|
|
المقدمة
أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيم بِسْمِ اللهِ الرَّحْـمَنِ الرَّحِـيم وَ صَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ لَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَآئِهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيَامِ يَوْمِ الدِّينِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعلیِّ الْعَظِيمِ
كان الحقير قد بدأ قبل خمسة و عشرين عاماً؛ أي في شهر رمضان المبارك لسنة 1390 هجرّية قمريّة؛ مجموعة أبحاث في مسجد القائم بطهران ، كان من بينها مسألة أبديّة القرءان الكريم و عصمته ، و قد بُرهن في تلك الابحاث بشكل واضح و جليّ علی خلود الآيات المباركة و علی سمّو وصفة الطبيب الآلهي هذه لسعادة البشريّة في النشأتين. و تخللّ تلك الابحاث مسألة الزواج و النكاح في الاسلام ، و أهميّة زيادة النسل ، و قيمة الفرد المسلم و لو كان في مرحلة الجنين أو ما يسبقها في مرحلة النطفة. و كان هذا الامر يبدو عجيباً بحيث استلفت أنظار وأفكار جميع أصحاب النظر و المفكّرين. و لقد منّ الله تعإلی بالتوفيق لتدوين أسس و أصول تلك الابحاث في ذلك الشهر المبارك ، ثم جري تنظيم و شرح الابحاث القرءانيّة منها سنة 1408 بعد مرور ثمان عشرة سنة ، فصارت أربع مجلّدات جاهزة للنشر بإسم «نور ملكوت القرءان» من سلسلة أنوار الملكوت ، طُبع منها المجلّدان الاوّلان. و كانت المواضيع مورد البحث قد أُلقيت في مسجد القائم في أوج قدرة الطاغوت و طغيان الاستعمار الكافر ، و كان يفصلها عن زمن وقوع الثورة الاسلاميّة و تداعي الحكم الجائر و تلاشي معاقل الاستبداد سنواتٌ تسع. و لله الحمد و له المنّة ، فقد امّحت أساساً ، بإشراق شمس فتح الاسلام و ظفره الباعثة علی الامل ، و بإحياء أصل حكومة ولاية الفقيه؛ مسألة حرمان الفتيان و الفتيات من الزواج و تلوّثهم بالفحشاء و المنكرات ، وكذلك مسألة تقليل النسل و استعمال الادوية السامّة لمنع الحمل ، التي كانت توضع تحت تصرّف الطبقة المستضعفة الفقيرة و المحرومة مجّاناً ، فانطوت جميعاً مرّة واحدة و أُلقيت في مزبلة التاريخ. و لغاية سنة 1408 ، حيث كان الحقير قد أعدّ المجلّد الاوّل من هذه المجموعة للطبع بعد شرحه ، و حيث كان القائد العظيم للثورة الاسلاميّة سماحة ءاية الله الخميني تغمّده الله برحمته علی قيد الحياة ، لم يكن هناك أيّ ذكر في المجتمع لمسائل قطع النسل بأيّ وجهٍ من الوجوه ، و لم يكن للحقير علمٌ بالغيب بأن هذه المسائل المهلكة و المدمّرة للبيوت و الاسر ستظهر فجأة بعد ارتحاله ، و تبرز بعد كُمونٍ و اختفاء. امّا في الحقيقة ، فقد خرج الكتاب من الطبع شهر شوال سنة 1410 كأنّه إلهامٌ غيبيّ لتنبيه الناس و تحذيرهم أنْ: أيّها الشعب الحيّ الناهض ، فَلْتَلتفتوا إلی انّ أعداءكم القدماء لايزالون أحياء ، و انّهم قد كمنوا لكم يرصدونكم من كلّ صوب و حدب ، و انّهم قد عقدوا العزم علی استئصال نسلكم بإعلامهم الواسع في كلّ الجوانب ، و علی تبديل مجتمعكم القويّ السالم الرشيد إلی أفراد مرضي متهالكين عاجزين يعانون من الاختلالات العصبيّة و الجنون ، و صمّموا علی إغلاق الانابيب الحيويّة للنساء ، و علی إخصاء الرجال الشجعان الناجحين و تحويلهم إلی أشباه رجال. ذلك لانّهم شاهدوا تلك الشهامة في المواجهة الشجاعة البطوليّة المبتكرة بعد إقدام الشعب المسلم الموفّق و ثورته علی الكفر ، فانّهم يحاولون الآن استئصال جذوركم. كما يحاولون بواسطة الجرائد و المجلاّت و أجهزة الآعلام و وسائل الاتّصالات العامّة التي تنهل من هذا المنهل ، و بالعناوين الواهية التي تتحدّث عن الاقتصاد و جمال المدينة ، و عن الحياة المريحة المرفّهة ، أن يضعوا أساس وجودكم في مهبّ رياح الفناء و العدم ، و يحاولون فقأ أعينكم بحجّة وضع الخضاب علی الحواجب. لذلك فانّهم يسعون بذكاء كبير ممزوج بالمكر و الخديعة ، وبإخفائهم للعواقب الوخيمة لهذه الجنايات ، إلی تغطية العواقب الضارّة للامر ، و إلی جرّ المجتمع ، رجالاً و نساءً ، بأنواع الطرق غير المشروعة و غير العقلائيّة وغير الطبيعيّة ، و المنافية لقواعد الصحّة ، إلی تقليل النسل و قتل النطفة الحيويّة في سرعة و عنف يشبه السقوط من سطح جبلٍ منحنٍ شديد الآنحدار ، و ذلك من أجل أن يسقط الشعب المسلم إلیقظ الذي بدأ يصحو من سباته العميق و يمسك مقدّراته بيده ، في هوة الفناء العميقة المهلكة ، فلا يميز ءانذاك رأسه عن عمامته. أيّها الشعب المسلم! علینا أن نكون يقظين! لقد سقط فيما يقرب من شهر واحد من قبل صدّام الملحد عميل الاستعمار الكافر ما يقرب من مائتي صاروخ علی مدينة طهران لوحدها ، لكنّ اقراص الحمل هذه ، واستعمال الآلات في الرحم ، و اغلاق أنابيب النساء ، و حذف رجولة الرجال ، تلك الامور التي تستتبع ءالاف الانواع من الامراض العصبيّة واختلال جهاز الدورة الدمويّة ، و السكتة القلبيّة ، و الآضطرابات الفكرية والنفسيّة ، و هجوم سيل السرطان ، لا تقلّ في أثرها عن تلك الصواريخ ، بل هي أشدّ و أعظم. انّنا لم نفهم ، و لن نفهم ، كيف صارت زوجة الاب المتعطّشة لدمائنا بالامس أعطف علینا و أبرّ بنا إلیوم من الامّ الحنون ؟ و كيف صار هؤلآ يبذلون الاموال الطائلة و المبالغ الكبيرة الخيإلیة من جيوبهم الطافحة بالفتوّة و الكرم مجّاناً من أجل مصالحنا الاقتصاديّة و رفاه معيشتنا ، وتنعمّنا في المأكل و المشرب و النوم ، و من أجل راحتنا و أطفالنا في المستقبل ؟!! و لقد أطلقوا علی ذلك اسم تنظيم العائلة ليخدعوا بذلك الجهلة ، الاّ انّ العقلآ يعلمون انّه لن يُثمر غير التقتيل و لتنكيل و التبكيت و تقليل العوائل. انّ تنظيم العائلة حسب اصطلاحهم بمعني حدّ النصاب و الظرفيّة المطلوبة الواقعيّة للافراد ، التي إن زادوا علیها أُنقصوا لي ذلك الحدّ ، و إن نقصوا عنها توجّب رفعهم إلی ذلك الحدّ. كما انّ منطقة مملكة ايران ، يمكن عدّها ـ حسب تصديق الاخصّائيين في الداخل و الخبراء الخارجيين ـ من أفضل دول العالم بلحاظ الآمكانات الموجودة و وفرة الاراضي الخصبة الصالحة للزراعة ، والبساتين و مشاريع الدواجن ، و من جهة وفرة الماء و وجود الانهار و أماكن تجمّع المياه ، و من جهة اجتماع أنواع المعادن ، حيث يمكنها بسهولة و يُسر من استيعاب مائتي مليون نفر و تنشئتهم في أحضانها. بيد انّنا نري إلیوم انّنا نعيش في ضيق عجيب لقلّة الايادي العاملة في مجال الزراعة في المزراع و البساتين ، و في المعامل و المصانع. أو ليس معني تنظيم العائلة ان تُصرف هذه المبالغ لتكثير النسل وزيادة الاولاد لزيادة عدد سكّان المدن و الارياف ، ليزداد بذلك ـ بحول الحضرة الاحديّة و قوّتها ـ عدد سكّان هذا البلد و يبلغ حدّ نصابه ، فيصلون جميعاً إلی مرحلة الآكتفاء الذاتي و يكفّون عن احتياجهم لواردات دول الكفر ، و ليحطّموا جميع أغلال الاسر ؟! بلي ، بناءً علی هذا الاساس ، فقد رأيت الآن لزاماً علی نفسي ـ بناءً علی الضرورة و الآقتضاء ـ أن استخرج من المجلّد الاوّل لنور ملكوت القرءان ما كنتُ أعلمه و كتبتُه تلك الايّام عن نظرة الآسلام ، و عن واجب الرجال و النساء المسلمين في أمر الزواج و زيادة النسل ، لاقدّمه بتواضع للآخوة و الاخوات المسلمين بشكل مستقّل بإسم «الرسالة النكاحيّة: الحدّ من عدد السكّان ضربة قاصمة لكيان المسلمين». وَ مَا تَوْفِيقِي´ إلاَّ بِاللَهِ عَلَیهِ تَوَكَّلْتُ وَ إلَیهِ أُنِيبُ. العبد الحقير الفقير الراجي رحمة الربّ الحيّ القدير السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ في البلدة المباركة للمشهد الرضوي المقدّس علی شاهده ءالاف التحيّة و السلام ، في يوم الاحد السادس عشر من شهر محرّم الحرام لسنة ألف و أربعمائة و خمس عشرة هجريّة قمريّة.
في تفسير آية: وَ لاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـ'دَهُنَّ
أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم بِسْمِ اللهِ الرَّحْـمَنِ الرَّحِـيم وَ صَلَّي اللَهُ عَلَی سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ لَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَآئِهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الاْ ´نَ إلَی قِيَامِ يَوْمِ الدِّينِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعلیِّ الْعَظِيمِ
قالَ اللَه الحكيم في كِتابِهِ الكَريم: إِنَّ هَـ'ذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـ'لِحَـ'تِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَ أَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْ خِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا إلیمًا. [1]
القرءان كتاب إنذار و بشارة و هداية إلی الدين و النظام الاقوميمكن بالتأمّل في مفهوم هذه ا لآية الكريمة استخلاص مطالب ثلاثة: الاوّل: انّ القرءان الكريم كتابٌ يهدي المجتمع البشري و يرشده لامتن و أتقن الاديان و الاسإلیب و المذاهب و المسالك و أرسخها ، و هو معنيً يستحقّ التأمّل و الدقّة لاهميّته البالغة ، إذ منذ زمن أبي البشر ءادم وإلی يومنا هذا فانّ ما جاء به الانبياء و ما نطقوا به عن الله الحيّ القيّوم كان لإ رشاد البشر و هدايتهم ، و ما أنزل معهم من كتب في الدعوة للتوحيد وبيان الحقائق و إرشاد الناس إلی منزل السعادة عبوراً من منزلقات الهلاك وتجنّباً من الامراض الروحيّة و الخلقيّة ، و كذا ما جاء به الحكماء الالهيّون الحقيقيّون الذين مجدّهم الإسلام ك لقمان الحكيم و سقراط و افلاطون وءاخرين غيرهم ، و ما بحثه هؤلاء و ما سطروه من كتب أو أسّسوه من مكاتب أو بنوه من مدارس ، و ما قدّموا للعالم الإنساني من تلامذة قديرين ، و كذلك ما يقوم به العلماء و المفكّرون المتألهون و غير المتألهين إلیوم سعياً لتحقيق سعادة المجتمعات ، و ما وضعوه من العلوم المستقلّة بإسم علم الاجتماع و علم النفس و الفلسفة و التحقيق في الاسس الاخلاقية و دراسة الاسلوب الصحيح الواقعي لسعادة البشر و الحياة في ظلّ الهدوء و الصلح والمسالمة و التمتّع بجميع مواهب ا لإ نسانيّة ، و ما ملاوا به الجامعات والكليّات من البحث و التمعّن و التفّحص ، يُضاف إلی ذلك ما حُصل علیه بعد ذلك نتيجة التكامل العلمي و البحث و التحقيق و تإلیف الكتب وتقديم فلاسفة جدد للعالم ، و نتيجة الجلوس علی طاولات المباحثات والمناظرات باختلاف أشكالها و صورها ، و مهما حلّقوا في السماء صُعُداً و سخّروا كواكب المريخ و الزهرة و عطارد سعياً لتقديم البرنامج الاعلی و الامثل للسعادة و الرقيّ ، مع كلّ هذا المرتكز الواسع الممتدّ و النظر المتّسع المستوعب للمذاهب السماويّة و الارضيّة؛ مع هذا كلّه فانّ القرءان الكريم ، نعم هذا القرءان الذي نضعه في جيوبنا و نقرأه هو أقوم و أرسخ وأكثر أصالة و قبولاً من كلّ هذه الاديان و القوانين و الخطط و الاسإلیب ، فهو يهدي المجتمع البشري و يقوده الإصلاح الشامل و السعادة المطلقة والحياة النزيهة المفيدة و العيش الممتع الهاني. و هناك مسألة في غاية الاهميّة و هي انّ هذه ا لآية التي تُذاع إلیوم من إذاعات الدول الاسلامية و الكافرة تُظهر علناً انّ برنامج القرءان هو البرنامج الامثل و إرشاده و هديه و طريقه من أمتن الطرق و أرسخها ، و انّ سكّان المعمورة علی اختلاف ألوانهم من السود و البيض و الحمر و الصُفر ومناطقهم من الشمال إلی الجنوب و الشرق و الغرب و من الصحاري والجبال ، و البحر والبرّ و الجو لو اجتمعوا و بحثوا في ءاداب و تقإلید وأهداف وعقيدة و نهج الحياة واسلوب العيش و ا لإ فادة من أرقي الطرق والمذاهب التي وضعوها نصب أعينهم ثمّ قايسوها مع ذلك بأحكام القرءان من الكسب و التجارة و النكاح وا لعبادة و الصلاة و الصيام و الحجّ و الجهاد و القوانين التوحيديّة و البيانات العرفانيّة و المواعظ الاخلاقيّة و التعإلیم العمليّة لرأوا بأمّ أعينهم انّ ا لإ سلام أفضل و أعلی و أرقي بكثير من كلّ ذلك ، فالقرءان يوصل البشر في طريقٍ أسرع و أيسر و أقرب إلی تكامله ا لإ نساني ، كما انّ خطواته لتوظيف قوي ا لإ نسان و طاقاته و استعداداته الكامنة أمتن و أكثر منهجيّة و أصالة. الثاني: انّه يبشّر المؤمنين و المعتقدين بالحضرة الالهية والمعترفين بالرسالة و المقرّين بالولاية انّ في جهدهم المتواصل و سعيهم الجاد وجهدهم في العمل و السلوك للوصول إلی النجاح و النجاة و الخلاص من هواجس النفس و نيل الدرجات العإلیة و المقامات السامية قد كتب الخالقُ المنّان لهم الاجر و الثواب الجزيل. لذا يُعدّ القرءان كتاب بشارة وأمل وسرور و ابتهاج. الثالث: انّه يُحذّر منكري الخالق و الرسالة و الولاية ، و بالتإلی منكري ا لآخرة و يوم الثواب و الجزاء و يخوّفهم من العذاب الإلیم العسير جزاء كفرهم و عقاب عدم إيمانهم. لذا يُعدّ القرءان كتاب تحذيرٍ و إنذار وتنبيهٍ و إيقاظ. فالقرءان كتاب أمل و بشارة و هو كذلك كتاب إنذار وتخويف ، في نفس الوقت الذي يُعدّ برنامجاً لحركة البشر ، برنامجاً هو أقوم البرامج للوصول إلی أكثر الاديان و الانظمة واقعيّةً و صدقاً و لدرك أنجح المناهج و الغايات. و من جملة ا لآيات التي تهدي إلی سُبل السلام هذه ا لآية الكريمة: يَآأَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَآءَكَ الْمُؤمِنَـ'تُ يُبَايِعْنَكَ عَلَی'´ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَ لاَ يَزْنِينَ وَ لاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـ'دَهُنَّ وَ لاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَـ'نٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَ لاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَهَ إنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [2] و قد نزلت الآيات الاخيرة بعد الفتح ، و كان رسول الله صلّي الله علیه و ءاله يبايع علی هذه الشروط جمعاً من النساء اللاتي جئن للبيعة. بيعة النساء للنبيّ بشرط عدم قتل الاولادوقد روي الواقدي في مغازيه عن عبدالله بن الزبير قال: لمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ، و أسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل ، و أسلمت امرأة صفوان بن أميّة: البغوم بنت المُعَذِّل من كنانة ، و أسلمت فاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وأسلمت هند بنت منبّه ابن الحجّاج ، و هي ام عبدالله بن عمرو بن العاص ، في عشر نسوة من قريش ، فأتين رسول الله صلّي الله علیه وءاله و سلّم بالابطح فبايعنه ، فدخلن علیه و عنده زوجته و ابنته فاطمة ونساء من نساء بني عبدالمطّلب ، فتكلّمت هند بنت عتبة [3]فقالت: يَا رَسُولَ اللَهِ! الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَظْهَرَ الدِّينَ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ لِتَمَسُّنِي رَحْمَتُكَ يَا مُحَمَّدُ؛ إنِّي امْرَأَةٌ مُؤمِنَةٌ بِاللَهِ مُصَدِّقَةٌ! ثمّ كشفت عن نقابها فقالت: هند بنت عتبة. فقال رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلم: مَرْحَبًا بِكِ! فقالت: والله يا رسول الله ما علی الارض مِن أهل خباء أحبّ إلی أن يعزّوا من أهل خبائك. فقال رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلمّ: و زيادة أيضاً. ثمّ قرأ رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلّم علیهنّ القرءان وبايعهنّ ، فقالت هند من بينهن: يا رسول الله نُماسحك ؟ فقال رسول الله: إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ! إنَّ قَوْلِي لِمائةِ امْرَأَةِ مِثْلُ قَوْلِي لاِ مْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. و يُقال: وَضَعَ علی يده ثوباً ثمّ مسحنَ علی يده يومئذٍ. و يُقال: كان يؤتي بقدحٍ من ماء فيُدخل يده فيه ثم يدفعه إلیهنّ فيُدخلن ايديهنّ فيه. و القول الاوّل أثبتها عندي: انّي لا أُصافح النساء.[4] و نقل الطبري في تاريخه عن الواقدي انّ رسول الله صلّي الله علیه وءاله و سلم أمر يوم فتح مكّة بقتل ستة نفر و أربعة نسوة من بينهنّ هند بنت عتبة ، فأسلمت و بايعت و نجت من القتل. حتي يصل إلی القول: فلمّا فرغ رسول الله صلّي الله علیه و ءاله من بيعة الرجال بايع النساء ، و اجتمع إلیه نساءٌ من نساء قريش فيهن هند بنت عتبة متنقّبة متنكّرة لحدثها و ما كان من صنيعها بحمزة ، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بحدثها ذلك ، فلمّا دنون منه ليبايعنه قال رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلّم: تُبَايِعْنِي [ تُبَايِعْنَنِي ] عَلَی أَنْ لاَ تُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيئًا! فقالت هند: والله انّك لتأخذ علینا أمراً ما تأخذه علی الرجال وسنؤتيكه. قال: وَ لاَ تَسْرِقْنَ! قالت: والله إن كنتُ لاصيبُ من مال أبي سفيان الهنة و الهنة و ما أدري أكان ذلك حلاّ لي أم لا ؟ فقال أبوسفيان ـ و كان شاهداً لما تقول ـ: أمّا ما أصبتِ فيما مضي فأنتِ منه في حلّ. فقال رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلّم: وَ إنَّكِ لَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ؟! فقالت: أنا هند بنت عتبة فاعف عمّا سلف عفا الله عنك. قال: وَ لاَ تَزنِينَ! قالت: يا رسول الله ، و هل تزني الحُرّة ؟! قال: وَ لاَ تَقْتُلْنَ أَوْلاَدَكُنَّ! قالت: قَدْ رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَ قَتَلتَهُمْ يَومَ بَدْرٍ كِبَارًا فَأَنْتَ وَ هُمْ أَعْلَمُ. فضحك عمربن الخطّاب من قولها حتّي استغرب. قال صلّي الله علیه و ءاله و سلّم: وَ لاَ تَأتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُنَّ وَ أَرْجُلِكُنَّ! قالت: و الله إنّ اتيان البُهتان لقبيح و لبعض التجاوز أمثل. قال: وَ لاَ تَعْصِينَنِي فِي مَعْرُوفٍ! قالت: ما جلسنا هذا المجلس و نحن نريد أن نعصيك في معروف. فقال رسول الله صلّي الله علیه و ءاله و سلّم لعمر: بايعهنّ؛ و استغفِر لهنّ رسول الله ، فبايعهنّ عمر ، وَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّي اللهُ علیه و ءاله وسلّم لاَ يُصَافِحُ النِّسَاءَ وَ لاَ يَمُسُّ امْرَأَةً وَ لاَ تَمُسُّهُ إلاَّ امْرَأةٌ أَحَلَّهَا اللهُ لَهُ؛ أَو ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ. [5] و روي عن أبان بن صالح أنّ بيعة النساء قد كانت علی نحوين فيما أخبره بعض أهل العلم؛ كان يوضع بين يدي رسول الله صلّي الله علیه وءاله و سلّم إناءٌ فيه ماء فاذا أخذ علیهنّ و أعطينه غمس يده في ا لإ ناء ثمّ أخرجها فغمس النساء أيديهنّ فيه ، ثمّ كان بعد ذلك يأخذ علیهنّ فاذا أعطينه ما شرط علیهنّ قال: إذهَبْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ! لا يزيد علی ذلك.[6] و قال العلاّمة الطباطبائي مدّ ظلّه العإلی في تفسير: وَ لاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـ'دَهُنَّ قال: بِالْوَأدِ وَ غَيْرِهِ وَ إسقَاطِ الاجِنَّةِ.[7] حرمة قتل النفس في ا لإسلاملقد عَدَّ القرءان الكريم قتلَ المسلم عمداً ـ بلا إباحة من الشرع من قصاصٍ أو إجراءٍ لحدّ ـ واحداً من الذنوب الكبيرة توعّدَ علیه التخليد في جهنّم ، و لا ترديد في هذا الامر و لا شبهة ، فقد أقام علماء المسلمون في كتاب الجهاد علی حرمته أدلّةً أربعة: «الكتاب ، السنّة ، ا لإ جماع و العقل» ، و ذكر القرءان الكريم للقتل الخطأ و العمديّ أحكاماً خاصّة: وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَ مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَی'´ أَهْلِهِ إِلاَّ ´ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَ إِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُم مِّيثَـ ' قٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَی'´ أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَهِ وَ كَانَ اللَهُ علیمًا حَكِيمًا ¥ وَ مَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَـ ' لِدًا فِيهَا وَ غَضِبَ اللَهُ عَلَیهِ وَ لَعَنَهُ و وَ أَعَدَّ لَهُ و عَذَابًا عَظِيمًا. [8] مِنْ أَجْلِ ذَ'لِكَ كَتَبْنَا عَلَی' بَنِي´ إِسْرَ'´ءِيلَ أَنَّهُ و مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الاْ رْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَ لَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَـ'تِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَ'لِكَ فِي الاْ رْضِ لَمُسْرِفُونَ. [9] يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُو´ا أَمْوَ ' لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـ'طِلِ إِلاَّ ´ أَن تَكُونَ تِجَـ'رَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَ لاَ تَقْتُلُو´ا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ¥ وَ مَن يَفْعَلْ ذَ'لِكَ عُدْوَ ' نًا وَ ظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَ كَانَ ذَ'لِكَ عَلَی اللَهِ يَسِيرًا. [10] وَ لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ. [11] وَ الَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ وَ لاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لاَ يَزْنُونَ وَ مَن يَفْعَلْ ذَ'لِكَ يَلْقَ أَثَامًا ¥ يُضَـ'عَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ¥ إِلاَّ مَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ عَمَلا ً صَـ'لِحًا فَأُولَـ'´نءِكَ يُبَدِّلُ اللَهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَـ'تٍ وَ كَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. [12] حرمة إسقاط الجنين في الشريعة الاسلاميّة المقدّسةو علاوةً علی التعميمات التي ذُكرت و التي عُدَّ فيها محرّماً قتل النفس المحترمة ـ بشكلٍ عام ـ سواءً كان القتيل من ولد الانسان أم لا ، فقد وردت ءايات كثيرة تنهي بشكلٍ خاص عن قتل الاولاد و تحرّمه ، منها: قَد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللهُ إفْتِرَاءً عَلَی اللَهِ قَد ضَلُّوا وَ مَا كَانُوا مُهْتَدِينَ.[13] قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَیكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَ بِالْوَ'لِدَيْنِ إِحْسَـ ' نًا وَ لاَ تَقْتُلُو´ا أَوْلَـ ' دَكُم مِّنْ إِمْلَـ ' قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ ـ ا لآيةَ. [14] وَ لاَ تَقْتُلُو´ا أَوْلَـ ' دَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـ ' قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا. [15] و كذلك ءاية: وَ إِذَا الْمَوْءُ و دَةُ سُئلَتْ ¥ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ. [16] كلها ءايات تدلّ علی حرمة قتل الولد ، كبيراً كان أم صغيراً ، ذكراً كان أم انثي ناقص الخلقة كان أم كامل الخلقة. و علیه فانّ الطفل الذي يُولد أعمي أو أصمّ أو مجذوذ إلید أو ناقص العقل مجنوناً أو مبتلي بأيّ نقص أو عيب ، لن يمتلك أحد الحقّ في القضاء علیه ، لا أباه و لا امّه ، و لا الحاكم و لا الدولة ، و لا الهيئة الطبيّة و لا غيرهم ، لا فرق في ذلك كان قتله بوسيلة قاتلة ، أو اعطاءه مصلاً ساماً أو إنشاقه غازاً ساماً ، او إذابته بالحوامض ، أو استعمال الاشعّة المهلكة أو أي وسيلة اخري ربّما ستكتشف فيما بعد؛ فهو مخلوقٌ من مخلوقات الله ، لم يرخّص أو يأذن في قتله لاحد ، و هذا العمل قتلٌ للنفس لم يفرّق الله خالق الانسان فيه بين نفس ا لإ نسان الكامل و الناقص ، الرجل و المرأة ، السليم والمريض ، العاقل و المجنون ، الصغير و الكبير ، بل وعد سبحانه علی قتل النفس العمديّ الخلود في نار جهنّم. و فوق ذلك. الانتحار قتلٌ للنفس ، و هو محرّم و ممنوع في ا لإسلامفا لإ نسان ليس حرّاً في التصرّف بنفسه ، فالانتحار حرام و لو كان مسبّباً عن فقر شديد و ضيق ذات إلید ، أو عن السجن لاعوام متمادية ، أو لورود المصائب و المحن المختلفة ، فمن انتحر كان مصيره جهنّم خالداً فيها وفق وعد ا لآية القرءانية ا لآنفة. انّ عموم ا لآيات و اطلاقها الدالّ علی حرمة القتل العمدي يشمل قتل ا لإ نسان نفسه و قتله غيره ، فا لآية الكريمة: أَنَّهُ و مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الاْ رْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. لها دلالة واضحة و صريحة علی حرمة ا لإ نتحار أيضاً ، علاوة علی ا لآية الكريمة التي توضّح هذا المعني أيضاً. وَ أَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ وَ لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَی التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُو´ا إِنَّ اللَهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.[17] لذا فانّ ا لإ نسان لايملك الحقّ في ابتلاع أقراص السم القاتلة علی الفور عند اعتقاله و تعذيبه من قبل العدوّ للحصول علی اعترافه ، و لو كان انتحاره هيّناً لا ألم فيه و لا أذي ، أو كان التعذيب شديداً لا يُطاق و منجرٍّ إلی قتل فظيع يقطّع ا لإ نسان فيه إرباً إرباً ، فليس ل لإ نسان ان يفرّ ـ باختياره ـ بالانتحار السهل السريع من القتل الاشدّ ، فلو سجنه عدوّه في غرفة بنيّة إلقاءه في البحر و إغراقه فليس له ا لإ نتحار بفتح صمام الغاز و استنشاق الغاز المسموم مثلاً ، و لو كان هذا الموت أخفّ و طأةً من ذاك. و كذا الحال للجنود المسلمين علی ظهر سفينة متأهّبة لقتال الكفّار فرماها الكفّار و أحرقوها بالنفط و البنزين ، أو بالصواريخ و سائر الاسلحة المحرقة ، فرأي المسلمون بأمّ أعينهم موتهم الحتمّي حرقاً ، فليس من حقّهم مع ذلك الفرار من ا لإ حتراق برمي أنفسهم في البحر ليموتوا غرقاً حسب اختيارهم. و كذا في حالة مريض بمرض مستعصٍ مُهلك ، كبعض اقسام السرطان الذي تصبح الحياة معه مرارةً ليس الاّ ، هذا المريض لا يمتلك الحقّ في وضع حدٍّ لحياته با لإ نتحار ، أو ان يطلب من صديقه الدكتور المعالج أو ممرّضه و صديقه الحميم أن يعجّلا في موته بإعطائه مصلاً يقضي علیه فيموت قبل أجله الطبيعيّ ، فهذه كلّها تعدّ قتلاً للنفس و هي محرّمةً ممنوعة. سرّ حُرمة الانتحار في ا لإسلامو سرّ ذلك انّ الإنسان ليس في الحقيقة مالك نفسه ليمكنه اتّخاذ القرار بنفسه في مسألة حياته أو موته ، بل ان مالكه و خالقه و ربّه و محييه ومميته هو الله عزّوجل الذي أغلق هذه الابواب كلّها أمامه ، و كلّفه أن يسعي بكلّ ما أوتي من قوّة في إدامة حياته و تأمين بقائه حتّي يأتيه الموت الذي لابدّ منه. و ذلك لان الإنسان و حقيقته و وجوده ليست بقيام بدنه و جسمه ، ليكون له الخيار في تركه و الفكاك منه ، بل انّ واقعيّته و حقيقته في نفسه الناطقة و روحه ، و هي لا تموت بموت بدنه ، و علیه أن يبقي في هذه الدنيا ما دام لم يصل بعدُ إلی كماله ، مهما تجشّم المصاعب و المشاكل ، إذ ربّما كانت هذه المصاعب أيضاً من موجبات تكامله الروحي؛ والانتحار هو الموت قبل الموعد الطبيعي ، و هو قطف الثمرة الفّجة من الشجرة قبل نضجها و خلع ثوب النفس الناطقة و انتزاعها من البدن قبل فعلیتها و هي لا تزال في نطفة الاستعداد و القابليّة. و علی هذا الاساس فانّ الانتحار لا يشاهد وقوعه بين المسلمين أبداً ، و اذا ما حصلت كلّ سنة حادثة او حادثتان من هذا القبيل فهي ناجمة عن جهل هؤلاء بهذه المسألة ، و بتخيّلهم الخلاص من هذه الدنيا و محنها وءالامها و مصائبها ، غافلين عن انّ نار جهنّم أشدّ من هذه المحن و ا لآلام وأكثر إحراقاً و صهراً. أمّا في بلاد الكفر ، و خاصة اوروبا و أمريكا فالانتحار من الشيوع للحدّ الذي صار يشكّل رقماً ملحوظاً كلّ يوم من الوفيات في المدن ، فهم ينتحرون بمجرّد الاصطدام بعقبة أو مشكلة ، و هم لهذا السبب ضعيفوا ا لإ رادة قليلوا الصبر و التحمّل ، لا يمتلكون قدرة تحمّل مشاكل الامراض الصعبة ، و الاختلافات الشديدة بين الازواج ، أو مع الجيران ، و مشاكل الفقر و الفاقة ، و الفشل في الامتحانات النهائية ، و امتحانات القبول في الجامعات و غيرها؛ فهم يقدمون علی الانتحار بمحض وقوع بعض هذه المشاكل. و قد سمعتُ مراراً انّ في انجلترا؛ حيث يندر ان يري الناس المحرومون هناك اشراق الشمس طوال أيّام السنة ، و يقضون أغلب أوقاتهم في تلك الجزيرة الصغيرة ذات السواحل المطّلة علی البحار ، في جوٍّ غائم مكفهرّ بالغيوم السوداء و الهواء الرطب القادم من البحر ، لذا فانّ الخروج خارج المدن للنزهة و المتعة في الايّام المشمسة النادرة يعدّ غايةً في الاهميّة ، و حين تشرق الشمس يوماً يبدو و كأن حياةً جديدةً قد نُفخت فيهم؛ في مثل هذه الاجواء لو وُعد الفتيان هناك بإخراجهم للنزهة خارجاً في يوم مُشمس ، فانّهم سيُقدمون علی الانتحار لو بقيت الشمس غائمة ذلك إلیوم فلم تُشرق! و هم يقدمون علی الانتحار اثر النزاعات الطفيفة العائليّة التي نشاهد و نعاني من أشدّ منها بيننا! لقد صار واضحاً من هذه ا لآيات التي بيّنت في القرءان الكريم في النهي عن قتل الولد ، انّ هناك نوعين رائجين لقتل الاولاد بين عرب الجاهليّة ، و قد منع الباري سبحانه علی يد رسول رحمته كلا النوعين بنحوٍ أكيد و قاطع: الاوّل: قتل الاولاد عموماً ، الذكر منهم و الانثي ، الذي تدلّ علیه ءايات ، وَ لاَ تَقْتُلُو´ا أَوْلَـ'دَكُمْ مِنْ إِمْلَـ'قٍ ، أو خَشْيَةَ إمْلَـ'قٍ ، أو قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَـ'دَهُمْ سَفَهَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ التي ورد ذكرها ، و يستنتج منها انّ عرب الجاهليّة اذا مرّ علیهم عام قحط و مجاعة فانّهم كانوا يقتلون أولادهم لئلاّ يرونهم يعانون شظف العيش و شدّة الجوع و المسنة. و قال العلاّمة الطباطبائي في تفسيرها: الإملاق الإفلاس من المال والزاد ، و منه التملّق ، و قد كان هذا كالسنّة الجارية بين العرب في الجاهليّة لتسرّع الجدب و القحط إلی بلادهم ، فكان الرجل اذا هدّده الإفلاس بادرَ إلی قتل أولاده تأنّفاً مِن أن يراهم علی ذلّة العدم و الجوع. و قد علّل النهي بقوله: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إيَّاهُمْ ، [ أو نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإيَّاكُمْ ] أي انّما تقتلونهم مخافة أن لا تقدروا علی القيام بأمر رزقهم ، ولستم رازقين لهم ، بل الله يرزقكم و ايّاهم جميعاً فلا تقتلوهم.[18] في تفسير ءاية: وَ إِذَا الْمَوْءُ و دَةُ سُئِلَتْالثاني: قتل البنات بالخصوص ، و كانوا يدفنوهنّ أحياءً ، كما دلّت علیه ءاية: وَ إذَا الْمَوْءُ و دَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ، لان معني الموؤدة البنت التي تُدفن حيّة؛ فقد كان الغزو و القتل يكثر في الجاهليّة بين العرب ، وكان يحدث أن تصبح بناتهم أسيرات في أيدي أعدائهم ، فكان هذا الاسر غإلیاً علیهم و صعباً لا يُحتمل ، إذ كانوا يخشون ان تُصبح أعراضهم في بيوت وأيدي أعدائهم يفعلون بها ما يشاؤن ، و هو أمر لم ترتضِه حميّتهم وغيرتهم ، فكانوا يأدون بناتهم كي لا يكون لهم بنت قد تصبح في الحرب و الغارة طعمةً بيد منافسيهم و أعدائهم. قال في مجمع البيان: الْمُوْؤُدَةُ مِن وَأَدَ يَئِدُ وَأْداً ، و كانت العرب تئد البنات خوف الإملاق. قال قتادة: جاء قيس بن عاصم التميمي إلی النبيّ صلّي الله علیه وءاله و سلم فقال: انّي و أدتُ ثمان بناتٍ في الجاهليّة ، فقال: فأعتقْ عن كلّ واحدةٍ رقبة. قال: انّي صاحب إبل. (أي ليس لديّ عبيد لاعتقٌ منهم). قال: فأهِد إلی مَنْ شئتَ عن كلّ واحدة بدنة. قال الجبائي: انّما سميّت موؤدة لانّها ثقلت في التراب الذي طُرح علیها حتّي ماتت؛ و هذا خطأ ، لان الموؤدة من وَأَدَ يَئِدُ معتلّ الفاء و في الثقل ءاده يؤده: أثقله و هو معتلّ العين ، و لو كانت مأخوذة منه لقيل مؤودة علی وزن معوودة و روي عن النبيّ انّه سُئل عن العزل (و هو إراقة الرجل ماءه خارج الرحم عند الجماع) فقال: ذَاكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.[19] (فهو خفيّ لانّه ليس ظاهراً مثل وأد الطفل). و ورد في مجمع البيان أيضاً ان الموؤدة هي الجارية المدفونة حيّةً ، وكانت المرجئة اذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت علی رأسها ، فإن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة ، و إن ولدت غلاماً حبسته.[20] قال الشيخ الطنطاوي: الْمَوْءُودَةُ: الْمَدْفونة حَيًّا؛ و كان العرب يدفنون بناتهم أحياءً خوف الفقر و العار. و سمّيت موؤدةً لانّها تثقل في التراب الذي يُطرح علیها حتّي تموت.[21] و قد منع صعصعة بن ناجية قومه من هذا العمل ، لذا انشد الفرزدق ، وكان من تلك القبيلة ، يفتخر: وَ مِنَّا الَّذِي مَنَعَ الْوَآئِدَا تِ وَ أَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ تُوأَدِ [22] و قد قال العلاّ مة الطباطبائي: و كانت العرب تئد البنات خوفاً من لحوق العار بهم من أجلهنّ؛ كما يشير إلیه قوله تعإلی: وَ إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالاْ نثَي' ظَلَّ وَجْهُهُ و مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ ¥ يَتَوَ'رَي' مِنَ الْقَوْمِ مِن سُو´ءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ و عَلَی' هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ و فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ. [23] و المسؤول بالحقيقة عن قتل الموؤدة و المخاطب و المؤاخذ في قول الله سبحانه تعإلی: وَ إِذَا الْمَوْءُ و دَةُ سُئِلَتْ ¥ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ. هو أبوها الوائد لها لينتصف منه و ينتقم ، لكن عدّ المسؤول في ا لآية هي الموؤدة نفسها ، فسُئلت عن سبب قتلها كنوعٍ من التعريض و التوبيخ لقاتلها و توطئةً لان تسأل الله ا لإ نتصاف لها من قاتلها حتّي يُسئل عن قتلها فيؤخذ لها منه.[24] كان ما بيّناه مشروحاً مسألة قتل الاولاد التي عدّت من الذنوب الكبيرة غير القابلة للعفو؛ و با لإ ضافة إلی ذلك فانّ علی الاب الذي يقوم بقتل أولاده أن يدفع ديتهم ، و كذا الامر بالنسبة للامّ ، و عُيّنت دية الولد ألف دينار شرعي ذهباً و دية البنت بنصف ذلك؛ و دفع الدية من قبل الاب و الام يحدث إن كانت الجناية عمدية ، فتُدفع لغير القاتل من سائر الورثة ، الاقرب فالاقرب بنحو ا لإ رث. فإن كان القاتل الاب خاصةً فانّ الدية بتمامها تدفع إلی الام ، و لا يُقتل الاب بولده ، لكنّ الدية تؤخذ منه ، الاّ اذا نزلت الام عن حقّها في تمام الدية أو بعضها ، حيث لا يبقي ـ علی هذا الفرض ـ في ذمّة الاب شيء. امّا ان كان القاتل خصوص الام ، فإن أصرّ الاب علی القصاص فانّها تُقتل بولدها ، ابناً كان أم بنتاً ، أمّا ان عفي الاب عن حقّه في القصاص ورضي بالدية فانّ علیها ان تدفع له عن قتل ولدها ألف دينار ذهباً ، فإن كان القتيل بنتاً دفعت نصف ذلك ، الاّ اذا نزل الاب في الحإلین عن حقّه في تمام الدية أو بعضها و عفي عن الام ، فتصبح الام إذ ذاك بريئة الذمّة ليس علیها شيء. و في جميع هذه الحالات المذكورة فانّ الاب القاتل ، او الام القاتلة ، يلزمها دفع الكفّارة أيضاً ، و هي تحرير رقبة مؤمنة في سبيل الله ، امّا ان كانت الجناية علی الولد من أبيه او أمّه خطأً غير عمدي ، فلا دية علیهما ، بل تلزم العاقِلة ، و العاقلة هم أقارب الولد القتيل من قِبَلِ أبيه ، فيدفعون ديته كلٌّ حسب قرابته من جهة مراتب ا لإ رث. و يتوجّب كذلك في هذه الجناية غير العمدية علی الاب أو الام تحرير رقبة مؤمنة في سبيل الله. فلو تواطأ الاب و الام كلاهما فأوردا جنايةً عمديةً علی ولدهما فإنّ علیهما دفع الدية إلی سائر ورثة ا لإ بن ، الاقرب فالاقرب؛ (يجب إعطاء الجدّ و الجدّة من جهة الاب و الام ، و كذلك اخوة و أخوات القتيل ، أي ابناء وبنات هذين الابوين) ، و يجب كذلك تقسيم الكفّارة أيضاً. مقدار دية النطفة و دية الجنين حسب مراتب الحملكان هذا بياناً لمسائل تتعلّق بقتل الولد ، عمداً أو خطأً ، و علینا ا لآن مناقشة مسألة قتل الجنين التي تعدّ هي الاخري من الذنوب الكبيرة ، سواءً كان الجنين في مراحل الحمل الاولي أو في ءاخرها ، قدّر لها ـ بمختلف أشكالها ـ العذاب الإلیم ، و أُوجب علیها دفع الدية كذلك ، فإن كان الجنين ذا روح لزمت الكفّارة أيضاً علاوةً علی الدية. و نُورد لإيضاح المطلب خلاصة بيانيْ المرحوم المحقّق الحلّي في كتاب «شرائعُ الإسلام» و الشهيد الثاني: زَيْنُ الدّين العامِلي في كتاب «الرَّوضَةُ الْبَهِيَّة» كتاب الديات ـ باب دية الجنين ، نظراً لاهميّة الموضوع: قيمة النطفة عشرة دنانير ذهباً ، يزن كلّ دينار منها مثقالاً شرعيّاً واحداً؛ فمن أفزع مجامعاً فعزل ، فعلی المفزع عشرة دنانير ذهباً (دية ضياع النطفة) يدفعها لهما فيقسمانها أثلاثاً ، للرجل ثُلثان 3/2 وللمرأة ثُلث واحد 3/1. و لو أفزعت المرأةُ الرجلَ ، حال الجماع ، فأراق منيه خارج الرحم ، فعلیها ان تدفع له تمام الدية ، اي عشرة دنانير ذهباً؛ و إن أفزع الرجلُ المرأةَ فأُريق المني خارجاً ، فعلی القول بحرمة عزل الرجل اختياراً ، علی الرجل أن يدفع الدية للمرأة ، و أمّا علی القول الاقوي بأنّ العزل اختياراً غير حرام علی الرجل ، فلا دية علیه. فإن أريقت النُّطفَةُ فاستقرّت في الرحم ، فانّ ديتها و قيمتها عشرون ديناراً ذهباً ، يتوجّب دفعها علی من تسبّب بإسقاطها. فإن كان المسبّب المرأة ، فعلیها ان تدفع للرجل عشرين ديناراً ، و إن كان المسبّب الرجل ، فعلیه ان يدفع ذلك للمرأة ، و امّا اذا تسبّبا سويّاً في ذلك ، فعلیهما أن يدفعا للجدّ و الجدّة و لإ خوة و أخوات هذه النطفة التي تشكّل مبدأ خلق الطفل. فإن صارت النطفة عَلَقَةً ، صارت ديتها أربعين ديناراً ، فالنطفة حين يمرّ علیها زمن تتحوّل فيه إلی علق كعلق الدم تدعي علی إثر تحوّلها وتبدّلها عَلَقَةً. فإن صارت العلقة مُضْغَةً صارت ديتها ستين ديناراً ، فحين يمرّ زمن علی العلقة تصبح كمضغة اللحم الذي يؤكل و يُمضغ تدعي مُضْغَةً. فإن نشأ في المضغة عظم (اي ابتداء تكوّن و خلق العظام من هذه المادّة) صارت ديتها ثمانين ديناراً. فإن اكتمل خلق الجنين فاكتست العظامُ لحماً و شقّت جوارحه وصار خلقاً سويّاً قبل أن تلجه الروح ، صارت ديته مائة دينار ، ابناً كان الجنين أم بنتاً. و دليل هذا التفصيل و مستنده أخبارٌ كثيرة ، من جملتها صحيحة محمّد بن مسلم عن ا لإ مام الباقر علیه السلام، و هناك بالطبع روايات اخري وردت في هذا الموضوع ، من جملتها رواية أبي بصير عن ا لإ مام الصادق علیه السلام تدلّ علی انّ دية الجنين كيفما كان سبب ا لإ سقاط غُرَّة[25] ، سواءً كانت الغرّة غلاماً أو و صيفةً يُشترط ان تكون غير عجوز و لا صغيرة لها أقلّ من سبع سنين؛ لكنّ الرواية الاولي أصحّ سنداً ، و الشهرة الفتوائية علی أساسها أكثر. و حالات قتل الجنين السابقة جميعها لا تستلزم الكفّارة (أي تحرير رقبة مؤمنة في سبيل الله) ، اذ ان لزومها مشروط بحياة القتيل ، و قد افترضنا حتي ا لآن انّ الجنين لم تلجه الروح بعد ، فلا كفّارة. امّا ان ولجت الروحُ الجنين ، صارت ديته دية إنسان كامل ، فإن كان أبناً صارت ديته ألف دينار شرعي ، تعدل ألف مثقال شرعي من الذهب المسكوك ، أمّا إن كان الجنين المسقط بنتاً فديتها خمسمائة دينار شرعي يدفعها من تسبّب بهذا ا لإ سقاط عمداً إلی الوارث ا لآخر ، اي الاب إن كان القاتل هو الام ، أو الام إن تسبّب الاب بالقتل ، أو إلیهما ان كانت الجناية من غيرهما. و علی الفرض الاخير فان الاب و الام يقسمان دية الابن القتيل بينهما بنسبة الثلثان و الثلث علی الترتيب. مقدار دية الجنين عند عدم تشخيص الذكورة و الانوثةفلو تعذّر تشخيص هويّة الجنين أ ابناً كان أم بنتاً ، كما لو مات في بطن امّه و ماتت امّه أيضاً ، فيؤخذ من الجاني قاتل الجنين في هذه الحالة نصف مجموع دية الولد و البنت ، أي سبعمائة و خمسون ديناراً. 2/1000+500 = 750. و هذا الفرض يتّفق و قوعه كثيراً ، كما لو أورد الجاني جنايةً علی الام و جنينها ، أو علی الجنين ثم تموت الام موتاً طبيعياً ، و ينبغي في هاتين الحالتين دفع مبلغ سبعمائة و خمسين ديناراً لتعذّر معرفة هوية الجنين. و ينبغي في هذه الحالة العلم انّ موت الجنين قد وقع بعد حياته في رحم الام ، لانّ موته قبل الام أو بعدها لا تأثير له في اشتباه حاله ، بل ان المؤثر في تردّد حاله بين الذكورة و الانوثة هو موته بعد حياته ، عند افتراض عدم خروجه من بطن أمّه و افتراض و لوج الروح فيه قبل الجناية ، حيث تصبح ديته نصف مجموع دية الولد و البنت. و في هذه الكيفيّة من قتل الجنين فالكفّارة أيضاً ستلزم القاتل ، عمديّاً كان القتل أم خطأً ، و علی فرض التعمّد فان الدية ستلزم القاتل وتكون في ذمّته فينبغي علیه دفعها علاوةً علی الكفّارة. امّا علی فرض القتل الخطأ ، فعلیه الكفّارة فقط ، و تلزم الدية العاقلة (أقرباء أب الجنين) ، يدفعونها الاقرب فالاقرب. كان هذا خلاصة أقوال المحقّق و الشهيد الثاني في الدية و كفّارة سقط الجنين. و ينبغي العلم انّ المؤثّر في الذنب و الدية و كفّارة سقط الجنين هو القضاء علی الجنين في بطن امّه ، مهما كانت الوسيلة إلی ذلك؛ سواءً كان ذلك نتيجة حمل شيء ثقيل ، او ابتلاع دواء ، أو استعمال بعض المواد ، أو زيادة تناول بعض الاغذية المحلّلة أكثر من المتعارف ممّا ينجرّ إلی اسقاط الطفل؛ كأن يقال مثلاً انّ تناول الزعفران أكثر من الحدّ المتعارف في ابتداء الحمل يؤدّي إلی اسقاط الجنين؛ و سواءً كان ذلك بعمليّة جراحية او بأمثال استنشاق بعض الغازات ، أو العبور من بعض أقسام الاشعة المستعملة في المجالات الطبيّة ، فان اسقاط الجنين قتلٌ في كلّ الاحوال و ذنبٌ من الذنوب الكبيرة و محرّم من أعظم المحرّمات الالهيّة. انّ علی الاطبّاء و الجرّاحين الذين يمزّقون الطفل حيّاً بالعملية الجراحية إرباً إرباً فيخرجونه ، ان يترقّبوا العذاب الالهيّ الإلیم ، و هو الخلود في نار جهنّم ، و علیهم ـ علاوةً علی ذلك ـ دفع الدية و الكفّارة أيضاً. فإن كانت الروح قد ولجت الطفل ، و كان الطبيب الجاني امرأة ، فانّ لحاكم الشرع ـ إن طلب وليُّ الطفل القتيل القصاص ـ أن يُعدم تلك الطبيبة الجانية ، سواءً كان الطفل المعصوم البريء ابناً أو بنتاً. امّا اذا تصدّي لهذا العمل المنكر القبيح طبيبٌ رجل ، فلحاكم الشرع ، بناءً علی طلب ولي الطفل القصاصَ ، أن يُعدم الطبيب إن كان القتيل ابناً ، فإن كان بنتاً فله إعدامه بها و يبقي علی ورثة الطفل القتيل دفع نصف الدية الكاملة (أي خمسمائة دينار شرعيّ مسكوك) إلی ورثة الطبيب. و في حال عدم طلب وليّ الطفل القتيل القصاص ، فلحاكم الشرع عند ثبوت الجناية لديه أن يُعزّر الطبيب بالشكل الذي يراه مناسباً ، بحبسٍ أو جلدٍ ، ليكون ذلك رادعاً عن هذا العمل القبيح غير اللاّ ئق. انّ علی ا لآباء الذين يجبرون نساءهم علی اسقاط جنينهنّ ، والامّهات اللاتي يقمن أنفسهن بإسقاط الجنين ، أن ينتظروا الذلّ و الانتقام و العقاب الإلیم الذي سيُنزله الله الخالق بهم بقتلهم هذا الطفل المظلوم ، و سيطوي ـ عاجلاً أو ءاجلاً ـ ملفّ حياتهم الجميلة ، فما الذي سيحلّ بهم في البرزخ ، و في يوم القيامة ؟ الله وحده يعلم. [1] ـ ا لآية 9 و 0 1 ، من السورة 17: الإ سراء [2] ـ ا لآية 12 ، من السورة 60 : الممتحنة [3] ـ هند بنت عتبة ام معاوية بن أبي سفيان و زوجة أبي سفيان ، و هي التي بقرت بطن حمزة سيدالشهداء عليه السلام في حرب أُحد و استخرجت كبده فقطعتها و صنعت منها قلادة علّقتها في عنقها ، ثم لاكت قطعةً من كبده ، و قطعت أعضاءه و مثّلت بها. قُتل أبوها عتبة و عمها شيبة و ابنها حنظلة في حرب بدر ، و كان لها عداوة شديدة مع رسول الله ، فأهدر دمها يوم فتح مكّة ، لكنّها أسلمت فقبل الرسول إسلامها و حقن دمها. صلّي الله عليك يا رسول الله و علي أهل بيتك الطاهرين. [4] ـ «مغازي» محمّد بن عمر بن واقد ، المتوفي سنة 207 ، المعروف بالواقدي ، ج 2 ، ص 0 85 ـ 851 [5] ـ «تاريخ الامم و الملوك» لابي جعفر الطبري ، طبع مطبعة الاستقامة ـ القاهرة ، ج 2 ، ص 337 ـ 338. [6] - نفس المصدر [7] ـ «الميزان في تفسير القرءان» ج 19 ، ص 279 [8] ـ ا لآية 92 و 93 ، من السورة 4: النّسا´ء [9]ـ ا لآية 32 ، من السورة 5: الما´ئدة [10] ـ ا لآية 29 و 0 3 ، از سوره 4: النّسآء [11] ـ قسم من ا لآية 151 ، من السورة 6: الانعام و صدر ا لآية 33 ، من السورة 17: الإ سرا´ء [12] ـ ا لآية 68 إلي 70 ، من السورة 25: الفرقان [13] ـ ا لآية 0 14 ، من السورة 6: الانعام [14] ـ صدر ا لآية 151 ، من السورة 6: الانعام [15] ـ ا لآية 31 ، من السورة 17: الإ سرا´ء [16] ـ ا لآية 8 و 9 ، من السورة 81: التّكوير [17] ـ ا لآية 195 ، من السورة 2: البقرة [18] ـ «الميزان في تفسير القرءان» ج 7 ، ص 397 ذيل ا لآية الواردة في سورة الانعام: وَلاَ تَقْتُلُو´ا أَوْلَـ'دَكُم مِّنْ إِمْلَـ'قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ. [19]. ـ «مجمع البيان» طبع صيدا ، ج 5 ، ص 442 ـ 443 ، والحاكم في «المستدرك» ج 4 ص 69 عن بنت وهب الاسديّة و قد روَت هذه العبارات عن رسول الله صلّي الله عليه و ءاله. [20] ـ «مجمع البيان» ص 444 [21] ـ رأينا لاحقاً ان الشيخ الطبرسي قد ردّ في «مجمع البيان» هذا الاء حتمال [22] ـ تفسير «الجواهر» ج 25 ، ص 81 [23] ـ ا لآية 58 و 59 ، من السورة 16: النّحل
|
|
|