عين هاتين الروايتين في كتاب «المحجّة البيضاء» ج 1 ، ص 68 عن «مصباح الشريعة» . وقد ذكر أُستاذنا الاكرم آية الله علي الاءطلاق العلمة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه في كتاب «الميزان» ج 6 ، ص 182 ، في البحث الروائيّ حول علم معرفة النفس وأهمّيّته ، عن «الغرر والدرر» للآمديّ ، عن أمير المؤمنين عليه السلام اثنتَين وعشرين رواية . [24] ـ «أُصول الكافي» ج 1 ، ص 98 و 100 ، حيث يرويه بسندين عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسـلّم ، وورد في ذيله : أَل وَإنَّ اللَهَ يُحِبُّ بُغَاةَ العِلْمِ . [25] ـ «أُصول الكافي» ج 1 ، ص 33 ، الحديث الاوّل من كتاب فضل العلم ، المطبعة الحيدريّة . ورواه المحدّث الجليل الفيض الكاشانيّ في كتاب «المحجّة البيضاء» ج 1 ، ص 28 و 29 . ورواه المجلسيّ في «بحار الانوار» ج 1 ، ص 65 و 66 طبعة الكمبانيّ ؛ عن «الامالي» للصدوق و«معاني الاخبار» و«السرائر» و«غوالي اللئالي» وأورد له شرحاً علي النهج الذي ذكره في «مرآة العقول» . وذكر الغزّاليّ في «إحياء العلوم» ج 1 ، ص 27 ، وروي في ص 28 عن الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم أ نّه قال : إنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْل ، وَإنَّ مِنَ القَوْلِ غَيَّاً . وهو أعمق من المعني الاوّل ، لانّ الرواية الاُولي نفت نفع ساير العلوم لمتعلّمها ونفت ضررها لمن جهلها . لكنّ هذه الرواية عنونت بعض العلوم بالجهل ، ونسـبت بعض القول إلي الغيّ والضلالة . [26] ـ «مرآة العقول» ج 1 ، ص 102 و 103 الطبعة الحروفيّة ، ويقول ابن الاثير في «النهاية» : المراد بالعدل العدل في القسمة ، أي الواجبات المعدّلة علي السهام المذكورة في الكتاب والسنّة من غير جور ، وَيَحْتَملُ أَن يُرِيدَ أَ نَّهَا مُسَتنبِطَةٌ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الفَرِيضَةُ تَعْدِلُ بِمَا عَنْهُمَا انتهي . وذكر هذا الحديث أيضاً المحقّق الفيض في «الوافي» ج 1 ، ص 37 ، باب صفة العلم ، ويقول في شرحه : علمة أي كثير العلم ، والتاء فيه للمبالغة ، ل يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ ، نبّههم علي أ نّه ليس بعلم في الحقيقة ، إذ العلم في الحقيقة هو الذي يضرّ جهله في المعاد وينفع اقتناؤه يوم التناد ، لا الذي يتحسّنه العوامّ ويكون مصيدة للحطام ، ثمّ بيّن لهم العلم النافع المحثوث عليه في الشرع وحصره في ثلاثة . وكأن الآية المحكمة إشارة الي أُصول العقايد ، فإنّ براهينها الآيات المحكمات من العالم أو من القرآن ، وفي القرآن في غير موضع إِنَّ فِي ذَ لِكَ ليَـ'تٍ أو ليَةً ، حيث يذكر دلايل المبدأ والمعاد . و الفريضة العادلة إشارة إلي علوم الاخلاق التي محاسنها من جنود العقل مساويها من جنود الجهل ، فإنّ التحلّي بالاوّل والتخلّي عن الثاني فريضة ؛ وعدالتها كناية عن توسّطها بين طرفي الاءفراط والتفريط ؛ و السُّنّة القائمة إشارة إلي شرايع الاحكام ومسايل الحلال والحرام ؛ وانحصار العلوم الدينيّة في هذه الثلاثة معلوم ، وهي التي جمعها هذا الكتاب «الوافي» وهي مطابقة علي النشآت الثلاث الاءنسانيّة ، فالاوّل علي عقله ، والثاني علي نفسه ، والثالث علي بدنه ، بل علي العوالم الثلاثة الوجوديّة التي هي عالم العقل والخيال والحسّ . فهو فضل زايد لا حاجة إليه ، أو فضيلة ولكنّه ليس بذاك . وقال في نفس الصفحة من «الوافي» : قال السيّد المير الداماد قدّس الله سرّه : علم الآية المحكمة هو العلم النظريّ الذي فيه المعرفة بالله سبحانه وبأنبيائه ورسله وبحقيقة الامر في البدو منه والعود إليه ، وهذا هو الفقه الاكبر ، وعلم الفريضة العادلة هو العلم الشرعيّ الذي فيه المعرفة بالشرائع والسنن والقواعد والاحكام في الحلال والحرام ، وهذا هو الفقه الاصغر ، وعلم السُّنّة القائمة هو علم تهذيب الاخلاق وتكميل آداب السفر إلي الله تعالي والسير إليه وتعرّف المنازل والمقامات والتبصرة ب ما فيها من المهلِكات والمنجِيات . [27] ـ الآية 12 ، من السورة 65 : الطلاق . [28] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 191 ، وفي طبعة مصر بتعليقة محمّد عبده ج 1 ، ص 396 . [29] ـ «ديوان حافظ» ص 209 ، الغزل رقم 457 طبعة پژمان ، وأوّله هذا البيت : اي قصّة بهشت ز كويت حكايتي شرح جمال حور ز رويت روايتي وترجمة البيت الوارد في المتن : «يا من أضاع عمره وعلمه عبثاً وهباءً منثوراً ، لقد أُعطيت مائة رأسمال فأهدرتَها فلم تكفك زاداً إلي غايتك» . [30] ـ للميرفندرسكي قصيدة رائعة في ثمان وأربعين بيتاً مطلعها :
يقول في البيت الوارد في المتن : «عليك نفسك أصلحها إن اليوم أو غداً ، فالظواهر التي لا تمسّ ذاتك لا تعود عليك بنفع وفائدة» . [31] ـ «ديوان السنائيّ» ص 117 إلي 124 ، طبعة أمير كبير ، و قد اقتطفنا هذه الابيات من هذه القصيدة الجميلة البالغة مائة وأربعة وأربعين بيتاً . يقول : «يا من اتّخذ هوي نفسه آلهةً تُعبد ، إنّ آلهة هواك تُسخط عليك الاءله . [32] یقول : تنكّبتَ عن الدرب للحظة فضللتَ ، وجهلتَ العزّ للحظة فلزمتك المذلّة . علمُك إن لم يزجرك ويردعك ، فالجهل لا شكّ أفضل منه مائة مرّة . وذاك الذي تسمع منه قولاً بلا عمل ، ليس عالماً بل غول في هيئة بَشَر . والقلبُ إن اشـتمل علي الضـياع والعقار والحـمير والابقار ، ليـس إل قرية وضيـعةً ، لا قلباً . وهيـهاتَ يظـهر المَلَـك ما دُمتَ لا تطـرد الكلب عن بابك ، ولا تنـزع النقـوش عن جدارك ؟ والقائد الذي لا يضع الدين تاج شرف علي رأسه ، لا ضير إن عددته قائداً عظيماً أو لجاماً وضيعاً . أَكرِمْ بهما هاديان وسائقان علي صراط الله : القرآن كتاب الله ، والروايات والاخبار» . [33] ـ ديوان «مثنوي مولوي» مجلّد ج ، ص 361 ، السطر 17 فما بعده ، طبعة ميرخاني . يقول : «لقد كدّ وكدح ففاق في كدحه الحيوان ، وأنجز في العالم ظرائف الاعمال . وكان مكره وتلبيسه وشيطنته ما يعجز الحيوان عن تلفيق مثله . فحياكة الملابس الموشّاة بخيوط الذهب ، و صيد اللؤلؤ من أعماق البحار . ودقائق علم الهندسة والنجوم والطبّ والفلسفة . إن تعلّقت بعدمه لا وجوده ، فهي مهما علت إلي السماء السابقة . جميعاً كالمعلف الذي تتّكي فيه الانعام وتستريح . المعلف الذي أُعدّ لاستبقاء الحيوانات أيّاماً عدّة ، لكنّ هؤلاء الحياري أطلقوا عليه هذه الاسماء والرموز . [34] یقول : فالعلم الحقيقيّ هو طريق الحقّ ، ومنزل الحقّ ، يعرف ذلك من كان له قلب (وألقي السمع وهو شهيد)» . [35] ـ يقول المرحوم الشهيد الشيخ مرتضي المطهّريّ رحمة الله عليه في كتاب «إنسان كامل» ص 138 : هناك كتاب ترجم عن غاندي يحوي منه مقالات ورسائل ، واسمه «هذا مذهبي» ، وهو في رأيي كتاب جيّد ، يقول فيه : لقد توصّـلتُ من مطـالعة الـ «أپاني شادها» إلي ثلاثة أُسس : 1 ـ معرفة النفس . 2 ـ أنّ من عرف نفسه فقد عرف ربّه وعرف الآخرين . 3 ـ أنّ هناك قوّة واحدة فقط وهي التسلّط علي النفس وقهرها . ويقول في معرفة النفس : إنّ الاءفرنجيّ قد عرف الدنيا لكنّه لم يعرف نفسه ؛ ولا نّه لم يعرف نفسه فقد أشقي نفسه وأشقي الدنيا . وإنصافاً فإنّ كلامه جميل ، وهجومه علي الغرب وعالم ثقافتهم رائع . [36] ـ ينقل الشيخ الطنطاويّ في تفسير «الجواهر» ج 3 ، ص 255 ، طبعة مطبعة مصطفي البابي ، الطبعة الثانية ، سنة 1350 ه ، ذيل الآية 50 ، من السورة 54 : القمر : وَمَآ أَمْرُنَآ إِل و حِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ، مطالب عن الحكيم إفلاطون والحكيم أرسطاليس والرواقيّين بالمناسبة ، حتّي يصل الي قوله : وقد نقلتُ من كلام الاستاذ سنتلانه المكتوب بخطّه في كتابه «تاريخ الفلسفة العربيّة» أنّ حكماء أُوروبّا لم يبرعوا في الفلسفة ولم ينالوا من العلم إل ما كان من قبيل العلوم الجزئيّة ، كالطبيعيّات والرياضيّات ، فاخترعوا وزرعوا وطاروا وحاربوا ؛ أمّا العالم الاعلي وعجائب النفس وأصل التكوين التي وضعت لاجلها الفلسفة ، والتي غاية أبحاثها الوصول للنموذج الاعلي لنوع الاءنسان ، فنسبتهم مع سقراط وأفلاطون كالفيل مع البقّة ، وأ نّهم لو عرفوا ذلك مثل الحكيمَين لم يكونوا إل ملائكة . [37] ـ «ديوان مثنوي» ج 1 ، ص 28 ، السطر 10 طبعة ميرخاني ؛ ويروي الغزّاليّ رواية عالية المضمون في «إحياء العلوم» ج 1 ، ص 7 ؛ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَهِ : أَيُّ الاَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : العِلْمُ بِاللَهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَقِيلَ : أَيُّ العِلْمِ تُرِيدُ ؟! قَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ : العِلْمَ بِاللَهِ سُبْحَانَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : نَسْأَلُ عَنِ العَمَلِ وَتُجِيبُ عَنِ العِلْمِ ! فَقَالَ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ : إنَّ قَلِيلَ العَمَلِ يَنفَعُ مَعَ العِلْمِ بِاللَهِ ؛ وَإنَّ كَثِيرَ العَمَلِ ل يَنْفَعُ مَعَ الجَهْلِ بِاللَهِ . [38] ـ كانت وفاة أينشتَين سنة 1955 ميلاديّة ، حيث انقضي علي وفاته حتّي الآن 33 سنة . [39] ـ يقول : «صبراً حتّي ينفلق صباح دولتك ، فلا زال ما يجري من عوائد السَّحَرِ» . |
|
|